Law magazine issue4

Page 1

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬

‫‪Email: lawmagazine@ajman.ac.ae‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة تعنـــــي بالدراسات الشرعية والقانونية واالقتصاديـــــة‬

‫• الحوكمة في البنوك اإلسالمية‬

‫محمد احلسني‬ ‫أ‪ .‬د‪.‬‬ ‫ّ‬

‫• المسؤولية المدنية لطبيب األسنان في القانون الفرنسي‬ ‫د‪ .‬عبدالكرمي صبري ود‪ .‬رغيد عبد احلميد فتال‬

‫• البناء على أرض الغير في قانون المعامالت المدنية اإلماراتيّ والقانون المدنيّ‬ ‫المصريّ ‪ -‬دراسة مقارنة‬ ‫د‪ .‬عيسى غسان الرّبضي‬ ‫• التوظيف الفقهيّ المعاصر ألدوات االجتهاد حالة المؤسسات المالية اإلسالمية‬ ‫ دراسة فقهية نقدية‬‫د‪ .‬عبد العظيم أبوزيد‬ ‫• اختصاص القضاء اإلماراتي بجرائم التعاطي خارج الدولة‬

‫د‪ .‬أحمد شاكر‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪law.ajman.ac.ae‬‬

‫الترقيم الدولي‪ISBN978 – 9948 – 15 – 966 - 7 :‬‬

‫(نصف سنوية)‬

‫مجلة العلوم القانونية‬



‫مجلة العلوم القانونية ‪ -‬مجلة دورية علمية محكمة‬ ‫(نصف سنوية) تقبل النشر باللغات العربية واإلجنليزية والفرنسية‪،‬‬ ‫ترمي إلى اإلسهام في تطوير املعرفة ونشرها‪ ،‬وذلك بنشر البحوث‬ ‫والدراسات الشرعية والقانونية واالقتصادية‪ ،‬وتعتبر اجمللة سجال ً وثائقيا ً‬ ‫للبحوث والدراسات الشرعية والقانونية واالقتصادية‪.‬‬

‫الهيئة االستشارية للمجلة‬

‫املستشار الدكتور ‪ /‬عبد الوهاب عبدول‬ ‫رئيس احملكمة االحتادية العليا – اإلمارات‬

‫األستاذ الدكتور‪ /‬محمد حسن القاسمي‬ ‫عميد كلية القانون ‪ -‬جامعة اإلمارات العربية املتحدة‬ ‫القاضي الدكتور ‪ /‬جمال السميطي‬ ‫مدير عام معهد دبي القضائي‬

‫معالي األستاذ الدكتور ‪ /‬أحمد جمال الدين موسى‬ ‫أستاذ االقتصاد بكلية احلقوق ‪ -‬جامعة املنصورة‬

‫وزير التربية والتعليم األسبق في جمهورية مصر العربية‬ ‫األستاذ الدكتور ‪ /‬رفعت العوضي‬ ‫رئيس مكتب هيئة اإلعجاز العلمي بالقاهرة التابع ملنظمة‬ ‫املؤمتر اإلسالمي‬ ‫أستاذ االقتصاد بكلية التجارة ‪ -‬جامعة األزهر‬ ‫األستاذ الدكتور ‪ /‬محمد املرسي زهرة‬

‫أستاذ القانون املدني بكلية احلقوق ‪ -‬جامعة عني شمس‬ ‫العميد األسبق لكلية الشريعة والقانون ‪ -‬جامعة اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة‬


‫أهداف اجمللة‪ :‬تسعى جملة العلوم القانونية إىل حتقيق عدة‬ ‫أهداف‪ ،‬أهمها‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعميق املعرفة بأحكام الشريعة اإلسالمية والتشريعات القانونية واإلقتصادية على املستويني احمللي‬ ‫واإلقليمي‪.‬‬ ‫‪ -2‬املساهمة في إثراء البحث القانوني لدى املشتغلني بالقانون داخل الدولة وخارجها‪.‬‬ ‫‪ -3‬التعاون مع كليات القانون والشريعة واحلقوق على املستوى احمللي واإلقليمي والدولي‪.‬‬ ‫‪ -4‬تدعيم التواصل مع كافة األجهزة احلكومية والهيئات واملؤسسات العامة واخلاصة العاملة في اجملال‬ ‫القانوني‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقدمي العون للجهات القضائية من خالل التعليق على األحكام واملبادئ القضائية وحتليلها‪.‬‬

‫اهتمامات اجمللة‪ :‬تعنى اجمللة بنشر ما يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬البحوث العلمية الرصينة في مجاالت التخصص‪.‬‬ ‫‪ -2‬البحوث والدراسات املعنية بالفقه االسالمي‪.‬‬ ‫‪ -3‬البحوث والدراسات النقدية التي تتصل باإلصدارات في مجاالت التخصص التي تعنى بها اجمللة‪.‬‬ ‫‪ -4‬البحوث والدراسات العلمية املعنية مبعاجلة املشكالت املعاصرة والقضايا املستجدة في مجال الشريعة‬ ‫والقانون واإلقتصاد‪.‬‬ ‫‪ -5‬البحوث والدراسات العلمية التي تسهم في رقي اجملتمع حضاريا ً واحملافظة على هويته العربية واإلسالمية‪.‬‬

‫املستندات املطلوب تسليمها‪:‬‬ ‫‪ .1‬طلب بنشر البحث‪.‬‬ ‫‪ .2‬تقدم البحوث وجميع املراسالت إلكترونيا ً من خالل البريد اإللكتروني املبني ‪.‬‬

‫قواعد النشر يف اجمللة‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعهد من الباحث بأن البحث لم يسبق نشره وأنه يلتزم باملبادرة بإخطار اجمللة في حالة تقدمي البحث للنشر في‬ ‫مجلة أخرى طاملا لم تبد اجمللة رأيها ‪ -‬بعد ‪ -‬في البحث‪.‬‬ ‫‪ -2‬ال يجوز نشر البحث في مجلة أخرى (أو مؤمتر أو ندوة علمية أو بأي وسيلة أخرى) بعد قبوله للنشر في اجمللة إال ّ بعد‬ ‫احلصول على إذن كتابي من مدير التحرير‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن يلتزم الباحث املنهجية العلمية والتوثيق العلمي ملادة البحث ‪ ،‬وأن يتسم البحث باألصالة واإلضافة للمعرفة‬ ‫القانونية‪.‬‬ ‫‪ -4‬أال يكون البحث مستال ً من رسالة علمية (ماجستير أو دكتوراه) نال بها الباحث درجة علمية‪ ،‬أو منشورا من قبل‬ ‫على أي صورة من صور النشر‪.‬‬ ‫‪ -5‬أال يتجاوز حجم البحث خمسني صفحة إال ّ إذا اقتضى ذلك احلفاظ على وحدة البحث‪.‬‬ ‫‪ -6‬على الباحث أن يختتم بحثه بخامتة يبني فيها أهم النتائج التي توصل إليها‪ ،‬وكذلك التوصيات التي يراها‪.‬‬ ‫‪ -7‬تقدم البحوث مطبوعة بخط ‪ Simplified Arabic‬وتكتب العناوين الرئيسة والفرعية باخلط األسود العريض‬ ‫بحجم (‪ ، )16‬وحجم (‪ )14‬للنصوص في املنت‪ ،‬وبحجم (‪ )12‬للهوامش في أسفل كل صفحة‪ ،‬ويكتب البحث على‬ ‫وجه واحد‪ ،‬مع ترك مسافة ‪ 1.5‬بني السطور‪ .‬وينبغي مراعاة التصحيح الدقيق في جميع النسخ‪.‬‬ ‫‪ -8‬تكون احلواشي ‪ 2.5‬سم على جوانب الصفحة األربعة‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫‪ -9‬أن يراعي في التهميش والترقيم والتواريخ وذكر املراجع واملؤلفني اآلتي‪:‬‬ ‫أ‪ .‬أن تكون اإلشارة إلى صفحات املصادر واملراجع في الهامش وليس في صلب البحث‪.‬‬ ‫ب‪ .‬أن ترقم هوامش كل صفحة على حده‪ ،‬ويراعي في الترقيم األرقام املتعارف عليها في األسلوب العربي‪.‬‬ ‫ت‪ .‬عند ذكر األعالم واملؤلفني يذكر اسم الشخص أوال ثم اسم أبيه وجده ثم لقبه‪.‬‬ ‫ث‪ .‬تثبت املصادر واملراجع العلمية ومؤلفوها في نهاية البحث بالترتيب الهجائي‪ ،‬مع بيانات الطباعة والنشر‪.‬‬ ‫‪ -10‬يقدم البحث في نسخة إلكترونية مع مراعاة التدقيق اللغوي‪.‬‬ ‫‪ -11‬يقدم الباحث موجزا ً لسيرته العلمية في حدود عشرة سطور في صفحة مستقلة‪ ،‬تتضمن‪ :‬االسم‪ ،‬وجهة عمله‪،‬‬ ‫ورتبته العلمية‪ ،‬وأهم أبحاثه‪ ،‬مع صورة شخصية حديثة‪ ،‬وملخص للبحث في حدود ‪ 500‬كلمة باللغتني العربية‬ ‫واإلجنليزية‪.‬‬ ‫‪ -12‬يتم عرض البحث ‪ -‬على نحو سري – على محكمني من ذوي الكفاءة ممن يقع عليهم اختيار اجمللة‪.‬‬ ‫‪ -13‬تخطر اجمللة أصحاب البحوث املقدمة مبوقفها من نشر بحوثهم على النحو التالي‪:‬‬ ‫أ‪ .‬يخطر أصحاب البحوث الواردة بوصولها إلى اجمللة خالل أسبوع من تاريخ الوصول‪.‬‬ ‫ب‪ .‬يخطر أصحاب البحوث املقبولة بإجازة بحوثهم للنشر‪.‬‬ ‫ت‪ .‬في حالة وجود مالحظات على البحث‪ ،‬يعاد البحث لصاحبه الستيفاء هذه املالحظات ليكون صاحلا ً للنشر‪.‬‬ ‫‪ -14‬يعتذر للباحث الذي لم توافق جلنة احملكمني على نشر بحثه دون االلتزام بإبداء األسباب‪.‬‬ ‫‪ -15‬أصول البحوث املقدمة للمجلة ال ترد سوا ًء نشرت أو لم تنشر‪.‬‬ ‫‪ -16‬ما ينشر في اجمللة من آراء تعبر عن أفكار أصحابها وال متثل بالضرورة رأي اجمللة أو اجلامعة‪.‬‬ ‫‪ -17‬مينح الباحث نسخة إلكترونية حتتوي على‪ :‬بحثه املنشور‪ ،‬والعدد الذي نشر فيه البحث كامالً‪ ،‬كل في ملف‬ ‫مستقل‪.‬‬ ‫‪-18‬توجه جميع املراسالت باسم عميد كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬على البريد اإللكتروني‬ ‫اآلتي‪lawmagazine@ajman.ac.ae :‬‬

‫املستندات املطلوب تسليمها‪:‬‬ ‫‪ -1‬طلب بنشر البحث‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقدم البحوث وجميع املراسالت إلكترونية من خالل البريد اإللكتروني املبني ‪.‬‬ ‫ص‪ .‬ب‪ 346 :.‬عجمان‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬هاتف‪ 6131 705 6 971+ :‬أو ‪6441 705 6 971+‬‬ ‫فاكس‪ ،6270 705 6 971+ :‬البريد اإللكتروني‪lawmagazine@ajman.ac.ae :‬‬

‫‪law.ajman.ac.ae‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪5‬‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫كلمة العدد‬ ‫احلمد اهلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد األمني وعلى آله وصحبه‬ ‫أجمعني‪.‬‬ ‫يتزامن العدد الرابع من مجلة العلوم القانونية التي تصدرها كلية القانون بجامعة عجمان‬ ‫للعلوم والتكنولوجيا مع ذكرى عزيزة وغالية على قلوبنا جميعاً‪ ،‬وهي ذكرى العيد الوطني لدولة‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬الذي يصادف السنة الثالثة واألربعون الحتاد اإلمارات العربية‪ ،‬وبهذه‬ ‫املناسبة السعيدة يتشرف عميد كلية القانون و أعضاء اللجنة االستشارية للمجلة وكذا أعضاء‬ ‫الهيئة التدريسية واإلدارية وجميع العاملني بالكلية بتقدمي أسمى التهاني وأغلى األماني لرئيس‬ ‫الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان‪ ،‬ونائبه صاحب السمو الشيخ محمد بن‬ ‫راشد آل مكتوم‪ ،‬وإلى أصحاب السمو حكام اإلمارات وأولياء العهود الكرام سائلني اهلل عز وجل‬ ‫أن يعيد هذه املناسبة على شعب اإلمارات مبزيد من التقدم والرقي واألمن واالزدهار‪.‬‬ ‫يتضمن هذا العدد من اجمللة خمسة بحوث باللغة العربية تتوزع تخصصاتها بني املالية‬ ‫والقانون املدني وعلم أصول الفقه‪.‬‬ ‫وقد تناول البحث األول الذي جاء حتت عنوان « احلوكمة في البنوك اإلسالمية « أهمية‬ ‫احلوكمة في جناح املنظمات عموما ً والبنوك في مقدمتها‪ ،‬واعتبر الباحث أن احلوكمة ما هي‬ ‫إال فلسفة إدارية جاءت لتجاوز أخطاء وقصور اإلدارة في مرحلة ما قبل احلوكمة‪ ،‬وبحسب رأي‬ ‫الباحث‪ ،‬فإن البنوك من أكثر املنظمات حاجة لتطبيق احلوكمة نظرا ً للدور احملوري الذي تلعبه‬ ‫في أي اقتصاد باعتبار أغلبها شركات مساهمة‪ ،‬مما يجعل بالتالي من مصلحة حملة األسهم‬ ‫واإلدارة وأصحاب املصالح كافة تطبيق أفضل املمارسات اإلدارية وحتقيق الكفاءة والفاعلية في‬ ‫اإلدارة املصرفية‪ ،‬واعتبر الباحث أن البنوك اإلسالمية أضحت العبا ً أساسيا ً في سوق الصيرفة‬ ‫في العالم‪ ،‬وما مييز هذه البنوك هو وجود جلنة للرقابة الشرعية للتأكد من التزام البنك بأحكام‬ ‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وقد حاول البعض القول أنه من الصعب التزام البنك باحلوكمة‪ ،‬غير أن‬ ‫الباحث ركز على دحض هذه الفكرة من خالل عرض العديد من األمثلة من القرآن الكرمي والسنة‬ ‫النبوية‪ ،‬وتوصل من خاللها إلى أن تطبيق االمتثال واحلوكمة ممكن في البنوك اإلسالمية ألن باب‬ ‫االجتهاد مفتوح أمام جلنة الرقابة الشرعية‪ ،‬واألمر يحتاج إلى تدريب أعضاء اللجنة وإطالعهم‬ ‫على ما يقوم به البنك حتى يجدوا الفتوى املناسبة بخصوصية كل معاملة على حدة‪.‬‬ ‫وفي نهاية البحث أورد الباحث عدة توصيات تساعد على تطبيق احلوكمة في البنوك‬ ‫اإلسالمية من شأنها الرفع من مستوى أداء هذه البنوك مبا يتالءم مع مقاصد الشريعة وأهدافها‬ ‫السامية‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫وفي البحث الثاني اخملصص للمسؤولية املدنية لطبيب األسنان في القانون الفرنسي‪ ،‬أشار‬ ‫الباحثان إلى أنه بعد صدور القانون رقم ‪ 2002-303‬باتت املادة ‪ L. 1142-1‬من قانون الصحة العامة‬ ‫تنص في فقرتها األولى على أن مسؤولية من ميارسون املهن الصحية تقوم على اخلطأ واجب‬ ‫اإلثبات‪ .‬إال أن القضاء الفرنسي قد فسر هذا النص وحدد األساس القانوني لتلك املسؤولية على‬ ‫حسب التزامات طبيب األسنان‪.‬‬ ‫وأشار الباحثان إلى أن التزام طبيب األسنان بشأن تقدمي عناية تتفق والضمير اإلنساني‬ ‫واملهني واألصول العلمية الثابتة واملتوفرة هو التزام ببذل عناية‪ ،‬أما التزامه بإيجاد التركيبات‬ ‫االصطناعية كالوجبات أو اجلسور مثالً‪ ،‬فهو التزام بتحقيق نتيجة‪ ،‬في حني أن التزامه بتثبيتها‬ ‫أو تركيبها هو التزام ببذل عناية‪.‬‬ ‫أما إذا ارتبط الضرر بآلة استخدمها طبيب األسنان فال يكون قد راعى التزام بضمان‬ ‫السالمة وهو التزام بتحقيق نتيجة‪ .‬إضاف ًة إلى هذه االلتزامات يقع على عاتق طبيب األسنان‬ ‫التزام بإعالم املريض كالذي يقع على عاتق الطبيب‪ ،‬وهو التزام بنتيجة ليس مطلقا ً بل يقتصر‬ ‫على املعلومات التي ميكن أن يتحملها املريض نفسياً‪ ،‬مع خصوصية أدخلها القانون الصادر في‬ ‫‪ 4‬مارس ‪.2002‬‬ ‫غير مساره في حكم صدر في ‪ 17‬يناير ‪ 2008‬معتبرا ً‬ ‫وأورد الباحثان أن القضاء الفرنسي ّ‬ ‫أن وجود الضرر يكفي لقيام قرينة خطأ ارتكبه طبيب األسنان‪ ،‬وهي قرينة بسيطة تقبل إثبات‬ ‫العكس‪ .‬كما أشارا إلى أنه في ‪ 24‬أبريل ‪ 2013‬أصدرت محكمة النقض حكما ً اعتبرت فيه أن‬ ‫األساس القانوني للمسؤولية هو اخلطأ واجب اإلثبات‪ ،‬وبالتالي تكون قد عادت إلى احلل األقدم‪.‬‬ ‫كما أكدا على أنه واستثنا ًء على املبدأ‪ ،‬أجازت محكمة النقض الفرنسية في بعض احلاالت قيام‬ ‫مسؤولية طبيب األسنان وإن لم يرتكب أي خطأ‪.‬‬ ‫أما البحث الثالث الذي جاء حتت عنوان « البناء على أرض الغير في قانون املعامالت املدنية‬ ‫اإلماراتي والقانون املدني املصري – دراسة مقارنة « فقد أشار فيه الباحث إلى أن القانونني اإلماراتي‬ ‫واملصري قد نظما في باب االتصال أحكاما ً تنظم قيام شخص بالبناء على أرض الغير مبواد من‬ ‫عنده دون وجه حق‪ ،‬مع وجود اختالف جوهري في بعض النصوص ما بني قانون املعامالت املدنية‬ ‫اإلماراتي عن القانون املدني املصري‪ ،‬وفي حال حتقق ذلك ميز القانونان ما بني الباني سيء النية‬ ‫وحسن النية في إقامة البناء‪ .‬وحكم الباني سيء النية يختلف عن حكم الباني حسن النية‪،‬‬ ‫فإذا كان الباني سيء النية أي أنه يعلم بأن األرض ليست ملكا ً له وليس له احلق في إقامة البناء‬ ‫عليها‪ ،‬فمن حق مالكها أن يطالبه بإزالة البناء أو أن يتملكه مقابل دفع ثمنه مستحق اإلزالة‪ .‬أما‬ ‫إذا كان الباني حسن النية أي كان يعتقد بأن األرض ملكا ً له أو ليست ملكا ً له ولكن له احلق في‬ ‫إقامة البناء عليها‪ ،‬فإن مالك األرض يتملك البناء مقابل دفع قيمته قائما ً إذا كانت قيمة األرض‬ ‫أكثر من قيمة البناء‪ ،‬أما إذا كانت قيمة البناء أكثر من قيمة األرض متلك الباني األرض جبرا ً عن‬ ‫مالكها‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪7‬‬


‫الفقهي املعاصر ألدوات االجتهاد حالة‬ ‫وفي البحث الرابع الذي جاء حتت عنوان « التوظيف‬ ‫ّ‬ ‫فقهية نقديّة «‪ ،‬أشار الباحث إلى تعدد مصادر الشريعة‬ ‫اإلسالمية – دراسة‬ ‫املالية‬ ‫املؤسسات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمية كأدوات اجتهادية بني يدي الفقيه‪ ،‬ومنها املتفق عليه بني املذاهب‪ ،‬ومنها اخملتلف فيه‪،‬‬ ‫وقد انحسر دور بعض هذه املصادر مؤخراً‪ ،‬وبرزت باملقابل مصادر أخرى لم يكن لها ذلك الدور‬ ‫املهم من قبل‪ ،‬كما استخدمت القواعد الفقهية في بعض احلاالت استخدام األصول الفقهية‪،‬‬ ‫مع العلم أنها ليست مصدرا ً تشريعيا ً وال تنتمي إلى علم أصول الفقه‪ ،‬وعالوة على ذلك استند‬ ‫االجتهاد الفقهي املعاصر إلى السياسة الشرعية‪ ،‬وهي ليست من أدوات االجتهاد الفقهي‬ ‫للفقيه‪ ،‬بل من سلطة احلاكم‪.‬‬ ‫يحلل البحث واقع توظيف علم أصول الفقه في االجتهاد املعاصر بحسب املعطيات‬ ‫السابقة‪ ،‬ويذكر األسباب التي أدت إلى هذا الواقع‪ ،‬ويدرسه من حيث السالمة أو الفساد‪ ،‬ويضرب‬ ‫أمثلة لكل ما سبق من واقع االجتهاد املعاصر في فقه املعامالت املالية‪.‬‬ ‫وتناول البحث اخلامس املوسوم بـ « اختصاص القضاء اإلماراتي بجرائم التعاطي خارج‬ ‫الدولة» إشكالية في غاية األهمية‪ ،‬ذلك أن مسألة تعاطي اخملدرات خارج الدولة تثور عندما‬ ‫يتناول شخص مادة مخدرة أو مؤثر عقلي خارج إقليم الدولة‪ ،‬وعند وصوله إلقليمها يخضع‬ ‫ألخذ عينات بيولوجية للكشف عما إذا كانت به آثار لتعاطي تلك املواد أم ال‪ ،‬ويحدث أن تُظهر‬ ‫النتائج إيجابية العينة‪.‬‬ ‫وقد لوحظ حتريك الدعوى اجلزائية من قبل النيابة العامة ضد ذلك الشخص باعتباره‬ ‫متهما بجرمية التعاطي التي ينظم أحكامها القانون االحتادي رقم ‪ 14‬لسنة ‪ 1995‬في شأن املواد‬ ‫اخملدرة واملؤثرات العقلية واملعدل بالقانون االحتادي رقم ‪ 1‬لسنة ‪.2005‬‬ ‫وتتوالى اإلجراءات برفع الدعوى للمحكمة اخملتصة‪ ،‬وقد نظرت محاكم الدولة العديد من‬ ‫تلك القضايا _ والزالت ـ وأصدرت العديد من األحكام باإلدانة بتهمة التعاطي‪.‬‬ ‫وتؤسس النيابة العامة‪ ،‬ويشاركها بعض القضاء‪ ،‬انعقاد االختصاص حملاكم الدولة‪،‬‬ ‫باعتبار أن نتيجة اجلرمية قد حتققت داخل الدولة بوجود اخملدر أو املؤثر العقلي بالعينة املأخوذة من‬ ‫املتهم سواء في بوله أو دمه‪ ،‬وكون النتيجة وفقا ً لنص املادة ‪ 2/16‬من قانون العقوبات االحتادي‬ ‫رقم ‪ 1987/3‬هي أحد موجبات االختصاص‪.‬‬ ‫ويظهر تبني الهيئات القضائية النعقاد االختصاص الوطني بنظر تلك اجلرائم من خالل‬ ‫قيام النيابة العامة بداي ًة بالتحقيق فيها ثم إحالتها للقضاء بتهمة جناية أو جنحة التعاطي‪.‬‬ ‫فضال ً عن قيامها بالطعن في األحكام الصادرة إذا ما قُضي بعدم االختصاص‪.‬‬ ‫ومن جانب آخر‪ ،‬يتبنى قضاء بعض احملاكم اجتاها ً مغايرا ً يتمثل في عدم االختصاص‪ ،‬باعتبار‬ ‫أن اجلرمية لم تقع على أرض الدولة‪ ،‬حتى أصبحت الدعوى الواحدة يظهر فيها ذلك التضاد في‬ ‫األحكام ما بني مؤيد الختصاص القضاء الوطني وآخر منكر له‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫ويعرض البحث رؤية الباحث في مدى اختصاص محاكم الدولة في ذلك الشأن والتأصيل‬ ‫القانوني للمسألة‪ ،‬وهو ما استلزم تناول كل ما يحيط بها من نصوص وقواعد قانونية حاكمة‪،‬‬ ‫معززا ً ذلك بآراء الفقه وقضاء احملكمة االحتادية العليا‪ ،‬ألجل توحيد االجتاه والرؤية القضائية‬ ‫التي تعتبر أساسا خللق الثقة واالطمئنان واالستقرار القضائي‪ ،‬وهو ما يعطي انطباعا إيجابيا‬ ‫عن أداء مرفق العدالة‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الكرمي صبري‬

‫عميد كلية القانون‬ ‫مدير حترير مجلة العلوم القانونية‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪9‬‬


‫احملتويات‬

‫المحتويات‬ ‫الصفحة‬

‫الموضوع‬

‫احلوكمة في البنوك اإلسالمية‬

‫العامة ‪ -‬كلية القانون ‪ -‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬ ‫املالية‬ ‫محمد احلسني ‪ -‬أستاذ‬ ‫أ‪ .‬د‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪11‬‬

‫املسؤولية املدنية لطبيب األسنان في القانون الفرنسي‬

‫‪29‬‬

‫املدني املصر ّي‬ ‫اإلماراتي والقانون‬ ‫البناء على أرض الغير في قانون املعامالت املدنية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬دراسة مقارنة‬

‫‪65‬‬

‫د‪ .‬رغيد عبد احلميد فتال‬ ‫و‬ ‫د‪ .‬عبدالكرمي صبري‬ ‫أستاذ القانون املدني املساعد‬ ‫عميد كلية القانون‬ ‫جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬

‫د‪ .‬عيسى غسان الرّبضي (أستاذ القانون املدني املساعد ‪ -‬كلية القانون _ جامعة عجمان للعلوم وال ّتكنولوجيا)‬

‫الفقهي املعاصر ألدوات االجتهاد حالة املؤسسات املالية اإلسالمية‬ ‫التوظيف‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬دراسة فقهية نقدية‬

‫‪97‬‬

‫د‪ .‬عبد العظيم أبوزيد (أستاذ مشارك في كلية الدراسات اإلسالمية‪ -‬مؤسسة قطر)‬

‫اختصاص القضاء اإلماراتي بجرائم التعاطي خارج الدولة‬

‫‪117‬‬

‫د‪ .‬أحمد شاكر (أستاد القانون اجلنائي املساعد) كلية القانون ‪ -‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬

‫‪10‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫الحوكمة في البنوك اإلسالمية‬

‫محمد احلسني‬ ‫أ‪ .‬د‪.‬‬ ‫ّ‬

‫العامة‬ ‫املالية‬ ‫أستاذ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كلية القانون ‪ -‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪11‬‬


‫‪12‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫أو ّ ًل ا‪ً​ً-‬املقدمة‪ً :‬‬ ‫ً​ً​ً​ً​ًماًمنًشك ًإ ّن ً(احلوكمة) ًكفلسفةًإداريّةًأضحتًضرورة ً‪ً،‬ليسًهذاً ًفحسبًبلً‬ ‫حاجةًماسة ً‪ً،‬جلميعًأنواعًاملنظمات‪ً ،‬والهيئاتًمبختلفًأنواعها‪ً .‬وًالبنوكًكمنظماتً‬ ‫أعمال ً ًمهمة ًفي ً ًالقتصاد‪ً .‬يهمها ً ًكثيرا ا ًتطبيق ًأفضل ًاملمارسات‪ً ،‬واألساليب‪ً،‬‬ ‫واألفكار ًاإلداريّة ًاملتطورة ًبسبب ًأهميتها ًمن ًجهة ً‪ً ،‬وًحالة ً ًال ّتنافس ًالقائمة ًبنيً‬ ‫إسالمية‪ً ً.‬‬ ‫البنوكًسواءًأكانتًبنوكًتقليديةًأوً​ً‬ ‫ّ‬ ‫ً​ً​ًتُ َع ّدً)احلوكمة(ً​ً​ً​ً‪،‬حسبًرأيناً‪ً،‬ضروريّةً​ًللبنوكًمنًأجلًحتسنيًأسلوبهاًفيً​ًاإلدارة‪ً​ً،‬‬ ‫وتعزيزً ً ّ‬ ‫فافية‪ً ،‬وًاإلفصاحًفيًعملهاًمباًيضمن ًمصالحًجميعًاألطرافًمنًحملةً‬ ‫الش ّ‬ ‫األسهمً​ًإلىً​ًالزّبائن‪ً​ً،‬وًاحلكومةً‘ً​ًواﺠﻤﻟتمع‪ً،‬وًغيرها‪ً .‬‬ ‫ًثم ًسيركز ًبحثنا ً ًعلى ًبيان ًضرورات ًاحلوكمة ًللبنوك ًبشكل ًعام‪ً ،‬وللبنوكً​ً‬ ‫ًومن ّ‬ ‫اإلسالميةً​ًبشكلًخاصً‪ً .‬‬ ‫ّ‬ ‫ثاني ًا ا‪ً-‬أهميةًالبحثً‪ً :‬‬ ‫تأتيًأهميةًالبحثً​ًمنً​ًكونهًيسعىً​ًإلىً‪ً :‬‬ ‫اإلسالمية‪ً ،‬وًخاصة ًفي ًظلً‬ ‫‪ -1‬بيان ًضرورة ًتطبيق ً(احلوكمة) ًفي ًالبنوك ً ً‬ ‫ّ‬ ‫وقية‪ً ً.‬‬ ‫تناميًانتشارهاًوًزيادةًحصتهاً ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫‪ً -2‬مدى ًتوافق ً(احلوكمة) ًمع ًأحكام ً ً ّ‬ ‫ًاإلسالمية ًالتي ًتلتزم ًبهاً‬ ‫الشريعة ً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمية‬ ‫البنوكً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ثالث ًا ا‪-‬أهدافًالبحثً‪ً :‬‬ ‫السعيً​ًإلىً‪ً :‬‬ ‫يهدفًبحثناً​ً ّ‬ ‫اإلسالميةًعلىًوجهً‬ ‫‪ -1‬بيانًأهميةً(احلوكمة) ًفيًالبنوكًبشكلًعام‪ً،‬وًالبنوكً‬ ‫ّ‬ ‫اخلصوص‪.‬‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪ -2‬توصيفًتطبيقً(احلوكمة)ًفيًالبنوكً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪13‬‬


‫رابع ًا ا‪-‬فرضياتًالبحثً‪ً :‬‬ ‫اإلدارةً​ًاملصرفية‪.‬‬ ‫‪ً -1‬إ ّنً​ًتطبيقً(احلوكمة)ًيؤديً​ًإلىً​ًحتسنيًكفاءةً​ً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالميةً​ًولًيتناقضً‬ ‫‪ً -2‬إ ّنًتطبيقً(احلوكمة)ًيتفقًمعًخصوصيةًالبنوكً‬ ‫ّ‬ ‫معهاً‪ً .‬‬ ‫خامس ًا ا‪-‬مشكلةًالبحثً‪ً :‬‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬ ‫السابقةً​ًذاتًالعالقةًبتطبيقً(احلوكمة)ًفيًالبنوكً​ً‬ ‫‪ -1‬قلةًالبحوثً​ً ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪ -2‬اﺠﻤﻟالًلًيتسعًلبحثًميدانيًيتصﻞًبتطبيقً(احلوكمة)ًفيًالبنوكً​ً‬ ‫ّ‬ ‫سادس ًا ا‪ً-‬أسلوبًالبحثً‪ً :‬‬ ‫حليليًمنًخاللًاألدبياتًاملتوفرةً‪.‬‬ ‫اعتمدناًأسلوبًالبحثً​ًالنّظر ّي‪ً،‬وال ّت‬ ‫ّ‬

‫ً‬

‫‪14‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫ً‬

‫املبحثًاألوّل‬ ‫احلوكمة‬ ‫مفهومهاً‪،‬أهميتها‪،‬حوكمةً​ً ّ‬ ‫الشركات‪،‬المتثالً ً‬ ‫املطلبً​ًاألوّلً‪-‬مفهومًاحلوكمةً‪ً :‬‬ ‫تسعينياتً​ً‬ ‫ًالعربية ًفيً ً‬ ‫احلوكمة‪ً ,ً ،‬وًهيً ًمرادفة ًلكلمة ً( ً‪ً​ً،)ً Governance‬ظهرت ًفيً ًاللّغة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القرنًالعشرينً ً‪ً .‬وًيقصدًبهاًعادةً‪ً:‬احلكمًاجليدًأوًاحلكمًالرشيد( ً‪ً )ً Good Governance‬وًعلىً‬ ‫مستوىًاملنظماتًميكنًالقول‪ً​ً:‬أ ّنًاملقصودًباحلوكمةًهوًاإلدارةً​ً​ًالرّشيدةً​ًأوًاإلدارةًاجليدة‪ً .‬‬ ‫ثمةً​ًتعاريفًعدةً(للحوكمة) ًسواءًكمفهومً‪ً،‬أوًكتطبيقًعلىًمستوىًاملنظمات‪ً .‬وًفيًبحثناً‬ ‫ً ّ‬ ‫يعنيناًبشكلًأكبرً(حوكمةً​ً ّ‬ ‫الشركات)ًكونًالبنوكًهيًمنشآتً(منظمات)ًأعمال‪ً ً.‬‬ ‫مفهومًحوكمةً​ً ّ‬ ‫الشركاتً‪ً :‬‬ ‫إ ّنً​ًحوكمةً​ً ّ‬ ‫الشركات(ً‪ً​ً)Corporate Governance‬هيًاألكثرً​ًرواجاا‪ً​ً،‬واستخداماا‪ً،‬أهميةًبنيًأنواعً‬ ‫احلوكمةً​ً‪ً .‬‬ ‫ًوًميكنناًتعريفًحوكمةً​ً ّ‬ ‫ركاتًبصفةًعامةً​ًأن ّهاً‪ً"ً:‬مجموعةًقواعدًالعمل‪ً،‬والرقابة‪ً،‬وحتديدً​ً‬ ‫الش‬ ‫ّ‬ ‫السلطات‪ً،‬واملسؤولياتً​ً‪،‬التيًتقومًعلىًأسسً ّ‬ ‫فافية‪ً ،‬وًاإلفصاحً ً‪ً،‬التيًحتكمًعملًاملنشأةً‬ ‫ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫ًثم ًحتقيق ًأهداف ًاملنشأةً‬ ‫مبا ًيضمن ًحسن ًسير ًالعمل‪ً ً ،‬وًيحقق ًمصالح ًجميع ًاألطراف‪ً ،‬ومن ّ‬ ‫بكفاءةًوفاعليةً"‪ً .‬‬ ‫منً​ًال ّتعريفًأعالهًميكنناًاستنتاجً(عناصرًاحلوكمةً)كاآلتي‪ً :‬‬ ‫‪ .1‬هيًمجموعةًالقواعد‪ً​ً،‬واألنظمة‪ً،‬وًالرّقابة‪ً،‬وًاملمارسات‪ً،‬وًاآللياتًاإلداريّة‪ً .‬‬ ‫‪ .2‬تقومًعلىًأسسً ً ّ‬ ‫فافية‪ً،‬واإلفصاحًفيًكافةًاألعمال‪ً ،‬وًاملمارساتًاإلداريّة‪ً،‬‬ ‫الش ّ‬ ‫واملالية‪ً .‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .3‬تهدف ًإلى ً ًضمان ًحسن ًسيــر ًالعمل ًفي ًاملنشــأة ًعن ًطريق ًحتــديدً​ً‬ ‫السلطـات‪ً ،‬واملسؤوليات ً للجمعية ًالعمومية ً ً‪،‬مجلس ًاإلدارة ً ً‪ً ،‬اإلدارةً​ً‬ ‫ّ‬ ‫ال ّتنفيذيّة‪ً​ً،‬ومدققيًاحلسابات‪ً،‬وًغيرهمًمنًأصحابًاملصالح‪ً .‬‬ ‫‪ .4‬تهدف ً ًإلى ًحتقيق ًمصالح ًجميع ًاألطراف ً‪ً :‬حملة ًاألسهم ً‪ً ،‬ومجلس ًااإلدارة ً‪ً​ً،‬‬ ‫واإلدارةًال ّتنفيذيّة‪ً​ً​ً ً،‬واملوظفـنيً ً‪،‬وأصحابًاملصــــالحً‪ً ً :‬كالزّبائن‪ً ً,ً،‬واملوردين‪ً،‬‬ ‫واحلكومــةً‪ً،‬وًاﺠﻤﻟتمعًوغيرها‪ً .‬‬ ‫‪ .5‬أماًغايةًاحلوكمةًفهيًحتقيقًمصالحًاملنشأة‪ً،‬وأهدافهاًبكفاءةً​ً‬ ‫وفاعلية‪ً .‬‬ ‫ّ‬

‫ً‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪15‬‬


‫املطلبً​ًالثّانيً–ًأهميةًاحلوكمةً‪ً :‬‬ ‫لًجدالًحولًأهميةًاحلوكمةً‪ً،‬وضرورتهاًملنشآتًاألعمالًكافةً ً‪ً،‬ومنًضمنهاًالبنوكً‬ ‫بأنواعها‪ً،‬وًميكنناًأنًنسوقًبعضاًمنًدواعيًالهتمامًباحلوكمةًكماً​ًيأتي(‪ً ً:)1‬‬ ‫املاليةًالتيًحصلتًفيًتسعينياتًالقرنًاملاضيًمثلً‪ً:‬انهيارً‬ ‫‪ .1‬بعضًالنهياراتً ً ّ‬ ‫وليًعامً‪ً،ً1991‬انهيارًمؤسسةًالدخار‪ً ،‬واإلقراضًفيً‬ ‫بنكًالعتمادً​ًال ّتجار ّيً​ً​ًال ّد ّ‬ ‫الولياتًاملتحدةًعامً‪ً،ً​ً1994‬وًغيرها‪ً .‬‬ ‫ةًعاملية ًمثل‪ً :‬أزمةًجنوبًشرقًآسياًعامً‪ً ،1997‬وأزمةًالرّهنً‬ ‫مالي‬ ‫ّ‬ ‫‪ .2‬حدوثًأزماتً ً ّ‬ ‫ةًعامليةً​ًعامً‪ً .ً​ً2008‬‬ ‫مالي‬ ‫ّ‬ ‫العقار ّيًفيًالولياتًاملتحدةً​ًالتيًحتولتً​ًإلىًأزمةً​ً ّ‬ ‫املالية‪ً ،‬خـــاصة ًعوملــة ًأسواق ًاملال‪ً ،‬وًفتحــها ًأمام ًأسهم ً ًدولً‬ ‫‪ .3‬العــوملة ً ً ّ‬ ‫وطنية‪ً،‬وغيرهاًمماً‬ ‫أخــرى‪ً،‬ومشاركةًمستثمرينًأجانبًفيًشراءًأسهمًشركاتً‬ ‫ّ‬ ‫يضعفًالرّقابةً‪ً .‬‬ ‫املالية‪ً،‬‬ ‫قابية‬ ‫ًاملالية‪ً ،‬وًعدم ًقدرتها ًعلى ًكشف ًالنحرافات ً ً ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ .4‬ضعف ًاألجهزة ً ًالر ّ ّ‬ ‫املالي‪ً،‬وًعدمًوجودً​ًإدارةً​ًفاعلةًللمخاطرً​ً‪ً .‬‬ ‫والفسادً​ً‬ ‫ّ‬ ‫‪ .5‬الهيمنة ًالواضحة ًلإلدارة ًالتنفيذية ًعلى ًادارة ًالشركات ًوًتهميش ًحملةً‬ ‫األسهم‪ً ..‬‬ ‫‪ .6‬التعويضاتًاملاليةًالفاحشةًالتيًيحصلًعليهاًالرؤساءًالتنفيذيونًومجالسً‬ ‫اإلدارة ً ًوالدارة ًالتنفيذية ًوًذلك ًعلى ًحساب ًتوزيعات ًاألرباح ًعلى ًصغارً‬ ‫املساهمني‪ً ..‬‬ ‫املاليًواإلدار ًّيًفيًالعديدًمنً​ً ّ‬ ‫الشركاتًالكبرىًومنًضمنهاًاملصارف‪.‬‬ ‫‪ .7‬الفسادً​ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫هذهًاألسبابًوًغيرهاًهيًالتيًعززتً​ًالجتاهًإلىًتطبيقًاحلوكمةً​ًخاصةًعلىً ّ‬ ‫الشركـات‪ً،‬‬ ‫وفيًمقدمتهاًالبنوك‪ً .‬‬ ‫ً‬ ‫وًثمةًتساؤلًينبغيًأنًيطرحًوهوً‪ً :‬‬ ‫ّ‬ ‫هلًاحلوكمةًجاءتًنتيجةًلقصورًاألنظمةً​ًاإلداريّةًالتيًكانتًتسودًقبلهاً؟ ً‬ ‫ً‪ً -‬مبعنىًآخر‪ً-‬هلًاحلوكمةًجاءتًملعاجلةًمشكالتً ًاإلدارةً؟ًأمًأنًاحلوكمةًجاءتًكتطورً​ً‬ ‫طبيعي ًللبحوث ًفي ًعلم ً ًاإلدارة ًأم ًكضرورة ًلعصرنا ً ًالرّاهن‪ً .‬وًلم ًتكن ً ًضرورة ًفيماً‬ ‫ّ‬ ‫سبقهاً؟ ً‬ ‫ًإ ّنًإجابتناًعلىًهذاًالتّساؤلً​ًكاآلتي‪ً :‬‬ ‫ًإ ّنًاحلوكمةًجاءتًلتحلًالعديدًمنًاملشكالت‪ً،‬وًالقصورًفيًاألنظمةًاإلداريّةًالتيًكانتً‬ ‫مطبقةًقبلها‪ً،‬وأيض ًا اًلسدً​ًالثّغراتًالتيًكانتًمتارسهاً​ًاإلداريّةً​ًال ّتنفيذيّةًفيًاملنشآتً‪ً.‬‬ ‫ومبعنىًأوضحًنحنًنرىًأ ّن ًاحلوكمةًظهرت‪ً ،‬وانتشرتًفيًالعقود ًالثّالثة ًاألخيرةًكحاجةً‬ ‫ُملحة ًملعاجلة ًمشكالت ً ًال ّنظم ًاإلداريّة‪ً ،‬واملمارسات ً ًاإلداريّة‪ً ،‬وتصحيح ًبعضً​ً‬ ‫منظماتًاألعمالً‪ً .‬‬ ‫اخليةًفيً​ً ّ‬ ‫ال ّتشريعاتً‪ً،‬واللّوائح‪ً،‬وًاألنظمةً​ًال ّد ّ‬

‫ً‬

‫شوقيًبورقبة‪ً،‬احلوكمةًفيًاملصارفً​ًاإلسالمية‪ً​ً،‬كل ّ​ّيةًالعلومً​ًالقتصاديّةًوعلومًاًالتّيسير‪ً​ً،‬جامعةًفرحاتًعباس‪ً،‬‬ ‫‪ً- 1‬‬ ‫ّ‬ ‫سطيف‪ً،‬اجلزائر‪ً،‬بحثًمنشور‪ً،‬علىًموقعهً‪ًChawaki62000@yahoo.fr‬ص‪ً 6-5‬‬

‫‪16‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫املطلبً​ًالثّالث‪ً-‬مبادئًحوكمةً​ً ّ‬ ‫الشركاتً‪ً :‬‬

‫احلقيقةً ًأ ّن ًاحلوكمةًظهرت ً ً‪ً،‬كضرورةًفيً ً ّ‬ ‫الشركات‪ً ،‬نتيجةًتعارضًيحصلًأحيانا اً​ً‪ً-ً،‬‬ ‫يقولًبعضهمً​ً​ً​ًدوما ا ً‪ً​ً​ً-‬فيًاملصالحًبنيًحملةًاألسهم‪ً ،‬وًبنيً ًاإلدارةًال ّتنفيذيّة‪ً ،‬وًمعً‬ ‫ااصحاب ًاملصالح ًاآلخرين ً‪ً.‬لذلك ًقامت ًمنظمة ً ًالتّعاون ً​ً​ً ًوالتّنمية( ً‪ً)ً OECD‬خاللً‬ ‫الجتماعً ًالوزار ّي ًللدولًاألعضاءًفيً‪ً 27-26‬مايوًعامً‪ً،ً 1999‬ومتًاعتمادهاًمنًقبلًالبنكً​ً‬ ‫ولي ًعام ً‪ً ،1999‬بوضع ًمجموعة ًمبادئ‪ً ،‬وقواعد ًحلوكمةً​ً‬ ‫ولي‪ً ،‬وًصندوق ًال ّنقد ًال ّد ًّ‬ ‫ال ّد ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشركاتًنلخصهاًكاآلتيً‪ً :‬‬ ‫‪ ‬توفير ًاحلماية ًجلميع ًاملساهمني ًعبر ًاملشاركة ً ًالفاعلة ً ًفي ًالقراراتً‬ ‫اإلجراءاتًاملاليةًفيً ّ‬ ‫الشركة‪ً​ً​ً​ً​ً​ً​ً​ً​ً​ً.‬‬ ‫الستراتيجيةًللشركة‪ً،‬واإلفصاحًعنً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬املعاملة ًاملتساوية ًجلميع ًحملة ًاألسهم ًبغض ً ًالنّظر ًعن ًمساهماتهم‪ً،‬‬ ‫وجنسياتهمً‪.‬‬

‫‪ ‬ضمانًحقوقًأصحابًاملصالحً‪ً،‬وًمشاركتهمًفيًالقراراتًاملتصلةًبهم‪ً.‬‬ ‫فافية ًفيًكافةًأمورً ّ‬ ‫‪ ‬أنًتضمنًحوكمةًالشركاتًاإلفصاح ً ّ‬ ‫الشركة‪ً،‬ومنً‬ ‫والش ّ‬ ‫املالية‪.‬‬ ‫ضمنهاًاألمورً ّ‬ ‫ًالستراتيجي ًفي ً ّ‬ ‫الشركة ًوًكذلك ًالرّقابة ًالفاعلةً‬ ‫ًّ‬ ‫‪ ‬ضمان ًاعتماد ً ًال ّتخطيط‬ ‫ألداء ًاإلدارة ًوًال ّتأكيد ًعلى ًدور ًومسؤوليات ًمجلس ًاإلدارة ًجتاه ً ّ‬ ‫الشركة‪ً ،‬وحملةً‬ ‫األسهمًوأصحابًاملصالحً‪.‬‬ ‫ميكنًالقولًأنًحوكمةً​ً ّ‬ ‫الشركاتًتقومًعلىًأربعةًمبادئًأساسيةًهي‪ً :‬‬ ‫‪ ‬العدالة‪ً .‬‬ ‫‪ ‬املسؤوليةً‪ً .‬‬ ‫‪ ‬املساءلة‪ً ً.‬‬ ‫‪ّ ً ‬‬ ‫فافية‪ً .‬‬ ‫الش ّ‬

‫املطلبً​ًالرّابع‪ً-‬المتثال‪:‬‬ ‫مفهومًالمتثالً​ً‪ً،‬المتثالًفيًالبنوك‪:‬‬ ‫المتثال ً( ً‪ً)ً Compliance‬لغة ًيعني‪ً :‬اللتزام ًبتنفيذ ًأمر ًما ًأو ًإرادة ًما ً ً‪ً ،‬في ًظل ًظرف ًمعني ً‪ً،‬‬ ‫وًالمتثالًيكونًطوعياًوليسًقسراً‪ً .‬‬ ‫وظيفةً​ًالمتثالًفيًالبنوكً(‪ً :)ً Compliance Function In Banks‬‬ ‫تعني ً‪ ً :‬أ ًّن ًإدارة ً ًالبنك ًملتزمة ًبجميع( ًممتثلة ًجلميع ً) ًالقوانني‪ً ،‬واألنظمة‪ً ،‬واللوائح‪ً ،‬وقواعدً‬ ‫ةًالسليمة ًوًأيضا اً​ًباألوامر‪ً ،‬واملعاييرً‬ ‫املعايير‪ً،‬واملمارساتًاملصرفي‬ ‫السلوك‪ً ،‬وًأخالقياتًالعمل‪ً ،‬وً ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولية ً‪ً ً،‬وترفعًتقاريرًﺠﻤﻟلسً ًاإلدارةًحولًمدىًالمتثالًفيً‬ ‫قابي‬ ‫ةًاﶈليةًوال ّد ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصادرةًعنًاجلهات ًالر ّ ّ‬ ‫البنكً​ً‪ً .‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪17‬‬


‫ًأصدرتً(جلنةًبازل)ًللرقابةًعلىًاملصارفً​ً​ًورقةًعملًفيًعامً‪ً2005‬حولًالمتثالًفيًالبنوكً‪..‬ومتً‬ ‫حتديدًعشرةًمبادئًأساسيةًلوظيفةًالمتثالًهي‪ً )1(:‬‬ ‫‪ ‬املبدأً(‪ً–)1‬حتديدًمسؤولياتًمجلسً​ًاإلدارة‪ً .‬‬ ‫‪ ‬املبادئً(‪-)ً2,3,4‬حتددًمسؤولياتً​ًاإلدارةًالعليا‪ً .‬‬ ‫‪ ‬املبدأ(‪-)5‬أوصىًبضرورةًاستقالليةًوظيفةًالمتثالًأيً​ًتكونًإدارةً‬ ‫مستقلةًفيًالبنكً‪ً .‬‬ ‫‪ ‬املبدأً(‪-)6‬يؤكدًعلىًاهميةًدعمًوظيفةً​ًالمتثالًمباً​ًميك ّنهاًمنً​ًأداءً‬ ‫مهماتها‪ً .‬‬ ‫‪ ‬املبدأ(‪-)7‬يحددًمهامًوًمسؤولياتًإدارةً​ًالمتثالًفيًالبنك‪ً .‬‬ ‫اخلي‪ً .‬‬ ‫‪ ‬املبدأً(‪-)8‬يحددًعالقةً​ًإدارةًالمتثالًبإدارةًال ّتدقيقًال ّد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّباتًالالزمةً​ًفيًحالًممارسةًالبنكًنشاطهًفيً‬ ‫‪ ‬املبدأ(‪-)9‬يحددً​ًاملتطل‬ ‫أكثرًمنًدولة‪ً .‬‬ ‫‪ ‬املبدأ(‪-)10‬يحددًمسؤوليةًمجلسًاإلدارة‪ً،‬واإلدارةًال ّتنفذيّةًفيًحالً‬ ‫الستعانةًبجهاتًاستشاريةًخارجية؛ًلتقدميًأيًخدماتًاستشاريةً‬ ‫متصلةًبوظيفةًالمتثالً‪ً .‬‬

‫ً​ً​ً​ً​ً​ً​ً​ً​ًمخاطرًعدمً​ًالتّقيدًمببادئً​ًالمتثال‪ً :‬‬ ‫ً​ً​ً​ً​ً​ً​ً​ً​ً​ً​ً​ً​ً​ًمنًاملؤكدًأنًثمةًمخاطرًعديدةًلعدمًالمتثالًمثلً‪ً :‬‬ ‫مخاطرً​ًماديّة‪:‬كأنًتفرضًعقوباتًعلىًالبنكً‪،‬أوً​ًتضعًبعضًالقيودًعلىً‬ ‫تعامالته‪ً،‬وأحياناًتفرضًغراماتًعلىًالبنكًاجملالفً‪ً​ً،‬إضافةًإلىًتزايدًحالتً‬ ‫الحتيالً‪،‬والتزوير‪ً،‬والختالسًمنًقبلًاملوظفني‪ً .‬‬ ‫مخاطرً​ًمعنويّة‪ً:‬مماًقدًيصيبًسمعةًالبنكًمنًتشويهًبسببًعدمًالمتثالً‬ ‫وًماًينتجًعنهاًمنًمخاطرًماديةً‪ً .‬‬

‫ةًواملصرفية‪ً،‬‬ ‫مخاطرًعدمًالمتثال‪ً،‬وأسبابه‪ً،‬مجلةًالدراساتً​ًاملالي‬ ‫(‪-)1‬مهديًعالويً​ً‪،‬وظيفةًالمتثالًتعريفها‪ً،‬وًأهميتها‪ً،‬وً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العددً‪ً,3‬أيلول(سبتمبر)ً‪ً،ً2013‬صً‪7-6‬‬

‫‪18‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫املطلبًاخلامس‪ً-‬عالقةً​ًالمتثالًباحلوكمةً‪ً :‬‬ ‫ميكنناًالقولًأنً ًالمتثال ًداعمًكبيرًللحوكمةًفيًالبنك‪ً..‬مبعنىًأدقًانًوجودًإدارةً​ً​ًالمتثال ًفيً‬ ‫البنكًسيسهمًفيًخلقًﻇروفًمناسبةًلتطبيقًاحلوكمةًألنًاملبادئًاﶈددةًلوﻇيفةًالمتثالًتخدمً‬ ‫تطبيقًاحلوكمةًوحتقيقًأهدافها‪ً .‬‬ ‫ًقامت ًالبنوك ًاملركزيّة ً ًبعد ًعام ً‪ً 2005‬في ًالدول ًالعربية‪ً ،‬وًفي ًالعالم ًبإصدار ًتعليمات ًمكتوبةً‬ ‫للبنوكًالواقعةًحتتً ًإشرافهاً​ً​ًبتطبيقًمبادئً ًالمتثال ًكماًصدرتًعنً(جلنةًبازل)ً‪ً ،‬وًمنًضمنهاً‬ ‫استحداثًإدارةًمستقلةً​ًلالمتثالًفيًالبنكً‪ً .‬‬ ‫ً‬

‫املبحثً​ًالث ّانيً ً‬ ‫ًاحلوكمةًفيًالبنوكً ً‬ ‫املطلبً​ًاألوّل ً‬ ‫ًأهميةًحوكمةًالبنوك‪ً :‬‬ ‫جنددًالتأكيدًعلىًأهميةًتطبيقًاحلوكمةًعلىًمنشآتًالقطاعًاملصرفيًبرغمًاخلصوصيةً‬ ‫التيًمتتازًبهاًاملصارفًعلىًاختالفًأنواعها ً؛ًفاملصارفًتضمًعناصر‪ً ،‬وًمعطياتًلًتتوفرًفيً‬ ‫باقيًاألنواعًمنًالشركاتًمثلً(‪ً :)1‬‬ ‫‪ ‬هيكلً​ًرأسًاملالًحيثًيتكونًمنً‪:‬‬ ‫ًنسبةًكبيرةًمنًالديون‪ً،‬ونسبةًقليلةًمنًاألموالًاخلاصة‪ً .‬‬ ‫‪ ‬مصادرًأموالًاملصرفًعلىًشكلًودائعًينبغيً​ًتوافرهاًعندًالطلب‬ ‫‪ً( ‬املالءةً‪ً)Solvency‬وأنًأصولًاملصرفًتكونًغالباًقروضًمتوسطة‪ً،‬وطويلةًاألجل‪.‬‬ ‫‪ ‬الحتياطيًالقانوني‪ً .‬‬ ‫‪ ‬نظامًالرقابةًالداخلية‪ً .‬‬ ‫‪ً ‬إجراءاتًمكافحةًغسيلًاألموال(ً‪ً .)ًMoney Laundry‬‬ ‫‪ ‬التأمنيًعلىًالودائع(ً‪.) Deposit Insurance‬‬ ‫‪ً ‬إدارةًاجملاطر( ‪ً .)ًRisk Management‬‬ ‫‪ ‬تعليماتًالبنكًاملركزيًفيماًيخصًأسعارًالفائدة‪ً ،‬وأسعارًالصرف‪ً ،‬وغيرها ً‪ ,‬إضافةً​ً‬ ‫إلىً​ًمراقبتهًوًإشرافهًالدقيقًعلىًاملصارفً‪ً .‬‬ ‫‪ً- 1‬املعهدًاملصرفيًاملصري‪ً:‬مفاهيمًمالية‪ً،‬نظامًحوكمةًالبنوك‪ً،‬العددًالسادسًبدونًتاريخًالنشر‪ً،‬منشورًعلىًموقعًاملعهد‪ً،‬‬ ‫‪ً،www.ebi.gov.eg‬ص‪ً .2.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪19‬‬


‫ً‬

‫‪ ‬معاييرً(جلنة ًبازل) ًللرقابةًاملصرفية ً(ًاﺠﻤﻟموعاتًالثالثةً) ًوكذلكًتقاريرهاًحولًتعزيزً‬ ‫حوكمة ًاملصارف ًالتي ًصدرت ًاﺠﻤﻟموعة ًاألولى ًمنها ًفي ًعام ً‪ً 1999‬والثّانية ًفي ًعامً‬ ‫‪ً 2005‬والثالثةًصدرتًفيًشهرًفبراير ً(شباط)ًمنًعامً‪ً ً 2006‬وهيًنسخةًمحدثةً‬ ‫وتتضمنًعدةًمبادئًحلوكمةًاملصارفً‪ً .‬‬

‫ًإضافة ً ًإلى ًذلك ًاألهمية ًالقصوى ًللجهاز ًاملصرفي ًفي ًالقتصاد ًفعلى ًسبيل ًاملثال ً ًإ ّنً‬ ‫إفالس ًأحد ًالبنوك ًل ًيتأثر ًبه ًالبنك ًنفسه ًبل ًالقطاع ًاملصرفي ًكله ً‪ً ،‬مع ًوجود ًما ًيعرفً‬ ‫بسوقًماًبنيًاملصارف(ً‪،ً)ًInter Banking‬وًأحياناًالقتصادًبرمته يتأثرًبذلكً‪ً .‬‬ ‫ً‬

‫املطلبً​ًالثّاني‪ً-‬محدداتًاحلوكمةًفيًالبنوكً‪ً :‬‬

‫ًبحسبًرأيناًهناكًأربعةً​ًمجموعاتًمنًاﶈدداتًهي‪ً :‬‬ ‫اخلية‪ً :‬اي ًمن ًداخل ًالبنك ًنفسه ًمثل‪ً :‬طريقة ًاتخاذ ًالقرار ً‪،‬توزيعً‬ ‫‪ .1‬اﶈددات ً ًال ّد ّ‬ ‫السلطات ًبني ًاجلمعية ًالعمومية ًومجلس ًاإلدارة ًوًاإلدارة ًال ّتنفيذيّة ً‪ً ،‬والوضوحً‬ ‫والشفافيةًفيًكافةًمساراتًالعملًفيًالبنكً‪ً .‬‬ ‫اخلارجية ً‪ً :‬يقصدًبها ًكفاءة ًكال ًمن ً‪ً ً :‬القطاع ًاملالي ً‪ً ،‬وبيئة ًالستثمار ً‪ً،‬‬ ‫‪ .2‬اﶈددات ً ً‬ ‫ّ‬ ‫والنظام ًاملصرفي ً ً‪ً ،‬والنظام ًالضريبي ًوعدالته ً‪ً ،‬أسواق ًاملال‪ً ً ،‬واألجهزة ًالرقابيةً‬ ‫واإلشرافيةً‪ً،‬النظامًالقضائيً‪ً،‬إضافةًإلىً​ًعناصرًتخصًأصحابًاملصالحًفيًالبنكً‬ ‫منًمحاسبني‪ً​ً،‬ومحامنيً‪ً،‬ووسطاء‪ً​ً،‬مخمننيًعقارينيًوغيرهم‪ً .‬‬ ‫‪ .3‬سياسات ًوًتعليمات ً ًالبنك ًاملركزي ً‪ً :‬فالبنك ًاملركزي ًيستطيع ًأن ًيلزم ًاملصارفً‬ ‫بتطبيق ًاحلكومة ًواإلشراف ًعلى ًتطبيقها ًواتباع ًإجراءات ًصارمة ًفي ًالرقابةً‬ ‫والضبطًويضمنًسالمةًمركزهاًاملالي ًوًدعمًاستقرارها ًاملاليًواإلدار ّي ً ًإضافةًإلىً‬ ‫ما ًيصدر ًعن ًالبنك ًاملركزي ًمن ًتعليمات ًوًقرارات ًملزمة ًتخص ًمختلف ًالنواحيً‬ ‫الفنيةًوًاإلداريّةًفيًاجلهازًاملصرفي‪ً ..‬‬ ‫‪ .4‬معاييرً(جلنةًبازل)ًوكذلكًتقاريرهاًحولًتعزيزًاحلوكمة‪ً .‬‬ ‫ً‬ ‫منًخاللًماًمتكناًمنًالطالعًعليهًلبعضًاألمثلةً‪ً،‬فيًالقطاعًاملصرفيً​ً‪ً،‬لتطبيقًاحلوكمةً‬ ‫فقدًأعطتًنتائجًإيجابيةًفيًحتسنًكفاءةًاإلدارةًوالستخدامًاألمثلًللمواردًوحتقيقًأهدافً‬ ‫البنوكًوبالتاليًفاحلوكمةًممكنةًفيًاملصارفًلًبلًضروريةً‪ً .‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫‪20‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫ً‬ ‫ً‬

‫املبحثًالث ّالث ً‬ ‫اإلسالمية ً‬ ‫حوكمةًالبنوكً​ً‬ ‫ّ‬ ‫إسالمي ً‬ ‫ًّ‬ ‫املطلبًاألوّلً‪ً-‬احلوكمةًمنًمنظورً​ً‬ ‫كناًذكرناًآنفاًأنًعناصرًاحلوكمةًهيًأربعةً‪ً:‬العدالةً‪ً,‬املسؤوليةً‪ً,‬املساءلةً‪ً ,‬الشفافيةً‪..‬وًسنقومً‬ ‫اإلسالميةًحولًهذهًالعناصرً(‪ً :)1‬‬ ‫فيماًيليًباستعراضًماًتضمنتهًالشريعةً​ً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالميةًوًتكررتً​ًاإلشاراتً​ًإلىًالعدالةً‬ ‫‪ ‬العدالة ًمنًأهمًاألسسًالتيًنادتًبهاًالشريعةً​ً​ً‬ ‫ّ‬ ‫طً‬ ‫س ًِ‬ ‫امني َ ًبِال ِْق ْ‬ ‫في ًكثير ًمن ًآيات ًالقرآن ًالكرمي‪ً :‬قال ًتعالى‪"ً :‬يَا ًأَي ُّ َها ًال َّ ِذي َن ًآ َ َم ُنوا ًكُونُوا ًقَوَّ ِ‬ ‫َاَلِلًأَوْلَىًب ِ ِه َماًف َ​َالً‬ ‫ُمًأَوًِال َْوالِ َدي ْ ِنًوَاألْ َقْرَبِني َ ًِإنًْيَكُن ًْغَ ِن ًّياًأَو ًْف َِقيرااًف َّ ًُ‬ ‫ُش َه َد َاء ِ َّ ِ‬ ‫ًَلِل ًوَلَوًْعَ لَىًأَنْف ِ‬ ‫ُسك ْ‬ ‫ًاَلِل ًكَا َن ًِمبَا ًت َ ْع َملُو ًَن ً َخ ِبيراا ً(‪(ً )135‬سورةً‬ ‫ضوا ًفَإِنَّ َّ َ‬ ‫تَت َّ ِب ُعوا ًال َْه َوى ًأَنْ ًت َ ْع ِدلُوا ًوَإِنْ ًتَل ُْووا ًأَو ْ ًت ُ ْع ِر ُ‬ ‫ي ًأ َ ْح َس ُن ً َحتَّىًيَبْ ُل َغ ًأ َ ُشدَّهُ ًوَأَوْفُواً‬ ‫واًمالَ ًال َْيتِ ِ‬ ‫النساء) ً‪ً،‬وقولهًتعالى‪"ً :‬و َ َل ًتَقْرَب ُ َ‬ ‫يم ًِإلَّ ًبِالَّتِيً ِه َ‬ ‫م ًفَا ْع ِدلُواًوَلًَوًْكَا َنًذَاًقُرْبَىًوَب ِ َع ْه ِدً‬ ‫س ِ‬ ‫ط ًَلًنُكَل ُِّفًنَف ا‬ ‫الْكَيْلَ ًوَاملِْيزَا َن ًبِال ِْق ْ‬ ‫اًإلَّ ًو ُ ْس َع َهاًو َ ِإذَاًقُلْ ُت ْ‬ ‫ْس ِ‬ ‫ُم ًتَذَكَّرُو َن ً(‪("ً ً ً )152‬سورةًاألنعام)ً‪ً ,‬وًقولهًتعالىً"ًيَاًأَي ُّ َهاً‬ ‫َّ ِ‬ ‫ُم ًو َ َّ‬ ‫م ًبِهِ ًل َ​َعلَّك ْ‬ ‫صاكُ ْ‬ ‫اَلِل ًأَوْفُواًذَلِك ْ‬ ‫ًشنَآ َ ُن ًقَوْ ٍم ًعَ لَى ًأَلَّ ًت َ ْع ًِدلُواً‬ ‫ُم َ‬ ‫ًَلِل ُ‬ ‫امني َ ِ َّ ِ‬ ‫ط ًو َ َل ًي َ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ًش َه َد َاء ًبِال ِْق ْ‬ ‫ال َّ ِذينَ ًآ َ َمنُوا ًكُونُوا ًقَوَّ ِ‬ ‫ج ِر َمنَّك ْ‬ ‫ًاَلِلً َخ ِبير ٌ ًِمبَاًت َ ْع َملُو َنً(‪(ً")8‬سورةًاملائدةً)ً​ً‪.‬‬ ‫ُواًه َوًأَقْر َ ُبًلِلتَّق َْوىًوَاتَّقُ‬ ‫َّ َ‬ ‫واًاَلِلًإِنَّ َّ َ‬ ‫ا ْع ِدل ُ‬ ‫ًطائِرَهًُ‬ ‫ان ًأَلْز َ ْم َناهُ َ‬ ‫‪ ‬املسؤولية ًأي ًمسؤوليةًجميعًالبشر ًأمامًاَلِلًسبحانهًوتعالى ً" ًوَكُلَّ ًِإن ْ َس ٍ‬ ‫ًمن ْ ُ‬ ‫شورااً(‪(ً"ً )13‬سورةًالسراء ً)ًوقولهًعزًوجلً"ً‬ ‫فِيًعُ ُن ِقهًِوَن ُ ْ‬ ‫ام ِةً ِك َتابااًيَلْقَ اهُ َ‬ ‫خ ِر ُجًلَ ُهًيَوْ َمًال ِْق َي َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ًشيْ ٍء ً َش ِهيدًٌ‬ ‫اَلِل ًعَ لَىًكُلِّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫صاهُ ُ‬ ‫ًاَلِل ًوَن َ ُسوهُ ًو َ ُ‬ ‫م ًِمبَاًعَ ِملُواًأ َ ْح َ‬ ‫يَوْ َم ًيَبْ َعث ُ​ُه ْ‬ ‫ًاَلِل ً َج ِميعا اًف َُينَبِّ ُئ ُه ْ‬ ‫َ‬ ‫س ُئولٌ ًعَ ن ًْر َ ِعيَّتِهًِ‪ً،‬‬ ‫ًم ْ‬ ‫ُم َ‬ ‫ُمًر َ ٍاعً‪ً،‬وَكُ ُّلك ْ‬ ‫(‪(ً​ً"ً)6‬سورةًاﺠﻤﻟادلةً)ً‪ً.‬وجاءًفيًاحلديثًالشريفً"ًأ َلًكُلُّك ْ‬ ‫س ُئولٌ ًعَ ن ْ ًر َ ِعيَّتِهِ ً‪ً ،‬وَالر َّ ُجلُ ًر َ ٍاع ًعَ لَى ًأ َ ْه ِل ًبَيْتِهِ ً‪ً ،‬و َ ًُه َوً‬ ‫اس ًر َ ٍاع ً‪ً ،‬و َ ُه َو ً َم ْ‬ ‫فَاألْ َ ِمير ُ ًال َّ ِذي ًعَ لَى ًالن َّ ِ‬ ‫اع ًعَ لَىً‬ ‫م ً‪ً،‬وَال َْعبْ ُد ً​ًر َ ًٍ‬ ‫اع َي ٌة ًعَ لَىًبَيْ ِ‬ ‫م ً‪ً،‬وَاملَْرْأَةًُر َ ِ‬ ‫ًم ْ‬ ‫َم ْ‬ ‫ي َ‬ ‫س ُئو َل ٌة ًعَ ن ْ ُه ْ‬ ‫س ُئولٌ ًعَ ن ْ ُه ْ‬ ‫ت ًب َ ْع ِل َهاًوَو َ َل ِد ِه ً‪ً،‬و َ ِه َ‬ ‫س ُئولٌ ًعَ ن ًْر َ ِعيَّتِ ًهًِ"‪ً.‬أخرجهًالبخاريً‬ ‫ال َ‬ ‫ًم ْ‬ ‫ًم ْ‬ ‫ُم َ‬ ‫ًسيِّ ِد ِهً‪ً،‬و َ ُه َو َ‬ ‫ُم ًر َ ٍاع ً‪ً،‬وَكُ ُّلك ْ‬ ‫س ُئولٌ ًعَ ن ْ ُهً‪ً،‬أ َ َلً َفكُ ُّلك ْ‬ ‫َم ِ‬ ‫اإلسالميةًتوضحًمسؤوليةًالناسًأمامًاَلِلًوأمامًاآلخرينً‬ ‫ومسلمً‪ً..‬وًهذاًيوضحًأنًالعقيدةً​ً‬ ‫ّ‬ ‫وًمنًضمنهاًمسؤوليةًاملوظفًجتاهًعملهً‪،‬وًمسؤوليةً ًاإلدارةًجتاهًموظفيهاً‪ً ،‬وًينبغيًأنً‬ ‫تكونًاملسؤوليةًمعادلةًمتاماًللسلطةًاملمنوحةًللموظف‪ً،‬أوًاملدير‪ً ،‬أوًمجلسً​ًاإلدارةً(ًتوازنً‬ ‫السلطةًمعًاملسؤولية)‪.‬‬ ‫‪ ‬املساءلة ً‪ً :‬يقصد ًبها ًمحاسبة ًكل ًشخص ًحسب ًمسؤولياته‪ً ،‬وًيكون ًاجلزاء ًتبعا ًلنوعً‬ ‫املقصرًوفقًماًينصًعليهًالنظامً‬ ‫اجملالفةًوتتراوحًبنيًالثوابًوالعقابًأيً​ًإﺛابةًاﺠﻤﻟدًومعاقبةً​ً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالميةًوردتًالعديدًمنًالشاراتًوًاملعانيًحولًاملساءلةً‬ ‫الداخليًللمنشأة‪ً..‬فيًالعقيدةً​ً‬ ‫ّ‬ ‫‪ً- 1‬محسنًأحمدًخضيري‪ً،‬اإلدارةًفيًاإلسالم‪ً،‬وقائعًندوةًرقمً‪ً،21‬معهدًالبحوثًوالتدريب‪ً،‬البنكًاإلسالميًللتنمية‪ً،‬جدة‪ً،‬‬ ‫السعودية‪ً،‬ص‪ً .145:‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪21‬‬


‫مً‬ ‫‪ً..‬ففيًالقرآنًالكرميًيقولً ًاَلِلًسبحانهًوتعالى ً" ًيَوْ َم ِئ ٍذ ًي َ ْ‬ ‫ص ُدر ًُالن َّ ُ‬ ‫اس ًأ َ ْش َتاتا اًل ِ ُيرَوْاًأَع َْمال َُه ْ‬ ‫ًشرّا اًيَرَهً(‪ً(ً "ً )8‬سورةًالزلزلةً)ً‬ ‫ًمث ْقَ الَ ًذَر َّ ٍة َ‬ ‫ًمث ْقَ الَ ًذَر َّ ٍة ً َخيْرا اًيَرَهً(‪ً)7‬و َ َمن ْ ًي َ ْع َملْ ِ‬ ‫(‪ً)6‬ف َ​َمن ْ ًي َ ْع َملْ ِ‬ ‫ًسوْ َفً‬ ‫ًس ْع َي ُه َ‬ ‫اًس َعىً(‪ً)39‬وَأَنَّ َ‬ ‫ًم َ‬ ‫سًل ِ ِإل َ‬ ‫ان ًِإل َّ َ‬ ‫وقولهًتعالى‪ً"ً:‬أَل ًَّت َ ِزر ًُوَازِرَة ًٌوِزْر ًَأ ُ ْخرَىً(‪ً)38‬وَأَنًْلَيْ َ‬ ‫نس ِ‬ ‫م ًأ َ ْج َم ِعني ًَ(‪ً)92‬عَ َّماً‬ ‫جزَاهًُاجلْ َز َ َاءًاألَوْفَىً(‪(ً")41‬سورةًالنجم)‪ً ،‬وً"ًف َ​َورَب ِّ َ‬ ‫ُمًي ُ ْ‬ ‫كًلَنَ ْ‬ ‫سأَلَن َّ ُه ْ‬ ‫يُرَىً(‪ً)40‬ث َّ‬ ‫س ُئولُو َن ً(‪("ً )24‬سورةًالصافات) ًوً" ً َلً‬ ‫كَانُواًي َ ْع َملُو َن ً(‪("ً )93‬سورةًاحلجر) ًوً" ًو َ ِقفُ ُ‬ ‫م ً َم ْ‬ ‫م ًِإن َّ ُه ْ‬ ‫وه ْ‬ ‫سينَاًأَو ًْ‬ ‫خذْنَاًإِنْ ًن َ ِ ً‬ ‫ت ًرَبَّنَ َ‬ ‫يُكَل ُِّف َّ ُ‬ ‫ًاَلِل ًنَف ا‬ ‫اًل ًتُؤَا ِ‬ ‫اًماًاك ْ َت َس َب ْ‬ ‫اًماًكَ َس َب ْ‬ ‫ت ًوَعَ لَيْ َه َ‬ ‫ْساًإِلَّ ًو ُ ْس َع َهاًل َ​َه َ‬ ‫صرااًكَ ًَ‬ ‫ًطاقَةًَ‬ ‫اًم َ‬ ‫اًل َ‬ ‫أ َ ْخ َطأْنَاًرَبَّنَاًو َ َل َ‬ ‫ًمن ْ ًقَبْ ِلنَاًرَبَّنَاًو َ َل ُ‬ ‫ًحت ْ ِملْ ًعَ لَيْنَاًإِ ْ‬ ‫ماً َح َملْ َتهُ ًعَ لَىًال َّ ِذينَ ِ‬ ‫ًحت َ ِّملْنَ َ‬ ‫صرْن َاًعَ لَىًال ْقَ وْ ِم ًالْكَافِ ِري َن ً(‪ً(ً"ً )286‬سورةً‬ ‫ًموْ َلنَاًفَان ْ ُ‬ ‫لَ َناًبِهِ ًوَاع ُْف ًعَ نَّاًوَاغ ْ ِفر ًْلَ َناًوَار ْ َح ْم َناًأَن ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫البقرة)ً ًوًيقول ًالرّسول ًصلى ًاَلِل ًعليه ًوسلم ً‪(ً:‬إن ًاَلِل ًيحب ًإذا ًعمل ًأحدكم ًعمال اًأنً‬ ‫يتقنه)ًروتهًعائشةًرضيًاَلِلًعنها‪..‬‬ ‫اإلسالمية ًبالصدق ًوًاألمانة ًوالدقة ًوالشمولً‬ ‫‪ ‬الشفافية ً‪ً :‬يعبر ًعنها ًفي ًالشريعة ً ً‬ ‫ّ‬ ‫مً‬ ‫للمعلومات ًوًتوفيرها ًجلميع ًاألطراف ًيقول ًاَلِل ًعز ًوجل ً" ًوَال َّ ِذي َن ُ‬ ‫م ًوَعَ ْه ِد ِه ْ‬ ‫م ًِأل َ َمانَات ِ ِه ْ‬ ‫ًه ْ‬ ‫ًآم ُن َ‬ ‫ُمً‬ ‫خون ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫واًلًت َ ُ‬ ‫واًاَلِلًوَالر َّ ُسولَ ًوَت َ ُ‬ ‫رَاعُ و َنً(‪("ً​ً)8‬سورةًاملؤمنون)ً​ًوً​ً"ًيَاًأَي ُّ َهاًال َّ ِذي َن َ‬ ‫خونُواًأ َ َمانَاتِك ْ‬ ‫م ًت َ ْعل َُمو َن ً(‪(ً")27‬سورةًاألنفال)‪ً ً,‬وقولًالرسولًالكرميً(ص)ً​ً(ل ًإميان ًملن ًل ًأمانة ًله)ًرواهً‬ ‫وَأَن ْ ُت ْ‬ ‫أحمد"‪.‬‬ ‫اإلسالمية‪ً ً.‬‬ ‫إذاًنستطيعًالقولً​ً‪ً-‬بثقةً​ً‪ً​ً-‬إ ّنًعناصرًاحلوكمةًمتوفرةًفيًالشريعةً​ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫اإلسالميةً‪ً :‬‬ ‫املطلبًالث ّانيً‪ً-‬متطلباتًاحلوكمةًفيًالبنوكً​ً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمية ًتطورًا ا ًواضحًا ا ًوتزداد ًحصته ًمن ًالسوق ًاملصرفية ًفيً‬ ‫يشهد ًسوق ًالصيرفة ً​ً​ً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالميةًبحواليً‪ً1600‬مليارًدولرًفيًنهايةًعامً‪ً2014‬ويقدرً‬ ‫العالم‪ً,‬إذًتقدرًأصولًاملصارفً​ً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالميةً‬ ‫عدد ً ًعمالئه ً ًبحوالي ً‪ً 38‬مليون ًعميل ًوبلغ ًمعدل ًالنمو ًالوسطي ًللمصارف ً ً‬ ‫ّ‬ ‫حواليً‪ً%11‬مقابلً‪ً%6.8‬للمصارفًالتقليدية‪ً.‬يبلغًعددًاملصارفًاإلسالميةً‪ً100‬مصرفًحولً‬ ‫اإلسالمي ً ً‪ً،‬بنكً ًأبوظبي ً‪ً،‬‬ ‫ًّ‬ ‫العالم ًوًيأتيًفيًمقدمةًهذهًاملصارفً‪ً:‬بنكًفيصل ً‪ً،‬وبنكًدبيً ً‬ ‫اإلسالميً​ًاألردنيًوغيرهاً‪ً .‬‬ ‫ًّ‬ ‫اإلسالمي‪ً،‬وًمصرفًالراجحيً‪ً،‬والبنكً‬ ‫ًّ‬ ‫اإلسالمية ًفإننا ًندعو ً ًإلى ًضرورة ًتطبيقً‬ ‫في ًضوء ًهذا ًاحلضور ًالقوي ًواملتنامي ًللمصارف ً‬ ‫ّ‬ ‫احلوكمةًعلىًهذاًالنوعًمنًاملصارفً‪ً .‬‬ ‫ً‬ ‫اإلسالميةً​ًالتخليًعنهاًوهيً‪ً :‬‬ ‫ًنودً​ًاإلشارةًإلىًأنًثمةًمبادئًلًتستطيعًاملصارفً‬ ‫ّ‬ ‫‪-1‬مبدأًاملشاركةًفيًالربحًوًاخلسارةًأوًالغنمًبالغرمً‪ً .‬‬ ‫‪-2‬مبدأًاملتاجرةًعلىًأساسًامللكيةًلًعلىًأساسًالدين‪ً .‬‬ ‫اإلسالمية‪ً .‬‬ ‫‪-3‬مبدأًالتزامًاملصرفًفيًتعامالتهًبأحكامًالشريعةً​ً‬ ‫ّ‬ ‫وهذهًاملبادئًليستًمطلوبةًفيًاملصارفًالتقليديةً‪ً .‬‬ ‫اإلسالمية ًتتماثلًفيًوجودًأربعةًعناصر ًفيًكلًمنهاًوهيً‪ً:‬‬ ‫واذاًكانتًاملصارفًالتقليدية ًوً‬ ‫ّ‬ ‫حملة ًالسهم ً ً‪،‬مجلس ًالدارة ً ً‪ً ،‬الدارة ًالتنفيذية ً ً‪ً ً ،‬أصحاب ًاملصالح ً ًإل ًأن ًاملصارفً​ً‬ ‫اإلسالمية ًتضمًعالوةًعلىًذلكًعنصرًخامس ًهو‪ً :‬هيئةًالرقابةً ً ّ‬ ‫رعية ًفيًكلًمصرف‪ً،‬‬ ‫الش ّ‬ ‫ّ‬

‫‪22‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫اإلسالمي؛ ًليبقى ًمتوافقا ًمع ًالشريعةً​ً​ً‬ ‫وهدف ًهذه ًالهيئة ًهو ًمراقبة ًعمل ًاملصرف ً ً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمية ًتختلف ًعن ًحوكمةً‬ ‫اإلسالمية ًان ًذلك ًيعني ًبالضرورة ًأن ًحوكمة ًاملصارف ً ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املصارفًالتقليديةً​ً‪ً .‬‬ ‫ً‬ ‫اإلسالميةًممكن ً‪ً .‬ولكنًهذهًاحلوكمةًستكونً‬ ‫ميكنناًالقولًأنًتطبيقًاحلوكمةًفيًاملصارفً ً‬ ‫ّ‬ ‫ذاتًمستوينيً‪ً :‬‬ ‫املستوى ًاألوّل‪ً:‬احلوكمةًاملعروفةًواملتعارفًعليهاًالتيًتطبقًفيًكافةًأنواعًالشركاتًومنً‬ ‫ضمنهاًاملصارفً‪ً .‬‬ ‫املستوىً​ًالث ّانيً‪ً:‬حوكمةًلترجمة‪ً،‬وتطبيقًآراءًهيئةًالرقابةً​ً ّ‬ ‫رعيةًفيًاملصرف‪ً .‬‬ ‫الش ّ‬ ‫اإلسالميةًينبغيًأنًتراعيًماًيلي‪ً :‬‬ ‫وأنًاحلوكمةًفيًاملصارفً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالميةًملزمةًمبراعاةًأكبرًألصحابًالودائعًفيً ًاملصارفًالقائمةًعلىًمبدأً‬ ‫‪ -1‬املصارفً​ً‬ ‫ّ‬ ‫املضاربةًأيًدرجةًعاليةًمنًاجملاطرة( ً‪)ً Risk‬مقارنةًمبصالحًأصحابًالودائعًفيًالبنوكً‬ ‫التقليديةًالتيًتقلًفيهاًاجملاطرةًنظراًلثباتًالفوائدًاملصرفية‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجودًوجهنيًللحوكمةًبسببًوجودًمجلسنيً‪ً،‬األوّل ً‪ً:‬مجلسًاإلدارةًالذيًيشرفًعلىً‬ ‫اجلوانب ًاإلداريّة ًفيًاملصرف‪ً ،‬وً ًالثّانيً‪ً:‬هيئةًالرقابةً ً ّ‬ ‫رعيةًالتيًتعنىًمبراقبةًمدىً‬ ‫الش ّ‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬ ‫توافقًالعملياتًاملصرفيةًمعًالشريعةً​ً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمي‪ً .‬‬ ‫وهذاًقدًيخلقًبعضًالصعوباتًفيًوجهًتطبيقًاحلوكمةًفيًاملصرفً​ً‬ ‫ّ‬ ‫معاييرًحوكمةًاملنشآتً​ًاملاليةً​ًاإلسالميةًالصادرةًعنًمجلسًاخلدماتًاملاليةً​ً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالميةً​ًفيًماليزياًعامً‪)1(ً:ً​ً2006‬‬ ‫ّ‬ ‫‪-1‬ضرورةًاللتزامًب‪:‬‬ ‫‪ ‬مبادئًحوكمةًالشركاتًالصادرةًعنًمنظمةًالتعاونًالقتصادي(‪.ً)ًOECD‬‬ ‫‪ ‬معايير ً(جلنة ًبازل) ًللرقابة ًاملصرفية( ً ‪Basel Committee on banking‬‬ ‫‪ً.)ًSupervision‬‬ ‫اإلشرافيةً(البنكًاملركزي)ً‪ً .‬‬ ‫‪ ‬تعليماتًوتوجيهاتًالسلطاتً‬ ‫ّ‬

‫اإلسالميةًوًمبادئهاً‪ً .‬‬ ‫‪ ‬أحكامًالشريعةً​ً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالميةًباملعاييرً‬ ‫‪-2‬تزويدًمجلسًالدارةًبالتقاريرًالتيًتبنيًمدىًالتزامًاملؤسسةًاملاليةً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمية ًبإنشاء ًجلنةً‬ ‫اﶈاسبية ًاملتعارف ًعليها ًدوليا ً‪ً .‬وًضرورة ًأن ًتقوم ًاملصارف ً ً‬ ‫ّ‬ ‫للمراجعةًوالتدقيقً‪ً .‬‬ ‫‪-3‬يجبًأنًتتحملًاملؤسسةًاملاليةًالسالميةًمسؤوليةًائتمانيةًجتاهًأصحابًالودائعً‬ ‫معًالفصاحًوالشفافيةًعنًاملعلوماتًوذلكًبانشاءًجلنةًالرقابةً​ًاإلداريّة ً‬ ‫‪-4‬تكليفًجلنةًالرقابةًاإلداريّةًمبراقبةً"ًاحتياطيًمعدلً​ًاألرباحً"‪ً،‬وً"ًاحتياطيًاجملاطرً"ً‬ ‫‪ً،‬والتوصيةًﺠﻤﻟلسًاًاإلدارةًحولًكيفيةًاستخدامها ً‬ ‫‪ً- 1‬مجلسًاخلدماتًاملاليةًاإلسالمية‪ً،‬املبادئًاإلرشاديةًلضوابطًإدارةًاملؤسساتًالتيًتقتصرًعلىًتقدميًخدماتًماليةًإسالمية‪ً،‬‬ ‫إصدارً‪ً،2006‬ص‪ً 10-6‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪23‬‬


‫‪-5‬لبد ًوأن ًيبقى ًتنوع ًاآلراء ً ً ّ‬ ‫رعية ًمن ًاخلصائص ًالدائمة ًلقطاع ًاخلدمات ًاملاليةً‬ ‫الش ّ‬ ‫اإلسالمية‪ً .‬‬ ‫ّ‬ ‫‪-6‬يجب ًأن ًيحصل ًاملراجعون ًالداخليون‪ً ،‬وًاملراقبون ًالشرعيون ًعلى ًالتدريب ًالالزمً‬ ‫لتحسنيًمهاراتهمًمنًحيثًمدىًاللتزامً ّ‬ ‫بالشريعة‪ً .‬‬ ‫‪-7‬يجبًاعتمادًالشفافيةًفيًتطبيقً ًأحكامً ً ّ‬ ‫اإلسالمية ً​ًومبادئها‪ً ،‬وًيجبً‬ ‫الشريعةً​ً‬ ‫ّ‬ ‫اللتزامًبقراراتًالهيئةً​ً ّ‬ ‫رعيةًاملركزيةًأوً​ًاإلفصاحًعنًسببًعدمًاللتزامً‪ً .‬‬ ‫الش ّ‬ ‫اإلسالمية ًتوفيرًاملعلوماتًألصحابًحساباتًالستثمارً‬ ‫‪-8‬يجبًعلىًاملنشآتًاملاليةً ً‬ ‫ّ‬ ‫حولً​ًأسسًتوزيعًاألرباحًقبلًفتحًحسابًالستثمارًوًخاصةًنسبةًاملشاركةًفيًاألرباحً‬ ‫وًاخلسائرً‪ً .‬‬ ‫ً‬

‫دورًاحلوكمةًفيًرفعًكفاءةًاملصارفً​ًاإلسالمية‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫الكفاءةً( ‪ً -ً​ً)ً Efficiency‬كماًهوًمعلومً ً‪ً -‬تعنيًحسنًاستثمارًاملواردًاملتاحةًبهدفًحتقيقًأفضلً‬ ‫النتائج ً‪..‬و ًاحلوكمة ًتتطلب ًوضع ً ًأسس ًللعالقة ًبني‪ً ً :‬اإلدارة‪ً ً ،‬وًمجلس ً ًاإلدارة‪ً ً ،‬وًهيئة ًالرقابةً​ً‬ ‫ّ‬ ‫رعية ً‪،‬وًحملةًاألسهمً ً‪،‬وًأصحابًاملصالح‪ً،‬مباً ًيؤديً ًإلىًجتنبًتعارضًاملصالح‪ً ،‬ووضوحًحقوقً‬ ‫الش ّ‬ ‫إمكانيةًاستغاللًالوسائلًاملتاحةًبشكلًأمثل‪ً ،‬وًمنًثمًرفعً‬ ‫وواجباتًكلًطرف‪ً ،‬وأنًذلك ًيرفعًمنً ً‬ ‫ّ‬ ‫مستوىًالكفاءةًالقتصاديةًوالتشغيليةًللمصرفً‪ً .‬‬ ‫منًناحيةًثانيةًينبغيً​ًاإلشارةًإلىًأنًوجودًهيئةًالرقابةً​ً ّ‬ ‫إمكانيةًالستثمارً‬ ‫رعيةًيؤديًإلىًعدمً​ً‬ ‫ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫في ًنشاطات ًمحرمة ًشرعا ً ًمما ًيخفض ًهامش ًالربح‪ً ،‬وًبالتالي ًتعويضات ً ًاإلدارة ًبسبب ًإلغاءً‬ ‫العملياتًاملصرفيةًالتيًلًتتوافقًمعً​ً ّ‬ ‫اإلسالميةًحتىًولوًكانتًمربحةًجداً‪ً .‬‬ ‫الشريعةً​ً‬ ‫ّ‬ ‫كماًأنًعدمًاتسامًهيئةًالرقابةً​ً ّ‬ ‫رعيةًبالفعالية‪ً،‬والكفاءة‪ً،‬وًالوضوحًفيً​ًإصدارًالفتاويًميكنًأنً‬ ‫الش ّ‬ ‫تؤثر ًعلى ًكفاءة ًاملصرف‪ً ،‬وًتنافسيته‪ً ،‬وانخفاض ًحجم ًالعمليات ًمما ًيؤدي ً ًإلى ًانخفاض ًالكفاءةً‬ ‫التشغيليةًللمصرفً‪ً .‬‬ ‫ميكنناًالقولًأنًاحلوكمة ً ً‪ً​ً،‬بشمولهاً​ًللجانبنيً‪ً :‬اإلدار ّي ً‪،‬وًالشرعيًتؤثرًبشكلًمباشرًفيًالكفاءةً‬ ‫اإلسالميّ ًوًالعكسً‬ ‫ً‬ ‫التشغيلية ًللمصرف؛ ًفالتطبيق ًاجليد ًملبادئها ًيؤدي ً ًإلى ًرفع ًكفاءة ًاملصرف ً ً‬ ‫صحيحً‪ً .‬‬

‫ً‬

‫‪24‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫وصياتً‪ً :‬‬ ‫التّ ّ‬ ‫اإلسالمية‪ً :‬‬ ‫فيًضوءًماًمتًعرضهًفانناًنسوقًالتوصياتًاآلتيةًلتعزيزًوجناحًتطبيقًاحلوكمةًفيًالبنوكً‬ ‫ّ‬ ‫‪-1‬‬

‫‪-2‬‬ ‫‪-3‬‬ ‫‪-4‬‬ ‫‪-5‬‬ ‫‪-6‬‬ ‫‪-7‬‬ ‫‪-8‬‬ ‫‪-9‬‬

‫ًإنشاءًمجلسًأعلىًللفتوى ًفيًالدولةً ًيتكونًمن‪ً ً :‬رجالًدين‪ً ،‬وعلماءًخبراءًمنًذويً‬ ‫اإلسالميةً​ًلكي ً ًيسهم ًفيً​ً‬ ‫املعرفة ًبأحكام ًالشرع ً ًفي ًاملعامالت ًاملصرفية ًواملالية ً‬ ‫ّ‬ ‫إغناءًالقراراتًالشرعيةًلهيئاتًالرقابةًالشرعيةًفيًكلًمصرف‪ً.‬علماًأنناًلًنتفقًمعً‬ ‫وجود ًمجلس ً ًأعلى‪ً ،‬أو ًهيئة ًعليا ً؛ ًإلصدار ًالفتاوي ًالشرعية ًمبا ًيؤدي ً ًإلى ًأن ًتلغىً‬ ‫هيئاتًالرقابةًالشرعيةًفيًكلًمصرفً؛ًألنًذلكًيعنيًمنعًالجتهاد ًوًهوًأحدًمصادرً‬ ‫التشريع ًفي ً ًاإلسالم‪ً .‬وًنحن ًنفضل ًأن ًيكون ًاﺠﻤﻟلس ًاألعلى‪ً ،‬أو ًالهيئة ًالعليا ًله ًدورً‬ ‫استشاريًفقطًمعًاستمرارًوجودًهيئاتًالرقابةًفيًكلًمصرفً‪.‬‬ ‫تفصيلًالعقود‪ً،‬وًحتديدًشروطها‪ً،‬وًأحكامهاًبدقةًمنًالناحيتنيًالشرعية‪ً،‬وًاإلداريّةًمباً‬ ‫يبتعدًعنًأيًجهالةًأوًتدليسًأوًغررً‪.‬‬ ‫اللتزام ًمببادئ ًوظيفة ً ًالمتثال ً ًاستحداث ًإدارة ًمستقلة ًلوظيفة ًالمتثال ًوًتأمنيً‬ ‫ظروفًمناسبةًلعملهاً‪.‬‬ ‫تطبيقًمعاييرًاﶈاسبةًالدولية(ً‪.ً)ً International Accounting Standard‬‬ ‫اإلسالميةً​ًوهوً‬ ‫تطبيقًأسسًومعاييرًأخالقياتًاألعمالً ‪ًBusiness Ethics‬فيًاملصارفً​ً‬ ‫ّ‬ ‫أمرًيسبقًاحلوكمةًوًيتزامنًمعهاًوًيليهاً‪.‬‬ ‫تطبيقًمبدأًفصلًامللكيةًعنًاإلدارةً​ً‪.‬‬ ‫التدريبًاملستمرً ًلإلداراتً​ًالتنفيذيةًفيًالبنكًعلىًكلًماًهوًجديد‪ً​ً،‬وكذلكًلهيئةً‬ ‫الرقابة ًالشرعية ًفي ًالبنك ًبغية ًجعلها ًمواكبة ًملا ًيحدث‪ً ،‬ولالجتاهات ًاملستقبليةً‬ ‫للبنكً‪.‬‬ ‫الختيار ًاألفضل ًللمدققني ًاخلارجيني ًوًيفضل ًأن ًيكونوا ًمن ًبيوتات ًالتدقيق ًاملصنفةً‬ ‫تصنيفاًعالياًوتعملًوفقًاملعاييرًالدوليةً‪ً .‬‬ ‫اإلسالميةًيعتمدًعلىًحتققًوجهيهاً‪ً :‬‬ ‫إنًجناحً​ًاحلوكمةًفيًاملصارفً​ً‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬احلوكمةًلهيئةًالرقابةًالشرعية‪ً .‬‬

‫‪ ‬احلوكمةً​ًاإلداريّةً‪،‬ونحنًنرىً​ًأنهًلًتعارض‪ً،‬وًلًتناقضًبينهما‪ً،‬وأنًتطبيقهماً‬ ‫ممكن؛ ًألنهما ًيهدفان ًلتحقيق ًمصلحة ًالبنك‪ً ،‬وًمصالح ًحملة ًاألسهمً‬ ‫‪،‬وباقيً​ًأصحابًاملصالحًفيًالبنكً‪.‬‬

‫ً‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪25‬‬


‫اخلامتةً ً‬ ‫ً‬ ‫احلوكمةًكفلسفةً ًإداريّةًتعدًضرورةًلكلًأنواعًاملنظماتً(ًاملنشآت ً) ًوًمنًضمنها ً ًالبنوكً​ً‪ً..‬بلً‬ ‫نحنًنراهاًضروريةًأكثرًللبنوكًبسببً‪ً:‬أهميةًالبنوكًفيًأيًاقتصاد‪ً،‬ألنًأيًخللً​ًإدار ّيًفيًالبنكًقدً‬ ‫يؤدي ًإلى ًافالس ًالبنك ًومخاطر ًذلك ًعلى ًالقطاع ً ًاملصرفي ًوًعلى ًالقتصاد ًبرمته ً‪ً ,‬وًعالقتهاً‬ ‫املباشرة ًمع ًماليني ًالعمالء ًوًالتنافس ًالشديد ًفي ًسوق ًاخلدمات ًاملصرفية ًوًضرورات ًتطور ًاخلدمةً‬ ‫املصرفيةً‪ً..‬وحتىًتستطيعًالبنوكًتلبيةًتوقعاتًزبائنهاًوًتطوير ًخدماتها ًوًحتقيقًمصالحًمالكيهاً‬ ‫اإلسالمية ًمنًضمنهاً‪ً ,‬هيًمنًنوعًالشركاتًاملساهمة ًالعامةً‬ ‫(ًفيًالغالبًفأنًالبنوك‪ً ,‬وًالبنوكً‬ ‫ّ‬ ‫ومدرجةًفيًالسوقًاملاليً‪ً)ً...‬وهمًكثرً​ًمنًحيثًالعددً؛ًلذلكًمطلوبًمنً ًاإلدارةًاملصرفيةًأنًتطورً‬ ‫نفسها‪ً ،‬وأساليبًعملها ًمباًفيًذلكً ًاستحداثًإدارةًمستقلةً​ًلالمتثالً ً‪ً،‬وذلكًمباًيواكبًالتطورً‬ ‫احلاصل ًوحتقيق ًمصالح ًكافة ًاألطراف ًذات ًالصلة ًبالبنك ً‪..‬و ًاحلوكمة ًهي ًأحد ًاملنظومات ًاإلداريّةً‬ ‫املفيدةًفيًهذاًاﺠﻤﻟال ًوالتيًأثبتتًجناحاًفيًاملنظماتًالتيً​ًطبقتها‪..‬فقدًحتسنتًالكفاءةً ًاإلداريّةً‬ ‫والتشغيليةًفيًالبنوكًالتيًطبقتهاًوًازدادًرضىًجميعًاألطرافًمنًأصحابًاملصالح‪..‬أماًفيًالبنوكً‬ ‫اإلسالمية ًفانناًنرىًأنًتطبيقًاحلوكمةًممكنً ً ًوضروريًبالرغمًمنًوجودًهيئةًالرقابةًالشرعيةً​ًفيً‬ ‫ّ‬ ‫البنك؛ ً ًإذ ًلًنرىًأيًتعارضًبينهما ًوًاألمرًيحتاجً ًإلى ًأنً​ًتكونًهيئةًالرقابةًالشرعيةًعلىًدرجةً‬ ‫عالية ًمن ًاخلبرة ًواملعرفة ًبقضايا ًالشريعة‪ً ،‬وًنرى ًضرورة ًتدريبها ًعلى ًاملسائل ًاإلداريّة‪ً ،‬والعملياتً‬ ‫الفنية‪ً ،‬والستثمارية ًفي ًالبنك ًحتى ًتطلع ًعلى ًأوضاع ًالبنك‪ً ،‬وًاجتاهات ًالعمل ًوالستثمار؛ ًلكيً‬ ‫اإلسالميةً​ًتعطيًمجالتً‬ ‫تعملًعلى ًإيجاد ًالغطاءًالشرعيًملاًيزمعًالبنكًالقيامًبه‪ً ..‬وًالعقيدةً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالميةً​ً‬ ‫كبيرة ًوواسعة ًمن ًاملرونة ًوباب ًالجتهاد ًمفتوح ً ً‪ً ً ،‬مبا ًل ًيتعارض ًمع ًأحكام ًالشريعة ً ً‬ ‫ّ‬ ‫السمحاء‪ً .‬‬ ‫ً‬

‫‪26‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫املراجع ً‬ ‫‪.1‬‬ ‫‪.2‬‬ ‫‪.3‬‬ ‫‪.4‬‬ ‫‪.5‬‬

‫املعهدًاملصرفيًاملصريً‪ً:‬مفاهيمًماليةً‪ً,‬نظامًحوكمةًالبنوك‪ ,‬العددًالسادسًبدونًتاريخً‬ ‫النشر‪ً,‬منشورًعلىًموقعًاملعهدً‪ ً،ً)ًwww.ebi.gov.eg (:‬ص‪ً .ً2‬‬ ‫اإلسالمية ًكليةًالعلومًالقتصادية ًوًعلومًالتسيير‪ً،‬‬ ‫شوقيًبورقبةً ً‪ً،‬احلوكمةً​ًفيًاملصارفً‬ ‫ّ‬ ‫جامعة ًفرحات ًعباس ً‪ً ،‬سطيف ً‪ً ،‬اجلزائر‪ً ،ً 2009،‬بحث ًمنشور ًعلى ًموقعهً‬ ‫(‪،ً)ً​ًchawki62000@yahoo.fr‬ص‪ً .ً6-5‬‬ ‫اإلسالمية ً‪،‬املبادئً ًاإلرشاديّةًلضوابطًإدارةًاملؤسساتًالتيًتقتصرً‬ ‫مجلسًاخلدماتًاملاليةً ً‬ ‫ّ‬ ‫علىًتقدميًخدماتًماليةًإسالمية‪ً،‬اصدارً‪ً،ً2006‬ص‪ً .ً10-6‬‬ ‫محسنًأحمدًاخلضيريً‪ً​ً،‬اإلدارةً​ًفيًاإلسالم‪ً،‬وقائعًندوةًرقمً‪ً،ً​ً21‬معهدًالبحوثًوًالتدريبً‪ً​ً،‬‬ ‫اإلسالميًللتنميةً‪ً،‬جدةً‪ً،‬السعوديةً‪،1990ً،‬صً‪ً .ً145‬‬ ‫البنكً​ً‬ ‫ّ‬ ‫مهديًعالويً‪ً،‬وظيفةًمراقبةً​ًالمتثالً​ًتعريفهاً‪،‬وًأهميتها‪ً،‬وًمخاطرًعدمًالمتثالًوًأسبابهً‬ ‫‪،‬مجلةًالدراساتً​ًاملاليةًواملصرفية‪،‬العددً‪ً،ً3‬أيلولً(سبتمبر)ً‪ً،ً2013‬صً‪ً .ً7-6‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫ً‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪27‬‬


‫‪28‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫المسؤولية المدنية لطبيب األسنان‬ ‫في القانون الفرنسي‬

‫د‪ .‬عبد الكرمي صبري‬ ‫عميد كلية القانون‬

‫د‪ .‬رغيد عبد احلميد فتال‬ ‫أستاذ القانون املدني املساعد‬

‫جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪29‬‬


‫‪30‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫مقدمة‬ ‫‪ .1‬مفهوم األشخاص الذين هم في حكم الطبيب‪– .‬‬ ‫أدخل القرار رقم ‪ 2000-548‬الصادر في ‪ 15‬يونيو ‪ 12000‬بعض التعديالت على قانون الصحة‬ ‫العامة الفرنسي‪ ،‬والذي أصبح يتناول في القسم الرابع منه املهن التي تتعلق بالصحة‪ .‬وباتت املهن التي‬ ‫هي في حكم الطب تنقسم إلى مهن طبية وأخرى شبه طبية‪ .‬وبالتالي بات القسم الرابع املذكور‬ ‫ينقسم إلى عدة كتب ‪ :livres‬األول والثاني يتعلقان باملهن الطبية التي تنقسم إلى مهنة األطباء والتي‬ ‫عاجلتها املادة ‪ L. 4131-1‬وما يليها من قانون الصحة العامة‪ ،‬مهنة أطباء األسنان والتي عاجلتها املادة ‪L.‬‬ ‫‪ 4141-1‬وما يليها من قانون الصحة العامة‪ ،‬ومهنة القابالت والتي عاجلتها املادة ‪ L. 4151-1‬وما يليها من‬ ‫قانون الصحة العامة‪.‬‬ ‫أما الكتاب الثالث فيتناول من ميارس املهن شبه الطبية‪ ،‬أي الذين ميارسون مهنتهم استنادا ً إلى‬ ‫إجازة جامعية تخولهم القيام بأعمال ذات طابع صحي وفقا ً لتوجيهات الطبيب‪ ،‬وهم‪ :‬املمرضون‬ ‫‪ infirmiers‬والتي نظمت مهنتهم املادة ‪ L. 4311-1‬وما يليها من قانون الصحة العامة‪ ،‬املعاجلون‬ ‫الفيزيائيون ومعاجلو األقدام ‪ masseurs-kinésithérapeutes et pédicures podologues‬الذين نظمت‬ ‫أحكام مهنتهم املادة ‪ L. 4321-1‬من قانون الصحة العامة‪ ،‬واملعاجلون الطبيعيون واحلركيون‬ ‫‪ psychomotriciens ergothérapeutes‬والتي نظمت مهنتهم املادة ‪ L. 4331-1‬وما يليها من قانون الصحة‬ ‫العامة‪ ،‬ومعاجلو النطق ومقومو البصر ‪( orthophonistes et orthoptistes‬املادة ‪ L. 4341-1‬وما يليها من‬ ‫قانون الصحة العامة)‪ ،‬وتقنيو األشعة الطبية ‪( manipulateurs d'électroradiologie médicale‬املادة ‪L.‬‬ ‫‪ 4351-1‬وما يليها من قانون الصحة العامة)‪ ،‬واختصاصيو السمع ‪ audioprothésistes‬واختصاصيو‬ ‫البصريات والنظارات ‪( opticiens-lunetiers‬املادة ‪ L. 4361-1‬وما يليها من قانون الصحة العامة)‪،‬‬ ‫واختصاصيو التغذية ‪( diététiciens‬املادة ‪ L. 4371-1‬وما يليها من قانون الصحة العامة)‪.2‬‬ ‫‪ .2‬أثر القانون رقم ‪ 2002-303‬على مسؤولية من هم في حكم الطبيب‪– .‬‬ ‫بتاريخ ‪ 4‬مارس ‪ 2002‬صدر القانون رقم ‪ - 2002-303‬املتعلق بحقوق املرضى ونوعية النظام‬ ‫الصحي‪ ،‬ثم تعدل مبوجب القانون رقم ‪ 2002-1577‬الصادر في ‪ 30‬ديسمبر ‪ .2002‬أدخل هذا القانون بعض‬ ‫التعديالت على عدد من النصوص التي تتناول املهن الصحية‪ ،‬حيث باتت املادة ‪ L. 1142-1‬من قانون‬ ‫الصحة العامة تنص في فقرتها األولى على أن مسؤولية من ميارسون املهن الصحية تقوم على فكرة‬ ‫اخلطأ‪ .‬إال أنه حماي ًة ملصلحة املضرور‪ ،‬أوجد املشرع الفرنسي نظاما ً للتعويض عن األضرار الناجمة عن‬ ‫احلوادث الطبية وذلك على أساس فكرة التضامن الوطني ضد هذه احلوادث‪ ،‬بشرط توفر شروط املادة ‪L.‬‬ ‫‪( 1142-1‬الفقرة الثانية) من قانون الصحة العامة‪ ،‬والتي تنص على ضرورة أن يكون مصدر احلادث الطبي‬ ‫أعمال الوقاية‪ ،‬أو التشخيص أو العالج‪ ،‬وأن يؤدي إلى إصابة املضرور مبخاطر جسيمة غير طبيعية‪.3‬‬ ‫‪ 1‬نشر في اجلريدة الرسمية في ‪ 22‬يونيو ‪.2000‬‬ ‫‪J. et M. Kornprobst, Les auxiliaires médicaux : Éd. Masson 1966 ; J.-Cl. Pénal Annexes, V° Médecine, fasc. 60.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪« Lorsque la responsabilité d'un professionnel, d'un établissement, service ou organisme mentionné au I ou d'un producteur de‬‬ ‫‪produits n'est pas engagée, un accident médical, une affection iatrogène ou une infection nosocomiale ouvre droit à la réparation‬‬ ‫‪des préjudices du patient, et, en cas de décès, de ses ayants droit au titre de la solidarité nationale, lorsqu'ils sont directement‬‬ ‫‪2‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪31‬‬


‫ومن باب اختصار الوقت حماي ًة ملصلحة املضرور‪ ،‬يشجع املشرع الفرنسي على حل النزاع بالصورة‬ ‫الودية لذلك ‪ -‬وبحسب املادة ‪ L. 1142-4‬وما يليها من قانون الصحة العامة ‪ -‬فرض اتباع إجراءات معينة‬ ‫في حال توفرت شروط املادة ‪( L. 1142-1‬الفقرة الثانية) من القانون املذكور‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬كرس القانون الصادر في ‪ 4‬مارس ‪ 2002‬رسميا ً مبوجب املادة ‪ L. 1111-2‬من‬ ‫قانون الصحة العامة مبدأ ً مهما ً وهو أن‪" :‬كل شخص له حق إعالمه بحالته الصحية"‪ .4‬كما أضاف‬ ‫نصوصا ً تتعلق باملهن شبه الطبية‪.‬‬ ‫‪ .3‬األساس القانوني ملسؤولية من هم في حكم الطبيب‪– .‬‬ ‫قبل صدور حكم ‪ Mercier‬عن محكمة النقض الفرنسية في ‪ 20‬مايو ‪ ،1936‬كان الفقه والقضاء‬ ‫الفرنسيان يعتبران أن األساس القانوني ملسؤولية من هم في حكم الطبيب هو املسؤولية العقدية‪.‬‬ ‫ويستند الفقه املؤيد لهذا االجتاه إلى احلجج التالية‪ :‬ضرورة قيام الدليل على وقوع تقصير من الطبيب‬ ‫حتى مكن مساءلته؛ وكون املسائل املتعلقة بالضمير وبالعلوم الطبية تخرج عن دائرة العقد؛ وأن الضرر‬ ‫الذي ينشأ عن اجلرمية يوجب املسؤولية التقصيرية؛ كما أن املسائل املتعلقة بالنظام العام توجب‬ ‫املسؤولية التقصيرية (إذ أن املساس بحياة األشخاص وسالمة أبدانهم من النظام العام)‪.5‬‬ ‫أما بالنسبة للحجة األولى‪ ،‬فنحن ال نتفق مع من يتمسك بها خاصة أن ضرورة إثبات وقوع تقصير ال‬ ‫يكون فقط في حاالت املسؤولية التقصيرية‪ ،‬بل وأيضا ً في حاالت املسؤولية العقدية التي يكون فيها‬ ‫التزام طبيب األسنان ببذل عناية‪ .‬أضف إلى ذلك أن تأسيس مسؤولية طبيب األسنان على املسؤولية‬ ‫العقدية يؤمن حماية أكبر للمريض من حيث أن مدة التقادم املسقط أطول‪.‬‬ ‫ولكن بصدور حكم ‪ ،Mercier‬أصبح األساس القانوني ملسؤولية من هم في حكم الطبيب هو‬ ‫املسؤولية العقدية‪ ،6‬إذ أنه لوال العقد ملا تعرف طبيب األسنان مثال ً على املضرور‪ ،‬كما أن الضرر قد نشأ عن‬ ‫اإلخالل بالتزام ناشئ عن العقد املبرم بينهما‪ .‬وكما نعلم فإن أركان املسؤولية العقدية هي اخلطأ‪ ،‬والضرر‬ ‫وعالقة السببية بني اخلطأ والضرر‪ .‬وبالفعل تنص املادة ‪ L. 1142-1‬من قانون الصحة العامة في فقرتها‬ ‫األولى على أنه‪" :‬في غير احلاالت التي تترتب فيها مسؤوليتهم عن األضرار الناجمة عن املنتج املعيب‪ ،‬ال‬ ‫تترتب مسؤولية من ميارس مهنة من املهن الصحية ‪ Professionnels de santé‬الواردة في الكتاب الرابع‬ ‫من هذا القانون‪ ،‬وال أي مؤسسة أو هيئة متارس فيها أعمال فردية تتعلق بردع أو تشخيص أو عالج‪ ،‬عن‬ ‫النتائج الضارة لهذه األعمال إال في حال اخلطأ‪ .‬إال أنه تسأل املؤسسة أو الهيئة عن األضرار الناجمة عن‬

‫‪imputables à des actes de prévention, de diagnostic ou de soins et qu'ils ont eu pour le patient des conséquences anormales au‬‬ ‫‪regard de son état de santé comme de l'évolution prévisible de celui-ci et présentent un caractère de gravité, … ».‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪L'article L. 1111-2 du Code de la santé publique dispose ainsi que “toute personne a le droit d'être informée sur son état de santé”.‬‬ ‫‪J.-Cl. Responsabilité civile et Assurances fasc. 440-20 ou Civil Code, Art. 1382 à 1386, fasc. 440-20 n° 6 à 33 et réf. – Droit médical et‬‬ ‫‪hospitalier, Fasc. 18-1, n° 3 et s. par M. Harichaux et réf.‬‬ ‫‪ 5‬املستشار منير رياض حنا‪ ،‬املسؤولية املدنية لألطباء واجلراحني في ضوء القضاء والفقه الفرنسي واملصري‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬ط‪ ،2008 ،1‬ص ‪58‬‬ ‫وما يليها‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪Cass. 20 mai 1936, D. 1936 p. 88.‬‬

‫‪32‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫العدوى التي اكتسبت فيها‪ ،‬إال إذا أثبتوا وجود السبب األجنبي"‪ .7‬وبالتالي في حال عدم ارتكاب خطأ‪ ،‬ال‬ ‫ميكن مساءلة من ميارسون املهن الصحية‪.8‬‬ ‫ولكن قد تترتب املسؤولية في حاالت محددة دون ارتكاب خطأ وذلك إما بسبب استعمال آلة أو‬ ‫منتج أو بسبب أداء العمل ضمن فريق طبي‪ .‬وتكون املسؤولية في هذه احلالة تقصيرية في رأينا‪.‬‬ ‫وقد يسأل من هم في حكم الطبيب على أساس املسؤولية التقصيرية إذا لم تربطهم باملضرور‬ ‫عالقة عقدية كمن يتضرر من فعل ممرضة تعمل في املشفى الذي تعاقد معه‪.‬‬ ‫لذلك إذا أصاب املريض املتعاقد مع املهني ضرر ما‪ ،‬يحق له املطالبة بالتعويض على أساس املسؤولية‬ ‫العقدية‪ .‬أما من أصابه ضرر مرتد ‪ dommage par ricochet‬فيعتبر من الغير وبالتالي له احلق في املطالبة‬ ‫بالتعويض على أساس املسؤولية التقصيرية‪ .9‬واخلطأ في املسؤولية التقصيرية يقدر كما يقدر اخلطأ في‬ ‫املسؤولية العقدية في حال كان االلتزام ببذل عناية‪.‬‬ ‫‪ .4‬املسؤولية عن الفعل الشخصي وعن فعل الغير‪- .‬‬ ‫يسأل من ميارس مهنة من املهن الصحية عن أخطائه الشخصية‪ ،‬ولكن قد يسأل طبيب األسنان‬ ‫مثال ً عن أفعال ارتكبها أحد أعضاء الفريق الطبي الذي يترأسه في عيادته اخلاصة‪ ،‬خاص ًة أن املريض تعاقد‬ ‫معه دون باقي أعضاء الفريق الطبي‪ .‬وبرأينا تكون املسؤولية هنا عقدية لوجود عقد بينهما‪ ،‬كما أن طبيب‬ ‫األسنان أخطأ في اختيار أعضاء الفريق الطبي؛ وال مانع أيضا ً من مساءلة طبيب األسنان على أساس‬ ‫مسؤولية املتبوع عن فعل التابع لتوفر شروطها‪.‬‬ ‫أما بالنسبة لطبيب األسنان الذي يعمل خارج عيادته اخلاصة‪ ،‬فيمكن مساءلته عن أخطاء‬ ‫املمرضني والذين يساعدونه أثناء الكشف على املريض وعالجه‪ ،‬ولو كانوا تابعني للمؤسسة الطبية التي‬ ‫يعملون بها‪ .10‬ويعود السبب في ذلك إلى أن هؤالء يعملون ‪ -‬في هذه احلالة ‪ -‬حتت سلطة طبيب األسنان‬ ‫املباشرة وليس حتت سلطة املؤسسة التي أبرمت معهم عقود عمل‪ ،‬وبالتالي يكون طبيب األسنان‬ ‫متبوعا ً بالنسبة للممرضني‪ .‬وتكون املسؤولية هنا في رأينا تقصيرية فقط لعدم وجود عقد بني املريض‬ ‫وطبيب األسنان إذ أن العقد قد أبرم بني املريض واملؤسسة الطبية‪.‬‬ ‫وجتدر اإلشارة أيضا ً إلى أنه ميكن مساءلة كل عضو من أعضاء الفريق الطبي على أساس‬ ‫املسؤولية عن فعله الشخصي (مسؤولية تقصيرية) إذا لم يتعاقد معه املريض وذلك إذا ما أخطأ‪.11‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪l'article L. 1142-1, I du Code de la santé publique dispose que « hors le cas où leur responsabilité est encourue en raison d'un défaut‬‬ ‫‪d'un produit de santé, les professionnels de santé mentionnés à la quatrième partie du présent code, ainsi que tout établissement,‬‬ ‫‪service ou organisme dans lesquels sont réalisés des actes individuels de prévention, de diagnostic ou de soins ne sont‬‬ ‫‪responsables des conséquences dommageables d'actes de prévention, de diagnostic ou de soins qu'en cas de faute. Les‬‬ ‫‪établissements, services et organismes susmentionnés sont responsables des dommages résultant d'infections nosocomiales, sauf‬‬ ‫‪s'ils rapportent la preuve d'une cause étrangère ».‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 28 janv. 2010, no 09-10.992, Resp. civ. et assur. 2010, comm. 85, obs. Radé C., Gaz. Pal. 2010, no 76, p. 10, note Quezel‬‬‫‪Ambrunaz C.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪C. Radé, La réforme de la responsabilité médicale après la loi du 4 mars 2002 relative aux droits des malades et à la qualité du‬‬ ‫‪système de santé : Resp. civ. et assur. 2002, chron. 7.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 1er avr. 1968, no 66-12.907, RTD civ. 1968, p. 714, obs. Durry G. ; pour un établissement de santé privé, voir Cass.‬‬ ‫‪1re civ., 18 juill. 2000, no 99-12.135, Resp. civ. et assur. 2000, comm. no 372, JCP G 2000, II, no 10415, rapp. Sargos P., RTD civ. 2001, p.‬‬ ‫‪146, obs. Jourdain P., JCP G 2001, I, no 338, obs. Viney G.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪"en vertu de l’indépendance professionnelle dont le médecin bénéficie dans l’exercice de son art, il répond des fautes commises‬‬ ‫‪au préjudice des patients par les personnes qui l’assistent lors d’un acte médical d’investigation ou de soins, alors même que ces‬‬ ‫‪personnes seraient les préposées de l’établissement de santé où il exerce" (Civ. 1ère, 13 mars 2001, Bull. n° 72).‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪Civ. 1ère, 27 mai 1998, Bull. n° 187.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪33‬‬


‫‪ .5‬نطاق البحث وأهميته‪– .‬‬ ‫تنحصر دراستنا في مسؤولية طبيب األسنان دون غيره من املهنيني الذين هم في حكم الطبيب‪.‬‬ ‫كما يخرج عن نطاق هذه الدراسة الضرر وعالقة السببية وهما من شروط املسؤولية حيث نحيل القارئ‬ ‫فيما يخص ذلك إلى القواعد العامة‪ .‬وتكمن أهميتها في أن التزامات طبيب األسنان عديدة ومختلفة؛‬ ‫كما أن أساس مسؤوليته يختلف من حالة إلى أخرى‪ .‬أضف إلى ذلك أن أحكام القضاء الفرنسي قد‬ ‫تطورت عبر الزمن في اجتاه توفير حماية أكبر للمريض‪ .‬لذلك من املفيد أن نعرض أهمها ضمن إطار منهج‬ ‫وصفي وحتليلي‪.‬‬ ‫‪ .6‬خطة البحث‪- .‬‬ ‫على الرغم من أن اخلطأ هو مبدئيا ً األساس القانوني ملسؤولية طبيب األسنان حسبما جاء في‬ ‫املادة ‪( L. 1142-1‬الفقرة األولى) من قانون الصحة العامة‪ ،‬إال أن االجتهاد الفرنسي قد فسر هذا النص‬ ‫وحدد األساس القانوني لتلك املسؤولية على حسب التزامات طبيب األسنان التي تنقسم إلى التزامات‬ ‫ببذل عناية وأخرى بتحقيق نتيجة‪ .‬وإذا انتهك طبيب األسنان أي من االلتزامات امللقاة على عاتقه يعتبر‬ ‫مسؤوال ً ضمن أحكام محددة‪ .‬وقد عاجلنا هذا البحث وفقا ً للخطة اآلتية‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬التزامات ببذل عناية ملقاة على عاتق طبيب األسنان‬ ‫املطلب األول‪ :‬أنواع االلتزامات ببذل عناية امللقاة على عاتق طبيب األسنان‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬األساس القانوني للمسؤولية الناجتة عن مخالفة التزامات ببذل عناية مع‬ ‫تطبيقات عملية‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬التزامات بنتيجة ملقاة على عاتق طبيب األسنان‬ ‫املطلب األول‪ :‬التزام طبيب األسنان باستخدام أجهزة وأدوات طبية دون إحلاق ضرر باملريض‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬التزام طبيب األسنان بإيجاد التركيبات االصطناعية املالئمة للمريض‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬التزام باإلعالم‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬أحكام مسؤولية طبيب األسنان‬ ‫املطلب األول‪ :‬آثار ترتب مسؤولية طبيب األسنان‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬إعفاء طبيب األسنان من املسؤولية‬

‫‪34‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫املبحث األول‪ :‬التزامات ببذل عناية ملقاة على عاتق طبيب األسنان‬ ‫‪" .7‬لكل التزام غاية وعمال ً يؤدي إلى حتقيق تلك الغاية‪ ،‬فإذا كانت الغاية هي ذاتها العمل املطلوب من املدين‬ ‫كان االلتزام بنتيجة"‪ .12‬أما إذا لم تكن الغاية هي ذاتها العمل املطلوب من طبيب األسنان القيام به‪،‬‬ ‫فيكون االلتزام التزاما ً ببذل عناية‪ .‬وال شك أن هناك عدة التزامات ببذل عناية تقع على عاتق طبيب‬ ‫األسنان في الظروف العادية‪ .‬ولكن في الظروف االستثنائية يعفى طبيب األسنان من بعض هذه‬ ‫االلتزامات‪ .‬وتتمثل الظروف االستثنائية في‪:‬‬ ‫ ظرف السرعة واالستعجال التي تتطلب اتخاذ إجراءات طبية سريعة تبرر نقص العناية‪ ،‬ولكن‬‫تفرض باملقابل متابعة حالة املريض متابعة دقيقة‪.‬‬ ‫ الظروف الشاذة‪ :‬وهي أن يعمل الطبيب في مكان غير مجهز‪ .‬ففي مثل هذه احلاالت يحق لطبيب‬‫األسنان أن يخرج عن األصول العلمية الثابتة‪.‬‬ ‫ احلاالت التي يحار فيها الطبيب اليقظ والتي تبرر لطبيب األسنان اخلروج عن األصول العلمية‬‫الثابتة‪ .‬ويدخل في هذه احلاالت امليؤوس من شفائها‪ .13‬إال أننا نختلف مع الرأي الفقهي الذي‬ ‫يعتبر أن حاالت كهذه تبرر اخلروج عن األصول العلمية املتاحة‪ ،‬إذ على الطبيب أال يقترح عالجا ً‬ ‫يتناقض مع هذه األصول‪ ،‬فال ميكنه أن يقترح عالجا ً قد يلحق ضررا ً باملريض وفقا ً للمجرى‬ ‫الطبيعي لألمور‪ .‬إال أنه في هذه احلاالت على طبيب األسنان االستعانة برأي االختصاصيني في‬ ‫احلاالت التي تتطلب ذلك‪ ،‬أو دعوة زميل أو أكثر ملعاونته إذا لزم األمر‪.‬‬ ‫سنعالج أنواع االلتزامات ببذل عناية امللقاة على عاتق طبيب األسنان في املطلب األول‪ ،‬على أن‬ ‫نعالج األساس القانوني للمسؤولية الناجتة عن مخالفة التزامات ببذل عناية مع تطبيقات عملية في‬ ‫املطلب الثاني‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬أنواع االلتزامات ببذل عناية امللقاة على عاتق طبيب األسنان‬ ‫‪ .8‬تنحصر االلتزامات ببذل عناية امللقاة على عاتق طبيب األسنان في التزامني‪ :‬التزامه بتقدمي عناية تتفق مع‬ ‫الضمير اإلنساني واملهني‪ ،‬والتزامه بتقدمي عناية تتفق واألصول العلمية الثابتة واملتوفرة‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫‪13‬‬

‫د‪ .‬سمير عبد السيد تناغو‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬منشأة املعارف – االسكندرية‪ ،‬سنة ‪ ،2005‬ص ‪.112‬‬ ‫املستشار منير رياض حنا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.174‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪35‬‬


‫الفرع األول‪ :‬التزام طبيب األسنان بتقدمي عناية تتفق مع الضمير اإلنساني واملهني‬ ‫‪ .9‬يلتزم طبيب األسنان بتقدمي عناية تتفق مع الضمير اإلنساني واملهني‪ .‬وهذا يتم عبر ثالث صور‪:‬‬ ‫الغصن األول‪ :‬فحص املريض بدقة‬ ‫‪ .10‬على طبيب األسنان فحص املريض دون تسرع وال إهمال أي بتأن شديد‪ ،14‬مستفيدا ً من خبرته وجتاربه‬ ‫السابقة‪ .‬وعليه أيضا ً فحص مريضه بالكيفية التي متكنه من تشخيص املرض تشخيصا ً سليماً‪ .‬لذلك‬ ‫يقع على عاتقه ‪-‬قبل وصف العالج‪ -‬إجراء الفحوصات وصور األشعة الالزمة التي تساعده على تشخيص‬ ‫املرض‪ .‬فلقد اعتبر القضاء الفرنسي أن عدم إجراء الطبيب لصورة أشعة للضرس في حني كان يجب عليه‬ ‫فعلها في حاالت مماثلة هو من قبيل اخلطأ املرتب ملسؤوليته‪ .15‬وفي السياق عينه‪ ،‬أصدرت محكمة‬ ‫استئناف ‪ Lyon‬حكما ً قضى برد دعوى املريض املصاب بحساسية ألنه لم يتمكن من إثبات أن املعطيات‬ ‫العلمية املتوفرة كانت حتتم على طبيب األسنان إجراء فحوصات طبية قبل البدء بالعالج ملعرفة ما إذا‬ ‫كان املريض يتحسس بوجود "جسر اصطناعي" في فمه أم ال‪ ،‬إذ ال يكون خطأ هذا األخير ثابتا ً في هذه‬ ‫احلالة‪.16‬‬ ‫كما يقع على عاتق طبيب األسنان التزام بفحص األجهزة واملعدات الطبية قبل بدء العالج‬ ‫والتأكد من سالمتها‪.‬‬ ‫الغصن الثاني‪ :‬اتباع الدقة في وصف العالج وتطبيقه‬ ‫‪ .11‬فبعد فحص املريض بدقة وتشخيص املرض‪ ،‬على طبيب األسنان أن يصف له العالج املناسب من أدوية أو‬ ‫مراهم أو معجون‪ ...‬ويكتبه له مبوجب وصفة طبية شارحا ً طريقة استعماله وموضحا ً نسبة الدواء‪ .‬وبناء‬ ‫عليه‪ ،‬على طبيب األسنان التأكد‪ ،‬بداية‪ ،‬من عدم تعارض األدوية التي يتناولها املريض مع األدوية التي‬ ‫يصفها له‪.‬‬ ‫كما يجب على الطبيب أن يحدد النظام الذي على املريض اتباعه‪ ،‬من حيث الطعام والشراب‪،‬‬ ‫فضال ً عن االحتياطات التي يجب اتباعها‪ .‬فعلى طبيب األسنان مثال ً أن يحذر مريضه من تناول املشروبات‬ ‫الساخنة طاملا أن أثر اجملدر لم ينته‪.‬‬ ‫أما فيما يخص تطبيق العالج‪ ،‬فيقصد به مراعاة الدقة في مباشرة عالج املريض‪ .‬ومن أمثلة عدم‬ ‫مراعاة ذلك عدم تطهير حقنة اجملدر قبل إعطائها للمريض‪ ،‬أو تطهير كوب املاء الذي يشرب منه املريض‬ ‫للمضمضة أثناء تلقي جزء من العالج‪ .‬وهذه األمور تتعلق باألمانة الطبية‪.‬‬ ‫‪ 14‬د‪ .‬محمد فائق اجلوهري‪ ،‬املسؤولية الطبية في قانون العقوبات‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،1952 ،‬ص ‪.395 ،394‬‬ ‫د‪ .‬محمد السعيد رشدي‪ ،‬عقد العالج الطبي‪ ،1986 ،‬دائرة املعارف‪ ،‬ص ‪.128‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪CA Paris, 27 mars 1998 : Juris-Data n° 1998-020886.‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪CA Lyon, 30 mars 2000 : Juris-Data n° 2000-134586.‬‬

‫‪36‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫الغصن الثالث‪ :‬متابعة عالج املريض كلما لزم األمر‬ ‫‪ .12‬قد تتطلب حالة املريض متابعة من قبل طبيب األسنان‪ .‬فعلى طبيب األسنان أال يترك املريض قبل متام‬ ‫العالج‪ ،‬طاملا أن املريض بحاجة إلى جهوده‪ ،‬وعليه فحصه على فترات دورية متقاربة أو متباعدة على‬ ‫حسب احلالة لتدارك أي خطأ في العالج أو اجلراحة‪ .‬وال بد هنا من أن منيز بني حالة عدم متابعة طبيب‬ ‫األسنان للمريض من جهة وحالة رفض الطبيب‪ ،‬بدايةً‪ ،‬استقبال املريض والعناية به من جهة ثانية‪ .‬أما‬ ‫بالنسبة للحالة الثانية‪ ،‬فمن حق طبيب األسنان االمتناع عن استقبال املريض باستثناء حالة االمتناع‬ ‫غير املشروع الذي يقدره القاضي وفقا ً للظروف‪ ،‬كما لو حضر مريض في حالة خطرة وعاجلة فال يحق له‬ ‫رفض العناية به‪.‬‬ ‫أما املقصود بهذا االلتزام فهو أن طبيب األسنان الذي قبل عالج مريض وبدأ بذلك فعالً‪ ،‬عليه أال‬ ‫يهجره قبل متام العالج‪ .‬وإذا رفض املريض زيارة الطبيب على الرغم من دعوته يكون مخطئا ً‪ 17‬وهذا ما‬ ‫سوف نوضحه عند احلديث عن فعل املضرور كسبب من أسباب إعفاء طبيب األسنان من املسؤولية‪.‬‬ ‫ومن أوجه متابعة عالج املريض كلما لزم األمر‪ ،‬التزام طبيب األسنان بضمان رقابة كافية للمريض الذي‬ ‫يتولى عالجه‪ ،‬طاملا أن حالة املريض العقلية او اجلسمية تتطلب ذلك حتى ال يؤذي نفسه‪ .‬وقد أكد القضاء‬ ‫الفرنسي على ذلك معتبرا ً أنه على طبيب األسنان أن ميارس رقابة خاصة على مريضه إذا كان وضعه‬ ‫يتطلب ذلك‪ .18‬وبالتالي يسأل الطبيب إذا أحلق املريض ضررا ً بنفسه نتيجة عدم ممارسة الرقابة املطلوبة‪.19‬‬ ‫ويستوي أن يكون املريض قد اختار طبيب األسنان وتعاقد معه‪ ،‬أو أنه تعاقد مع املشفى أو العيادة التي‬ ‫يعمل لصاحلها عدة أطباء من بينهم طبيب األسنان‪ .20‬ويتطلب تنفيذ هذا االلتزام ممارسة الضغط على‬ ‫املريض أحيانا ً كمن يفقد مؤقتا ً السيطرة على نفسه بسبب التخدير املوضعي مثالً‪.‬‬ ‫أما الوجه الثاني ملتابعة عالج املريض كلما لزم األمر‪ ،‬فهو عدم جواز ترك الطبيب للمريض في‬ ‫رعاية شخص آخر إال إذا كان واثقا ً من كفاءته وبعد تسليمه كل املعطيات وامللف الطبي اخلاص باملريض‬ ‫حتى يكون على علم ودراية بحالته الصحية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التزام طبيب األسنان بتقدمي عناية تتفق مع األصول العلمية الثابتة واملتوفرة‬ ‫‪ .13‬الطب علم‪ ،‬وبالتالي جتب ممارسته وفقا ً لألصول العلمية الثابتة‪ .‬فالطب كسائر العلوم األخرى يشمل‬ ‫أصول علمية ثابتة ومسلمة‪ .‬فهي تكون معروفة من قبل أهل العلم‪ ،‬وال ميكن التسامح مع الطبيب الذي‬ ‫ال يعرفها أو يتجاهلها‪.21‬‬ ‫تقتضي هذه املرحلة أن يقوم طبيب األسنان بالعديد من األعمال الذهنية التي تساعده على‬ ‫تقدمي العناية املرجوة منه‪ ،‬وذلك على ضوء األصول العلمية الثابتة‪ .‬لذلك يطلب من طبيب األسنان‪:‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪21‬‬

‫د‪ .‬محسن البيه‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 205‬و ‪.206‬‬ ‫راجع األحكام املذكورة في‪ :‬د‪ .‬محسن البيه‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.209‬‬ ‫د‪ .‬محسن البيه‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.207‬‬ ‫املستشار منير رياض حنا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.137‬‬ ‫املستشار منير رياض حنا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.140‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪37‬‬


‫الغصن األول‪ :‬املثابرة على التزود باملعلومات ومتابعة كل جديد في مجال العلوم الطبية‬ ‫‪ .14‬لتقدمي العناية املرجوة‪ ،‬على طبيب األسنان أن يتابع التطورات العلمية في مجال الطب‪ .‬إذ أن الطب‬ ‫كسائر العلوم في تطور مستمر‪ ،‬فعلى الطبيب أال يقف مكتوف األيدي جتاه هذه التطورات التي تفيد‬ ‫مريضه ال محالة وتقدم له عناية أفضل‪ .‬وعليه يجب على طبيب األسنان "أال يعتمد في عمله على ما‬ ‫جرى عليه العمل بني األطباء‪ ،‬وفقا ً لعادة شائعة‪ ،‬أو فكرة فنية معينة‪ ،‬بل يجب أن يكون ملما ً بأحدث‬ ‫املعلومات العلمية الصحيحة‪ ،‬والتطورات احلديثة في العالج‪ ،‬حتى يبتعد عن نطاق املسؤولية"‪ .22‬فإذا‬ ‫وصف طبيب األسنان عالجا ً أو قام بعمل وفقا ً لألصول العلمية القدمية والتي تغيرت مع مرور الزمن يعتبر‬ ‫مخال ً بالتزامه وبالتالي مسؤوال ً عن نتيجة ذلك‪.‬‬ ‫الغصن الثاني‪ :‬اختيار أسلوب العالج املناسب حلالة املريض وفقا ً لألصول العلمية الثابتة واملتاحة‬ ‫‪ .15‬على طبيب األسنان أن يختار طريقة مناسبة لعالج املريض‪ .‬وبالتالي عليه أن يختار األسلوب األفضل‬ ‫لطبيعة املرض ولوضع املريض حسب املعطيات العلمية الثابتة احلالية‪ .‬فعلى الطبيب أال يوصي بالعالج‬ ‫األوفر ماديا ً بل عليه أن يستخدم أسلوبا ً مبتكرا ً وفقا ً للمعطيات العلمية املتوفرة‪.‬‬ ‫وال يشترط في طبيب األسنان أن يتبع رأي األغلبية‪ ،‬بل ميكنه أن يجتهد رأيه طاملا أن عالجه مبني على‬ ‫أسس علمية صحيحة‪ .‬وبالتالي تترك للطبيب احلرية للتصرف طاملا أن تصرفه ينسجم مع األصول‬ ‫العلمية احلالية والثابتة‪ ،23‬وال ميكن مساءلته في هذه احلالة حتى لو أحلق ضررا ً بالغير طاملا أنه قد قام‬ ‫بتقدمي عناية تتفق مع الضمير اإلنساني واملهني ووفقا ً لألصول العلمية الثابتة واحلالية‪ ،‬وهي التي قد‬ ‫جاوزت حد التجربة العلمية‪ .‬وقد أكد القضاء الفرنسي ذلك‪.24‬‬ ‫كما يعفى طبيب األسنان من اتباع أي أسلوب حديث في العالج طاملا أن الرأي لم يستقر على جناحه إلى‬ ‫درجة مقنعة‪.25‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬األساس القانوني للمسؤولية الناجتة عن مخالفة التزامات ببذل عناية مع‬ ‫تطبيقات عملية‬ ‫‪ .16‬اخلطأ واجب اإلثبات‪- .‬‬ ‫على غرار مسؤولية الطبيب‪ ،‬فإن األساس القانوني ملسؤولية طبيب األسنان هو اخلطأ‪ .‬هذا ما‬ ‫أكده حكم ‪ Mercier‬عام ‪ ،1936‬والذي أكد أيضا ً على أن التزام طبيب األسنان بشأن تقدمي عناية تتفق‬

‫‪22‬‬

‫املستشار منير رياض حنا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.141‬‬ ‫د‪ .‬اجلوهري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.401‬‬

‫‪25‬‬

‫د‪ .‬اجلوهري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.398‬‬

‫‪23‬‬

‫‪38‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫‪CA Aix-en-Provence, 14 février 1950, D. 1950, p. 322.‬‬

‫‪24‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫والضمير اإلنساني واملهني واألصول العلمية الثابتة واملتوفرة هو التزام ببذل عناية‪ ،‬فهو يلتزم بأن يبذل‬ ‫للمريض جهودا ً صادقة‪ ،‬يقظة‪ ،‬ومتفقة مع األصول العلمية‪.26‬‬ ‫وقد أكد االجتهاد الفرنسي في أحكام عدة على أن من التزامات طبيب األسنان تقدمي العناية‬ ‫"احلذرة واﺠﻤﻟتهدة" "‪ "attentifs, diligents‬وفقا ً للمعطيات العلمية احلالية‪ .27‬وهذه الصيغة اجلديدة‬ ‫تتضمن مفهوما ً متحركا ً للعلم‪ ،28‬وبالتالي تتخذ العناية مفهوما ً متحركا ً لتواكب التطور العلمي‪.‬‬ ‫فاملهني الذي ال يقوم بهذا االلتزام يكون قد أخطأ‪ .29‬واملعيار املتبع هنا هو املعيار املوضوعي وبالتالي ال أثر‬ ‫لعمر من ميارس املهن الصحية أو حالته اجلسدية‪ ،30‬وال تعتبر قلة خبرته سببا ً إلعفائه من املسؤولية‪31‬؛‬ ‫كما أن حالة املريض املادية ال تبرر عدم تقدمي املهني الرعاية الدقيقة له واملتناسبة مع املعطيات العلمية‬ ‫املتوفرة‪ 32‬املستمدة من املراجع العلمية والدوريات والبحوث‪ 33‬فضال ً عن أعمال املؤمترات‪ .34‬وقد فرض‬ ‫القضاء الفرنسي على املريض التعامل مع املهني وتقدمي املعلومات الضرورية له حتى يختار له العالج‬ ‫املناسب‪ .35‬وهذا أمر طبيعي يستند إلى مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود‪.‬‬ ‫فإذا لم يثبت املضرور خطأ الطبيب ال يكون هذا األخير مسؤوال ً‪.36‬‬ ‫‪ .17‬أمثلة عن أخطاء أطباء األسنان‪– .‬‬ ‫يتنوع اخلطأ الطبي نتيجة عدم تقدمي الرعاية ويأخذ أشكاال ً عديدة‪ .‬ويعتبر خطأ ً مرتبا ً‬ ‫للمسؤولية ما يلي‪:‬‬ ‫ اختيار عالج غير مناسب ال ينسجم مع املعطيات العلمية احلالية‪.37‬‬‫ اتباع طريقة خاطئة في زرع األضراس‪.38‬‬‫‪26‬‬

‫‪J.-Cl. Responsabilité civile et Assurances, fasc. 440-20 ou Civil Code, Art. 1382 à 1386, fasc. 440-20, n° 1. – Droit médical et‬‬ ‫‪hospitalier, fasc. 18, n° 4.‬‬ ‫املراجع املذكورة في د‪ .‬منير رضا حنا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.127‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪CA Paris, 9 juill. 1993 : Juris-Data n° 1993-022667. – CA Paris, 13 sept. 1996 : Juris-Data n° 1996-022467. – CA Besançon, 26 mai‬‬ ‫‪1998 : Juris-Data n° 1998-042203. – CA Reims, 2 mai 2001 : Juris-Data n° 2001-177817. – CA Rennes, 14 mars 2001 : Juris-Data‬‬ ‫‪n° 2001-144732.‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 19 déc. 2000 : Juris-Data n° 2000-007494. – CA Pau, 9 nov. 2000 : Juris-Data n° 2000-133462, à propos de l'utilisation‬‬ ‫‪d'une méthode jugée "expérimentale". – CA Besançon, 22 déc. 2000 : Juris-Data n° 2000-133554.‬‬ ‫‪CA Nancy, 23 sept. 1998 : Juris-Data n° 1998-045278. – CA Paris, 22 janv. 1999 : Juris-Data n° 1999-020234).‬‬ ‫‪ 28‬د‪ .‬محسن عبد احلميد إبراهيم البيه‪ ،‬نظرة حديثة إلى خطأ الطبيب املوجب للمسئولية املدنية في ظل القواعد القانونية التقليدية‪ ،‬دائرة‬ ‫املعارف‪ ،‬ط‪ ،1993 ،1‬بند ‪ 120‬و ‪.121‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪Penneau J., Faute et erreur en matière de responsabilité médicale, LGDJ, 1973, p. 19.‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 20 juill. 1994, no 92-19.947, Dr. & patr. 1995, no 30, p. 76, obs. Chabas F.‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪CA Paris, 1re ch., sect. B, 1er déc. 1995, Cie La Zurich c/ Madame Dufour et a., JCP G 1997, II, n o 22760, note Vray H. ; Cass. 1re civ.,‬‬ ‫‪21 mars 1995, no 93-12.768.‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 19 déc. 2000, no 99-12.403, D. 2001, p. 3082, obs. Penneau J., RDSS 2001, p. 278, note Dubouis L.‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 13 mai 1997, no95-15.303 : « avis unanime exprimé par les auteurs de manuels, traités ou articles » ; Cass. 1re civ., 30‬‬ ‫; )» ‪sept. 1997, no 95-17.286 : « ouvrages médicaux versés aux débats » ; Cass. 1re civ., 4 janv. 2005, no 03-14.206 : « publications‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 12 nov. 1985, no 83-17.061, Bull. civ. I, no 299.‬‬ ‫‪Cass. soc., 3 nov. 2010, no 08-43.708 : « les manquements qui lui étaient reprochés procédaient non d'une manifestation de‬‬ ‫‪négligence de sa part mais d'une méconnaissance des pratiques les plus récentes préconisées par une conférence de consensus‬‬ ‫‪dans un secteur particulièrement spécialisé ».‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪CA Paris, 23 juin 1995, Méd. & Droit, 1996, no 16, obs. Véron M.‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪CA Rennes, 14 mars 2001 : Juris-Data n° 2001-144732 .‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪CA Montpellier, 20 janv. 1999 : Juris-Data n° 1999-034045 ; CA Paris, 22 janv. 1999 : Juris-Data n° 1999-020234 ; Cass. 1re civ.,‬‬ ‫‪24 janv. 1990 : Bull. civ. I, n° 25 ; Gaz. Pal. 1990, 1, pan. jurispr. p. 92.‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪CA Paris, 26 avr. 2001 : Juris-Data n° 2001-150046.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪39‬‬


‫ عدم كفاءة الطبيب إلجراء جراحة وفقا ً للمعطيات العلمية احلالية‪.39‬‬‫ غلق الضرس بصورة غير صحيحة‪.40‬‬‫ استعمال كمية زائدة من املعجون لسد السن ما أدى إلى تسرب كمية قليلة منه إلى القناة فأدى إلى‬‫الضغط على العصب‪.41‬‬ ‫‪ .18‬من اخلطأ واجب اإلثبات إلى اخلطأ املفترض‪- .‬‬ ‫وفي ‪ 17‬يناير ‪ 2008‬أصدرت محكمة النقض الفرنسية حكما ً غير مسار القضاء الفرنسي‬ ‫معتبرةً أن وجود الضرر يكفي لقيام قرينة خطأ ارتكبه طبيب األسنان‪ ،42‬وهي قرينة بسيطة تقبل إثبات‬ ‫العكس‪ .‬نرى أن هذا التوجه لصالح املضرور إذ أنه يعفيه من عبء إثبات اخلطأ‪ .‬وهذا ما نؤيده إذ أن التقدم‬ ‫السريع وال سيما في اﺠﻤﻟتمعات الغربية على الصعيد العلمي واالقتصادي‪ ،‬وما تبعه من استخدام اآلالت‬ ‫واألجهزة احلديثة واملتطورة‪ ،‬كان له آثاره الواضحة على اإلحساس بضرورة تيسير حصول املضرور على‬ ‫حقه في التعويض‪ .‬واألمر ال يقتصر على فئة العمال فقط‪ ،‬بل تعداها إلى جميع فئات املصابني‪.‬‬ ‫وفي ‪ 24‬أبريل ‪ 2013‬أصدرت محكمة النقض حكما ً اعتبرت فيه أن األساس القانوني للمسؤولية‬ ‫هو اخلطأ واجب اإلثبات‪ ،‬وبالتالي تكون قد عادت إلى احلل السابق‪.43‬‬ ‫ويعفى الطبيب من املسؤولية في حال وقوع ضرر دون خطأ منه‪ ،‬ومن أمثلة وقوع أضرار دون‬ ‫ارتكاب خطأ من قبل طبيب األسنان‪ ،‬حصول مضاعفات بالعصب داخل فم املريض نتيجة اجملدر‪ ،‬علما ً أن‬ ‫هذه األضرار استثنائية ولم تكن نتيجة خلطأ ارتكبه طبيب األسنان‪ .44‬كما أن طبيب األسنان الذي ينفذ‬ ‫رغبة "املريضة" والذي يتصرف وفقا ً للمعطيات العلمية املتوفرة آنذاك ال يعتبر مخطئا ً حتى لو أصابها‬ ‫ضرر‪.45‬‬ ‫‪ .19‬قيام مسؤولية الطبيب من دون خطأ‪– .‬‬ ‫استثنا ًء من املبدأ‪ ،‬أجازت محكمة النقض الفرنسية في بعض احلاالت قيام مسؤولية طبيب‬ ‫األسنان وإن لم يرتكب أي خطأ؛ فابتالع املريض لعصب أثناء تدخل طبيب األسنان يرتب مسؤولية هذا‬ ‫األخير حتى وإن لم يرتكب أي خطأ‪ .46‬كما أن إحلاق أي ضرر بعضلة فم املريض أثناء قلع أضراس العقل يرتب‬ ‫مسؤولية طبيب األسنان حتى وإن لم يرتكب أي خطأ‪ .47‬ونرى أنه ال مبرر لقيام مسؤولية الطبيب في هذه‬ ‫احلاالت إذ أن األساس القانوني ملسؤولية أصحاب املهن احلرة في الكثير من القوانني هو اخلطأ‪ ،‬والقول بغير‬ ‫ذلك من شأنه أن يثير اخلوف والقلق لديهم حيال القيام بأي عمل ضمن تخصصهم فيخافون من‬ ‫مساءلتهم رغم مراعاتهم لألصول العلمية املتوفرة‪ ،‬كما أن محكمة االستئناف لم حتدد املعيار املتبع‬ ‫لقيام مسؤولية الطبيب من دون أي خطأ‪ .‬وعليه واجه هذا التوجه انتقادات فقهية عدة‪ ،48‬إال أن د‪ .‬محسن‬ ‫‪39‬‬

‫‪pour défaut de maîtrise d'une hémorragie.‬‬ ‫‪CA Pau, 17 avr. 1996 : Juris-Data n° 1996-042036.‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪CA Paris, 13 sept. 1996 : Juris-Data n° 1996-022454.‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 17 janv. 2008, n° 06-20.568 : JurisData n° 2008-042338 ; Resp. civ. et assur. 2008, comm. 111.‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 24 avril 2013, n. 12-17751.‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪CA Orléans, 28 juin 1989 : Juris-Data n° 1989-049210.‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪CA Grenoble, 4 sept. 2000 : Juris-Data n° 2000-140302.‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 30 sept. 1997 : JCP G 1997, IV, 2224.‬‬ ‫‪47‬‬ ‫حالة جرح العصب من دون ( ‪CA Lyon, 30 janv. 1997 : Juris-Data n° 1997-040031 ; CA Paris, 11 févr. 1994 : Juris-Data n° 1994-020481‬‬ ‫)خطأ من قبل الطبيب‬ ‫‪48‬‬ ‫‪J.-M. Auby, Traité de droit médical et hospitalier : Litec, 1996, p. 39.‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪40‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫البيه يعتبر أن التطورات احلديثة والسريعة واملتالحقة في مجال العلوم الطبية حتثنا على إعادة النظر في‬ ‫هذا األصل العام‪ .‬ويرى أنه ما يتمتع به األطباء من وسائل دقيقة ومتطورة في أيامنا هذه قد جتعل من‬ ‫التزامهم التزاما بتحقيق نتيجة وليس ببذل عناية‪.49‬‬ ‫‪ .20‬التزامات طبيب األسنان املرتبطة بالتركيبات االصطناعية (الوجبة أو اجلسر‪– .)...‬‬ ‫إن مسألة تركيب التركيبات االصطناعية تتضمن مرحلتني‪ :‬األولى إيجاد التركيبة االصطناعية‪،‬‬ ‫والثانية تثبيتها أو تركيبها في فم املريض‪ .‬ففيما يخص املرحلة الثانية‪ ،‬فإن التزام طبيب األسنان هو‬ ‫التزام ببذل عناية؛ أما فيما يتعلق باملرحلة األولى‪ ،‬فيكون التزامه التزاما ً بتحقيق نتيجة أال وهي إيجاد‬ ‫تركيبة اصطناعية خالية من أي عيب ومناسبة للمريض؛ هذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية بعد‬ ‫أن مرت مبراحل عديدة سنشرحها الحقا ً‪ .50‬كما جاء في تقرير اﶈكمة ذاتها أن طبيب األسنان الذي يقدم‬ ‫منتجا ً للمريض مسؤول عن األضرار التي يسببها هذا املنتج املعيب وذلك على أساس املادة ‪ 1386-7‬من‬ ‫القانون املدني الفرنسي‪ ،‬وتكون مسؤوليته بهذا الشأن موضوعية (أي مفترضة)؛ ولكنه يستطيع الرجوع‬ ‫على املنتج خالل سنة من تاريخ مالحقته أمام القضاء‪ .51‬وسنعالج بالتفصيل في املبحث الثاني الحقا ً‬ ‫التزام طبيب األسنان بإيجاد التركيبة االصطناعية مبينني تطورات القضاء والفقه الفرنسي في هذا‬ ‫الشأن‪ ،‬على أن نعالج هنا في املبحث األول التزامه بتثبيتها أو تركيبها في فم املريض‪.‬‬ ‫بعد إيجاد تركيبة اصطناعية مالئمة يلتزم الطبيب ببذل العناية الالزمة لتركيبها في فم‬ ‫املريض‪52‬؛ ويجب أن يكون ذلك وفقا ً لألصول الفنية واملعطيات الطبية املتوفرة‪53‬؛ إال أن محكمة استئناف‬ ‫‪ Aix-en-Provence‬الفرنسية اعتبرت في حكم يبدو وحيدا ً أن التزام الطبيب في تركيب أو تركيز التركيبة‬ ‫االصطناعية في فم املريض هو التزام بتحقيق نتيجة وليس ببذل عناية‪ ،‬وذلك على غرار التزامه بإيجاد‬ ‫هذه التركيبة‪ ،54‬وهو ما ال نراه صائبا ً على اعتبار أن تركيز أو تثبيت التركيبة االصطناعية في فم املريض‬ ‫مرتبط باألصول الفنية والعلمية من جهة‪ ،‬كما أن الغاية منه (وهي العالج) تختلف عن العمل الذي يؤدي‬ ‫إلى حتقيقها من جهة ثانية‪.‬‬ ‫‪ .21‬تطبيقات عملية‪– .‬‬ ‫إن التزام طبيب األسنان بتركيز أو تثبيت التركيبة االصطناعية في فم املريض يتناول في بادئ‬ ‫األمر التأكد من أن حالة املريض تتطلب هذه التركيبة‪ ،55‬ومن ثم اختيار الوقت املناسب لتثبيتها؛ فقد‬

‫‪ 49‬د‪ .‬محسن البيه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 29 oct. 1985 : Bull. civ. I, n° 273 ; D. 1986, jurispr. p. 417, note J. Penneau, affirmant qu'un chirurgien-dentiste doit‬‬ ‫‪livrer un appareil dentaire sans défaut. – Cass. 1re civ., 15 nov. 1988 : Gaz. Pal. 1989, 1, panor. p. 12 ; Bull. civ. I, n° 319 ; Resp. civ. et‬‬ ‫‪assur. février 1989, n° 71. – Cass. 1re civ., 22 nov. 1994, préc. – Cass. 1re civ., 17 oct. 1995 : D. 1995, inf. rap. p. 242 ; Resp. civ. et‬‬ ‫‪assur. 1996, comm. 27. – Cass. 1re civ., 9 nov. 1999, préc. – CA Versailles, 23 nov. 1989 : D. 1990, inf. rap. p. 16. – CA Toulouse, 10 févr.‬‬ ‫‪1998 : Juris-Data n° 1998-040446. – CA Lyon, 13 janv. 2000 : Juris-Data n° 2000-127562. – CA Paris, 4 févr. 2000 : Juris-Data n° 2000‬‬‫‪106416. – CA Montpellier, 8 févr. 2000 : Juris-Data n° 2000-114190. – CA Rouen, 4 avr. 2000 : Juris-Data n° 2000-131376. – CA Aix-en‬‬‫‪Provence, 18 sept. 2002 : Juris-Data n° 2002-192013.‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪Rapp. Cour de cassation ibid. – Sur régime, J.-Cl. Responsabilité civile et Assurances, fasc. 440-20 ou Civil Code, Art. 1382 à 1386,‬‬ ‫‪fasc. 440-20, n° 56.‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 10 juill. 1996 : Juris-Data n° 1996-003123. – CA Aix-en-Provence, 14 mai 1992 : Juris-Data n° 1992-051291.‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪CA Lyon, 13 janv. 2000, préc. – CA Toulouse, 10 févr. 1998 : Juris-Data n° 1998-040446 ; CA Lyon, 2 mai 2002 : Juris-Data n° 2002‬‬‫‪182657.‬‬ ‫‪CA Paris, 10 déc. 1999 : Juris-Data n° 1999-103688 pour un non-respect des rapports d'occlusion.‬‬ ‫‪CA Besançon, 24 janv. 1995 : Juris-Data n° 1995-040649.‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪CA Aix-en-Provence, 18 sept. 2002 : Juris-Data n° 2002-192013.‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪CA Lyon, 13 janv. 2000, préc.‬‬ ‫‪50‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪41‬‬


‫اعتبرت محكمة استئناف ‪ Aix-en-Provence‬الفرنسية أن التثبيت املبكر للتركيبة االصطناعية في فم‬ ‫املريض يعتبر خطأ ً يرتب مسؤولية طبيب األسنان‪ .56‬كما يعتبر خطأ أيضا ً‪:‬‬ ‫ عدم تثبيت تركيبات اصطناعية مؤﻗتة ﶈاولة توﻗع مدى استجابة املريض للتركيبات االصطناعية‬‫النهائية‪.57‬‬ ‫ إدخال الطبيب تعديالت على التركيبة االصطناعية ‪-‬التي صنعت بكفاءة ومت تركيزها في فم املريض وفقا ً‬‫لألصول‪ -‬وذلك بنا ًء على طلب "املريضة" وألسباب جتميلية‪ ،‬ثم ظهر أن هذه التعديالت لم تكن تتناسب‬ ‫مع احلالة الصحية للمريضة‪.58‬‬ ‫ عدم إجراء فتحة مناسبة في فم املريض لتثبيت التركيبة االصطناعية ‪.59‬‬‫ استبدال التركيبة االصطناعية املوجودة دون جدوى‪.60‬‬‫ضرس مريض دون رعاية مسبقة له‪.61‬‬ ‫ تثبيت التركيبة االصطناعية على‬‫ٍ‬ ‫ عدم االنسجام بني التركيبات االصطناعية التي ركزت في أعلى فم املريض وفي أسفله‪.62‬‬‫ عدم اتخاذ التدابير الالزمة لضمان استقرار وعمل التركيبة االصطناعية بصورة ممتازة وفقا ً للغاية التي‬‫أعدت لها‪.63‬‬ ‫وعلى هذا فإن االلتزام ببذل العناية يتناول كل أنواع الرعاية الضرورية لتركيب أو تثبيت التركيبة‬ ‫االصطناعية في فم املريض‪.64‬‬

‫‪56‬‬

‫‪CA Aix-en-Provence, 16 janv. 1996 : Juris-Data n° 1996-040061.‬‬ ‫‪CA Paris, 15 janv. 1993 : Juris-Data n° 1993-021127.‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 30 janv. 1996 : Juris-Data n° 1996-000320 ; Resp. civ. et assur. 1996, comm. 141 confirmant CA Paris, 30 sept. 1993 :‬‬ ‫‪Gaz. Pal. 1993, 2, somm. p. 596.‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 12 juin 1990 : Bull. civ. I, 1990, n° 162 ; D. 1991, somm. p. 358, note Penneau ; Resp. civ. et assur. 1990, comm. 341.‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪CA Lyon, 2 mai 2002 : Juris-Data n° 2002-182657.‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪CA Paris 1re ch. B, 13 sept. 1996 : Juris-Data n° 1996-022467. – Cass. 1re civ., 24 juin 1990 : Juris-Data n° 1990-000369.‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪Paris, 15 sept. 2014 : Gaz. Pal. 1993, 2, somm. p. 325.‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪CA Aix-en-Provence, 14 mai 1992, préc. – CA Paris, 14 juin 2001 : Juris-Data n° 2001-151864 ; CA Aix-en-Provence, 22 juin 1995 :‬‬ ‫‪Juris-Data n° 1995-043454.‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪CA Lyon, 13 janv. 2000, préc. – CA Paris, 4 févr. 2000 : Juris-Data n° 2000-106416. – CA Montpellier 8 févr. 2000, préc. – CA Dijon,‬‬ ‫‪30 juin 2000 : Juris-Data n° 2000-131749.‬‬ ‫‪57‬‬

‫‪42‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫املبحث الثاني‪ :‬التزامات بنتيجة ملقاة على عاتق طبيب األسنان‬ ‫‪ .22‬إضافة إلى االلتزامات ببذل عناية امللقاة على عاتق طبيب األسنان‪ ،‬توجد التزامات بنتيجة ألن الغاية منها‬ ‫هي ذاتها العمل املطلوب من طبيب األسنان القيام به‪ .‬وهي‪ :‬التزام طبيب األسنان باستخدام أجهزة‬ ‫وأدوات طبية دون إحلاق ضرر باملريض‪ ،‬والتزامه بإيجاد التركيبات االصطناعية‪ ،‬والتزامه باإلعالم والنصح‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التزام طبيب األسنان باستخدام أجهزة وأدوات طبية دون إحلاق ضرر باملريض‬

‫‪ .23‬أدى التقدم في مجال العلوم الطبية إلى تدخل اآللة بشكل كبير في الفحص والعالج‪ .‬ومن هنا قد‬ ‫يستخدم الطبيب أثناء عالج أسنان املريض أدوات طبية‪ .‬فإذا نتج عن استعمالها أي ضرر باملريض‪ ،‬فعلى‬ ‫أي أساس ميكن مالحقة الطبيب؟‬ ‫ذهب فريق من الفقهاء إلى اعتبار الطبيب مسؤوال ً عن نتيجة عالجه في هذه احلالة إذا أخطأ‪،‬‬ ‫معتبرا ً أن التزام الطبيب حتى في هذه احلالة هو التزام ببذل عناية‪ ،‬إذ أن الطبيب ال ميكن إلزامه إال بالتزام‬ ‫عام باليقظة واالنتباه‪ ،‬وذلك لتمكينه من أداء مهمته في طمأنينة وثقة‪ ،‬ودومنا خوف من مغبة مسؤولية‬ ‫تالحقه على الرغم من عدم ارتكابه خطأ‪ .‬إال أن القضاء والفقه احلديث يعتبر أن التزام طبيب األسنان في‬ ‫هذه احلالة هو التزام بنتيجة ألنه محدد بسالمة املريض‪.65‬‬ ‫ومن املقرر أنه إذا نتج عن استعمال األدوات الطبية وقوع ضرر ما‪ ،‬ال تطبق أحكام املسؤولية عن‬ ‫حراسة األشياء عمال ً مببدأ عدم اجلمع بني املسؤوليات في القانون الفرنسي (املسؤولية العقدية حتجب‬ ‫املسؤولية التقصيرية)‪ ،‬إال أن االجتهاد الفرنسي يرتب على عاتق طبيب األسنان مثله مثل أي طبيب‬ ‫التزاما ً بضمان السالمة عند استعمال األدوات الطبية‪ .‬وميكننا القول بأن هناك قرينة مسؤولية على‬ ‫عاتقه ال ميكنه التنصل منها إال إذا أثبت وجود السبب األجنبي‪ ،‬كأن يثبت أن األدوات املستعملة معيبة‬ ‫وأنها أدت إلى وقوع الضرر‪ .66‬وحتى في هذه احلالة األخيرة‪ ،‬فقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية في‬ ‫تقريرها أن طبيب األسنان أو املؤسسة الصحية اخلاصة (املشفى اخلاص مثال ً) يكون مسؤوال ً وعليه أن يدفع‬ ‫التعويض حسب األصول‪ ،‬ولكنه يستطيع بعد ذلك أن يرجع على من صنع األدوات املعيبة أو بائعها‬ ‫واملطالبة مبا دفع‪.67‬‬ ‫وقد أكدت محكمة النقض الفرنسية على وجود التزام بضمان السالمة لصالح املضرور على‬ ‫عاتق طبيب األسنان أو أي طبيب عند استعمال األدوات الطبية في حكم أصدرته في ‪ 9‬نوفمبر ‪.681999‬‬ ‫كما أصدرت محكمة استئناف ‪ Grenoble‬الحقا ً حكما ً في هذا االجتاه معتبرةً أنه إذا كان التزام طبيب‬ ‫األسنان بعالج األسنان هو التزام ببذل عناية‪ ،‬فإن التزامه يكون بضمان سالمة املريض إذا كان الضرر‬ ‫‪65‬‬

‫املستشار منير رياض حنا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬

‫‪Sur obligation de sécurité-résultat, Droit médical et hospitalier, fasc. 19-2.‬‬

‫‪66‬‬

‫‪Rapp. pour 1999, Doc. Française, p. 397.‬‬

‫‪67‬‬

‫يراجع أيضا ً‪ :‬املستشار منير رياض حنا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.203‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 9 nov. 1999 : Juris-Data n° 1999-003920 ; Bull. civ. I, n° 300 ; Resp. civ. et assur. 2000, comm. 61 : D. 2000, jurispr.‬‬ ‫‪p. 117, note P. Jourdain ; JCP G 2000, II, 10252, note Ph. Brun, aff. dite de la table d'examen ; JCP G 2000, I, 243, obs. G. Viney ; Rapp.‬‬ ‫‪Cour de cassation pour 1999, p. 396. – CA Paris, 4 févr. 2000 : Juris-Data n° 2000-106416. – CA Grenoble, 5 mars 2002 : Juris-Data‬‬ ‫‪n° 2002-182638. –V. J.-Cl. Responsabilité civile et Assurances, fasc. 440-20 ou Civil Code, Art. 1382 à 1386, fasc. 440-20, n° 54 – Droit‬‬ ‫‪médical et hospitalier, fasc. 19-2, n° 5.‬‬

‫‪68‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪43‬‬


‫مرتبطا ً مبعدات استخدمها‪ .69‬وهذا احلل ينسجم مع القانون رقم ‪ 2002-303‬الصادر في ‪ 4‬مارس ‪2002‬‬ ‫ومع الفقه الفرنسي‪ .70‬وجتدر اإلشارة إلى أن عبء إثبات أن املعدات املستعملة هي مصدر الضرر يقع على‬ ‫عاتق املريض‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬التزام طبيب األسنان بإيجاد التركيبات االصطناعية املالئمة للمريض‬ ‫‪ .24‬كما أشرنا سابقاً‪ ،‬أدى التقدم في الطب إلى وجود أعضاء اصطناعية ميكن اللجوء إليها في عالج املريض‬ ‫كاألسنان والتركيبات االصطناعية‪.‬‬ ‫‪ .25‬طبيعة عقد إيجاد وتركيب التركيبات االصطناعية‪– .‬‬ ‫كان القضاء الفرنسي قدميا ً يعتبر أن مثل هذا العقد هو بيع بشرط التجربة‪ ،‬معلقا ً على شرط‬ ‫واقف هو ارتضاء التركيبة االصطناعية‪ .71‬وقد انتقد الفقه هذا التفسير ملا فيه من خطأ في تكييف‬ ‫العقد‪ ،‬إذ "أن العبرة في تكييف العقد للغرض االقتصادي الذي يستهدف منه‪ ،‬ووفقا ً لاللتزامات التي‬ ‫يرتبها في ذمة طرفيه"‪.72‬‬ ‫تأثر القضاء الفرنسي بانتقاد الفقه‪ ،‬وغير مساره ليعتبر أن عقد تركيب التركيبات االصطناعية‬ ‫هو عقد طبي ينشئ على عاتق طبيب األسنان التزاما ً بإيجاد التركيبات االصطناعية من جهة‪ ،‬والتزاما ً‬ ‫بتركيبها من جهة أخرى (وهو التزام ببذل عناية على ضوء ما شرحنا سابقا ً)‪.‬‬ ‫‪ .26‬طبيعة ومضمون التزام طبيب األسنان فيما يتعلق بعملية إيجاد وتركيب التركيبات االصطناعية‪– .‬‬ ‫اختلف الفقه حول طبيعة ومضمون التزام طبيب األسنان فيما يتعلق بعملية إيجاد وتركيب‬ ‫‪73‬‬ ‫التركيبات االصطناعية‪ .‬هل هو التزام ببذل عناية‪ ،‬أم بنتيجة؟‬ ‫وفي الواقع‪ ،‬مر القضاء الفرنسي بعدة مراحل‪:‬‬ ‫ففي املرحلة األولى‪ ،‬اعتبرت بعض اﶈاكم الفرنسية أن التزام طبيب األسنان ‪ -‬بوجه عام – هو‬ ‫التزام بتحقيق نتيجة‪ ،74‬وبالتالي يعتبر طبيب األسنان مخطئا ً ﺠﻤﻟرد إصابة املريض بضرر‪ .‬في حني اعتبرت‬ ‫محاكم أخرى أن التزام طبيب األسنان فيما يتعلق بإيجاد وتركيب التركيبات االصطناعية للمريض هو‬ ‫بتحقيق نتيجة دون غيره‪ .‬فقد حكمت محكمة ‪ Dijon‬بأن "العقد املبرم بني طبيب األسنان والعميل‬ ‫لتركيب طاقم أسنان‪ ،‬يفرض على األول التزاما ً بعناية محله بذل اجلهود األمينة‪ ،‬واليقظة في وضع‬ ‫وصيانة األسنان الصناعية (التركيبات االصطناعية)‪ .‬ويفرض عليه كذلك التزاما ً بتحقيق نتيجة‪ ،‬محله‬ ‫تقدمي األسنان الصناعية بالشكل واألوصاف واحلالة التي ميكن معها أن تؤدي وظيفة األسنان الطبيعية‪،‬‬ ‫فإذا أخل الطبيب من غير قصد بهذا االلتزام‪ ،‬ثارت مسؤوليته العقدية‪ .‬ويلتزم بتعويض املريض‪ ،‬إذا ما ترتب‬

‫‪71‬‬

‫املستشار منير رياض حنا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.225‬‬

‫‪72‬‬

‫املستشار منير رياض حنا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.225‬‬

‫‪44‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫‪CA Grenoble, 5 mars 2002 : Juris-Data n° 2002-182638.‬‬ ‫‪A. Le Masson, L'art dentaire et la jurisprudence : Gaz. Pal. 2007, 2 doctr. p. 948.‬‬

‫‪69‬‬ ‫‪70‬‬

‫‪CA Metz, 13 décembre 1951, JCP, 2, 6909.‬‬ ‫‪73‬‬

‫‪G. Mémeteau, Prothèse et responsabilité du médecin : D. 2014, chron. p. 9.‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪G. Mémeteau, Le droit médical : Litec 1985, p. 175.‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫على التركيب املعيب لألسنان الصناعية التهابات حادة باللثة‪ .‬وتبدو تلك املسؤولية أكثر وضوحاً‪ ،‬إذا ما‬ ‫تبني أن املريض يتمتع بفم طبيعي‪ ،‬وأنه قام بتنبيه الطبيب عدة مرات إلى سوء حالة األسنان"‪.75‬‬ ‫ولقد برر القضاء هذا التوجه بأن طبيب األسنان هو في حكم بائع األسنان الصناعية‪ ،‬وهو بالتالي‬ ‫ملزم بضمان العيوب اخلفية للمبيع؛ كما اعتبرت أن عقد البيع هذا هو بيع بشرط التجربة معلق على‬ ‫شرط واقف‪ ،‬هو قبول األسنان بعد جتربتها‪.‬‬ ‫وعلى إثر االنتقادات الفقهية لهذا التوجه‪ ،‬اعتمدت محكمة النقض الفرنسية توجها ً آخر‪،‬‬ ‫معتبرةً أن التزام طبيب األسنان هو التزام ببذل عناية‪.76‬‬ ‫وفي مرحلة ثانية‪ ،‬بدأ القضاء الفرنسي مييز بني العمل الطبي العادي وبني العمل التقني‪ .‬فلقد‬ ‫اعتبرت محكمة النقض الفرنسية ما يلي‪" :‬نظرا ً لاللتزام القائم على عاتق الطبيب بأن يركب للمريض‬ ‫األسنان الصناعية املناسبة له‪ ،‬فإنه ال ميكن توجيه اللوم لقاضي املوضوع الذي حكم بفسخ العقد‪،‬‬ ‫بسبب خطأ الطبيب املتمثل في عدم الوفاء بالتزامه بتحقيق النتيجة املرجوة‪ ،‬حتى ولوكان املريض قد‬ ‫رفض العودة إليه إلجراء محاولة رابعة‪ ،‬ورفض كذلك أن يتحمل طاقم األسنان الصناعية ملدة كافية‪ ،‬كي‬ ‫يتعود عليه"‪ .77‬يتبني من احلكم املذكور أن التزام طبيب األسنان فيما يخص إيجاد وتركيب األسنان‬ ‫الصناعية هو التزام بنتيجة‪.‬‬ ‫أما في مرحلة ثالثة‪ ،‬فأصدرت محكمة النقض الفرنسية حكما ً اعتبر أن التزام طبيب األسنان‬ ‫فيما يخص تركيب أسنان صناعية أو طاقم أسنان هو التزام ببذل عناية‪ .78‬وقد أيد بعض الفقهاء هذا‬ ‫التوجه معتبرين أنه ال مبرر ألن نخص تركيب األسنان الصناعية بأحكام خاصة‪ ،‬وما على الطبيب إال بذل‬ ‫العناية املناسبة‪ ،‬وأنه في حال عدم جناحها فيكون السبب خاصا ً باملريض وليس طبيب األسنان‪ .79‬وهذا ما‬ ‫ال نؤيده إذ أن سبب عدم جناح التركيبات االصطناعية قد ال يتعلق باملريض‪ ،‬بل بالطبيب ذاته‪ .‬أما البعض‬ ‫اآلخر فقد انتقد هذا احلل معتبرا ً أنه ال يتناسب مع ما وصلﺖ إليه احلالة الفنية املتطورة في هذا اﺠﻤﻟال‪،‬‬ ‫واعتبروا أنه يجب أن حتقق التركيبات االصطناعية رغبة املريض‪.80‬‬ ‫وفي مرحلة رابعة‪ ،‬ميزت محكمة النقض بني مرحلتني تتعلق بتركيب األسنان‪ :‬األولى إيجاد‬ ‫التركيبة االصطناعية‪ ،‬والثانية تثبيتها أو تركيبها في فم املريض‪ .‬ففيما يخص املرحلة الثانية‪ ،‬فإن التزام‬ ‫طبيب األسنان هو التزام ببذل عناية كما سبق وأشرنا‪ .‬أما فيما يخص املرحلة األولى وهي مرحلة إيجاد‬ ‫التركيبة االصطناعية فإن التزامه هو بنتيجة‪ .‬وهذا ما استقر عليه الفقه والقضاء في فرنسا‪ .‬ونحن نؤيد‬ ‫هذا التوجه إذ أنه ال بد من الفصل والتمييز بني إيجاد التركيبة االصطناعية‪ ،‬وتركيبها‪ .‬فالغاية من االلتزام‬ ‫األول هي ذاتها العمل املطلوب من الطبيب (احلصول على تركيبة اصطناعية خالية من أي عيب‬ ‫ومناسبة)؛ في حني أن الغاية من االلتزام الثاني وهي الشفاء تختلف عن العمل املطلوب من الطبيب‬ ‫والذي يقتصر على إبداء املهارات وتركيب التركيبة االصطناعية‪.‬‬ ‫ولقد اعتبر الفقهاء –بحق‪ -‬أنه يقع على عاتق طبيب األسنان التزام بإيجاد تركيبة اصطناعية‬ ‫خالية من أي عيب ومناسبة ملريضه‪ .81‬ومبا أن تصنيع التركيبة االصطناعية (الوجبة أو اجلسر‪ )...‬هو عمل‬ ‫‪75‬‬

‫املستشار منير رياض حنا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪Dijon 24 janvier 1952, D. 1952, 171 : 227‬‬

‫‪78‬‬

‫املستشار منير رياض حنا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪Civ. 28 avril 1981, JCP 1981, 251. .230‬‬ ‫‪J.-M. de Forges, op. cit., p. 118.‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪J.-M. Auby, Le droit de la santé : PUF, 1981, p. 74.‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪G. Mémeteau, Cours de droit médical : Les études hospitalières de Bordeaux 2003, p. 336 et s.‬‬

‫‪76‬‬

‫‪J.-M. de Forges, op. cit., p. 114.‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪J.-M. de Forges, op. cit., p. 114.‬‬ ‫‪79‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪45‬‬


‫ وقد أكدت على ذلك محكمة النقض‬.‫ فإن ذلك يبرر اعتباره التزاما ً بتحقيق نتيجة‬،‫تقني خال من اجملاطرة‬ ‫الفرنسية معتبرةً أن "التزام طبيب األسنان فيما يخص إيجاد تركيبة اصطناعية هو التزام بتحقيق‬ ‫ أكدت محكمة‬2010 ‫ وفي عام‬.82"‫ أال وهي تأمني تركيبة اصطناعية سليمة ال يعتريها أي عيب‬،‫نتيجة‬ ‫ وأن التركيبة‬،‫النقض الفرنسية على أن التزام طبيب األسنان في هذا الشأن هو بتحقيق نتيجة‬ ‫ اعتبرت محكمة‬2013 ‫ مارس‬20 ‫ وبتاريخ‬.83‫االصطناعية يجب أن تكون مرضي ًة للمريض بصورة موضوعية‬ ‫ واملقصود بكلمة‬.84‫النقض أن التزام طبيب األسنان بإيجاد تركيبة اصطناعية مالئمة هو التزام بنتيجة‬ ‫"مالئم" هو أن تكون التركيبة االصطناعية مالئم ًة في منظور االلتزام بتحقيق نتيجة وال تعني أن تكون‬ ‫ كما اعتبرت محكمة النقض‬.‫التركيبة االصطناعية مرضي ًة للمريض من الناحية الشخصية أو الذاتية‬ ‫ كما أن عدم صالبة‬،85‫أن عدم مالءمة التركيبة االصطناعية للمريض يرتب مسؤولية طبيب األسنان‬ .87‫ علما ً أن رخص ثمنها ليس مبررا ً لذلك‬86‫التركيبة االصطناعية يرتب أيضا ً مسؤولية طبيب األسنان‬ ‫ وال‬،88 )‫ميكننا القول إذن بأن مسؤولية طبيب األسنان في هذا الشأن هي مفترضة (أي موضوعية‬ ‫ميكنه التنصل من املسؤولية إال إذا أثبت قطع عالقة السببية عبر تدخل سبب أجنبي أدى إلى إصابة‬ ‫ فال داعي إذن إلثبات املريض خطأ طبيب‬.89‫ األمر الذي أدى إلى حصول الضرر‬،‫التركيبة االصطناعية بعيوب‬ .90‫ بل يكفي أن يثبت وجود عيب في التركيبة االصطناعية حتى تترتب مسؤولية طبيب األسنان‬،‫األسنان‬ ‫ هذا ما جاء في حكم‬.‫جتدر اإلشارة هنا إلى أن التزام مقومي األسنان هو التزام بتحقيق نتيجة‬ .91‫أصدرته محكمة النقض الفرنسية التي ردت الطعن املقدم ضد حكم صادر عن محكمة بواتييه‬

F. Bouvier, Les prothèses et le droit : Gaz. Pal. 2012, 2, doctr. p. 1074. 82 CA Aix-en-Provence, 29 juin 1994 : Juris-Data n° 1994-045237. Cass. 1re civ., 29 oct. 1985, préc. – CA Montpellier, 30 mai 1991 : Juris-Data n° 1991-034427. – CA Aix-en-Provence, 29 juin 1994, préc. – CA Lyon, 13 janv. 2000 : Juris-Data n° 2000-127562. – CA Rouen, 4 avr. 2000 : Juris-Data n° 2000-131376. – CA Metz, 27 févr. 2001 : Juris-Data n° 2001-150186 ; CA Paris, 4 févr. 2000 : Juris-Data n° 2000-106416 ; CA Pau, 9 janv. 1992 : Juris-Data n° 1992040912. 83 Cass. 1re civ., 9 déc. 2010, n° 09-70.407 : JurisData n° 2010-023463 : « Qu'en statuant ainsi sans rechercher si la prothèse litigieuse fournie par Mme Y..., tenue à cet égard d'une obligation de résultat incluant la conception et la confection de cet appareillage, était apte à rendre à M. X... le service qu'il pouvait légitimement en attendre, la juridiction de proximité n'a pas donné de base légale à sa décision ; ». CA Toulouse, 10 févr. 1998, préc. 84 Cass. civ. 1, 20 mars 2013, N° de pourvoi: 12-12300 : « ALORS QUE le chirurgien-dentiste est, en vertu du contrat le liant à son patient, tenu de lui fournir un appareillage apte à rendre le service qu'il peut légitimement en attendre, une telle obligation, incluant la conception et la confection de cet appareillage, étant de résultat ». 85 Cass. 1re civ., 10 déc. 1996 : Resp. civ. et assur. 1997, comm. 103 ; CA Aix-en-Provence, 14 mai 1992, préc. 86 CA Besançon, 20 janv. 1998 : Juris-Data n° 1998-040002. 87 CA Nancy, 5 déc. 1994 : Juris-Data n° 1994-051454. 88 J.-M. de Forges, Le droit de la santé : Col. Que sais-je, PUF, 1997, p. 112. Olivier, Prothèse dentaire, obligation de résultat, obligation de moyens : Journ. méd. lég. 1981, 251. 89 CA Versailles, 23 nov. 1989, préc.. 90 CA Toulouse, 10 févr. 1998, préc. ; CA Metz, 27 févr. 2001, préc. ; CA Aix-en-Provence, 18 sept. 2002 : Juris-Data n° 2002-192013. Cass. 1re civ., 23 nov. 2004, n° 03-12.146 : JurisData n° 2004-025790 ; Resp. civ. et assur. 2005, comm. 25 ; RTD civ. 2005, p. 139, obs. P. Jourdain ; D. 2005, p. 406, obs. J. Peneau ; CA Pau, 8 nov. 1991 : JCP G 1992, IV, 1923. 91

(Cass. 1re civ., 22 nov. 1994 : Bull. civ. I, n° 340 ; JCP G 1995, IV, 204 ; Gaz. Pal. 1995, 1, pan. p. 84 ; CA Poitiers, 8 avr. 1992 : Juris-Data n° 1992-050405. – Cass. 1re civ., 22 nov. 1994 : Bull. civ. I, n° 340 ; Juris-Data n° 1994-002115) : “procédant à un acte de fourniture d'un appareil dentaire, le chirurgien-dentiste orthodontiste est tenu d'une obligation de résultat concernant la sécurité tenant tant à la conception de l'appareil qu'à ses conditions d'utilisation”.

‫م‬2014 ‫ يوليو‬- ‫هـ‬1436 ‫ رمضان‬:‫ العدد الرابع‬- ‫السنة الثانية‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

46


‫‪ .27‬املدين بااللتزام بإيجاد تركيبات اصطناعية‪– .‬‬ ‫يعتبر القضاء الفرنسي أن املدين بااللتزام بإيجاد تركيبة اصطناعية خالية من العيوب ومالئمة‬ ‫هو طبيب األسنان الذي تعاقد معه املريض وليس صانعها الذي ال تربطه باملريض أي عالقة عقدية؛ وعلى‬ ‫طبيب األسنان "إعطاء التوجيهات الدقيقة والالزمة لصانع التركيبة االصطناعية وفقا ً حلالة املريض بناءً‬ ‫على فحوصات مسبقة‪ ،‬والتأكد من أنه نفذها بدقة"‪92‬؛ وقد أكدت على ذلك محكمة استئناف باريس‬ ‫وأضافت أن تركيب التركيبة االصطناعية في فم املريض يؤشر إلى قبول طبيب األسنان الضمني بعمل‬ ‫صانع هذه التركيبة وأنها مطابقة لتعليماته‪ .93‬برأينا يكون طبيب األسنان في هذه احلالة قد قبل‬ ‫بالعيوب الظاهرة فقط؛ أما العيوب اخلفية فال يكون قد قبل بها ألنه ال ميكنه أن يكتشفها إال بعد‬ ‫التركيب وظهور مضاعفات‪.‬‬ ‫ولكن إذا ارتكب صانع التركيبة االصطناعية خطأ ً ما‪ ،‬فيمكن لطبيب األسنان مالحقته على‬ ‫أساس املسؤولية العقدية‪ .94‬إال أن القضاء غير مستقر على ذلك؛ فقد اعتبرت محكمة استئناف ‪Metz‬‬ ‫أنه ال ميكن لطبيب األسنان الرجوع على صانع التركيبة االصطناعية على أساس املسؤولية العقدية إذ ال‬ ‫عالقة عقدية تربط هذا األخير باملريض‪ .‬وفي رأينا يجب التمييز بني ما إذا كان طبيب األسنان قد اشترى‬ ‫التركيبة االصطناعية مباشرةً من صانعها أم ال‪ ،‬ففي احلالة األولى فقط توجد عالقة عقدية بينهما تبرر‬ ‫الرجوع عليه‪ .‬أما إذا اشترى طبيب األسنان التركيبة االصطناعية من مزوده الذي بدوره تعامل مع املنتج أو‬ ‫الصانع فال عالقة عقدية بني الطبيب وهذا األخير؛ وفي جميع احلاالت ميكن مالحقة املنتج على أساس‬ ‫املسؤولية التقصيرية من قبل املريض طاملا أن شروطها متوفرة‪.95‬‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬ميكن مالحقة صانع التركيبة االصطناعية على أساس مسؤولية املنتج عن‬ ‫األضرار الناجمة عن منتجه املعيب أيضأ إن توفرت شروطها‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬االلتزام باإلعالم‬ ‫‪ .28‬يعتبر االلتزام باإلعالم من أبرز االلتزامات التي تقع على عاتق طبيب األسنان‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مصادر االلتزام باإلعالم ونطاقه‬ ‫‪ .29‬إن االلتزام بإعالم املريض مصدره عدة قوانني‪ ،‬وقد أكدت على أهميته آراء الفقهاء وأحكام القضاء‪ .‬فيما‬ ‫يخص نطاق هذا االلتزام‪ ،‬فلقد مر القضاء بعدة مراحل‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫‪CA Montpellier, 30 mai 1991 : Juris-Data n° 1991-034427. Même sens, voir CA Paris, 29 avr. 1997, préc.‬‬ ‫‪CA Paris, 29 avr. 1997 : Juris-Data n° 1997-021501.‬‬ ‫‪94‬‬ ‫‪CA Pau, 18 déc. 1996 : Juris-Data n° 1996-048795.‬‬ ‫‪95‬‬ ‫‪CA Metz, 27 févr. 2001, préc.‬‬ ‫‪93‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪47‬‬


‫ مصادر االلتزام بإعالم املريض‬:‫الغصن األول‬ ‫ هذا االلتزام‬.‫ يقع على عاتق من هم في حكم الطبيب ومنهم طبيب األسنان االلتزام بإعالم ونصح املريض‬.30 ‫ وهو التزام بنتيجة ألن الغاية من هذا االلتزام (وهي أن‬،96‫مصدره النصوص القانونية وأيضا ً أحكام القضاء‬ .‫يزود طبيب األسنان مريضه باملعلومات املتعلقة بالعالج وكلفته) هي ذاتها العمل املطلوب منه‬ ً ‫ مصدرا ً أساسيا‬2002 ‫ مارس‬4 ‫ الصادر في‬2002-303 ‫ يعتبر القانون رقم‬،‫فعلى صعيد النصوص القانونية‬ ‫ وميثاق‬، R. 4127-35 ‫ أضف إلى ذلك نصوصا قانونية أخرى سبقته مثل املادة‬.‫من مصادر هذا االلتزام‬ ‫ والذي تعدل‬1995 ‫ مايو‬6 ‫ الصادر في‬95-22 ‫املريض الذي يعالج في املشفى واملرفق بالتعميم الوزاري رقم‬ 1993 ‫ فبراير‬16 ‫ الصادر في‬93-221 ‫ فضال ً عن املرسوم رقم‬،2006 ‫ مارس‬2 ‫مبوجب التعميم الصادر في‬ ،98)‫ منه‬L. 113-3 ‫ وقانون االستهالك (املادة‬،97)32 ‫واملتعلق بالقواعد املهنية للممرضني واملمرضات (املادة‬ 12‫ و‬2010 ‫ يونيو‬3 ‫ من القانون املدني كما فسرتها محكمة النقض في‬1382 ‫و‬16-3‫ و‬16 ‫فضال ً عن املواد‬ .992012 ‫يونيو‬ :‫ من قانون الصحة العامة التي جاء فيها ما يلي‬L. 1111-2 ‫وأضف إلى هذه املواد املادة‬ ،‫ وهذا اإلعالم يشمل الفحوصات‬.‫"لكل شخص احلق في أن يتم إعالمه عن حالته الصحية‬ ‫ وما حتتويه من‬،‫ ونتائجها‬،‫ ومدى ضرورة القيام بها‬،‫ وفعاليتها‬،‫ واخلطوات املقترحة للوقاية‬،‫والعالجات‬ ‫ والنتائج املتوقعة في حالة‬،‫ واحللول األخرى املمكنة‬،ً‫مخاطر متكررة احلدوث أو جسيمة متوقعة عادة‬ ‫ يجب إعالم الشخص املعني‬،‫ كما تنص املادة ذاتها على أنه في حال ظهور أي مخاطر جديدة‬.100"‫الرفض‬ .101‫بها إال إذا استحال الوصول إليه‬ ‫ "يلزم الطبيب نحو الشخص الذي‬:‫ من قانون أخالقيات الطبيب على ما يلي‬35 ‫كما تنص املادة‬ ."... ‫يفحصه أو يعاجله أو ينصحه بإعالمه بأمانة ووضوح‬ Hédreul ‫ فقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية في حكم‬،‫أما على صعيد أحكام القضاء‬ ‫ أن على من ميارس املهن الصحية إعالم املريض باجملاطر دون اخلوض في‬1997 ‫ فبراير‬25 ‫الصادر في‬ ‫ ثم أصدرت أحكاما ً الحق ًة بينت فيها أن االلتزام باإلعالم يجب أن يتناول معلومات مناسبة‬،102‫التفاصيل‬ 96

Cass. civ., 29 mai 1951, D. 1952, jur., p. 53, note Savatier R. « l'infirmier ou l'infirmière informe le patient ou son représentant légal, à leur demande, et de façon adaptée, intelligible et loyale, des moyens ou des techniques mis en œuvre. Il en est de même des soins à propos desquels il donne tous les conseils utiles à leur bon déroulement » : D. no 93-221, 16 févr. 1993, art. 32, JO 18 févr. 98 « tout vendeur de produit ou tout prestataire de services doit (...) informer le consommateur sur les prix, les limitations éventuelles de la responsabilité contractuelle et les conditions particulières de la vente ». 99 un autre arrêt du 3 juin 2010, rendu sous le triple visa des articles 16, 16-3 et 1382 du Code civil, a clairement énoncé qu'« il résulte des deux premiers de ces textes que toute personne a le droit d'être informée, préalablement aux investigations, traitements ou actions de prévention proposés, des risques inhérents à ceux-ci, et que son consentement doit être recueilli par le praticien, hors le cas où son état rend nécessaire une intervention thérapeutique à laquelle elle n'est pas à même de consentir ; que le non-respect du devoir d'information qui en découle, cause à celui auquel l'information était légalement due, un préjudice, qu'en vertu du dernier des textes susvisés, le juge ne peut laisser sans réparation » (Cass. 1re civ., 3 juin 2010, no 09-13.591, JCP G 2010, no 28, 788, note Porchy-Simon S., JCP G 2010, no 41, 1015, § 3, note Stoffel-Munck Ph., Resp. civ. et assur. 2010, comm. 222, Hocquet-Berg S., D. 2010, p. 1522, note Sargos P., D. 2010, p. 1801, note Bert D., RTD civ. 2010, p. 571, note Jourdain P., RLDC 2010/75, n o 3958, note CorgasBernard C., Feu l'arrêt Mercier ?, RDC 2011, p. 335, débats, par Bacache M., Leduc F., Pierre Ph. ; Cass. 1re civ., 12 juin 2012, no 1118.327. 100 L'article L. 1111-2 du Code de la santé publique dispose que « toute personne a le droit d'être informée sur son état de santé. Cette information porte sur les différentes investigations, traitements ou actions de prévention qui sont proposés, leur utilité, leur urgence éventuelle, leurs conséquences, les risques fréquents ou graves normalement prévisibles qu'ils comportent ainsi que sur les autres solutions possibles et sur les conséquences prévisibles en cas de refus ». 101 « lorsque (...) des risques nouveaux sont identifiés, la personne concernée doit en être informée, sauf en cas d'impossibilité de la retrouver ». 102 Cass. 1re civ., 25 févr. 1997, no 94-19.685, Bull. civ. I, no75, JCP G 1997, I, no 4025, spéc. no 7, obs. Viney G., RTD civ. 1997, p. 434, obs. Jourdain P., Bull. jur. santé publ., févr. 1999, p. 7, note Pansier F.-J. et Bladier J.-B., LPA 1997, no 85, p. 17, note Dorsner-Dolivet 97

‫م‬2014 ‫ يوليو‬- ‫هـ‬1436 ‫ رمضان‬:‫ العدد الرابع‬- ‫السنة الثانية‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

48


‫ومشروعة وواضحة حول اجملاطر اجلسيمة للعالج املقترح‪ ،‬أو املعلومات التي يطلبها املريض‪ .103‬كما‬ ‫أصدرت اﶈكمة ذاتها حكما ً عام ‪ 2002‬اعتبرت فيه أن اإلعالم يتناول فقط األمور املتوقعة‪.104‬‬ ‫الغصن الثاني‪ :‬نطاق االلتزام بإعالم املريض‬ ‫‪ .31‬يالزم االلتزام باإلعالم والنصح عالقة طبيب األسنان مبريضه في حال عدم العالج‪ ،‬وفي مرحلة التشخيص‬ ‫املبدئي للمرض والفحوصات االستكشافية التكميلية الضرورية للتوصل إلى التشخيص النهائي‬ ‫للمرض‪ ،‬ومن ثم مرحلة العالج‪ ،‬ومن بعدها مرحلة ما بعد العالج‪ .‬وعليه يجب أن يشمل اإلعالم طبيعة‬ ‫العالج املقترح‪ ،‬والنتائج اإليجابية املأمولة منه‪ ،‬فضال ً عن اجملاطر اﶈتملة وآثاره اجلانبية‪.‬‬ ‫وهنا يطرح السؤال التالي‪ :‬هل يتوجب على طبيب األسنان إعالم املريض عن مخاطر دواء وصفه له‪،‬‬ ‫علما ً أن على منتج الدواء توضيح تلك اجملاطر بالنشرة الطبية املرفقة بالدواء؟‬ ‫أكد الفقه والقضاء على أن التزام الطبيب باإلعالم هو التزام بنتيجة مفروض عليه‪ ،‬وال يعفى منه‬ ‫في حال وجود النشرة الطبية املرفقة بالدواء‪ .105‬وقد أيدت محكمة النقض هذا االجتاه بأحكام عديدة‬ ‫منها ما هو صادر بتاريخ ‪ 23‬يناير ‪.1062014‬‬ ‫كما يطرح سؤال آخر في هذا الصدد‪ :‬هل يشمل اإلعالم اجملاطر االستثنائية (أي نادرة احلدوث) أيضاً؟‬ ‫أقر القضاء الفرنسي منذ فترة طويلة أن على طبيب األسنان إعالم مريضه ‪ -‬قبل البدء بالعناية‬ ‫بأسنانه أو تثبيت تركيبة اصطناعية في فمه ‪ -‬باجملاطر واملعاناة اﶈتملة‪ ،‬وعلى سبيل املثال مخاطر خلع‬ ‫ضرس العقل‪.107‬‬ ‫كما أصدرت محكمة النقض الفرنسية في ‪ 3‬يناير ‪ 1991‬حكما ً اعتبرت فيه أن طبيب األسنان‬ ‫ليس ملزما ً بإعالم املريض باجملاطر االستثنائية‪ ،108‬وبالتالي فهي ال تتماشى مع تطور القضاء الفرنسي في‬ ‫مسائل أخرى والتي اعتبر فيها أن اإلعالم يجب أن يشمل أيضا ً تلك اجملاطر‪ ،109‬إال أن محكمة استئناف‬ ‫بواتييه عام ‪ 1992‬أصدرت حكما ً مناقضا ً اعتبرت فيه أنه على طبيب األسنان إعالم املريض باجملاطر‬ ‫االستثنائية أيضا ً أي تلك التي ال ميكن أن حتصل إال استثنا ًء‪ ،‬معتبرةً أنه ميكن للمريض العدول عن العالج‬ ‫هذا واختيار عالج آخر إذا ما علم بإمكانية حصول أضرار له وإن كانت على سبيل االستثناء‪ .110‬وفي ‪ 7‬أبريل‬ ‫‪A., D. 1997, somm., p. 319, obs. Penneau J., Resp. civ. et assur. 1997, chr. no 8, par Lapoyade Deschamps Ch., Gaz. Pal. 1997, 1, jur., p.‬‬ ‫‪274, rapp. Sargos P., note Guigue J., Dr. & patr. 1997, no 48, p. 82, obs. Chabas F., D. 1999, somm., p. 259, obs. Mazeaud D.‬‬ ‫‪103‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 27 mai 1998, no 96-19.161, D. 1998, jur., p. 530, note Laroche Gisserot F., Méd. & Droit, 1998, n o 33, p. 14, note Sargos‬‬ ‫‪P. ; Cass. 1re civ., 7 oct. 1998, nos 97-10.267 et 97-12.185, D. 1999, jur., p. 145, note Porchy S., JCP G 1998, II, no 10179, concl. Sainte‬‬‫‪Rose J., note Sargos P., RTD civ. 1999, p. 111, obs. Jourdain P., JCP G 1999, I, n o 147, spéc. no 14, obs. Viney G., D. 1999, somm., p.‬‬ ‫‪259, obs. Mazeaud D. ; Cass. 1re civ., 7 oct. 1998, no 97-10.267, précité ; comp. ; Cass. 1re civ., 9 oct. 2001, no 00-14.553, Resp. civ. et‬‬ ‫‪assur. 2002, comm. no 374.‬‬ ‫‪104‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 18 déc. 2002, no 01-03.231, D. 2003, p. 252.‬‬ ‫‪ 105‬د‪ .‬مجدي حسن خليل‪ ،‬مدى فعالية رضاء املريض في العقد الطبي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،2000 ،‬ص ‪.56‬‬ ‫‪106‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 23 janv. 2014, n° 12-22.123.‬‬ ‫‪107‬‬ ‫‪CA Lyon, 16 avr. 1956 : JCP G 1956, II, 9670 ; D. 1956, jurispr. p. 693.‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 3 janv. 1991 : Juris-Data n° 1991-000033.‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪J.-Cl. Responsabilité civile et Assurances, fasc. 440-20 ou Civil Code, Art. 1382 à 1386, fasc. 440-20. – Droit médical et hospitalier,‬‬ ‫‪fasc. 18-1 n° 3 et réf.‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪CA Poitiers, 8 avr. 1992 : Juris-Data n° 1992-050405 ; D. 1993, somm. p. 27, obs. J. Penneau confirmé par Cass. 1re civ., 22 nov.‬‬ ‫‪1994, préc.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪49‬‬


‫‪ 1999‬أصدرت محكمة ‪ Rennes‬حكما ً مؤيدا ً للحكم الصادر عن محكمة بواتييه معتبرةً أن طبيب‬ ‫األسنان "ال يعفى من التزامه باإلعالم بسبب أن اجملاطر استثنائية"‪.111‬‬ ‫وبتاريخ ‪ ،1998-10-7‬أصدرت محكمة النقض حكمني اعتبرت فيهما أن نطاق التزام طبيب‬ ‫األسنان باإلعالم يشمل أيضا ً اجملاطر االستثنائية؛ فقد حكمت مبا يلي‪" :‬فيما عدا حالة االستعجال أو‬ ‫االستحالة أو رفض املريض لإلعالم‪ ،‬فإن الطبيب يكون ملزما ً بأن يقدم له معلومات أمينة وواضحة‬ ‫ومالئمة عن اجملاطر اجلسيمة املالزمة للفحوصات والعالج املقترح‪ ،‬وال يعفى الطبيب من هذا االلتزام ﺠﻤﻟرد‬ ‫كون هذه اجملاطر ال تتحقق إال بشكل استثنائي"‪.112‬‬ ‫ومن جهتها أكدت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في ‪ 19‬نوفمبر ‪ 1999‬أن اإلعالم ال‬ ‫ينصب إال على اجملاطر التي ميكن أن يعي بها طبيب األسنان (أي املتوقعة)‪ ،‬دون أن توضح ما إذا كان يشمل‬ ‫اجملاطر االستثنائية أيضا ً‪.113‬‬ ‫وبتاريخ ‪ ،2000-1-5‬اعتبر مجلس الدولة أن التزام الطبيب باإلعالم يشمل اجملاطر االستثنائية‪.114‬‬ ‫كما أكد اﺠﻤﻟلس على ذلﻚ في حكم أصدره بتاريخ الحق‪.115‬‬ ‫وفي ‪ 4‬مارس ‪ 2002‬صدر القانون رقم ‪ ،2002-303‬وأوجد املادة ‪ L.1111-2‬من قانون الصحة العامة‬ ‫الفرنسي‪ ،‬والتي تتناول االلتزام باإلعالم الذي يقع على عاتق أطباء األسنان‪ .‬جاءت صياغة هذه املادة مبهمة‬ ‫بعض الشيء مما أثار شكا ً حول نطاق التزام طبيب األسنان باإلعالم‪ .‬إال أن بعض الفقهاء قد اعتبروا أن‬ ‫األعمال التحضيرية لقانون ‪ 2002‬ال تنبئ بإقصاء اجملاطر االستثنائية من نطاق االلتزام باإلعالم‪ .116‬كما‬ ‫يؤكد بعض الفقهاء أن نص املادة ‪ L.1111-2‬املذكورة ال يستبعد اجملاطر االستثنائية من نطاق التزام‬ ‫الطبيب بإعالم املريض‪.117‬‬ ‫أما القضاء الفرنسي فقد اعتبر أن طبيب األسنان يسأل عن عدم إعالم املريض قبل خلع ضرس‬ ‫العقل "باخلطر املؤكد املرتبط بالعصب‪ ،‬إذ أن صورة األشعة التي أخذت قبل خلع الضرس تشير إلى أن‬ ‫العملية ستكون معقدة نظرا ً ألن الضرس مطوق"‪ .118‬وهنا لم توضح اﶈكمة برأينا ما إذا كان اإلعالم ميكن‬ ‫أن يتناول اجملاطر االستثنائية أم ال‪ .‬فعبارة "اخلطر املؤكد" ال تستبعد اجملاطر االستثنائية‪.‬‬ ‫إال أن محكمة استئناف بواتييه قد عادت وأكدت في ‪ 16‬أبريل ‪ 2002‬على أن االلتزام باإلعالم‬ ‫يشمل اجملاطر االستثنائية‪ .119‬كما حكمت بذات االجتاه محكمة استئناف ‪ Besançon‬بتاريخ ‪ 19‬يونيو‬ ‫‪ ،1202002‬ومجلس الدولة الفرنسي بتاريخ ‪ 19‬مايو ‪.1212004‬‬ ‫ونرى أن نص املادة ‪ L.1111-2‬من قانون الصحة العامة يستبعد اجملاطر االستثنائية‪.‬‬

‫‪111‬‬

‫‪“n'est pas dispensé de son obligation d'information par le fait que les risques sont exceptionnels”(CA Rennes, 7 avr. 1999 : Juris‬‬‫‪Data n° 1999-041261).‬‬ ‫‪ 112‬نقال ً عن ‪ :‬د‪ .‬محمد حسن قاسم‪ ،‬الطب بني املمارسة وحقوق اإلنسان‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة‪ ،2012 ،‬ص ‪.50‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪CA Paris, 19 nov. 1999 : Juris-Data n° 1999-101897.‬‬ ‫‪114‬‬ ‫‪CE 5 janvier 2000, JCP 2000, II, 10271, note J. Mareau.‬‬ ‫‪115‬‬ ‫‪CE 15 janvier 2001, Dr. adm., avril 2001, n. 107, note C. Esper.‬‬ ‫‪116‬‬ ‫‪J.-M. Auby, Traité de droit médical et hospitalier : Litec, 1996.‬‬ ‫‪ 117‬د‪ .‬محمد حسن قاسم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.52‬‬ ‫‪118‬‬ ‫‪CA Paris, 14 nov. 2002 : Juris-Data n° 2002-204246.‬‬ ‫‪119‬‬ ‫‪CA Poitiers, 3e ch. 16 avril 2002, Juris-Data n. 0184844.‬‬ ‫‪120‬‬ ‫‪CA Besançon, 1re ch. civ. 19 juin 2002, Juris-Data n. 183421.‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪CE 19 mai 2004, D. 2004, IR, 1771.‬‬

‫‪50‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫فالعبارة التي استخدمها املشرع " ‪ " normalement prévisibles‬أي املتوقعة عادةً‪ ،‬ال تشمل‬ ‫اجملاطر االستثنائية التي ال تكون عادةً متوقعة‪ .‬ومع ذلك نرى أنه من الضروري ضبط نص املادة ‪L.1111-2‬‬ ‫من قانون الصحة العامة لكي يتناول االلتزام باإلعالم كل العالجات أو اخلطوات املقترحة؛ فعاليتها‪ ،‬ومدى‬ ‫ضروريتها‪ ،‬وما إذا كان من الضروري القيام بها على عجلة‪ ،‬واجملاطر العادية أو اجلسيمة أو املتوقعة فقط‬ ‫وغير االستثنائية‪ ،‬والنتائج املتوقعة في حال رفض املريض املثول للعالج‪.‬‬ ‫وقد اعتبرت محكمة النقض في ‪ 17‬ديسمبر ‪ 2009‬أن االلتزام بإعالم املريض ال يتناول إال املعلومات‬ ‫التي يعلمها الطبيب دون غيرها‪ .122‬إال أنه بتاريخ ‪ 5‬مارس ‪ 2015‬أصدرت محكمة النقض حكما ً ألزمت فيه‬ ‫الطبيب بوجوب االستعالم عن حالة املريض قبل إخباره عن مخاطر التدخل الطبي اﶈتمل‪ ،‬وبينت أن‬ ‫طبيب األسنان يدين بالتزام باإلعالم على مرحلتني‪ :‬التزام باإلعالم قبل البدء بالعناية باألسنان أو تثبيت‬ ‫التركيبة االصطناعية‪ ،‬والتزام باإلعالم فيما يخص بدل أتعابه وكلفة التركيبة االصطناعية‪.123‬‬ ‫معلومات حول تكلفة العالج‪- .‬‬ ‫تنص املادة ‪ L. 1111-3‬من قانون الصحة العامة على ضرورة إعالم املريض بالكلفة املتوقعة قبل‬ ‫إجراء أي تدخل‪ ،‬وبالنسبة التي يدفعها التأمني الصحي والضمان االجتماعي؛ وقد أيد الفقه والقضاء‬ ‫الفرنسي هذا النص الذي اعتبر أن طبيب األسنان مسؤول عن إخالله بهذا االلتزام‪ .124‬ونحن نؤيد هذا‬ ‫التوجه ألن قبول املريض يجب أن يكون على ضوء جميع املعطيات وال سيما املادية منها نظرا ً ألهميتها‬ ‫وألن املريض قد ال يكون مستعدا ً من هذه الناحية‪.‬‬ ‫وعلى طبيب األسنان إذن احلصول على املوافقة املستنيرة للمريض حول كلفة العالج قبل بدئه‪ .125‬وعليه‬ ‫أيضا ً إعالم مرضاه باخلطوات الواجب اتباعها لدى مؤسسات الضمان االجتماعي لالستفادة من تقدميها‬ ‫وتزويدهم باألوراق املطلوبة‪.126‬‬ ‫‪ .32‬صفات املعلومات الواجب إعالم املريض بها‪– .‬‬ ‫يجب أن تعطى املعلومات إلى املريض بصورة مبسطة‪ ،‬سهلة الفهم‪ ،‬صادقة‪ .127‬وجتدر اإلشارة‬ ‫إلى أن اإلعالم بواسطة لغة تقنية علمية غير مفهومة يعتبر كأنه لم يكن‪ .128‬وهذا ما نؤيده إذ أن اللغة‬ ‫العلمية التقنية ال تكون عادة مفهومة بالنسبة للمريض‪ .‬وإذا كان املريض مسنا ً‪ ،‬فعلى من ميارس املهن‬ ‫الصحية أن يستهلك كل طاقاته إلفهامه ونصحه‪ .129‬ونحن نؤيد ذلك النسجامه مع مبادئ األخالق‬ ‫احلميدة ولكي ال يكون املريض مجرد متلقى للخدمة الطبية ولكن مشارك فيها‪ ،‬فهو يشترك مع‬ ‫الطبيب في مواجهة املرض واأللم‪ .130‬كما ميكن للطبيب استخدام األرقام لبيان النسبة املئوية لنجاح أو‬ ‫فشل العالج وذلك من أجل إعالم مريضه‪ .131‬وهذا ينسجم مع نص املادة ‪ 35‬من قانون أخالقيات املهنة‬ ‫التي اعتبرت أن املعلومات محل االلتزام باإلعالم يجب أن تكون "صادقة وواضحة ومالئمة لوضع املريض"‪.‬‬ ‫‪122‬‬

‫‪Cass. 1re civ., 17 déc. 2009, n° 08-21.206.‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 5 mars 2015, n. 14-13.292.‬‬ ‫‪124‬‬ ‫‪CA Lyon, 17 févr. 2000 : Juris-Data n° 2000-105063.‬‬ ‫‪J.-C.Chardon, Les responsabilités du chirurgien-dentiste : Prélat 2010, p. 76.‬‬ ‫‪125‬‬ ‫‪CA Paris, 20 oct. 2000 : Juris-Data n° 2000-128359.‬‬ ‫‪126‬‬ ‫‪CA Paris, 20 févr. 2001 : Juris-Data n° 2001-139157.‬‬ ‫‪127‬‬ ‫‪Cass. civ. 21 février 1961, JCP 1961, II, 12169, note R. Savatier.‬‬ ‫د‪ .‬محمد حسن قاسم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬ ‫‪128‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 21 févr. 1961, no 58-11.654, JCP G 1961, II, no12129, note Savatier R. ; comp.,C. déont. méd., art. 34.‬‬ ‫‪129‬‬ ‫‪J.-C. Chardon, op. cit., p. 73.‬‬ ‫د‪ .‬مجدي حسن خليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.54‬‬ ‫د‪ .‬مجدي حسن خليل‪ ،‬مدى فعالية رضاء املريض في العقد الطبي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،2000 ،‬ص ‪.57‬‬ ‫‪123‬‬

‫‪130‬‬ ‫‪131‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪51‬‬


‫وتنص املادة ‪ 34‬من ذات القانون أنه على الطبيب صياغة وصفاته الطبية بوضوح‪ ،‬وأن يتأكد من حسن‬ ‫فهمها من قبل املريض‪.‬‬ ‫‪ .33‬إثبات اإلعالم‪– .‬‬ ‫استنادا ً للمادة ‪( L. 1111-2‬الفقرة ‪ )7‬من قانون الصحة العامة يقع عبء إثبات القيام بهذا االلتزام‬ ‫على عاتق املدين به؛ هذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية عند تفسيرها للمادة ‪ 1315‬من القانون‬ ‫املدني‪ .132‬وال يشترط اإلثبات كتاب ًة حسبما اعتبرت اﶈكمة ذاتها‪ 133‬إال في "حاالت خاصة" كأن يكون‬ ‫املريض يعاني من عاهة في جسده‪ ،‬أو من مرض الصمم‪ ،‬أو من مرض نفسي‪ .134‬ولعل السبب في ذلك هو‬ ‫أن القيام بااللتزام باإلعالم والنصح هو واقعة مادية ميكن إثباتها بكافة وسائل اإلثبات‪ .135‬ومع ذلك فقد‬ ‫نصحت اﶈكمة باإلثبات كتاب ًة وأوصت بأن يحتفظ املهني بإثبات خطي على قيامه بذلك‪ .136‬وقد أيد‬ ‫الفقه هذا التوجه‪.137‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أثر تنفيذ االلتزام باإلعالم من عدمه وحاالت اإلعفاء منه‬ ‫‪ .34‬قد يقوم طبيب األسنان بالتزامه باإلعالم والنصح على أكمل وجه؛ إال أنه قد يقصر في ذلك‪ .‬وفي‬ ‫كلتا احلالتني تترتب نتائج معينة‪ ،‬وأحيانا ً يعفى طبيب األسنان من التزامه هذا‪.‬‬ ‫الغصن األول‪ :‬تنفيذ االلتزام باإلعالم من عدمه‬ ‫‪ .35‬أثر تنفيذ االلتزام بالنسبة للمريض‪– .‬‬ ‫إذا نفذ املهني التزامه باإلعالم يترك القرار حينئذ للمريض‪ .‬هذا ما أكدته املادة ‪ L. 1111-4‬من‬ ‫قانون الصحة العامة املعدلة بالقانون رقم ‪ 2005-370‬في ‪ 22‬أبريل ‪ 2005‬والتي اعتبرت أنه على املهني أن‬ ‫يحترم قرار املريض ببدء أو متابعة العالج من عدمه‪.‬‬ ‫ومن جهته اعتبر القضاء الفرنسي في هذا الصدد أيضا ً أنه ال يحق لطبيب األسنان إجراء أي تدخل إال في‬ ‫حدود موافقة املريض دون جتاوزها‪ .138‬والهدف من إعالم املريض املسبق يكمن في متكينه من "االختيار بني‬ ‫أنواع العالجات املتاحة وهو على بينة من أمره‪ ،‬وخاص ًة بني إجراء عملية من عدمه"‪.139‬‬

‫‪132‬‬

‫‪« celui qui est légalement ou contractuellement tenu d'une obligation particulière d'information doit rapporter la preuve de‬‬ ‫‪l'exécution de cette obligation » (Cass. 1re civ., 25 févr. 1997, no 94-19.685, JCP G 1997, I, no 4025, spéc. no 7, obs. Viney G., RTD civ.‬‬ ‫‪1997, p. 434, obs. Jourdain P., Bull. jur. santé publ., févr. 1999, p. 7, note Pansier F.-J. et Bladier J.-B., LPA 1997, no 85, p. 17, note‬‬ ‫‪Dorsner-Dolivet A., D. 1997, somm., p. 319, obs. Penneau J., Resp. civ. et assur. 1997, chr. n o 8, par Lapoyade Deschamps Ch., Gaz.‬‬ ‫‪Pal. 1997, 1, jur., p. 274, rapp. Sargos P., note Guigue J., Dr. & patr. 1997, no 48, p. 82, obs. Chabas F.‬‬ ‫‪133‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 29 mai 1984, no 83-12.016, D. 1985, jur., p. 281, note Bouvier F. ; Cass. 1re civ., 4 avr. 1995, no 93-13.326, Bull. civ. I,‬‬ ‫‪o‬‬ ‫‪n 159, JCP G 1995, I, no 3893, spéc. no 30, obs. Viney G.‬‬ ‫‪134‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 29 mai 1984, no 83-12.016, précité.‬‬ ‫‪135‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 14 oct. 1997, no 95-19.609, JCP G 1997, II, no 22942, rapp. Sargos P., JCP G 1997, I, no 4068, spéc. no 6, obs. Viney G.,‬‬ ‫‪RTD civ. 1998, p. 100, obs. Mestre J ; Cass. 1re civ., 12 juin 2012, no 11-18.928.‬‬ ‫‪136‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 25 févr. 1997, Hedreul c/ Cousin : Juris-Data n° 1997-000781 ; JCP G 1997, IV, 881.‬‬ ‫‪137‬‬ ‫‪A. Le Masson, op. et loc. cit.‬‬ ‫‪138‬‬ ‫‪CA Dijon, 30 juin 2000 : Juris-Data n° 2000-131749 ; CA Lyon, 31 mai 2001 : Juris-Data n° 2001-144751.‬‬ ‫‪139‬‬ ‫‪J.-C. Chardon, op. cit., p. 75 ; CA Toulouse, 4 nov. 2002 : Juris-Data n° 2002-195519.‬‬

‫‪52‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫إذا رفض املريض العالج أو متابعته‪ ،‬على املهني أن ينصحه بإصرار إذا كان قراره يعرض حياته‬ ‫للخطر (الفقرة الثانية من املادة ‪ L. 1111-4‬من قانون الصحة العامة)‪ .‬وميكن للمهني أن يجري رغم ذلك‬ ‫العالج الضروري ‪ les soins indispensables‬إذا كان اعتراض املريض قد يسبب نتائج جسيمة وضارة (املادة‬ ‫‪ L. 1111-4‬الفقرة اخلامسة من قانون الصحة العامة)‪ .140‬ونحن نؤيد هذا التوجه الفقهي والقضائي‬ ‫النسجامه مع جميع الشرائع السماوية والدساتير الدولية‪.‬‬ ‫وفي حال عدم قدرة املريض على التعبير عن إرادته‪ ،‬على املهني البحث عن "شخص ثقة"‬ ‫‪ personne de confiance‬سبق واختاره املريض وفقا ً للمادة ‪ L. 1111-6‬من قانون الصحة العامة‪ ،‬أو‬ ‫"العائلة‪ ،‬وفي حال عدم وجودها‪ ،‬أحد األقارب"‪ ،141‬وذلك ليس ألخذ موافقتهم بل الستطالع رأيهم فقط‪.‬‬ ‫ويعفى املهني من ذلك في حالة "الطوارئ أو االستحالة" املنصوص عنهما في املادة ‪( R. 4127-36‬الفقرة‬ ‫الثالثة) من قانون األخالقيات الطبية‪.‬‬ ‫‪142‬‬ ‫إذا كان املريض قاصراً‪ ،‬فموافقة األم واألب معا ً مطلوبة إال في احلاالت الطارئة ‪ .‬وفي حال‬ ‫وفاتهما‪ ،‬يستعاض عنها مبوافقة ممثله القانوني (املادة ‪ R. 4127-42‬من قانون الصحة العامة)‪.‬‬ ‫أما إذا كان املريض راشدا ً ولكنه حتت الوصاية‪ ،‬فاملوافقة تصدر عن ممثله القانوني (املادة ‪R. 4127-42‬‬ ‫من قانون الصحة العامة)‪ .143‬وهذا كله انسجاما ً مع األحكام العامة‪.144‬‬ ‫جتدر اإلشارة أخيرا ً إلى أن إعالم املريض باجملاطر ال تعفي طبيب األسنان من املسؤولية طاملا توفرت‬ ‫شروطها‪.145‬‬ ‫‪ .36‬مدى التعويض في حال عدم تنفيذ االلتزام باإلعالم‪– .‬‬ ‫السؤال الذي يطرح هنا‪ :‬إذا أخل املدين بهذا االلتزام بالتزامه فهل يشمل التعويض جميع األضرار‬ ‫التي أصابت املريض أم يقتصر على تفويت الفرصة فقط؟‬ ‫في البداية كان الفقه والقضاء في فرنسا يعتبران أن التعويض يشمل جميع األضرار املتعلقة بعدم إعالم‬ ‫املريض‪.146‬‬ ‫وفي عام ‪ ،1990‬تغير مسار الفقه والقضاء معتبرين أن التعويض عن اإلخالل بهذا االلتزام لم يعد‬ ‫يشمل جميع األضرار كما في السابق‪ ،‬ولكن فقط تفويت فرصة تفادي وقوع األضرار‪ .147‬وقد أخذ بهذا‬ ‫التوجه أيضا ً مجلس الدولة في أحكام عدة منها احلكم الصادر بتاريخ ‪ 2‬فبراير ‪.1482011‬‬ ‫‪140‬‬

‫‪A. Le Masson, op. et loc. cit. ; Civ. 1ère, 27 mai 1998, Bull. n° 187.‬‬ ‫‪C. santé publ., art. L. 1111-4.‬‬ ‫‪142‬‬ ‫‪CA Paris, 1re ch., sect. B, 29 sept. 2000, Méd. & Droit, 2001, no 46, p. 29, D. 2001, p. 1585, note Duvert C.‬‬ ‫‪143‬‬ ‫‪Fossier Th. et Harichaux M., La tutelle à la personne des incapables majeurs : l'exemple du consentement à l'acte médical, RDSS‬‬ ‫‪1991, p. 1.‬‬ ‫‪144‬‬ ‫‪M. Harichaux, Droit médical et hospitalier, Fasc. 18, 18-2 : Litec 2001, p. 28 ; P. Sargos‬‬ ‫‪Sur la loi n° 2002-303 du 4 mars 2002 : J.-Cl. Responsabilité civile et Assurances, Fasc. 440-20 ou Civil Code s< Art. 1382 à 1386.‬‬ ‫‪Fasc. 440-20.‬‬ ‫‪145‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 30 janv. 1996, préc. ; CA Paris, 30 sept. 1993 : Gaz. Pal. 1993, 2, somm. p. 596, confirmé par Cass. 1re civ., 30 janv.‬‬ ‫‪1996 : Juris-Data n° 1996-000320.‬‬ ‫‪146‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 11 févr. 1986, no 84-10.845, JCP G 1986, II, no 20775, note Dorsner-Dolivet A., Gaz. Pal. 1986, 1, jur., p. 296, obs. F. C. :‬‬ ‫‪réparation intégrale du préjudice subi par un enfant pour défaut d'information sur un risque de paralysie faciale ; rappr., en ce sens‬‬ ‫‪pour la juridiction administrative : CE, 10 oct. 2005, no 254284, Consorts Groisjean, Resp. civ. et assur. 2006, comm. 31, note Guettier‬‬ ‫‪C. ; voir également, pour les dommages liés à la naissance d'enfants atteints d'handicaps congénitaux inaccessibles aux soins et sur‬‬ ‫‪la position du juge administratif, no413-35 et s.et no411-27.‬‬ ‫‪147‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 7 févr. 1990, no 88-14.797, D. 1991, somm., p. 183, obs. Penneau J. ; Cass. 1re civ., 29 juin 1999, no 97-14.254, JCP G‬‬ ‫‪1999, II, no 10138 ; rappr. Sargos P., Dr. & patr. 1999, no 75, p. 107, note Chabas F. ; Thouvenin D., Les masques de la faute, D. 1999,‬‬ ‫‪jur., p. 559 : défaut d'information sur le risque d'infection nosocomiale, perte d'une chance du patient « d'échapper à une atteinte à son‬‬ ‫‪intégrité physique » ; Cass. 1re civ., 7 déc. 2004, no 02-10.957, D. 2005, p. 406, obs. Penneau J. : la violation d'une obligation‬‬ ‫‪d'information ne peut être sanctionnée qu'au titre de la perte de chance subie, le dommage corporel correspond alors à une fraction‬‬ ‫‪141‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪53‬‬


‫ تغير مسار الفقه والقضاء معتبرين أن التعويض عن اإلخالل بهذا االلتزام لم يعد يشمل جميع‬،‫بعد ذلك‬ ‫؛ ويعفى طبيب األسنان من‬149‫ ولكن يقتصر على تفويت فرصة تفادي وقوع األضرار‬،‫األضرار كما في السابق‬ ‫التعويض إذا ثبت أن اإلجراء الذي اتخذه بالرغم من غياب اإلعالم والنصح هو احلل الذي كان سيوافق عليه‬ ‫ في هذه احلالة األخيرة ال يستحق املريض تعويضا ً ألنه كان‬.150‫املريض فيما لو قام بالتزامه باإلعالم‬ ‫أ من قانون‬-1 ‫ الفقرة‬313 ‫ ونحن نؤيد هذا الرأي إذ أنه يذكرنا بنص املادة‬.151‫سيختار العالج الذي أخضع له‬ ‫) أن‬...( ‫املعامالت املدنية اإلماراتي التي تنص على أن املكلف بالرقابة يدفع املسؤولية عن نفسه "إذا أثبت‬ ‫ فطاملا أن الضرر كان ال بد واقعا ً ولو قام‬."‫الضرر كان ال بد واقعا ً ولو قام بهذا الواجب مبا ينبغي من العناية‬ .‫ فال مبرر ملساءلته‬،‫طبيب األسنان بالتزامه باإلعالم‬ ‫ أنه إذا لم يكن للمريض عالج بديل عن العالج‬2009 ‫ يوليو‬24 ‫ومن ناحيته اعتبر مجلس الدولة في‬ ‫ وهذا ما نؤيده إذ أن الطبيب لم يفوت على املريض فرصة‬.152‫املتبع فال يسأل الطبيب عن تفويت الفرصة‬ .‫اتباع عالج آخر لعدم وجوده‬ ‫ غيرت محكمة النقض مسارها مرةً أخرى معتبرةً أن اإلخالل بااللتزام‬2010 ‫ يونيو‬3 ‫إال أنه وفي‬ ‫ وأن التعويض يشمل جميع األضرار وليس فقط‬،‫ ويجب التعويض عنه‬،‫باإلعالم يلحق أضرارا ً بالدائن به‬ ‫ وتبرر محكمة النقض هذا احلكم بأن هناك ضرر مفترض من جراء عدم إعالم املريض أال‬.153‫تفويت الفرصة‬ ‫ وقد‬.‫وهو انتهاك حقوق اإلنسان األساسية ومنها اﶈافﻈة على كرامة اإلنسان واحلق في سالمة جسده‬ ‫ إال أننا ال نرى ذلك صائبا ً ألن املريض كان ميكن أن يختار ذات العالج لو‬.154‫أيد جانب من الفقه هذا التوجه‬ .‫كان قد أُعلم‬ des différents chefs de préjudice subis ; pour une illustration sous l'empire de la loi du 4 mars 2002, au double visa de l'article 1382 du Code civil et de l'article L. 1111-2 du Code de la santé publique : Cass. 1re civ., 9 févr. 2012, no 10-25.915. Cass. 1re civ., 6 déc. 2007, no 06-19.301, précité : « le seul préjudice indemnisable à la suite du non-respect de l'obligation d'information du médecin, laquelle a pour objet d'obtenir le consentement éclairé du patient, est la perte de chance d'échapper au risque qui s'est finalement réalisé ». 148 CE, 5 janv. 2000, n° 198530, Assistance publique-Hôpitaux de Paris, Rec. Lebon, p. 5, AJDA 2000, p. 180 ; CE, 2 févr. 2011, n° 323970, Mme A contre centre hospitalier Pasteur de Langon). 149 Cass. 1re civ., 6 déc. 2007, no 06-19.301, précité : « le seul préjudice indemnisable à la suite du non-respect de l'obligation d'information du médecin, laquelle a pour objet d'obtenir le consentement éclairé du patient, est la perte de chance d'échapper au risque qui s'est finalement réalisé » ; Cass. 1re civ., 7 févr. 1990, no 88-14.797, D. 1991, somm., p. 183, obs. Penneau J. ; Cass. 1re civ., 29 juin 1999, no 97-14.254, JCP G 1999, II, no 10138 ; rappr. Sargos P., Dr. & patr. 1999, no 75, p. 107, note Chabas F. ; Thouvenin D., Les masques de la faute, D. 1999, jur., p. 559 : défaut d'information sur le risque d'infection nosocomiale, perte d'une chance du patient « d'échapper à une atteinte à son intégrité physique » ; Cass. 1re civ., 7 déc. 2004, no 02-10.957, D. 2005, p. 406, obs. Penneau J. : la violation d'une obligation d'information ne peut être sanctionnée qu'au titre de la perte de chance subie, le dommage corporel correspond alors à une fraction des différents chefs de préjudice subis ; pour une illustration sous l'empire de la loi du 4 mars 2002, au double visa de l'article 1382 du Code civil et de l'article L. 1111-2 du Code de la santé publique : Cass. 1re civ., 9 févr. 2012, no 10-25.915. 150 Cass. 1re civ., 7 oct. 1998, no 97-12.185, JCP G 1998, II, no 10179, concl. Sainte-Rose J., note Sargos P. ; voir également, CA Angers, 11 sept. 1998, D. 1999, jur., p. 46, note Penneau M., statuant sur renvoi de cassation – Cass. 1re civ., 25 févr. 1997, no 94-19.685, Bull. civ. I, no 75, JCP G 1997, I, no 4025, spéc. no 7, obs. Viney G., RTD civ. 1997, p. 434, obs. Jourdain P., Bull. jur. santé publ., févr. 1999, p. 7, note Pansier F.-J. et Bladier J.-B., LPA 1997, no 85, p. 17, note Dorsner-Dolivet A., D. 1997, somm., p. 319, obs. Penneau J., Resp. civ. et assur. 1997, chr. no 8, obs. Lapoyade Deschamps Ch., Gaz. Pal. 1997, 1, jur., p. 274, rapp. Sargos P., note Guigne J., Dr & patr. 1997, no 48, p. 82, obs. Chabas F., D. 1999, somm., p. 259, obs. Mazeaud D. : le patient « dont le père était mort d'un cancer du côlon et dont toute l'attitude démontre qu'il souhaitait se débarrasser tant de troubles abdominaux pénibles que de craintes pour l'avenir n'aurait pas pu raisonnablement refuser cet examen et cette exérèse » 151 Voir par exemple Cass. 1re civ., 6 déc. 2007, n° 06-19.301, Bull. civ. I, n° 380, D. 2008, p. 192, note Sargos P., D. 2008, p. 2894, obs. Jourdain P., D. 2008, p. 804, note Neyret L., D. 2008, p. 1908, note Bacache M. 152 CE, 24 juill. 2009, n° 305372, M. A contre CHU de Nantes. 153 Cass. 1re civ., 3 juin 2010, no 09-13.591 : le non-respect du devoir d'information « cause à celui auquel l'information était légalement due, un préjudice, qu'en vertu du dernier des textes susvisés, le juge ne peut laisser sans réparation ». 154 v. par exemple Porchy-Simon S., Lien causal, préjudices réparables et non-respect de la volonté du patient, D. 1998, chr., p. 379 ; Bacache M., Le défaut d’information sur les risques de l’intervention : quelles sanctions ?, D. 2008, p. 1908 ; Hoquet-Berg S., Les sanctions du défaut d’information en matière médicale, Gaz. Pal. 10 sept. 1998, p. 1121

‫م‬2014 ‫ يوليو‬- ‫هـ‬1436 ‫ رمضان‬:‫ العدد الرابع‬- ‫السنة الثانية‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

54


‫وقد أكدت محكمة النقض على هذا التوجه في أحكام صدرت الحقا ً في ‪ 9‬فبراير ‪ ،2012‬و‪12‬‬ ‫يوليو ‪ ،2012‬و‪ 10‬أبريل ‪.1552013‬‬ ‫وفي ‪ 23‬يناير ‪ ،2014‬غيرت محكمة النقض مسارها؛ فقد حكمت بأن املريض يستحق إلى جانب‬ ‫التعويض عن تفويت فرصة تفادي وقوع الضرر فيما لو كان قد أُعلم باإلجراء ورفض اتباعه‪ ،‬تعويض آخر‬ ‫وهو عدم حتضير املريض لتلك اجملاطر‪ .156‬وهنا تكون محكمة النقض قد أخذت موقفا ً وسطيا ً إذ أنها لم‬ ‫حتكم بالتعويض عن تفويت الفرصة فقط‪ ،‬وال بالتعويض عن جميع األضرار‪ .‬ونحن نرى أن هذا احلل هو‬ ‫األنسب بشرط أن يثبت املريض أن هذا اإلجراء لم يكن اإلجراء الذي كان سيختاره املريض فيما لو مت إعالمه‬ ‫وفقا ً لألصول‪.‬‬ ‫الغصن الثاني‪ :‬حاالت اإلعفاء من االلتزام‬ ‫‪ .37‬ال ميكن لطبيب األسنان إجراء أي عمل طبي إال بعد إعالم املريض‪ .‬ولكن هناك حاالت استثنائية يجب أن‬ ‫تراعى‪ .‬تنص املادة ‪( L. 1111-2‬الفقرة الثانية) من قانون الصحة العامة على أن احلاالت املستعجلة وحالة‬ ‫استحالة إعالم املريض فقط ميكن أن يعفيا املهني من املسؤولية‪ .‬ونحن ال نتفق مع أستاذنا د‪ .‬محمد‬ ‫حسن قاسم الذي فسر عبارة "‪ "l'impossibilité d'informer‬الواردة باملادة ‪ L. 1111-2‬من قانون الصحة العامة على‬ ‫أنها تعني نزول املريض عن حقه في اإلعالم‪ ،157‬بينما هي تعني استحالة إعالم املريض‪.‬‬ ‫وقد أضافت الفقرة الرابعة من املادة ذاتها أن رغبة املريض في عدم احلصول على املعلومات يجب أن‬ ‫حتترم إال إذا كان ذلك ميكن أن يعرض حياة اآلخرين للخطر‪ .‬كما تنص الفقرة الثانية من املادة ‪R. 4127-35‬‬ ‫من قانون الصحة العامة على أنه ميكن للمهني حجب املعلومات عن املريض إذا كان ذلك في مصلحته‪.158‬‬ ‫وقد أكدت املادة ‪( 35‬الفقرة ‪ )2‬من قانون أخالقيات املهنة على هذا االجتاه حيث نصت‪" :‬ملصلحة املريض‬ ‫وألسباب مشروعة يقدرها الطبيب‪ ،‬وفقا ً لضميره‪ ،‬ميكن أن يترك املريض على جهله بالتشخيص أو‬ ‫بالعواقب اخلطيرة للمرض‪ ،‬إال في حاالت األمراض التي قد تعرض الغير خلطر العدوى"‪ .‬ويؤيد الفقه هذا‬ ‫التوجه ملا فيه من تفضيل ملصلحة املريض وال سيما احليلولة دون إصابته بإحباط نفسي أو أي مرض‬ ‫نفسي آخر‪ .159‬فاملشرع قد ترك للطبيب حرية تقدير شخصية املريض وما إذا كان من األفضل ترك املريض‬ ‫على جهله‪ ،‬على أن يكون ذلك مبرراً‪ ،‬حتت طائلة مالحقة الطبيب‪ .‬والهدف من السلطة التقديرية املعطاة‬ ‫للطبيب هو ترك املريض يعيش في جو مشبع باألمل في الشفاء‪ .160‬إال أن املشرع قد استثنى من ذلك‬ ‫األمراض التي قد تعرض الغير خلطر العدوى رحم ًة باﶈيطني باملريض‪.‬‬ ‫‪155‬‬

‫‪Cass. 1re civ., 9 févr. 2012, n° 10-25.915 et Cass. 1re civ., 10 avr. 2013, n° 12-14.813 ; v. toutefois Hocquet-Berg S., La perte de‬‬ ‫‪chance découlant du défaut d’information médicale toujours active !, http://www.revuegeneraledudroit.eu/?p=9878, obs. sous Cass. 1re‬‬ ‫‪civ., 10 avr. 2013, n° 12-14.813.‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 12 juill. 2012, n° 11-17.510, Bull. civ. I, n° 165, JCP G 2012, n° 40, 1036, note Sargos P., JCP G 2012, n° 17, 2066, obs.‬‬ ‫‪Stoffel-Munck Ph., D. 2012, p. 2277, note Bacache M., D. 2013, p. 42, obs. Gout O.‬‬ ‫‪156‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 23 janv. 2014, n° 12-22.123:‬‬ ‫‪« indépendamment des cas dans lesquels le défaut d’information sur les risques inhérents à un acte d’investigation, de traitement ou‬‬ ‫‪de prévention a fait perdre au patient une chance d’éviter le dommage résultant de la réalisation de l’un de ces risques, en refusant‬‬ ‫‪qu’il soit pratiqué, le non-respect, par un professionnel de santé, de son devoir d’information cause à celui auquel l’information était‬‬ ‫‪due, lorsque ce risque se réalise, un préjudice résultant d’un défaut de préparation aux conséquences d’un tel risque, que le juge ne‬‬ ‫‪peut laisser sans réparation ».‬‬ ‫‪ 157‬د‪ .‬محمد حسني قاسم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.58‬‬ ‫‪158‬‬ ‫‪« dans l'intérêt du malade et pour des raisons légitimes que le praticien apprécie en conscience, un malade peut être tenu dans‬‬ ‫‪l'ignorance d'un diagnostic ou d'un pronostic graves ».‬‬ ‫‪159‬‬ ‫‪P. Sargos, J.-Cl. Responsabilité civile et Assurances, Fasc. 440-30 ou Civil Code, Art. 1382 à 1386, Fasc. 440-30.‬‬ ‫‪ 160‬د‪ .‬مجدي حسن خليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.67‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪55‬‬


‫وفي عام ‪ 1998‬و‪ 2001‬أصدرت محكمة النقض حكمني اعتبرت فيهما أنه في غير احلاالت‬ ‫املستعجلة (كحالة نزيف الدم الشديد مثال ً) أو احلالة التي يرفض فيها املريض أن يتلقى املعلومات‪ 161‬ال‬ ‫يعفى طبيب األسنان من من هذا االلتزام ولو تذرع بأن اجملاطر هذه ال حتصل إال نادرا ً‪ .162‬إال أن اﶈكمة ذاتها‬ ‫أصدرت حكما ً عام ‪ 2000‬معتبرةً أنه يعفى املهني من القيام بالتزامه هذا إذا رأى أن ذلك في مصلحة‬ ‫املريض استنادا ً لطبيعة مرضه ولشخصيته‪ .163‬وقد أيد الفقه هذا التوجه‪.164‬‬ ‫وجتدر اإلشارة هنا أيضا ً إلى أنه يعفى طبيب األسنان من التزامه في حاالت الزرع‪ ،‬حيث اعتبرت‬ ‫محكمة ‪ Grenoble‬الفرنسية أن االلتزام باإلعالم في هذه احلاالت يقع على عاتق اجملتص بالزراعة الذي‬ ‫يستعني به طبيب األسنان دون غيره‪ .165‬فعلى هذا األخير إعالم املريض بكل ما يتعلق بأمور الزرع‪.166‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬أحكام مسؤولية طبيب األسنان‬ ‫‪ .38‬إذا خالف طبيب األسنان أيا من االلتزامات امللقاة على عاتقه تترتب مسؤوليته‪ .‬ولكن قد يعفى من‬ ‫املسؤولية في حاالت عدة‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬آثار ترتب مسؤولية طبيب األسنان‬ ‫‪ .39‬مسؤولية تضامنية‪– .‬‬ ‫إذا توفرت شروط املسؤولية بالنسبة لطبيب األسنان وممارس آخر تدخل في العالج تكون‬ ‫مسؤولية طبيب األسنان تضامنية‪ 167‬مع مسؤولية املمارس اآلخر مثل فني األسنان أو اجملتص في أمراض‬ ‫الفم واألسنان أو طبيب العيون‪ 168‬أو أي طبيب آخر‪ .‬وقد اعتبرت محكمة ‪ Aix-en-Provence‬أن خطأ‬ ‫جراحي األسنان اللذين تدخال في عالج املريض يؤدي إلى توزيع املسؤولية فيما بينهما بالتضامن‪169‬؛ وقد‬ ‫أكدت على ذلك محكمة استئناف باريس معتبرةً أن خطأ طبيب األسنان وخطأ زميله الذي حل مكانه‬ ‫يؤديان إلى توزيع املسؤولية بالتضامن بينهما؛ ففي الوقائع‪ :‬أوهم أحد اجلراحني املريضة بأن زميله الذي‬ ‫سيحل مكانه في اإلجازة قادر على إجراء التدخل املطلوب أثناء اإلجازة في حني أن صور األشعة تثبت‬ ‫العكس نظرا ً حلالة املريضة؛ أما الطبيب الثاني الذي حل مكان األول فلم يراع األصول العلمية في عمله‪.‬‬

‫‪161‬‬

‫‪Cass. 1re civ., 7 oct. 1998, no 97-10.267, D. 1999, jur., p. 145, note Porchy-Simon S. et CE, sect., 5 janv. 2000, no 181.899, Consorts‬‬ ‫‪Telle ; CE, sect., 5 janv. 2000, no 198.530, Assistance publique – Hôpitaux de Paris, JCP G 2000, II, no 10271, note Moreau J.‬‬ ‫‪162‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 7 oct. 1998, no 97-10.267, précité ;comp.Cass. 1re civ., 9 oct. 2001, no 00-14.553, Resp. civ. et assur. 2002, comm.‬‬ ‫‪o‬‬ ‫‪n 374.‬‬ ‫‪163‬‬ ‫‪Civ. 1ère, 23 mai 2000, Bull. n° 159 rapport annuel 2000 p.377.‬‬ ‫‪164‬‬ ‫‪P. Sargos, op. et loc. cit.‬‬ ‫‪165‬‬ ‫‪CA Grenoble, 3 oct. 2000 : Juris-Data n° 2000-150040.‬‬ ‫‪166‬‬ ‫‪F. Alla et B. Py, Droit de la santé. Textes juridiques : Éd. PUF., Col. Que sais-je n° 3215, 1997, p. 39.‬‬ ‫‪167‬‬ ‫‪F. Alla et B. Py, op. cit., p. 73 ; CA Paris, 29 avr. 1997 : Juris-Data n° 1997-021501.‬‬ ‫‪168‬‬ ‫‪CA Paris, 9 févr. 1995 : Juris-Data n° 1995-020297.‬‬ ‫‪169‬‬ ‫‪CA Aix-en-Provence, 1er oct. 1996 : Juris-Data n° 1996-045214.‬‬

‫‪56‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫وبنا ًء على ذلك اعتبرت اﶈكمة أن االثنني قد ارتكبا خطأ وتكون مسؤوليتهما تضامنية‪ .170‬وقد أيد الفقه‬ ‫الفرنسي ذلك‪.171‬‬ ‫‪ .40‬التعويض عن اخلسارة والكسب الفائت وتفويت الفرصة‪– .‬‬ ‫في حال ترتب مسؤولية طبيب األسنان‪ ،‬فهو يسأل عن اخلسارة والربح الفائت وعن تفويت‬ ‫الفرصة وفقا ً لألحكام العامة‪172‬؛ فقد اعتبرت محكمة استئناف ‪ Rennes‬أن الطبيب ‪-‬الذي يستغرق فترة‬ ‫‪ 4‬أشهر دون أن يخفف ألم مريضه ثم يحيله بعد ذلك إلى اختصاصي آخر ‪ -‬قد فوت فرصة العالج‬ ‫وتخفيف ألم املريض طيلة هذه الفترة‪.173‬‬ ‫‪ .41‬استرجاع نفقات العالج‪– .‬‬ ‫إضاف ًة للتعويض املنصوص عليه في القواعد العامة‪ ،‬يعتبر استرجاع نفقات العالج نوعا خاصا‬ ‫من التعويض املتعلق بعالج األسنان؛ فإذا لم ينل العالج رضى املريض‪ ،‬ميكن أن يلزم طبيب األسنان برد‬ ‫نفقات العالج إلى املريض‪ ،174‬أو إعفاء املريض من تسديد النفقات‪ .175‬كما ميكن تخفيض كلفة العالج إذا‬ ‫تخللته بعض األخطاء‪.176‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬إعفاء طبيب األسنان من املسؤولية‬

‫‪ .42‬إضافة إلى القوة القاهرة التي تقطع عالقة السببية بني اخلطأ والضرر‪ ،‬يعفى طبيب األسنان من‬ ‫املسؤولية في حال ثبت فعل املريض أو الغير‪.‬‬ ‫يؤدي فعل املريض أحيانا ً إلى إعفاء طبيب األسنان من املسؤولية؛ فقد اعتبرت محكمة استئناف‬ ‫‪ Metz‬أنه إذا امتنع املريض عن إخبار طبيب األسنان بأنه يعاني من مرض وراثي يجعله ال يقوى على حتمل‬ ‫نوع معني من التخدير‪ ،‬ما أدى إلى وفاته بعد يوم واحد من استعمال الطبيب للمخدر‪ ،‬يعفى هذا األخير‬ ‫من املسؤولية إذ أن الوفاة حصلت بفعل املريض‪ .177‬إال أننا نرى بأنه ليس على املريض التزام بإعالم الطبيب‬ ‫فحسب‪ ،‬بل على الطبيب أيضا ً التزام باالستعالم‪178‬؛ فإذا استعلم الطبيب من املريض إال أن هذا األخير لم‬ ‫يعلمه على الرغم من ذلك‪ ،‬فال يسأل طبيب األسنان في هذه احلالة‪.‬‬ ‫كما اعتبرت محكمة استئناف باريس أنه إذا نتج الضرر عن خطأ املريض الذي قطع العالج في مرحلة‬ ‫مهمة ال يتحمل طبيب األسنان املسؤولية‪ ،‬بل يتحمل املريض نتيجة خطئه‪.179‬‬ ‫وقد اعتبرت محكمة االستئناف في ‪ Aix-en-Provence‬أن طبيب األسنان الذي يواجه مشكلة في‬ ‫تشخيص املرض‪ ،‬ويطلب استشارة زمالء له بالتخصص‪ ،‬ويحدد موعدا آخر للمريض إال أن هذا األخير لم‬ ‫يحضر بالرغم من االتصال به هاتفياً‪ ،‬ال يسأل عن الضرر الذي أصاب املريض‪.180‬‬ ‫‪170‬‬

‫‪CA Paris, 1er déc. 1995 : JCP G 1997, II, 22760, note H. Vray.‬‬ ‫‪J.-M. Kornprobst, Les auxiliaires médicaux : Masson 2013, p. 118.‬‬ ‫‪172‬‬ ‫‪J.-M. Kornprobst, op. cit., p. 115.‬‬ ‫‪173‬‬ ‫‪CA Rennes, 8 mars 2000 : Juris-Data n° 2000-113569.‬‬ ‫‪174‬‬ ‫‪TGI Paris, 19 sept. 1994 : Juris-Data n° 1994-047355.‬‬ ‫‪175‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 25 avr. 1990 : Juris-Data n° 1990-002246.‬‬ ‫‪176‬‬ ‫‪CA Paris, 2 mai 2000 : Juris-Data n° 2000-135561.‬‬ ‫‪177‬‬ ‫‪CA Metz, ch. des appels correctionnels, 22 sept. 1989 : Juris-Data n° 1989-047784.‬‬ ‫‪178‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 5 mars 2015, n. 14-13.292.‬‬ ‫‪179‬‬ ‫‪CA Paris, 8 févr. 1991 : JCP G 1992, II, 21788, note G. Mémeteau.‬‬ ‫‪171‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪57‬‬


‫كما ميكن إعفاء طبيب األسنان من املسؤولية إذا كان املريض غير متجاوب مما يشكل خطأ من هذا األخير‬ ‫طاملا أن عدم جتاوبه هو الذي سبب حصول الضرر‪ .181‬فعلى املريض االلتزام بالتعاون مع الطبيب؛ فاملريض‬ ‫الذي يرفض احلضور إلى العيادة إلجراء التعديالت املقترحة من طبيب األسنان هو غير متعاون‪ ،‬األمر الذي‬ ‫يعفي هذا األخير من املسؤولية طاملا أن عدم التعاون هو الذي أدى إلى حصول الضرر‪ ،‬وهذا األمر طبيعي إذ‬ ‫أن اقتراح التعديالت يؤكد أن طبيب األسنان يسعى لبذل العناية املطلوبة‪ ،‬ويعتبر عدم جتاوب املريض‬ ‫السبب املباشر والوحيد للضرر‪.182‬‬ ‫جتدر اإلشارة هنا إلى أن اشتراط املريض كلفة منخفضة للعالج ال يعتبر خطأ وبالتالي ال يبرئ‬ ‫الطبيب من املسؤولية جراء ارتكابه خطأ ما؛ والقول بغير ذلك يكون مخالفا ً للمادة ‪ 1147‬من القانون‬ ‫املدني الفرنسي‪ .‬فقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية أن اختيار الطبيب "لتركيبة اصطناعية"‬ ‫متحركة منسجمة مع القدرات املادية للمريض علما ً أنه كان من األفضل استعمال "تركيبة اصطناعية"‬ ‫ثابتة يرتب مسؤولية الطبيب‪.183‬‬ ‫كما ميكن إعفاء طبيب األسنان من املسؤولية إذا بذل العناية املطلوبة (في احلاالت التي يكون‬ ‫فيها التزامه التزاما ببذل عناية) أو كان الضرر احلاصل ناجتا ً عن فعل طبيب آخر‪.184‬‬ ‫ولقد أصدرت اﶈاكم الفرنسية عدة قرارات مفادها عدم مساءلة طبيب األسنان على الرغم من‬ ‫عدم تنفيذه اللتزامه بإعالم املريض؛ فاعتبرت محكمة استئناف ‪ Aix-en-Provence‬أن طبيب األسنان‬ ‫يعفى من املسؤولية جراء عدم إعالمه املريض إذا لم تتوفر خيارات أخرى للعالج املقترح‪ .185‬ونرى أن ذلك‬ ‫منطقي إذ أن املريض كان سيختار هذا العالج املقترح لعدم توفر غيره‪.‬‬ ‫كما اعتبرت محكمة استئناف ‪ Toulouse‬أن طبيب األسنان ال يسأل طاملا أن خطأه باالمتناع عن‬ ‫إعالم املريض كان يسيرا ً وأن املريضة لم تثبت أنها كانت ستغير رأيها لو أن طبيب األسنان قد أعلمها‪186‬؛‬ ‫كما اعتبرت محكمة استئناف ‪ Aix-en-Provence‬في ‪ 2‬أبريل ‪ 1997‬أنه ال يسأل عن عدم التزامه بإعالم‬ ‫املريضة طاملا أن هذه األخيرة رفضت التركيبة االصطناعية لسبب جتميلي‪ ،187‬وهذا ما ال نراه صائبا ً إذ من‬ ‫حق املريضة أن يعلمها طبيب األسنان بكل ما يتعلق بالتركيبة االصطناعية وال سيما الشق التجميلي‪.‬‬

‫‪180‬‬

‫‪CA Aix-en-Provence, 15 mars 1995 : Juris-Data n° 1995-041059 ; Cass. 1re civ., 10 déc. 1996, no 95-13.154, GAMM infos, déc. 1998,‬‬ ‫‪no spéc. Odontologie, p. 6, note Dumont M. ; Cass. 1re civ., 10 déc. 2002, no 01-02.187 ; Cass. 1re civ., 17 janv. 2008, no 06-20.107,‬‬ ‫‪RLDC 2008/47, no 2904.‬‬ ‫‪181‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 17 oct. 1995 : RD sanit. soc. 1996, p. 523, obs. L. Dubouis.‬‬ ‫‪182‬‬ ‫‪CA Grenoble, 18 mai 1989 : Juris-Data n° 1989-044518.‬‬ ‫‪CA Montpellier, 23 sept. 1993 : Juris-Data n° 1993-034802. – Même sens CA Lyon, 6 févr. 2003, préc.‬‬ ‫‪183‬‬ ‫‪Cass. 1re civ., 19 déc. 2000 : Juris-Data n° 2000-007494, cassant CA Metz, 4 sept. 1997.‬‬ ‫‪184‬‬ ‫‪CA Paris, 26 oct. 1994 : Juris-Data n° 1994-023630.‬‬ ‫‪185‬‬ ‫‪CA Aix-en-Provence, 10 avr. 2001 : Juris-Data n° 2001-142054.‬‬ ‫‪186‬‬ ‫‪CA Toulouse, 2 juill. 2002 : Juris-Data n° 2002-195514. – Même sens, CA Toulouse, 4 nov. 2002, préc.‬‬ ‫‪187‬‬ ‫‪CA Aix-en-Provence, 2 avr. 1997 : Juris-Data n° 1997-041492.‬‬

‫‪58‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫خامتة‬ ‫خلصت الدراسة إلى النتائج والتوصيات اآلتية‪:‬‬ ‫أ‪ .‬النتائج‬ ‫‪-1‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫‪-3‬‬ ‫‪-4‬‬ ‫‪-5‬‬

‫‪-6‬‬

‫‪-7‬‬

‫‪-8‬‬

‫‪-9‬‬

‫‪-10‬‬

‫بعد صدور القانون رقم ‪ 2002-303‬أصبحت املادة ‪ L. 1142-1‬من قانون الصحة العامة تنص في‬ ‫فقرتها األولى على أن مسؤولية من ميارسون املهن الصحية تقوم على اخلطأ واجب اإلثبات‪.‬‬ ‫منذ صدور حكم ‪ Mercier‬عن محكمة النقض الفرنسية‪ ،‬بات األساس القانوني ملسؤولية طبيب‬ ‫األسنان هو املسؤولية العقدية والعنصر األول فيها اخلطأ‪ .‬ومع ذلك فقد تترتب املسؤولية في‬ ‫حاالت محددة من دون ارتكاب خطأ‪.‬‬ ‫قد يسأل طبيب األسنان على أساس املسؤولية التقصيرية إذا لم تربطه باملضرور عالقة عقدية‬ ‫كمن يتضرر من فعل ممرضة تعمل في املشفى الذي تعاقد معه‪.‬‬ ‫في القانون الفرنسي حتجب املسؤولية العقدية املسؤولية التقصيرية‪ .‬فال مجال ملالحقة شخص‬ ‫على أساس املسؤولية التقصيرية إذا كانت شروط املسؤولية العقدية متوفرة في حقه‪.‬‬ ‫على الرغم من أن اخلطأ هو مبدئيا ً األساس القانوني ملسؤولية طبيب األسنان حسبما جاء في‬ ‫املادة ‪( L. 1142-1‬الفقرة األولى) من قانون الصحة العامة‪ ،‬إال أن القضاء الفرنسي قد فسر هذا‬ ‫النص وحدد األساس القانوني لتلك املسؤولية على حسب التزامات طبيب األسنان‪.‬‬ ‫أن التزام طبيب األسنان بشأن تقدمي عناية تتفق والضمير اإلنساني واملهني واألصول العلمية‬ ‫الثابتة واملتوفرة هو التزام ببذل عناية‪ .‬أما التزامه بإيجاد التركيبات االصطناعية كالوجبات مثالً‪،‬‬ ‫فهو التزام بتحقيق نتيجة‪ ،‬في حني أن التزامه بتثبيتها أو تركيبها هو التزام ببذل عناية‪ .‬أما إذا‬ ‫ارتبط الضرر بآلة استخدمها طبيب األسنان فال يكون قد راعى االلتزام بضمان السالمة وهو‬ ‫التزام بتحقيق نتيجة‪.‬‬ ‫إضاف ًة إلى هذه االلتزامات يقع على عاتق طبيب األسنان التزام بإعالم املريض كالذي يقع على‬ ‫عاتق الطبيب‪ ،‬وهو ليس التزاما ً مطلقا ً بل يقتصر على املعلومات التي ميكن أن يتحملها املريض‬ ‫نفسياً‪ ،‬مع خصوصية أدخلها القانون الصادر في ‪ 4‬مارس ‪.2002‬‬ ‫إضاف ًة إلى هذه االلتزامات يقع على عاتق طبيب األسنان التزام بإعالم املريض كالذي يقع على‬ ‫عاتق الطبيب‪ ،‬مع خصوصية أدخلها القانون الصادر في ‪ 4‬مارس ‪ ،2002‬وهي اتباع األصول العلمية‬ ‫املتوفرة‪.‬‬ ‫غير القضاء الفرنسي مساره في حكم صدر في ‪ 17‬يناير ‪ 2008‬معتبرا ً أن وجود الضرر يكفي‬ ‫لقيام قرينة خطأ ارتكبه طبيب األسنان‪ ،‬وهي قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس‪ .‬وفي ‪ 24‬أبريل‬ ‫‪ 2013‬أصدرت محكمة النقض حكما ً اعتبرت فيه أن األساس القانوني للمسؤولية هو اخلطأ‬ ‫واجب اإلثبات‪ ،‬وبالتالي تكون قد عادت إلى احلل األقدم‪.‬‬ ‫استثنا ًء من املبدأ‪ ،‬أجازت محكمة النقض الفرنسية في بعض احلاالت قيام مسؤولية طبيب‬ ‫األسنان وإن لم يرتكب أي خطأ؛ فابتالع املريض لعصب أثناء تدخل طبيب األسنان يرتب مسؤولية‬ ‫هذا األخير حتى وإن لم يرتكب أي خطأ‪ .‬كما أن إحلاق أي ضرر بعضلة فم املريض أثناء قلع أضراس‬ ‫العقل يرتب مسؤولية طبيب األسنان حتى وإن لم يرتكب أي خطأ‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪59‬‬


‫‪-11‬‬

‫توسع القضاء الفرنسي في تفسير نص املادة ‪ L. 1111-2‬من قانون الصحة العامة‪ ،‬فقد أقر منذ‬ ‫فترة طويلة أن على طبيب األسنان إعالم مريضه ‪ -‬قبل البدء بالعناية بأسنانه أو تثبيت تركيبة‬ ‫اصطناعية في فمه ‪ -‬باجملاطر واملعاناة اﶈتملة‪ ،‬وعلى سبيل املثال مخاطر خلع ضرس العقل‪ ،‬وإن‬ ‫كانت ال حتصل إال على سبيل االستثناء‪ .‬وبتاريخ ‪ 5‬مارس ‪ 2015‬أصدرت محكمة النقض حكما ً‬ ‫ألزمت فيه الطبيب بوجوب االستعالم عن حالة املريض قبل إخباره عن مخاطر التدخل الطبي‬ ‫اﶈتمل‪.‬‬ ‫تنص املادة ‪ L. 1111-3‬من قانون الصحة العامة على ضرورة إعالم املريض حول الكلفة املتوقعة‬ ‫قبل إجراء أي تدخل‪ ،‬والنسبة التي يدفعها التأمني الصحي والضمان االجتماعي‪.‬‬ ‫اإلعالم بواسطة لغة تقنية علمية يعتبر كأنه لم يكن إال إذا فهم املريض ما هو مقصود منها‪.‬‬ ‫ال يحق لطبيب األسنان إجراء أي تدخل إال في حدود موافقة املريض دون جتاوزها‪.‬‬ ‫إذا رفض املريض العالج أو متابعته‪ ،‬على املهني أن ينصحه بإصرار إذا كان قراره يعرض حياته‬ ‫للخطر (الفقرة الثانية من املادة ‪ L. 1111-4‬من قانون الصحة العامة)‪ .‬وميكن للمهني أن يجري‬ ‫رغم ذلك العالج الضروري ‪ les soins indispensables‬إذا كان اعتراض املريض قد يسبب نتائج‬ ‫جسيمة وضارة (املادة ‪ L. 1111-4‬الفقرة اخلامسة من قانون الصحة العامة)‪.‬‬ ‫في ‪ 23‬يناير ‪ ،2014‬غيرت محكمة النقض مسارها؛ فقد حكمت بأن املريض يستحق إلى جانب‬ ‫التعويض عن تفويت فرصة تفادي وقوع الضرر فيما لو كان قد أُعلم باإلجراء ورفض اتباعه‪،‬‬ ‫تعويض آخر وهو عدم حتضير املريض لتلك اجملاطر‪.‬‬ ‫التزام الطبيب باإلعالم هو التزام بنتيجة مفروض عليه‪ ،‬وال يعفى منه حتى في حال وجود النشرة‬ ‫الطبية املرفقة بالدواء‪ .‬وقد أيدت محكمة النقض هذا االجتاه بأحكام عديدة منها ما هو صادر‬ ‫بتاريخ ‪ 23‬يناير ‪.2014‬‬

‫‪-12‬‬ ‫‪-13‬‬ ‫‪-14‬‬ ‫‪-15‬‬

‫‪-16‬‬

‫‪-17‬‬

‫ب‪ .‬توصيات‬ ‫‪-1‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪-3‬‬

‫‪-4‬‬ ‫‪-5‬‬ ‫‪-6‬‬

‫‪60‬‬

‫اعتماد قرينة اخلطأ كأساس ملسؤولية طبيب األسنان ألن ذلك يعفي املضرور من عبء إثبات اخلطأ‬ ‫وهو أمر صعب على املريض‪.‬‬ ‫عدم اعتبار مسؤولية طبيب األسنان مفترضة كما فعلت محكمة النقض في حكمني‪ ،‬ملا في‬ ‫ذلك من إجحاف في حقه وخروج عن املبادئ العامة‪ ،‬والقول بغير ذلك من شأنه أن يثير اخلوف‬ ‫والقلق لدى األطباء حيال القيام بأي عمل ضمن تخصصهم فيخافون من مساءلتهم رغم‬ ‫مراعاتهم لألصول العلمية املتوفرة‪.‬‬ ‫ضبط نص املادة ‪ L.1111-2‬من قانون الصحة العامة الفرنسي لكي يتناول االلتزام باإلعالم كل‬ ‫العالجات أو اخلطوات املقترحة‪ ،‬وفعاليتها‪ ،‬ومدى ضروريتها‪ ،‬وما إذا كان من الضروري القيام بها‬ ‫على عجلة‪ ،‬واجملاطر العادية أو اجلسيمة املتوقعة فقط وغير االستثنائية‪ ،‬والنتائج املتوقعة في‬ ‫حال رفض املريض املثول للعالج‪.‬‬ ‫تقنني نص تشريعي بعدم االعتداد باإلعالم بواسطة لغة تقنية علمية ألنها ال تكون عادة‬ ‫مفهومة بالنسبة للمريض‪.‬‬ ‫إجبار املريض على متابعة العالج حتى لو رفض من دون مبرر طاملا أن اعتراضه قد يسبب نتائج‬ ‫جسيمة وضارة‪ ،‬النسجامه مع جميع الشرائع السماوية والدساتير الدولية‪.‬‬ ‫عدم اتباع احلل الذي كرسته محكمة النقض في ‪ 3‬يونيو ‪ ،2010‬واعتبار التعويض جراء اإلخالل‬ ‫بااللتزام باإلعالم يقتصر على تفويت فرصة تفادي وقوع األضرار وال يشمل األَضرار الواقعة‪ ،‬ويعفى‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫طبيب األسنان من التعويض إذا ثبت أن اإلجراء الذي اتخذه بالرغم من غياب اإلعالم والنصح هو‬ ‫احلل الذي كان سيوافق عليه املريض فيما لو قام بالتزامه باإلعالم‪ .‬فطاملا أن الضرر كان ال بد واقعا ً‬ ‫ولو قام طبيب األسنان بالتزامه باإلعالم‪ ،‬فال مبرر ملساءلته‪.‬‬ ‫‪ -7‬التأكيد على حق "املريضة" أن يعلمها طبيب األسنان بكل ما يتعلق بالتركيبة االصطناعية وال‬ ‫سيما الشق التجميلي خالفا ً لبعض األحكام القضائية‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪61‬‬


‫‪ -1‬املراجع العربية‬

‫قائمة املراجع‬

‫أ‪ -‬املراجع العامة‬ ‫ د‪ .‬سمير عبد السيد تناغو‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬منشأة املعارف – االسكندرية‪ ،‬سنة ‪.2005‬‬‫ د‪ .‬مجدي حسن خليل‪ ،‬مدى فعالية رضاء املريض في العقد الطبي‪ ،‬دار النهضة العربية‪.2000 ،‬‬‫ب‪ -‬املراجع املتخصصة‬ ‫‬‫ د‪ .‬محسن عبد احلميد إبراهيم البيه‪ ،‬نظرة حديثة إلى خطأ الطبيب املوجب للمسئولية املدنية‬‫في ظل القواعد القانونية التقليدية‪ ،‬دائرة املعارف‪ ،‬ط‪.1993 ،1‬‬ ‫ د‪ .‬محمد حسن قاسم‪ ،‬الطب بني املمارسة وحقوق اإلنسان‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة‪.2012 ،‬‬‫ د‪ .‬محمد السعيد رشدي‪ ،‬عقد العالج الطبي‪ ،‬دائرة املعارف‪.1986 ،‬‬‫ د‪ .‬محمد فائق اجلوهري‪ ،‬املسؤولية الطبية في قانون العقوبات‪ ،‬رسالة دكتوراه‪.1952 ،‬‬‫ املستشار منير رياض حنا‪ ،‬املسؤولية املدنية لألطباء واجلراحني في ضوء القضاء والفقه الفرنسي‬‫واملصري‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬ط‪.2008 ،1‬‬ ‫‪2- En droit français‬‬ ‫‪A. Ouvrages généraux, traités et manuels‬‬ ‫‪Jean Almeras, Henri Pequignot,‬‬

‫‪La déonotlogie médicale, Litec, 1996.‬‬ ‫‪F. Alla et B. Py‬‬ ‫‪Droit de la santé. Textes juridiques : Éd. PUF., Col. Que sais-je n° 3215, 1997.‬‬ ‫‪J.-M. Auby‬‬ ‫‪Le droit de la santé : PUF, 1981.‬‬ ‫‪J.-M. Auby‬‬ ‫‪Traité de droit médical et hospitalier : Litec, 1996.‬‬ ‫‪J.-M. de Forges‬‬ ‫‪Le droit de la santé : Col. Que sais-je, PUF, 1997.‬‬ ‫‪A. Demichel‬‬ ‫‪Le droit de la santé, les études hospitalières, 1998.‬‬

‫‪62‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫‪M. Harichaux‬‬ ‫‪Droit médical et hospitalier, Fasc. 18, 18-2 : Litec 2001.‬‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


G. Mémeteau Le droit médical : Litec 1985. P. Sargos Sur la loi n° 2002-303 du 4 mars 2002 : J.-Cl. Responsabilité civile et Assurances, Fasc. 440-20 ou Civil Code s< Art. 1382 à 1386. Fasc. 440-20 ; J.-Cl. Responsabilité civile et Assurances, Fasc. 440-30 ou Civil Code, Art. 1382 à 1386, Fasc. 440-30.

B. Références spéciales Bacache M. Le défaut d’information sur les risques de l’intervention : quelles sanctions ?, D. 2008, p. 1908. F. Bouvier Les prothèses et le droit : Gaz. Pal. 2012, 2, doctr. p. 1074. J.-C. Chardon Les responsabilités du chirurgien-dentiste : Prélat 2010.

Hoquet-Berg S. Les sanctions du défaut d’information en matière médicale, Gaz. Pal. 10 sept. 1998, p. 1121. J.-M. Kornprobst Les auxiliaires médicaux : Masson 2013. A. Le Masson L'art dentaire et la jurisprudence : Gaz. Pal. 2007, 2 doctr. p. 948. G. Mémeteau Prothèse et responsabilité du médecin : D. 2014, chron. p. 9. Prothèses dentaires : obligation de résultat du chirurgien-dentiste mais nécessité de prouver le lien de causalité entre son intervention et le trouble : JCP G 1992, II, 21788. Olivier Prothèse dentaire, obligation de résultat, obligation de moyens : Journ. méd. lég. 1981, 251.

Porchy-Simon S. Lien causal, préjudices réparables et non-respect de la volonté du patient, D. 1998, chr., p. 379.

63

‫ دولة اإلمارات العربية املتحدة‬- ‫ جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬،‫تصدر عن كلية القانون‬


‫‪64‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫البناء على أرض الغير في قانون المعامالت‬ ‫المدنية اإلماراتيّ والقانون المدنيّ المصريّ‬ ‫دراسة مقارنة‬

‫د‪ .‬عيسى غسان الرّبضي‬

‫أستاذ القانون املدني املساعد‬ ‫كلية القانون _ جامعة عجمان للعلوم وال ّتكنولوجيا‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪65‬‬


‫‪66‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫مقدمة‬ ‫إما أن يكون طبيعيا‪ ،‬ويحدث ذلك‬ ‫يعتبر االتّصال سببا من أسباب كسب امللكية‪ ،‬و االتّصال ّ‬ ‫بفعل عوامل الطبيعة‪ ،‬وبه يتصل منقول بعقار كانزالقات األتربة‪ ،‬أو يكون بفعل اإلنسان‪ ،‬ويكون ذلك‬ ‫باتّصال منقول بعقار كمن يغرس غراسا بأرض اآلخر أو يقيم عليها بناء‪ ،‬أو اتصال منقول مبنقول كخلط‬ ‫زيت بزيت‪ .‬ونحدد بحثنا على حالة واحدة من حاالت االتّصال بفعل اإلنسان وهي قيام الشخص بالبناء‬ ‫على أرض اآلخر مبواد من عنده‪ ،‬دون أن يكون له احلق في إقامته‪.‬‬

‫مشكلة البحث‬

‫إذا كانت هنالك عالقة تعاقدية ما بني الباني ومالك األرض على إقامة البناء أو على مصيره بعد‬ ‫إقامته فال تثار أية مشكلة؛ ففي حال النزاع نحتكم لبنود االتفاق‪ ،‬لكن احلال ليس كذلك إذا لم تكن هذه‬ ‫العالقة موجودة بينهما‪.‬‬ ‫إن البناء على أرض الغير من األفعال التي مينع على األشخاص القيام بها‪ ،‬وفي حال حصولها‬ ‫يعتبر ذلك تعديا على أموال الغير‪ ،‬مما قد يحدث نزاعا ما بني الباني ومالك األرض على ملكية البناء‪،‬‬ ‫فمشكلة البحث _إذا_ تكمن في حتديد مصير هذا البناء الذي أقامه الباني على أرض اآلخر لكي نتفادى‬ ‫حصول املنازعات بني الباني ومالك األرض‪.‬‬

‫منهجية البحث‬

‫استخدم الباحث املنهج التحليلي املقارن في كتابة البحث‪ ،‬حيث قارن بني أحكام البناء على أرض‬ ‫الغير في قانون املعامالت املدنية اإلماراتي والقانون املدني املصري‪ ،‬وتوصل في هذه املقارنة إلى أوجه االتفاق‬ ‫واالختالف بني هذه األحكام‪ ،‬وبني نقاط الضعف في كل من القانونني والنقاط األكثر تناسبا وحتقيقا‬ ‫للعدالة سواء للباني أو ملالك األرض‪.‬‬

‫خطة البحث‬

‫بني الباحث فيه املقصود بالغير جتاه مالك األرض‪ ،‬وكذلك‬ ‫قسم البحث إلى‪ :‬مبحث متهيدي ّ‬ ‫املقصود بالبناء والشروط الواجب توافرها لتطبيق أحكام االتّصال‪ ،‬و مبحثني آخرين؛ املبحث األوّل‪:‬‬ ‫أحكام الباني سيء النّ ّية‪ ،‬ومت تقسيمه إلى مطلبني‪ ،‬األوّل‪ :‬املقصود بسوء نية الباني ‪ ،‬والثّاني‪ :‬آثار ثبوت‬ ‫سوء نية الباني‪ .‬واملبحث الثّاني ‪ :‬أحكام الباني حسن النّ ّية ‪ ،‬ومت تقسيمه إلى مطلبني‪ ،‬األوّل‪ :‬املقصود‬ ‫بحسن نية الباني‪ ،‬والثّاني‪ :‬آثار ثبوت حسن نية الباني‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪67‬‬


‫مبحث ّمتهيد ّي‬

‫عناصر البناء على أرض الغير‬

‫اإلماراتي‪ ،‬واملصر ّي في باب االتّصال [االلتصاق] أحكاما تفصيلية في حالة ما إذا أقام‬ ‫نظم املشرّعان‬ ‫ّ‬ ‫شخص بناء مبواد من عنده على أرض ليست ملكه‪ ،‬واحلال أنه ليس له احلق في إقامة هذا البناء ؛ ولكي‬ ‫تطبق هذه األحكام اشترط املشر ّعان_ ابتداء_ توافر عنصرين أساسيني هما‪ :‬البناء و الغير‪.‬‬ ‫وقد حرص الفقه القانوني عند شرح األحكام املتعلقة بالبناء عدة شروط‪ ،‬فقد أجمعوا على أنه‬ ‫ليس كل ما يبنى على أرض الغير من بناء يتفق مع قصد املشرّعني‪ ،‬وعلى الرغم من هذا اإلجماع إال‬ ‫أنهم لم يتفقوا على حتديد مفهوم البناء الذي يقيمه الباني على أرض الغير ‪ ،‬فكان من اجلدير الوقوف‬ ‫على حتديد مفهوم البناء وشروطه‪ ،‬قبل تبيان حكم البناء على أرض الغير ‪ ،‬هذا من جانب‪.‬‬ ‫ومن جانب آخر‪ ،‬ولتطبيق أحكام االتّصال الذي يحدث ما بني عقار وعقار بفعل اإلنسان يجب أن‬ ‫يكون من أقام البناء ليس مالك األرض بل يجب أن يكون من الغير ‪ ،‬وأن يكون البناء ليس حلساب مالك‬ ‫األرض وإمنا حلساب الباني نفسه‪ ،‬لنكون بذلك أمام حالة البناء على أرض اآلخر ‪ .‬فما املقصود مبفهوم‬ ‫الغير ؟‬ ‫بني مفهوم البناء وشروطه‪ ،‬وبعد ذلك حتديد مفهوم الغير‪.‬‬ ‫لذا كان من األهمية أن ن ّ‬ ‫العنصر األول‪ :‬البناء " مفهومه وشروطه "‬ ‫أبنية‪ ،‬وأصل البناء فيما ال ينمي كاحلجر‪،‬‬ ‫عرف ابن منظور البناء بأن ّه ما يبنى‪ ،‬واملبنى جمعه‬ ‫ّ‬ ‫والطني ونحوه‪ ،‬و هو ما يشيد إلقامة اإلنسان‪ ،‬أو احليوان‪ ،‬أو لوضع األشياء‪ ،‬ويسمى بناء من حيث كونه‬ ‫الزما موضعا ال يزول من مكان إلى غيره(‪.)1‬‬ ‫ويقصد بالبناء _ الذي يخضع ألحكام االتّصال ]االلتصاق[‪ ،‬مواد _ أيا كان شكلها _ متصلة‬ ‫ببعضها بفعل يد اإلنسان اندمجت مع األرض (أو مع بناء قائم)(‪ )2‬وأصبحت جزءا منها(‪ ،)3‬وقد تكون هذه‬ ‫املواد من اخلشب‪ ،‬أو احلجر‪ ،‬أو احلديد‪ ،‬أو الرمل‪ ،‬أو الزجاج‪ ،‬وغير ذلك من املواد التي تستعمل عند إقامة‬ ‫البناء(‪ ،)4‬ويستوي في ذلك أن يكون البناء قد أقيم لغرض السكن‪ ،‬أو خلزن األشياء‪ ،‬أو إليواء احليوانات‪ ،‬وتعدّ‬ ‫أيضا اجلسور‪ ،‬وخزانات املياه‪ ،‬واملصانع‪ ،‬وغير ذلك(‪ 5‬بناء ‪،‬بل يعد كذلك من قبيل البناء‪ :‬احلائط املقام بني‬ ‫أرضني(‪ ،)6‬ويستوي أن يكون البناء قد أقيم على األرض أو في باطنها كأساسات البناء‪ ،‬أو أنابيب املياه‬ ‫والصرف الصحي (‪.)7‬‬ ‫بل إن بعضا من الفقه الفرنسي اعتبر البناء‪ :‬كل إنشاء مهما كانت طبيعته القانونية‪ ،‬عقارا‬ ‫كان أو منقوال‪ ،‬وسواء كان ذلك بناء‪ ،‬أو حفرا ‪ ،‬أو ردما ‪ ،‬أو زراعة‪ ،‬إال أن هذا التعريف وجهت له انتقادات‬ ‫شديدة؛ ألنه يدخل في نطاق البناء كل شيء قابل للبناء كالسفن و الطائرات وغيرها(‪. )8‬‬ ‫ويثار التساؤل حول العقارات بالتخصيص‪ ،‬هل تعد جزءا من البناء أم ال؟ لقد اختلف الفقه حول‬ ‫ذلك‪ ،‬فقد ذهب بعض الباحثني(‪ )9‬إلى أن العقارات بالتخصيص تعتبر جزءا من البناء شريطة أن تكون قد‬ ‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬معجم لسان العرب‪ ،‬دار لسان العرب للنشر والتوزيع‪ ،‬اﺠﻤﻟلد األول‪ ،‬بيروت_ لبنان‪ ،‬ص ‪.72‬‬ ‫(‪ )2‬وإن كان بعضهم يشترط أن يكون مندمجا مع األرض‪ ،‬إال أننا نرى أن ليس هنالك ما مينع من تطبيق قواعد االتّصال على البناء الذي‬ ‫يقيمه اآلخر على بناء قائم طاملا اندمجا مع بعضهما وأصبحا ذوي كيان واحد‪.‬‬ ‫(‪ )3‬د‪.‬الشهابي الشرقاوي‪ ،‬مصادر االلتزام غير اإلرادية في قانون املعامالت املدنية اإلماراتي‪ ،‬مكتبة اجلامعة _ الشارقة‪ ،‬ص ‪.)2011(103‬‬ ‫(‪ )4‬د‪.‬ياسني اجلبوري‪ ،‬الوجيز في شرح القانون املدني األردني‪ ،‬مصادر اإللتزامات‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬ص‪.)2013(،661‬‬ ‫(‪ ) 5‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ص ‪.1113‬دون‬ ‫سنة نشر‪.‬‬ ‫(‪ )6‬د‪.‬ضحى النعمان‪ ،‬البناء على ملك الغير دون إذن املالك‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬ص‪.)2014 (،6‬‬ ‫(‪ )6‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.1113‬‬ ‫(‪ )6‬د‪.‬ضحى النعمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.15‬‬ ‫(‪ )7‬د‪.‬ياسني اجلبوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.661‬‬ ‫(‪ )8‬للمزيد انظر د‪.‬ضحى النعمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.16‬‬ ‫(‪ )9‬انظر د‪ .‬عدنان السرحان ود‪ .‬نوري خاطر‪ ،‬شرح القانون املدني‪ ،‬مصادر احلقوق الشخصية دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان_األردن‪،‬‬ ‫ص‪ .)2011( ،514‬د‪ .‬ياسني اجلبوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .662‬و د‪ .‬محمود زكي‪ ،‬الوجيز في النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬دون دار وسنة النشر‪،‬‬ ‫ص‪.320‬‬

‫‪68‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫خصصت بشكل ثابت أو دائم خلدمة البناء‪ ،‬وبالتالي فإن إضافتها إلى بناء قائم من ِق َبل الغير يعد بناء‬ ‫على أرض الغير ‪ ،‬وتسري عليه أحكام االتّصال‪ ،‬مثل إضافة مصعد‪ ،‬أو مولد كهربائي‪ ،‬أو أنابيب التكييف‬ ‫املركزي‪ .‬بينما ذهب بعضهم (‪ )1‬إلى أن مفهوم البناء ال يشمل العقارات بالتخصيص‪ ،‬فإذا أدخل شخص‬ ‫شيئا يعد عقارا بالتخصيص على بناء قائم للغير فإن أحكام االتّصال ال تسري على هذا العمل‪ ،‬وليس‬ ‫أمام من أدخل تلك اإلضافات سوى الرجوع على مالك البناء بدعوى الكسب بال سبب‪.‬‬ ‫ونؤيد ما انتهى إليه بعض الباحثني (‪ ،)2‬إلى أن العقارات بالتخصيص وإن كانت ال تعد بناء‪ ،‬إال أنها‬ ‫تخضع ألحكام االتّصال ؛ على أن يكون الشخص الذي أضافها سيء النّ ّية كما سنرى الحقا‪.‬‬ ‫ولكي يعتبر ما أقيم على أرض الغير بناء _ أو ما هو بحكم البناء كالعقارات بالتخصيص _ يجب أن‬ ‫يتوافر فيه شرطان حتى تطبق أحكام االتّصال فيما بعد على هذا البناء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الشرط األوّل‪ :‬أن يكون البناء جديدا‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ّ‬ ‫الشرط بالقول‪ ( :‬أن يؤدي البناء إلى خلق شيء مميز وملموس‪،‬‬ ‫يع ّبر بعض الباحثني عن هذا‬ ‫ميكن االستيالء عليه منفردا )‪ ،‬ويكون البناء كذلك عندما تصنّع املواد بأشكالها اجملتلفة وتضاف إلى أرض‬ ‫الغير بحيث تتصل بها اتصال القرار على نحو يجعلها عقارا قائما بطبيعته(‪ ،)4‬سواء أكانت هذه املواد‬ ‫التي قد أقيمت على أرض الغير مستقلة بذاتها كأن يقيم الباني على أرض الغير منزال ‪ ،‬أو مخزنا‪ ،‬أو تكون‬ ‫املواد قد أضيفت إلى بناء موجود على األرض‪ ،‬ما دامت هذه املواد تعد بناء جديدا‪ ،‬كبناء مخزن للمنزل‪ ،‬أو‬ ‫(‪)5‬‬ ‫بناء جدار على السطح ‪.‬‬ ‫اإلماراتي والقانون املدني املصر ّي بعض‬ ‫وفي قضية ذات صلة‪ ،‬أحال كل من قانون املعامالت املدنية‬ ‫ّ‬ ‫التصرفات التي يقوم بها احلائز حسن ال ّن ّية ‪ ،‬وتضيف ما هو ضروري ونافع للبناء‪ ،‬إلى أحكام البناء على‬ ‫أرض الغير ‪ ،‬ويجب التنويه إلى أن هذه التصرفات تنحصر فيما يقيمه احلائز وال يعد بطبيعته بناء جديدا‪،‬‬ ‫وإمنا نتكلم عن أعمال يقوم بها لتحسني البناء‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫اإلماراتي على أ ّن ‪:‬‬ ‫تنص املادة (‪ )1329‬من قانون املعامالت املدنية‬ ‫ّ‬ ‫(‪ _1‬على املالك الذي يرد إليه ملكه أن يؤدي إلى احلائز جميع ما أنفقه من النفقات الضرورية الالزمة‬ ‫أما املصروفات النافعة فتسري في شأنها أحكام املادتني ‪ 1272 ،1270‬من هذا‬ ‫حلفظ العني من الهالك‪ّ _2 .‬‬ ‫القانون‪ _3.‬ال يلزم املالك برد النفقات الكمالية‪ ،‬ويجوز للحائز أن ينتزع ما أقامه بهذه النفقات على أن‬ ‫يعيد الشيء إلى حالته األولى؛ وللمالك أن يستبقيها لقاء قيمتها مستحقة اإلزالة)‪.‬‬ ‫حسب نص املادة سالفة الذكر يجب أن نفرق ما بني األعمال الضرورية للبناء‪ ،‬واألعمال النافعة‪،‬‬ ‫والنفقات الكمالية‪ ،‬للوقوف على األعمال التي أحالها القانون‪ ،‬واعتبرها بناء على أرض الغير‪.‬‬ ‫فاألعمال األولى هي التي يقوم بها احلائز ويكون الغاية منها حفظ البناء من الهالك‪ ،‬واستمراره‬ ‫اإلماراتي واضح وصريح من هذه األعمال‪ ،‬فقد ألزم مالك البناء أن يؤدي‬ ‫في تقدمي املنفعة‪ ،‬وموقف املشرّع‬ ‫ّ‬ ‫للحائز _ وإن كان سيئ ال ّن ّية _ جميع ما أنفقه من مصروفات على هذه األعمال؛ وسبب اإللزامية أن هذه‬ ‫األعمال كان على مالك البناء القيام بها لو كان البناء في حوزته‪ ،‬وبالتالي هذه األعمال ال تسري عليها‬ ‫(‪)7‬‬ ‫أحكام البناء على أرض الغير لصراحة النص ووضوحه ‪.‬‬ ‫أما األعمال النافعة‪ ،‬فغايتها مختلفة عن األعمال الضرورية‪ ،‬فاألعمال النافعة يقوم بها احلائز‬ ‫ليست لغاية حفظ البناء؛ وإمنا لتحسينه‪ ،‬وزيادة قيمته‪ ،‬واإلكثار من االنتفاع به(‪ ، )8‬ومن األعمال النافعة‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،1168‬ود‪ .‬أنور سلطان‪ ،‬مصادر االلتزام في القانون املدني األردني‪،1987 ،‬‬ ‫منشورات اجلامعة األردنية‪ ،‬ص ‪ ،377‬ود‪ .‬الشهابي الشرقاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .104‬ود‪.‬عبد القادر الفار‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬دار الثقافة‬ ‫للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان_األردن‪ ،‬ص ‪.)2014( ،225‬‬ ‫(‪ )2‬د‪ .‬ضحى النعمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.16‬‬ ‫(‪ )3‬د‪ .‬محمد زهرة‪ ،‬احلقوق العينية األصلية في قانون املعامالت املدنية اإلماراتية‪ ،‬اﺠﻤﻟلد الثاني‪ ،‬مطبوعات جامعة اإلمارات‪ ،‬ص ‪،107‬‬ ‫(‪.)1999‬‬ ‫(‪ )4‬د‪ .‬رمضان أبو السعود‪ ،‬الوسيط في احلقوق العينية األصلية‪ ،‬الدار اجلامعية‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص ‪.)1986( ،162‬‬ ‫(‪ )5‬د‪ .‬ضحى النعمان مرجع سابق‪ ،‬ص‪.16‬‬ ‫(‪ )6‬تقابلها املادة (‪ )980‬من القانون املدني املصري‪.‬‬ ‫(‪ )7‬املستشار عز الدين الدناصوري‪ ،‬واﶈامي حامد عكاز‪ ،‬احليازة املدنية‪ ،‬ص ‪ ،244‬دون سنة ودار للنشر‪.‬‬ ‫(‪ )8‬انظر قرار محكمة النقض املصرية رقم ‪ ،65‬لسنة ‪ 13‬قضائية‪ ،‬جلسة ‪.1944/3/9‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪69‬‬


‫بناء املنتفع جدارا للعني املنتفع بها‪ ،‬أو بناء املستأجر غرفة في العني املؤجرة‪ ،‬أو إدخال تكييف مركزي‪ ،‬أو‬ ‫رصف أرضيتها باخلشب‪ ،‬أو إضافة أبواب وشبابيك‪ .‬وهذه األعمال ليس على مالك البناء القيام بها لو‬ ‫كانت العني في حيازته‪.‬‬ ‫واألعمال النافعة أحالتها الفقرة الثانية سالفة الذكر إلى أحكام االتّصال وخاصة املادتني‬ ‫اإلماراتي اشترط في الباني الذي أقام‬ ‫(‪ 1270‬و ‪ ،)1272‬وطبقا لنص املادة (‪ )1270‬من قانون املعامالت املدنية‬ ‫(‪ّ )1‬‬ ‫األعمال النافعة أن يكون حسن النّ ّية لتطبيق أحكامها كما سنرى الحقا ‪ ،‬وبالتالي إذا كان الباني سيئ‬ ‫النّ ّية فليس أمامه سوى الرجوع على مالك البناء بدعوى الكسب بال سبب‪ ،‬أما املادة (‪ )1272‬فتفترض أن‬ ‫(‪.)2‬‬ ‫املواد التي أقام بها احلائز األعمال النافعة مملوكة لغيره‬ ‫أما عن األعمال الكمالية املنصوصة بالفقرة الثالثة‪ ،‬فهي مجرد حتسينات يقوم بها احلائز غايتها‬ ‫جتميل‪ ،‬أو تزيني البناء‪ :‬كطالء جدرانه‪ ،‬أو تركيب أوراق الصقة‪ ،‬أو وضع جبس على سقف العني‪ ،‬وغير ذلك‬ ‫من األعمال التي ال تكون في ذاتها كيانا جديدا ومتميزا(‪ ،)3‬و حكم القيام باألعمال الكمالية أن مالك‬ ‫البناء ال يلزم برد ما ترتب عنها من نفقات للحائز‪ ،‬لكن للحائز أن ينتزع ما أقامه من أعمال شريطة عدم‬ ‫إحلاق الضرر بالبناء ‪ ،‬أي رد البناء حلالته األولى‪ ،‬وإذا لم يقم الباني بإالزالة كان للمالك أن يبقي تلك‬ ‫الكماليات مع دفع قيمتها للحائز‪ ،‬ولكن قيمة الكماليات تقدر بعد إزالتها(هدمها) وخصم أجرة اإلزالة (‪.)4‬‬ ‫ويعود تقدير األعمال على أنها ضرورية‪ ،‬أو نافعة‪ ،‬أو كمالية لقاضي املوضوع‪ ،‬فقاضي املوضوع‬ ‫صاحب االختصاص في تكييف الدعوى‪ ،‬وقراره هو الذي يحدد ما إذا كانت أعمال احلائز نافعة ‪ ،‬أو كمالية ‪،‬‬ ‫أو ضرورية (‪ ،)5‬ونؤيد من يرى أن مسالة التمييز بني األعمال التي ميارسها قاضي املوضوع‪ ،‬من املسائل‬ ‫القانونية التي يخضع فيها القاضي لرقابة محكمة التمييز‪ ،‬أو االحتادية العليا‪ ،‬أو النقض(‪ ،)6‬وال سيما أن‬ ‫األحكام القانونية تختلف من حيث املبدأ واألثر من عمل آلخر كما أسلفنا القول‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الشرط الث ّاني‪ " :‬أن تكتسب املواد صفة العقار "‬ ‫وال تكتسب املواد صفة العقار إال من خالل اتصالها باألرض املقامة عليها‪ ،‬و االتّصال ‪ :‬اندماج‬ ‫شيئيني مختلفني مملوكني لشخصني مختلفني‪ ،‬اندماجا ماديا بحيث ال ميكن فصل أحدهما عن اآلخر دون‬ ‫تلف ودون أن يوجد اتفاق مسبق بينهما على الدمج‪.‬‬ ‫وتطبيقا لهذا التعريف‪ ،‬نستنبط أن األرض هي التي تكسب البناء صفة العقار‪ ،‬فالبناء قبل‬ ‫صهره باألرض عبارة عن مجموعة من مواد البناء‪ ،‬الرمل والطوب واحلديد واألسمنت‪ ،‬وغير ذلك مما يستخدم‬ ‫(‪)7‬‬ ‫في البناء‪ ،‬وهذه املكونات قبل اندماجها مع بعضها ال تعتبر بناء وتسري عليها أحكام األشياء واألموال‬ ‫حتى ولو اندمجت هذه املواد ببعضها‪ ،‬وأصبحت كتلة مادية واحدة‪ ،‬فالبد من اندماجها باألرض املقامة‬ ‫عليها بحيث يتعذر بعد ذلك الفصل بينهما‪ ،‬وهذا هو جوهر االتّصال؛ أن تبقى املواد ثابتة ومستقرة‬ ‫باألرض بحيث الميكن فصلها إال من خالل الهدم ونزعها عن األرض انقاضا‪.‬‬ ‫واملقصود باالندماج اتصال الفرع باألصل(‪ ،)8‬أي أن اندماج البناء الذي أقامه الباني على أرض الغير ‪،‬‬ ‫بحيث تصبح مواد البناء املنقولة عقارا‪ ،‬ويرى الباحث أنه ال يكفي اتصال الفرع باألصل‪ ،‬بل يشترط صفة‬ ‫االستمرارية في االتّصال بينهما من أجل التمييز بني العقارات التي تتصل اتصال القرار باألرض‪ ،‬وما هو‬ ‫مشابه لها‪ .‬فقد تقام أبنية كبيرة كانت أو صغيرة على أرض الغير وال تندمج بها مما يفقدها صفة العقار‪،‬‬ ‫مثل هذه األبنية تقام مؤقتا على أرض الغير ‪ ،‬أي أن بانيها ال يقصد ابقاءها على الدوام‪ ،‬كاألكشاك‬ ‫(‪ )1‬تفترض أحكام املادة (‪ )1270‬وجود سبب شرعي للباني للقيام باألعمال النافعة‪ ،‬فإذا توافر هذا السبب وكانت قيمة مصروفات‬ ‫األعمال وأجرة العمل أكثر من قيمة األرض‪ ،‬متلك الباني األرض بثمن مثلها‪ ،‬والعكس صحيح إذا كانت قيمة األرض أكثر من قيمة‬ ‫مصروفات األعمال كان لصاحب األرض أن ميتلكها بقيمتها قائمة‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫د‪ .‬أحمد شوقي عبد الرحمن‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬حق امللكية‪ ،‬منشآة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ص‪.)2004( ،199‬‬ ‫(‪ )3‬د‪ .‬ياسني اجلبوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.662‬‬ ‫(‪ )4‬د‪ .‬ضحى النعمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.17‬‬ ‫(‪ )5‬د‪ .‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.1188‬‬ ‫(‪ )6‬د‪ .‬حسام األهواني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.102‬‬ ‫)‪ (7‬املادة (‪ )950‬من قانون املعامالت املدنية اإلماراتي وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ )8‬د‪ .‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.108‬‬

‫‪70‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫احلديدية أو اخلشبية‪ ،‬أو الدكاكني التي تقام لفترة أو ملوسم معني لبيع الثمار املوسمية (‪ ،)1‬أو األكشاك‬ ‫التي تقام من أجل جمع التبرعات من املارة لصالح جهة خيرية‪ ،‬بل إنها أبنية مؤقتة تنتهي مع انتهاء‬ ‫الغرض الذي من أجله بنيت‪.‬‬ ‫وهذه األبنية تختلف عن البناء اخلاضع ألحكام االتّصال ‪ ،‬فليس لها أساس ثابت باألرض وطريقة‬ ‫تشييدها مختلفة‪ ،‬وهي في الغالب قابلة لإلزالة والنقل من مكانها إلى مكان آخر دون تلف‪ ،‬مما استوجب‬ ‫استبعادها من أحكام االتّصال ‪ ،‬وفي حال أقيمت هذه األبنية على أرض الغير فما هو مصيرها إذا نازع‬ ‫مالك األرض بانيها؟ إن مصير تلك األبنية واحد في القانون اإلماراتي واملصري وهو اإلزالة‪ ،‬إال أن كال من‬ ‫القانونني اتبع نظاما مختلفا عن اآلخر في طريقة اإلزالة‪.‬‬ ‫فعن طريقة اإلزالة في القانون املدني املصري‪ ،‬نصت املادة (‪ )929‬على أن (املنشآت الصغيرة‬ ‫كاألكشاك واحلوانيت واملآوي التي تقام على أرض اآلخر دون أن يكون مقصودا بقاؤها على الدوام‪ ،‬تكون‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ملكا ملن أقامها)‪.‬‬ ‫يتضح من النص السابق‪ ،‬أن صاحب البناء يستطيع نزعه دون موافقة مالك األرض‪ ،‬وإن كان سيء‬ ‫النّ ّية بشرط أن يعيد األرض إلى حالتها األولى(‪ ،)3‬ومن حق مالك األرض طلب إزالتها حتى وإن كان صاحب‬ ‫البناء حسن ال ّن ّية عند إقامتها ما دام لم يتفق معه على إقامتها(‪ ، )4‬وعلى صاحب البناء أن يعوض مالك‬ ‫(‪)5‬‬ ‫األرض عن ما أصابه من ضرر إذا ثبت ارتكابه خطأ‪.‬‬ ‫ت بنص‬ ‫أما عن طريقة اإلزالة في قانون املعامالت املدنية اإلماراتي _ ومبا أن املشرع اإلماراتي لم يأ ِ‬ ‫صريح كما فعل املشرع املصري_ فاعتقادي أن القاضي سيطبق أحكام الغصب‪.‬‬ ‫في البداية نشير إلى أن الفقه قد أجمع على أن أحكام الغصب تسري على املال املنقول كما‬ ‫تسري على العقارات سواء أكانت أرضا أو بناء قائما(‪.)6‬‬ ‫وطبقا ألحكام الغصب‪ ،‬يعتبر من أقام البناء املؤقت غاصبا لألرض‪ ،‬طاملا أن البناء مت دون املوافقة أو‬ ‫علم من مالك األرض‪ ،‬وعليه أن يرد األرض إلى مالكها بحالتها األولى التي كانت عليها وقت الغصب بإزالة‬ ‫البناء عنها‪ ،‬وفي حالة املنازعة ما بني الباني واملالك على هذا األخير إقامة دعوى تعد إلزالة البناء‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬ومبا أن البناء يعتبر تغييرا حسيا وقيميا في األرض‪ ،‬فمن شأن ذلك أن يعدم أو‬ ‫يقلل قدرة املالك من االنتفاع بأرضه‪ ،‬فإقامة الباني بناء تعتبر تهجما على أحد عناصر حق امللكية‪ ،‬ومن‬ ‫حق املالك رد هذا التهجم بطلب اإلزالة(‪.)7‬‬ ‫وقد يتخلى الباني عن ملكية البناء املؤقت‪ ،‬وبالتالي ميتلكه مالك األرض إذا توافرت أركان إحراز‬ ‫األموال املنقولة املباحة‪ ،‬وهي ركن مادي يتمثل في وضع مالك األرض يده على البناء املؤقت ليستأثر به‬ ‫وحده دون غيره‪ ،‬وركن معنوي وهو توافر النّ ّية لدى مالك األرض في متلك البناء (‪.)8‬‬

‫العنصر الثاني‪ :‬الغير‬

‫ال يكفي لتطبيق أحكام االتّصال توافر عنصر البناء من حيث املفهوم والشروط‪ ،‬وإمنا _ فضال عن‬ ‫ذلك _ يجب أن يكون من أقام البناء (الباني) من اآلخر بالنسبة ملالك األرض‪ ،‬هذا ما ع ّبرت عنه صراحة‬ ‫املادة (‪ )1269‬من قانون املعامالت املدنية اإلماراتي )تقابلها املادة ‪ 924‬من القانون املدني املصري(‪ .‬فقد نصت‬ ‫على أنه (إذا أقام شخص بناء أو غرسا أو منشآت أخرى مبواد من عنده على أرض يعلم أنها مملوكة لغيره‪،)...‬‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬أسباب كسب امللكية‪ ،‬دار منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ص‬ ‫‪ ،310‬دون سنة للنشر‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ليس لهذه املادة مقابل في قانون املعامالت املدنية اإلماراتي‪.‬‬ ‫(‪ )3‬د‪.‬محمد عرفه‪ ،‬موجز في حق امللكية وأسباب كسبه‪ ،‬مكتبة دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.)1956( ،318‬‬ ‫(‪ )4‬د‪.‬محمد كامل مرسي‪ ،‬شرح القانون املدني‪ ،‬اجلزء الثالث‪ ،‬أسباب كسب امللكية‪ ،1951،‬املطبعة العاملية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.418‬‬ ‫(‪ )5‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .311‬د‪ .‬أحمد شوقي عبد الرحمن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.200‬‬ ‫(‪ )6‬د‪.‬الشهابي الشرقاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،69‬وقد نص القانون املدني املادة العراقي في املادة (‪ )197‬صراحة على ذلك‪ ،‬فقد نصت على (املغصوب إن‬ ‫كان عقارا يلزم الغاصب‪ )...‬وليس هنالك مقابل لهذه املادة في القانون املعامالت املدنية األماراتي‪.‬‬

‫(‪ )7‬د‪ .‬رمضان ابو السعود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.162‬‬ ‫(‪ )8‬للمزيد حول أركان إحراز املباحات انظر د‪ .‬منصور مصطفى‪ ،‬حق امللكية في القانون املدني املصري‪ ،‬ص ‪ .)1965( ،42‬د‪.‬علي العبيدي‪،‬‬ ‫احلقوق العينية األصلية وفقا ألحكام قانون املعامالت املدنية اإلمارتي‪ ،‬اآلفاق املشرقة ناشرون‪ ،‬الشارقة_اإلمارات‪ ،‬ص ‪ 26‬وما‬ ‫بعدها(‪.)2010‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪71‬‬


‫فحسب حكم هذا النص يشترط وجود شخصني؛ الباني الذي أقام البناء‪ ،‬ومالك األرض الذي أقيم البناء‬ ‫على أرضه‪ ،‬ويجب أن يكون كل منهما غيرا بالنسبة لآلخر‪ ،‬فما هو املقصود باآلخر الوارد بالنصوص‬ ‫السابقة؟ ومتى يكون كل من الباني ومالك األرض من الغير بالنسبة لآلخر؟‬ ‫طبقا ألحكام االتّصال واخلاصة بفعل اإلنسان‪ ،‬يقصد باآلخر مالك األرض التي ب ِنى عليها من‬ ‫ِق َبل الباني سواء بحسن نية أو سوء نية‪ ،‬مبعنى آخر هو من يقام على أرضه بناء دون علمه أو موافقته من‬ ‫ِق َبل شخص آخر يسمى الباني‪ ،‬لذلك ال تنطبق أحكام االتّصال إذا قام مالك األرض بالبناء على أرضه أـو‬ ‫كان للباني احلق في إقامة البناء على األرض(‪ ،)1‬وقد يكون مالك األرض أو الباني شخصا طبيعيا واحدا أو‬ ‫أكثر‪ ،‬وقد يكون شخصا معنويا‪ ،‬بل ميكن أن يكون اآلخر الدولة إذا بنى شخص بناء على أرض تعود‬ ‫ملكيتها لها دون املوافقة املسبقة من سلطاتها(‪.)2‬‬ ‫ومن األمثلة على اآلخر‪ ،‬مالك األرض املنتفع بها يعد من الغير إذا قام املنتفع بالبناء على األرض‬ ‫املنتفع فيها دون ترخيص من مالك الرقبة‪ ،‬أيضا إذا امتلك اثنان أو أكثر أرضا _ دون أن يتعني لكل منهما‬ ‫نصيب مادي محدد _ يعدون من الغير إذا بنى أحدهما على األرض املشاعة بأكثر من حصصه‪.‬‬ ‫والغالب األعم‪ ،‬أن الباني يقوم بالبناء على أرض غيره ليس حلسابه الشخصي وإمنا حلساب مالك‬ ‫األرض‪ ،‬وهذا هو األصل في البناء واالستثناء أن يكون البناء حلسابه الشخصي‪ .‬وتتجلى الصورة األولى‬ ‫_وعلى سبيل املثال_ في عقود املقاولة(‪ ،)3‬أي أن يتفق كل من مالك األرض والباني على إقامة البناء‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك فإن الباني قد يقيم بناء على نفقته حلساب مالك األرض دون علمه أو موافقته وليس حلسابه‬ ‫الشخصي‪ ،‬وهذا ما يطلق عليه قانونيا بالفضولي‪ ،‬وقد يكون الباني وكيال ملالك األرض ولكنه جتاوز ما وكل‬ ‫فيه‪ ،‬والبناء الذي يقيمه الفضولي أو الوكيل الذي جتاوز وكالته ال يخضع ألحكام البناء على أرض الغير بل‬ ‫لكل منهما قواعده القانونية اخلاصة‪ ،‬إال في حالة معينة‪.‬‬ ‫فإذا أقام فضولي بناء على أرض اآلخر وحلساب األخير‪ ،‬مثل اجلار الذي يعيد بناء جدار غير مشترك‬ ‫مع جاره الغائب الذي تهدم من قوة الرياح واملطر‪ ،‬فإنه في مثل هذه احلالة تطبق أحكام الفضالة إذا‬ ‫توافرت صفة الضرورة في عمله(‪ )4‬وبقية الشروط‪ ،‬وحسب نص املادة (‪ )331‬من قانون املعامالت املدنية‬ ‫اإلماراتي(‪ )5‬تعتبر جميع أعمال الفضولي التي قام بها حلساب رب العمل واجبة التنفيذ‪ ،‬وعليه أن يعوضه‬ ‫(‪)6‬‬ ‫عنها و أن يرد له النفقات النافعة والضرورية ‪.‬‬ ‫أما عن حكم جتاوز الوكيل حدود وكالته في البناء حلساب املوكل وعلى أرضه‪ ،‬فإن هذا البناء في‬ ‫األصل ال ينفذ في حق املوكل سيما إذا كان الباني (الوكيل) سيء ال ّن ّية بأن قصد من إقامة البناء اإلضرار‬ ‫باملوكل(‪ ،)7‬ومصير هذا البناء يخضع ألحكام البناء على أرض الغير كما سنرى الحقا‪ ،‬أما إذا كان الوكيل‬ ‫حسن النية كأن تكون الظروف يغلب معها الظن بأن مالك األرض ما كان إال ليوافق على البناء‪ ،‬أو أن البناء‬ ‫ذو نفع للموكل (مالك األرض)‪ ،‬ففي هذه احلالة يلتزم األخير بأن يرد للباني ما أنفقه في إقامة البناء أو ما‬ ‫يعادل زيادة قيمة األرض الناجم عن البناء (‪.)8‬‬ ‫اما إذا أقام الباني ومبواده البناء على أرض الغير وحلساب نفسه فقد عالج املشرعان اإلماراتي‬ ‫واملصري هذه احلالة بتطبيق أحكام االتّصال عليها‪ ،‬فضال عن بعض احلاالت اخلاصة املتفرقة التي وردت في‬ ‫بعض النصوص‪.‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬عبد املنعم الصدة‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة _ مصر‪ ،‬ص ‪.)1982( ،337‬‬ ‫(‪ )2‬د‪ .‬ضحى النعمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25‬‬ ‫(‪ )3‬وهو عقد يتعهد أحد طرفيه مبقتضاة بأن يصنع شيئا أو يؤدي عمال لقاء بدل يتعهد به الطرف اآلخر‪ ،‬املادة (‪ )872‬من قانون املعامالت‬ ‫املدنية اإلماراتي‪.‬‬ ‫(‪ )4‬في حال عدم توفر صفة الضرورة يكون للباني الرجوع على مالك األرض بدعوى الكسب بال سبب‪ ،‬انظر د‪.‬رمضان أبو السعود‪ ،‬املرجع‬ ‫السابق‪ ،‬ص ‪.177‬‬ ‫(‪ )5‬تقابلها املادة (‪ )195‬من القانون املدني املصري‪ ،‬وتنص (على رب العمل أن ينفذ التعهدات التي عقدها الفضولي حلسابه وأن يعوضه‬ ‫عن التعهدات التي التزم بها وأن يرد له النفقات الضرورية والنافعة)‪.‬‬ ‫(‪ )6‬د‪.‬عدنان السرحان‪ ،‬شرح مصادر االلتزام غير الإلرادية في قانون املعامالت املدنية اإلماراتي‪ ،‬مكتبة اجلامعة‪ ،‬الشارقة‪ ،‬ص‪.)2010( ،197‬‬ ‫(‪ )7‬د‪.‬الشهابي الشرقاوي‪ ،‬مصادر اإللتزام اإلرادية في قانون املعامالت املدنية اإلماراتي‪ ،‬مكتبة اجلامعة‪ ،‬الشارقة‪ ،‬ص ‪.)2013(108‬‬ ‫(‪ )8‬املادة (‪ )703‬من القانون املدني املصري‪ .‬وتنص املادة (‪ )932‬من القانون املعامالت املدنية اإلماراتي على [تثبت للوكيل مبقتضى عقد والية‬ ‫التصرف فيما يتناوله التوكيل دون أن يتجاوز حدوده إال فيما هو أكثر نفعا للموكل]‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫وفي ذات العالقة‪ ،‬ومن األهمية مبكان أن نتطرق إلى القرينة القانونية التي أقامها القانونان‬ ‫اإلماراتي واملصري ملصلحة مالك األرض ( الغير ) وهي قرينة كون ما على األرض من بناء أو غرس أو منشآت‬ ‫ملكا ملالك األرض‪.‬‬ ‫قرينة مالك األرض مالك ما عليها‬ ‫اإلماراتي واملصر ّي عند تنظيم أحكام نطاق حق امللكية قرينة قانونية لصالح‬ ‫وضع املشرّعان‬ ‫ّ‬ ‫مالك األرض‪ ،‬مفادها أن كل ما يوجد على سطح األرض وما فوقها وما حتتها من بناء أو أغراس أو أية‬ ‫منشآت أخرى‪ ،‬قد قام مالك األرض بإنشاءها أو غرسها على نفقته وبالتالي فهي ملك له‪.‬‬ ‫فقد نصت املادة (‪ )1134‬من قانون املعامالت املدنية اإلماراتي(‪)1‬على أنه (‪_ 2‬كل من ملك أرضا ملك ما‬ ‫فوقها و ما حتتها إلى احلد املفيد في التمتع بها علوا أو عمقا‪ ،‬إال إذا نص القانون أو قضى االتفاق بغير‬ ‫ذلك)‪.‬‬ ‫إعماال لنص املادة السابقة‪ ،‬فإن مالك األرض معفى من عبء إثبات ملكية ما على األرض أو فوقها‬ ‫أو حتتها من بناء أو أغراس أو منشآت(‪ ،)2‬فقد قررت املادة سالفة الذكر قرينة قانونية مزدوجة وهي أن البناء‬ ‫أو املنشآت أو األغراس ملك له وأنه أقامها على نفقته اخلاصة‪ ،‬وعلى ذلك فإن كل ما هو مقام على سطح‬ ‫األرض أو ما فوقها أو ما حتتها من املفروض أنها ملك لصاحب األرض (‪.)3‬‬ ‫غير أن هذه القرينة القانونية ليست قاطعة_ كما هو منصوص أعاله_ بل قرينة قابلة إلثبات‬ ‫العكس‪ ،‬وإن كان من النادر أن يتنازل مالك األرض عن ملكية ما فوق أرضه وما حتتها ملا لذلك من تأثير على‬ ‫عناصر املليكة‪ ،‬إال أنه ليس هنالك ما مينع أن يكون الباني أو الغارس شخصا آخر غير مالك البناء خصوصا‬ ‫أنه ميكن جتزئة ملكية األرض عن علوها أو عمقها ‪ .‬فإذا ادعى أحد األشخاص ملكيته للبناء أو األغراس أو‬ ‫املنشآت املقامة على األرض‪ ،‬أو إنها أقيمت على نفقته‪ ،‬فإن مالك األرض يكون موقفه سلبيا مستفيدا‬ ‫من القرينة التي أقامها القانون ملصلحته‪ ،‬في حني أ ّن من ادعّ ى امللكية ميكن أن يدحض هذه القرينة‬ ‫بتقدمي ما يثبت أن البناء أو األغراس أو املنشآت مملوكة له أو أن ّه أقامها على نفقته‪.‬‬ ‫وميكن دحض قرينة أن مالك األرض مالك ما عليها وما فوقها وما حتتها‪ ،‬من خالل إثبات وجود‬ ‫اتفاق مع مالك األرض إلقامة البناء أو األغراس أو املنشآت‪ ،‬وهنا يشترط _حسب رأي الباحث_ تقدمي دليل‬ ‫كتابي إلثبات إذن مالك األرض في إقامة بناء أو أغراس على أرضه‪ ،‬وإذا كان املدعي قد أقام البناء أو األغراس‬ ‫دون موافقة أو علم مالك األرض‪ ،‬فإنه م ّدع لواقعة مادية‪ ،‬والواقعة املادية يجوز إثباتها بكافة طرق‬ ‫(‪)4‬‬ ‫اإلثبات ‪.‬‬ ‫أما إذا متسك املدعي بأن البناء أو األغراس أو املنشآت قد انتقلت ملكيتها له‪ ،‬كأن يدعي بأن مالك‬ ‫األرض كان قد باعه ما على األرض من بناء أو أغراس أو منشآت‪ ،‬أو كان قد باعه األرض و ما عليها‪ ،‬ففي مثل‬ ‫هذه احلالة _ كون املدعي يتمسك بوجود تصرف قانوني [عقد البيع] _ عليه إثبات هذا التصرف و بحسب‬ ‫نص املادة (‪ )1227‬من القانون املعامالت املدنية اإلماراتي ينحصر إثبات نقل ملكية العقارات من املشتري‬ ‫(‪)5‬‬ ‫للبائع‪ ،‬بتقدمي سند تسجيل صادر عن الدائرة اجملتصة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬تقابلها املادة (‪ )803‬من القانون املدني املصري والتي تنص على [‪_2‬ملكية األرض تشمل ما فوقها وما حتتها إلى احلد املفيد في التمتع‬ ‫بها‪ ،‬علوا أو عمقا‪_3 .‬ويجوز مبقتضى القانون أو االتفاق أن تكون ملكية سطح األرض منفصل عن ملكية ما فوقها أو ما حتتها]‪.‬‬ ‫(‪ )2‬د‪ .‬عبد املنعم الصدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.403‬‬ ‫(‪ )3‬د‪ .‬ضحى النعمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬ ‫(‪ )4‬د‪ .‬عبد احلميد النجاشي‪ ،‬أحكام اإلثبات‪ ،‬دون دار للنشر‪ ،‬ص ‪ .)2010( ،184‬وقضت محمكة النقض املصرية (مؤدى املادتني ‪ 922‬و ‪926‬‬ ‫يدل على أن ملكية األرض تشمل ما فوقها وما حتتها ما لم يكن مالك األرض خول آخر متلك ما يقيمه من منشآت على هذه األرض‬ ‫فتنفصل ملكية املنشآت عن ملكية األرض) الطعن رقم ‪ 1265‬لسنة ‪ 47‬قضائية‪ ،‬جلسة ‪.1982/2/18‬‬ ‫(‪ ) 5‬د‪ .‬عدنان سرحان‪ ،‬أحكام البيع في قانون املعامالت املدنية اإلماراتي‪ ،‬اآلفاق للنشر‪ ،‬األردن‪ ،‬ص ‪ .)2013(132‬وانظر املادة(‪ )8‬من قانون‬ ‫التسجيل العقاري في إمارة دبي‪ ،‬واملادة (‪ )7‬من قانون التسجيل العقاري في إمارة دبي‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪73‬‬


‫املبحث األول‬

‫أحكام الباني سيء النية‬ ‫يكيف قيام الباني بإقامة بناء على أرض اآلخر دون علمه أو موافقته بالغصب‪ ،‬وطبقا ألحكام‬ ‫الغصب والتعدي التي نص عليها القانونان اإلماراتي واملصري(‪ ، )1‬ملالك األرض املغصوب منه املطالبة _ مبا‬ ‫أن البناء أدى إلى تغيير حسي في األرض_ بإزالة الغصب عن أرضه وذلك بردها إلى احلالة التي كانت عليها‬ ‫وقت الغصب‪.‬‬ ‫وعلى الرغم مما سبق‪ ،‬ارتأى املشرعان اإلماراتي واملصري _ أسوة بباقي املشرعني_ عدم تطبيق‬ ‫أحكام الغصب في مثل هذه احلالة‪ ،‬وإمنا وضعا قواعد قانونية خاصة توسعا فيها عما هو وارد في أحكام‬ ‫الغصب‪ .‬واحلكمة من األحكام اخلاصة هي التقليل من إزالة البناء‪ ،‬وتشجيع الباني على طلب ما متلكه‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫وهذه القواعد أطلق عليها املشرع االتّصال كما أسلفنا القول ‪.‬‬ ‫ومن أحكام االتّصال‪ ،‬إذا كان الباني سيء النية(‪ )3‬في إقامة البناء على أرض الغير ‪ ،‬ولم يحدد‬ ‫القانونان (اإلماراتي واملصري) ما املقصود بسيء النية‪ ،‬فمن هو الباني سيء النية؟ وفي حال ثبوت سوء‬ ‫نيته ماذا يترتب على ذلك من آثار؟‬ ‫ملعاجلة املوضوعات السابقة سنقسم هذا املبحث إلى مطلبني‪ ،‬األوّل‪ :‬حتديد مفهوم سيء النية‪،‬‬ ‫الثّاني‪ :‬آثار ثبوت سوء نية الباني‪.‬‬ ‫املطلب األول‬ ‫املقصود بسوء النية‬ ‫تنص املادة (‪ )1269‬من قانون املعامالت املدنية اإلماراتي على أنه (إذا أقام شخص بناء أو غرسا أو منشآت‬ ‫أخرى مبواد من عنده على أرض يعلم أنها مملوكة لغيره دون رضا مالكها‪ ،)...‬وتنص املادة (‪ )924‬من القانون‬ ‫املدني املصري على أنه (إذا أقام شخص مبواد من عنده منشآت على أرض يعلم أنها مملوكة لغيره دون رضاء‬ ‫صاحب األرض‪)…،‬‬ ‫يتضح من النصني السابقني وجود توافق بني القانونني اإلماراتي واملصري على احلالة التي يعتبر بها‬ ‫الباني سيء النية‪ ،‬وحسب ما ورد في النصني السابقني يعتبر الباني كذلك إذا توافر ّ‬ ‫الشرطان اآلتيان‪ ،‬أوال‪:‬‬ ‫أن يعلم أن األرض مملوكة لآلخر‪ ،‬ثانيا‪ :‬أال يكون له احلق في إقامة البناء على أرض الغير ‪ ،‬أي أن ّه لم يأخذ‬ ‫إذن املالك على إقامة البناء‪.‬‬ ‫وقت البناء قد‬ ‫وإذا ما أخذنا باملفهوم اجملالف للنصني السابقني‪ ،‬ال يعتبر الباني سيء النية إذا كان َ‬ ‫استأذن مالك األرض إلقامة البناء‪ ،‬أو استند إلى سبب بنى عليه اعتقاده بأن األرض مملوكة له وقت إقامة‬ ‫البناء(‪ )4‬ومما ال شك فيه أن احلالة الثّانية بها مفاضلة ملصلحة الباني على مصلحة مالك األرض‪ .‬فعلى‬ ‫الرغم من أن القانونني اإلماراتي واملصري أوردا عبارات تشمل كل شخص يقيم بناء على أرض مملوكة للغير‬ ‫مبواد مملوكة له‪ ،‬وهو يعلم أن األرض مملوكة للغير وأنه ال حق له في إقامة البناء(‪ ،)5‬إال أن كال من القانونني‬ ‫قد ضيقا املقصود بسيء النية‪ ،‬فقد اقتصر سوء النية على احلالتني املذكورتني أعاله(‪ ،)6‬أي أن معيار‬

‫(‪ )1‬املادة (‪ )304‬من قانون املعامالت املدينة اإلماراتي وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ )2‬وأيضا هنالك حاالت ال تنطبق عليها أحكام االتّصال‪ ،‬وهي حاالت وردت فيها نصوص صريحه مخالفة ألحكام االتّصال‪ ،‬مثل بناء‬ ‫املستأجر على العني املؤجرة‪ ،‬موافقة مالك األرض على إقامة البناء على أرضه‪ ،‬بناء الفضولي‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫(‪ )3‬لم ينص القانونان اإلماراتي واملصري صراحة على هذا اإلصالح‪ ،‬ولكن ميكن استنباطه من عبارات أحكام االتّصال‪.‬‬ ‫(‪ )4‬د‪ .‬منصور مصطفى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.290‬‬ ‫(‪ )5‬د‪ .‬نبيل ابراهيم‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪)2010(،330‬‬ ‫(‪ )6‬د‪ .‬ضحى النعمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.36‬‬

‫‪74‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫التفرقة بني أن يكون الباني سيء النية أو حسن النية في إقامة البناء معيار شخصي وهو االعتقاد بأن‬ ‫(‪)1‬‬ ‫األرض ملكه أو له احلق في إقامة البناء عليها‪ ،‬وليس معيارا موضوعيا ‪.‬‬ ‫وقد انتقد بعض الباحثني(‪ )2‬تبني القانونني اإلماراتي واملصري اعتماد املعيار الشخصي القائم على‬ ‫أساس الفكرة النفسية للباني‪ ،‬وارتأى إضافة معيار موضوعي قائم على اعتبار الباني على أرض الغير‬ ‫سيء النية ولو كان يعتقد أن األرض التي يقيم بناءه عليها ملكا له‪ ،‬أو أن له احلق في إقامة البناء‪ ،‬متى‬ ‫قد نشأ ذلك عن خطأ جسيم ارتكبه الباني(‪ ،)3‬ففي بعض احلاالت على الباني بذل عناية الرجل العادي قبل‬ ‫البدء بإقامة البناء‪ ،‬كالتأكد من صفة البائع مثال أو من أن ملكية العقار املوصى به تعود للموصي(‪،)4‬‬ ‫وكذلك من يبني على أرض يعتقد أنها آلت إليه من ورثته دون التأكد من دائرة العقارات‪.‬‬ ‫وبال شك‪ ،‬إن األخذ باملعيار املوضوعي في البناء على أرض الغير سيوسع من املقصود بسيء النية و هذا‬ ‫سيكون في صالح مالك األرض‪ ،‬حيث إن الباني دوما سيدعي أنه كان يعتقد بأن األرض التي أقام عليها‬ ‫بناءه ملك له مما قد يلحق ضررا باملصالح املالية ملالك األرض(‪ ،)5‬وطبقا للمعيار املوضوعي يعتبر الباني‬ ‫سيء النية إذا ثبت أن األرض التي أقام عليها البناء مسجلة باسم الغير‪ ،‬وبغض النظر عن االدعاء الذي‬ ‫يتمسك به الباني‪ ،‬كأن يدعي بأن األرض موصى بها له‪.‬‬ ‫وميكننا القول بإن القانون املدني السوري أخذ _ بطريقة غير مباشرة _ باملعيار املوضوعي للباني‬ ‫الذي يقيم البناء على أرض الغير‪ ،‬فقد نصت الفقرة األولى من املادة (‪ )890‬على أنه (إذا كان الغير الذي‬ ‫شيد األبنية أو غرس األغراس‪ ،‬ذا نية سيئة‪ ،)...‬فعبارة [ ذا نية سيئة] عبارة فضفاضة وداللتها يشوبها‬ ‫الغموض وتفسيرها يستوعب أكثر من تفسير‪ ،‬ولذلك فان الفقه السوري وكذلك قضاءه وحلماية مصالح‬ ‫مالك األرض ومجازاة الباني سيء النية‪ ،‬اجمعوا واعتبروا الباني سيء النية عندما يقيم بناء وال يستند في‬ ‫بنائه إلى سبب معقول يسوغ االعتقاد بأن هذه األرض ملك له أو له احلق في إقامة البناء(‪ ،)6‬وهذا يعني أن‬ ‫من يقيم البناء على أرض اآلخر يعتبر سيء النية إذا لم يكن لديه سند ولكنه على علم بأن أحد أركان‬ ‫هذا السند شابه البطالن(‪. )7‬‬ ‫وإذا فاضلنا بني ما تبناه القانون السوري و القانونان اإلماراتي واملصري أو بعبارة أدق بني املعيار‬ ‫الشخصي واملعيار املوضوعي‪ ،‬فإن املفاضلة تكون للمعيار املوضوعي وسند ذلك أن العقارات ‪-‬ومنها‬ ‫األراضي‪ -‬لها سجالت خاصة في الدولة‪ ،‬وملكيتها ثابتة مبوجب سند ملكية‪ ،‬لذا من غير اجلائز قبول ادعاء‬ ‫شخص كان يعتقد أن األرض وقت إقامة البناء ملك له فبني عليها‪ ،‬بل_ وباعتقادنا_ أن البناء بهذه‬ ‫الطريقة يعتبر اعتداء على أموال الغير وجتب مساءلة الباني‪.‬‬ ‫أما على املعيار الشخصي الذي تبناه القانونان اإلماراتي واملصري فقد يقيم الباني بناء على أرض‬ ‫مسجلة باسم الغير وال يعتبر سيء النية إذا أثبت وقت إقامة البناء أنه كان يعتقد بأن األرض ملكه أو له‬ ‫احلق في إقامة البناء عليها‪.‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ .‬رمضان أبو السعود‪ ،‬مرجع سايق‪ ،‬ص‪.36‬‬ ‫(‪ ) 2‬د‪ .‬حسام الدين األهواني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.570‬‬ ‫(‪ ) 3‬د‪ .‬محمد سوار‪ ،‬شرح القانون املدني األردني‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان_ األردن‪ ،‬ص‬ ‫‪.)2001(،101‬‬ ‫(‪ )4‬أخذ القانون املدني الكويتي باملعيار املوضوعي‪ ،‬فقد نصت املادة(‪ )882‬من القانون املدني على (إذا أحدث شخص بناء أو غراسا أو‬ ‫منشآت أخرى‪ ،‬مبواد من عنده على أرض يعلم أنها مملوكة لغيره وأنه ليس له احلق في أحداثها‪ ،‬أو كان جهله بذلك ناشئاعن خطأ‬ ‫جسيم‪)...‬‬ ‫(‪ )5‬د‪ .‬منصور مصطفى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.291‬‬ ‫(‪ )6‬د‪ .‬محمد سوار‪ ،‬شرح القانون املدني السوري‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬مطبعة الداودي‪ ،‬ص‪ 489‬وما بعدها‪ .)1979( ،‬وقضت محكمة‬ ‫النقض السورية [ أن معنى حسن النية في مجال التملك بااللتصاق هو أن يعتقد الباني أو الغارس أن له احلق في إقامة املنشآت أو‬ ‫غرس الغراس‪ ،‬أي أن يحدث ذلك في ملكه] قرار ‪ 2001/2459‬اساس ‪ ، 2337‬الدوائر املدنية‪ ،‬قاعدة ‪ ،191‬مجلة اﶈامون‪ 2003 ،‬إصدار ‪ 7‬و ‪،8‬‬ ‫انظر قرار ‪ 1959/ 206‬محاكم النقض‪ ،‬قاعدة ‪ ،719‬مجلة اﶈامون ‪ ،1959‬إصدار ‪ 3‬و ‪،4‬وانظر قرار ‪ ،2007/ 1447‬اساس ‪ ،1258‬محكمة‬ ‫النقض‪ ،‬الدوائر املدنية‪ ،‬قاعدة ‪ ،739‬مجلة اﶈامون ‪ 2008‬اصدار ‪ 11‬و ‪ .12‬وقرار ‪ 2004/727‬اساس ‪ ،104‬الهيئة العامة ﶈكمة النقض‪،‬‬ ‫قاعدة ‪ 64‬مجلة القانون ‪ 2006/2004‬القسم املدني‪.‬‬ ‫(‪ )7‬قضت محكمة النقض السورية بأن [التملك باإللتصاق يقوم على دعامتني هما‪ :‬حسن النية واجلهل بعيوب السند‪ ]...‬قرار‬ ‫‪ ،2000/1030‬أساس‪ ،1707‬محكمة النقض‪ ،‬الدوائر املدنية‪ ،‬قاعدة ‪ ،288‬مجلة اﶈامون‪ ،‬إصدار ‪ 11‬و‪ .12‬وقضت أيضا [إذا بنى الباني فوق‬ ‫أرض يعتقد أنها ملكه ثم تبني بعد تصحيح القيود العقارية أنها ليست كذلك فإن هذا العامل يجب أن يكون موضع بحث في تقدير‬ ‫حسن النية] قرار ‪ ،1951/395‬أساس ‪ 408‬محاكم النقض‪ ،‬قاعدة ‪ 713‬مجلة اﶈامون‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪75‬‬


‫و مما ال شك فيه أنه إذا أثبت الباني اعتقاده مبلكية األرض املقام عليها البناء أن ذلك يقيد القاضي‬ ‫في اعتبار الباني سيء النية بل عليه اعتباره حسن النية فيما إقامه من بناء على أرض الغير (‪.)1‬‬ ‫أما عن حكم الباني سيء النية في القانون املدني الفرنسي أصبح واضحا وصريحا بعد أن أضاف‬ ‫املشرع الفرنسي الفقرة الرابعة لنص املادة[‪.)2( ]555‬‬ ‫في بداية األمر اقتصر املشرع الفرنسي على حكم واحد منفرد نصت عليه الفقرة األولى من نص‬ ‫املادة سالفة الذكر وهو (عندما تقام املزروعات واألبنية واإلنشاءات على يد شخص آخر وبواسطة مواد‬ ‫ميلكها هذا األخير‪ ،‬يحق ملالك العقار‪ ،‬إما أن يحتفظ مبلكيتها و‪/‬أو أن يجبر اآلخر على نزعها)‪.‬‬ ‫وملا كانت هذه الفقرة ال تفرق بني الباني سيء النية وحسن النية‪ ،‬وملا كان حكمها فيه تفضيل‬ ‫ملصالح الباني على مصالح مالك األرض‪ ،‬إذ أن األخير مخير بني طلب متلك البناء مع دفع قيمته قائما‬ ‫مضافا إليه أجرة العمل أو طلب اإلزالة‪ ،‬وجهت انتقادات فقهيه أجبرت املشرع الفرنسي على إضافة‬ ‫الفقرة الرابعة‪ ،‬ومبوجب هذه الفقرة حدد املشرع حالة الباني حسن النية‪ ،‬فقد نصت على أنه ( إذا كانت‬ ‫املزروعات واألبنية واإلنشاءات قد أقيمت على يد شخص آخر رفعت يده عن العقار و لم يحكم عليه برد‬ ‫الثمار حلسن نيته‪ ،‬ال يستطيع املالك أن يطلب إزالة اإلنشاءات واألبنية واملزروعات املذكورة‪ ،‬وإمنا يكون له‬ ‫اخليار في أن يسدد لآلخر أحد املبلغني املشار اليهما في الفقرة السابقة )‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من التعديل الذي أجراه املشرع الفرنسي بإضافة الفقرة الرابعة‪ ،‬إال أن هذا التعديل‬ ‫لم يكن كافيا وشافيا‪ ،‬فكما هو واضح من نص الفقرة الرابعة املضافة عالج املشرع الفرنسي حالة‬ ‫الباني حسن النية دون أن يبني أي حكم للباني سيء النية‪ ،‬وإذا ما أخذنا باملفهوم اجملالف للفقرة الرابعة‬ ‫(عبارة رفعت يده عن العقار) يكون الباني سيء النية عندما يقيم بناء على أرض ال ميلك سند ملكية لها‬ ‫أو أنه ميلك سند ملكية شابه البطالن مع العلم بهذا البطالن‪.‬‬ ‫وعن مقدار التعويض الذي يلزم مالك األرض بتسديده للباني سيء النية‪ ،‬لم يحدده املشرع‬ ‫الفرنسي‪ ،‬فما هو وراد في الفقرة الثالثة متعلقة بالباني حسن النية فقط‪ ،‬وعلى ضوء ذلك ترك املشرع‬ ‫حتديد القيمة للقاضي ومما ال شك أن هذا السلوك محل نقد‪ ،‬وسبب ذلك أن قيمة وأسس تقدير قيمة‬ ‫البناء سوف تختلف من قاض آلخر‪ ،‬كما أن املشرع لم يقرر حقا للباني سيء النية في طلب إزالة البناء إذا‬ ‫كانت اإلزالة غير مضرة بأرض املالك‪.‬‬ ‫عبء إثبات سوء نية الباني‬ ‫يعتبر الباني سيء النية _حسب ما ورد في نص املادة (‪ )1269‬من قانون املعامالت املدنية اإلماراتي‬ ‫ونص املادة (‪ )924‬من القانون املدني املصري_ كل من يقيم بناء على أرض يعلم أنها مملوكة للغير‪ ،‬أو أن‬ ‫ليس له احلق في إقامة البناء على أرض الغير ‪ ،‬وعلى ذلك فإن عبء اإلثبات يختلف بحسب احلالة‪:‬‬ ‫احلالة األولى‪ :‬إذا كان الباني على علم بأن األرض املقام عليها البناء ملك للغير‪.‬‬ ‫وفي هذه احلالة يقع عبء اإلثبات على عاتق مالك األرض؛ ألن األصل حسن نية الباني‪ ،‬وميكن ملالك األرض‬ ‫إثبات عكس حسن نية الباني بإحدى الوسيلتني التاليتني‪ ،‬الوسيلة األولى‪ :‬إثبات علم الباني بأن ملكية‬ ‫األرض تعود للغير وله إثبات ذلك بكافة طرق اإلثبات‪ ،‬ألن االدعاء بالعلم يعتبر واقعة مادية‪ ،‬والواقعة املادية‬ ‫يجوز إثباتها بكافة طرق اإلثبات(‪ ،)3‬الوسيلة الثّانية‪ :‬رمبا كانت أسهل على مالك األرض من احلالة األولى‬ ‫وهي أن يثبت أن األرض الذي أقيم عليها البناء تعود ملكيتها له من خالل تقدمي سند ملكيتها‪.‬‬ ‫عى الباني بأن له احلق في إقامة البناء على أرض الغير‪ .‬وهنا‬ ‫ّانية‪ :‬إذا اد ّ‬ ‫احلالة الث ّ‬ ‫عبء اإلثبات يقع على عاتق الباني‪ ،‬أي إثبات حسن نيته عند إقامة البناء‪ ،‬كأن يثبت أن البناء مت بإذن مالك‬ ‫األرض وموافقته‪ ،‬وله إثبات ذلك بكافة طرق اإلثبات وكما قد تكون املوافقة سابقة على إقامة البناء قد‬

‫(‪ )1‬غا لبية الفقه يعتبر تقدير سوء نية الباني من حسن نيته من األمور التي يستقل بتقديرها قاضي املوضوع دون رقابة عليه من‬ ‫محكمة التمييز أو االحتادية العليا أو النقض املصرية‪.‬‬ ‫(‪ )2‬وذلك مبوجب القانون رقم ‪/17‬آيار‪.1960/‬‬ ‫(‪ )3‬د‪ .‬عبد احلميد النجاشي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.104‬‬

‫‪76‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫تكون الحقة‪ ،‬كأن يتم البناء بحضوره وعدم اعتراضه‪ ،‬وقد يتم تسجيل االتفاق على إقامة البناء في‬ ‫السجالت اخلاصة لألرض‪.‬‬

‫املطلب الثّاني‬ ‫آثار ثبوت سوء نية الباني‬

‫أقر املشرّع عدة آثار في حال ثبوت سوء نية الباني‪ ،‬وهذه اآلثار منها ما يتعلق مبالك األرض وميكن‬ ‫حصر هذه اآلثار بحق طلب متلك البناء الذي أقامه الباني سيء النية أو طلب إزالته‪ ،‬ومنها ما يتعلق‬ ‫بالباني سيء النية وهي حقه في طلب إزالة ما بناه إذا لم يحدد مالك األرض موقفه‪ ،‬وطلب التعويض من‬ ‫مالك األرض في حال متلك األخير البناء‪ ،‬مع وجود بعض الفوارق في هذه اآلثار بني القانون اإلماراتي‬ ‫والقانون املصري‪.‬‬ ‫وعليه سنقسم هذا املطلب إلى فرعني‪ ،‬األول‪ :‬نبحث فيه خيارات مالك األرض‪ ،‬الثاني‪ :‬نبحث فيه‬ ‫حقوق الباني سيء النية‪.‬‬ ‫الفرع األول‬ ‫خيارات مالك األرض‬ ‫تختلف خيارات مالك األرض في قانون املعامالت املدنية اإلماراتي عن اخليارات التي انتهى إليها‬ ‫القانون املدني املصري‪ ،‬فقد نصت املادة (‪ )1269‬من القانون اإلماراتي على (‪.....‬كان للمالك أن يطلب إزالة‬ ‫اﶈدثات على نفقة من أحدثها فإذا كانت اإلزالة مضرة باألرض فله أن ميتلك اﶈدثات بقيمتها مستحقة‬ ‫اإلزالة)‪ .‬وتنص املادة (‪ )924‬من القانون املدني املصري على ( كان لهذا _مالك األرض_ أن يطلب إزالة‬ ‫املنشآت على نفقة من أقامها مع التعويض إن كان له وجه‪ ،‬وذلك في ميعاد سنة من اليوم الذي يعلم‬ ‫فيه بإقامة املنشآت أو أن يطلب استبقاء املنشآت مقابل دفع قيمها مستحقة اإلزالة‪ ،‬أو دفع مبلغ يساوي‬ ‫ما زاد في ثمن األرض بسبب هذه املنشآت)‪.‬‬ ‫لذا سنبحث_ أوال_ خيارات مالك األرض في قانون املعامالت املدنية اإلماراتي ثم_ ثانيا_ خيارات‬ ‫مالك األرض في القانون املدني املصري‪.‬‬ ‫اوال‪ :‬خيارات مالك األرض في قانون املعامالت املدنية اإلماراتي‪:‬‬ ‫اإلماراتي لم يرأف بحالة الباني سيء النية‪ ،‬حيث إنه قدم‬ ‫من النص أعاله يتبني أن املشرّع‬ ‫ّ‬ ‫مصلحة مالك األرض على مصلحته‪ ،‬وذلك من خالل ترك اتخاذ القرار في حتديد مصير البناء ملالك األرض‬ ‫وليس للباني‪ ،‬وتطبيقا لنص املادة (‪ )1269‬ينحصر قرار املالك في نقطتني‪.‬‬ ‫النقطة األولى‪ :‬طلب إزالة البناء‪.‬‬ ‫جزاء للباني سيء النية الذي يقيم بناء على أرض وهو يعلم أنها غير مملوكة له‪ ،‬أو ليس له احلق‬ ‫في إقامة البناء على أرض الغير‪ ،‬أعطى القانون اإلماراتي حقا ملالك األرض في طلب إزالة البناء عن أرضه‬ ‫وعلى نفقة الباني سيء النية ودون دفع أي تعويض له‪.‬‬ ‫وإن كان القانون اإلماراتي أعطى حقا ملالك األرض أن يطلب من الباني سي النية إزالة البناء‪ ،‬إال أ ّن‬ ‫بعض الباحثني(‪ )1‬يرى أن القانون اإلماراتي لم يقرر ملالك األرض حرية االختيار بني طلب إزالة البناء أو طلب‬ ‫متلكه‪ ،‬فمالك األرض أصبح مالكا للبناء من تاريخ اندماجه باألرض‪ ،‬لذلك فإن مالك األرض قد يعبر عن‬ ‫عدم رغبته في متلك البناء فيطلب من الباني سيء النية إزالته‪ ،‬أي أن سلطة مالك األرض في طلب إزالة‬ ‫البناء ليست بديال عن اكتساب ملكية البناء وإمنا هي أثر له‪ ،‬فمالك األرض إذا مخير بني إزالة البناء أو‬ ‫االستمرار في متلكه وليس اكتسابه أو عدم اكتسابه‪.‬‬ ‫وإن كان الرأي السابق به من املنطق الكثير وميتاز بأنه واقعي‪ ،‬خصوصا أن القانون اإلماراتي لم يحدد‬ ‫ملالك األرض مدة زمنية لطلب إزالة البناء عن أرضه أو طلب متلكه‪ ،‬مما يعني أن البناء قد يبقى فترة طويلة‬ ‫من دون مالك حتى يختار مالك األرض أحد اخليارين‪ ،‬إال أنه _باعتقادي_أن طلب إزالة البناء ال ينبع من أن‬ ‫مالك األرض قد أصبح مالكا للبناء أو ال من تاريخ اندماجه باألرض‪ ،‬وإذا طلب إزالته يختار إزالة ما ميلك‬ ‫)‪ (1‬د‪ .‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪77‬‬


‫على نفقة الباني سيء النية‪ ،‬وإمنا طلب إزالة البناء هي رخصة مصدرها القانون وغايتها اﶈافظة على حق‬ ‫امللكية بشكل عام وعناصر حق امللكية بشكل خاص‪ ،‬فصاحب األرض_ باعتباره مالكها_ هو الوحيد‬ ‫الذي له حق استعمال أو استغالل أرضه‪ ،‬فحقه في ملكية األرض مينحه أن مينع أي شخص يريد مشاركته‬ ‫في أرضه حتى وإن لم يلحقه ضرر من مشاركة الغير له‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬طلب إزالة البناء يكون على شكل دعوى وبالذات دعوى ملكية ليثبت املالك‬ ‫ملكيته لألرض التي أقام عليها الباني البناء‪ ،‬فال يجوز له املطالبة بإزالة البناء أو متلكه إال بعد أن يثبت‬ ‫ملكية األرض املقام عليها البناء(‪.)2‬‬ ‫وفي حال أن ثبتت ملكية األرض للمدعي _املالك_ يلزم الباني بإزالة البناء الذي أقامه عن األرض‬ ‫وعلى نفقته‪ ،‬وإذا نازع الباني سيء النية مالك األرض برفضه إزالة البناء‪ ،‬فليس_ حسب رأي الباحث_‬ ‫أمامه إال إقامة دعوى تعد يطلب فيها إعادة األرض إلى حالتها األولى قبل البناء‪ .‬فيجب التمييز بني دعوى‬ ‫التثبت من امللكية ودعوى التعدي‪ ،‬فكل منهما موضوعها مختلف عن األخرى‪ ،‬ويجوز ملالك األرض‬ ‫إقامتهما في دعوى واحدة أو دعويني منفصلتني على أن تقام دعوى امللكية قبل دعوى التعدي‪.‬‬ ‫وعلى القاضي االستجابة لطلب مالك األرض بإزالة البناء الذي أقامه الباني سيء النية عن أرضه‪،‬‬ ‫حتى وإن تبني للقاضي أن إزالة البناء تلحق ضررا بالباني سيء النية‪ ،‬وعلى القاضي أيضا أن يقضي باإلزالة‬ ‫حتى وإن تبني له أن البناء لم يسبب ضررا للمالك(‪ ،)3‬وسبب إلزامية القاضي باالستجابة لطلب مالك‬ ‫األرض أن البناء على أرض الغير فيه اعتداء على حق مالك األرض حيث مينعه من استعمالها أو استغاللها‪،‬‬ ‫وأخيرا يجب على القاضي أن يقضي باإلزالة حتى ولو كانت قيمة البناء قائما أكثر من قيمة األرض (‪.)4‬‬ ‫وإلى جانب طلب اإلزالة‪ ،‬ملالك األرض أن يطلب من الباني سيء النية التعويض عن األضرار التي‬ ‫أصابته من جراء إقامة البناء على أرضه‪ ،‬فقد تكون األرض مزروعة باألشجار ومتت إزالها بالبناء‪ ،‬أو أن البناء‬ ‫جعل منها أرضا غير قابلة للزراعة أو قلل من املنفعة بها(‪ ،)5‬وإن كان القانون اإلماراتي لم ينص في املادة‬ ‫(‪ )1269‬على حق مالك األرض في طلب التعويض_ على عكس القانون املدني املصري‪ ،‬إال أن ملالك األرض‬ ‫االحتكام لقواعد املسؤولية التقصيرية ملقاضاة الباني سيء النية(‪ .)6‬وإلى جانب األضرار املادية‪ ،‬على الباني‬ ‫سيء النية تعويض مالك األرض عن ما فاته من كسب‪ ،‬مضاف إليه نفقات ومصاريف الدعوى وتصليح‬ ‫األرض وغير ذلك مما حلقه من خسارة‪.‬‬ ‫وليس للباني سيء النية أن يطالب بإلزام مالك األرض بإبقاء البناء مقابل أن يدفع له تعويضا‬ ‫عادال نظير قيمة األرض‪ ،‬وذلك ألن الباني ارتكب فعل إضرار باآلخر وهو إقامة بناء أرض يعلم أنها ليست‬ ‫ملكه أو أنه ليس احلق في إقامة هذا البناء‪ ،‬ولذلك عليه أن يتحمل تبعة فعله‪ .‬من جانب ثان تخويل الباني‬ ‫سيء النية احلق في إلزام مالك األرض بإبقاء البناء رخصة قانونية لالعتداء على أراضي الغير (‪ .)7‬وال‬ ‫يستطيع الباني سيء النية أن يتمسك في مواجهة مالك األرض مببدأ عدم جواز التعسف في استعمال‬ ‫(‪)8‬‬ ‫احلق وذلك لسوء نيته ‪.‬‬

‫)‪ (1‬من اﺠﻤﻟمع عليه _فقها و قضائيا_ أن كلمة الطلب الواردة باملادة (‪ )1269‬من قانون املعامالت املدنية _‪ 924‬مدني مصري_ تعني‬ ‫إقامة دعوى لدى القاضي اجملتص‪ .‬انظر قرار محكمة النقض املصرية رقم ‪ 2394‬جلسة ‪ ،1988/6/14‬لسنة ‪ 55‬قضائية‪ .‬والطعن رقم‬ ‫‪ 1236‬جلسة ‪ ،1978/5/17‬لسنة ‪ 29‬قضائية‪.‬‬ ‫)‪ (2‬د‪ .‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.273‬‬ ‫(‪ )3‬محمد سوار‪ ،‬شرح القانون املدني األردني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .96‬مفهوم اإلزالة يعني هدم البناء ثم إزالته انتقاضا من أرض املالك‪.‬‬ ‫(‪ )4‬د‪.‬محمد كامل مرسي‪ ،‬شرح القانون املدني‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬أسباب كسب امللكية‪ ،‬منشآت املعارف‪ ،‬ص‪.)2005( ،103‬‬ ‫(‪ )5‬د‪.‬عبد احلميد الشواربي‪ ،‬التعليق املوضوعي على القانون املدني‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬منشآت املعارف‪،‬‬ ‫األسكندرية‪ ،‬ص ‪.)2002( ،798‬‬ ‫(‪ )6‬انظر املادة ‪ 282‬من قانون املعامالت املدنية اإلماراتي واملواد من ‪ 299‬إلى ‪ 312‬والتي تنظم املسؤولية عن األعمال الشخصية‪.‬‬ ‫(‪ )7‬د‪.‬ضحى النعمان‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.42‬‬ ‫(‪ )8‬د‪.‬حسام األهواني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.62 ،‬وبعكس ذلك يرى بعض الباحثني أن حق املالك في طلب اإلزالة يخضع لقاعدة التعسف في‬ ‫استعمال احلق‪ ،‬ألن األزالة تعني الهدم‪ ،‬والهدم يتعارض مع روح العصر في التشجيع على البناء‪ ،‬د‪.‬رمضان أبو السعود‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص‪.159‬‬

‫‪78‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫النقطة الثانية‪ :‬طلب متلك البناء‬ ‫كما أن قانون املعامالت املدنية اإلماراتي أعطى_ حسب نص (‪ _ )1269‬مالك األرض حق طلب إزالة‬ ‫البناء الذي أقامه الباني سيء النية على أرضه‪ ،‬ومنحه أيضا حق االحتفاظ بهذا البناء ومت ّلكه طبقا‬ ‫ألحكام االتصال‪ ،‬مقابل دفع قيمته مستحق اإلزالة (‪.)1‬‬ ‫ويرى بعض الباحثني(‪ )2‬أن مالك األرض يصبح مالكا للبناء الذي أقامه سيء النية من وقت إقامته‬ ‫أو كما ع ّبر من وقت اندماج البناء باألرض‪ ،‬فإذا اختار مالك األرض اإلبقاء على البناء فذلك يعني االستمرار‬ ‫في ملكيته للبناء وليس لكسب ملكيته‪.‬‬ ‫وإذا كان الرأي السابق قد أصاب العدالة‪ ،‬فإنه _باعتقادي_ ال يتوافق في جميع احلاالت مع القانونني‬ ‫اإلماراتي واملصري‪.‬‬ ‫فحسب القانون املدني اإلماراتي يكون اختيار مالك األرض متلك البناء الذي أقامه الباني سيء‬ ‫النية‪ ،‬موقوفا على أن تسبب اإلزالة ضررا جسيما في األرض‪ ،‬فإذا كان قرار اإلزالة الذي يتخذه مالك األرض‬ ‫ال يخضع لتقدير القاضي وإمنا هو حرية له‪ ،‬فإن قرار متلك البناء باالتّصال ال يجوز له التمسك به إال إذا‬ ‫أثبت للقاضي أن إزالة البناء قد تلحق ضررا جسيما في األرض‪ ،‬أي أن متلك البناء استثناء من األصل وهو‬ ‫اإلزالة‪ ،‬إذ للباني احلق في إزالة ما أقامه من بناء ما دامت اإلزالة ال تلحق باألرض ضررا‪ ،‬وحتى ولو عرض مالك‬ ‫األرض دفع تعويض له مقابل قيمة البناء يبقى حق اإلزالة خيار للباني‪.‬‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬قد يتحول مالك األرض إلى سيء النية إذا علم بأعمال البناء ولم يطلب من الباني‬ ‫التوقف عن االستمرار في أعمال البناء‪ ،‬خاصة أن التعويض الذي يلزم بدفعه للباني قد يكون تافها مقابل‬ ‫القيمة احلقيقة للبناء‪.‬‬ ‫ومن جانب أخير‪ ،‬استقر الفقه على أن تقدير قيمة البناء يكون وقت االستحقاق وليس وقت إقامة‬ ‫البناء(‪.)3‬‬ ‫ويرى الباحث أن شرط إصابة األرض بضرر جسيم لتملك البناء‪ ،‬فيه من السلبيات ما يفوق‬ ‫إيجابياته‪ ،‬فهو من ناحية يوسع من نطاق اإلزالة‪ ،‬ومن ناحية أخرى إهدار للقيمة االقتصادية للمواد وأجرة‬ ‫اإلماراتي _ وحسب نص املادة (‪_ )1269‬‬ ‫العمل املستخدمة في إقامة البناء‪ ،‬ومن ناحية ثالثة فإن املشرّع‬ ‫ّ‬ ‫ناقض نفسه بنفسه‪ ،‬فبينما شجع مالك األرض على طلب متلك البناء بأن ألزمه دفع تعويض ضئيل‬ ‫للقيمة احلقيقية للبناء‪ ،‬عاود واشترط لذلك إصابة األرض بضرر جسيم‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫وطلب متلك البناء قد يكون صريحا كما قد يكون ضمنيا كأن يبيع املالك األرض وما عليها ‪ ،‬وإذا‬ ‫طلب الباني سيء النية من مالك األرض متلك البناء الذي أقامه‪ ،‬فليس له بعد ذلك أن يطلب اإلزالة حتى‬ ‫وإن لم تسبب اإلزالة ضررا باألرض‪ ،‬وكذلك إذا طلب مالك األرض متلك البناء فال يجوز له بعد ذلك الرجوع‬ ‫عن طلبه ويطلب اإلزالة (‪.)5‬‬ ‫ثانيا‪ :‬خيارات مالك األرض في القانون املدني املصري‬ ‫هنالك تشابه من ناحية بني القانونني اإلماراتي واملصري في قواعد االتّصال ملتعلقة بالباني سيء‬ ‫النية‪ ،‬واختالف من ناحية أخرى‪ ،‬فإذا متعنا في نص املادة (‪ )1269‬من قانون املعامالت املدنية اإلماراتي ونص‬ ‫املادة (‪ )924‬من القانون املدني املصري‪ ،‬نستنتج أن كال من القانونني _وهنا نقطة التشابه_ خوال مالك‬ ‫األرض إلزام الباني سيء النية بإزالة ما أقامه من بناء على أرضه وعلى نفقته وعلى إعادة األرض إلى‬ ‫حالتها األولى قبل البناء‪.‬‬ ‫أما عن نقاط االختالف فقد أضاف املشرّع املصر ّي في نص املادة (‪ )924‬أحكاما _ منها ما هو إجرائي‬ ‫ومنها ما هو موضوعي_ تتعلق بحقوق والتزامات كل من صاحب األرض والباني سيء النية‪ ،‬وميكن حصر‬ ‫نقاط االختالف في اآلتي‪:‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ .‬علي العبيدي‪ ،‬احلقوق العينية األصلية وفقا ألحكام قانون املعامالت املدنية األمارتي‪ ،‬اآلفاق املشرقة للنشر‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬ص‪،141‬‬ ‫(‪.)2013‬‬ ‫‪.‬‬ ‫)‪ (2‬د‪ .‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪112‬‬ ‫(‪ )3‬د‪ .‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،270‬د‪ .‬محمد عرفه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،375‬د‪ .‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬مرجع‬ ‫سابق ص‪.379‬‬ ‫(‪ )4‬د‪.‬محمد سوار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.98‬‬ ‫(‪ )5‬د‪.‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪79‬‬


‫أ_ طلب متلك البناء ليس موقوفا على إصابة األرض بضرر جراء اإلزالة‪.‬‬ ‫ب_ حق مالك األرض في طلب التعويض عن الضرر الذي يلحق باألرض بسبب إزالة البناء‪.‬‬ ‫ج_ حدد املشرّع املصر ّي مدة زمنية تطلب فيها إزالة البناء‪.‬‬ ‫د_ خير املشرّع املصر ّي صاحب األرض_ إذا طلب متلك البناء_ بني دفع أقل القيمتني؛ قيمة البناء‬ ‫مستحق اإلزالة و قيمة ما زاد في ثمن األرض بسبب البناء‪.‬‬ ‫ه_ حق الباني سيء النية في طلب نزع البناء من أرض الغير ‪ ،‬إذا لم يخ َتر مالك األرض متلك البناء‪،‬‬ ‫وسنبحث النقاط الثالثة األولى على أن نرجىء النقاط املتبقية حلني بحث موضوعاتها الحقا‪.‬‬ ‫أ_يجوز ملالك األرض طلب متلك البناء وإن كانت إزالته غير مضرة باألرض‪ ،‬إذا رجعنا لروح نص املادة)‪(924‬‬ ‫نستنتج أن القانون املدني املصري لم يوقف متلك البناء على حتقق الضرر ألرض املالك‪ ،‬كما اشترط القانون‬ ‫اإلماراتي‪ ،‬فمالك األرض مخير بني أمرين؛ طلب إزالة البناء‪ ،‬أو متلكه‪.‬‬ ‫ب _حق مالك األرض في مطالبة الباني سيء النية بالتعويض عما أصاب األرض من ضرر جراء إزالة البناء‪.‬‬ ‫نصت الفقرة األولى من املادة )‪ (924‬على (‪ .....‬كان لهذا (مالك األرض) أن يطلب إزالة املنشآت على‬ ‫نفقة من أقامها مع العوض إن كان له وجه)‪.‬‬ ‫طبقا للنص السابق يلزم الباني سيء النية دفع تعويض ملالك األرض إذا تضررت أرضه نتيجة إزالة‬ ‫البناء‪ ،‬وسواء كانت اإلزالة بناء على طلب من مالك األرض أو متت بناء على طلب من الباني نفسه‪ ،‬أما عن‬ ‫مقدار التعويض فإن املشرّع املصر ّي لم يحدد مقدار التعويض‪ ،‬كما فعل مع صاحب األرض إذ طلب متلك‬ ‫البناء وإمنا يجب الرجوع إلى القواعد العامة‪.‬‬ ‫ج_ طلب إزالة البناء خالل مدة محددة‬ ‫نصت الفقرة األولى من املادة )‪ (294‬على (‪ .....‬كان لهذا إزالة املنشآت على نفقة من أقامها مع‬ ‫)‪(1‬‬ ‫التعويض إن كان له وجه‪ ،‬وذلك في ميعاد سنة من اليوم الذي يعلم بإقامة املنشآت(‬ ‫اإلماراتي ترك الوقت مفتوحا ملالك األرض ملمارسة حقه في اختيار إزالة البناء عن أرضه أو‬ ‫إن املشرّع‬ ‫ّ‬ ‫استبقائه وطلب متلكه‪ ،‬ويترتب على ذلك أن مالك األرض يستطيع أن يطلب إزالة البناء أو متلكه خالل‬ ‫خمس عشرة سنة من تاريخ إقامة البناء ومعرفة الباني‪ ،‬ومما ال شك فيه أن عدم حتديد مدة معينة ملالك‬ ‫األرض لتحديد اختياره بني إزالة البناء أو متلكه له سلبيات متعددة‪ ،‬فإضافة أنه يؤذي املركز املالي للباني إذ‬ ‫أن ترك البناء مدة طويلة دون استخدام يؤدي إلى تلفه‪ .‬وباعتقادي في حال تراخى مالك األرض عن حتديد‬ ‫اختياره‪ ،‬فإن للباني سيء النية(‪ )2‬احلق في إقامة دعوى على مالك األرض يطلب فيها السماح له بإزالة‬ ‫البناء شرط دفع تعويض عن أضرار اإلزالة‪ ،‬أو ليطلب حتديد موقف مالك األرض من إزالة البناء أو متلكه‪.‬‬ ‫لقد تدارك املشرّع املصر ّي عواقب صمت مالك األرض عن حتديد موقفه من البناء املقام على‬ ‫أرضه‪ ،‬وذلك من خالل تقييده بفترة زمنية أجبره خاللها على استعمال خياره‪ ،‬وحدد القانون املدني املصري‬ ‫(‪)3‬‬ ‫في نص املادة (‪ )924‬تلك املدة بسنة من اليوم الذي يعلم فيه بإقامة الباني سيء النية البناء على أرضه‬ ‫ومبقتضى هذه املادة يكون ملالك األرض خالل السنة من تاريخ العلم بالبناء (‪ )4‬اخليار ما بني حالتني‪.‬‬ ‫احلالة األولى‪ :‬إقامة دعوى إلزالة البناء (‪ )5‬عن أرضه وعلى نفقة الباني سيء النية وإعادة األرض إلى‬ ‫أصلها الذي كانت عليه قبل إقامة البناء وطلب التعويض عن األضرار التي قد تصيب األرض(‪.)6‬‬ ‫)‪ (1‬ونص القانون املدني اجلزائري في املادة (‪ )784‬والقانون املدني الكويتي في املادة (‪ )882‬على احلكم ذاته‪.‬‬ ‫(‪ )2‬د‪ .‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 118‬‬ ‫(‪ )3‬والعلم بإقامة البناء غير كاف‪ ،‬البد أيضا معرفة الباني ألن اإلزالة تكون على نفقته‪.‬د‪.‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.118‬‬ ‫(‪ )4‬ويقع على عاتق الباني سيء النية عبء إثبات مرور سنة على العلم‪ ،‬وله أن يثبت ذلك بكافة أدلة اإلثبات ألن العلم واقعة مادية‪.‬‬ ‫(مفاد املادة ‪ 924‬من القانون املدنى انه إذا كان صاحب األدوات البانى فى أرض غيره سىء النية كان لصاحب األرض أن يطلب اإلزالة على‬ ‫نفقة البانى وإعادة الشىء الى أصله مع التعويض إن كان له محل وذلك فى ميعاد سنة من اليوم الذى يعلم فيه بإقامة املنشآت‪ ،‬فإذا‬ ‫مضت سنة أو إذا طلب صاحب األرض استبقاء املنشات متلك األخير هذه املنشات مقابل دفع أقل القيمتني قيمة البناء مستحقا اإلزالة‬ ‫أو مازاد فى ثمن األرض بسبب البناء‪ ،‬وال يعتبر ميعاد السنة التى يتعني فيها طلب اإلزالة أمام القضاء وإال سقط احلق فيه) الطعن‬ ‫رقم‪ 3952‬لسنة ‪ ،66‬قضائية‪ ،‬جلسة ‪1997 / 12 / 27‬‬ ‫(‪ )5‬إقامة دعوى اإلزالة شرط اقتضته محكمة النقض املصرية‪ ،‬انظر القرار رقم ‪ ،248‬لسنة ‪ 42‬قضائية‪ ،‬جلسة ‪.1978/5/17‬‬ ‫(‪ )6‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.273‬‬

‫‪80‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫وعلى الباني سيء النية تنفيذ قرار اﶈكمة إذا استجابت لدعوى املالك بهدم ما أقامه من بناء على أرض‬ ‫الغير ورفع أنقاضه عن أرض املالك (‪.)1‬‬ ‫احلالة الثانية‪ :‬استبقاء البناء وطلب متلكه حسب أحكام االتّصال وليس على مالك األرض ضرورة‬ ‫إقامة دعوى لتملك البناء كما في حالة طلب اإلزالة‪ ،‬فما عليه سوى دفع التعويض القانوني للباني بعد‬ ‫تقديره من قبل اخلبراء (‪ .)2‬وملالك األرض إقامة دعوى خالل سنة ملنع الباني سيء النية من إزالة البناء إذا‬ ‫أبدى رغبته في اإلزالة‪.‬‬ ‫أما إذا انقضت سنة على علم مالك األرض بوجود البناء على أرضه ومعرفة الباني‪ ،‬دون أن يعلن‬ ‫عن إرادته في اختيار إزالة البناء أو متلكه‪ ،‬فإن مالك األرض ميتلك البناء بحكم القانون‪ ،‬ويفقد حقه في‬ ‫إقامة دعوى إزالة ويلزم بدفع التعويض للباني (‪.)3‬‬ ‫الفرع الثاني‬ ‫حقوق الباني سيء النّ ّية‬ ‫نص كل من القانونني اإلماراتي واملصري على حقوق الباني بالرغم من ثبوت سوء نيته في إقامة‬ ‫البناء على أرض الغير ‪ ،‬وحسب املادة (‪ )1269‬من قانون املعامالت املدنية اإلماراتي ونص املادة (‪ )924‬من‬ ‫القانون املدني املصري‪ .‬ميكننا حصر حقوق الباني سيء النية في النقطتني التاليني‪ :‬النقطة األولى‪ :‬طلب‬ ‫قيمة أنقاض البناء‪ ،‬النّقطة الث ّانية‪ :‬إزالة البناء وأخذه منقوضا‪ ،‬ولكن يجب التنويه إلى أن حق الباني‬ ‫مرتبط مبا اختاره مالك األرض‪ ،‬أي أن القانونني اإلماراتي واملصري قيدا إرادة الباني سيء النية في طلب حقه‬ ‫على ما حدده مالك األرض‪ ،‬من إزالة البناء أو طلب استبقائه ومتلكه حسب أحكام االتّصال ]االلتصاق[‪،‬‬ ‫فال قول للباني سيء النية على مالك األرض‪ ،‬فإذا اختار إزالة البناء فال حق للباني على مالك األرض‪.‬‬ ‫النقطة األولى‪ :‬طلب قيمة أنقاض البناء‬ ‫إن كال من القانونني اإلماراتي واملصري أعطى مالك األرض_ كما أسلفنا_ طلب استبقاء البناء‬ ‫الذي أقامه الباني سيء النية على أرضه ومتلكه باالتّصال (‪ ،)4‬فإذا أظهر مالك األرض رغبته في متلك البناء‬ ‫يعد مبثابة اعتراف منه بفائدة البناء على األرض مما يتعني عليه دفع تعويض للباني سيء النية (‪ ،)5‬وبتملك‬ ‫مالك األرض البناء فإنه يكون قد استولى على شيء ليس له‪ ،‬لذلك عليه أن يدفع تعويضا للباني سيء‬ ‫النية وهذا ما نصت عليه املادتان (‪ )1269‬مدني إماراتي واملادة (‪ )924‬مدني مصري‪.‬‬ ‫إال أن القانونني اإلماراتي واملصري وبرغبة منهما في ردع البناء على أرض الغير دون إذنه‪ ،‬ومجازاة‬ ‫سولت له نفسه ذلك وأقام بناء على أرض الغير وهو على علم بذلك‪ ،‬أو أنه ليس له احلق في إقامة‬ ‫كل من ّ‬ ‫البناء عليها‪ ،‬فقد عامال الباني سيء النية معاملة قاسية_ إذا صح التعبير_ متثلت في تعويض يحصل‬ ‫عليه من مالك األرض‪ ،‬إال أنه ال يتناسب مع الضرر الناجم عن متلك مالك األرض للبناء (‪ ،)6‬فمن جانب قيمة‬ ‫التعويض الذي يلزم مالك األرض دفعه للباني سيء النية يقدر بقيمة البناء مستحق اإلزالة‪ ،‬أو (حسب‬ ‫احلكم الذي انفرد به القانون املدني املصري) قيمة ما زاده البناء في ثمن األرض‪ ،‬من جانب ثان‪ ،‬التعويض ال‬ ‫يشمل أجور العمل التي تكبدها الباني سيء النية إلقامة البناء‪.‬‬ ‫ولتفاصيل قيمة التعويض نتناول_أوال_ احلكم املشترك الذي نص عليه القانونان اإلماراتي واملصري‪،‬‬ ‫ثم_ثانيا_ احلكم الذي انفرد به القانون املدني املصري‪.‬‬

‫(‪ )1‬د‪.‬عبد احلميد الشواربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.798‬‬ ‫(‪ )2‬ونكون بحاجة للدعوى إذا نازع الباني مالك األرض حول قيمة البناء مستحق اإلزالة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬د‪.‬نبيل سعد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.331‬‬ ‫(‪ )4‬أو إذا متلك مالك األرض البناء بحكم القانون بعد مرور سنة على علمه بالبناء والباني‪.‬‬ ‫(‪ )5‬د‪.‬محمد عرفه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.298‬‬ ‫(‪ )6‬د‪.‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.103‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪81‬‬


‫اوال‪ :‬احلكم املشترك في تعويض الباني سيء النية‬

‫تنص املادة (‪ )1269‬من قانون املعامالت املدنية اإلماراتي على أنه (‪ ......‬أن يتملك اﶈدثات بقيمتها‬ ‫مستحقة اإلزالة) واملادة (‪ )924‬من القانون املدني املصري على أنه (‪ ......‬أن يطلب استبقاء املنشآت مقابل‬ ‫دفع قيمتها مستحقة اإلزالة)‪ .‬يتضح من النصني السابقني أن القانونني أخذا بذات احلكم املتعلق مبقدار‬ ‫التعويض الذي يلزم مالك األرض بدفعه للباني سيء النية وهو قيمة البناء مستحق اإلزالة‪ .‬فما هو‬ ‫املقصود بإصطالح قيمة البناء مستحق اإلزالة الوارد بالنصني أعاله؟‬ ‫يقصد بقيمة البناء مستحق اإلزالة‪ :‬افتراض هدم البناء وحتويله إلى أنقاض إضافة إلى ما ميكن نزعه‬ ‫من البناء قبل عملية الهدم كالشبابيك واألبواب وكل ما هو بحكم العقارات بالتخصيص‪ ،‬املقصود قيمة‬ ‫تلك األشياء بعد خصم نفقات النزع من إجمالي قيمة األنقاض_ألنه إذا لم يخ َتر مالك األرض متلك البناء‬ ‫(‪)1‬‬ ‫فإن الباني يلزم بإزالته على نفقته_ هي القيمة التي يلزم مالك األرض دفعها للباني سيء النية ‪.‬‬ ‫اإلماراتي واملصر ّي في الزام مالك األرض بدفع قيمة البناء مستحق اإلزالة وليس‬ ‫وحكمة املشرّع‬ ‫ّ‬ ‫قيمته احلقيقة‪ ،‬هي_ إضافة لكونها عقابا للباني_ تشجيع مالك األرض على طلب متلك البناء بدال من‬ ‫طلب إزالته(‪ ،)2‬مما يؤدي في النهاية إلى حتقيق مصلحة اقتصادية وهى االنتفاع من البناء‪.‬‬ ‫ومصدر التزام مالك األرض بدفع التعويض للباني سيء النية القانون وليس أحكام الكسب بال‬ ‫اإلماراتي واملصر ّي أقرّا تعويض الباني مبوجب نصوص خاصة‬ ‫سبب(‪ ،)3‬وهناك غاية من أن املشرّعني‬ ‫ّ‬ ‫(‪1269‬إماراتي‪ 924 ،‬مصري) وليس اإلحالة إلى أحكام الكسب بال سبب‪ ،‬فطبقا لتلك األحكام يلتزم‬ ‫املكتسب (وهو مالك األرض) رد ما اكتسبه للمفتقر( الباني)(‪ ،)4‬وإذا طبقنا تلك األحكام على مالك األرض‬ ‫يلزم بدفع تعويض للباني سيء النية بقيمة املواد املستخدمة في البناء مضاف إليها أجرة العمل‪ ،‬وهذا ما‬ ‫(‪)5‬‬ ‫ال يريده املشرّعون ‪.‬‬ ‫أما عن وقت تقدير التعويض (قيمة األنقاض) الذي يلزم مالك األرض دفعه للباني فقد اختلف‬ ‫الفقة في حتديد املوعد ولكل منها أسبابه‪ ،‬فبينما يرى بعضهم (‪ )6‬أن التعويض يقدر وقت االستحقاق‪ ،‬أي‬ ‫وقت إصدار حكم بتملك البناء‪ ،‬إذ في هذا الوقت يكتسب مالك األرض ملكية البناء وهو أيضا الوقت الذي‬ ‫يثري فيه مالك األرض على حساب الباني سيء النية‪ ،‬ومبا أن على املكتسب رد قيمة ما افتقر به املفتقر‬ ‫وقت الكسب‪ ،‬لذا يجب تقدير قيمة األنقاض في هذا التاريخ‪ ،‬ويرى بعض الباحثني (‪ )7‬أن مالك األرض ميتلك‬ ‫البناء وقت اندماجه باألرض وليس وقت االستحقاق‪ ،‬وهذا يقتضي تقدير التعويض وقت البناء‪ ،‬وهو الوقت‬ ‫الذي أثرى فيه مالك األرض على حساب الباني سيء النية‪ ،‬فالبناء قد دخل ذمة مالك األرض منذ هذه‬ ‫اللحظة وبالتالي يجب تقدير اإلثراء وقت حتققه‪ ،‬وباعتقادنا أن الرأي الثاني جدير بالتأكيد‪ ،‬أي أننا نؤيد أن‬ ‫يكون تقدير قيمة انقاض البناء وقت إقامته‪ ،‬ونعزز ذلك بأن قيمة أنقاض البناء قد ترتفع مع مرور الزمن مما‬ ‫يؤدي إلى عدم رغبة مالك األرض في طلب التملك‪ ،‬وإذا رغب في التملك يلزم بتحمل تعويض أكثر مما كان‬ ‫يجب دفعه‪ ،‬وذلك مغاير ملا يصبو إليه املشرعان اإلماراتي واملصري‪.‬‬ ‫ومعيار حتديد قيمة األنقاض في القانونني السوري والفرنسي يختلف عما أخذ به القانونان‬ ‫اإلماراتي واملصري‪ ،‬حيث يحظى الباني سيء النية في القانونني السوري والفرنسي بحظ أوفر‪ ،‬فقد نصت‬ ‫الفقرة الثالثة من املادة (‪ )890‬من القانون املدني السوري على (وإذا كان هذا الغير قد بنى أو غرس‪ ،‬فيلزم‬ ‫بهدم البناء وقلع األغراس ما لم يفضل مالك األرض إبقاءها لقاء دفعه لذلك الغير قيمة البناء واألغراس‬ ‫قبل البناء والغرس بعد حسم املصاريف التي يتكبدها الغير فيما لو ألزم بنزعها)‪.‬‬ ‫)‪ (1‬د‪.‬محمد كامل مرسي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.104‬‬ ‫)‪ (2‬د‪.‬عبد املنعم الصدة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.380‬‬ ‫(‪ )3‬د‪.‬عبدرالزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .272‬د‪.‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .147‬د‪.‬محمد كامل مرسي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص‪.104‬‬ ‫(‪ )4‬انظر املادة (‪ )318‬من قانون املعامالت املدنية اإلماراتي واملادة (‪ )179‬من القانون املدني املصري‪.‬‬ ‫(‪ )5‬وهو ما أخذ به القانون املدني األردني في املادة(‪ )1140‬وقانون امللكية العقارية اللبناني في املادة (‪.)217‬‬ ‫(‪ )6‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،270‬هامش ‪ .3‬د‪.‬عبد املنعم الصدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .379‬د‪.‬محمد كامل‬ ‫مرسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،110‬وهذا اجتهاد قضائي استقرت عليه محكمة النقض السورية‪ ،‬انظر القرار رقم ‪ ،1981 / 1613‬اساس‬ ‫‪ ،1344‬قاعدة ‪ ،74‬مجلة اﶈامون ‪ 1982‬إصدار ‪.2‬‬ ‫(‪ )7‬د‪.‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.144‬‬

‫‪82‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫وإعماال لهذا النص‪ ،‬يلزم مالك األرض بدفع تعويض للباني سيء النية يعادل قيمة مواد البناء قبل‬ ‫االستخدام‪ ،‬أي على تقدير على أنها جديدة (‪ ،)1‬وبكل تأكيد فإن قيمة ما هو جديد أكثر مما هو مستخدم‬ ‫فكيف إذا حتول الشيء املستخدم إلى أنقاض‪.‬‬ ‫ويحظى الباني سيء النية بحظ أكثر وفرة في القانون املدني الفرنسي‪ ،‬فقد نصت الفقرة الثالثة‬ ‫من املادة (‪ )555‬على أنه (إذا فضل مالك األرض االحتفاظ مبلكية األبنية واملزروعات واملنشآت‪ ،‬عليه أن يختار‬ ‫بني أن يسدد مبلغا للغير يساوي زيادة قيمة العقار‪ ،‬أو يدفع له ثمن املواد وأجرة اليد العاملة مقدرة بتاريخ‬ ‫التسديد‪ ،‬مع األخذ بحالة األبنية واملزروعات واملنشآت املذكورة بعني االعتبار)‪.‬‬ ‫طبقا للفقرة سالفة الذكر‪ ،‬على مالك األرض أن يدفع للباني سيء النية ثمن مواد البناء قبل‬ ‫استخدامها أي كمواد جديدة‪ ،‬كما نص املشرع السوري مضافا إليها أجرة العمل التى أنفقها الباني‬ ‫سيء النية إلقامة البناء‪ ،‬ولم يكتف املشرع الفرنسي بذلك‪ ،‬بل نص على أن تقدير قيمة املواد وأجرة‬ ‫العمل يكون وقت التملك وليس وقت إقامة البناء‪ ،‬مما يعني أن مالك األرض قد يلزم بدفع أكثر من الثمن‬ ‫الذي دفعه الباني وقت شرائها نظرا الرتفاع أسعار املواد‪.‬‬ ‫وملالك األرض خصم قيمة ثمار البناء التي حصل عليها الباني سيء النية‪ ،‬حيث يكون مسؤوال‬ ‫عن الثمار التي قبضها أو قصر في قبضها(‪ ،)2‬فإذا استغل الباني سيء النية البناء_ كتأجيره مثال _‬ ‫فلمالك األرض خصم بدل اإلجارة التي قبضها من قيمة التعويض املستحق له‪ .‬وأيضا ال تسري التصرفات‬ ‫القانونية التي يبرمها الباني سيء النية على البناء في وجه مالك األرض‪ ،‬حتى وإن كان هذا التصرف وقفا‬ ‫أو جعله محل عبادة‪ ،‬وسواء كانت تلك التصرفات قبل علم مالك األرض بوجود البناء أو بعد علمه‪.‬‬ ‫أيضا وطبقا ألحكام القانون‪ ،‬هناك واجب قانوني على الباني سيء النية_ لكي يتمكن من‬ ‫املطالبة بقيمة االنتقاض_ أال وهو اﶈافظة على البناء من الهالك أو التلف‪ ،‬فقد يقصر الباني إذا علم بأن‬ ‫مالك األرض يرغب في متلك البناء بواجبه في القيام مبا هو ضروري حلماية البناء من الهالك أو التلف‪،‬‬ ‫وبالتالي تنعقد مسؤوليته عن التقصير حتى وأن كان بسبب الهالك أو التلف الذي ال يد له فيه (‪.)3‬‬ ‫ومن أثرى على حساب الباني سيء النية هو امللتزم بدفع التعويض له (التزام رد ما افتقر به املفتقر)‪،‬‬ ‫والغالب أن مالك األرض هو من أثرى على حساب الباني سيء النية وعليه رد قيمة االفتقار‪ ،‬وإذا لم يقم‬ ‫مالك األرض برد قيمة االفتقار ليس أمام الباني سيء النية إال إقامة دعوى الكسب بال سبب‪ .‬وقد تثور‬ ‫صعوبة حتديد شخصية امللتزم بالتعويض (املدعى عليه) في حال إذا تغير مالك األرض من تاريخ إقامة‬ ‫البناء إلى تاريخ إقامة الدعوى‪ ،‬فعلى سبيل املثال قد يتصرف املالك في األرض كبيعها أو بيع ما عليها‪،‬‬ ‫فعلى من تقام الدعوى؟ على مالك األرض وقت إقامة البناء أم على مالك األرض وقت إقامة الدعوى؟‬ ‫الرأي الفقهي الغالب أن الدعوى التي يقيمها الباني سيء النية تقام على مالك األرض وقت‬ ‫إقامة الدعوى‪ ،‬وللمالك طلب إدخال الشخص الذي كان مالكا لألرض وقت البناء كطرف في الدعوى‪ ،‬أو‬ ‫الرجوع إليه بالضمان فيما بعد‪ ،‬ويرى الباحث أن هذا الرأي من شأنه أن يلحق الضرر مبالك األرض خاصة إذا‬ ‫كان حسن النية وقت انتقال ملكية األرض له‪ ،‬لذا نرى_ ومن وجه العدالة_ أن تقام الدعوى على مالك‬ ‫األرض وقت البناء(‪.)4‬‬ ‫وللباني سيء النية حق احتباس البناء الذي أقامة على أرض الغير حتى يستوفي حقه في‬ ‫التعويض كامال من مالك األرض‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك يرى بعضهم (‪ ،)5‬أنه ليس للباني سيء النية حق‬ ‫احتباس البناء‪ ،‬ذلك ألن احلبس مصدره عمل غير مشرع وهو البناء على أرض الغير دون وجه حق‪ ،‬وهذا‬ ‫(‪ )1‬د‪ .‬محمد سوار‪ ،‬شرح القانون املدني السوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،489‬وأنظر قرار محكمة النقض السورية رقم ‪ ،1985/301‬أساس ‪،301‬‬ ‫قاعدة ‪ ،36‬مجلة القانون‪.‬‬ ‫(‪ )2‬تنص املادة (‪ )1328‬من القانون املعامالت املدنية اإلماراتي _تقابلها املادة (‪ )979‬مدني مصري_ (على يكون احلائز سيء النية مسؤوال‬ ‫عن جميع الثمار التي قبضها و التي قصر في قبضها)‪ .‬وقضت محكمة النقض املصرية بأن (ملالك األرض احلق في مطالبة من أقام‬ ‫بناء علي أرضه بالريع طاملا أن هذا األخير ينتفع بالبناء ‪ ،‬وال يغير من ذلك حق من أقام البناء في التعويض الذي يقرره القانون) الطعن‬ ‫رقم ‪ 803‬لسنة ‪ ،49‬قضايئة جلسة ‪. 1983/2/16‬‬ ‫(‪ )3‬تنص املادة (‪ )1332‬من قانون املعامالت املدنية اإلماراتي على (إذا كان احلائز سيء النية فإنه يكون مسؤوال عن هالك الشيء أو تلفه ولو‬ ‫وقع بسبب اليد له فيه)‪ ،‬و قد أضاف القانون املصري في املادة (‪ )984‬على هذا النص عبارة (إال إذا أثبت أن الشيء كان يهلك أو يتلف ولو‬ ‫كان باقيا في يد من يستحقه)‪.‬‬ ‫(‪ )4‬للتفاصيل انظر د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 270‬هامش ‪.3‬‬ ‫(‪ )5‬د‪.‬عبد املنعم البداوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.61‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪83‬‬


‫يتنافى مع ما اشترطه املشرع ملمارسة حق االحتباس‪ ،‬وهو وجود ارتباط بني الشيء اﶈبوس والدين‬ ‫املستحق(‪ .)1‬في حني ترى الغالبية(‪ )2‬أن مصدر حق الباني سيء النية في املطالبة بالتعويض هو متلك مالك‬ ‫األرض للبناء وفقا ألحكام االتصال‪ ،‬وليس عن عمل غير مشروع مما يجعله يحق له احتباس البناء ومعه‬ ‫األرض عند الضرورة‪ ،‬حتى يستوفي حقه كامال من مالك األرض‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬حكم خاص لتعويض الباني السيء النية في القانون املدني املصري‪.‬‬ ‫تنص الفقرة األولى من املادة (‪ )924‬من القانون املدني على (‪ .....‬أو دفع مبلغ يساوي ما زاد في ثمن‬ ‫األرض بسبب هذه املنشآت)‪.‬‬ ‫إذا طلب مالك األرض متلك البناء أو إذا أصبح مالكا لها بحكم القانون_ ويتحقق ذلك إذا سقط‬ ‫حقه في طلب إزالة البناء خالل مدة سنة من علمه بإقامة البناء_ يلزم بدفع تعويض للباني سيء النية‬ ‫نظير متلك البناء باالتّصال ]االلتصاق[(‪ .)3‬وقيمة التعويض قيمة قانونية نصت عليها املادة سالفة الذكر‪،‬‬ ‫وهي تكون واحدة من القيمتني‪ ،‬األولى‪ :‬قيمة البناء مستحق اإلزالة وبينا تفاصيل ذلك مسبقا‪ ،‬أو قيمة ما‬ ‫زاد في ثمن األرض بسبب البناء‪ .‬ومبا أن القانون املدني املصري ترك احلرية في اختيار أحدى القيمتني ملالك‬ ‫(‪)4‬‬ ‫األرض‪ ،‬فمن البداهة أن يختار أقلهما‪ ،‬وبذلك يكون املشرع املصري خرج عن أحكام الكسب بال سبب ‪.‬‬ ‫ومبقتضى أحكام الكسب بال سبب‪ ،‬للمفتقر الرجوع على الكاسب بقيمة ما افتقره وقت االفتقار‪،‬‬ ‫وبغض النظر عن ارتكاب املفتقر خطأ أو إهمال أم لم يرتكب‪ ،‬فالعبرة بحصول الكاسب على منفعة‬ ‫مادية سواء كان ذلك بسوء نية أو بحسن نية من املفتقر (‪.)5‬‬ ‫واملشرع املصري لم يتب َ أحكام الكسب بال سبب‪ ،‬فطبقا لهذه األحكام على مالك األرض دفع‬ ‫قيمة ما اغتنى به وهو ما يعادل قيمة مواد البناء وأجرة العمل‪ ،‬إال أن املشرع املصري وكجزاء لسوء نية‬ ‫الباني أتى بنص خاص _املادة (‪ )924‬من القانون املدني_ خير به مالك األرض بني دفع قيمة البناء مستحقة‬ ‫اإلزالة منقوص منها نفقات إزالة البناء أو ما زاد في ثمن األرض بسبب البناء‪ .‬والغالب أن مالك األرض‬ ‫يختار دفع قيمة البناء مستحق اإلزالة‪ ،‬ألن هذه القيمة تكون أقل من قيمة ما زاده البناء في ثمن األرض‪،‬‬ ‫خاصة أن هذه القيمة يخصم منها نفقات هدم البناء ورفع األنقاض(‪.)6‬‬ ‫وإذا اختار مالك األرض دفع قيمة زيادة األرض بسبب البناء_ إذا كانت أقل من قيمة البناء مستحقة‬ ‫اإلزالة_ يتسعان بخبير مختص في العقارات لتقدير قيمة األرض قبل البناء وبعد إقامته‪ ،‬والفرق بني‬ ‫القيمتني هو قيمة التعويض الذي يلزم مالك األرض بدفعه للباني سيء النية(‪ ،)7‬وجتدر اإلشارة أن اخلبير‬ ‫يقدر قيمة األرض وقت إقامة البناء وليس وقت طلب مالك األرض متلك البناء(‪.)8‬‬ ‫النقطة الثانية‪ :‬احلق في ازالة البناء عن أرض الغير‬ ‫تنص املادة (‪ )1269‬من قانون املعامالت املدنية اإلماراتي على (‪ ،......‬فإذا كانت اإلزالة مضرة‬ ‫باألرض‪ )......‬وتنص الفقرة الثانية من املادة (‪ )924‬من القانون املدني املصري على (ويجوز ملن أقام املنشآت أن‬ ‫يطلب نزعها إن كان ذلك ال يلحق الضرر باألرض‪ ،‬إال إذا اختار صاحب األرض أن يستبقي املنشآت طبقا‬ ‫ألحكام الفقرة السابقة) سنبحث _أوال_ حق الباني في طلب إزالة البناء في القانون اإلماراتي ثم _ثانيا_‬ ‫حقه في ذلك في القانون املصري‪.‬‬

‫(‪ )1‬تنص املادة (‪ )414‬من قانون املعامالت املدنية اإلماراتي على أن (لكل من التزم بأداء شيء أن ميتنع عن الوفاء به ما دام الدائن لم يوف‬ ‫بالتزام في ذمته نشأ بسبب التزام املدين وكان مرتبطا به) تقابلها املادة (‪ )246‬من القانون املدني املصري‪.‬‬ ‫(‪ )2‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 295‬هامش ‪ ،2‬د‪.‬محمد كامل مرسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 106‬د‪.‬عبد املنعم‬ ‫الصدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 395‬د‪.‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫‪ ))3‬د‪.‬نبيل سعد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.332‬‬ ‫(‪ )4‬د‪.‬عبد احلميد الشواربي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.788‬‬ ‫(‪ )5‬د‪.‬الشهابي الشرقاوي‪ ،‬مصادر اإللتزام اإلرادية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.173‬‬ ‫(‪ )6‬د‪.‬عبد املنعم البداري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.56‬‬ ‫(‪ )7‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.273‬‬ ‫(‪ )8‬د‪.‬عبد املنعم الصدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،381‬هامش ‪.2‬‬

‫‪84‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫اوال‪ :‬حق اإلزالة في قانون املعامالت املدنية اإلماراتي‬ ‫إن عبارة (فإذا كانت اإلزالة مضرة باألرض) الواردة في النص أعاله _باعتقادي_ ميكن تفسيرها على‬ ‫وجهني؛ األول‪ :‬حق مالك األرض طلب متلك البناء الذي أقامه الباني سيء النية متى كانت إزالته مضرة‬ ‫باألرض‪ ،‬الثاني‪ :‬حق الباني سيء النية في إزالة ما أقامه من بناء على أرض الغير شريطة عدم طلب مالك‬ ‫األرض متلك البناء‪ ،‬وفي حال عدم طلب التملك أال تكون اإلزالة مضرة باألرض‪.‬‬ ‫فإذا كانت اإلزالة مضرة باألرض‪ ،‬فإن مالك األرض وحده يختار بني طلب إزالة البناء ومتلكه طبقا‬ ‫لقواعد االتصال‪ ،‬ولكن يتحول خيار إزالة البناء إلى الباني سيء النية إذا وجد مبرر قانوني يسمح باإلزالة‪.‬‬ ‫فقد يطلب مالك األرض من الباني سيء النية إزالة البناء من أرضه ويتحمل أضرار اإلزالة‪ ،‬وقد‬ ‫يتعسف مالك األرض في استخدام خياره املقرر له في املادة (‪ )1269‬وذلك من خالل التراخي في حتديد طلب‬ ‫إزالة البناء أو متلكه‪ ،‬معتمدا على أن القانون اإلماراتي لم يلزمه مبدة إلجراء املفاضلة بني اإلزالة أو التملك‪،‬‬ ‫فإن ثبت ذلك للباني سيء النية _باعتقادي_ فإن من حقه توجيه إعذار ملالك األرض يحدد له مدة زمنية‬ ‫لإلفصاح عن خياره‪ ،‬وإذا لم يحدد خياره بعد انقضاء تلك املدة جازت له إزالة البناء وإن كانت اإلزالة مضرة‬ ‫باألرض‪.‬‬ ‫كما أن للباني سيء النية إزالة البناء إذا متلكه مالك األرض ولم يدفع له تعويضا عن قيمة مواد‬ ‫البناء‪ .‬وفي جميع األحوال من حق الباني سيء النية إزالة البناء إذا لم تكن اإلزالة مضرة باألرض ففي هذه‬ ‫احلالة قدم القانون اإلماراتي اإلزالة على متلك البناء‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬حق اإلزالة في القانون املدني املصري‬ ‫في عبارة واضحة صريحة أجاز القانون املدني بالفقرة الثانية من املادة (‪ )924‬للباني سيء النية‬ ‫طلب إزالة البناء الذي أقامه على أرض الغير ‪ ،‬ولكي يتمكن الباني من إزالة البناء يجب حتقق شرطني؛‬ ‫ّ‬ ‫الشرط األوّل‪ :‬عدم مطالبة مالك األرض بتملك البناء‪ ،‬ألنه بهذا الطلب يفقد الباني سيء ال ّن ّية حق‬ ‫ازالة البناء وهذا ما نصت عليه الفقرة الثّانية صراحة (‪...‬إال إذا اختار صاحب األرض أن يستبقي املنشآت)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الشرط الث ّاني‪ :‬عدم تسبب إزالة البناء في ضرر باألرض(‪ ،)1‬وهو أيضا ما نصت عليه الفقرة سالفة‬ ‫الذكر( يجوز ملن أقام املنشآت أن يطلب نزعها إن كان ذلك ال يلحق باألرض ضررا)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫السابقان‪ ،‬جاز للباني سيء ال ّن ّية إزالة البناء‪.‬‬ ‫فإذا حتقق‬ ‫املدني‬ ‫القانون‬ ‫أن‬ ‫ظ‬ ‫ويالح‬ ‫الشرطان ّ‬ ‫ّ‬ ‫املصر ّي لم يقيد الباني سيء ال ّن ّية مبدة معينة لطلب اإلزالة كما هو حال مالك األرض‪ ،‬ونتساءل عن املدة‬ ‫التي ميكن للباني خاللها طلب إزالة البناء‪ .‬ميكننا القول إ ّن للباني سيء النّ ّية طلب اإلزالة سواء خالل‬ ‫مدة السنة املنصوص عليها بالفقرة األولى من املادة (‪ )924‬أو بعد انقضائها‪.‬‬

‫)‪ (1‬د‪.‬محمد كامل مرسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.104‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪85‬‬


‫املبحث الث ّاني‬

‫أحكام الباني حسن النّ ّية‬

‫عامل القانونان اإلماراتي واملصري الباني حسن النية معاملة أفضل من معاملتهما للباني سيء‬ ‫النّ ّية‪ ،‬فقد شفع له حسن نيته في إقامة البناء على أرض الغير ‪ ،‬وكرست هذه املفاضلة بأن كال من‬ ‫القانونني أقرا حقوقا له لم تكن قد أقرت للباني سيء النّ ّية‪ ،‬مثل إعطائه احلق في طلب إزالة البناء وإن‬ ‫كان ذلك يلحق الضرر باألرض‪ ،‬وحق متلك األرض املقام عليها البناء‪ ،‬ومقدار التعويض الذي يلزم مالك األرض‬ ‫دفعه له إذا استبقى البناء‪.‬‬ ‫ولتفصيل ذلك‪ ،‬سنقسم هذا الفصل إلى مطلبني‪ ،‬األول‪ :‬سنبحث فيه املقصود بحسن ال ّن ّية‪ ،‬و‬ ‫الثّاني‪ :‬آثار ثبوت حسن نية الباني‪.‬‬ ‫املطلب األول‬ ‫املقصود بحسن نية الباني‬ ‫لم تقف القوانني الناظمة ألحكام االتّصال ]االلتصاق[ مسافة واحدة من حيث حتديد مفهوم‬ ‫حسن نية الباني‪ ،‬ومنها القانونان اإلماراتي واملصري‪ ،‬وميكننا القول إن القوانني العربية انقسمت _إن صح‬ ‫التعبير_ إلى قسمني كل منهما تبنى معيارا لتحديد مفهوم حسن النية يختلف _جوهريا_ عن اآلخر‪،‬‬ ‫اإلماراتي ثم املعيار الذي تبناه املشرّع املصر ّي‪ ،‬وذلك‬ ‫لذلك سنقف على حتديد املعيار الذي تبناه القانون‬ ‫ّ‬ ‫في الفرعني اآلتيني‪.‬‬ ‫الفرع األول‬ ‫اإلماراتي‬ ‫مفهوم حسن نية الباني في قانون املعامالت املدنية‬ ‫ّ‬

‫(‪)1‬‬

‫اإلماراتي من نص املادة (‪ )1270‬والتي تنص‬ ‫ميكن استخالص مفهوم حسن نية الباني في القانون‬ ‫ّ‬ ‫على أنه (إذا أحدث شخص بناء أو غرسا أو منشآت أخرى مبواد من عنده على أرض مملوكة لغيره بزعم‬ ‫(‪)2‬‬ ‫سبب شرعي ( ‪.‬‬ ‫اإلماراتي _كأقرانه من القوانني العربية التي أخذت بذات املعيار_ املقصود‬ ‫ولم يحدد القانون‬ ‫ّ‬ ‫بزعم سبب شرعي‪ ،‬مما أثار خالفا بني الفقة القانوني(‪ )3‬في تفسير هذه العبارة؛ فالبعض(‪ )4‬اشترط لقيام‬ ‫الزعم بسبب شرعي أن يكون لدى الباني سبب صحيح في إقامة البناء‪ ،‬وطبقا لذلك يكون الباني حسن‬ ‫النية في حالتني‪ ،‬األولى‪ :‬إذا حاز األرض بإحدى الطرق التي نصت عليها املادة (‪ )1318‬من قانون املعامالت‬ ‫املدنية وهي‪ _1 ،‬انتقال املِلك باإلرث أو الوصاية ‪ _2‬الهبة بني األحياء بعوض أو بغير عوض ‪ _3‬البيع‬ ‫واملقايضة‪ .‬ثانيا‪ :‬إذا تلقى ملكية األرض عن طريق تصرف قانوني ناقل للمكية صادر من غير مالك‪ ،‬من‬ ‫شأنه أن ينقل ملكية األرض لو صدر من مالكها‪.‬‬

‫(‪ )1‬وهو ذات املفهوم في قانون املدني األردني املادة (‪ ،)1141‬والقانون املدني العراقي املادة(‪ ،)1120‬ومن القوانني األخرى القانون املدني‬ ‫الفرنسي املادة (‪.)555‬‬ ‫(‪ )2‬وأصل عبارة بزعم سبب شرعي الواردة بنص املادة (‪ )1270‬مأخوذة من نص املادة (‪ )906‬من مجلة األحكام العدلية‪.‬‬ ‫(‪ )3‬وأيضا لقد اختلف شراح اﺠﻤﻟلة العدلية في التفسير‪ ،‬فمنهم من فسر الزعم بسبب شرعي بأنه سبب من أسباب التملك بالظاهر‬ ‫عند إنشاء البناء أو الغراس‪ ،‬وهنالك من فسره بأنه سبب اإلرث أو ما قام مقامه‪ ،‬وهنالك من فسره بأنه حال من يبني مع عدم التعدي‪،‬‬ ‫للمزيد انظر‪ ،‬د‪.‬علي حيدر‪ ،‬درر احلكام في شرع مجلة األحكام‪ ،‬منشورات مكتبة النهضة‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص ‪ 510‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ )4‬د‪.‬حسن كيره‪ ،‬املوجز في أحكام القانون املدني املصر ّي ‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬منشأة العارف للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪،413‬‬ ‫(‪ .)1975‬د‪.‬حسن ذنون‪ ،‬شرح القانون املدني العراقي‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬مكتبة الرابطة‪ ،‬ص‪.)1954( ،134‬‬

‫‪86‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫وجانب آخر من الفقة(‪ )1‬اشترط في الباني لقيام الزعم بسبب شرعي أن يكون بيده سند ناقل‬ ‫للملكية يجهل عيوبه‪ ،‬وبالتالي ميكن له أن يتمسك بالسند الباطل إلظهار حسن نيته‪.‬‬ ‫من قرارات اﶈكمة االحتادية العليا‪ ،‬ميكننا أن نستنتج أن املقصود بزعم سبب شرعي أن يكون الباني‬ ‫حسن النية‪ ،‬أي أن يعتقد أن له احلق في إقامة البناء على األرض فقد قضت(‪( )2‬بأن مفاد هذه القاعدة ‪1270‬‬ ‫أن ﶈدث البناء في أرض مملوكة لغيره أن ميتلك األرض شريطة حتقق أمرين‪ :‬أولهما‪ :‬أن تكون احليازة وقت‬ ‫البناء مردها إلى اعتقاد احلائز قيام بسبب شرعي يخول له احلق في وضع يده على األرض واالنتفاع بها‬ ‫جلميع وجوه االنتفاع ومنها على سبيل املثال البقاء و القرار‪)...،‬‬ ‫اإلماراتي على معيار حسن ال ّن ّية لدى الباني‪،‬‬ ‫ومن التشريعات العربية التي وافقت القانون‬ ‫ّ‬ ‫القانون املدني األردني‪ ،‬فقد أتت املادة (‪ )1140‬بنص مطابق متاما لذات املادة (‪ )1270‬من قانون املعامالت‬ ‫املدنية‪ ،‬إال أن شر ّاح املادة (‪ )1140‬فسروا عبارة (بزعم سبب شرعي) أن الباني يكون حسن النية إذا اعتقد أن‬ ‫األرض املقام عليها البناء هي ملكه‪ ،‬وكان في يده سند نقل للملكية يجهل العيوب التي تشوبه (‪ ،)3‬وال‬ ‫شك أن هذا التفسير ضيق وخانق ملبدأ حسن النية في ذات الوقت‪.‬‬ ‫السور ّي مبدأ حسن النّ ّية بكل‬ ‫وعلى عكس القانونني‬ ‫اإلماراتي واألردنيّ‪ ،‬تبنى القانون املدني ّ‬ ‫ّ‬ ‫صراحة ووضوح‪ ،‬فقد نصت املادة (‪ )889‬على أنه (إذا كان الشخص الذي يبنى األبنية حسن ال ّن ّية‪،)...‬‬ ‫ويكفي العتبار الباني كذلك أن يعتقد بأن له احلق في إقامة البناء على األرض‪ ،‬وهذا ما قضت به محكمة‬ ‫النقض السورية بقولها (إن معنى حسن النية في مجال التملك بااللتصاق هو أن يعتقد الباني أو الغارس‬ ‫أن له احلق في إقامة املنشآت‪ ،‬أو غرس الغرس‪ ،‬أي أنه يحدث ذلك في ملكه‪ ،‬وال يشترط السبب الصحيح‬ ‫السور ّي لم يشترط الكتساب ملكية األرض من قبل الباني أن يكون‬ ‫كشرط صحيح)(‪ ،)4‬أي أن القضاء‬ ‫ّ‬ ‫لديه سند ناقل للملكية يجهل عيوبه‪ ،‬وهذا مبدأ استقر عليه القضاء السوري قدميا(‪ ،)5‬وأكثر من ذلك_‬ ‫وفي أحكام متعددة_أكد القضاء السوري على اختالف شروط التملك باالتصال بني القانون املدني‬ ‫السوري ونظيره املصري‪ ،‬فقد قضت بأن (‪ ...‬مفهوم حسن النّ ّية في التشريع املصر ّي في هذا اﺠﻤﻟال يخلتف‬ ‫عن مفهومه في التشريع السوري) (‪.)6‬‬ ‫الفرع الثاني‬ ‫مفهوم حسن نية الباني في القانون املدني املصر ّي‬ ‫تنص الفقرة األولى من املادة (‪ )925‬من القانون املدني املصر ّي على أنه (إذا كان من أقام املنشآت‬ ‫املشار إليها في املادة السابقة يعتقد بحسن نية أن له احلق في إقامتها‪)...‬‬ ‫كما هو واضح من الفقرة األولى‪ ،‬هنالك اختالف موضوعي بني معيار حسن النّ ّية في القانون‬ ‫املدني املصر ّي ومعيار حسن النية الذي تبناه قانون املعامالت املدنية اإلماراتي‪ ،‬فلكي يعتبر الباني حسن‬ ‫النية في القانون املدني املصر ّي يكفي أن يعتقد أن له احلق في إقامة البناء على األرض(‪ ،)7‬وال يقع على‬ ‫الباني عبء إثبات اعتقاده بأن األرض ملك له‪ .‬ألن األصل في الباني حسن النية(‪ ،)8‬وإمنا يكلف مالك األرض‬ ‫بعبء إثبات عدم أحقية الباني في إقامة البناء على أرضه العتباره سيء النية‪ ،‬فقد يكون الباني على علم‬

‫)‪ (1‬د‪.‬محمد سوار‪ ،‬شرح القانون املدني األردني‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.102‬‬ ‫‪ ))2‬انظر الطعن رقم ‪ 890‬لسنة ‪ 24‬قضائية‪،‬تاريخ ‪ .2005/10/11‬والطعن رقم ‪ 80‬لسنة ‪11‬قضائية‪ ،‬تاريخ ‪ .1991/4/30‬والطعن رقم ‪430‬‬ ‫لسنة ‪ 29‬قضائية‪ ،‬تاريخ ‪.2009/11/24‬‬ ‫(‪ )3‬د‪.‬علي العبيدي‪ ،‬شرح القانون املدني األردني‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬

‫ص‪.169‬‬

‫)‪ (4‬قرار رقم ‪ ،2001/2459‬أساس ‪ ،2337‬قاعدة ‪ ،191‬مجلة اﶈامون‪ ،‬إصدار ‪7‬و‪.8‬‬ ‫(‪ )5‬انظر قرار رقم ‪ ،478/1959‬قاعدة ‪2895‬‬ ‫(‪ )6‬انظر قرار رقم ‪ ،1983/1150‬أساس ‪ 911‬قاعدة ‪ ،163‬وقرار رقم ‪ ،1984/999‬أساس ‪ ،2411‬قاعدة ‪ 1331‬مجلة اﶈامون‪ ،‬اصدار ‪ 3‬و‪.4‬‬ ‫(‪ )7‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.277‬‬ ‫(‪ )8‬د‪.‬محمد سوار‪ ،‬شرح القانون املدني األردني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.103‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪87‬‬


‫بأن األرض ليست ملكا له ومع ذلك يعتبر حسن النية‪ ،‬إذا أثبت اعتقاده بأن له احلق في إقامة البناء(‪،)1‬‬ ‫فمعيار حسن النية إذا ليس في ثبوت اعتقاد الباني مبلكية األرض وإمنا االعتقاد بحق إقامة البناء على‬ ‫األرض‪.‬‬ ‫وفي ذلك قضت محكمة النقض بـ(أن الباني الذي أقام منشآته على أساس شراء األرض بعقد عرفي‬ ‫يعتبر حسن النية)(‪ ،)2‬وقضت أيضا بـ(أن الطاعنني قد برروا إقامتهم املباني واملنشآت على األرض بسبق‬ ‫شراء مورثيهم لها بشكل مسجل‪ ،‬وهو ما ينطوي على حسن نيتهم)(‪.)3‬‬ ‫أي أن القانون املدني املصر ّي لم يشترط لقيام حسن النية لدى الباني توافر سبب صحيح كشرط‬ ‫مستقل لتملك األرض باالتصال‪ ،‬أو احلصول على قيمة البناء‪ ،‬وال أن يكون لديه سند ناقل للملكية يجهل‬ ‫عيوبه‪ ،‬وإمنا يكفي االعتقاد بحقه في إقامة البناء على األرض‪ ،‬وهذا ما أك ّدته محكمة النقض وبذلك‬ ‫التقى كل من القضاء اإلماراتي واملصري_ على الرغم من االختالف العميق بني النصوص القانونية‬ ‫الناظمة للبناء على أرض الغير بحسن نية_ على معيار حسن النية لدى الباني‪ ،‬وإن كان هذا املعيار من‬ ‫شأنه أن يوسع من نطاق تطبيق املادتني (‪ 1270‬إماراتي ‪ 925‬مصري) إال أ ّن ذلك يبقى_ باعتقادي_ أقرب من‬ ‫حتقيق العدالة أكثر من مواقف القوانني األخرى من خالل قرارات محاكمها وآراء الفقهاء التي قيدت حسن‬ ‫النية بحالة واحدة وهي أن يكون لدى الباني سند ناقل للملكية يجهل عيوبه أو شرط وجود سبب‬ ‫صحيح العتبار الباني حسن النية‪.)4( .‬‬ ‫وعن موقف القانون الفرنسي‪ ،‬فقد نصت الفقرة الرابعة من نص املادة (‪ )555‬من القانون املدني‬ ‫على أنه (إذا كانت املزروعات واألبنية واملنشآت قد أقيمت على يد اآلخر رفعت يده عن العقار‪ ).....‬وعبارة‬ ‫رفعت يده عن العقار‪ ،‬فسرها القضاء العتبار الباني حسن النّ ّية بأن ال بد من وجود سند نقل للملكية(‪.)5‬‬ ‫ومفهوم سند ناقل للملكية في القضاء الفرنسي ليس السند الذي شابه عيب‪ ،‬فقد قضت‬ ‫محكمة النقض مبنع مالك األرض من مطالبة الباني بإزالة املنشآت‪ ،‬بل يكفي أن يكون هذا األخير قد‬ ‫اعتقد بوجود سند(‪ ،)6‬كما قضت بـ(أن عقد البيع الذي ال يوازي سندا صحيحا باملعنى الذي تشمله املادة‬ ‫‪ 2265‬من القانون املدني ميكن ان يشكل بالنسبة إلى املكتسب سندا مظنونا ميكنه من التذرع بأنه‬ ‫شخص نزعت يده عن حسن نيته ((‪.)7‬‬ ‫ومن املتفق عليه _فقها وقضاء_ أن تقدير حسن نية الباني يكون وقت إقامة البناء(‪ )8‬ال وقت وضع‬ ‫يده عليها(‪ ،)9‬وعبء إثبات حسن النية يقع على عاتق الباني‪ ،‬وفي حال إذا قوض مالك األرض القرينة‬ ‫القانونية على حسن نية الباني‪ ،‬فلهذا األخير أن يثبت حسن نيته_أي أنه يعتقد بأن له احلق في إقامة‬ ‫البناء_ بكافة أدلة اإلثبات‪ ،‬وال يغير من حكم حسن نية الباني‪ ،‬إذا علم بعد إقامة البناء بأن ليس له احلق‬ ‫في البناء(‪ )10‬بأن أيقن أن ملكية األرض تعود للغير وليس له ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬وقد قضت محكمة النقص ( ان املقصود بحسن النية في تطبيق املادة ‪ 925‬أن يعتقد الباني أن له احلق في إقامة املنشآت‪ ،‬و ال يلزم‬ ‫ان يعتقد أنه ميلك األرض‪ ،‬فإذا ادعى مالك األرض أن الباني سيء النية‪ ،‬فعليه حسبما تقتضي به املادة ‪ 924‬أن يقيم الدليل على أن‬ ‫الباني كان يعلم وقت أن أقام املنشآت أن األرض مملوكه لغيره) طعن رقم ‪ ،19‬لسنة ‪ 42‬قضائية‪ ،‬جلسة ‪.1976/12/17‬‬ ‫(‪ )2‬طعن رقم ‪ ،386‬لسنة ‪ 42‬قضائية‪ ،‬جلسة ‪1976/4/6‬لسنة ‪.27‬‬ ‫(‪ )3‬طعن رقم ‪ ،175‬لسنة ‪ 41‬قضائية‪ ،‬جلسة ‪ .1975/12/8‬وقضت أيضا (وعلى ما جرى به قضاء هذة اﶈكمة أن أمر العلم بإقامة البناء على‬ ‫ملك اآلخر وثبوت حسن نية من أقامه أو سوء نيته مما تستقل به محكمة املوضوع بال معقب عليها من محكمة النقض ما دامت قد أقامت‬ ‫قضاءها فيه على أسباب سائغة تكفي حلمله) الطعن رقم ‪ 1323‬لسنة ‪ 59‬قضائية‪ ،‬تاريخ ‪.1994/3/30‬‬

‫(‪ )4‬أنظر مثال ‪-‬موقف التمييز األردنية د‪.‬على العبيدي‪ ،‬شرح القانون املدني األردني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،127‬وكذلك القضاء العراقي‪ .‬انظر‬ ‫د‪.‬ضحى النعمان‪ ،‬مرجع سابق ص‪70 ،‬‬ ‫(‪ )5‬نقض رقم ‪ ،143‬مدنية ‪ ،3‬تاريخ ‪ .2000/7/12‬وطعن رقم ‪ ،172‬مدنية ‪ ،3‬تاريخ ‪1988،/11/30‬وطعن رقم ‪ ،565‬مدنية ‪ 3‬تاريخ ‪.1971/11/17‬‬ ‫(‪ )6‬قرار رقم ‪ ،118‬مدنية ‪ ،1‬تاريخ ‪.1967/4/10‬‬ ‫(‪ )7‬نقض رقم ‪ ،431‬مدنية ‪ 3‬تريخ ‪ .8/10/1974‬وقضت أيضا (أن التّرخيص بطلب رخصة بناء من قبل مالك األرض إلى شخص يرغب في‬ ‫اكتسابها يشكل سندا للمستفيد الذي ظن عن حسن نية أنه يحوز على سند يجيز له البناء بصفته مالكا)‪ ،‬نقض رقم ‪ ،102‬مدنية‬ ‫‪ ،3‬تاريخ ‪.1983/5/3‬‬ ‫(‪ )8‬د‪.‬محمد كامل مرسي مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،112‬د‪.‬عبد املنعم البداوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،56‬انظر قرار محكمة النقض املصرية رقم ‪667‬‬ ‫لسنة ‪ 63‬قضائية‪ ،‬تاريخ ‪ .2000/4/11‬وقرار محكمة النقض السورية رقم ‪ ،1983/353‬أساس ‪ ،107‬قاعدة ‪ ،259‬مجلة اﶈامون إصدار ‪9‬‬ ‫و‪ 10‬وقرار اﶈكمة االحتادية العليا اإلماراتية رقم ‪ 328‬لسنة ‪ 24‬قضائية‪ ،‬تاريخ ‪.2003/9/2‬‬ ‫(‪ )9‬د‪.‬حسن ذنون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.132‬‬ ‫(‪ )10‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،277‬هامش ‪.4‬‬

‫‪88‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫ولكن احلكم يختلف إذا علم الباني بعد وضع يده على األرض أو قبل االنتهاء من اقامة البناء‪ ،‬أن‬ ‫ليس له احلق في البناء فيفقد بذلك حسن نيته‪ ،‬وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه (إذا علم‬ ‫حائز األرض بعيوب السند الناقل للملكية واستمر في إقامة البناء فإنه من حق املالك هدم اجلزء من الفيال‬ ‫الذي أقيم بعد ذلك)(‪ ، )1‬ومثل هذا القرار ميكن تطبيقه في حال إذا كان الهدم ليس له تأثير بالغ على البناء‬ ‫املقام وقت حسن النية‪ ،‬وقد اختلفت آراء الفقهاء حول ما إذا اصبح اجلزء املقام_ الذي أقامه الباني بعد‬ ‫علمه بأن ليس له احلق في البناء_ جزءا ال يتجزأ من البناء السابق وأنه ال ميكن هدمه إال بتخريب اجلزئني‪.‬‬ ‫فالبعض يرى أنه إذا كان الهدم سيؤدي إلى تخريب اجلزئني‪ ،‬فإن املصلحة االقتصادية تستلزم إبقاء‬ ‫البناء ما دامت أعمال البناء قد بدأت بحسن نية‪ ،‬والبعض يرى أن ملالك األرض احلق في طلب هدم البناء‬ ‫بجزئيه‪ ،‬ويبرر ذلك بقوله إذا اختلط حسن ال ّن ّية مع سوء النية ترجح سوء ال ّن ّية مراعاة ملصالح مالك‬ ‫األرض(‪.)2‬‬ ‫ونرى أن األصوب أن يقوم القاضي بتقدير قيمة اجلزئني واألقل قيمة يتبع األكثر‪ ،‬فقد يعلم الباني‬ ‫بأن ليس له احلق في البناء في املرحلة األولى من مراحل البناء‪ ،‬مثل مرحلة بناء أساسات البناء‪ ،‬وبالتالي‬ ‫استمراره في البناء يفقده حسن نيته‪ ،‬ويعطي احلق ملالك األرض في طلب اإلزالة أو االستيفاء ومتلكه‬ ‫باالتصال(‪.)3‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫آثار ثبوت حسن نية الباني‬ ‫على فرض ثبوت حسن نية الباني‪ ،‬أي أنه ثبتت صحة اعتقاد الباني بأن له احلق في إقامة البناء‬ ‫على أرض اآلخر‪ ،‬فما هي اآلثار (اخليارات واحلقوق) التي أقرها كل من القانونني اإلماراتي و املصر ّي لكل من‬ ‫مالك األرض والباني حسن النية؟‬ ‫إن اآلثار التي نص عليها قانون املعامالت املدنية اإلماراتي تختلف من حيث املوضوع واملضمون عن‬ ‫اآلثار التي أقرها القانون املدني املصري‪ ،‬لذلك سنبحث هذه اآلثار في الفرعني التاليني‪.‬‬ ‫الفرع األول‬ ‫آثار ثبوت حسن النّ ّية في القانون اإلماراتي‬ ‫أخذ قانون املعامالت املدنية ‪-‬عندما يكون الباني حسن النية‪ -‬مبعيار موضوعي‪ ،‬قائم على التوازن‬ ‫بني قيمة البناء وقيمة األرض‪ ،‬فقد نصت املادة (‪ )1270‬على أنه (‪....‬إن كانت قيمة اﶈدثات قائمة أكثر من‬ ‫قيمة األرض كان للمحدث أن يتملك األرض بثمن مثلها وإذا كانت قيمة األرض ال تقل عن قيمة اﶈدثات‬ ‫كان لصاحب األرض أن يتملكها بقيمتها قائمة)‪.‬‬ ‫وطبقا للمعيار املوضوعي الوراد بالنص أعاله‪ ،‬يعتبر(املال) الذي قيمته أكثر هو األصل‪ ،‬ويكون املال‬ ‫اآلخر تابعا له‪ ،‬إذ ينظر إلى قيمة البناء قائما مع أجرة العمل وإلى قيمة األرض قبل البناء عليها‪ ،‬فأيهما‬ ‫كانت قيمته أكثر يتخذ أصال بتبعه اآلخر(‪ ،)4‬وعلى هذا تقدر قيمة البناء واألرض؛ فإذا بني التقدير أن قيمة‬ ‫البناء وأجرة العمل أكثر من قيمة األرض كان للباني حسن النية أن يتملك األرض(‪ ،)5‬ولكن هنا ال يكون‬ ‫متلك الباني حسن النية األرض مبقتضى أحكام االتصال‪ ،‬فاالتّصال ال يعمل إال في اجتاه واحد وهو متلك‬ ‫مالك األرض للبناء الذي أقامه الباني حسن النية أو سيء النية‪ ،‬وإمنا يكون متلك األرض بناء على إجبار‬ ‫مالك األرض على التنازل عن ملكيتها بثمن مثلها للباني حسن النية‪ ،‬وهذا ما يسمى باإلجبار القانوني‬ ‫على املعاوضة(‪.)6‬‬ ‫)‪ (1‬نقض رقم ‪ ،236‬مدنية ‪ ،3‬تاريخ ‪.1977/9/1‬‬ ‫(‪ )2‬للمزيد عن هذه اآلراء انظر د‪.‬حسام الدين األهواني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 280‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ )3‬حسب ما ورد في املادة (‪.)924‬‬ ‫(‪ )4‬د‪.‬علي العبيدي‪ ،‬شرح قانون املعامالت اإلماراتي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .141‬وقضت محكمة النقض السورية أنه ال يجوز متلك أمالك‬ ‫الدولة بااللتصاق‪ .‬قرار رقم ‪ ،2000/1030‬أساس‪ ،1707‬قاعدة ‪ ،288‬مجلة اﶈامون‪ ،‬إصدار‪ 11‬و‪.12‬‬ ‫(‪ )5‬د‪.‬محمد سوار‪ ،‬شرح القانون املدني األردني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.103‬‬ ‫(‪ )6‬د‪.‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.137‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪89‬‬


‫وإذا تبني بعد التقدير أن قيمة األرض أكثر من قيمة البناء وأجرة العمل‪ ،‬كان ملالك األرض أن‬ ‫يتملك البناء باالتّصال مقابل دفع قيمة البناء وأجرة العمل للباني حسن النية(‪.)1‬‬ ‫ونتساءل عما إذا تبني بعد التقدير التوازن‪ ،‬مبعنى أن تتساوى كل من قيمة البناء وأجرة العمل‬ ‫وقيمة األرض‪ ،‬فأي منهما يعتبر األصل ليتبعه الفرع؟ بالرجوع إلى نص املادة (‪ )1270‬من قانون املعامالت‬ ‫املدنية اإلماراتي تعتبر األرض هي األصل والبناء الفرع‪ ،‬وهذا ما ميكن أن نستنتجه من عبارة (إذا كانت قيمة‬ ‫األرض ال تقل عن قيمة اﶈدثات)‪ ،‬فتفسير هذه العبارة قاطع ألي تفسير آخر‪ ،‬وإضافة إلى هذا التفسير‬ ‫يرى بعض الباحثني(‪ )2‬أن األصل في طبيعة األرض وليس قيمتها فهي ثابته ودائمة ومستقرة‪ ،‬على‬ ‫النقيض من البناء الذي تعد دميومته مسألة نسبية‪ ،‬لذلك ال بد من اعتبارها دوما هي األصل‪.‬‬ ‫يتضح _مما سبق_ أن مالك األرض يتملك البناء في إحدى احلالتني‪ ،‬األولى‪ :‬إذا كانت قيمة األرض‬ ‫أكثر من قيمة البناء وأجرة العمل‪ ،‬الثانية‪ :‬إذا تساوت كل من القيمتني‪ ،‬أي أنه في تلك احلالة يلزم مالك‬ ‫األرض بتملك البناء وال يجوز له إجبار الباني حسن النية على إزالة البناء‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬هل ميكن للباني حسن‬ ‫النية والذي أقام بناءه على زعم سبب شرعي أن يطلب إزالة البناء ومنع مالك األرض من متلكه؟‬ ‫يرى بعض الباحثني (‪ )3‬أنه ليس هنالك ما مينع الباني حسن النية من إزالة مواد البناء الذي أقامه‬ ‫على أرض الغير بزعم سبب شرعي على نفقته واستردادها‪ ،‬بشرط أن ال يترتب على اإلزالة ضرر جسيم‬ ‫يصيب األرض‪ ،‬ولكن هذا الرأي ال ميكن تعميمه على جميع حاالت البناء وإمنا يقتصر على احلالة التي تكون‬ ‫فيها قيمة البناء وأجرة العمل أكثر من قيمة األرض‪ ،‬فاملادة (‪ )1270‬جاءت حلماية الباني حسن النية وله أن‬ ‫يتنازل عن هذه احلماية بحر إرادته ويطلب إزالة البناء‪ ،‬بغض النظر عن كونها أصابت األرض بضرر جسيم‬ ‫يعوض املالك عن األضرار التي أصابت‬ ‫أم ال‪ ،‬طاملا الباني حسن النية أراد إزالة مواده عن أرض الغير فعليه أن ّ‬ ‫األرض (‪.)4‬‬ ‫وعلى ذلك ال يجوز للباني حسن النية إزالة مواد البناء إذا كانت قيمة األرض أكثر من قيمتها‪ ،‬ألن في‬ ‫اإلزالة في هذه احلالة تعد على حق مالك األرض الوارد بنص املادة (‪ .)5()1270‬وتقدر قيمة مواد البناء وأجرة‬ ‫(‪)7‬‬ ‫العمل وقيمة األرض بتاريخ اإلدعاء ال بتاريخ إقامة البناء(‪ )6‬وهذا ما استقرت عليه اﶈكمة االحتادية العليا‬ ‫وأجمع عليه الفقة القانوني(‪.)8‬‬ ‫الفرع الثاني‬ ‫ثبوت حسن النّ ّية في القانون املصريّ‬ ‫هنالك مفارقات بني القانونني اإلماراتي واملصر ّي في األحكام املتعلقة مبصير البناء الذي يقيمه‬ ‫الباني حسن النية على أرض الغير ‪ ،‬وهذا ما دعانا إلى بحث ذلك في مطلبني‪ ،‬فالقانونان لم يلتقيا إال في‬ ‫حالة واحدة وهي سلب مالك األرض حقه في طلب إزالة البناء‪ ،‬فكيف إذا عالج القانون املدني املصريّ‬ ‫مصير البناء الذي أقامه الباني حسن النية؟‬ ‫(‪ )1‬املستشار أحمد اجلندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.281‬‬ ‫(‪ )2‬د‪.‬حسام األهوأني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬ ‫(‪ )3‬د‪.‬محمد سوار‪ ،‬شرح القانون املدني األردني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.103‬‬ ‫(‪ )4‬د‪.‬ضحى النعمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،75‬ويرى بعضهم أنه في فرض زيادة قيمة البناء وأجرة العمل عن قيمة األرض‪ ،‬يبقى حق متلك‬ ‫األرض اختياريا للباني حسن النية أي أنه ميكن أن يجبر مالك األرض على متلك البناء ويستند في ذلك أن األصل حسب أحكام االتّصال‬ ‫وهو متلك مالك األرض للبناء‪.‬د‪.‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.136‬‬ ‫(‪ )5‬ومن النصوص العربية التي تلتقي مع النص املادة (‪ )1270‬نص املادة (‪ )1140‬مدني أردني‪ ،‬ونص املادة (‪ )889‬مدني سوري‪ ،‬ونص املادة‬ ‫(‪ )216‬من قانون امللكية العقارية اللبنانية ونص املادة (‪ )1120‬مدني عراقي‪.‬‬ ‫(‪ )6‬قرار محكمة النقض السورية رقم ‪ 1981/1613‬أساس ‪ ،1344‬قاعدة ‪ ،74‬مجلة اﶈامون إصدار ‪.2‬‬ ‫(‪ )7‬انظر القرار رقم ‪ 430‬لسنة ‪ 29‬قضائية‪ ،‬تاريخ ‪ .2009/11/24‬والطعن رقم ‪ ،80‬لسنة ‪ 11‬قضائية‪ ،‬تاريخ ‪.1991/1/30‬‬ ‫‪ ))8‬انظر د‪.‬محمد كامل مرسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .113‬و د‪..‬محمد سوار‪ ،‬شرح القانون املدني األردني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .105‬مبقابل ذلك‬ ‫يرى بعض الباحثني ان قيمة البناء تقدر وقت اندماجها باألرض وليس وقت رفع الدعوى أو احلكم فيها‪ .‬د‪.‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص‪ .136‬وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن تاريخ تقييم التعويض ليس تاريخ انتقال ملكية األبنية إلى صاحب األرض وال التاريخ‬ ‫الذي يعبر فيه هذا األخير عن نيته باالحتفاظ بها‪ ،‬وإمنا هو التاريخ الذي يجب أن يسدّد فيه فعليا التعويض القانوني‪ .‬نقض رقم ‪،202‬‬ ‫مدينة ‪ ،3‬تاريخ ‪ .1970/3/12‬ونقض رقم ‪ ،48‬مدينة ‪ ،3‬تاريخ ‪. 2006/2/22‬‬

‫‪90‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫يخير بني‬ ‫تنص الفقرة األولى من املادة (‪ )925‬على أنه (‪ ...‬ال يكون لصاحب األرض أن يطلب اإلزالة‪ ،‬وإمنا ّ‬ ‫أن يدفع قيمة املواد وأجرة العمل أو أن يدفع مبلغا يساوي ما زاد في ثمن األرض بسبب هذه املنشآت‪ ،‬هذا‬ ‫ما لم يطلب صاحب املنشآت نزعها)‪.‬‬ ‫ص نقطتني أساسيتني‪ ،‬األولى‪ :‬متعلقة بالباني حسن ال ّن ّية‪ ،‬والثانية‪ :‬مبالك‬ ‫نستنتج من هذا النّ ّ‬ ‫األرض‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬صرح القانون املدني املصر ّي للباني حسن النّ ّية بإزالة البناء الذي أقامه على أرض الغير ‪ ،‬ودون أخذ‬ ‫املوافقة‪ ،‬إذا رأى مصلحة له في ذلك(‪ ،)1‬وعمومية نص املادة (‪ )925‬جتيز للباني حسن النية طلب إزالة البناء‬ ‫وإن أصاب األرض ضرر(‪ ،)2‬وليس في هذا الطلب أي تعسف في استعمال احلق ميكن أن ينسب له‪ .‬ولكن هذا‬ ‫ال يعني إعفاء الباني حسن ال ّن ّية من دفع التعويض‪ ،‬بل إنه يلزم بدفع تعويض نظير الضرر الذي أصاب‬ ‫األرض جراء إزاله البناء‪ ،‬كما أنه يلزم بإعادة األرض إلى حالتها األولى(‪ .)3‬وطلب الباني حسن النية إزالة‬ ‫البناء حق له ميكن أن ميارسه بإرادته و ليس واجبا عليه(‪ ،)4‬بل إن للباني حسن النية عدم طلب إزالة البناء‬ ‫وطلب متليكه ملالك األرض‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬إذا لم يطلب الباني حسن النية إزالة البناء وإمنا طلب استبقاءه‪ ،‬يتملك مالك األرض البناء‬ ‫باالتّصال ]اإللتصاق[‪ ،‬وال يجوز ملالك األرض طلب إزالة البناء وإمنا عليه أن يرضخ إلرادة الباني حسن النية‪،‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫أي أن مالك األرض يجد نفسه مجبرا على متلك بناء ال يرغب بتملكه‪ ،‬بل وقد ال يستطيع دفع ثمنه ‪.‬‬ ‫ومبقابل متلك البناء‪ ،‬على مالك األرض دفع تعويض للباني حسن النّ ّية وحسب الفقرة األولى من املادة‬ ‫(‪ )925‬يخير مالك األرض عند دفع التعويض بني أقل القيمتني من قيمة مواد البناء وأجرة العمل أو قيمة ما‬ ‫زاد في ثمن األرض بسبب البناء(‪.)6‬‬ ‫وبهذا املعيار اختلف القانون املدني املصر ّي عن قانون املعامالت املدنية اإلماراتي الذي تبنى معيار األقل‬ ‫يتبع األكثر‪ ،‬فالقانون املدني املصر ّي لم يأخذ بقيمة البناء وأجرة العمل وقيمة األرض وأيهما أقل يتبع‬ ‫األكثر‪ ،‬بل يرى بعض الباحثني(‪ )7‬أنه راعى مصالح مالك األرض على حساب مصالح الباني حسن النية؛‬ ‫فمالك األرض يتملك البناء مهما كانت قيمته طاملا أن الباني حسن النية لم يطلب إزالته(‪.)8‬‬ ‫وباختيار مالك األرض دفع أقل القيمتني للباني حسن النّ ّية نظير ذلك البناء‪ ،‬يكون رد ما اغتنى به‬ ‫على حساب الغير ‪ ،‬ولكن اختلف الفقه حول مصدر دفع التعويض‪ ،‬فالبعض(‪ )9‬يرى أن دفع التعويض‬ ‫للباني حسن النية مصدره القانون وليس تطبيقا ألحكام الكسب بال سبب‪ ،‬ولو صح موقفه وكان‬ ‫التعويض تطبيقا لقواعد الكسب بال سبب ملا كانت هنالك حاجة لنص املادة (‪ )925‬والكتفى املشرع‬ ‫باإلحالة على هذه األحكام‪ ،‬بينما يرى بعضهم(‪ ، )10‬أن مصدر هذا االلتزام هو أحكام الكسب بال سبب‬ ‫بامتياز وليس القانون‪.‬‬ ‫والغالب أن قيمة مواد البناء وأجرة العمل تكون أكثر من قيمة زيادة ثمن األرض بسبب البناء‪ ،‬وبالتالي‬ ‫يختار مالك األرض دفع قيمة الزيادة(‪.)11‬‬ ‫إذا ليس ملالك األرض االحتفاظ باألرض وترك البناء للباني حسن النية‪ ،‬اذ يجبر _كما أسلفنا_ على‬ ‫متلك البناء ودفع التعويض للباني‪ ،‬أو ترك األرض للباني حسن النية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.279‬‬

‫ي يرى أن طلب اإلزالة مقيد بعدم إحلاق الضرر باألرض‪.‬د‪.‬نبيل سعد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.333‬‬ ‫(‪ )2‬مع أن الفقه املصر ّ‬

‫)‪ (3‬د‪.‬عبد احلميد الشواربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.804‬‬ ‫(‪ )4‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬مرجع سابق ص‪280‬‬ ‫(‪ )5‬د‪.‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.126‬‬ ‫(‪ )6‬د‪.‬نبيل سعد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.334‬‬ ‫‪ ))7‬د‪.‬محمد سوار‪ ،‬شرح القانون املدني األردني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 105‬هامش ‪.1‬‬

‫(‪ )8‬د‪.‬حسام الدين األهواني‪ ،‬مرجع سابق‪.185،‬‬

‫(‪ )9‬د‪.‬محمد عرفه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 74‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬مرجع سابق ص ‪279‬‬ ‫(‪ )10‬د‪.‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،133‬ويقدر قيمة مواد البناء وأجرة العمل وقيمة ما زاد في ثمـن األرض بسـبب البنـاء وقـت إقامـة‬ ‫الدعوى‪.‬‬ ‫(‪ )11‬واملقصود هنا القيمة التجارية التي حدثت في األرض بسبب البناء‪ ،‬ال املنفعة التي عادت على املالك بسبب البنـاء د‪.‬محمـد كامـل‬ ‫مرسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪91‬‬


‫فقد نصت الفقرة الثانية من من املادة (‪ )925‬على القول (إال أنه إذا كانت املنشآت قد بلغت حدا من‬ ‫اجلسامة ترهق صاحب األرض أن يؤدي ما هو مستحق عنها‪ ،‬كان له أن يطلب متليك األرض ملن أقام املنشآت‬ ‫نظير تعويض عادل)‪.‬‬ ‫في بادئ ذي بدء‪ ،‬قد يكون طلب إزالة البناء محرجا ملالك األرض في حالة عجزه عن دفع التعويض‬ ‫للباني‪ ،‬ولكن ومبا أن ال حق ملالك األرض في طلب إزالة البناء عندما يكون الباني حسن النية‪ ،‬فليس له خيار‬ ‫سوى طلب متليك األرض للباني حسن النية طلب أو لم يطلب‪.‬‬ ‫فإذا كان البناء الذي أقيم على األرض قد بلغ حدا من اجلسامة ترهق مالكها في دفع التعويض‬ ‫املستحق عليه‪ ،‬فإن القانون أعطى له احلق في طلب متليك البناء ملن أقامه نظير تعويض عادل(‪ .)1‬ومعيار‬ ‫اإلرهاق معيار شخصي وليس بقيمة البناء(‪ .)2‬وقاضي املوضوع هو من يقوم بتقدير الظروف الشخصية‬ ‫واملالية ملالك األرض‪ ،‬لذا فإن معيار اإلرهاق يختلف من شخص آلخر(‪ .)3‬وال يلتزم القاضي عند تقدير‬ ‫التعويض بالقواعد العامة‪ ،‬وإمنا عليه تقدير قيمة األرض طبقا لقيمة ثمنها في السوق‪ .‬وإذا متلك الباني‬ ‫حسن النية األرض بناء على طلب مالكها فإن التملك ال يكون تنفيذا ألحكام االتّصال وإمنا متلك األرض‬ ‫(‪)4‬‬ ‫وااللتزام بدفع التعويض العادل ملالك األرض يكون مصدره القانون ‪.‬‬ ‫ونرى أنه أيضا يجوز ملالك األرض_إضافة حلالة اإلرهاق_أن يطلب من الباني حسن النية متلك‬ ‫األرض إذا كان الباني حسن النية أبرم أي تصرف قانوني من شأنه أن مينع نقل ملكية البناء بكافة عناصره‪،‬‬ ‫كأن يكون قد رهن البناء أو أجر ّه وقبض أجرته‪.‬‬

‫(‪ )1‬د‪.‬منصور مصطفى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.924‬‬ ‫(‪ )2‬د‪.‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.127‬‬

‫(‪ )3‬د‪.‬محمد عرفه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،46‬كما ال يشترط أن تكون قيمة البناء أكثر من قيمة األرض‪ ،‬وإمنا يكفي كما عبر بعض الباحثني أن يكون دفع‬ ‫التعويض صعبا على مالك األرض‪ .‬د‪.‬محمد زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.128‬‬

‫(‪ )4‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.281‬‬

‫‪92‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫اخلامتة‬

‫بعد أن انتهينا من كتابة بحثنا_بعون اهلل وحمده_ وعنوانه البناء على أرض الغير في قانون‬ ‫إلماراتي والقانون املدني املصر ّي‪ ،‬توصلنا إلى مجموعة من النتائج والتوصيات‪.‬‬ ‫املعامالت املدنية ا ا‬ ‫ّ‬

‫أوال‪ :‬النتائج‬ ‫‪ _1‬لكي يعتبر ما أقامة الباني على أرض الغير بناء‪ ،‬ومن ثم تطبق عليه أحكام االتّصال‪ ،‬ال بد أن يندمج‬

‫باألرض املقام عليها وأن يكون االندماج مستمرا‪.‬‬ ‫‪ _2‬أن يكون الباني شخصا غير مالك األرض وليس موكال بإقامة البناء‪.‬‬ ‫‪ _3‬سوء نية الباني في القانونني اإلماراتي املصر ّي قائم على معيار شخصي‪ ،‬ويعتبر الباني كذلك إذا لم‬ ‫يكن له احلق في إقامة البناء على أرض الغير ‪ ،‬أو كان يعلم أن األرض مملوكة للغير‪.‬‬ ‫‪ _4‬تختلف خيارات مالك األرض التي نص عليها القانون اإلماراتي وميكن أن ميارسها في حالة قيام‬ ‫شخص بالبناء على أرضه‪ ،‬عن اخليارات التي نص عليها القانون املصر ّي‪.‬‬ ‫‪ _5‬على الرغم من أن الباني يعتبر سيء النية إذا قام بالبناء على أرض دون وجه حق‪ ،‬اإل أن القانونني‬ ‫اإلماراتي و املصر ّي أقرا له ببعض احلقوق ميكن املطالبه بها من مالك األرض‪.‬‬ ‫اإلماراتي مختلف عن معيار حسن النّ ّية في القانون املصري‪،‬‬ ‫‪ _6‬معيار حسن نية الباني في القانون‬ ‫ّ‬ ‫وعلى الرغم من ذلك تبنت اﶈكمة االحتادية العليا املعيار الذي انتهت إليه محكمة النقض املصرية عندما‬ ‫قامت بتفسير نص املادة(‪ )925‬من القانون املدني‪.‬‬ ‫‪_7‬يترتب على ثبوت حسن نية الباني آثار_سواء كانت حقوق الباني أو حقوق مالك األرض_ في القانون‬ ‫اإلماراتي‪ ،‬تختلف عن اآلثار التي نص عليها القانون املصر ّي‪.‬‬

‫وصيات‬ ‫ثانيا‪ :‬ال ّت ّ‬ ‫‪ _1‬أن يضيف املشرع اإلماراتي نصا يبني ماهية املنشآت املؤقتة ويحدد مصيرها في حالة إقامتها على‬

‫أرض الغير ‪ ،‬كما فعل املشرع املصري‪.‬‬ ‫‪ _2‬أن يحدد املشرع اإلماراتي_كما فعل املشرع املصري_ مدة زمنية ميارس خاللها مالك األرض حقه في‬ ‫طلب اإلزالة أو متلك البناء الذي أقامة الباني سيء النية على أرضه‪ ،‬لكي اليبقى مصير هذا البناء معلقا‬ ‫لفترة زمنية طويلة‪.‬‬ ‫اإلماراتي ونص املادة(‪ )924‬من القانون املدني‬ ‫‪ _3‬إعادة صياغة نص املادة(‪ )1269‬من قانون املعامالت املدنية‬ ‫ّ‬ ‫املصر ّي‪ ،‬أو إضافة نص يتمكن مبوجبه مالك األرض من متلك البناء‪ ،‬إن كانت إزالته ال تسبب ضررا لألرض‪.‬‬ ‫‪ _4‬إعادة صياغة نص املادة (‪ )1270‬من قانون املعامالت املدنية اإلماراتي ونص املادة (‪ )925‬من القانون املدني‬ ‫املصري‪ ،‬وتبني املعيار املوضوعي في الصياغة اجلديدة‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪93‬‬


‫املراجع‬ ‫‪_1‬د‪.‬أحمد شوقي عبد الرحمن‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬دار منشأة املعارف‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬مصر(‪.)2004‬‬ ‫‪_2‬املستشار أحمد محمد عبد الصادق‪ ،‬املوجز القضائي في شرح أحكام القانون املدني‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬دون‬ ‫دار للنشر(‪.)2010‬‬ ‫‪_3‬املستشار أحمد نصر اجلندي‪ ،‬املوسوعة اإلماراتية في قانون املعامالت املدنية‪ ،‬الكتاب السادس‪ ،‬احلقوق‬ ‫العينية األصلية‪ ،‬دار شتات للنشر والبرمجيات‪ ،‬الشارقة‪ ،‬اإلمارات(‪.)2011‬‬ ‫‪_4‬د‪ .‬الشهابي الشرقاوي‪ ،‬مصادر االلتزام غير اإلرادية في قانون املعامالت املدينة اإلماراتي‪ ،‬مكتبة اجلامعة‪،‬‬ ‫الشارقة‪ ،‬اإلمارات(‪.)2011‬‬ ‫‪_5‬د‪.‬الشهابي الشرقاوي‪ ،‬مصادر االلتزام اإلرادية في قانون املعامالت املدنية اإلماراتي‪ ،‬مكتبة اآلفاق‬ ‫اجلامعية‪ ،‬الشارقة‪ ،‬اإلمارات(‪.)2013‬‬ ‫‪_6‬د‪ .‬أنور سلطان‪ ،‬مصادر االلتزام في القانون املدني األردني‪ ،‬منشورات اجلامعة األردنية (‪.)1987‬‬ ‫‪_7‬د‪.‬حسن ذنون‪ ،‬شرح القانون املدني العراقي‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬مكتبة الرابطة‪ ،‬بغداد(‪.)1954‬‬ ‫‪_8‬د‪.‬حسن كيره‪ ،‬املوجز في أحكام القانون املدني املصري‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬منشأة العارف للنشر‪،‬‬ ‫اإلسكندرية (‪.)1975‬‬ ‫‪_9‬د‪ .‬رمضان ابو السعود‪ ،‬الوسيط في احلقوق العينية األصلية‪ ،‬الدار اجلامعية‪ ،‬لبنان(‪.)1986‬‬ ‫‪_10‬د‪ .‬ضحى النعمان‪ ،‬البناء على ملك الغير دون إذن املالك‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬اإلمارات (‪.)2014‬‬ ‫‪_11‬د‪.‬عبد احلميد الشواربي‪ ،‬التعليق املوضوعي على القانون املدني‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬احلقوق العينية‬ ‫األصلية‪ ،‬منشآت املعارف‪ ،‬اإلسكندرية(‪.)2002‬‬ ‫‪_12‬د‪.‬عبد احلميد النجاشي‪ ،‬أحكام اإلثبات‪ ،‬دون دار للنشر(‪.)2010‬‬ ‫‪_13‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬أسباب كسب امللكية‪ ،‬دار‬ ‫منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬دون سنة للنشر‪.‬‬ ‫‪_14‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬مصادر االلتزام منشأة املعارف‪،‬‬ ‫اإلسكندرية‪.‬دون سنة للنشر‪.‬‬ ‫‪_15‬د‪.‬عبد القادر الفار‪ ،‬مصادر اإللتزام‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫األردن(‪.)2014‬‬ ‫‪_16‬د‪.‬عبد املنعم الصدة‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة _ مصر(‪.)1982‬‬ ‫‪_17‬د‪.‬عدنان السرحان ود‪ .‬نوري خاطر‪ ،‬شرح القانون املدني‪ ،‬مصادر احلقوق الشخصية دار الثقافة للنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬عمان_األردن(‪.)2011‬‬ ‫‪_18‬د‪.‬عدنان سرحان‪ ،‬أحكام البيع في قانون املعامالت املدنية األردني‪ ،‬اآلفاق للنشر‪ ،‬األردن(‪.)2013‬‬ ‫‪_19‬د‪.‬علي العبيدي‪ ،‬احلقوق العينية األصلية وفقا ألحكام قانون املعامالت املدنية األرني‪ ،‬دار الثقافة للنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬األردن(‪.)2010‬‬ ‫‪_20‬د‪.‬علي العبيدي‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬وفقا ألحكام قانون املعامالت املدنية اإلماراتي‪ ،‬اآلفاق املشرقة‬ ‫للنشر‪ ،‬اإلمارات(‪.)2013‬‬ ‫‪_21‬د‪ .‬محمد زهرة‪ ،‬احلقوق العينية األصلية في قانون املعامالت املدنية اإلماراتية‪ ،‬اﺠﻤﻟلد الثاني‪ ،‬مطبوعات‬ ‫جامعة اإلمارات (‪.)1999‬‬ ‫‪_22‬د‪ .‬محمد سوار‪ ،‬شرح القانون املدني السوري‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬مطبعة الداودي‪ ،‬دمشق(‪)1979‬‬ ‫‪_23‬د‪.‬محمد عرفه‪ ،‬موجز في حق امللكية واسباب كسبه‪ ،‬مكتبة دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.)1956( .‬‬

‫‪94‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫‪_24‬د‪.‬محمد كامل مرسي‪ ،‬شرح القانون املدني‪ ،‬اجلزء الثالث‪ ،‬أسباب كسب امللكية‪ ،‬املطبعة العاملية‪،‬‬ ‫القاهرة‪)1951( ،‬‬ ‫‪_25‬د‪.‬محمود زكي‪ ،‬الوجيز في النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬دون دار وسنة النشر‪.‬‬ ‫‪_26‬د‪.‬منصور مصطفى‪ ،‬حق امللكية في القانون املدني املصري‪ ،‬دون دار للنشر (‪.)1965‬‬ ‫‪_27‬د‪.‬نبيل ابراهيم‪ ،‬احلقوق العينية األصلية‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان(‪.)2010‬‬ ‫‪_28‬د‪.‬ياسني اجلبوري‪ ،‬الوجيز في شرح القانون املدني األردني‪ ،‬مصادر االلتزامات‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫عمان‪ ،‬األردن (‪.)2013‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪95‬‬


‫‪96‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫التوظيف الفقهيّ المعاصر ألدوات االجتهاد‬ ‫حالة المؤسسات المالية اإلسالمية‬ ‫دراسة فقهية نقدية‬

‫د‪ .‬عبد العظيم أبوزيد‬

‫أستاذ مشارك في كلية الدراسات اإلسالمية‪ -‬مؤسسة قطر‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪97‬‬


‫‪98‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫املقدمة‬ ‫يستند االجتهاد الفقهي املعاصر في املؤسسات املالية املعاصرة إلى أدوات منها مبدأ‬ ‫االستصالح (املصلحة)‪ ،‬وشرعة االستثناءات (الضرورة وعموم البلوى)‪ ،‬و السياسة الشرعية‬ ‫‪ ،‬والقواعد الفقهية‪ .‬وهذه األدوات إن كانت مستخدمة في مناحي االجتهاد املرتبطة بأبواب‬ ‫الفقه األخرى‪ ،‬إال أنها أكثر تطبيقا ً في اجلوانب املالية املعاصرة‪ ،‬وال سيما ما يتعلق منها‬ ‫باملؤسسات املالية اإلسالمية ‪ ،‬وذلك بسبب قيام احلاجة إلى االجتهاد في شرعية منتجات‬ ‫هذه املؤسسات ‪ ،‬فضال ً عن طلب بعض اجلهات الرسمية إعداد دليل عمل شرعي لهذه‬ ‫املؤسسات ‪ ،‬يصف ما هو حالل تستطيع هذه املؤسسات القيام به‪ ،‬وما هو حرام ينبغي‬ ‫عليها جتنبه‪ ،‬كما هو حال اجلهات املشرفة على عمل املؤسسات املالية اإلسالمية على‬ ‫سبيل املثال في ماليزيا‪.‬‬ ‫واملشكلة تكمن في سالمة توظيف هذه األدوات واستخدامها‪ ،‬فقد خرجت هذه األدوات عما‬ ‫وضعت له في األصل‪ ،‬فضال ً عن استخدام أدوات غير صاحلة أصال ً في اﶈل الذي استخدمت‬ ‫فيه‪ ،‬مما أنتج في بعض احلاالت فتاوى غريبة متجها أصول الشريعة ومقاصدها‪.‬‬ ‫وفيما يلي توصيف لألدوات االجتهادية التي يتناولها من ميارس الفتوى واالجتهاد في املسائل‬ ‫املالية للمؤسسات واملصارف اإلسالمية ‪ ،‬وبيا ٌن ملدى سالمة استخدام هذه األدوات في اﶈال‬ ‫املقصودة‪.‬‬

‫أوال ً‪ -‬االجتهاد باالستناد إلى القواعد الفقهية‪:‬‬ ‫أ‪ .‬قاعدة اختالط احلرام باحلالل‬ ‫تتجلى مسائل اختالط احلرام باحلالل في إطار االستثمار والتمويل اإلسالمي بشكل رئيس‬ ‫في جانبني اثنني‪ ،‬أولهما‪ :‬االستثمار العقاري بيعا ً وشرا ًء وإجارةً لعقارات قائمة تتخذ أصال ً‬ ‫ألغراض مشروعة‪ ،‬لكن متارس فيها بعض األنشطة اﶈرمة‪ ،‬أو عقارات تُشاد مستقبال ً‬ ‫ويشتمل استغاللها على بعض األنشطة اﶈرمة‪ .‬وذلك كالفنادق واملنتجعات السياحية التي‬ ‫حتتوي غالبا ً على بارات تقدم فيها اخلمور‪ ،‬ومرافق أخرى ال تخلو من محرمات كاملراقص‬ ‫واملسابح اجملتلطة؛ أو كمراكز التسوق التي تضم محال جتارية تبيع اخلمور وسلعا ً أخرى‬ ‫محرمة‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬التعامل بأسهم الشركات التي تتعامل أصال ً باحلالل‪ ،‬لكن لها بعض األنشطة‬ ‫العرضية اﶈرمة كاالقتراض واإلقراض بالربا‪.‬‬ ‫وقد ظهرت اجتهادات شرعية مختلفة تغتفر باجلملة اشتمال محل االستثمار على األمرين‬ ‫السابقني بقيود وشروط‪ ،‬منها أال تتجاوز األنشطة اﶈرمة من حيث حجمها أو العائد منها‬ ‫نسبة مئوية معنية‪ ،‬كالثلث أو ‪ ،%30‬أو ‪ ،%25‬أو ‪ ،%20‬أو أقل‪ .‬واستندت هذه االجتهادات إلى‬ ‫‪2‬‬ ‫جملة مبررات‪ 1‬أهمها قواعد فقهية هي ‪:‬‬ ‫‪ 1‬انظر في تلك املبررات قرارات مجلس التوريق املاليزي ومسوغاتها ص‪148 -126‬؛ واملعايير الشرعية لهيئة اﶈاسبة‬ ‫واملراجعة‪ ،‬ص‪ ،364‬املعيار رقم ‪ 21‬في األوراق املالية؛ وقرار هيئة الفتوى ملصرف الراجحي رقم ‪ 485‬بتاريخ ‪1422/8/23‬هـ‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪99‬‬


‫ قاعدة‪" :‬إذا اجتمع احلالل مع احلرام غلب احلالل احلرام"‬‫هذه القاعدة مستمدة في مادتها من حديث رواه ابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر مرفوعا ً‬ ‫‪3‬‬ ‫"ال يحرم احلرام احلالل"‪.‬‬ ‫وتعبر عنها أقوالٌ من مثل قول العز بن عبد السالم (في قواعد األحكام)‪" :‬وإن غلب احلالل بأن‬ ‫‪4‬‬ ‫اختلط درهم حرام بألف درهم حالل جازت املعاملة"‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫وقول الكاساني في البدائع‪" :‬كل شيء أفسده احلرام والغالب عليه احلالل فال بأس عليه"‪.‬‬ ‫وقول ابن تيمية في الفتاوى‪" :‬فإن كان احلالل هو الغالب لم يحكم بتحرمي املعاملة‪...‬وإن كان‬ ‫‪6‬‬ ‫في ماله حالل وحرام واختلط لم يحرم احلالل بل له أن يأخذ قدر احلالل"‪.‬‬ ‫والبن السبكي كالم مشهور في أن احلكم على اجملتلط حالال ً وحراما ً باحلرمة إمنا هو من باب‬ ‫‪7‬‬ ‫االحتياط‪.‬‬ ‫ قاعدة‪" :‬يغتفر في‬‫فيجوز تبعا ً ما ال يجوز أصالً‪ ،‬فقد أجيز في الفقه بيع جنني األمة تبعا ً ألمه مع أن بيعه‬ ‫استقالال ً ال يجوز؛ وعليه يصح التجاوز عن قليل النشاط اﶈرم تبعا ً للكثير احلالل‪.‬‬ ‫مناقشة صحة االستدالل بهذه القواعد على تسويغ احلرام إن اختلط باحلالل‪:‬‬ ‫بداي ًة‪ ،‬فإن من اخلطأ املنهجي والعلمي أن تُستقى القواعد الفقهية وتطبق أو تفهم في غير‬ ‫سياقها الذي أورده الفقهاء فيه؛ فالقواعد الفقهية ما هي إال صياغة فقهية لضبط‬ ‫مسائل الفقه املتفرعة وجمعها في صيغة مبسطة‪ ،‬وليست هي أصال ً فقهيا ً اجتهادياً‬ ‫استند إليه الفقهاء في استنباط أحكامهم‪ .‬ولهذا كان وجود القاعدة الحقا ً لوجود‬ ‫املسائل الفقهية الفرعية‪ ،‬فقد صاغها الفقهاء لغرض لم شتات بعض الفروع الفقهية‬ ‫وتسهيل دراستها‪ ،‬بخالف األصل الفقهي فهو يسبق املسائل الفقهية املستنبطة‪ ،‬ألنه‬ ‫األساس في استنباط تلك املسائل‪.‬‬ ‫التابع ما ال يغتفر في األصل"‪8‬‬

‫وبعبارة أخرى فإن القواعد الفقهية صيغت بنا ًء على أحكام فقهية معلومة بغرض لم‬ ‫شتاتها ‪ ،9‬فينبغي أن يتقيد فهمها وفق تلك األحكام‪ ،‬وليست هي أصوال ً فقهية أو نصوصا ً‬ ‫‪ 2‬لالطالع على مجمل هذه املبررات ومناقشتها‪ ،‬وكذا مناقشة صحة اعتماد تلك النسب املئوية ميكن الرجوع إلى بحث‬ ‫أبوزيد‪ ،‬عبد العظيم‪" ،‬قراءة شرعية نقدية للمعايير الشرعية في اجملتلط حالال ً وحراما ً"‪ ،‬مجلة التجديد‪ ،‬اجلامعة‬ ‫اإلسالمية ا لعاملية مباليزيا‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،15‬العدد ‪.2012 ،31‬‬ ‫‪ 3‬ابن ماجة‪ ،‬محمد بن يزيد الفزويني‪ ،‬السنن‪( ،‬بيروت‪ :‬دار افكر‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع)‪ ،‬كتاب النكاح ‪ ،‬باب ال يحرم احلرام‬ ‫احلالل‪ ،‬حديث رقم ‪ ،2015‬ج‪ ،1‬ص ‪649‬؛ الدارقطني‪ ،‬أبو احلسن علي بن عمر‪ ،‬السنن‪( ،‬بيروت‪ :‬دار املعرفة‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع)‬ ‫‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب املهر‪ ،‬حديث رقم ‪ ،89‬ج‪ ،3‬ص ‪.268‬‬ ‫‪ 4‬العز بن عبد السالم‪ ،‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.73-72‬‬ ‫‪ 5‬الكاساني‪ ،‬عالء الدين أبو بكر بن مسعود‪ ،‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬ط ‪1982 ،2‬م)‪،‬‬ ‫ج‪ ،6‬ص ‪.144‬‬ ‫‪ 6‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أحمد بن عبد احلليم "شيخ اإلسالم"‪ ،‬الفتاوى‪ ،‬حتقيق عبد الرحمن العاصمي‪( ،‬الرياض‪ :‬مكتبة ابن‬ ‫تيمية‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع)‪ ،‬ج‪ ،29‬ص ‪.272‬‬ ‫‪ 7‬السيوطي ‪ ،‬عبد الرحمن جالل الدين‪ ،‬األشباه و النظائر‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1403 ،1‬ه)‪ ،‬ص‪.166‬‬ ‫‪ 8‬انظر السيوطي ‪ ،‬األشباه و النظائر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.120‬‬ ‫‪ 9‬ال يتنافى هذا مع كون بعض القواعد الفقهية نصوصا ً أو مستندا ً إلى نصوص شرعية في األصل‪ ،‬كقاعدة "األمور‬ ‫مبقاصدها" وقاعدة "الضرر ال يزال بالضرر"‪ ،‬ألن نص القاعدة قرر باعتبار فروعه التي ذكرها الفقهاء ال النص الشرعي‪،‬‬

‫‪100‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫شرعية حتى يصح فهم العموم منها مبعزل عن املعاني التي قصدها الفقهاء من هذه‬ ‫القواعد؛ أي إن كان الفقهاء هم من صاغوها‪ ،‬فينبغي العلم باملعاني التي قصدها الفقهاء‬ ‫من هذه القواعد وذلك يتأتى من األمثلة التي أوردها الفقهاء في سياق تلك القواعد‪ ،‬ال أن‬ ‫‪10‬‬ ‫تُفهم مبعزل عما أراده واضعوها منها‪ ،‬ألن املعنى املفهوم قد يخالف قصد الفقهاء منها‪.‬‬ ‫وعليه يكون االستناد إلى هذه القواعد الفقهية في مسألة االستثمارات اجملتلطة فاسدا ً وغير‬ ‫صحيح؛ ولو صح فهم العموم منها جلاز مطلقا ً خلط احلرام باحلالل قصدا ً لغرض تسويغ‬ ‫احلرام‪ ،‬وهذا ما ال يقوله أحد‪.‬‬ ‫ثم إن القواعد واآلثار التي تدل على أنه إذا اجتمع احلالل الكثير مع حرام قليل غلب احلالل‬ ‫ميكن مناقشتها تفصيال ً فيما يأتي‪:‬‬ ‫ املقصود بتلك القواعد واآلثار هو حاالت اختالط احلرام باحلالل عرضا ً على نحو يتعذر معه‬‫تعيني ومتييز احلرام‪ ،‬وذلك كما في اختالط حلم حيوان مأكول غير مذبوح على الطريقة‬ ‫الشرعية بلحوم أخرى كثيرة مذكاة‪ .‬أما في موضوعنا‪ ،‬فالنشاط احلرام معلوم ومميز‬ ‫ومقصود باخللط‪ .‬وصنيع العز بن عبد السالم في قواعد األحكام وكل من ذكر تلك‬ ‫القواعد يدل على ذلك‪ ،‬فإن العز ملا ذكر أن املعاملة جتوز عند غلبة احلالل أتى لذلك بأمثلة‬ ‫تعذر في جميعها تعيني ُ احلرام‪ ،‬وهي ما لو اختلط درهم حرام بألف درهم حالل‪ ،‬أو‬ ‫اختلطت أخت رجل من الرضاع بألف امرأة أجنبية‪ ،‬أو اختلطت ألف حمامة برية بحمامة‬ ‫بلدية‪ 11.‬وعلل صحة ذلك بندرة الوقوع في احلرام‪ ،‬أي ندرة احتمال الوقوع في احلرام‪ ،‬لقلة‬ ‫ض من إيراد هذه القاعدة الرد على تصور احلكم بحرمة جميع‬ ‫احلرام‪ .‬ويوشك أن يكون الغر ُ‬ ‫املال الذي دخله شيء من احلرام على النحو الذي تقدم‪ .‬يقول السيوطي في معرض بيان‬ ‫القاعدة‪ " :‬فأما ما يقوله العوام إن اختالط ماله بغيره يحرمه فباطل ال أصل له"‪ 12.‬وعلى‬ ‫هذا النحو ينبغي فهم كالم ابن السبكي ملا قال إن احلكم على اجملتلط باحلرمة جميعا ً‬ ‫هو من باب االحتياط‪ .‬يقول ابن السبكي‪" :‬اﶈكوم به ثم [ أي إذا اجتمع احلالل مع احلرام‬ ‫غلب احلرام] إعطا ُء احلالل حكم احلرام تغليبا ً واحتياطا ً ال صيرورته في نفسه حراماً‪ ،‬ومن‬ ‫فروع ذلك ما تقدم في خلط الدرهم احلرام باملباح وخلط احلمام اململوك اﶈصور وكذا‬ ‫‪13‬‬ ‫اﶈرم باألجانب وغير ذلك"‪.‬‬ ‫ ملا ذكر احلنفية أن كل شيء أفسده احلرام والغالب عليه احلالل فال بأس ببيعه‪ ،‬ذكروا‬‫كذلك أمثلة تدل على اختالط احلرام باحلالل على نحو يتعذر متييزه وفصله‪ ،‬كما في‬ ‫العذرة إذا اختلطت‬ ‫اختالط النجس بالطاهر على نحو يتعذر فصله‪ .‬مثال ذلك بيع ُ‬ ‫بالتراب وكان التراب غالبا ً ومنتفعا ً به‪ ،‬فيجوز بيعها باعتبار التراب الغالب؛ بينما ال يجوز‬ ‫ألن هذا شأن القاعدة الفقهية أن تصاغ من شتات املسائل الفقهية ‪ ،‬والقاعدة عندما تكون لها سند من النصوص‬ ‫الشرعية تعد حينئذ أصال ً شرعيا ً من أصول الفقه كذلك‪.‬‬ ‫‪ 10‬هذا إال أن تكون القاعدة توافق نصا ً شرعياً‪ ،‬كقاعدتي "األمور مبقاصدها" التي وافقت حديث "إمنا األعمال بالنيات"‪،‬‬ ‫وقاعدة "الضرر ال يزال بالضرر" التي وافقت حديث "ال ضرر وال ضرار"‪ ،‬فإن فهمها ال يتقيد حينئذ بالفروع الفقهية التي‬ ‫يذكرها الفقهاء لها كما تقدم في الهامش السابق‪.‬‬ ‫‪ 11‬العز بن عبد السالم‪ ،‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.73‬‬ ‫‪ 12‬السيوطي ‪ ،‬األشباه و النظائر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.107‬‬ ‫‪ 13‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.116‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪101‬‬


‫العذرة اخلالصة ألنه ال يباح االنتفاع بها بحال فال تكون ماال‪ ،‬وكذا الفأرة إذا وقعت في‬ ‫بيع ُ‬ ‫العجني والسمن املائع واختلطت بهما‪ ،‬فال يجوز بيعها إن كان احلرام (النجس) هو الغالب‬ ‫‪14‬‬ ‫حينئذ‪.‬‬ ‫ أما عبارة ابن تيمية "فإن كان احلالل هو الغالب لم يحكم بتحرمي املعاملة" فمراد بها‬‫اغتفار التعامل باحلالل مع من اختلط ماله باحلرام‪ ،‬فال حترم أموالهم التي نأخذها بعقد‬ ‫حالل كبيع وشراء معهم إذا علمنا أن أموالهم مختلطة‪ ،‬وتعذر تعيني احلرام‪ .‬وال تفهم‬ ‫هذه العبارة جواز أن نكون طرفا ً في صفقاتهم التي دخلها احلرام‪ ،‬أو نستثمر في‬ ‫صفقاتهم‪ .‬فقد جاء في الفتاوى‪ُ " :‬سئل رحمه اهلل عن الذين غالب أموالهم حرام مثل‪:‬‬ ‫املكاسني‪ ،‬وأكلة الربا‪ ،‬وأشباههم‪ ،‬و أصحاب احلرف اﶈرمة‪ :‬كمصوري الصور‪ ،‬واملنجمني‪،‬‬ ‫و أعوان الوالة‪ ،‬فهل يحل أخذ طعامهم باملعاملة أم ال؛ فأجاب‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬إذا كان في‬ ‫أموالهم حالل وحرام ففي معاملتهم شبهة ال يحكم بالتحرمي إال إذا عرف أنه يعطيه ما‬ ‫يحرم إعطاؤه‪ ،‬وال يحكم بالتحليل إال إذا عرف أنه أعطاه من احلالل؛ فان كان احلالل هو‬ ‫‪15‬‬ ‫األغلب لم يحكم بتحرمي املعاملة‪ ،‬وإن كان احلرام هو األغلب قيل بتحرمي املعاملة)‪.‬‬ ‫احلرام احلالل"‪ ،‬فهو على‬ ‫ أما حديث ابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر مرفوعا ً "ال يحرم‬‫ُ‬ ‫‪16‬‬ ‫ض بحديث‬ ‫فرض صحته ‪ ،‬وسالمة االستدالل به على اغتفار احلرام إن اختلط باحلالل معار ٌ‬ ‫آخر وهو "ما اجتمع احلرام واحلالل إال غلب‬ ‫احلرام احلالل"‪ .17‬وقد فسر ابن السبكي هذا‬ ‫ُ‬ ‫احلديث تفسيرا ً ال يعارض احلديث األول‪ ،‬وهو أن احلرمة فيه محمولة على االحتياط كما‬ ‫تقدم‪ .‬لكن شرْح معنى احلديث األول ال يختلف عما تقدم من شرح القاعدة الفقهية‬ ‫التي حتمل مضمونه‪ ،‬أي أن ذلك عند تعذر تعيني احلرام ومتييزه‪ .‬يقول ابن السبكي‪ " :‬وقد‬ ‫عورض به [أي حديث ال يحرم احلرام احلالل] حديث إذا اجتمع احلالل واحلرام غلب احلرام‪،‬‬ ‫وليس مبعارض‪ ،‬ألن اﶈكوم به ثم إعطا ُء احلالل حكم احلرام تغليبا ً واحتياطاً‪ ،‬ال صيرورته‬ ‫في نفسه حراماً‪ ،‬ومن فروع ذلك ما تقدم في خلط الدرهم احلرام باملباح وخلط احلمام‬ ‫اململوك اﶈصور وكذا اﶈرم باألجانب وغير ذلك"‪ 18.‬وسياق احلديث الذي ترويه السيدة‬ ‫عائشة رضي اهلل تعالى عنها بذات اللفظ يدل على معنى ال صلة له مبعنى اختالط‬ ‫احلرام باحلالل معاً‪ ،‬بل على معنى مختلف متاماً‪ ،‬وهو أن الزنا باألصل ال يحرم الفرع‪ ،‬أو‬ ‫بالفرع ال يحرم األصل‪ ،‬ففي حديث السيدة عائشة رضي اهلل تعالى عنها "أن النبي صلى‬ ‫اهلل عليه وسلم سئل عن الرجل يتبع املرأة حراما ً ثم ينكح ابنتها‪ ،‬أو يتبع االبنة ثم‬ ‫ينكح أمها‪ ،‬قال‪ :‬ال يحرم احلرام احلالل"‪ 19.‬ففهم سياق احلديث يجلي الغرض منه‪ ،‬وينفي‬ ‫جواز أن يفهم منه أن احلرام إن اختلط باحلالل ساغ اجلميع‪ ،‬بل معنى احلديث أن احلالل‬ ‫‪ 14‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪.144‬‬ ‫‪ 15‬ابن تيمية‪ ،‬الفتاوى‪ ،‬ج‪ ،29‬ص‪.272‬‬ ‫‪ 16‬هذا احلديث قد ضعف‪ .‬انظر كتاب إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل‪ ،‬للشيخ ناصر الدين األلباني‪( ،‬بيروت‪:‬‬ ‫املكتب اإلسالمي‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع)‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪.288‬‬ ‫‪ 17‬جاء في املقاصد احلسنة للسخاوي ‪" :‬حديث (ما اجتمع احلالل واحلرام إال غلب احلرام احلالل) قال البيهقي‪ :‬رواه جابر‬ ‫اجلعفي عن الشعبي عن ابن مسعود وفيه ضعف وانقطاع‪ ،‬وقال الزين العراقي في تخريج منهاج األصول‪ :‬إنه ال أصل له‪،‬‬ ‫وكذا أدرجه ابن مفلح في أول كتابه في األصول فيما ال أصل له"‪ .‬السخاوي‪ ،‬شمس الدين محمد بن عبد الرحمن‪ ،‬املقاصد‬ ‫احلسنة‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب ‪ ،‬العربي بدون ذكر سنة الطبع)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.574‬‬ ‫‪ 18‬السيوطي ‪ ،‬األشباه و النظائر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.116‬‬ ‫‪ 19‬الدارقطني‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب املهر‪ ،‬حديث رقم ‪ ،88‬ج‪ ،3‬ص‪.268‬‬

‫‪102‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫يبقى حالال ً واحلرام يبقى حراماً؛ ولو ساغ فرضا ً فهم اغتفار احلرام إن اجتمع باحلالل بنا ًء‬ ‫حرام بنص احلديث أن يُرتكب بضمه شيء حالل إليه قصدا ً؛‬ ‫على هذا احلديث‪ ،‬ألمكن لكل ٍ‬ ‫ض حسنة‬ ‫فهذا يخلط خمره بعصير فاكهة ليحل‪ ،‬وهذا يخلط في قروضه بني قرو ً‬ ‫وقروض ربوية ليحل له الربا!‬ ‫وخالصة القول أن الباحث في هذه القضية ال يرى في كل ما ذكره الفقهاء من مسائل‬ ‫لقواعد اختالط احلالل باحلرام مثاال ً يتجلى فيه اغتفار احلرام اجملتلط مع إمكان تعينه ومتييزه‬ ‫واالبتعاد عنه‪ ،‬بل كل احلرام املذكور في أمثلة الفقهاء ال يتجاوز كونه عينا ً محرمة اختلطت‬ ‫بحالل وتعذر متييزها وحتديدها فال ميكن إزالتها ورفعها‪ ،‬أو جنسا ً أصاب طاهراً‪ ،‬أو محرما ً‬ ‫اختلط بحالل فصار اجلميع جنسا ً جديدا ً‪ .‬وال شك أن احلرام في األنشطة االستثمارية هو من‬ ‫احلرام املعلوم واملتميز‪ ،‬الذي يُقحم في احلالل قصدا ً‪ .‬ولو كانت هذه القواعد تُفهم بإطالقها‪،‬‬ ‫لساغ للمكلف أن يتوجه إلى خلط احلرام باحلالل قصدا ً بغية تسويغه‪ ،‬فيخلط اخلمر بشراب‬ ‫حالل‪ ،‬ويخلط الربا بالبيع‪ ،‬فيصير اخلمر والربا حاللني !‬ ‫ب‪ .‬قاعدة يغتفر في التابع ما ال يغتفر في األصل‬ ‫اغتفار التابع في هذه القاعدة مقيدٌ بكون التابع ليس محرما ً لذاته‪ ،‬بل حرم العتبار آخر‪،‬‬ ‫كالغرر في مثال اجلنني الذي يذكره الفقهاء عند ذكرهم لهذه القاعدة؛ فاجلنني لم يجز بيعه‬ ‫استقالال ً للغرر‪ ،‬وجاز تبعا ً ألمه لعدم إمكان بيعها بدونه‪ .‬ومن األمثلة التي يذكرها الفقهاء‬ ‫لهذه القاعدة أيضا ً‪ :‬بيع الثمر قبل بدو صالحه تبعا ً لألرض فهو ال يجوز استقالال ً إال بشرط‬ ‫القطع‪ ،‬ويجوز تبعا ً لألرض‪ ،‬وكذا عدم ثبوت النسب بشهادة النساء‪ ،‬فلو شهدن بالوالدة ثبت‬ ‫النسب تبعا ً‪ 20.‬فهذه قاعدة فقهية يجب أن تفهم على ضوء تطبيقاتها التي ذكرها‬ ‫الفقهاء‪ .‬أما ما حرمه الشارع لذاته‪ ،‬كالربا واخلمور‪ ،‬فهذه ال يجوز بيعها أو التعاوض عنها‬ ‫تبعا ً أو استقالالً‪ ،‬فال يجوز مثال ً شراء دكان مبوجوداته املشتملة على اخلمور‪ ،‬لتحقق شراء‬ ‫اخلمور ضمنا ً‪.‬‬ ‫ج‪ .‬االجتهاد باالستناد إلى قاعدة الضرورات تبيﺢ اﶈظورات‬ ‫من املعلوم فقها ً أن "الضرورات تبيﺢ اﶈظورات"‪ ،‬وأن "املشقة جتلب التيسير"‪ .‬وهاتان قاعدتان‬ ‫فقهيتان مشهورتان‪ ،‬مستندتان إلى جملـة نصـوص مثـل‪ :‬قـال تعـالى‪":‬فمن اضـطر فـي‬ ‫مخمصة غير متجانف إلثم فإن اهلل غفور رحيم" (سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪ ،)3‬و قولـه تعـالى فـي‬ ‫اآلية "إال من أكره وقلبه مطمئن باإلميان" (سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ ،)106‬وغيرهما‪.‬‬ ‫ووجه الضرورة في تسويﻎ بعﺾ اﶈرمات في زعم من يسـتند إليهـا فـي تسـويﻎ بعـﺾ‬ ‫املعامالت املالية املشبوهة إجماال ً‪ ،‬كتلك التي يتحيل بها على الربا في املؤسسات املاليـة‬ ‫اإلسالمية ‪ ،‬أن هذه املؤسسات حديثة العهد‪ ،‬وقامت في ظل هيمنة املصارف الربوية‪ ،‬فال بد‬ ‫من دعمها بكل أسباب النجاح حتى تصمد أمام منافسة تلك املصارف القوية؛ وإال‪ ،‬فإن هـذه‬ ‫املؤسسات اإلسالمية ستفشل‪ ،‬ولن تقوم لها قائمـة بعـد ذلـك‪ .‬ومـدها بأسـباب النجـاح‬ ‫‪20‬‬

‫السيوطي ‪ ،‬األشباه و النظائر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.121‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪103‬‬


‫يقتضي في املرحلة الراهنة جتاوز بعض األحكام الشرعية أو غض البصر عن شـرعيتها إلـى‬ ‫أن تشب تلك املؤسسات ‪ ،‬وتخرج عن الطوق‪ ،‬وتثبت وجودها‪ ،‬ثم بعد ذلك تتجه إلى األعمـال‬ ‫‪21‬‬ ‫الشرعية اخلالصة‪.‬‬ ‫واحلقيقة أن هذه الدعوى ال تصح‪ ،‬إذ ْ ال ضرورة باملعنى الشرعي تسوغ لتلك املؤسسـات‬ ‫قيامها باﶈظور شرعا ً وتـرك البـدائل احلـالل ذات النفـع االقتصـادي احلقيقـي مـن مضـاربة‬ ‫قيام تلك املؤسسات هو من قبيـل الضـرورة أصـالً‪ ،‬أي‬ ‫وشركات وسلم واستصناع‪ ،‬بل ليس ُ‬ ‫الضرورة بشروطها الشرعية املعروفة التي تسوغ اﶈرم‪.‬‬ ‫وعلى فرض حتقق تلك الضرورة‪ ،‬فارتكاب اﶈـرم لضـرورة ال يسـوغ زعـم أن هـذا اﶈـرم حـاللٌ‬ ‫شـرب اخلمـر لضـرورة ال يسـعه ادعـاء حـل‬ ‫ونسبته إلى الشريعة‪ .‬إذ من املعلوم أن منْ يحل له‬ ‫ُ‬ ‫اخلمر‪ ،‬ولو فعل ذلك‪ ،‬لكان زعمه كفراً؛ ومن حل له االقتراض بربا لضرورة‪ ،‬ال يسـعه االدعـاء بحـل‬ ‫الربا‪ ،‬ولو فعل ذلك لكان زعمه مكفرا ً له‪ .‬واملعامالت املصرفية املشبوهة تروج وتسوق علـى أنهـا‬ ‫معامالت حالل‪ ،‬وال يوجد في الفتاوى اخلاصة الصادرة فيها أنها أحكـام اسـتثنائية مبنيـة علـى‬ ‫ضرورة يرتفع احلكم بارتفاعها‪.‬‬ ‫ثم إن املصارف و املؤسسات املالية اإلسالمية قد مضى على قيامها فكرا ً وممارس ًة نحو‬ ‫أربعة عقود‪ ،‬وما زالت متارس ذات املعامالت التي مارستها من قبل وتستند إلى ذات املسوغات؛‬ ‫فهل الضرورة‪ ،‬إن صحت‪ ،‬متتد إلى كل هذه املدة‪ ،‬وهل يُعمل على رفع أسبابها للعودة إلى‬ ‫احلكم الشرعي األصلي ؟‬ ‫د‪ .‬االجتهاد باالستناد إلى قاعدة احلاجة التي تنزل منزلة الضرورة‬ ‫ملا كان االجتهاد بتسويغ بعض املسائل املالية اﶈرمة ال يسوغ بالتخريﺞ علـى الضـرورة‬ ‫التي تبيح اﶈظور‪ ،‬فقد عُ مد إلى تسويغه باالستناد إلى احلاجة‪ ،‬فاحلاجة تنزل منزلة الضـرورة‬ ‫كما تقول القاعدة ‪ ،‬وال سيما احلاجة العامة‪.‬‬ ‫فقيل مثال ً بتسويغ بعض البيوع املشتبهة بالربا‪ ،‬أو كل العقود املوصلة إلـى حقيقـة الربـا‪،‬‬ ‫كالعينة و التورق ‪ ،22‬باعتبار احلاجة؛ فالتمويل النقدي الـذي ال تلبيـه عقـودُ البيـع احلقيقيـة‬ ‫حاج ٌة لعامـة النـاس‪ ،‬فقـد يحتـاج املـرء للنقـد ال للسـلع‪،‬كما حتتاجـه املؤسسـات املاليـة‬ ‫التمويلية ملمارسة أنشطتها التمويلية‪ ،‬وإدارة السيولة فيها‪ ،‬وتلبية حاجات العمالء‪.‬‬ ‫‪ 21‬انظر في عرض تلك املسوغات على سبيل املثال قرارات جلنة التوريق املنبثقة عن مجلس الرقابة الشرعية الصادر في ماليزيا‬ ‫)‪ ، (Resolutions of the Securities Commission Syariah Advisory Council‬وانظر كذلك‪:‬‬ ‫‪Rosly, Saiful Azhar, Critical Issues on Islamic Banking and Financial Market (Kuala Lumpur: Dinamas‬‬ ‫‪Publishing, undated), p. 87.‬‬ ‫‪ 22‬العينة بيع يقصد للتحايل على الربا‪ ،‬فيبيع املقرض إلى املقترض شيئا ً بثمن مؤجل ثم يشتريه منه فورا ً بثمن حال أقل‪،‬‬ ‫فينال املقترض املبلغ املطلوب ويصير مدينا ً للمقرض بالثمن األول األعلى‪ .‬أما التورق فهو كالعينة من حيث الغاية‪،‬‬ ‫واألثر‪ ،‬والنتيجة‪ ،‬لكن بدل أن يبيع مريد املال السلعة إلى بائعها يبيعها إلى طرف ثالث‪ ،‬ويجري ذلك غالبا ً بوساطة البائع‬ ‫األول‪ .‬وكل ذلك مما تقوم به كثير من املؤسسات املالية اإلسالمية‪ ،‬فالعينة منتشرة في املصارف اإلسالمية في ماليزيا‪ ،‬و‬ ‫التورق منتشر في كثير من املصارف اإلسالمية في العالم العربي‪ .‬وكل ذلك حرمته اﺠﻤﻟامع الفقهية كما سيرد في‬ ‫البحث‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫واحلقيقة أن مسألة تنزيل احلاجة منزلة الضـرورة ذكرهـا العلمـاء مـنهم‪ :‬اجلـويني بلفـظ‬ ‫"حاجة اجلنس قد تبلغ مبلغ ضرورة الشخص الواحد"‪ ، 23‬والغزالي بلفظ "احلاجة العامة فـي‬ ‫‪24‬‬ ‫حق كافة اخللق تنزل منزلة الضرورة اخلاصة في حق الشخص الواحد"‪.‬‬ ‫كما ذكرها العز بن عبـد السـالم بلفـظ "املصـلحة العامـة كالضـرورة اخلاصـة"‪ 25‬وعنـى‬ ‫باملصلحة احلاجة حيث قال قبل ذكره للقاعدة‪" :‬لو عم احلرام األرض بحيث ال يوجد حالل‪ ،‬جاز‬ ‫أن يستعمل من ذلك ما تدعو إليه احلاجة‪ ،‬وال يقف حتليـل ذلـك علـى الضـرورات"‪ 26.‬وذكرهـا‬ ‫‪27‬‬ ‫الزركشي بلفظ "احلاجة العامة تنزل منزلة الضرورة في حق آحاد الناس"‪.‬‬ ‫وأوردها السيوطي‪ ،‬وابن جنيم كـلٌ فـي أشـباهه بلفـظ "احلاجـة تنـزل منزلـة الضـرورة‬ ‫‪29‬‬ ‫عامةكانت أو خاصة"‪ 28.‬وهو اللفظ الذي اعتمدته مجلة األحكام العدلية‪.‬‬ ‫واحلقيقة أن معنى هذه القاعدة لـيس كمـا يتصـوره املسـتدلون بهـا علـى تسـويغ هـذه‬ ‫املعامالت املالية املشبوهة‪ ،‬بل معناها أن احلاجة شأنها شأن الضرورة في التأثير في األحكام‬ ‫سـبب مـن أسـباب‬ ‫من حيث األصل‪ ،‬فقد تبيح اﶈظور أو تسقﻂ الوجوب‪ .‬أي أنها كالضرورة‬ ‫ٌ‬ ‫تشريع أحكام استثنائية في ظروف خاصة رفعا ً للحرج‪ ،‬وتيسيرا ً علـى النـاس؛ وهـي كـذلك‬ ‫سواء أكانت عامة أم خاصة كما هي في لفظ بعضهم املتقدم‪ .‬وال تعنـى هـذه القاعـدة أن‬ ‫احلاجة لها ذات أحكام الضرروة من كل وجه من حيث حتليل اﶈرم أو إسقاط الواجب‪ ،‬أو أن ذات‬ ‫اﶈرم الذي حتله الضرورة حتله احلاجة‪ ،‬وذات الواجب الذي تسقطه الضـرورة تسـقطه احلاجـة‪.‬‬ ‫ولو كان األمر كذا‪ ،‬ملا قام داع للتفريق بينهما!‬ ‫والواقع أن الفرق بينهما قائم‪ ،‬يقول ابن العربي‪ ":‬إذا نهي عـن شـيء بعينـه لـم تـؤثر فيـه‬ ‫احلاجة‪ ،‬وإذا كان ملعنى في غيره أثرت فيه احلاجة الرتفاع الشبهة معها"‪ 30.‬أي أن اﶈـرم الـذي‬ ‫ميكن أن حتله احلاجة ليس كل محرم‪ ،‬بل اﶈرم لغيره‪ ،‬ال لذاته‪ .‬واﶈرم لغيره هـو مـا حـرم ألمـر‬ ‫خارج عنه‪ ،‬لعارض مثال ً كالصـالة فـي األرض املغصـوبة‪ ،‬أو لكونـه مؤديـا ً إلـى اﶈـرم بعينـه‪،‬‬ ‫كالنظر يؤدي إلى الزنا ‪ ،‬ويسمى حترميه حترمي وسائل‪ ،‬أو حترمي ذرائع‪ .‬وهذا بخـالف اﶈـرم لعينـه‪،‬‬ ‫‪31‬‬ ‫وهو اﶈرم لذاته ال لكونه موصال ً إلى شيء آخر‪ ،‬كالزنا‪ ،‬و الربا‪ ،‬واخلمر‪.‬‬ ‫ويشير إلى هذا أيضا ً السيوطي بقوله‪" :‬يغتفر في الوسائل مـا ال يغتفـر فـي املقاصـد (أي‬ ‫اﶈرم لذاته)"‪ .‬ويقول ابـن القـيم‪ " :‬مـا ُحـرم لسـد الـذرائع فإنـه يُبـاح للحاجـة واملصـلحة‬ ‫‪ 23‬اجلويني‪ ،‬أبو املعالي عبد امللك‪ ،‬البرهان في أصول الفقه‪( ،‬مصر‪ :‬دار الوفاء‪ ،‬ط‪1418 ،4‬هـ)‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.79‬‬ ‫‪ 24‬الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد‪ ،‬شفاء الغليل‪( ،‬بغداد‪ :‬مطبعة اإلرشاد‪ ،)1971 ،‬ص ‪.246‬‬ ‫‪ 25‬العز بن عبد السالم‪ ،‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.160‬‬ ‫‪ 26‬املرجع السابق ص ‪.159‬‬ ‫‪ 27‬الزركشي‪ ،‬محمد بن بهادر‪ ،‬املنثور في القواعد‪( ،‬الكويت‪ :‬وزارة األوقاف الكويتية‪ ،‬ط‪1405 ،2‬هـ)‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ .24‬وتقييد احلاجة‬ ‫بالعامة كما في لفظ الزركشي والعز واجلويني ال يفهم منه بالضرورة إخراج احلاجة اخلاصة‪ ،‬بل احلاجة اخلاصة تشترك‬ ‫كذلك في احلكم‪ ،‬كلبس احلرير ملن به حكة‪ ،‬وكشف العورة للمريض‪ ،‬وغاية ما في األمر أن هؤالء الفقهاء نصوا على احلاجة‬ ‫العامة ألهميتها‪.‬‬ ‫‪ 28‬السيوطي ‪ ،‬األشباه والنظائر ‪ ،‬ص ‪88‬؛ ابن جنيم‪ ،‬زين الدين بن إبراهيم‪ ،‬األشباه والنظائر ‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‬ ‫ط‪1983/1‬م)‪ ،‬ص‪.91‬‬ ‫‪ 29‬مجلة األحكام العدلية‪( ،‬طهران‪ :‬كازخانة جتارت كتب‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع)‪ ،‬املادة ‪.32‬‬ ‫‪ 30‬ابن العربي ‪ ،‬أبو بكر بن املالكي‪ ،‬عارضة األحوذي‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع)‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.48‬‬ ‫‪ 31‬القرافي‪ ،‬شهاب الدين أبو العباس‪ ،‬الفروق‪( ،‬بيروت‪ :‬دار املعرفة‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع) ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.202‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪105‬‬


‫الراجحة"‪ .‬وقد صيغ بنا ًء على ذلك قاعدة "ما نهي عنه لغيره يباح للحاجـة‪ ،‬ومـا نهـي عنـه‬ ‫‪32‬‬ ‫لذاته ال يباح إال للضرورة"‪.‬‬ ‫ويقول اإلمام الشافعي‪" :‬وليس يحل باحلاجة محـرم (أي لعينـه) إال فـي الضـرورات مـن‬ ‫‪33‬‬ ‫خوف تلف نفس‪."..‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فإن معنى القاعدة أن احلاجـة لهـا تأثيرهـا فـي األحكـام كالضـرورة‪ ،‬فهـي سـبب‬ ‫للتخفيف‪ ،‬وإن كان تأثيرها مختلفا ً‪ .‬ولم يؤثر عن أحد مـن الفقهـاء القـولُ مبسـاواة احلاجـة‬ ‫للضرورة في التأثير على حل اﶈرم‪ ،‬ولو كانا سـواء النتفـى داعـي التمييـز بينهمـا فـي هـذا‬ ‫عطش أن يشرب اخلمر قبل الوصول‬ ‫ٌ‬ ‫السياق‪ ،‬فجاز ملن وقع به جو ٌع أن يأكل امليتة‪ ،‬وملن جرى له‬ ‫إلى مظنة الهالك؛ أو جلاز للناس التعامل بالربا إن جرت لهم به حاجة‪ ،‬وهذا ما لـم يقـل بـه‬ ‫أحد‪.‬‬ ‫د‪ .‬االجتهاد باالستناد إلى مبدأ عموم البلوى وقاعدة تغير األحكام بتغير األزمان‪:‬‬ ‫مما استندت إليه بعض االجتهادات املعاصرة في املسائل املالية مبدأ ُ عموم البلوى وقاعد ُة‬ ‫تغير األحكام بتغير األزمان‪ .‬وباستقراء املواضع التي ورد بها االستشهاد بعموم البلوى ميكن‬ ‫القول إن فحوى العمل بها هو اغتفار ُ ترك االلتزام ببعض األحكام الشرعية عند تعذر ذلك أو‬ ‫استحالته‪ ،‬كما هو احلال في اغتفار ما قد يصيب الثوب من جنس ناجم عن السير في‬ ‫الشوارع التي ال تخلو عن قذر‪ .‬وتخريج ذلك هو على قاعدة رفع احلرج املستمدة من قوله‬ ‫تعالى‪" :‬وما جعل عليكم في الدين من حرج" (سورة احلج‪ .)78 :‬لكن هيكلة بعض املعامالت‬ ‫املالية املشبوهة أو تسويغها ال يعد من قبيل املتعذر جت ُنبه حتى يسوغ ذلك شرعا ً كما‬ ‫تقدم‪ ،‬ولهذا فإن تخريج هذه االجتهادات‪ ،‬كاالجتهاد بتسويغ االستثمار في أسهم الشركات‬ ‫تكريس للبلوى‬ ‫التي متارس بعض األنشطة اﶈرمة‪ ،‬على عموم البلوى ما هو في احلقيقة إال‬ ‫ُ‬ ‫وخلق ٌ لها‪ ،‬ملا في ذلك من ترويج جتارة احلرام وتسويغها‪ .‬وفساد الزمان ال يسوغ التجرؤ على‬ ‫احلرام واالشتراك في الفساد‪ ،‬فالواجب مقابلة املنكر بالنهي واإلزالة‪ ،‬ال بإزكائه واملساهمة‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫وما يذكره الفقهاء من إمكان تعدد األحكام بتعدد األزمنة‪ ،‬واختالف األمكنة واألحوال‪،‬‬ ‫كقاعدة "ال ينكر تغير األحكام بتغير األزمان" مثالً‪ ،‬فهو في األحكام املستندة أصال ً إلى‬ ‫العرف والعادة واملصالح كما هو معروف‪ ،‬كمدى مسؤولية البائع عن نقل املبيع إلى مكان‬ ‫املشتري مثالً‪ ،‬ال األحكام الشرعية املؤصلة أو املنصوص عليها وغير املستندة في‬ ‫‪34‬‬ ‫مشروعيتها إلى العرف والعادة واملصالح‪.‬‬

‫‪ 32‬السيوطي‪ ،‬األشباه والنظائر ‪ ،‬ص ‪158‬؛ ابن القيم‪ ،‬أبو عبد اهلل شمس الدين محمد‪ ،‬زاد املعاد‪( ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬ ‫بدون ذكر سنة الطبع)‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪78‬؛ ابن تيمية‪ ،‬الفتاوى‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.251‬‬ ‫‪ 33‬الشافعي‪ ،‬محمد بن إدريس‪ ،‬األم‪( ،‬بيروت‪ :‬دار املعرفة‪ ،‬ط ‪1393 ،2‬هـ)‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.28‬‬ ‫‪ 34‬يقول ابن عابدين في رسالته "نشر العرف فيما بني على األحكام على العرف"‪" :‬كثير من األحكام تختلف باختالف‬ ‫الزمان لتغير عرف أهله‪ ،‬أو حلدوث ضرورة‪ ،‬أو لفساد أهل الزمان؛ بحيث لو بقي احلكم على ما كان عليه أوال ً للزم منه املشقة‬ ‫والضرر بالناس وخلالف قواعد الشريعة املبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد"‪ .‬ابن عابدين‪ ،‬محمد أمني بن‬ ‫عمر‪ ،‬مجموعة رسائل ابن عابدين‪( ،‬مصر‪ :‬عالم الكتب‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع)‪.125/17 ،‬‬

‫‪106‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫ثانيا ً‪ -‬االجتهاد باالستناد إلى املصلحة ومقاصد الشريعة‬

‫مما يالحظ على بعض االجتهادات الفقهية املعاصرة‪ ،‬وال سيما في باب املعامالت املالية‬ ‫املصرفية‪ ،‬أنها تأخذ باملقاصد واملصالح حني يوصلها ذلﻚ إلى ما يريد اﺠﻤﻟتهد أو املفتي سلفاً‬ ‫تسويغه‪ ،‬وتعطل املقاصد واملصالح حيث تتعارض مع الغاية املطلوبة؛ فهل مقاصد ا‬ ‫الشريعة أو املصالح دليل سائغ يصح في هذه املسائل؟‬ ‫تعريف املصالح‬

‫املصالح واحدتها املصلحة‪ ،‬وهي املنفعة‪ ،‬ضد املفسدة‪ ،‬أي كل ما فيه جلب نفع أو دفع‬ ‫ضر‪ 35.‬وعرفها الغزالي (تـ ‪505‬هـ) بقوله‪" :‬اﶈافظة على مقصود الشرع‪ ،‬ومقصود الشرع من‬ ‫اخللق خمسة‪ ،‬وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم‪ .‬فكل ما‬ ‫يتضمن حفظ هذه األصول اخلمسة فهو مصلحة‪ ،‬وكل ما يفوت هذه األصول فهو مفسدة‬ ‫ودفعها مصلحة"‪ 36.‬وقد صاغ بعض املعاصرين هذا التعريف صياغة جديدة‪ ،‬فعرف املصلحة‬ ‫بأنها‪" :‬املنفعة التي قصدها الشارع احلكيم لعباده‪ ،‬من حفظ دينهم‪ ،‬ونفوسهم‪،‬‬ ‫‪37‬‬ ‫وعقولهم‪ ،‬ونسلهم‪ ،‬وأموالهم‪ ،‬طبق ترتيب معني فيما بينها"‪.‬‬ ‫وعرف الطوفي (تـ ‪719‬هـ) املصلحة مبعنى الوسيلة إلى الصالح‪ ،‬فقال‪" :‬السبب املؤدي إلى‬ ‫‪38‬‬ ‫مقصود الشارع عبادة أو عادة"‪.‬‬ ‫األخذ باملصلحة‪:‬‬ ‫مدارس الفقه عمليا ً وإن لم تنص‬ ‫املصالح هي أحد املصادر الشرعية املعتبرة‪ ،‬وقد أخذت بها‬ ‫ُ‬ ‫بعض املدارس عليها دليال ً شرعيا ً مستقال ً‪ .‬ومضمو ُن العمل باملصلحة األخذ ُ بكل ما يحقق‬ ‫مصالح العباد‪ ،‬إذ ثبت باالستقراء أن جميع أحكام الشريعة حتقق مصالح العباد؛ وعليه‪،‬‬ ‫فكل ما يحقق املصحلة يصلح شرعا ً األخذ ُ به‪.‬‬ ‫شروط ال بد من استيفائها‪ ،‬إذ قد تُظن‬ ‫لكن لألخذ باملصلحة دليال ً شرعيا ً على األحكام‬ ‫ٌ‬ ‫املصلحة في أمور مفسدة‪ ،‬أو حرمتها الشريعة‪ ،‬فال بد من ضبط األخذ باملصلحة بشروط‬ ‫وضوابط شرعية‪.‬‬ ‫وقد كانت املصلحة منذ زمن الطوفي وال تزال إلى يومنا هذا دليال ً شرعيا ً يساء فهمه أو‬ ‫إعماله‪ ،‬إذ قد استند إليها خلق ٌ كثير‪ ،‬وال سيما في عصر انحطاط املسلمني املستمر إلى‬ ‫يومنا هذا‪ ،‬في تسويغ بعض املسائل التي حترم شرعا ً‪ .‬ومنشأ هذا اخللط والزعم هو عدم‬ ‫عدم معارضة النصوص واألصول‬ ‫إدراك الشروط الشرعية الالزمة لعمل املصالح‪ ،‬وأهمها‬ ‫ُ‬ ‫‪ 35‬جمال الدين أبو الفضل ابن منظور‪ ،‬لسان العرب (بيروت‪ :‬دار إحياء التراث‪ ،‬ط‪ ،)3‬ج‪ ،7‬ص‪384‬؛ محمد بن أبي بكر الرازي‪،‬‬ ‫مختار الصحاح (بيروت‪ :‬مكتبة لبنان‪)1992 ،‬؛ محمد بن محمد الغزالي‪ ،‬املستصفى (بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫ط‪1413/1‬هـ)‪ ،‬ص‪.174‬‬ ‫‪ 36‬الغزالي‪ ،‬املستصفى‪ ،‬ص‪.174‬‬ ‫‪ 37‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬ضوابط املصلحة في الشريعة اإلسالمية (بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1982 ،4‬م)‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫(ضمنت هذه الرسالة كاملة في كتب منها كتاب مصطفى زيد "‬ ‫‪ 38‬جنم الدين الطوفي‪ ،‬رسالة في رعاية املصلحة ُ‬ ‫املصلحة في التشريع اإلسالمي وجنم الدين الطوفي" وكتاب عبد الوهاب اخلالف "مصادر التشريع اإلسالمي فيما ال نص‬ ‫فيه")‪ ،‬ص‪ 19‬من هذه الرسالة‪ ،‬عند حديث (ال ضرر وال ضرار)‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪107‬‬


‫الشرعية‪ .39‬فضال ً عن أن تقدير املصالح هو محل اضطراب في الرؤى واآلراء‪ ،‬فما يراه البعض‬ ‫مصلحة عامة للمسلمني قد ال يراه غيره كذلك‪ ،‬مما يحتم عند غياب احلاكم املسلم اﺠﻤﻟتهد‪،‬‬ ‫الذي يقرر املصالح بالشورى ويفرضها مبقتضى السياسة الشرعية‪ ،‬وجوب االحتكام إلى‬ ‫الشروط الشرعية املعروفة لعمل املصالح‪ ،‬بعيدا ً عن التقديرات الفردية للمصالح‬ ‫والتفسيرات الشاذة لها‪.‬‬ ‫وتطبيقا ً ملا تقدم على االجتهادات الشرعيةاملعاصرة‪ ،‬فقد ُظنت املصلحة في تسويغ البيوع‬ ‫وظنت املصلحة في تسويغ بيوع الدين‪،40‬‬ ‫املوصلة في جوهرها إلى الربا كالعينة و التورق ‪ُ ،‬‬ ‫ثم في تسويغ املشتقات املالية القمارية‪ ،41‬وتسويغ االستثمار في أسهم الشركات‬ ‫املتعاملة باﶈرمات بيعا ً وشرا ًء على النحو الذي نراه في األسواق اليوم‪ .‬وهذا كله ال يصلح‪،‬‬ ‫ألن املصلحة املوهومة في هذه املعامالت تتعارض مع أحكام شرعية قطعية‪ ،‬فضال عن وجود‬ ‫نقيض املصلحة في هذه التعامالت؛ فالتحايل على الربا والقمار يوصل إلى مفاسدهما‪ ،‬وهل‬ ‫حرم الربا والقمار إال ملفاسدهما وآثارهما! فاالستثمار في األسهم اجملتلطة مثال ً واملضاربات‬ ‫فيها عادت في كثير من تطبيقاتها على املتعاملني فيها باخلسائر وتراكم الديون على النحو‬ ‫ال يختلف عن الذي يجري في مؤسسات الربا وصاالت القمار‪ ،‬وال سيما مع تفلت األسواق‬ ‫االستثمارية بخاصة عن الضوابط واإلجراءات احلمائية‪ ،‬وما يقع في هذه األسواق من‬ ‫مخالفات شرعية كالبيع القصير‪ ،42‬والبيع على الهامش‪ ،43‬ودخول املشتقات املالية ‪ ،‬وسائر‬ ‫أدوات املضاربات السعرية‪ .‬بل وأدى تسويغ االستثمار فيها إلى انتقال كثير من أموال‬ ‫املسلمني إلى الشركات األجنبية في اخلارج‪ ،‬وال سيما إلى الغرب مع انطالق الفتاوى بتسويغ‬ ‫أسواق خاصة لذلك‬ ‫االستثمار في كثير من تلك الشركات التي ال تتورع عن احلرام‪ ،‬وتأسيس‬ ‫ٍ‬ ‫وسمت باإلسالمية‪ ،‬كسوق مؤشر داو جونز " اإلسالمي"‪.‬‬

‫‪ 39‬انظر البوطي‪ ،‬محمد سعيد رمضان‪ ،‬ضوابط املصلحة‪( ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ، ،‬ط‪1982 ،4‬م)‪ ،‬ص ‪118‬؛ وانظر بحث‬ ‫أبوزيد‪ ،‬عبد العظيم‪" ،‬البعد التعبدي في ارتباط املصالح باألحكام الشرعية"‪ ،‬اإلسالم في آسيا‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،3‬العدد ‪ ،1‬يوليو‬ ‫‪ ،2006‬ص ‪ 57‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ 40‬أكثر ما يتجلى بيع الدين في الوقت املعاصر هو في حسم الديون‪ ،‬أي بيعها بأقل من قيمتها االسمية وهو منتشر في‬ ‫املؤسسات املالية اإلسالمية املاليزية‪ ،‬فضال ً عن بيع الصكوك عندما متثل في حقيقتها ورقة مالية مضمونة القيمة‬ ‫االسمية حلاملها‪ ،‬ال موجودات حقيقية تتقلب أسعارها السوقية‪.‬‬ ‫‪ 41‬املشتقات املالية معامالت مالية متنوعة تتضمن بيعا ً مؤجال ً لكال العوضني (وهو ممنوع شرعاً)‪ ،‬وتقصد ألغراض‬ ‫املضاربة السعرية أو التحوط‪ .‬وقد جرت محاوالت كثيرة ألسلمة هذه املشتقات‪ .‬انظر تفصيل ذلك في بحث أبوزيد‪ ،‬عبد‬ ‫العظيم‪" ،‬املشتقات املالية ‪ ،‬دراسة شرعية ونقدية"‪ ،‬مجلة جامعة امللك عبد العزيز‪ ،‬معهد االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬العدد‬ ‫‪ ،3‬اﺠﻤﻟلد ‪.2014 ،27‬‬ ‫‪ 42‬البيع القصير هو بيع أسهم يقترضها البائع من مالكها عن طريق السمسار‪ ،‬فيبيعها بسعر السوق على أمل أن‬ ‫ينخفض سعرها عند مجيء وقت ردها‪ ،‬ليشتريها بثمن أقل ويردها ويربح الفرق بني السعرين‪ .‬وتتضمن هذه العملية جملة‬ ‫محاذير منها أن إقراض األسهم يكون بفائدة يدفعها املقترض‪ ،‬ومنها أن األسهم ال تصلح لإلقراض أصال ً بسبب تقلب ما‬ ‫متثله من موجودات‪ ،‬فال ميكن رد ذات ما استقرض منها‪ ،‬ومنها كذلك أن هذه العملية تقصد للمضاربات السعرية التي تؤدي‬ ‫في مجلها إلى إضفاء شيء من الطبيعة القمارية على التجارة باألسهم بيعا ً ‪ ،‬وشرا ًء‪.‬‬ ‫‪ 43‬صورة البيع على الهامش أن يقترض ماال ً أو يجد من ميول له شراء أسهم ما‪ ،‬فيشتريها ويحتفظ بها إلى أجل يتوقع فيه‬ ‫ارتفاع سعرها‪ ،‬ليبيعها الحقا ً ومن ثمنها يرد املبلغ الذي أخذه من قبل من ممول الشراء أو املقرض‪ .‬واملمنوع في هذه العملية‬ ‫هي القرض بربا الذي يجري أوالً‪ ،‬أو التمويل مبا ال يؤدي إلى امللك احلقيقي لألسهم الذي يقتضي حرية التصرف فيها‪ ،‬فضال ً‬ ‫عن أن هذه العملية تقصد للمضاربات السعرية التي تؤدي في مجلها إلى إضفاء شيء من الطبيعة القمارية على التجارة‬ ‫باألسهم بيعا ً ‪ ،‬وشرا ًء كما هو شأن البيع القصير‪.‬‬

‫‪108‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫تعطيل املقاصد في االجتهاد الفقهي املعاصر‬ ‫من الغريب أن االجتهاد الفقهـي املعاصـر يسـتند كثيـرا ً إلـى مبـدأ املصـلحة فـي تقـدمي‬ ‫مسوغاته على الرغم من تعطيله في بعض احلاالت ملقاصد الشـريعة مـن األحكـام‪ ،‬مـع أن‬ ‫املصلحة التي راعاها الشارع تفضال ً وإحسانا ً في األحكـام ال تتحـق حـني يتعطـل املقصـد‬ ‫الشرعي من تلك األحكام‪ .‬فالربا مثال ً حرم ألجل مفاسـده اجملتلفـة‪ ،‬فيكـون التحايـل علـى‬ ‫املعامالت املوصـلة‬ ‫حرمته موصال ً إلى تلك املفاسد؛ فكيف ميكن مع هذا أن تُسوغ باملصلحة‬ ‫ُ‬ ‫في جوهرها إلى الربا!‬ ‫إن بعض االجتهادات الفقهيـة اليوم‪ ،‬وال سيما املتعلق منها باملسائل املصرفية املاليـة‪ ،‬تقـوم‬ ‫على احلكـم بحـل املعاملـة باعتبـار اسـتيفاء شـروط الصـحة الشـكلية التـي وردت بهـا‬ ‫النصوص دومنا اعتبارٍ جلوهر املعاملة ومآالتها‪ .‬فالرؤى الفقهية التي حتل بيـوع الـذرائع الربويـة‬ ‫كالعينة أو التورق كما يجريان اآلن في بعض املؤسسـات املاليـة اإلسـالمية ‪ ،‬وتتشـدد فـي‬ ‫حتقيق شكليات معينة حللها‪ ،‬على الرغم من عدم تأثير هذه الشلكيات على جوهر املعاملـة‬ ‫الذي ال يفترق عن الربا إال بـاللفظ و الشـكل فحسـب‪ ،‬هـي رؤى تنبثـق عـن عقليـة تأخـذ‬ ‫بالظاهر وتعطل روح النص ومقاصده‪ ،‬وهي عقليـة يُخشـى منهـا حقيقـ ًة علـى التشـريع‬ ‫اإلسالمي‪ .‬ومثلها تلك العقلي ُة التي تفرق بني البيوع الربوية‪ ،‬فترى حل واحد وحرمة أخر على‬ ‫الرغم من احتاد اجلميع في اجلوهر واألثر‪ ،‬أو تلك التـي تصـو ُغ بيعـا ً جديـدا ً يوصـل إلـى نفـس‬ ‫النتيجة من معاوضة املال باملال بوساطة سلعة غيـر مقصـودة لـذاتها حقيقـة فـي البيـع‬ ‫‪44‬‬ ‫تزعم حله وتشن حربا ً على البيوع الربوية األخرى!‬ ‫والشراء‪ ،‬ثم‬ ‫ُ‬

‫ثالثا ً‪ -‬االجتهاد باالستناد إلى السياسة الشرعية‬ ‫السياسة الشرعية مبناها على حتقيق املصالح دون مخالفة النصوص‬ ‫ترتبط السياسة الشرعية باملصلحة ارتباطا ً وثيقاً‪ ،‬ووجه ذلك أن تصرف ولي أمر في‬ ‫منوط باملصلحة كما هي القاعدة‪ ،‬فالسياسة هي حسن التدبير والتصرف؛ وما وجد‬ ‫واليته‬ ‫ٌ‬ ‫منصب الوالية العامة أو اخلاصة في اإلسالم‪ ،‬أو في كل دستور‪ ،‬إال للقيام بشأن الرعية‪،‬‬ ‫وتدبير شؤونها‪ ،‬أي جلب املصالح لها‪ ،‬ودفع املكاره واملفاسد عنها‪.‬‬ ‫وليس يُشترط في السياسة الشرعية أن يُنص على تطبيقاتها حتى تعد شرعية‪ ،‬أي‬ ‫مقبول ًة شرعاً‪ ،‬ففي هذا تقييد لها وحتجيم ال يتناسب مع مفهوم السياسة بشكل عام‪ ،‬أي‬ ‫‪45‬‬ ‫التدبير في األمور العامة بحسب مقتضيات الظروف واملتغيرات‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬فإنه ال يشترط أن تستند السياسة إلى النصوص‪ ،‬ولكن يشترط أال يخالف‬ ‫العمل بالسياسة النصوص‪ ،‬ألنها تخرج عن الشرعية حينئذ مبخالفة النصوص‪ .‬ولو جاز‬ ‫للسياسة أن تخالف النصوص ملا سلمت أحكام الشريعة‪ ،‬ولذابت في بوتقة املصالح‬ ‫‪ 44‬من ذلك أننا نرى من يهاجم العينة يقول بالتورق املصرفي‪ ،‬ومن يهاجم التورق املصرفي يخرج على الناس بالسلم‬ ‫املنظم‪ ،‬وجوهر اجلميع ومآله واحد‪ ،‬وهو االسترباح عن النقد‪ ،‬وهو جوهر الربا ألن الربا لم يحرم لشكله أو طريقة الوصول‬ ‫إليه‪ ،‬بل جلوهره من مبادلة نقد حال بنقد أكثر منه مؤجل‪.‬‬ ‫‪ 45‬انظر ابن القيم‪ ،‬الطرق احلكمية في السياسة الشرعية ‪( ،‬القاهرة‪ :‬املؤسسة العربية للطباعة‪1961 ،‬م)‪ ،‬ص‬ ‫‪.16‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪109‬‬


‫املدعاة مع تفاوت آراء أولي األمر وتداخل أهوائهم‪ ،‬ولصار التشريع اإلسالمي تشريعا ً بشريا ال‬ ‫قداسة فيه‪ .‬أي إن العمل بالسياسة الشرعية مشروط بعدم النص على فساد‬ ‫وحرمته‪ ،‬فإنه ال يجوز مخالفته مبقتضى‬ ‫تطبيقاتها؛ فلو وجد النص مثال ً بفساد أمر معني ُ‬ ‫السياسة الشرعية‪.‬‬ ‫وما مثل السياسة الشرعية إال كمثل التعزير‪ ،‬بل التعزير محلٌ واس ٌع لعمل‬ ‫السياسة ‪ ،‬فهو عقوبة يقدرها القاضي بحسب حال اجلرمية وحال مرتكبها‪ .‬فكما أن التعزير‬ ‫متروك للقاضي يقدره بحسب الظروف واملالبسات‪ ،‬وليس فيه تقييد من الشارع في‬ ‫تطبيقاته‪ ،‬فكذا السياسة الشرعية متروك ٌة لإلمام وليس فيها تقييد من الشارع في‬ ‫تطبيقاتها‪ .‬وكما ال ميلك القاضي أن يفرض تعزيرا ً في عقوبة حدية حد الشارع عقوبتها‪،‬‬ ‫فكذا ال ميلك ولي األمر أن يسوس الرعية بغير ما حد وبني الشارع أحكامه‪.‬‬ ‫وفي زمننا صار يتردد في أروقة اﺠﻤﻟالس الفقهية التي متارس االجتهاد في مسائل الصيرفة‬ ‫مصطلح " السياسة الشرعية " في إطار تسويغ بعض تطبيقات املعامالت‬ ‫اإلسالمية‬ ‫ُ‬ ‫املالية‪ ،‬على اعتبار أنها ال جتوز باعتبار األدلة الظاهرة‪ ،‬أو األقوال الفقهية املعروفة‪ ،‬أو مواقف‬ ‫اﺠﻤﻟامع الفقهية ‪ ،‬ليمكن جتوزيها مبقتضى السياسة الشرعية‪ .‬وهذا تطور ٌ خطير وفاسد من‬ ‫أوجه عدة‪:‬‬ ‫ أن التصرف مبقتضى السياسة الشرعية هو للحاكم املسلم‪ ،‬أو احلكومة املسلمة‪،‬‬‫تقرره وفق املصلحة العامة ومبقتضى الشورى‪ ،‬ألنها ترتبط بإدارة الشؤون العامة‬ ‫الداخلية واخلارجية للدولة‪ .‬وتقصير احلكومة املسلمة في هذا اجلانب في بعض‬ ‫اﺠﻤﻟاالت ال يخول األفراد أن يبؤوا أنفسهم دور احلكام‪.‬‬ ‫ أن السياسة الشرعية ال تخول من يتصرف مبقتضاها تسويغ اﶈرم وتسميته حالالً‪،‬‬‫كأن يوسم منتج مالي غير شرعي بالشرعية مبقتضى السياسة الشرعية وي ُسمح‬ ‫للمؤسسات املالية اإلسالمية بتقدميه؛ بل تخول السياسة الشرعية ألهلها‬ ‫التصرف في األمور العامة مبقتضى املصلحة‪ ،‬مبا ال يتناقص مع أصول الشريعة‬ ‫ونصوصها الثابتة؛ وتعليق بعض األحكام الشرعية مبقتضى الضرورة التي تبيح‬ ‫بشروطها اﶈظور أو تسلب الوجوب عن الواجب؛ وكذا التصرف مبقتضى التعزير الذي‬ ‫قد يصل إلى القتل في قضايا اجلنايات وجرائم أمن الدولة؛ و تقييد املباحات‪.‬‬ ‫ أن جهات الفتوى املصرفية احلالية ليست طرفا ً مستقال ً تُضمن نزاه ُته في تقريره‬‫للمسائل مبقتضى السياسة الشرعية على فرض صحة تبوئها لعمل السياسة‬ ‫الشرعية أصالً‪ ،‬وذلك ألنها طرف مستفيد مما تقرره‪ ،‬فرواج هذه الفتاوى امليسرة من‬ ‫أهلها يغري املؤسسات املالية املستفيدة بأصحابها‪ ،‬مما يعود بالنفع املادي على‬ ‫أصحاب هذه الفتاوى‪ ،‬فضال ً عن وجود مؤسسات فتوى خاصة من شأن تقاضيها أجرا ً‬ ‫نحو يدفع تدافع‬ ‫عن مراجعة املنتج بغية احلكم بتسويغه أال يجعلها مستقلة على ٍ‬ ‫املصالح‪.‬‬

‫‪110‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫ تعدد جهات الفتوى بتعدد املؤسسات املالية يؤدي إلى تعارض املفتى به مبقتضى‬‫السياسة الشرعية حتى في نطاق البلد الواحد‪ ،‬مما يؤدي إلى وقوع االضطراب‬ ‫والفوضى على نحو يلغي أي نفع قد تعود به الفتوى بقتضى السياسة الشرعية ؛‬ ‫فيصير األمر أشبه بالفوضى التي يحدثها تعد ُد احلكام ورؤاهم في البلد الواحد‪.‬‬

‫رابعا ً‪ -‬معاملة األقوال الشاذة في االجتهاد الفقهي املعاصر معاملة األقوال‬ ‫املعتبرة‬ ‫من القضايا املرتبطة باالجتهاد الفقهي املعاصر أن صار بسبب التراجع في إتقان العلوم‬ ‫الشرعية ال يُحس ُن التمييز بني االجتهاد املعتبر املستند إلى أصول شرعية صحيحة وبني‬ ‫القول الشاذ الذي ليس له محمل شرعي صحيح‪ .‬وصار وجود الرأي اجملالف الشاذ إذا كثر‬ ‫ُ‬ ‫اخلالف الذي يجري بني أبي‬ ‫أنصاره يصير املسألة في األذهان من قبيل اجملتلف فيه‪ ،‬وكأنه‬ ‫حنيفة والشافعي من أرباب املذاهب الفقهية املعتبرة!‬ ‫واحلقيقة أن كثرة أنصار القول اجملالف ال يستقيم أن يفهم منها بالضرورة صالحية هذا‬ ‫القول وصحة اعتباره شرعاً‪ ،‬ألن الفئة التي قد جتتمع على رأي اجتهادي معني هي فئة قد‬ ‫ترتبط مصاحلها جميعاً ارتباطا ً مباشرا ً بهذا الرأي‪ ،‬فيكثر أنصاره دون أن يكون لهذا الرأي‬ ‫مصداقيته أو وزنه الشرعي املعتبر‪ .‬ومثال ذلك في االجتهاد ا الفقهي املرتبط بالتمويل‬ ‫اإلسالمي القولُ املعاصر بجواز بيوع الدين‪ 46‬وبجواز بيوع العينة بصورها اجملتلفة‪ ،‬فهذه‬ ‫البيوع متجها الفطرة اإلنسانية والعقل السليم واألصول الشرعية‪ ،‬وكثر أنصارها والقائلون‬ ‫‪47‬‬ ‫بها‪ ،‬واملتبنون لها من ا املؤسسات املالية ؛الرتباط املصالح اخلاصة برواجها‪.‬‬

‫خامسا ً‪ -‬واقع االجتهاد الفقهي املعاصر في مجامع الفقه‬

‫يالحظ املتتبع لقرارات مجمع الفقه ولالجتهادات والفتاوى اخلاصة في املؤسسات املالية‬ ‫اإلسالمية وجود تعارض واختالف‪ ،‬بل يوجد هذا اخلالف حتى بني اجتهادات الهيئات الشرعية‬ ‫املعنية بإصدار معايير شرعية للمؤسسات املالية اإلسالمية وبني مجامع الفقه‪ ،‬كما في‬ ‫قضية التورق ‪ ،‬وقضية االستثمار في أسهم الشركات التي لها بعض التعامالت اﶈرمة‪،‬‬ ‫وبعض مسائل الصكوك واإلجارة املنتهية بالتمليك‪.‬‬ ‫وباﺠﻤﻟمل فإن مجامع الفقه قصرت في االجتهاد في قضايا التعامالت املالية املصرفية‬ ‫الصمت بينما التمويل اإلسالمي في طور التكوين في‬ ‫اإلسالمية ‪ ،‬فغلب بداي ًة عليها‬ ‫ُ‬ ‫املؤسسات املالية اإلسالمية ‪ ،‬فترك أمر هيكلة املنتجات للهيئات الشرعية لتك‬ ‫املؤسسات ‪ ،‬ولم يصدر عن اﺠﻤﻟامع الفقهية إال قرارات فقهية بسيطة على مدى سنوات‪،‬‬ ‫وكثر في قرارات هذه اﺠﻤﻟامع التسويف والتأجيل إلى دورات أخرى في أمور بالغة األهمية هي‬ ‫‪ 46‬بيع الدين‪ ،‬أي املال الثابت في الذمة‪ ،‬مبلغ أقل منه ممنوع شرعاً‪ ،‬ألنه يخرق شرط التساوي والتقابض في مقدار املالني عند‬ ‫بيع النقود ببعضها‪.‬‬ ‫‪ 47‬ملراجعة هذه املسألة وتفصيالتها ميكن الرجوع إلى بحث "بيع الدين وتطبيقاته املعاصرة في املصارف اإلسالمية ‪،‬‬ ‫مجلة "اإلسالم في آسيا"‪ ،‬اجلامعة اإلسالمية العاملية مباليزيا‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،5‬العدد ‪2008 ،2‬؛ "بيع العينة وتطبيقاته املعاصرة‬ ‫في املصارف اإلسالمية "‪ ،‬مجلة "التمدن"‪ ،‬ماليزيا‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ .2008 ،4‬وكالهما للكاتب‪ ،‬وميكن حتميلهما من موقع‬ ‫‪www.abdulazeem-abozaid.com‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪111‬‬


‫قيد التطبيق واملمارسة في املؤسسات املالية‪ .‬بل وكان في بعض األحايني أن خرجت اﺠﻤﻟامع‬ ‫الفقهية‬ ‫بقرارات خجولة مترددة أشبه برفع العتب إذا صح التعبير‪ ،‬وتفتح الباب الستثناءات‬ ‫‪48‬‬ ‫محذورة‪.‬‬ ‫ويعزى تقصير اﺠﻤﻟامع الفقهية إلى جملة أسباب أهمها‪:‬‬ ‫ قلة اخلبرة العملية لكثير من أعضاء اﺠﻤﻟامع الفقهية ‪ ،‬وفقهاء الشريعة عموماً‪ ،‬بفنيات‬‫املعامالت املالية املصرفية‪ ،‬مما يجعلهم عاجزين عن التنبه إلى األخطاء التطبيقية اخلفية‬ ‫في العمل املصرفي اإلسالمي؛ فبقي لذلك كثير من املعامالت املالية املشبوهة دون نقد أو‬ ‫اعتراض أو تصويب‪.‬‬ ‫ حاجة اﺠﻤﻟامع الفقهية بشكل عام إلى إعادة النظر في هيكلتها وتفعيل دورها الريادي‬‫ملؤسسة الفتوى في العالم اإلسالمي ‪ ،‬وذلك يشمل احلاجة إلى التيقن من كفاءة أعضائها‪،‬‬ ‫وقدراتهم العلمية والبدنية على احلضور والتنسيق واملتابعة‪ ،‬واهتمامهم وجديتهم‪ ،‬وكذا‬ ‫إعادة النظر في طريقة تنظيم هذه اﺠﻤﻟامع وسير عملها‪ ،‬وصياغة قراراتها‪ ،‬ثم إيجاد طريقة‬ ‫‪49‬‬ ‫لتفعيل هذه القرارات‪ ،‬وفرض احترام املؤسسات املالية لها‪.‬‬

‫اخلامتة والنتائج‬

‫في خامتة البحث يتبني للمطالع أن االجتهاد الفقهي املعاصر في القضايا املاليـة املصـرفية‬ ‫وضع نصب عينيه تسويغ بعض املسائل املالية‪ ،‬ثم بحث عن األدوات التي تؤدي بـه إلـى تلـك‬ ‫النتيجة‪ ،‬فاستند إلى مبدأ االستصالح‪ ،‬وما يفـتح شـرعة االسـتثناءات كالضـرورة واحلاجـة‬ ‫وعموم البلوى؛ بل وأعمل في سـبيل ذلـك قواعـد الفقهيـة أخرجهـا عـن سـياقها ومعناهـا‬ ‫الصحيح‪ .‬ولم يُعمل باملقابل ما قد يوصله إلى حرمة تلك املسائل من القياس على مسـائل‬ ‫منصوص على حكمها‪ ،‬أو سد الذرائع الذي يغلق الطريق إلى احلرام‪ ،‬وال سـيما بيـوع الـذرائع‬ ‫الربوية التي عملت بعض هذه االجتهادات على فتحها‪ .‬أما اإلجماع‪ ،‬فلم تتهيـأ مؤسسـاته‪،‬‬ ‫بل وجدت بعض مؤسسات االجتهاد اجلماعي على عيوب كثيرة فيها‪.‬‬ ‫واخلالصة أن االجتهاد الفقهي املعاصـر لـم يوظـف علـم أصـول الفقـه‪ ،‬وأدوات االجتهـاد‬ ‫الفقهي التوظيف الصحيح ‪ ،‬بل سعى إلى تطويـع الشـريعة مبـا يناسـب الواقـع املعـا‬ ‫للمسلمني‪ ،‬وهو أمر ناجت عن التردي السياسي‪ ،‬واالقتصادي‪ ،‬والعلمي‪ ،‬والفكـري‪ ،‬واالجتمـاعي‬ ‫في أحوال املسلمني‪ ،‬فضال ً عن طغيان النزعة املادية لدى الناس‪ .‬ومـن شـأن هـذا التطويـع أن‬ ‫‪ 48‬من ذلك قرار مجمع الفقه اإلسالمي الدولي في موضوع أسهم الشركات ‪ ،‬حيث ذكر أن األصل عدم جواز التعامل‬ ‫بأسهم الشركات التي تتعامل باحلرام أحيانا ً ثم سكت عما هو وراء ذلك؛ فصيغة هذا القرار تعكس ترددا ً من واضعيه‪،‬‬ ‫وكأنه بهذه الصياغة يفهم صحة االستثناء باجلواز في بعض احلاالت‪ .‬وهذا نص القرار‪" :‬األصل حرمة اإلسهام في شركات‬ ‫تتعامل أحيان ًا باﶈرمات‪ ،‬كالربـا ونحـوه‪ ،‬بالرغم من أن أنشطتها األساسية مشروعة"‪( .‬قرار مجمع الفقه اإلسالمي‬ ‫الدولي رقم ‪ ) 7/1 ( 63‬بشأن األسواق املالية في دورته السابعة املنعقدة بجدة من ‪ 12-7‬ذي القعدة ‪1412‬هـ املوافق ‪– 9‬‬ ‫‪ 14‬أيار (مايو) ‪ 1992‬م)‪ ،‬بينما كان قرار مجمع الفقهي التابع لرابطة العالم اإلسالمي في مكة املكرمة أصرح وأوضح‪،‬‬ ‫حيث نص على حكم التعامل بأسهم الشركات التي تنطوي استثماراتها على بعض األنشطة اﶈرمة‪ ،‬ونص قراره‪" :‬ال‬ ‫يجوز ملسلم شراء أسهم الشركات واملصارف إذا كان في بعض معامالتها ربا‪ ،‬وكان املشتري عاملًا بذلك"‪.‬‬ ‫‪ 49‬يذكر في هذا أن قرار حترمي التورق املصرفي الذي صدر في أبريل ‪ 2009‬عن مجمع الفقه الدولي رقم ‪ )19/5( 179‬بشأن‬ ‫التورق في دورة رقم ‪ 19‬املنعقدة في الشارقة لم تلتزم به املؤسسات املالية ابإلسالميةاملمارسة للتورق‪ ،‬بل استمرت في‬ ‫ممارساتها‪.‬‬

‫‪112‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫يكرس هذا احلال‪ ،‬ألنه ال يقترن بالتصريح بأن هذه األحكام أحكام استثنائية مؤقتة اقتضـتها‬ ‫الظروف الراهنة‪ ،‬بل يقدم هذه االجتهادات على أنها اجتهادات صحيحة‪ ،‬أصيلة ومـن أهلهـا‪،‬‬ ‫وهو أخطر ما في األمر‪ .‬والواجب لتغيير هذا احلال وحتقيـق اإلصـالح املطلـوب فـي منظومـة‬ ‫االجتهاد الفقهي أن ترعى مؤسساته وتنظمه وتتأكد من كفاءة أهله الـدولُ اإلسـالمية ‪،‬‬ ‫وهو األمر الذي لن يكون إال بإصالح الواقع السياسي لهذه الدول وما يستتبع ذلك من إصـالح‬ ‫اقتصادي‪ ،‬وثقافي واجتماعي‪.‬‬ ‫وما يلي خالصة ألهم نتائج البحث‪:‬‬ ‫ استند االجتهاد الفقهي املعاصر في القضايا املصرفية املالية إلى قواعد فقهية‬‫أخذت على عمومها دون مراعاة للمعنى احلقيقي لتلك القواعد الذي أراده واضعوها‪،‬‬ ‫وأورث ذلك خروجا ً عن األصول واألحكام الشرعية املعروفة‪.‬‬ ‫ توسع االجتهاد الفقهي املعاصر في األخذ باالستصالح‪ ،‬وفي بعض احلاالت قُصد‬‫تسويغ بعض ما ال يجوز شرعا ً بدعوى االستناد إلى حتقيق املصلحة ومقاصد‬ ‫الشريعة العامة‪.‬‬ ‫ جرى استناد بعض االجتهادات الفقهية املعاصرة إلى السياسة الشرعية ‪ ،‬وهي‬‫ليست بأداة اجتهادية أصولية‪ ،‬بل هي سلطة محصورة باحلكومة املسلمة تسوس‬ ‫بها الدولة والرعية مبا يحقق املصالح العامة وال يخالف األصول الشرعية‪.‬‬ ‫ عوملت االجتهادات الفقهية الشاذة معاملة االجتهادات الفقهية املعتبرة‪ ،‬وتبنتها‬‫بعض املؤسسات املالية لتحقيق مصاحلها‪ ،‬وكثر املتبنون لهذه االجتهادات على‬ ‫الرغم من شذوذها وضعفها‪.‬‬ ‫ لم تضطلع مؤسسات االجتهاد اجلماعي بواجبها الالزم‪ ،‬والواجب إصالحها وتفعيلها‬‫ض جميع املسائل الفقهية املعاصرة‬ ‫بإعادة هيكلتها وتنظيمها وآلية عملها‪ ،‬ثم عر ُ‬ ‫في التطبيقات املالية اإلسالمية عليها للخروج باألحكام الشرعية الصحيحة‬ ‫لها على نحو فاعل‪ ،‬وسريع يحقق التقنني املنشود لتلك األحكام‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪113‬‬


‫املصادر واملراجع‬ ‫كتب‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪114‬‬

‫ابن العربي‪ ،‬أبو بكر بن العربي املالكي‪ ،‬عارضة األحوذي‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بدون ذكر‬ ‫سنة الطبع)‪.‬‬ ‫ابن القيم‪ ،‬أبو عبد اهلل شمس الدين محمد‪ ،‬الطرق احلكمية في السياسة الشرعية‬ ‫(القاهرة‪ :‬املؤسسة العربية للطباعة‪1961 ،‬م)‪.‬‬ ‫ابن القيم‪ ،‬أبو عبد اهلل شمس الدين محمد‪ ،‬زاد املعاد‪( ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بدون ذكر سنة‬ ‫الطبع)‪.‬‬ ‫ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أحمد بن عبد احلليم "شيخ اإلسالم"‪ ،‬الفتاوى‪ ،‬حتقيق عبد الرحمن‬ ‫العاصمي‪( ،‬الرياض‪ :‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع)‪.‬‬ ‫ابن عابدين‪ ،‬محمد أمني بن عمر‪ ،‬مجموعة رسائل ابن عابدين‪( ،‬مصر‪ :‬عالم الكتب‪ ،‬بدون ذكر سنة‬ ‫الطبع)‪.‬‬ ‫ابن ماجة‪ ،‬محمد بن يزيد القزويني‪ ،‬السنن‪( ،‬بيروت‪ :‬دار افكر‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع)‪.‬‬ ‫ابن منظور‪ ،‬جمال الدين أبو الفضل‪ ،‬لسان العرب (بيروت‪ :‬دار إحياء التراث‪ ،‬ط‪.)3‬‬ ‫ابن جنيم‪ ،‬زين الدين بن إبراهيم‪ ،‬األشباه والنظائر والنظائر ‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر ط‪1983/1‬م)‪.‬‬ ‫األلباني‪ ،‬ناصر الدين‪ ،‬إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل‪( ،‬بيروت‪ :‬املكتب اإلسالمي ‪،‬‬ ‫بدون ذكر سنة الطبع)‪.‬‬ ‫البوطي‪ ،‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬ضوابط املصلحة في الشريعة اإلسالمية (بيروت‪:‬‬ ‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1982 ،4‬م)‪،‬‬ ‫اجلويني‪ ،‬أبو املعالي عبد امللك‪ ،‬البرهان في أصول الفقه‪( ،‬مصر‪ :‬دار الوفاء‪ ،‬ط‪1418 ،4‬هـ)‪.‬‬ ‫الدارقطني‪ ،‬أبو احلسن علي بن عمر‪ ،‬السنن‪( ،‬بيروت‪ :‬دار املعرفة‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع)‪.‬‬ ‫الرازي‪ ،‬محمد بن أبي بكر‪ ،‬مختار الصحاح (بيروت‪ :‬مكتبة لبنان‪.)1992 ،‬‬ ‫الزركشي‪ ،‬محمد بن بهادر‪ ،‬املنثور في القواعد‪( ،‬الكويت‪ :‬وزارة األوقاف الكويتية‪ ،‬ط‪1405 ،2‬هـ)‪.‬‬ ‫السخاوي‪ ،‬شمس الدين محمد بن عبد الرحمن‪ ،‬املقاصد احلسنة‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي ‪،‬‬ ‫بدون ذكر سنة الطبع)‪.‬‬ ‫‪ ،‬السيوطي عبد الرحمن جالل الدين‪ ،‬األشباه والنظائر ‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1403 ،1‬ه)‪.‬‬ ‫الشافعي‪ ،‬محمد بن إدريس‪ ،‬األم‪ ،‬حتقيق محمد زهري النجار (بيروت‪ :‬دار املعرفة‪ ،‬ط ‪1393 ،2‬هـ)‪.‬‬ ‫الطوفي‪ ،‬جنم الدين‪ ،‬رسالة في رعاية املصلحة (مطبوعة مع كتاب مصطفى زيد " املصلحة في‬ ‫التشريع اإلسالمي وجنم الدين الطوفي" وكتاب عبد الوهاب اخلالف "مصادر التشريع‬ ‫اإلسالمي فيما ال نص فيه")‪.‬‬ ‫العز بن عبد السالم‪ ،‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بدون ذكر سنة‬ ‫الطبع)‪.‬‬ ‫الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد ‪ ،‬املستصفى (بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1413/1‬ه‪.‬‬ ‫الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد ‪ ،‬شفاء الغليل‪( ،‬بغداد‪ :‬مطبعة اإلرشاد‪.)1971 ،‬‬ ‫ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أحمد‪ ،‬الفتاوى‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.)1987 ،‬‬ ‫القرافي‪ ،‬شهاب الدين أبو العباس‪ ،‬الفروق‪( ،‬بيروت‪ :‬دار املعرفة‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع)‪.‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫‪ ‬الكاساني‪ ،‬عالء الدين أبو بكر بن مسعود‪ ،‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب‬ ‫العربي ‪ ،‬ط ‪1982 ،2‬م)‪.‬‬ ‫‪ ‬مجلة األحكام العدلية‪ ،‬حتقيق جنيب هواويني‪( ،‬طهران‪ :‬كازخانة جتارت كتب‪ ،‬بدون ذكر سنة‬ ‫الطبع)‪.‬‬ ‫أبحاث‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫أبوزيد‪ ،‬عبد العظيم‪" ،‬البعد التعبدي في ارتباط املصالح باألحكام الشرعية"‪ ،‬اإلسالم في‬ ‫آسيا‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،3‬العدد ‪ ،1‬يوليو ‪.2006‬‬ ‫أبوزيد‪ ،‬عبد العظيم‪" ،‬بيع الدين وتطبيقاته املعاصرة في املصارف اإلسالمية "‪ ،‬مجلة "اإلسالم‬ ‫في آسيا"‪ ،‬اجلامعة اإلسالمية العاملية مباليزيا‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،5‬العدد ‪.2008 ،2‬‬ ‫أبوزيد‪ ،‬عبد العظيم‪" ،‬بيع العينة وتطبيقاته املعاصرة في املصارف اإلسالمية "‪ ،‬مجلة " التمدن"‪،‬‬ ‫ماليزيا‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪.2008 ،4‬‬ ‫أبوزيد‪ ،‬عبد العظيم‪" ،‬قراءة شرعية نقدية للمعايير الشرعية في اجملتلط حالال ً وحراما ً"‪ ،‬مجلة‬ ‫التجديد‪ ،‬اجلامعة اإلسالمية ا لعاملية مباليزيا‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،15‬العدد ‪.2012 ،31‬‬ ‫أبوزيد‪ ،‬عبد العظيم‪" ،‬املشتقات املالية ‪ ،‬دراسة شرعية ونقدية"‪ ،‬مجلة جامعة امللك عبد‬ ‫العزيز‪ ،‬معهد االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬العدد ‪ ،3‬اﺠﻤﻟلد ‪.2014 ،27‬‬ ‫فتاوى وقرارات هيئات فقهية‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫قرار مجمع الفقه اإلسالمي الدولي في حترمي التورق املصرفي الذي صدر في أبريل ‪ ،2009‬رقم‬ ‫‪ )19/5( 179‬بشأن التورق في دورة رقم ‪ 19‬املنعقدة في الشارقة‪.‬‬ ‫قرار مجمع الفقه اإلسالمي الدولي في موضوع أسهم الشركات‪ ،‬رقم ‪ ) 7/1 ( 63‬بشأن‬ ‫األسواق املالية في دورته السابعة املنعقدة بجدة من ‪ 12-7‬ذي القعدة ‪1412‬هـ املوافق ‪ 14 – 9‬أيار‬ ‫(مايو) ‪ 1992‬م)‪،‬‬ ‫قرار هيئة الفتوى ملصرف الراجحي رقم ‪ 485‬بتاريخ ‪1422/8/23‬هـ‪.‬‬ ‫قرارات جلنة التوريق املنبثقة عن مجلس الرقابة الشرعية الصادر في ماليزيا‬ ‫املعايير لهيئة اﶈاسبة واملراجعة‪ ،‬املعيار رقم ‪ 21‬في األوراق املالية‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪115‬‬


‫‪116‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫اختصاص القضاء اإلماراتي بجرائم التعاطي‬ ‫خارج الدولة‬

‫د‪ .‬أحمد شاكر‬

‫أستاد القانون اجلنائي املساعد‬ ‫كلية القانون ‪ -‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪117‬‬


‫‪118‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫متهيد‪:‬‬ ‫تثور مسألة التعاطي خارج الدولة عند قيام الشخص بتعاطي مادة من املواد اجملدرة أو‬ ‫مؤثر من املؤثرات العقلية حال وجوده خارج الدولة‪ ،‬وعقب وصوله للدولة يخضع ألخذ عينات‬ ‫بيولوجية للكشف عما إذا كانت به آثار لتعاطي مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية‪ ،‬ويحدث أن‬ ‫تظهر النتائج إيجابية العينة املأخوذة ملادة مخدرة أو مؤثر عقلي سبق وأن تعاطاه حال وجوده‬ ‫خارج الدولة ‪ ،‬هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬قد يعترف الشخص عند وصوله إلى الدولة‬ ‫بتعاطيه مادة مخدرة حال وجوده خارج الدولة‪ ،‬وقد لوحظ حتريك الدعوى اجلزائية من النيابة‬ ‫العامة ضد ذلك الشخص باعتباره متهما بجرمية التعاطي التي ينظم أحكامها القانون‬ ‫االحتادي رقم ‪ 14‬لسنة ‪ 1995‬في شأن املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية واملعدل بالقانون االحتادي‬ ‫رقم ‪ 1‬لسنة ‪ ،2005‬ثم تتابع اإلجراءات برفعها للمحكمة اجملتصة‪ ،‬وقد نظرت محاكم الدولة‬ ‫العديد من تلك القضايا‪ ،‬وصدرت العديد من أحكام اﶈاكم اجلزائية باإلدانة بتهمة تعاطي‬ ‫إحدى هذه املواد أو املؤثرات‪ ...‬وباستعراض مناذج من تلك القضايا تبني تأسيس النيابة العامة‬ ‫والقضاء اجلزائي النعقاد االختصاص ﶈاكم دولة اإلمارات العربية املتحدة على كون نتيجة‬ ‫اجلرمية قد حتققت داخل الدولة بوجود اجملدر أو املؤثر العقلي بالعينة املأخوذة من املتهم سواء‬ ‫في بوله أو بتحليل الدم‪ ،‬باعتبار أن النتيجة وفقا ً لنص املادة ‪ 2/16‬من قانون العقوبات‬ ‫االحتادي ‪ 1987/3‬هي أحد موجبات االختصاص فهي تنص على أنه "تعتبر اجلرمية مرتكبة في‬ ‫إقليم الدولة إذا وقع فيها فعل من األفعال املكونة لها‪ ،‬أو إذا حتققت فيها نتيجتها أو كان‬ ‫يراد أن تتحقق فيها"‪.‬‬ ‫ويظهر تبني الهيئات القضائية النعقاد االختصاص الوطني بنظر تلك اجلرائم من خالل اتخاذ‬ ‫اإلجراءات التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬إحالة النيابة العامة بداءةً حلاالت التعاطي التي متت خارج الدولة إلى القضاء بتهمة‬ ‫جناية أو جنحة التعاطي‪.‬‬ ‫‪ -2‬طعن النيابة العامة في األحكام الصادرة من اﶈاكم إذا ما قضت بعدم االختصاص‪.‬‬ ‫‪ -3‬صدور أحكام من بعض اﶈاكم االبتدائية في تلك القضايا باإلدانة مبا يعني انعقاد‬ ‫االختصاص ودخول هذه الوقائع في واليتها‪.‬‬ ‫وعلى جانب آخر‪ ،‬يتبنى قضاء بعض اﶈاكم اﲡاها مغايرا يتمثل في عدم اختصاص‬ ‫القضاء الوطني حلاالت التعاطي خارج الدولة‪ ،‬حتى إن الدعوى الواحدة يظهر فيها‬ ‫ذلك التضاد في املواقف ما بني مؤيد الختصاص القضاء الوطني‪ ،‬وآخر مؤيد لعدم‬ ‫االختصاص‪.‬‬ ‫ومن أمثلة ذلك التضاد – على سبيل املثال ال احلصر – حكم حديث للمحكمة االحتادية العليا‬ ‫ األحكام اجلزائية‪ ،‬بتاريخ ‪ 2012 / 5 /1‬في الطعن رقم ‪ 343‬لسنة‪ 2011‬قضائية فقد ورد به‬‫أنه "حيث إن الوقائع – على ما يبني من احلكم املطعون فيه وسائر األوراق – تتحصل في أن‬ ‫النيابة العامة قد أسندت إلى املطعون ضده على أنه بتاريخ ‪ 2011/5/ 22‬وسابق عليه بدائرة‬ ‫كلباء‪:‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪119‬‬


‫‪ -1‬تعاطى مادة مخدرة ( مورفني ) على النحو املبني بالتحقيقات ‪.‬‬ ‫‪ -2‬تعاطى مؤثرا عقليا ضارا بالعقل ( أو كسازيبام وفينو باربيتال ) بدون وصفة طبية وفي‬ ‫غير األحوال املبينة في القانون على النحو املبني بالتحقيقات‪.‬‬ ‫وطلبت النيابة العامة معاقبته طبقا ألحكام الشريعة االسالمية الغراء واملواد ‪- 2/ 1‬‬ ‫‪ 63 , 56 , 1/40 , 39 , 34 , 7, 1/6 , 3‬من القانون االحتادي رقم ‪ 14‬لسنة ‪ 1995‬في شأن‬ ‫مكافحة املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية املعدل بالقانون االحتادي رقم ‪ 1‬لسنة ‪2005‬‬ ‫والبند ‪ 65‬من اجلدول األول املرفق بالقانون والبندين ‪ 61 , 49‬من اجلدول الثامن املرفق‬ ‫بذات القانون"‪,‬‬ ‫ بتاريخ ‪ 2011/7/20‬قضت محكمة أول درجة حضوريا وباإلجماع بسجن املتهم أربع‬‫سنوات وبإبعاده عن الدولة بعد تنفيذ العقوبة ومصادرة املضبوطات‪.‬‬ ‫استأنف اﶈكوم عليه هذا احلكم باالستئناف رقم ‪ 2011/ 303‬وبتاريخ ‪2011/8/23‬‬ ‫قضت محكمة استئناف خورفكان االحتادية حضوريا وباإلجماع بقبول االستئناف‬ ‫شكال وفي املوضوع بإلغاء احلكم املستأنف والقضاء بعدم اختصاص محاكم الدولة‬ ‫بنظر الدعوى‪.‬‬ ‫ لم يلق احلكم قبوال لدى النيابة العامة فطعنت عليه بالطعن املاثل وحيث إن‬‫النيابة العامة تنعى على احلكم املطعون فيه باخلطأ في تطبيق القانون والفساد‬ ‫في االستدالل إذ قضى بعدم اختصاص محاكم الدولة رغم أن املطعون ضده قد‬ ‫أظهرت نتيجة اجملتبر اجلنائي تعاطيه اجملدرات ومت ضبطه في املياه اإلقليمية بالدولة‬ ‫مبسافة تسعة أميال بحرية مما يعيب احلكم ويستوجب نقضه‪.‬‬ ‫وباستعراض وقائع الدعوى جند تباينا ً في موقف كل من النيابة العامة والقضاء متثل‬ ‫في اآلتي‪:‬‬ ‫ أن النيابة العامة تبنت اختصاص القضاء الوطني بالواقعة باعتبار أن املطعون‬‫ضده قد أظهرت نتيجة اجملتبر اجلنائي تعاطيه اجملدرات ومت ضبطه في املياه اإلقليمية‬ ‫بالدولة‪ ،‬أي أن االختصاص يرجع لتحقق النتيجة داخل الدولة‪.‬‬ ‫ ساير قضاء أول درجة النيابة العامة وهو ما جعله يقضي مبعاقبة املتهم حضوريا‬‫وباإلجماع بسجن املتهم أربعة سنوات وبإبعاده عن الدولة بعد تنفيذ العقوبة‬ ‫ومصادرة املضبوطات‪.‬‬ ‫ قضت محكمة استئناف خورفكان االحتادية حضوريا وباإلجماع بقبول االستئناف‬‫شكال وفي املوضوع بإلغاء احلكم املستأنف والقضاء بعدم اختصاص محاكم الدولة‬ ‫بنظر الدعوى‪ ،‬وبذلك تكون قد اتخذت موقفا ً مغايرا ً في شأن اختصاص القضاء‬ ‫الوطني بنظر جرمية التعاطي خارج الدولة‪.1‬‬ ‫هذا االختالف في التعامل مع الواقعة ال يحقق توحيد االجتاه القضائي داخل الدولة‪،‬‬ ‫في حني أن التوحيد من خير الوسائل في يد القاضي ليواجه به ما استعصى عليه‬ ‫من تطبيقات النصوص‪ ،‬ويوحد بها الرؤية القضائية التي تعتبر أساسا خللق الثقة‬ ‫‪ - 1‬اﶈكمة االحتادية العليا ‪ -‬األحكام اجلزائية‪ ،‬الطعن رقم ‪ 343‬لسنة‪ 2011‬قضائية بتاريخ ‪.2012 / 5 /1‬‬

‫‪120‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫واالطمئنان واالستقرار االقضائي‪ ،‬كما أن التوحيد يساهم في استقرار العمل‬ ‫القضائي ﶈاكم املوضوع‪ ،‬ويحقق اطمئنانا في نفوس املتقاضني ويﺨلق ثقة لدى‬ ‫دفاع األطراف بسبب استقرار العمل القضائي للمحاكم وهو ما يعطي انطباعا‬ ‫إيجابيا عن أداء مرفق العدالة‪.‬‬ ‫وفي ضوء ما تقدم‪ ،‬فسوف نسعى في هذا البحث إلى محاولة التأصيل القانوني‬ ‫ملدى اختصاص القضاء الوطني بنظر حاالت التعاطي خارج الدولة وهو ما يستلزم‬ ‫تناول كل ما يحيط بذلك من نصوص وقواعد قانونية حاكمة‪ ،‬معززين ذلك بأحكام‬ ‫القضاء وآراء الفقه تأييدا ً ومعارضة‪ .‬مع عرض أحكام املادة رقم ( ‪ ) 16‬من قانون‬ ‫العقوبات االحتادي لدولة اإلمارات العربية رقم (‪ )3‬لسنة ‪ 1987‬في شأن سريان قانون‬ ‫العقوبات من حيث املكان داخل الدولة لبيان احلاالت التي تعتبر فيها اجلرمية مرتكبة‬ ‫في إقليم الدولة‪ .‬كما يستلزم ذلك أيضا ً ايضاح اجلانب اإلجرائي في شأن‬ ‫االختصاص في املواد اجلزائية وهو ما حددته املادة ( ‪ ) 142‬من قانون اإلجراءات اجلزائية‬ ‫االحتادي لدولة اإلمارات العربية املتحدة رقم (‪ ) 35‬لسنة ‪ .1992‬ويتطلب البحث أيضا ً‬ ‫التعريف في البداية باملواد اجملدرة واملؤثرات العقلية باعتبارها محل جرمية التعاطي‪،‬‬ ‫ثم التعريف بجرمية التعاطي وأركانها وفقا ً ملا نص عليها القانون االحتادي رقم ‪14‬‬ ‫لسنة ‪ 1995‬في شأن املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية واملعدل بالقانون االحتادي رقم ‪1‬‬ ‫لسنة ‪ ،2005‬ودور الفقه في استجالء أركان اجلرمية‪ ،‬مع بيان مدى تبعية جرمية‬ ‫التعاطي من حيث التقسيم الزمني للركن املادي؛ أي إذا ما كانت ضمن اجلرائم‬ ‫الوقتية أم غيرها‪ ،‬وبيان مدى صلة جرمية التعاطي باجلرائم التي تعرف باجلرائم ممتدة‬ ‫األثر‪ ،‬فضال ً عن بيان مدى تبعية جرمية التعاطي جلرائم الضرر أم جلرائم اخلطر‪ ،‬أي‬ ‫اجلرائم التي يلزم حتقق نتيجة فيها أم أنها من جرائم السلوك‪ ،‬وهو ما يستلزم‬ ‫التعرض أيضا ً لعنصر النتيجة في الركن املادي للجرمية مبفهوميها القانوني واملادي‪،‬‬ ‫آملني من خالل ذلك بيان القول الفصل في شأن اختصاص أو عدم اختصاص القضاء‬ ‫في دولة اإلمارات العربية بنظر جرائم تعاطي املواد اجملدرة أو املؤثرات العقلية التي‬ ‫تقع خارج الدولة‪.‬‬ ‫وفي ضوء هذا التمهيد نتناول محتوى الدراسة على النحو التالي‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬ماهية جرمية تعاطي اجملدرات‬ ‫املطلب األول‪ :‬تعريف اجملدرات واملؤثرات العقلية والتعاطي‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬أركان جرمية التعاطي والعقاب عليها‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬معايير اإلختصاص اإلقليمي اإلماراتي جلرمية التعاطي‬ ‫املطلب األول‪ :‬ضوابط ارتكاب اجلرمية في إقليم الدولة‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬جرمية التعاطي خارج الدولة مع االرتباط بجرمية أخرى ارتباطا ً‬

‫ال يقبل التجزئة‬

‫املطلب الثالث‪ :‬موقف قضاء اﶈكمة االحتادية العليا من التعاطي خارج الدولة‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪121‬‬


‫املبحث األول‬

‫ماهية جرمية تعاطي اجملدرات‬ ‫تتحقق جرمية التعاطي في القانون رقم ‪ 14‬لسنة ‪ 1995‬والقانون املعدل له‪ ،‬بتناول‬ ‫مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية‪ ،‬وهو ما يتطلب التعرض ‪-‬بقدر من اإليجاز‪ -‬لتعريف‬ ‫كل منهما‪.‬‬ ‫املطلب األول‬ ‫تعريف اجملدرات واملؤثرات العقلية والتعاطي‬ ‫نتناول في هذا املطلب تعريف املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية‪ ،‬في ضوء سياسة‬ ‫املشرع التي تبناها في القانون االحتادي رقم ‪ 14‬لسنة ‪ ،1995‬ثم نعرف املقصود‬ ‫بالتعاطي‪ ،‬وذلك في ثالثة فروع‪.‬‬

‫الفرع األول‬ ‫تعريف املواد اجملدرة‬ ‫جتنب املشرع في دولة اإلمارات‪ ،‬في الباب األول من القانون واخلاص باألحكام العامة‪،‬‬ ‫أن يضع تعريفا ً جامعا ً مانعا ً للمواد اجملدرة أو املؤثرات العقلية‪ ،‬فلم يذكر أسماءها‬ ‫على سبيل احلصر‪ ،‬ومرجع ذلك أن تلك املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية آخذة في‬ ‫التطور السريع واملتالحق فتظهر منها انواع جديدة كل فترة‪.2‬‬ ‫ومن حسن السياسة التشريعة عدم قصر التجرمي على مواد بعينها ألن مقتضى‬ ‫مبدأ الشرعية أن تكون املواد محل التجرمي هي فقط املنصوص عليها‪ ،‬ومن ثم فإن‬ ‫ذلك من شأنه خروج املواد التي لم يرد بها نص من نطاق التجرمي‪ ،‬ولتجنب ذلك‬ ‫استخدم املشرع نظام اجلداول التي تضم املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية‪ ،‬وقد كان‬ ‫ذلك هو ذات النهج الذي اتبعه املشرع اإلماراتي في القوانني املتعاقبة التي أصدرها‬ ‫في هذا الشأن‪ ،‬فقد نصت املادة الثالثة من القانون املعروف بقانون العقاقير اخلطرة‬ ‫ املقصود بها املواد اجملدرة ‪ -‬الصادر بتاريخ ‪ 11‬يوليو سنة ‪ 1971‬بقوله " يحظر على‬‫أي شخص أن يستورد أو يصدر أو ينتج أو يصنع أو يحرز أو يشتري أو يبيع أو يسلم أو‬ ‫يتنازل عن أية كمية من العقاقير اخلطرة املدرجة في قسمي اجلدول األول والثاني‬ ‫‪ -2‬راجع‪ :‬د‪ .‬فوزية عبد الستار‪ ،‬شرح قانون اجملدرات‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1990 ،‬ص ‪ ،63،‬د‪ .‬رءوف عبيد‪ ،‬شرح‬ ‫قانون العقوبات التكميلي ‪ :‬في جرائم اجملدرات ‪ -‬األسلحة والذخائر ‪ -‬التشرد ‪ -‬االشتباه ‪ -‬التدليس والغش –‬ ‫= وراجع‬ ‫تهريب النقد ط ‪ ، 5‬منقحة طبقا آلخر التعديالت‪ .‬القاهرة ‪ :‬دار الفكر العربي ‪= .74 ،1979 ،‬‬ ‫أيضا ً د‪ .‬محمد حنفي محمود‪ ،‬املوسوعة الشاملة في شرح القانون اإلماراتي للمواد اجملدرة واملؤثرات العقلية‪،‬‬ ‫مكتبة دار احلقوق‪ ،‬الشارقة‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬ط‪ ،1،2002‬ص‪ 7‬ومابعدها‪ ،‬د‪ .‬علي أحمد راغب‪ ،‬السياسة‬ ‫اجلنائية ملكافحة اجملدرات‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬أكادميية الشرطة املصرية‪ ،‬كلية الدراساتالعليا‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪ 1992‬ص ‪ ،136‬إدوارد غالي الذهبي‪ ،‬جرائم اجملدرات‪ ،‬مكتبة غريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1988 ،2‬ص‪.33‬‬

‫‪122‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫امللحقني بهذا القانون"‪ .‬كما نصت املادة األولى من القانون االحتادي رقم ‪ 6‬لسنة‬ ‫‪ 1986‬في شأن مكافحة املواد اجملدرة وما في حكمها بقوله "املواد اجملدرة وما في‬ ‫حكمها التي تسري في شأنها أحكام هذا القانون هي‪:‬‬ ‫أ‪ -‬املواد الضارة بالعقل ‪ ،‬وهي اجلواهر والعقاقير واملستحضرات املبينة في اجلداول من‬ ‫( ‪ )1‬الى ( ‪ )4‬املرفقة بهذا القانون ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬النباتات الضارة بالعقل ‪ ،‬وهي املبينة في اجلدول رقم ( ‪ )5‬املرفق بهذا القانون"‪.‬‬ ‫ثم نص أخيرا ً في املادة األولى من القانون االحتادي احلالي رقم ‪ 14‬لسنة ‪ 1995‬بشأن‬ ‫مكافحة املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية‪ ،‬على أن املواد اجملدرة هي" كل مادة طبيعية أو‬ ‫تركيبية من املواد املدرجة في اجلداول أرقام (‪)1‬و(‪)2‬و(‪)3‬و(‪ )4‬املرفقة بهذا القانون‪.3 ".‬‬ ‫وقد عرف القانون املواد اجملدرة بأنها "كل مادة طبيعية أو تركيبية من املواد املدرجة‬ ‫في اجلداول أرقام ‪ "1،2،3،4‬ويظهر من خالل التعريف أن املشرع لم يتصد لبيان‬ ‫ماهية املواد اجملدرة سواء من حيث الشكل أو من حيث اخلواص أو من حيث التأثير‬ ‫على احلالة الذهنية لعقل اإلنسان بتعطيل الوعي وإذهاب العقل وإحداث حالة‬ ‫التخدير أو من حيث مصدرها وطريقة احلصول عليها‪ ،‬لكنه حدد مواد بعينها‬ ‫ووضعها في اجلداول األربعة األولى من جداول اجملدرات‪.‬‬ ‫ونالحظ من خالل التعريف السابق أن املشرع االحتادي لم يعرف املواد اجملدرة أواملؤثرات‬ ‫العقلية واكتفى بتحديد أنواع تلك املواد على سبيل احلصر وأدرجها بجداول أرفقت‬ ‫بالقانون‪ ،‬وقد أحسن املشرع صنعا ً حينما فعل ذلك‪ ،‬ألنه جعل من اليسير حسم‬ ‫أمر املادة املضبوطة مع املتهم بعد التعامل معها باجملتبر لتحديد نوعها وبيان ما إذا‬ ‫كانت مدرجة أم ال‪ ،‬ونتيجة لذلك كان كل ما لم يرد باجلداول فهو غير مجرم في‬ ‫القانون‪.‬‬ ‫إال أن املشرع أضاف مزيدا ً من التجرمي من خالل ما نص عليه باملادة (‪ )41‬من معاقبة‬ ‫كل من تعاطى أو استعمل شخصيا ً مادة أو نباتا من املواد اجملدرة أو املؤثرات العقلية‬ ‫من غير املنصوص عليها في اجلداول املرفقة بالقانون يكون من شأنها إحداث‬ ‫التخدير أو أي أثر آخر ضار بالعقل متى مت التعاطي بهذا القصد‪.4‬‬ ‫‪ - 3‬ساير املشرع اإلماراتي املشرع املصري في عدم تعريف املواد اجملدرة واستخدم نظام اجلداول ‪ ،‬فقد نصت املادة األولى من‬ ‫قانون جمهورية مصر العربية رقم ‪ 182‬لسنة ‪ 1960‬بشأن مكافحة اجملدرات وتنظيم استعمالها واالجتار فيها على أنه "‬ ‫تعتبر جواهر مخدرة في تطبيق أحكام هذا القانون املواد املبينة في اجلدول رقم (‪ - )1‬امللحق به‪ ،‬ويستثنى منها‬ ‫املستحضرات املبينة باجلدول رقم (‪ .) 2‬ويذكر أن املشرع املصري أدرج املواد اجملدرة في ستة جداول فقط وأحلقها بالقانون‬ ‫املصري‪ ،‬على خالف املشرع اإلماراتي الذي أحلق تسعة جداول بالقانون‪ .‬كما ساير أيضا ً املشرع الكويتي ذات االجتاه فعرفت‬ ‫املادة األولى من القانون رقم ‪ 74‬لسنة ‪ 1983‬بشأن قانون مكافحة اجملدرات وتنظيم استعمالها واالجتار فيها‪ ،‬الصادر بتاريخ‬ ‫‪ 1983-5-1‬على أنه " تعتبر مواد أو مستحضرات مخدرة في تطبيق أحكام هذا القانون املواد واملستحضرات املدرجة في‬ ‫اجلدولني رقمي ‪ 1‬و‪ 3‬امللحقني‪ ،‬ويستثنى منها املستحضرات املدرجة باجلدول رقم "‪ ".2‬كما اتبع ايضا ً املشرع في اململكة‬ ‫العربية السعودية ذات النهج‪ ،‬فنصت املادة األولى من النظام رقم ‪ 39‬لسنة ‪ 1426‬هـ بشأن املوافقة على نظام مكافحة‬ ‫اجملدرات واملؤثرات العقلية على أنه " املواد اجملدرة ‪ :‬كل مادة طبيعية أو مركبة أو مصنعة من املواد اجملدرة املدرجة في اجلدول‬ ‫رقم (‪ )1‬املرافق لهذا النظام"‪.‬‬ ‫‪ - 4‬املادة رقم ‪ 41‬من القانون ‪ 14‬لسنة‪:1995‬‬ ‫"يعاقب باحلبس مدة ال تقل عن سنة وال تزيد على ثالث سنوات كل من تعاطى بأي وجه أو استعمل شخصيا ً أية مادة أو‬ ‫نبات من ا ملواد اجملدرة أو املؤثرات العقلية غير املنصوص عليها في اجلداول املرفقة بهذا القانون يكون من شأنها إحداث‬ ‫التخدير أو أي أثر آخر ضار بالعقل متى مت التعاطي بهذا القصد ‪ .‬ويجوز للمحكمة باإلضافة إلى العقوبة السابقة احلكم‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪123‬‬


‫الفرع الثاني‬ ‫تعريف املؤثرات العقلية‬ ‫عرفت اتفاقية املؤثرات العقلية لسنة ‪ 1971‬املؤثرات العقلية بانها " كل املواد سواء‬ ‫أكانت طبيعية أو تركيبية‪ ،‬وكل املنتجات الطبيعية املدرجة في اجلدول األول أوالثاني‬ ‫أوالثالث أوالرابع امللحقني باالتفاقية‪ .‬واتبع املشرع في تعريف املؤثرات العقلية ذات‬ ‫األسلوب الذي اتبعه في تعريف املواد اجملدرة فعرف املؤثرات العقلية في الباب األول‬ ‫‪5‬‬ ‫بأنها "كل مادة طبيعية أو تركيبية من املواد املدرجة في اجلداول أرقام ‪"5،6،7،8‬‬ ‫ويظهر من خالل التعريف أن املشرع لم يتعرض أيضا ً لبيان ماهية املؤثرات العقلية‬ ‫سواء من حيث الشكل أو من حيث اخلواص أو من حيث التأثير على احلالة الذهنية‬ ‫لعقل اإلنسان بتعطيل الوعي واإلضرار بالعقل أو من حيث مصدرها وطريقة‬ ‫احلصول عليها‪ ،‬لكنه حدد مواد بعينها ووضعها في اجلداول األربعة املشار إليها من‬ ‫جداول اجملدرات واملؤثرات العقلية‪.‬‬ ‫كما لم يختلف موقف املشرع من املؤثرات العقلية عن موقفه من املواد اجملدرة‬ ‫بالنسبة للمؤثرات التي لها تأثير على العقل إال انها غيرة مدرجة باجلداول‪ ،‬فقد مد‬ ‫املشرع التجرمي إلى كل مؤثر على عقل اإلنسان ويضر به متى ثبت ذلك الضرر من‬ ‫جراء استخدام املؤثر‪ ،‬فقد عبر نص املادة (‪ )41‬عن ذلك بقوله "‪..‬أو املؤثرات العقلية‬ ‫غير املنصوص عليها في اجلداول املرفقة بهذا القانون يكون من شأنها إحداث‬ ‫التخدير أو أي أثر آخر ضار بالعقل متى مت التعاطي بهذا القصد"‪.‬‬ ‫وغني عن البيان أنه يجب على اجلهات املعملية أن تثبت بتقريرها أن املؤثر مدرج بأحد‬ ‫اجلداول أرقام ‪ 5،6،7،8‬أو أن من شأن املؤثر املضبوط اإلضرار بالعقل إذا لم يكن من بني‬ ‫املؤثرات املدرجة باجلداول‪ ،‬وذلك حتى ميكن مد نطاق التجرمي إليه مبوجب نص املادة‬ ‫(‪ )41‬من القانون‪.‬‬ ‫وقد شهدت فترة الثمانينيات تصاعدا في إنتاج املؤثرات العقلية والتي تعرف أيضا ً‬ ‫باجملدرات التخليقية وهي تصنع في اجملتبرات الكيميائية في صورة أقراص‬ ‫وكبسوالت أو في صورة مسحوق أو سائل‪ ،‬وكانت تستخدم في بادئ األمر لألغراض‬ ‫العالجية إال أنه ما لبثت أن شاع استخدامها بصورة غير مشروعة كبديل‬ ‫للمخدرات الطبيعية‪ .. 6‬وتنقسم اجملدرات التخليقية إلى ثالثة مجموعات هي‪:‬‬ ‫املنشطات ( األمفيتامينات ) و املهبطات ( الباربيتيورات ) و الكيماويات املتطايرة‬ ‫وهي مواد كيميائية تنتج أبخرة تؤثر على اجلهاز العصبي املركزي‪ .‬ومن امللفت للنظر‬ ‫ما بينته بعض الدراسات من انتشار استنشاق املواد الصمغية مثل الغراء والصق‬ ‫بالغرامة التي ال تقل عن عشرة آالف درهم ‪ .‬راجع في تعريف املؤثرات‪ ،‬د‪ .‬على أحمد راغب‪ ،‬اجملدرات‪ ،‬املشكلة واملواجهة‪،‬‬ ‫مطبعة كلية الشرطة املصرية‪ ،2006 ،‬ص ‪ 17‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬املادة رقم (‪ )1‬من القانون االحتادي رقم ‪ 14‬لسنة ‪.1995‬‬ ‫‪ - 6‬وعرف البعض املؤثرات العقلية بأنها " عقاقير حتمل خصائص املواد اجملدرة الطبيعية‪ ،‬وتصنع في اجملتبرات واملعامل‬ ‫بالطرق الكيميائية‪ ،‬من مواد ومستحضرات مخلقة كيميائياً‪ ،‬وال حتتوي على مواد ذات أصل طبيعي أو نباتي"‪ ،‬راجع ‪ :‬د‪:‬‬ ‫سمير عبد الغني‪ ،‬مبادئ مكافحة اجملدرات‪ ،‬دار الكتب القانونية مصر‪ ،‬ط‪ ،2009 1‬ص ‪.82‬‬

‫‪124‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫اإلطارات وبعض املذيبات الطيارة مثل البنزين ومخفف الطالء ومزيل طالء األظافر‬ ‫في بعض دول اخلليج في السنوات األخيرة‪ ،‬وهذه املواد تتشابه في تأثيراتها مع بعض‬ ‫املواد اجملدرة ‪.7‬‬ ‫الفرع الثالث‬ ‫تعريف التعاطي‬ ‫لم يضع املشرع تعريفا ً لفعل "التعاطي"‪ ،‬إال أنه ميكن تعريفه بأنه" تناول املادة‬ ‫اجملدرة أو املؤثر العقلي بإدخالها إلى جسم اإلنسان بأي وسيلة سواء أكان ذلك عن‬ ‫طريق الشم أم احلقن أو االستنشاق أو البلع أو التدخني أو االستحالب أو غيرها‪ ،‬وذلك‬ ‫ولو ملرة واحدة فقط وبأي كمية من هذه املواد"‪.8‬‬ ‫ويبني التعريف السابق أن فعل التعاطي يقع بالتناول أو الشم أو احلقن أو‬ ‫االستنشاق أو البلع أو التدخني أو االستحالب‪.‬‬ ‫فالقانون لم يعول على وسيلة دخول اجملدر أو املؤثر العقلي إلى جسم املتعاطي‪،‬‬ ‫كما لم يعول املشرع على مكان التعاطي‪ ،‬فقد يكون منزال أو محال أو سيارة أو‬ ‫مكانا عاما أو خاصا ولكن ذلك يعمل أثره في إثارة مسئولية كل من أدار أو أعد أو‬ ‫هيأ املكان للتعاطي‪.‬‬ ‫طبيعة فعل التعاطي‪:‬‬ ‫يعد التعاطي أحد األفعال املادية املكونة للنشاط اإلجرامي‪ ،‬كعنصر من عناصر‬ ‫الركن املادي‪ ،‬املكون للركن املادي جلرمية مجال اجملدرات‪ .‬وهو فعل يتسم بالطبيعة‬ ‫الوقتية‪ ،‬إذ يقع وينتهي بارتكابه‪ ،‬وجرمية تعاطي املواد اجملدرة وقتية تنتهي بانتهاء‬ ‫فعل التعاطي ‪.9‬‬ ‫وال ﺷك في وضوح موقف اﶈكمة االحتادية العليا من وقتية جرمية تعاطي املواد‬ ‫اجملدرة فعباراتها واضحة وضوحا ً ال يقبل اجلدل‪ ،‬بقولها إنها جرمية وقتية تنتهي‬ ‫بانتهاء فعل التعاطي‪ ،‬فإذا كان فعل التعاطي قد بدأ وانتهى خارج الدولة‪ ،‬فهل‬ ‫هناك مجال للقول بأن االختصاص ينعقد لدولة اإلمارات‪ .‬وقد أكدت اﶈكمة‬ ‫االحتادية العليا التي تعلو قمة الهرم القضائي بالدولة بأنها وقتية وتنتهي بانتهاء‬ ‫فعل التعاطي‪.10‬‬ ‫كما استخدم املشرع كلمتي التعاطي واالستعمال الشخصي ولم يرتب نتائج‬ ‫مختلفة في حالة التعاطي عنها في حالة االستعمال الشخصي‪ ،‬وإن كان يعكس‬ ‫‪ 7‬راجع‪ :‬د‪ .‬كامل فريد السالك‪ ،‬قوانني اجملدرات اجلزائية‪ ،‬دراسة مقارنة لقوانني اجملدرات في أملانيا والبالد العربية على ضوء‬ ‫أبحاث علم اإلجرام والسياسة اجلنائية‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2006 1‬ص ‪.112‬وراجع أيضا ً‪ :‬د‪ .‬سمير‬ ‫عبد الغني‪ ،‬التعاون الدولي ملكافحة اجملدرات واملؤثرات العقلية والسالئف الكيميائية‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر ‪ ،‬الطبعة‬ ‫األولى‪ ،2011 ،‬ص‪ 105‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ - 8‬راجع‪ :‬د‪ .‬محمد حنفي محمود‪ ،‬املرجع السابق ص‪ 121‬ومابعدها‪.‬‬ ‫‪ - 9‬راجع ‪ :‬حكم اﶈكمة االحتادية العليا جلسة ‪ 1989 / 5 /2‬مج األحكام س ‪ 20‬ق ‪ 25‬ص ‪.130‬‬ ‫‪ - 10‬احتادية عليا ‪ ،‬احلكم سالف الذكر‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪125‬‬


‫االستعمال الشخصي قدرا ً أكبر من اخلصوصية عند تناول اجملدر‪ ،‬كأن يكون‬ ‫الشخص في منزله أو داخل سيارته دون أن يقدمه أحد إليه أو يشاركه آخر فيه‪.‬‬ ‫الباعث على التعاطي‪:‬‬ ‫ال يؤثر الباعث على التعاطي في التجرمي‪ ،‬فيستوي أن يكون الباعث هو تسكني األلم‬ ‫أو لالحتفال مبناسبة أو إشباعا ً لرغبة‪.‬‬ ‫وقد تضمن القانون األفعال املتصلة بالتعاطي وهي‪:‬‬ ‫ التقدمي للتعاطي مبقابل أو بغير مقابل‪.‬‬‫ التسهيل للتعاطي وهو جرمية تقوم قانونا ً بأي فعل من اجلاني يهدف إلى املساعدة‬‫على التعاطي بتسليمه اجملدر لشخص آخر بقصد تعاطيه‪ ،‬ويستوي أن يكون قد‬ ‫تعاطاه بالفعل أم لم يتعاطاه‪.11‬‬ ‫ إعداد أو تهيئة أو إدارة مكان لتعاطي اجملدرات‪.‬‬‫املطلب الثاني‪ :‬أركان جرمية التعاطي والعقاب عليها‬ ‫وقد ميز القانون بني نوعني من جرائم التعاطي من حيث جسامة اجلرمية‪ ،‬والنوع األول‬ ‫هو جنايات التعاطي‪ ،‬والنوع الثاني هو جنح التعاطي‪ ،‬وسوف نعرض لكل منهما‬ ‫على الترتيب‪.‬‬ ‫أوال ً‪ :‬جنايات التعاطي‬ ‫جرمية التعاطي أو االستعمال الشخصي للمواد اجملدرة و املؤثرات العقلية‬ ‫في اجلداول أرقام ‪1،2،4،5‬‬ ‫النص القانوني‪:‬‬ ‫ حظرت الفقرة األولى من املادة (‪ - )6‬واملعدلة بالقانون االحتادي رقم (‪ )1‬لسنة ‪2005‬‬‫تعاطي املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية املبينة باجلداول أرقام ‪ 1،2،4،5‬حيث نصت على‬ ‫أنه‪:‬‬ ‫‪ " -1‬يحظر جلب واستيراد وتصدير وصنع واستخراج وفصل وانتاج وحيازة وإحراز‬ ‫وتعاطي املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية املبينة في اجلداول أرقام (‪ )1‬و (‪ )2‬و (‪ )4‬و (‪)5‬‬ ‫وسائر أوجه النشاط والتصرفات األخرى املتعلقة بها‪.‬‬ ‫ثانيا ً‪ :‬العقوبة‬ ‫نصت املادة ‪ 39‬على أنه‪:‬‬ ‫" يعاقب بالسجن مدة ال تقل عن أربع سنوات كل من تعاطى بأي وجه أو استعمل‬ ‫شخصيا ً في غير األحوال املرخص بها أية مادة من املواد اجملدرة أو املؤثرات العقلية‬ ‫املنصوص عليها في اجلداول (‪ )5(،)4(،)2(،)1‬املرفقة بهذا القانون‪ .‬ويجوز للمحكمة‬ ‫باإلضافة إلى العقوبة السابقة‪ ،‬احلكم بالغرامة التي ال تقل عن عشرة آالف درهم"‪.‬‬ ‫أركان اجلرمية ‪:‬‬ ‫‪ - 11‬قضاء محكمة متييز دبي ‪ -‬جلسة ‪ 2004/6/26‬مج األحكام‪ ،‬عام ‪ 2004‬العدد ‪ 15‬رقم ‪ 52‬ص‪.)247‬‬

‫‪126‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫تقوم جناية التعاطي على ثالثة أركان هي ‪:‬‬ ‫أوال ً‪ :‬ركن اﶈل‬ ‫أن يقع فعل التعاطي أو االستعمال الشخصي على أي مادة من املواد اجملدرة أو‬ ‫املؤثرات العقلية املنصوص عليها في اجلداول أرقام ‪.1،2،4،5‬‬ ‫ويظهر من أرقام اجلداول التي تضمنتها املادة ‪ 39‬أن ثالثة منها ( ‪ )4 ،2 ،1‬من جداول‬ ‫املواد اجملدرة واجلدول الرابع هو اجلدول رقم (‪ )5‬من املؤثرات العقلية‪.‬‬ ‫ثانيا ً‪ :‬الركن املادي‬ ‫وهو يتكون من السلوك اإلجرامي الذي يقع من اجلاني‪ ،‬وهو يأخذ أحد فعلني‪ :‬إما‬ ‫فعل التعاطي‪ ،‬وإما فعل االستعمال الشخصي‪ .‬ويقصد بالتعاطي تناول املادة اجملدرة‬ ‫أو استعمالها بنفسه أو بأي وسيلة أخرى كالتدخني أو البلع أو الشم‪ .‬وقد يبرز‬ ‫معنى التعاطي من خالل األفعال املتصلة به وهي التقدمي مبقابل أو بغير مقابل‬ ‫والتسهيل للتعاطي أو إعداد أو تهيئة أو إدارة مكان لتعاطي اجملدرات‪.‬‬ ‫أما فعل االستعمال الشخصي فال يخرج عن فعل التعاطي وإن كان يختلف عنه‬ ‫في أن فعل التعاطي قد ميتد بإمداد الغير باملادة اجملدرة أو تسهيلها له في صورة‬ ‫إعدادها أو تهيئتها أو تخصيص مكان لتعاطيها ويقصد باالستعمال الشخصي‬ ‫حالة تناول الشخص للمخدر في إطار من اخلصوصية على النحو السالف بيانه‪.‬‬ ‫موقف الفقه من أركان جرمية التعاطي‪:‬‬ ‫يكاد يجمع الفقه على أن الركن املادي في جرمية التعاطي يتحقق بارتكاب أحد‬ ‫الفعلني السالف اإلشارة إليهما وهما‪ :‬فعل التعاطي أو فعل االستعمال‬ ‫الشخصي‪ ،‬دون أن يتطرق الفقه إلى عنصر النتيجة في الركن املادي‪ ،12‬ويقتصر‬ ‫التناول على فعل التعاطي أو صور السلوك فقط‪ ،‬مبا قد يثير فكرة أن جرمية‬ ‫التعاطي تقترب إلى االندماج ضمن جرائم السلوك دون جرائم النتيجة‪ ،‬خاصة وأن‬ ‫املشرع في النصوص اخلاصة بجرائم التعاطي لم يتطلب حتقق نتيجة معينة في‬ ‫اﶈيط اخلارجي كظهور املتعاطي مخدرا ً أو عدم إدراكه األحداث نتيجة للتعاطي‪ ،‬أو‬ ‫ظهور حاالت الهالوس والهذيان أو النوم العميق عند تعاطي املؤثرات العقلية‪.‬‬ ‫فأركان جرمية التعاطي كما يعبر عنها الدكتور حسني اجلندي بقوله "يلزم لتحقق‬ ‫جرمية التعاطي في كل صورة من صورها ‪ ...‬أن يوجد محل للجرمية‪ ،‬وارتكاب السلوك‬ ‫اإلجرامي الذي حدده املشرع في نصوص التجرمي‪ ،‬وهو ما يكون الركن املادي للجرمية‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى توافر الركن املعنوي‪ ."13‬وفي إيضاحه للركن املادي يذكر "الركن املادي‪:‬‬ ‫وهو يتكون من السلوك اإلجرامي الذي يقع من اجلاني‪ ،‬وهو يأخذ أحد فعلني‪ :‬إما‬

‫‪ - 12‬راجع في أركان جرمية التعاطي د‪ .‬حسني اجلندي‪ ، ،‬التشريعات اجلنائية اخلاصة في دولة اإلمارات العربية املتحدة (‬ ‫معلقا ً عليها بالفقه وأحكام القضاء)‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬القانون رقم ‪ 14‬لسنة ‪ 1995‬وتعديالته بشان املواد اجملدرة واملؤثرات‬ ‫العقلية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2009‬بدون ناشر‪ ،‬ص ‪ 174‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ - 13‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.175‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪127‬‬


‫فعل التعاطي‪ ،‬وإما فعل االستعمال الشخصي‪ "14.‬فلم يتناول من قريب أو بعيد‬ ‫حتقق نتيجة معينة جراء التعاطي‪.‬‬ ‫وأركان جرمية التعاطي عند إبراهيم راسخ هي ثالثة أركان‪ :‬الركن املادي‪ ،‬وركن عدم‬ ‫املشروعية‪ ،‬والركن املعنوي‪ ،‬وفي عرضه للركن املادي فإنه يقصره على عنصرين فقط‬ ‫األول هو‪ :‬املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية‪ ،‬والثاني هو السلوك اإلجرامي املتمثل في‬ ‫التعاطي أو االستعمال الشخصي‪ .‬فهو لم يشر أيضا ً إال إلى محل اجلرمية وهي املواد‬ ‫اجملدرة أو املؤثرات العقلية‪ ،‬ثم السلوك اإلجرامي في صورتيه؛ التعاطي أو االستعمال‬ ‫الشخصي‪ ،‬وهو يذكر في ذلك "تقوم جرمية التعاطي أو االستعمال الشخصي‬ ‫للمواد اجملدرة أو املؤثرات العقلية على ثالثة أركان‪ :‬أوال ً الركن املادي؛ ويتكون في هذه‬ ‫اجلرمية من عنصرين‪ :‬أولهما املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية‪ ،‬وثانيهما السلوك‬ ‫اإلنساني املتمثل في التعاطي أو االستعمال الشخصي‪ ...‬ثانيا ً‪ :‬ركن عدم املشروعية‬ ‫حيث جرم املشرع تعاطي املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية أو استعمالها الشخصي‬ ‫وأنزل العقوبة مبرتكبها‪ .‬وال يكفي للوجود القانوني لهذه اجلرمية أن يتوافر ركنها‬ ‫املادي بل يلزم أن تكون الواقعة املادية غير مشروعة وهي ال تكون كذلك إال إذا انتفت‬ ‫أسباب اإلباحة‪...‬ثالثا ً‪ :‬الركن املعنوي إذ ال يكفي لقيام جرائم التعاطي واستحقاق‬ ‫العقاب عليها حتقق الركن املادي‪ ،‬وإمنا يلزم باإلضافة إلى ذلك توافر الركن املعنوي‪.‬‬ ‫وهذه اجلرمية من اجلرائم العمدية يستلزم لقيام القصد اجلنائي توافر عنصري اإلرادة‬ ‫والعلم ‪.15‬‬ ‫خصائص السلوك اإلجرامي في جرائم التعاطي‪:‬‬ ‫يتسم السلوك اإلجرامي في جرائم التعاطي املعاقب عليها في املواد ‪ 39‬و ‪ 40‬و ‪41‬‬ ‫من القانون بعدة خصائص هي‪:‬‬ ‫ أن السلوك املادي في هذه اجلرائم يندرج ضمن صور السلوك التبادلي‪ ،‬ويقصد‬‫بذلك أن الركن املادي لهذه اجلرمية من فعلني‪ ،‬يكفي ارتكاب أحدهما وهما‪ :‬إما‬ ‫التعاطي أو االستعمال الشخصي لتقوم اجلرمية‪ ,‬وال يلزم اجلمع بني الفعلني؛‬ ‫التعاطي واالستعمال الشخصي معاً‪ ،‬وإن كان كل فعل منهما ميكن أن يتضمن‬ ‫الفعل اآلخر‪ .‬فإحدى صور التعاطي تتم باالستعمال الشخصي‪.‬‬ ‫ أن كال ً من الفعلني يقتضي االتصال املباشر باجملدر‪ ،‬ومؤدى ذلك أن اجلاني يكون –‬‫وقت التعاطي أو االستعمال الشخصي – محرزا ً للمخدر‪.‬‬ ‫ أن كل فعل ضمن صور النشاط اإليجابي من اجلاني ياخذ صورة التعاطي عن طريق‬‫تناول املادة اجملدرة أو املؤثر العقلي‪ ،‬أو االستعمال الشخصي‪.16‬‬ ‫وقد قضت اﶈكمة االحتادية العليا بﺄن إحراز املادة اجملدرة عند التعاطي أو االستعمال‬ ‫الشخصي ال يعد جرمية منفصلة وقائمة بذاتها‪ ،‬ألن جرمية اإلحراز بقصد التعاطي‬ ‫‪ - 14‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 176 -175‬‬ ‫‪ - 15‬راجع ‪ :‬إبراهيم راسخ‪ ،‬اجملدرات وكيفية مواجهتها ‪ ، 2‬املواجهة التشريعية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1998 ،‬كلية شرطة دبي‪ ،‬ص‬ ‫‪.96‬‬ ‫‪ - 16‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 42‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫والتعاطي بالفعل ‪ -‬هما جرمية واحدة إذ ال يتصور عقال ً وال منطقا ً أن تكون هناك‬ ‫جرمية تعاطي بدون إحراز‪17.‬‬ ‫كذلك سارت اﶈكمة االﲢادية على ذات النهﺞ فيما يتعلق بجرمية اجللب وارتباطها‬ ‫بجرمية التعاطي‪ ،‬فكما يحوز املتعاطي داخل الدولة اجملدر لتعاطيه‪ ،‬فإن القادم من‬ ‫خارج الدولة يجلب اجملدر لتعاطيه‪ ،‬وطاملا تيقنت اﶈكمة أن اجللب كان بقصد‬ ‫التعاطي تعني عليها إنزال عقوبة التعاطي‪.‬‬ ‫فقد قضت بأنه "تشمل العقوبة املنصوص عليها باملادة ‪ 39‬جميع من ثبت أن‬ ‫قصده هو مجرد التعاطي سواء كان قادما ً باجملدرات من خارج الدولة ‪-‬وهو اجلالب‪ -‬أو‬ ‫كان حاصال ً عليها داخل الدولة وهو احلائز‪ ،‬متى كان ملحوظا ً في اجللب عدم طرحه‬ ‫وتداوله بني الناس ومتى كان اﺠﻤﻟلوب من اجملدر ال يفيﺾ عن حاجة اجلالب الشخصية‪،‬‬ ‫وأيضا ً فكما أن التعاطي بالنسبة للمقيم في الدولة ال يكون عادة إال مصحوبا ً بنوع‬ ‫من احليازة باعتبارها وسيلة إليه فكذلك التعاطي بالنسبة للقادم على الدولة من‬ ‫اخلارج ال يكون عادة إال مصحوبا ً بنوع من اجللب وهو وسيلة إليه‪ .‬وما دام قضاء هذه‬ ‫اﶈكمة قد استقر على اعتبار حيازة املتعاطي املقيم داخل الدولة هي مجرد وسيلة‬ ‫لفعل التعاطي‪ ،‬وعلى أنه إمنا يعاقب على التعاطي وحده إذا ثبت أن حيازته كانت‬ ‫بقصد التعاطي وال يعاقب على هذه احليازة ألن التعاطي ال ميكن دونها‪ ،‬فإن منطق‬ ‫العدالة الداعي إلى عدم التفريق بني املتماثلني يقضى باعتبار حيازة املتعاطي القادم‬ ‫على الدولة من خارجها ــ وهى احليازة التي تسمى اصطالحا باجللب ــ كذلك مجرد‬ ‫وسيلة لفعل التعاطي ألنه ال ميكن عادة دونها‪ ،‬وبالتالي فال يعاقب هذا ــ مثل ذلك‬ ‫ــ إال على التعاطي إذا ثبت أن جلبه كان ﺠﻤﻟرد قصد التعاطي" ‪.18‬‬ ‫ثالثا ً‪ :‬الركن املعنوي‬ ‫جرمية التعاطي أو االستعمال الشخصي تندرج ضمن اجلرائم العمدية التي يأخذ‬ ‫الركن املعنوي فيها صورة القصد اجلنائي‪ .‬والقصد املتطلب فيها هو القصد العام‬ ‫بعنصريه؛ العلم واإلرادة ‪.‬‬ ‫‪ -1‬العلم ‪ :‬أن يعلم اجلاني أن املادة التي يتعاطها أو يستعملها استعماال ً شخصيا ً‬ ‫من املواد اجملدرة أو املؤثرات العقلية‪ ،‬أي أن يعلم بكنه املادة املضبوطة وأنها من املواد‬ ‫اﶈظورة قانونا ً‪.‬‬ ‫وال يقبل من اجلاني الدفع أو االحتجاج بجهله إدراج املادة التي تعاطاها في اجلداول‬ ‫املرفقة بقانون اجملدرات‪ ،‬ذلك أن اجلداول ملحقة بالقانون وتأخذ حكمه في عدم جواز‬ ‫االعتداد باجلهل بالقانون‪ .‬كما ال يقبل الدفع بأن املادة ليس لها تأثير مخدر على‬ ‫‪ - 17‬راجع ‪ :‬حكم اﶈكمة االﲢادية العليا‪ ،‬األحكام اجلزائية‪ ،‬الطعن رقم ‪ 69‬لسنة ‪ 24‬قضائية جلسة‪.2003-12-20‬‬

‫‪ - 18‬راجع ‪ :‬حكم اﶈكمة االﲢادية العليا‪ ،‬األحكام اجلزائية ‪ ،‬الطعن رقم ‪ 68‬لسنة ‪ 22‬قضائية ‪ ،‬جلسة ‪- 2000-6-24‬‬ ‫مكتب فني ‪ - 22‬رقم اجلزء ‪ - 1‬ص ‪.358‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪129‬‬


‫اإلطالق ما دام الثابت من تقرير اجملتبر اجلنائي أن املادة وقت ارتكاب الفعل كانت‬ ‫مدرجة في اجلداول باعتبارها مادة مخدرة أو مؤثرة في العقل‪.‬‬ ‫‪ -2‬اإلرادة ‪ :‬إنصراف اإلرادة إلى ارتكاب النشاط اإلجرامي وهو التعاطي أو االستعمال‬ ‫الشخصي‪ ،‬رغم العلم بأركان وعناصر اجلرمية وأن املادة محل التعاطي محظورة‬ ‫قانونا ً‪.‬‬ ‫رابعا ً ‪ :‬أحكام العقاب على التعاطي‬ ‫نصت املادة (‪ )39‬على عقوبة التعاطي وهي ‪:‬‬ ‫ "السجن مدة التقل عن أربع سنوات‪ ،‬ويجوز للمحكمة باإلضافة إلى العقوبة‬‫السابقة احلكم بالغرامة التي ال تقل عن عشرة آالف درهم "‪.‬‬ ‫ويظهر من نص املادة السابقة أن تعاطي املواد اجملدرة املدرجة في اجلداول ‪1،2،4‬‬ ‫باإلضافة إلى تعاطي املؤثرات العقلية املدرجة في اجلدول رقم ‪ 5‬يعد من أفعال‬ ‫اجلنايات‪ ،‬وذلك ألن جسامة اجلرمية تتحدد وفقا ً للعقوبة التي قررها املشرع وهي‬ ‫عقوبة السجن؛ تلك العقوبة املقررة للجنايات‪ ،‬والعلة من اعتبار تعاطي مادة‬ ‫مخدرة أو مؤثر عقلي من محتوى تلك اجلداول يشكل جناية ‪ -‬دون املواد املدرجة في‬ ‫باقي اجلداول ‪ -‬أن تأثيرها يتحقق معه اإلدمان في وقت قصير فضال ً عن تأثيرها‬ ‫الضار على األنسجة واجلهاز العصبي لإلنسان‪ ،‬مما دعى املشرع إلى إدخالها في فئة‬ ‫اجلنايات‪.‬‬ ‫ويالحظ في تلك اجلرائم أن املشرع مال إلى التشدد في تقرير عقوبة التعاطي‪ ،‬ألن‬ ‫عقوبة السجن تبدأ من ثالث سنوات في اجلنايات وقد حدد املشرع العقوبة مبدة ال‬ ‫تقل عن أربع سنوات‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬جنح التعاطي‬ ‫(أ) جرمية التعاطي أو االستعمال الشخصي بدون ترخيص للمواد الواردة في اجلداول‬ ‫(‪ )3‬و (‪ )6‬و (‪ )7‬و (‪)8‬‬ ‫النص القانوني‪:‬‬ ‫املادة رقم (‪)1/40‬‬ ‫‪ -1‬يعاقب باحلبس مدة ال تقل عن سنة وال تزيد على ثالث سنوات كل من تعاطى بأي‬ ‫وجه أو استعمل شخصيا ً في غير األحوال املرخص بها أية مادة من املواد اجملدرة أو‬ ‫املؤثرات العقلية املنصوص عليها في اجلداول أرقام (‪ )3‬و (‪ )6‬و (‪ )7‬و (‪ )8‬املرفقة بهذا‬ ‫القانون‪.‬‬ ‫ويجوز للمحكمة باإلضافة إلى العقوبة السابقة احلكم بالغرامة التي ال تقل عن‬ ‫عشرة آالف درهم‪.‬‬ ‫أركان اجلرمية ‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬ركن اﶈل‬

‫‪130‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫تقع اجلرمية بالتعاطي أو االستعمال الشخصي ألي مادة من املواد املدرجة في اجلداول‬ ‫أرقام (‪ )3‬و (‪ )6‬و (‪ )7‬و (‪ )8‬املرفقة بالقانون‪.‬‬ ‫ثانيا ً ‪:‬الركن املادي‬ ‫‪ -1‬نشاط إجرامي يتجسد في ارتكاب أحد فعلني؛ إما التعاطي وإما االستعمال‬ ‫الشخصي‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن يقع التعاطي أو االستعمال على مادة مخدرة أو مؤثر عقلي من الواردة في‬ ‫اجلداول أرقام (‪ )3‬و (‪ )6‬و (‪ )7‬و (‪.)8‬‬ ‫ثالثا ً الركن املعنوي‪:‬‬ ‫تتطلب هذه اجلرمية توافر القصد العام وهو العلم واإلرادة‪ ،‬وقصد خاص هو قصد‬ ‫التعاطي أو االستعمال الشخصي‪.19‬‬ ‫كيف يتم االستدالل على قصد التعاطي؟‬ ‫يستدل على قصد التعاطي من ‪:‬‬ ‫أ‪ -‬ضآلة الكمية املضبوطة‪.‬‬ ‫ب‪ -‬ثبوت التعاطي من اعتراف املتهم‪.‬‬ ‫ج‪ -‬عدم ضبط مبالغ ثمنا ً لالجتار في حوزة املتهم‪.‬‬ ‫د‪ -‬إيجابية العينة البيولوجية ( البول – الدم ) للمواد اجملدرة أو املؤثرات العقلية‪،‬‬ ‫واحلالة األخيرة هي التي تثير مشكلة االختصاص محل الدراسة‪.‬‬ ‫العقوبة ‪:‬‬ ‫احلبس مدة ال تقل عن سنة وال تزيد على ثالث سنوات‪ ،‬ويجوز للمحكمة باإلضافة‬ ‫إلى العقوبة السابقة احلكم بالغرامة التي ال تقل عن عشرة آالف درهم‪.‬‬ ‫ثانيا ً‪( :‬ب) ارتكاب اجلرمية بقصد العالج ومبوجب وصفة طبية‬ ‫النص القانوني‪:‬‬ ‫نصت املادة ‪/40‬فقرة‪ 2‬على أنه‪:‬‬ ‫‪ -2‬فإذا ارتكبت اجلرمية بقصد العالج وكانت املواد التي تعاطاها اجلاني أو استعملها‬ ‫شخصيا ً مما يجوز تعاطيها أو استعمالها مبوجب وصفة طبية‪ ،‬كانت العقوبة‬ ‫الغرامة التي ال تقل عن ألف درهم وال تزيد على عشرة آالف درهم‪. 20‬‬ ‫أركان اجلرمية‪:‬‬ ‫أوال ً‪ :‬ركن اﶈل‬ ‫‪ - 19‬راجع‪ :‬صالح الدين علي احلوالي‪ ،‬الركن املعنوي جلرائم اجملدرات واملؤثرات العقلية في القانون الليبي‪ ،‬دار شتات للنشر‬ ‫والبرمجيات‪ ،‬ط ‪ ،2011‬ص ‪.16‬‬ ‫‪ - 20‬من األحكام البارزة لقضاء محكمة متييز دبي عن صورية الوصفات الطبية أنها قضت بأنه‪:‬‬ ‫"إذا لم يثبت أن اجلرمية قد ارتكبت بقصد العالج أو لم تقتنع اﶈكمة بذلﻚ ‪ ،‬فال مجال إلعمال حكم املادة ‪ 2/40‬من‬ ‫القانون‪ . 1995/14‬وملا كان الثابت أن احلكم املطعون فيه لم يقتنع بالوصفات الطبية املقدمة من الطاعن‪ ،‬وأن تعاطيه املواد‬ ‫اجملدرة لم يكن بقصد العالج ورد على دفاعه في هذا الصدد بأسباب سائغة‪ ،‬فمن ثم يكون منعاه في هذا الصدد في غير‬ ‫محله" ( متييز دبي جلسة‪2004/4/17‬مج األحكام‪،‬عام ‪ ،2004‬العدد‪ ،15‬رقم ‪30‬ص‪.)142‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪131‬‬


‫تقع اجلرمية بالتعاطي أو االستعمال الشخصي ألي مادة من املواد مما يجوز تعاطيها‬ ‫أو استعمالها مبوجب وصفة طبية‪.‬‬ ‫ثانيا ً‪ :‬الركن املادي‬ ‫أ‪ -‬فعل التعاطي أو االستعمال الشخصي‪.‬‬ ‫ب‪ -‬أن ينصب الفعل على مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية ‪.‬‬ ‫ج‪ -‬مبوجب وصفة طبية‪.‬‬ ‫إذا انتفى شرط من هذه الشروط أو انتفت جميعها فإن الوصف القانوني يتغير إلى‬ ‫غير اجلرمية املنصوص عليها ‪.‬‬ ‫الركن املعنوي‪:‬‬ ‫تتطلب هذه اجلرمية القصد العام بعنصريه؛ العلم واإلرادة‪.‬‬ ‫العقوبة‪:‬‬ ‫متى كان التعاطي أو االستعمال بقصد العالج وكانت املواد التي تعاطاها اجلاني أو‬ ‫استعملها شخصيا ً مما يجوز تعاطيها أو استعمالها مبوجب وصفة طبية‪ ،‬كانت‬ ‫العقوبة الغرامة التي ال تقل عن ألف درهم وال تزيد على عشرة آالف درهم ‪.‬‬

‫املبحث الثاني‬

‫معايير اإلختصاص اإلقليمي اإلماراتي جلرمية التعاطي‬

‫نظم القانون اإلماراتي موضوعيا ً وإجرائيا ً أحكام االختصاص اإلقليمي والذي يحكم‬ ‫جرمية التعاطي وغيرها من اجلرائم األخرى‪ ،‬فقد نصت املادة (‪ )16‬الواردة في الفصل‬ ‫الثاني من قانون العقوبات االحتادي رقم ‪ 3‬لسنة ‪ 1987‬واملعدل بالقانون رقم ‪34‬‬ ‫لسنة ‪ 2005‬والقانون رقم ‪ 52‬لسنة ‪ 2006‬على أنه "‪ ...‬وتعتبر اجلرمية مرتكبة في‬ ‫إقليم الدولة إذا وقع فيها فعل من األفعال املكونة لها أو إذا حتققت فيها نتيجتها‬ ‫أو كان يراد أن تتحقق فيها"‪ .‬كما نصت املادة ‪ 142‬من قانون اإلجراءات اجلزائية‬ ‫االحتادي رقم ‪ 35‬لسنة ‪ 1992‬على أنه "يتعني االختصاص باملكان الذي وقعت فيه‬ ‫اجلرمية"‪.‬‬ ‫وسوف نعرض باختصار وبالقدر الالزم فقط ملبدأ اإلقليمية الذي تنتهجه دولة‬ ‫اإلمارات العربية كمبدأ أساسي في االختصاص‪ ،‬وكذا بيان أثر الدفع بعدم‬ ‫االختصاص‪ ،‬ثم معيار وقوع اجلرمية داخل الدولة واملتصل بجرمية التعاطي وبيان متى‬ ‫تعتبر اجلرمية قد وقعت داخل الدولة ومن ثم ينعقد االختصاص بنظر جرمية التعاطي‬ ‫التي تتم خارج الدولة‪.‬‬ ‫مبدأ اإلقليمية ‪:‬‬ ‫يعبر عن مبدأ إقليمية القانون بالصالحية اإلقليمية‪ ،‬وهو أن يبسط القانون اجلنائي‬ ‫أحكا مه على جميع اجلرائم التي ترتكب على اإلقليم اخلاضع لسيادة الدولة سواء‬ ‫كان مرتكبها وطنيا ً أم أجنبياً‪ ،‬وسواء نالت من مصلحة الدولة صاحبة السيادة على‬ ‫اإلقليم‪ ،‬أم نالت من مصلحة دولة أجنبية‪ ،‬وهذا هو الوجه اإليجابي ملبدأ اإلقليمية‪.‬‬

‫‪132‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫وترجع احلكمة من تقرير الصالحية اإلقليمية إلى اعتبارين‪ :‬األول مستمد من سيادة‬ ‫الدولة على إقليمها‪ ،‬والثاني يتعلق بالعدالة اجلنائية‪ .‬ذلك أن القانون اجلنائي يصدر‬ ‫عن السلطة التشريعية بهدف حماية املصالح اجلوهرية في اﺠﻤﻟتمع عن طريق حتديد‬ ‫اجلرائم وعقوباتها‪ ،‬وهو يعد من هذه الزاوية من أهم مظاهر السيادة على اإلقليم‪ .‬وملا‬ ‫كانت السيادة – في العصر احلديث – إقليمية‪ ،‬فإن ذلك يستتبع القول بإقليمية‬ ‫القانون اجلنائي‪.‬‬ ‫واالعتبار الثاني أن هذا املبدأ يؤدي إلى حتقيق العدالة اجلنائية على نحو أفضل‪ ،‬ألن‬ ‫مكان ارتكاب اجلرمية تتوافر فيه أدلة اإلثبات‪ ،‬كما يسهل للمحقق وللمحكمة القيام‬ ‫بإجراءات التحقيق اجملتلفة كاستدعاء الشهود واالنتقال للمعاينة واإلملام بظروف‬ ‫اجلرمية واﺠﻤﻟرم‪ ،‬فضال ً عن أن محاكمة اﺠﻤﻟرم في مكان ارتكاب جرميته يحقق للعقوبة‬ ‫وظيفتها في الردع العام‪21.‬‬ ‫ويؤكد جانب من الفقه على أن ما ال يعتد به في حتديد مكان اجلرمية هو إذا كان كل ما‬ ‫حتقق على اإلقليم واقعة ال تدخل في البنيان القانوني للجرمية ذاتها‪ ،‬إما ألنها سابقة‬ ‫على وجودها القانوني‪ ،‬وإما ألنها الحقة على ذلك الوجود وفي احلالتني ال يعني ذلك‬ ‫ارتكاب اجلرمية فيه‪ ،‬ومن ثم ال محل لسريان قانون العقوبات وفقا ً لقاعدة اإلقليمية‬ ‫على جرمية تكون من الناحية الفنية قد وقعت خارج القطر وتتمثل هذه احلاالت في ‪:‬‬ ‫إذا كان كل ما حتقق على اإلقليم مجرد شرط أولي أو مفترضا ً سابقا ً لقيام اجلرمية‬‫بينما حدثت الواقعة املكونة لهذه األخيرة في اخلارج‪.22‬‬ ‫ال يعد العمل التحضيري جز ًءا من اجلرمية‪ ،‬وإمنا هو نشاط سابق على البدء في‬‫تنفيذها‪ ،‬فال وزن له إذا وقع وحده على اإلقليم‪23 .‬‬ ‫إذا متت الواقعة املكونة للجرمية في اخلارج‪ ،‬وأصبح اإلقليم مجرد مسرح آلثارها أو‬‫مخلفاتها‪ ،‬فإن اجلرمية ال تعتبر رغم ذلك واقعة في اإلقليم ومن ثم ال يسري عليها‬ ‫مبدأ اإلقليمية‪.‬‬ ‫واحلالة الثالثة هنا هي ما تتصل بجرمية التعاطي خارج الدولة‪ ،‬فوفقا ً ملا سبق‪ ،‬فإن‬ ‫تعاطي املادة اجملدرة في دولة أخرى‪ ،‬وثبوت أثر اجملدر في عينة الدم املأخوذة من املتهم ما‬ ‫هو إال أثر أو مخلفات لعملية التعاطي ال يعتبر معه وقوع اجلرمية في اإلقليم اإلماراتي‬ ‫ومن ثم ال يسري عليها مبدأ اإلقليمية‪24 .‬‬ ‫‪ - 21‬د‪ .‬علي عبد القادر القهوجي ‪ ،‬شرح قانون العقوبات القسم العام‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2008‬ص ‪ 137‬وما بعدها‪ ،‬د‪ .‬محمد زكي أبوعامر‪ ،‬اإلجراءات اجلنائية‪ ،‬منشورات احللبي القانونية‪،‬‬ ‫الطبعة األولى‪ ،2010 ،‬ص ‪ ، 793‬فتيحة قوراري وغنام محمد غنام‪ ،‬املبادئ العامة في قانون اإلجراءات اجلزائية االحتادي‪ ،‬معلقا ً‬ ‫عليه بأحكام اﶈكمة االحتادية العليا ومحكمة متييز دبي وفقا ً آلخر التعديالت بالقانون رقم ‪ 29‬لسنة ‪2005‬م‪ ،‬ص ‪.241‬‬ ‫‪ - 22‬وتطبيقا ً لذلك‪ ،‬إذا تسلم (أ) من (ب) شيئا ً على سبيل األمانة‪ ،‬مبوجب عقد وديعة أبرم في مصر‪ ،‬ثم حمله (أ) خارج‬ ‫اإلقليم وبدده هناك‪ ،‬فإن قانون العقوبات املصري ال يسري عليه وفقا ً لقاعدة اإلقليمية‪ ،‬ألن ما شهده اإلقليم املصري – وهو‬ ‫عقد إبرام عقد الوديعة – ليس جزء من اجلرمية ذاتها‪ ،‬وإمنا واقعة مشروعة خارجة عن بنيانها وإن كانت الزمة قانونا ً لقيامها‪.‬‬ ‫راجع بتصرف‪ :‬د‪ .‬أحمد عوض بالل‪ ،‬مبادئ قانون العقوبات املصري‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بدون سنة نشر‪ ،‬ص ‪65‬‬ ‫وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ - 23‬ومثال ذلك‪ ،‬من أعد في مصر أداة كان ينوي استخدامها للسرقة أو القتل خارج البالد وضبط قبل أن يشرع في تنفيذ‬ ‫اجلرمية املقصودة‪ ،‬ال يعد قد ارتكب جرمية على اإلقليم املصري‪ ،‬مالم يكن اعتبار فعله التحضيري في ذاته مكونا ً جلرمية أخرى‬ ‫قائمة بذاتها‪ ،‬كحمل سالح بغير ترخيص‪.‬‬ ‫‪ - 24‬د‪ .‬أحمد عوض بالل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.66‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪133‬‬


‫أثر الدفع بعدم االختصاص‪:‬‬ ‫قواعد االختصاص ذات طابع إلزامي سواء بالنسبة ألطراف الدعوى أو بالنسبة‬ ‫للقاضي‪ ،‬فإذا ثبت للقاضي اختصاصه بالدعوى تعني عليه أن يقضي فيها‪ ...‬أما إذا‬ ‫كان القاضي غير مختص بها تعني عليه أن يقرر ذلك‪ ،‬ويخرج الدعوى من حوزته‪ ،‬فإن‬ ‫قضى فيها كان قضاؤه باطال ً وقد قالت محكمة النقض "إن مخالفة قواعد‬ ‫االختصاص ال يترتب عليه إال بطالن احلكم الصادر من محكمة غير مختصة‪ ،‬وليس‬ ‫من شأنه أن يجعل احلكم منعدما ً ألن اختصاص اﶈكمة بالفصل في الدعوى اجلنائية‬ ‫شرط لصحة احلكم ال لوجوده قانونا ً"‪25 .‬‬

‫املطلب األول‬ ‫ضوابط ارتكاب اجلرمية في إقليم الدولة‬

‫معيار االختصاص في قانون العقوبات االحتادي يتحدد بالنسبة للجرائم التي تقع‬ ‫خارج إقليم الدولة وفقا ً لنص املادة ‪ 2/16‬منه بتوافر أحد أركان ثالثة هي‪:‬‬ ‫أ‪ -‬وقوع فعل في الدولة من األفعال املكونة للجرمية‪.‬‬ ‫ب‪ -‬حتقق نتيجة اجلرمية في الدولة ‪.‬‬ ‫ج‪ -‬إرادة حتقق نتيجة اجلرمية في الدولة‪.‬‬ ‫وتعد الفقرة (ب) من املادة السابقة هي األساس الذي تستند إليه النيابة العامة في‬ ‫رؤيتها باختصاص قضاء الدولة بنظر جرمية التعاطي التي وقعت خارج الدولة‬ ‫باعتبار أن إيجابية العينة متثل النتيجة في جرمية التعاطي خارج الدولة وهي إحدى‬ ‫العناصر التي ينعقد بها االختصاص‪.‬‬ ‫وقبل أن نناقش ونؤصل مدى جواز االستناد على النتيجة في جرائم التعاطي النعقاد‬ ‫االختصاص ينبغي أن نوضح املقصود بالنتيجة في الفقه‪ ،‬ثم نوضح عقب ذلك‬ ‫طبيعة جرمية التعاطي من حيث مكونات الركن املادي فيها وهو ما يتطلب بيان‬ ‫اآلتي‪:‬‬ ‫أوال ً‪ :‬املقصود بالنتيجة في الفقه‬ ‫ثانيا ً‪ :‬جرمية التعاطي بني اجلرائم الوقتية واجلرائم املستمرة‪.‬‬ ‫ثالثا ً‪ :‬جرمية التعاطي بني اجلرمية الوقتية واجلرمية ذات األثر املمتد‪.‬‬ ‫رابعا ً‪ :‬ما ال يعتد به في حتديد مكان اجلرمية‪.‬‬ ‫أوال ً‪ :‬املقصود بالنتيجة في الفقه‬ ‫انقسم الفقه في شأن تعريف النتيجة إلى اجتاهني‪ :‬األول قانوني‪ ،‬واالجتاه الثاني‬ ‫مادي‪.‬‬ ‫‪ - 25‬نقض مصري ‪ 1981/3/4‬س ‪ 31‬رقم ‪ 34‬ص ‪.214‬‬

‫‪134‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫فأنصار االجتاه القانوني للنتيجة يعرفونها بانها العدوان الذي يصيب حقا ً أو‬ ‫مصلحة يحميها القانون سواء متثل هذا العدوان في ضرر فعلي يصيب احلق أو‬ ‫املصلحة محل احلماية أو في مجرد تعريﺾ هذا اﶈل للﺨطر‪ .‬وينتهي هذا االجتاه‬ ‫‪26‬‬ ‫الفقهي إلى القول بأن النتيجة شرط أو عنصر في كل جرمية‪.‬‬ ‫أما االجتاه اآلخر وهو االجتاه املادي فيصور النتيجة على أنها تغيير يطرأ في العالم‬ ‫اخلارجي كأثر للسلوك اإلجرامي‪ ،‬أي يعتبر النتيجة حقيقة مادية لها كيانها في‬ ‫العالم اخلارجي‪ ،‬والنتيجة وفقا ً لهذا املعنى ال تكون عنصرا ً في جميع اجلرائم‪.‬‬ ‫فجرمية القتل نتيجتها القانونية هي االعتداء على احلق في احلياة وهو محل احلماية‪،‬‬ ‫أما النتيجة املادية فهي إزهاق الروح‪ ،‬وفي السرقة تكون النتيجة القانونية هي‬ ‫االعتدا ء على حق امللكية وهو محل احلماية‪ ،‬أما نتيجتها املادية فهي إخراج املال‬ ‫املسروق من حيازة مالكه أو حائزه وإدخاله في حيازة اجلاني‪.‬‬ ‫وال شك أن االختالف بني االجتاهني اختالف واضح‪ ،‬ففي االجتاه القانوني تكون النتيجة‬ ‫أمرا معنويا غير ملموس يصم السلوك بعدم املشروعية حينما ينتهك املصلحة‬ ‫التي يحميها املشرع‪ ،‬أما النتيجة في االجتاه املادي فهي لها كيان مادي ملموس في‬ ‫العالم اخلارجي‪.‬‬ ‫ويترتب على ذلك أن النتيجة كأحد عناصر الركن املادي ال يعتد بها إال إذا كانت‬ ‫ت تجسد فيها صفات هذا الركن من مظهر خارجي أو كيان مادي محسوس في‬ ‫العالم اخلارجي‪ ،‬وهو ما يعطي األفضلية لالجتاه املادي على االجتاه القانوني‪ ،‬وتكون‬ ‫النتيجة اإلجرامية كعنصر في الركن املادي هي التغيير الذي يحدث في العالم‬ ‫اخلارجي كأثر للسلوك‪.‬‬ ‫وأكثر اجلرائم يلزم لتوافرها حتقق النتيجة اإلجرامية باملعنى املادي كجرائم القتل‬ ‫واالعتداء على سالمة البدن والسرقة‪ ، 27‬ففي األولى يتطلب املشرع إزهاق الروح‬ ‫كنتيجة لفعل القتل‪ ،‬وفي الثانية باإلصابة وإحداث جرح‪ ،‬وفي السرقة انتقال املال‬ ‫من حيازة اﺠﻤﻟني عليه إلى حيازة اجلاني وهكذا‪.‬‬ ‫ثانيا ً‪ :‬جرمية التعاطي بني اجلرائم الوقتية واجلرائم املستمرة‪.‬‬ ‫من املعلوم أنه يتم تقسيم اجلرائم بحسب طبيعة الركن املادي فيها عدة‬ ‫تقسيمات‪ ،‬ومن أهم هذه التقسيمات ما يأخذ في اعتباره الزمن الذي يستغرقه‬ ‫حتقيق عناصر اجلرمية وامتدادها خالله‪ ،‬فتقسم اجلرائم تأسيسا ً على ذلك إلى جرائم‬ ‫وقتية وجرائم مستمرة‪.‬‬ ‫‪ - 26‬راجع‪ :‬د‪ .‬محمود مصطفى‪ ،‬أصول قانون العقوبات في الدول العربية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1983 ،‬ص ‪ ،279‬د‪ .‬عمر السعيد‬ ‫رمضان‪ ،‬فكرة النتيجة في قانون العقوبات‪ ،‬مجلة القانون واالقتصاد س‪ 31‬سنة ‪ 1961‬ص ‪ 104‬وما بعدها ومشار إليه في‬ ‫كتاب الدكتور على عبد القادر القهوجي‪ ،.‬د‪ .‬أحمد شوقي عمر أبو خطوة‪ ،‬األحكام العامة لقانون العقوبات لدولة اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة‪ ،‬شرطة دبي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1989‬ص ‪ 168‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ - 27‬راجع ‪ :‬د‪ .‬محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد املنعم‪ ،‬قانون العقوبات اخلاص‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫‪ ،2006‬ص ‪ 360‬وما بعدها‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪135‬‬


‫معيار التقسيم‪:‬‬ ‫ويعتمد التقسيم على الزمن الذي يستغرقه حتقق أركان اجلرمية – الركن املادي‬ ‫والركن املعنوي – معا ً وامتدادها خالله‪ ،‬وعلى ذلك تكون اجلرمية وقتية إذا لم يستغرق‬ ‫حتققها سوى برهة يسيرة‪ ،‬أما إذا امتد ذلك خالل وقت طويل نسبيا ً فإن اجلرمية تكون‬ ‫مستمرة ‪.28‬‬

‫اجلرمية الوقتية‪:‬‬

‫يقسم الفقه اجلرائم بحسب عدة معايير منها التقسيم بناء على جسامتها؛ فهي‬ ‫جرائم من فئة اجلنايات أو من اجلنح أو اجملالفات‪ ،‬وقد يكون التقسيم بحسب طبيعة‬ ‫الركن املادي فيها إلى جرائم إيجابية وجرائم سلبية‪ ،‬وجرائم وقتية وجرائم مستمرة‪.‬‬ ‫ولكي نتناول جرمية التعاطي خارج الدولة كان والبد من عرض للجرائم الوقتية‬ ‫باعتبار أن معيار ذاك التقسيم هو الزمن الذي يستغرقه حتقق الفعل املكون‬ ‫للجرمية‪ ،‬فإذا كان الفعل ال يقبل بطبيعته االستمرار فإن اجلرمية تكون وقتية‪.‬‬ ‫فاجلرمية الوقتية ‪ infraction instance‬تتم وتنتهي حلظة حتقق عناصرها املكونة لها‪.‬‬ ‫وغالبي ة اجلرائم من هذا النوع‪ .‬مثال ذلك جرمية السرقة التي تتم وتنتهي حلظة‬ ‫االستيالء على املال املسروق‪ ،‬وجرمية القتل التي تتم وتنتهي حلظة إزهاق الروح‪،‬‬ ‫وجرمية النصب التي تتم وتنتهي حلظة تسليم املال من اﺠﻤﻟني عليه إلى اجلاني‪ .29‬وما‬ ‫يسري في شأن هذه اجلرائم يسري في شأن جرمية تعاطي املواد اجملدرة‪ ،‬فقد عرف‬ ‫املشرع االحتادي لدولة اإلمارات العربية املتحدة اجلرمية الوقتية بأنها "هي التي يتكون‬ ‫الفعل املعاقب عليه مما يقع وينتهي بطبيعته مبجرد ارتكابه" ‪30.‬‬ ‫ويالحظ أن اجلرمية تظل وقتية مهما ترتب عليها من آثار متتد خالل زمن طويل‪ ،‬ألن‬ ‫هذه اآلثار الحقة على حلظة إمتامها‪ .‬فالسرقة جرمية وقتية رغم أن حيازة الشيء‬ ‫املسروق متتد زمنا ً طويالً‪ ،‬والقتل جرمية وقتة رغم أن حالة الوفاة تدوم إلى األبد‪،‬‬ ‫ولصق اإلعالنات في مكان محظور لصق اإلعالنات فيه‪ ،‬والبناء بدون ترخيص خارج‬ ‫التنظيم‪ ،‬وهرب اﶈبوس‪ ،‬كلها جرائم وقتية تترك آثارا ً تبقى مدة زمنية معينة دون أن‬ ‫تعد لهذا – وحده – جرائم مستمرة‪ ،‬ذلك ألن اآلثار ال تدخل في احلسبان عند حتديد‬ ‫الوقتي واملستمر من اجلرائم‪.‬‬ ‫ونرى أن جرمية تعاطي املواد اجملدرة تدخل ضمن هذه اجلرائم التي تتم وتنتهي‬ ‫بطبيعتها مبجرد ارتكابها‪ ،‬ويترتب على كون اجلرمية وقتية أنه من الناحية املوضوعية‬ ‫فإنه يغلب أن يتحقق ركنها املادي في إقليم دولة واحد فيطبق عليها قانونها‪ .‬ومن‬ ‫الناحية اإلجرائية‪ ،‬تﺨتص بنظر الدعوى عن اجلرمية الوقتية اﶈكمة التي وقعت في‬ ‫‪ - 28‬أنظر ‪ :‬د‪ .‬عبد العظيم وزير ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ، 236‬وما بعدها ‪ ،‬د‪ .‬محمود جنيب حسني فقرة ‪342‬ص‪ ،328‬د‪ .‬مأمون‬ ‫سالمة‪ ،‬ص‪ ،116‬مشار إليهما في املرجع السابق‪.‬‬ ‫‪ - 29‬راجع ‪ :‬د‪ .‬احمد شوقي عمر أبو خطوة ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.149‬‬ ‫‪ - 30‬الفقرة األولى من املادة ‪ 33‬من قانون العقوبات االحتادي لسنة ‪.1987‬‬

‫‪136‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫دائرة اختصاصها اجلرمية‪ ،‬ذلك أن تعاطي املادة اجملدرة أو املؤثر العقلي يتم في وقت‬ ‫محدود وينتهي عقب ذلك‪.‬‬

‫اجلرمية املستمرة‪:‬‬

‫اجلرمية املستمرة هي تلك التي يستطيل الزمن في تنفيذها‪ ،‬وتقف اإلرادة دائما ً خلف‬ ‫مادياتها طوال فترة االستمرار في التنفيذ مثل إخفاء األشياء املتحصلة من جرمية‬ ‫واستعمال اﶈرر املزور وإحراز اجملدرات وحمل السالح بدون ترخيص أو إجازة‪31.‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬جرمية التعاطي بني اجلرمية الوقتية واجلرمية ذات األثر املمتد‪.‬‬ ‫قد يثير األثر الذي يتخلف عن اجلرمية خلطا ً بني اجلرمية املستمرة وبني ما يسمى‬ ‫اجلرمية ذات األثر املمتد والتي هي بحسب التقسيم الثابت واملتعارف عليه من اجلرائم‬ ‫الوقتية‪ ،‬لذا فإن عموم الفقه يرى عدم اخللط بينهما‪ ،‬كما ينبغى عدم اعتبار األثر‬ ‫املمتد في ذاته نتيجة اجلرمية‪ ،‬فاملؤكد أن اجلرمية الوقتية هي جرمية تقع وتنتهي مبجرد‬ ‫ارتكابها‪.‬‬

‫األهمية العملية للتمييز بني اجلرائم الوقتية واجلرائم املستمرة‬

‫للتمييز بني اجلرائم السابقة أهمية عملية كبيرة سواء بالنسبة لقانون العقوبات‬ ‫أم بالنسبة لقانون اإلجراءات اجلزائية‪ :‬فمن حيث السريان املكاني للنص اجلنائي‪ ،‬فإن‬ ‫تطبيق مبدأ اإلقليمية على اجلرمية الوقتية ( اآلنية) ال يثير مشاكل إذ أن عناصرها‬ ‫تتحقق في الغالب في إقليم واحد مما يعني سريان قانون العقوبات في هذا اإلقليم‬ ‫عليها‪ ،‬بينما بالنسبة جلرائم العادة واجلرائم املتتابعة واملستمرة فقد تتحقق‬ ‫األفعال املكونة لها في أكثر من إقليم دولة‪ ،‬وهي لهذا السبب تخضع لقانون‬ ‫العقوبات في كل دولة حتقق على إقليمها أحد أفعال العادة أو أحد سلوك التتابع أو‬ ‫االستمرار‪ .‬ومن حيث السريان الزماني للنص اجلنائي فال يسري قانون العقوبات‬ ‫اجلديد األشد بأثر فوري ومباشر على اجلرائم الوقتية التي اكتملت عناصرها قبل‬ ‫نفاذه‪ ،‬بينما يسري هذا القانون اجلديد على جرائم العادة واجلرائم املتتابعة واجلرائم‬ ‫املستمرة إذا ارتكبت بعض أفعال العادة أو التتابع أو االستمرار بعد نفاذ هذا‬ ‫القانون‪32.‬‬ ‫هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى وهي التي تتعلق باختصاص محاكم الدولة‪ ،‬فإن‬ ‫حتقق عناصر اجلرمية الوقتية تكون غالبا ً في دائرة اختصاص محكمة واحدة‪ ،‬بينما‬ ‫جرائم العادة واالستمرار والتتابع تختص بها كل محكمة وقع في دائرتها أحد‬ ‫أفعال العادة أو التتابع أو االستمرار‪33.‬‬

‫جرمية التعاطي من اجلرائم الوقتية‪:‬‬

‫‪ - 31‬راجع د‪ .‬علي عبد القادر القهوجي ‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬نظرية اجلرمية‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2008‬ص ‪.318‬‬ ‫‪ - 32‬د‪ .‬علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬املرجع السابق ص ‪.318‬‬ ‫‪ - 33‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.319‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪137‬‬


‫ووفقا ً للتقسيم السابق تعد جرمية التعاطي من اجلرائم الوقتية التي تنتهي بانتهاء‬ ‫فعل التعاطي املتمثل في السلوك املادي للتعاطي أو االستعمال‪ ،‬والذي يكون في‬ ‫إحدى الصور التي يقع بها التعاطي كالشم أو البلع أو احلقن أو التدخني أو الشرب‪،‬‬ ‫وال يؤثر في كونها وقتية ظهور أثر التعاطي في عينة البول أو الدماء بإيجابية‬ ‫العينة‪.34‬‬ ‫رابعا ً‪ :‬ما ال يعتد به في حتديد مكان اجلرمية‬ ‫هناك ما ال يعتد به وال يدخل في حتديد مكان اجلرمية ويذكر الفقيه أحمد عوض بالل‬ ‫في ذلك‪ ،‬أنه قد يكون اإلقليم املصري مسرحا ً لواقعة ال تدخل في البنيان القانوني‬ ‫للجرمية ذاتها‪ ،‬إما ألنها سابقة على وجودها القانوني‪ ،‬وإما ألنها الحقة على ذلك‬ ‫الوجود‪ .‬وحتقق مثل تلك الواقعة في احلالتني على اإلقليم املصري ال يعني ارتكاب‬ ‫اجلرمية فيه‪ ،‬ومن ثم ال محل لسريان قانون العقوبات املصري وفقا ً لقاعدة اإلقليمية‬ ‫على جرمية تكون من الناحية الفنية قد وقعت خارج القطر املصري‪.‬‬ ‫فمن ناحية‪ ،‬ال يعد اإلقليم املصري مكانا ً الرتكاب اجلرمية إذا كان كل ما حتقق عليه‬ ‫مجرد شرط أولي أو مفترض سابق لقيام اجلرمية‪ ،‬بينما حدثت الواقعة املكونة لهذه‬ ‫األخيرة في اخلارج‪ .‬وتطبيقا ً لذلك‪ ،‬إذا تسلم "أ" من "ب" شيئا ً على سبيل األمانة‪،‬‬ ‫مبوجب عقد وديعة أبرم في مصر‪ ،‬ثم حمله "أ" خارج اإلقليم وبدده هناك‪ ،‬فإن قانون‬ ‫العقوبات املصري ال يسري عليه وفقا ً لقاعدة اإلقليمية‪ ،‬ألن ما شهده اإلقليم‬ ‫املصري – وهو إبرام عقد الوديعة – ليس جزءا من اجلرمية ذاتها‪ ،‬وإمنا واقعة مشروعة‬ ‫خارجة عن بنيانها وإن كانت الزمة قانونا ً لقيامها‪.‬‬ ‫ومن ناحية ثانية‪ ،‬ال يعد العمل التحضيري جزءا من اجلرمية‪ ،‬وإمنا هو نشاط سابق‬ ‫على البدء في تنفيذها‪ ،‬فال وزن له إذا وقع وحده على اإلقليم املصري‪ .‬فمن أعد في‬ ‫مصر أداة كان ينوي استخدامها للسرقة أو القتل خارج البالد ويضبط قبل أن يشرع‬ ‫في تنفيذ اجلرمية املقصودة‪ ،‬ال يعد قد ارتكب جرمية على اإلقليم املصري‪ ،‬ما لم ميكن‬ ‫اعتبار فعله التحضيري في ذاته مكونا ً جلرمية أخرى بذاتها كحمل سالح بغير‬ ‫ترخيص‪.‬‬ ‫ومن ناحية ثالثة – وهنا تتماثل الظروف مع جرمية التعاطي ‪ -‬إذا متت الواقعة املكونة‬ ‫للجرمية في اخلارج‪ ،‬وأصبح اإلقليم املصري مسرحا آلثارها أو مخلفاتها‪ ،‬فإن اجلرمية ال‬ ‫تعتبر رغم ذلك واقعة في اإلقليم املصري‪ ،‬ومن ثم ال يسري عليها مبدأ اإلقليمية‪.‬‬ ‫وتتطبيقا ً لذلك‪ ،‬إذا اختلس "أ" ماال ً في إقليم دولة مجاورة وجاء إلى مصر وأخفاه‬ ‫فيها‪ ،‬فإن جرمية السرقة ذاتها ال تعد واقعة في اإلقليم املصري‪ ،‬وإمنا يسري قانون‬ ‫العقوبات املصري فحسب على واقعة اإلخفاء كجرمية مستقلة وقعت في مصر‪.‬‬ ‫وكذلك احلال لو قتل شخص آخر في اخلارج وجاء بجثته وأخفاها في مصر فال يسري‬ ‫قانون العقوبات املصري وفقا ً لقاعدة اإلقليمية على جرمية القتل‪ ،‬وإمنا يطبق‬ ‫‪ - 34‬د‪ .‬محمد فتحي عيد‪ ،‬جرمية تعاطي اجملدرات في القانون املصري والقانون املقارن‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية احلقوق جامعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬دار لوتس للطباعة‪ ،1981 ،‬ص ‪.487‬‬

‫‪138‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫فحسب على جرمية إخفاء جثة قتيل‪ .‬وكذلك احلال لو قام شخص بتغيير احلقيقة‬ ‫في محرر خارج اإلقليم املصري وجاء به الستعماله في مصر فال يعد اإلقليم املصري‬ ‫مكان وقوع جرمية التزوير‪ ،‬وإمنا فحسب مكان وقوع جرمية استعمال محرر مزور‪،‬‬ ‫وهكذا‪35.‬‬ ‫وتطبيقا ً لذلك فنحن نرى أن جرمية التعاطي التي متت خارج الدولة وأعقب ذلك‬ ‫ظهور أثر اجملدر في دم أو بول املتعاطي‪ ،‬فإن دولة اإلمارات العربية تعد مسرحا ً آلثار‬ ‫جرمية التعاطي‪ ،‬واألثر ال يترتب عليه انعقاد االختصاص املكاني في ضوء حكم املادة‬ ‫‪ 16‬من قانون العقوبات االحتادي وإمنا النتيجة هي التي يعول على حتققها في الدولة‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬ ‫جرمية التعاطي خارج الدولة مع االرتباط بجرمية أخرى ارتباطا ً ال يقبل‬ ‫التجزئة‬

‫قد تقع جرمية التعاطي خارج الدولة بذات الظروف السابقة‪ ،‬من ظهور اجملدر أو املؤثر‬ ‫العقلي في العينة املأخوذة من املتهم‪ ،‬أو أن يعترف املتهم بسابقة تعاطيه اجملدر‬ ‫حال وجوده خارج الدولة‪ ...‬لكن احلال هنا يختلف بأن يكون املتهم قد ارتكب جرمية‬ ‫أخرى مع التعاطي كتهمة ضبط اجملدر في حيازته داخل الدولة فنكون بصدد‬ ‫جرميتني مرتبطتني ارتباطا ً ال يقبل التجزئة وهو ما يقتضي أن تقوم بالفصل فيهما‬ ‫محكمة واحدة منعا ً من تضارب األحكام وحلسن سير العدالة‪ ،‬فينعقد االختصاص‬ ‫ﶈاكم الدولة ويقع متفقا ً وصحيح القانون‪.‬‬ ‫وتطبيقا ً لذلك قضي بأنه‪" :‬وحيث إن الوقائع ‪ -‬حسبما يبني من احلكم املطعون فيه‬ ‫وسائر األوراق ‪ -‬تتحصل في أنه أثناء تواجد ‪ ............‬لدى طيران الشرطة بعد منتصف‬ ‫ليلة ‪2001 / 1/16‬م مبنطقة وادي العبادلة بدبا الفجيرة اكتشف أثر متسللني‬ ‫فأرسلت إليه رئاسته بعد إبالغها باحلادث ‪ ..............‬العريف لدى طيران الشرطة‬ ‫ومحمد علي وعند اقترابهم من املتسللني أضاءوا املصابيح الكاشفة وأطلقوا‬ ‫طلقتني في الهواء وأثناء ذلك قام املتهم األول ‪ -...............‬الطاعن ‪ -‬بإلقاء غترة بها‬ ‫بعض األشياء على األرض وبتفتيشها عثر على كيس بالستيك بداخله قطعتني من‬ ‫مخدر احلشيش فقام بضبطه وقطعتي اجملدر بينما قام زمياله بضبط باقي املتهمني‬ ‫‪ ........... ... ...........‬وثبت من تقرير مختبر الطب الشرعي أن القطعتني وزنتا ‪ 1926‬جرام‬ ‫ملادة احلشيش اجملدر املدرجة بالقانون االحتادي رقم ‪ 95/14‬في شأن مكافحة املواد‬ ‫اجملدرة واملؤثرات العقلية اجلدول األول البند ‪ . 19‬كما ثبت من تقرير اإلدارة العامة‬ ‫لألدلة اجلنائية بدبي أن عينة بول املتهم األول الطاعن وجد بها مركب حمض‬ ‫التيتراهيدروكنابينول ( املادة الفعالة في احلشيش ) مدرج في جدول ( ‪ ) 5‬من ذات‬ ‫‪ - 35‬أنظر‪ :‬د‪ .‬أحمد عوض بالل‪ ،‬مبادئ قانون العقوبات املصري‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪ 65‬وما بعدها‪.‬‬ ‫وانظر أيضا ً‪ :‬نقض مصري ‪ 1966/6/20‬س‪ 17‬رقم ‪ 156‬ص ‪ ، 827‬نقض مصري ‪ 1943 /1/11‬مجموعة القواعد ج‪ 6‬رقم ‪ 71‬ص‬ ‫‪ ،.96‬نقض مصري ‪ 1956/4/24‬س‪ 7‬رقم ‪ 182‬ص ‪ ،654‬نقض مصري ‪ 1960/11/22‬س‪ 11‬رقم ‪ 155‬ص‪ ،811‬نقض مصري ‪/6/29‬‬ ‫‪ 1970‬س‪ 21‬رقم ‪ 220‬ص ‪ 1972 /2/14 ،935‬س ‪ 23‬رقم ‪ 37‬ص ‪ 1980 /11 /17 ،142‬س ‪ 31‬رقم ‪ 196‬ص ‪.1012‬مشار إليها في "‬ ‫الدفوع اجلوهرية في املواد اجلنائية للمستشار‪ ،‬عدلي خليل‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر اﶈلة الكبرى‪ ،‬ص ‪ 651‬وما بعدها‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪139‬‬


‫القانون ووجدت آثار اجملدر أيضا في عينات بول بقية املتهمني‪ .‬ولدى سؤال املتهمني‬ ‫اعترفوا بدخولهم الدولة من غير األماكن اﶈددة قانونا دون أن يكون لديهم جواز‬ ‫سفر أو تأشيرة دخول سارية املفعول واعترف املتهم األول الطاعن بتعاطى مخدر‬ ‫احلشيش‪ .‬كما اعترف مبحضر الشرطة وأمام محكمة أول درجة بجلبه مخدر‬ ‫احلشيش من إيران ‪.‬‬ ‫أسندت النيابة العامة إلى املتهمني ‪:‬‬ ‫‪........... ) 2 ........... ) 1‬‬ ‫‪......... ) 4 ............ ) 3‬‬ ‫أنهم بتاريخ ‪ 2001 / 1/16‬بدائرة دبا الفجيرة‬ ‫املتهم األول فقط ‪ ) 1 :‬حاز وأحرز مادة مخدرة ( حشيش ) ‪ ) 2‬جلب مادة مخدرة (‬ ‫حشيش )‪.‬‬ ‫املتهمان األول والثالث فقط ‪ :‬تعاطيا مادة مؤثرة بالعقل (تايتراهيدروكتابينول) في‬ ‫غير األحوال املرخص بها قانونا‪.‬‬ ‫املتهما ن الثاني والرابع ‪ :‬تعاطيا مادة مخدرة ( مورفني وكودايني ) في غير األحوال‬ ‫املرخص بها قانوناً‪.‬‬ ‫املتهمون جميعا ً‪ :‬بصفتهم أجانب دخلوا الدولة من غير األماكن اﶈددة فانونا‪.‬‬ ‫‪ ) 2‬بصفتهم السابقة دخلوا الدولة دون أن يكون لديهم جواز سفر وتأشيرة أو إذن‬ ‫دخول أو تصريح إقامة ساري املفعول‪ ،‬وطلبت النيابة العامة معاقبتهم طبقا‬ ‫ألحكام الشريعة اإلسالمية الغراء واملواد ‪ 63 ، 56 ، 48 ، 39 ، 7 ، 6 ، 1‬من القانون‬ ‫االحتادي ‪ 14‬لسنة ‪ 95‬في شأن مكافحة املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية واجلدول األول‬ ‫والثاني امللحقني بالقانون ‪ -‬واملواد ‪ 31 ، 3 ، 2 ، 1‬من القانون االحتادي ‪ 73/6‬املعدل‬ ‫بالقانون االحتادي ‪ 96/13‬في شأن دخول و إقامة األجانب‪.‬‬ ‫وبجلسة ‪2001 / 5/20‬م قضت محكمة أول درجة ( جنايات دبا الفجيرة ) في الدعوى‬ ‫‪ 2001/14‬حضوريا ً ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬سجن املتهم األول خمس سنوات عن تهمتي احليازة والتعاطي‪.‬‬ ‫‪ - 2‬سجن املتهم األول عشر سنوات وغرامة خمسني ألف درهم عن تهمة اجللب‪.‬‬ ‫‪ - 3‬سجن كل واحد من املتهمني الثاني والثالث والرابع أربع سنوات عن تهمة‬ ‫التعاطي‪.‬‬ ‫‪ - 4‬إلزام كل واحد من املتهمني جميعا بدفع ألف درهم غرامة عن تهمتي دخول‬ ‫البلد من غير األماكن املصرح بها قانونا وبدون جواز سفر أو تأشيرة دخول‪.‬‬ ‫‪ - 5‬مصادرة كمية احلشيش املضبوطة بحوزة املتهم األول‪.‬‬ ‫‪ - 6‬إبعاد جميع املتهمني بعد تنفيذ العقوبة املقررة بحق كل منهم‪.‬‬ ‫استأنف املتهم األول الطاعن لدى محكمة استئناف الفجيرة باالستئناف‬ ‫‪ . 2001/397‬وفي جلستها بتاريخ ‪ 2001/7/2‬قضت محكمة االستئناف بقبول‬ ‫االستئناف شكال ً وفي املوضوع بتعديل احلكم املستأنف بالنسبة للمتهم األول‬ ‫مبعاقبته بالسجن مدة عشر سنوات وغرامة خمسني ألف درهم عن التهمتني األولى‬ ‫‪140‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫( حاز وأحرز مادة مخدر احلشيش ) والثانية ( جلب مادة مخدر احلشيش ) وبالسجن‬ ‫أربع سنوات عن التهمة الثالثة ( تعاطى مادة مؤثرة بالفعل التتراهيدروكنابتول )‪،‬‬ ‫وتأييده فيما عدا ذلك ‪.‬‬ ‫تقدم الطاعن من محبسه بطلب ندب محام له وأودع الطاعن بواسطة محاميه‬ ‫املنتدب الطعن املالي بطلب النقض واإلحالة وتقدمت النيابة العامة مبذكرة بقبول‬ ‫الطعن شكال ً ورفضه موضوعاً‪.‬‬ ‫وحيث إن الطاعن ينعي على احلكم املطعون فيه بالتناقض بني وقائع وحيثيات‬ ‫احلكم املطعون فيه‪ ،‬والقضاء خالفا ً للثابت باألوراق مما يجعله فاقدا ً لألساس‬ ‫القانوني‪ ،‬ذلك أن احلكم املطعون فيه قد أدان الطاعن بجلب املواد اجملدرة على أساس‬ ‫أن قصده من جلبها بات قصدا ً مجردا ً من كل القصود اﶈددة قانونا بالرغم من‬ ‫متسك الطاعن بأن قصده من اجللب هو االستعمال الشخصي‪ ،‬وقد ثبث باألوراق أن‬ ‫محكمة أول درجة قد حتقق لديها قصد اجللب بقصد االستعمال الشخصي‪ ،‬مما‬ ‫يكون معه احلكم املطعون فيه قد استند إلى دعامة غير صحيحة إذ خلت األوراق‬ ‫من الدليل اليقيني على هذا القصد‪ ،‬مما يعيبه باخلطأ في اإلسناد ومخالفة الثابت‬ ‫باألوراق مما يستوجب النقض‪ ،‬وحيث إن هذا النعي غير سديد‪ ،‬ذلك أنه من املقرر في‬ ‫قضاء هذه اﶈكمة أن حتصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها واستخالص‬ ‫احلقيقة منها ومن كافة الشواهد والدالئل والقرائن هو من سلطة محكمة‬ ‫املوضوع متى كان حتصيلها سائغا ً له أصله الثابت في األوراق وال مخالفة فيه‬ ‫للقانون ويكفي حلمل قضائها ‪.‬‬ ‫ملا كان ذلك وكان احلكم املطعون فيه قد أدان الطاعن بتهمة جلب اجملدر من إيران‬ ‫بناء على اعتراف الطاعن نفسه وشهادة الشهود الذين شاهدوه يلقي بحرز اجملدرات‬ ‫وقت ضبطه وشهادة مرافقيه من املتهمني وهي أدلة سائغة لها أصلها في األوراق‪.‬‬ ‫كما أن محكمة املوضوع مبا لها من سلطة في استخالص احلقيقة من كافة األدلة‬ ‫املطروحة في الدعوى قد توصلت –بحق‪ -‬في حدود سلطتها التقديرية إلى أن حجم‬ ‫الكمية ا ملضبوطة تتجاوز احلد املعقول لغرض االستعمال الشخصي مقررة أنها‬ ‫تلتفت عن دفاع الطاعن من أنه جلب احلشيش املضبوط من إيران بقصد استعماله‬ ‫الشخصي‪ ،‬ذلك أن األوراق خلت من الدليل اليقيني على توافر ذلك القصد ومن ثم‬ ‫فإن قصد الطاعن من جلب مخدر احلشيش قد بات قصدا عاما مجردا من كل‬ ‫القصود اﶈددة قانونا ً ‪.‬‬ ‫وهذا تقدير سائغ من محكمة املوضوع ليس فيه مخالفة للقانون وال يعدو النعي أن‬ ‫يكون جدال ً موضوعيا ً‪ ،‬فيما ﶈكمة املوضوع سلطة فهمه وتقدير أدلته مما ال ﲡوز‬ ‫إثارته أمام هذه اﶈكمة‪ ،‬مما يستوجب رفضه ‪.‬‬ ‫وحيث إن الطاعن ينعي على احلكم املطعون فيه بالسبب الثاني وهو عدم اختصاص‬ ‫محكمة الفجيرة بنظر الدعوى لكون جرمية تعاطي اجملدرات وقعت خارج الدولة ولم‬ ‫حتدد النيابة العامة مكان اجلرمية وخلصت محكمة االستئناف إلى أن اجلرمية وقعت‬ ‫خارج الدولة إال أنها لم تقض بعدم اختصاصها‪ ،‬مما يعيب حكمها بالقصور في‬ ‫التسبيب ومخالفة القانون ويوجب نقضه" ‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪141‬‬


‫وقد رأت اﶈكمة هنا‪ ،‬وبحق‪ ،‬انعقاد االختصاص ﶈاكم الدولة تأسيسا ً على وجود‬ ‫ارتباط ال يقبل التجزئة بني جرمية حيازة مواد مخدرة داخل الدولة وبني جرمية‬ ‫التعاطي خارج الدولة وهو ما يقتضي أن تقوم بالفصل فيهما محكمة واحدة‪.36‬‬ ‫وقد جاءت حيثيات احلكم على الوجه التالي‪:‬‬ ‫"وحيث إن هذا النعي أيضا غير سديد‪ ،‬ذلك أنه من املقرر في قضاء هذه اﶈكمة أنه‬ ‫وإن كان األصل املقرر في املادة ‪ 142‬من قانون اإلجراءات اجلزائية االحتادي أن االختصاص‬ ‫يتعني باملكان الذي وقعت فيه اجلرمية‪ ،‬إال انه إذا كانت اجلرميتان مرتبطتني ارتباطا ال‬ ‫يقبل التجزئة فإنه يكون من املتعني أن تقوم بالفصل فيهما محكمة واحدة منعا ً‬ ‫من تضارب األحكام وحلسن سير العدالة‪ .‬ملا كان ذلك وكان الثابت من األوراق أن‬ ‫الطاعن قد أقر بتعاطيه اجملدر الذي ظهر أثره في بوله خارج الدولة إال أنه ينعقد‬ ‫االختصاص ﶈاكم الدولة بنظر الدعوى بالنسبة له على سند من قيام االرتباط‬ ‫الذي ال يقبل ا لتجزئة بني هذه التهمة وتهمة ضبط اجملدر في حيازته داخل الدولة‪،‬‬ ‫وهو ما يكفي حلمل قضاء احلكم املطعون فيه في هذا اخلصوص أيا ً ما كان وجه‬ ‫الرأي فيما قرره احلكم من أن أثر التعاطي قد ظهر داخل الدولة وتطبيقه املادة ‪16‬‬ ‫من قانون العقوبات باختصاص محاكم اإلمارات بنظر الدعوى لتحقق نتيجة‬ ‫التعاطي باخلارج بها‪ ،‬وملا كان من حق اﶈكمة العليا أن تصحﺢ األسباب القانونية‬ ‫التي أقام احلكم عليها قضاءه دون أن تنقضه ومن ثم فإن النعي يكون غير قائم‬ ‫على أساس متعني الرفض‪ ...‬وملا تقدم يتعني رفض الطعن‪.37‬‬ ‫املطلب الثالث‬ ‫موقف قضاء اﶈكمة االحتادية العليا من التعاطي خارج الدولة‬ ‫ياتي قضاء اﶈكمة االحتادية العليا ليراقب تطبيق القانون بوصفها الهيئة القضائية‬ ‫العليا فى الدولة‪ ،‬بحسب االختصاص الوارد في دستور الدولة‪ ،‬والقانون االحتادي رقم‬ ‫( ‪ ) 10‬لسنة ‪ 1973‬في شأن اﶈكمة االحتادية العليا‪ .‬وﲟراجعة قضاء اﶈكمة يظهر‬ ‫أن اﶈكمة قد أوضحت رأيها بتاريخ ‪ 1998 /5/2‬في شأن التعاطي خارج الدولة‪،‬‬ ‫باعتبار أن ما اجتهت إليه بعض اﶈاكم في انعقاد االختصاص وطنيا ً في جرمية‬ ‫التعاطي ملكان أخذ العينة من املتهم وظهور إيجابيتها للمخدر فقد اعتبرته‬ ‫اﶈكمة االحتادية العليا‪ -‬وبحق ‪ -‬خلطا بني النتيجة واألثر الناجت عن اجلرمية بقولها‪:‬‬ ‫" ملا كان نص املادة ‪ 142‬من قانون اإلجراءات اجلزائية‪" 1992/35‬أنه يتعني االختصاص‬ ‫باملكان الذي وقعت فيه اجلرمية" ومفاد هذا النص أن االختصاص بنظر الدعوى‬ ‫اجلنائية ينعقد للمحكمة التي تقع اجلرمية في دائرتها‪ .‬ونص املادة ‪ 2/16‬من قانون‬ ‫العقوبات االحتادي ‪" 1987/3‬تعتبر اجلرمية مرتكبة في إقليم الدولة إذا وقع فيها فعل‬ ‫‪ - 36‬من الدفوع املتعلقة باالختصاص في جرائم اجملدرات ‪ -1 ،‬الدفع بعدم االختصاص الشخصي‪ -2 .‬الدفع بعدم االختصاص‬ ‫النوعي‪ -3 .‬الدفع بعدم االختصاص الوالئي‪ -4 .‬الدفع بعدم االختصاص الوظيفي‪ .‬راجع‪ :‬د‪ .‬حامد الشريف‪ ،‬نظرية الدفوع في‬ ‫اجملدرات‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،1998 ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪ 17‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ - 37‬اﶈكمة االحتادية العليا‪ ،‬األحكام اجلزائية‪ ،‬الطعن رقم ‪ 356 :‬لسنة ‪ 23‬قضائية بتاريخ ‪.2004 / 1 / 10‬‬

‫‪142‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫من األفعال املكونة لها‪ ،‬أو إذا حتققت فيها نتيجتها أو كان يراد أن تتحقق فيها‪.‬‬ ‫ومفاد هذا النﺺ أن االختصاص ينعقد ﶈاكم الدولة بنظر اجلرائم التي تقع خارج‬ ‫إقليم الدولة بتوافر أحد أركان ثالثة‪:‬‬ ‫‪ -1‬وقوع فعل في الدولة من األفعال املكونة للجرمية‪.‬‬ ‫‪ -2‬حتقق نتيجة اجلرمية في الدولة ‪.‬‬ ‫‪ -3‬إرادة حتقق نتيجة اجلرمية في الدولة‪.‬‬ ‫ملا كان ذلك‪ ،‬وكان الثابت أن الطاعن دفع بعدم اختصاص محاكم أبوظبي بنظر‬ ‫الدعوى املرفوعة ضده‪ ،‬لوقوعها خارج إقليم الدولة‪ ،‬وأن محاكم سلطنة عمان هي‬ ‫اجملتصة لوقوعها في إقليم سلطنة عمان‪ ،‬فانتهى احلكم فيه إلى رفض دفعه على‬ ‫سند من أن "نتيجة التحليل أثبتت وجود مخدر احلشيش في العينة املأخوذة من بول‬ ‫الطاعن‪ ،‬وأن العينة أخذت بدولة اإلمارات فهي اجملتصة‪ ،‬ألن جرمية التعاطي‪ ،‬وإن‬ ‫كانت متت في عمان إال أن نتيجتها‪ ،‬وهي أثر التعاطي قد حتقق في أبوظبي ‪ ،‬وإذ‬ ‫متسك الطاعن بهذا الدفع في مرحلتي التقاضي‪ ،‬فمما ال جدال فيه أن جرمية‬ ‫التعاطي وقتية تنتهي بانتهاء فعل التعاطي‪ ،‬فيتعني النعقاد االختصاص حتديد‬ ‫املكان الذي وقعت فيه"‪.‬‬ ‫إن مت التعاطي خارج الدولة‪ ،‬فإنه ال يبقى للمحكمة اختصاص بنظر الدعوى في‬ ‫جرمية وقتية تنتهي بانتهاء ارتكابها‪ .‬كما أن وجود أثر اجملدر في بول املتعاطي‪ ،‬إن صح‬ ‫دليال ً على إثبات التعاطي‪ ،‬فهو ليس دليال ً على مكان ارتكابها‪ ،‬ومن ثم يكون تعيني‬ ‫مكان اجلرمية ذا أهمية في حتديد االختصاص اﶈلي أو الدولي‪".‬‬ ‫ونحن نشارك اﶈكمة في هذا القضاء السديد باعتبار أن هناك فارقا بني األثر‬ ‫والنتيجة في التعاطي؛ فالنتيجة في رأينا هي ما أراد املتعاطي احلصول عليه من‬ ‫تعاطي أو استعمال املادة اجملدرة أو املؤثر العقلي املتمثل في حالة التخدير أو حالة‬ ‫االنبساط أو حالة ذهاب العقل كنتائج لفعل التعاطي أو االستعمال‪ .‬أما األثر فهو‬ ‫ما تخلف عن ارتكاب اجلرمية وفقا ً ملا سلف بيانه‪.‬‬ ‫ومما تنبغي اإلشارة إليه في هذا الصدد‪ ،‬أنه على الرغم من أن قضاء اﶈكمة االحتادية‬ ‫العليا قد بني األمر في قضائه بتاريخ ‪ ،1998 /5 /2‬إال أن النيابة العامة وبعض‬ ‫القضاء الزال يتداول قضايا التعاطي خارج الدولة باعتبارها تدخل في والية‬ ‫واختصاص القضاء الوطني‪ ،‬وهو ما أشرنا إلى مثال له في مستهل هذا البحث‬ ‫واملتمثل في الطعن رقم ‪ 343‬لسنة‪ 2011‬قضائية‪ ،‬والذي صدر حكم اﶈكمة‬ ‫االحتادية العليا فيه بتاريخ ‪ .2012 / 5 /1‬مما ميثل عبئا ً قضائيا ً على اجلهات ذات‬ ‫الصلة‪ ،‬سوا ًء كانت النيابة العامة أو قضاء اﶈاكم مبختلف درجاته‪ .‬خاصة وأن‬ ‫القانون االحتادي رقم ( ‪ ) 10‬لسنة ‪ 1973‬في شأن اﶈكمة االحتادية العليا قد نﺺ في‬ ‫املادة ‪ 13‬منه على أنه "يكون للمحكمة العليا مكتب فني يؤلف من رئيس وعدد‬ ‫كاف من األعضاء يختارون من بني رجال القضاء أو أعضاء النيابة العامة أو أعضاء‬ ‫دائرة الفتوى والتشريع والقضايا أو غيرهم من املشتغلني باألعمال القانونية التى‬ ‫تعتبر نظيرا للعمل فى القضاء‪ .‬ويجوز عند الضرورة شغل تلك الوظائف عن طريق‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪143‬‬


‫االستعارة من بني قضاة الهيﺌات القضائية اﶈلية باإلمارات األعضاء فى االحتاد أو من‬ ‫رجال القانون من الدول العربية ممن تتوفر فيهم اخلبرة والكفاءة الالزمة‪.‬‬ ‫ويكون إحلاق رئيس املكتب وأعضائة الفنيني بطريق الندب أو االستعارة على حسب‬ ‫األحوال‪ ،‬وذلك بقرار من وزير العدل بناء على ترشيﺢ رئيس اﶈكمة وبعد موافقة‬ ‫اجلهات ذات الشأن التي يتبعها العضو املنتدب أو املعار‪ .‬ويلحق باملكتب الفني عدد‬ ‫كاف من املوظفني‪" .‬‬ ‫وقد وضحت املادة ‪ 14‬من القانون نفسه اختصاصات املكتب الفني بقولها‪:‬‬ ‫"يتولي املكتب الفني األمور اآلتية‪:‬‬ ‫‪ -1‬استخالص القواعد القانونية التي تقررها اﶈكمة العليا فيما تصدره من أحكام‬ ‫وتبويبها وفهرستها بحيث يسهل الرجوع اليها‪.‬‬ ‫‪ -2‬اإلشراف على نسخ هذه األحكام وطبعها فى مجموعات ونشرها‪.‬‬ ‫‪ -3‬إعداد البحوث الفنية التي يطلبها رئيس اﶈكمة أو إحدى دوائرها‪.‬‬ ‫‪ -4‬اإلشراف على جداول اﶈكمة وقيد القضايا والطعون والطلبات بها‪.‬‬ ‫‪ -5‬سائر املسائل التي يحيلها عليه رئيس اﶈكمة‪".‬‬ ‫لذا فﺈن توجه اﶈكمة االحتادية العليا في التفرقة بني األثر والنتيجة ﲟا من شأنه‬ ‫عدم والية القضاء الوطني جلرائم تعاطي اجملدرات التي تقع خارج الدولة‪ ،‬ينبغي أن‬ ‫يكون من بني ما يتواله املكتب الفني للمحكمة‪ ،‬ضمن ما يأتي في أولى اختصاصاته‬ ‫من استخالص القواعد القانونية التي تقررها اﶈكمة العليا فيما تصدره من أحكام‬ ‫وتبويبها وفهرستها بحيث يسهل الرجوع اليها لكي يجنب النيابة العامة ودوائر‬ ‫القضاء جهود التحقيق واﶈاكمة في جرمية وقعت وانتهت خارج الدولة‪.‬‬

‫النتائج والتوصيات‬ ‫استعرضت بني صفحات هذا البحث مسألة اختصاص القضاء الوطني بجرائم تعاطي املواد‬ ‫اجملدرة واملؤثرات العقلية خارج الدولة‪ ،‬وبينت فيه حتريك الدعوى اجلزائية من قبل النيابة‬ ‫العامة ضد ذلك املتعاطي باعتباره متهما بجرمية التعاطي التي ينظم أحكامها القانون‬ ‫االحتادي رقم ‪ 14‬لسنة ‪ 1995‬في شأن املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية واملعدل بالقانون االحتادي‬ ‫رقم ‪ 1‬لسنة ‪ .2005‬وانتهيت فيه‪ ،‬بعد بيان رأي الفقه والقضاء‪ ،‬إلى عدم اختصاص محاكم‬ ‫الدولة بجرائم التعاطي خارج الدولة استنادا ً إلى إيجابية العينة املأخوذة من املتهم مع عدم‬ ‫اعتبار أنها نتيجة للجرمية ينعقد بها اختصاص محاكم الدولة‪.‬‬ ‫بعد هذا العرض ميكننا أن نخرج بالنتائج والتوصيات اآلتية‪:‬‬ ‫أوال ً‪ :‬أن جهات التحقيق ممثلة في النيابة العامة تقوم بتحريك ورفع الدعوى اجلزائية في شأن‬ ‫جرائم التعاطي خارج الدولة وهي تستند في ذلك إلى اعتبار أن نتيجة اجلرمية قد حتققت‬ ‫داخل الدولة بوجود اجملدر أو املؤثر العقلي بالعينة املأخوذة من املتهم سواء في بوله أو‬ ‫‪144‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫بتحليل الدم‪ ،‬باعتبار أن النتيجة وفقا ً لنص املادة ‪ 2/16‬من قانون العقوبات االحتادي ‪1987/3‬‬ ‫هي أحد موجبات االختصاص‪.‬‬ ‫ثانيا ً‪ :‬تباين موقف القضاء االبتدائي وقضاء االستئناف في شأن مسألة االختصاص الوطني‬ ‫بتلﻚ اجلرائم‪ ،‬على الرغم من صدور أحكام من اﶈكمة االحتادية العليا في ذلﻚ الشأن وكانت‬ ‫سابقة على نظر ذلﻚ القضاء والذي ينبﻐي مسايرته الﲡاه اﶈكمة العليا‪.‬‬ ‫ثالثا ً‪ :‬جرمية التعاطي هي من اجلرائم ذات األثر املمتد وهي بحسب التقسيم الثابت واملتعارف‬ ‫عليه من اجلرائم الوقتية التي تقع وتنتهي مبجرد ارتكابها‪.‬‬ ‫رابعا ً‪ :‬يجب على محاكم االستئناف ‪ -‬من خالل أحكامها ‪ -‬تصحيﺢ موقف اﶈاكم االبتدائية‬ ‫باعتبار أن الهدف من االستئناف ضمان إصالح ما قد يقع فيه قضاة الدرجة األولى من خطأ‬ ‫حينما ينظرون النزاع ثانية أمام قضاة أوسع علما ً وأكثر خبرة‪.‬‬ ‫خامسا ً‪ :‬يجب تفعيل اختصاص املكتب الفني للمحكمة االحتادية العليا في استخالص‬ ‫القواعد القانونية التي تقررها اﶈكمة العليا فيما تصدره من أحكام بشأن جرائم التعاطي‬ ‫خارج الدولة مبا يسهل الرجوع إليها واإلشراف على نسخ هذه األحكام وطبعها ونشرها‬ ‫بهدف األخذ بها في حتقيقات النيابة العامة وقضاء اﶈاكم االبتدائية ومحاكم االستئناف‪.‬‬

‫قائمة املراجع‬ ‫أ_ املراجع العامة واملتخصصة‪:‬‬ ‫** إبراهيم راسخ‪ ،‬اجملدرات وكيفية مواجهتها ‪ ، 2‬املواجهة التشريعية‪ ،‬الطبعة الثانية‪،1998 ،‬‬ ‫كلية شرطة دبي‪.‬‬ ‫** د‪ .‬أحمد عوض بالل‪ ،‬مبادئ قانون العقوبات املصري‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫بدون سنة نشر‪.‬‬ ‫** د‪ .‬أحمد شوقي عمر أبو خطوة‪ ،‬األحكام العامة لقانون العقوبات لدولة اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬شرطة دبي‪ ،‬الطبعة األولى ‪.1989‬‬ ‫** إدوارد غالي الذهبي‪ ،‬جرائم اجملدرات‪ ،‬مكتبة غريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1988 ،2‬‬ ‫** د‪ .‬حامد الشريف‪ ،‬نظرية الدفوع في اجملدرات‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،1998 ،‬القاهرة‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪145‬‬


‫** د‪ .‬حسني اجلندي‪ ،‬التشريعات اجلنائية اخلاصة في دولة اإلمارات العربية املتحدة ( معلقا ً‬ ‫عليها بالفقه وأحكام القضاء)‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬القانون رقم ‪ 14‬لسنة ‪ 1995‬وتعديالته‬ ‫بشان املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2009‬بدون ناشر‪.‬‬ ‫** د‪ .‬خليفة راشد الشعالي‪ ،‬شرح قانون العقوبات اإلماراتي‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬النظرية العامة‬ ‫للجرمية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،2008 ،‬بدون ناشر‪.‬‬ ‫** د‪ .‬رؤوف عبيد‪ ،‬شرح قانون العقوبات التكميلي ‪ :‬في جرائم اجملدرات ‪ -‬األسلحة‬ ‫والذخائر ‪ -‬التشرد ‪ -‬االشتباه ‪ -‬التدليس والغش – تهريب النقد ط ‪ ، 5‬منقحة طبقا‬ ‫آلخر التعديالت‪ .‬القاهرة ‪ :‬دار الفكر العربي ‪.1979 ،‬‬ ‫** د‪ .‬سمير عبد الغني‪،‬‬ ‫‪ -‬مبادئ مكافحة اجملدرات‪ ،‬دار الكتب القانونية مصر‪ ،‬ط‪.2009 1‬‬

‫ التعاون الدولي ملكافحة اجملدرات واملؤثرات العقلية والسالئف الكيميائية‪ ،‬دار الكتب‬‫القانونية‪ ،‬مصر ‪ ،‬الطبعة األولى‪.2011 ،‬‬ ‫** صالح الدين علي احلوالي‪ ،‬الركن املعنوي جلرائم اجملدرات واملؤثرات العقلية في القانون‬ ‫الليبي‪ ،‬دار شتات للنشر والبرمجيات‪ ،‬ط ‪.2011‬‬ ‫** املستشار عدلي خليل‪ ،‬الدفوع اجلوهرية في املواد اجلنائية‪ ،‬طبعة ‪ ،2005‬دار الكتب‬ ‫القانونية‪ ،‬مصر‪ ،‬اﶈلة الكبرى‪.‬‬ ‫** د‪ .‬علي أحمد راغب‪ ،‬اجملدرات‪ ،‬املشكلة واملواجهة‪ ،‬مطبعة كلية الشرطة املصرية‪2006 ،‬‬ ‫** د‪ .‬علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬نظرية اجلرمية‪،‬‬ ‫منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2008‬‬ ‫** د‪ .‬عمر السعيد رمضان‪ ،‬فكرة النتيجة في قانون العقوبات‪ ،‬مجلة القانون واالقتصاد‬ ‫س‪ 31‬سنة ‪. 1961‬‬ ‫السياسة اجلنائية ملكافحة اجملدرات‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬أكادميية الشرطة‬ ‫املصرية‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬القاهرة‪1992 ،‬‬ ‫** فتيحة قوراري وغنام محمد غنام‪ ،‬املبادئ العامة في قانون اإلجراءات اجلزائية االحتادي‪،‬‬ ‫معلقا ً عليه بأحكام اﶈكمة االحتادية العليا ومحكمة متييز دبي وفقا ً آلخر التعديالت‬ ‫بالقانون رقم ‪ 29‬لسنة ‪2005‬م‪.‬‬ ‫** د‪ .‬فوزية عبد الستار‪ ،‬شرح قانون اجملدرات‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.1990 ،‬‬ ‫** د‪ .‬كامل فريد السالك‪ ،‬قوانني اجملدرات اجلزائية‪ ،‬دراسة مقارنة لقوانني اجملدرات في أملانيا‬ ‫والبالد العربية على ضوء أبحاث علم اإلجرام والسياسة اجلنائية‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.2006 ،1‬‬

‫‪146‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫** د‪ .‬محمد حنفي محمود‪ ،‬املوسوعة الشاملة في شرح القانون اإلماراتي للمواد اجملدرة‬ ‫واملؤثرات العقلية‪ ،‬مكتبة دار احلقوق‪ ،‬الشارقة‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬الطبعة األولى‬ ‫‪.2002‬‬ ‫** محمد رمضان بارة‪ ،‬شرح أحكام قانون اجملدرات واملؤثرات العقلية الليبي وتعديالته‪ ،‬مطابع‬ ‫عصر اجلماهير‪ ،‬اخلمس‪.2003 ،‬‬ ‫** محمد زكي أبوعامر‪ ،‬اإلجراءات اجلنائية‪ ،‬منشورات احللبي القانونية‪ ،‬الطبعة األولى‪.2010 ،‬‬ ‫** د‪ .‬محمد زكي أبو عامر‪ ،‬سليمان عبد املنعم‪ ،‬قانون العقوبات اخلاص‪ ،‬منشورات احللبي‬ ‫احلقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.2006 ،‬‬ ‫** د‪ .‬محمد فتحي عيد‪ ،‬جرمية تعاطي اجملدرات في القانون املصري والقانون املقارن‪ ،‬رسالة‬ ‫دكتوراه‪ ،‬كلية احلقوق جامعة القاهرة‪ ،‬دار لوتس للطباعة‪.1981 ،‬‬ ‫** د‪ .‬محمود مصطفى‪ ،‬أصول قانون العقوبات في الدول العربية‪ ،‬الطبعة الثانية‪.1983 ،‬‬ ‫ب_ التشريعات ‪.‬‬ ‫** قانون العقوبات االحتادي رقم ‪ 3‬لسنة ‪.1987‬‬ ‫** قانون احتادي رقم (‪ )34‬لسنة ‪2005‬م بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون‬ ‫االحتادي رقم (‪ )3‬لسنة ‪1987‬م‬ ‫** قانون اإلجراءات اجلزائية االحتادي رقم ‪ 35‬لسنة ‪.1992‬‬ ‫** قانون احتادي رقم (‪ )35‬لسنة ‪2006‬م بتعديل بعض أحكام قانون اإلجراءات اجلزائية الصادر‬ ‫بالقانون االحتادي رقم (‪ )35‬لسنة ‪1992‬م‬ ‫** القانون االحتادي رقم ‪ 14‬لسنة ‪ 1995‬في شأن املواد اجملدرة واملؤثرات العقلية‪.‬‬ ‫** قانون احتادي رقم (‪ )1‬لسنة ‪ 2005‬بتعديل بعض أحكام القانون االحتادي رقم (‪ )14‬لسنة‬ ‫‪1995‬م في شأن مكافحة املواد اجملدرة‪.‬‬ ‫ج_ أحكام القضاء اإلماراتي ‪.‬‬ ‫** اﶈكمة االحتادية العليا‪ ،‬األحكام اجلزائية‪ ،‬الطعن رقم ‪ 356 :‬لسنة ‪ 23‬قضائية بتاريخ ‪/ 10‬‬ ‫‪.2004 / 1‬‬ ‫** اﶈكمة االحتادية العليا ‪ -‬األحكام اجلزائية‪ ،‬الطعن رقم ‪ 343‬لسنة‪ 2011‬قضائية بتاريخ ‪/1‬‬ ‫‪.2012 / 5‬‬ ‫** اﶈكمة االحتادية العليا – األحكام اجلزائية ‪ ،‬مج األحكام س ‪ 20‬ق ‪ 25‬جلسة ‪1989 / 5 /2‬‬ ‫ص ‪.130‬‬ ‫** حكم اﶈكمة االحتادية العليا‪ ،‬األحكام اجلزائية‪ ،‬الطعن رقم ‪ 69‬لسنة ‪ 24‬قضائية‬ ‫جلسة‪.2003-12-20‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪147‬‬


‫‪148‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬العدد الرابع‪ :‬رمضان ‪1436‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2014‬م‬


‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪149‬‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.