مجلة العلوم القانونية

Page 1

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬

‫‪Email: lawmagazine@ajman.ac.ae‬‬

‫مجلة إلكترونية دورية علمية محكمة تعنـــــي بالدراسات الشرعية والقانونية واالقتصاديـــــة‬

‫• المسؤولية العقدية للناقل الجوي عن سالمة المسافرين وفقا التفاقية مونتريال ‪ 1999‬بشأن‬ ‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬ ‫ ‬ ‫توحيد بعض قواعد النقل الجوي الدولي (دراسة مقارنة )‬ ‫• حظر إساءة استعمال المركز التجاري المهيمن في النظام القانوني األوروبي‪ ،‬دراسة تحليلية‬ ‫د‪ .‬محمود فياض ‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬ ‫لنص المادة (‪ )102‬من اتفاقية االتحاد األوروبي ‬ ‫• الطابع الخاص لمسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع المشحونة على سطح السفينة‬ ‫(دراسة مقارنة )‬

‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫• تنظيم الحماية الدولية لحقوق األســــــرة بين الخصوصية والعالمية‬ ‫د‪ .‬وسام نعمت السعدي‬

‫• التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع المعامالت عند القرافي‬ ‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫• دور األمم المتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬ ‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫ ‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪law.ajman.ac.ae‬‬

‫الترقيم الدولي‪ISBN978 – 9948 – 15 – 966 - 7 :‬‬

‫(نصف سنوية)‬

‫مجلة العلوم القانونية‬



‫مجلة العلوم القانونية ‪ -‬مجلة علمية إلكترونية دورية محكمة‬ ‫(نصف سنوية) تقبل النشر باللغات العربية واإلجنليزية والفرنسية‪،‬‬ ‫ترمي إلى اإلسهام في تطوير املعرفة ونشرها‪ ،‬وذلك بنشر البحوث‬ ‫والدراسات الشرعية والقانونية واالقتصادية‪ ،‬وتعتبر اجمللة سجال ً وثائقيا ً‬ ‫للبحوث والدراسات الشرعية والقانونية واالقتصادية‪.‬‬

‫الهيئة االستشارية للمجلة‬

‫القاضي الدكتور ‪ /‬عبد الوهاب عبدول‬ ‫رئيس احملكمة االحتادية العليا – اإلمارات‬

‫معالي األستاذ الدكتور ‪ /‬أحمد جمال الدين موسى‬ ‫أستاذ االقتصاد بكلية احلقوق ‪ -‬جامعة املنصورة‬ ‫وزير التعليم املصري األسبق‬

‫األستاذ الدكتور ‪ /‬رفعت العوضي‬

‫رئيس مكتب هيئة اإلعجاز العلمي بالقاهرة التابع ملنظمة املؤمتر‬ ‫اإلسالمي ‪ -‬أستاذ االقتصاد بكلية التجارة ‪ -‬جامعة األزهر‬

‫األستاذ الدكتور ‪ /‬محمد املرسي زهرة‬

‫أستاذ القانون املدني بكلية احلقوق ‪ -‬جامعة عني شمس‬ ‫العميد األسبق لكلية الشريعة والقانون‬ ‫جامعة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫األستاذ الدكتور ‪ /‬جاسم الشامسي‬ ‫العميد السابق لكلية القانون‬ ‫جامعة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫القاضي الدكتور ‪ /‬جمال السميطي‬ ‫مدير عام معهد دبي القضائي‬


‫أهداف اجمللة‪ :‬تسعى جملة العلوم القانونية إىل حتقيق عدة‬ ‫أهداف‪ ،‬أهمها‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعميق املعرفة بأحكام الشريعة اإلسالمية والتشريعات القانونية واإلقتصادية على املستويني احمللي‬ ‫واإلقليمي‪.‬‬ ‫‪ -2‬تنمية القدرة على البحث القانوني لدى املشتغلني بالقانون داخل الدولة وخارجها‪.‬‬ ‫‪ -3‬التعاون مع كليات القانون والشريعة واحلقوق على املستوى احمللي واإلقليمي والدولي‪.‬‬ ‫‪ -4‬تدعيم التواصل مع كافة األجهزة احلكومية والهيئات واملؤسسات العامة واخلاصة العاملة في اجملال‬ ‫القانوني‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقدمي العون للجهات القضائية من خالل التعليق على األحكام واملبادئ القضائية وحتليلها‪.‬‬

‫اهتمامات اجمللة‪ :‬تعنى اجمللة بنشر ما يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬البحوث العلمية الرصينة في مجاالت التخصص‪.‬‬ ‫‪ -2‬البحوث والدراسات املعنية بالفقه االسالمي‪.‬‬ ‫‪ -3‬البحوث والدراسات النقدية التي تتصل باإلصدارات في مجاالت التخصص التي تعنى بها اجمللة‪.‬‬ ‫‪ -4‬البحوث والدراسات العلمية املعنية مبعاجلة املشكالت املعاصرة والقضايا املستجدة في مجال الشريعة‬ ‫والقانون واإلقتصاد‪.‬‬ ‫‪ -5‬البحوث والدراسات العلمية التي تسهم في رقي اجملتمع حضاريا ً واحملافظة على هويته العربية واإلسالمية‪.‬‬

‫قواعد النشر يف اجمللة‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعهد من الباحث بأن البحث لم يسبق نشره وأنه يلتزم باملبادرة بإخطار اجمللة في حالة تقدمي البحث للنشر‬ ‫في مجلة أخرى طاملا لم تبد اجمللة رأيها ‪ -‬بعد ‪ -‬في البحث‪.‬‬ ‫‪ -2‬ال يجوز نشر البحث في مجلة أخرى (أو مؤمتر أو ندوة علمية أو بأي وسيلة أخرى) بعد قبوله للنشر في اجمللة‬ ‫إال ّ بعد احلصول على إذن كتابي من مدير التحرير‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن يلتزم الباحث املنهجية العلمية والتوثيق العلمي ملادة البحث ‪ ،‬وأن يتسم البحث باألصالة واإلضافة‬ ‫للمعرفة القانونية‪.‬‬ ‫‪ -4‬أال يكون البحث مستال ً من رسالة علمية (ماجستير أو دكتوراه) نال بها الباحث درجة علمية‪ ،‬أو منشورا من‬ ‫قبل على أي صورة من صور النشر‪.‬‬ ‫‪ -5‬أال يتجاوز حجم البحث خمسني صفحة إال ّ إذا اقتضى ذلك احلفاظ على وحدة البحث‪.‬‬ ‫‪ -6‬على الباحث أن يختتم بحثه بخامتة يبني فيها أهم النتائج التي توصل إليها‪ ،‬وكذلك التوصيات التي يراها‪.‬‬ ‫‪ -7‬تقدم البحوث مطبوعة بخط ‪ Simplified Arabic‬وتكتب العناوين الرئيسة والفرعية باخلط األسود العريض‬ ‫بحجم (‪ ، )16‬وحجم (‪ )14‬للنصوص في املنت‪ ،‬وبحجم (‪ )12‬للهوامش في أسفل كل صفحة‪ ،‬ويكتب البحث‬ ‫على وجه واحد‪ ،‬مع ترك مسافة ‪ 1.5‬بني السطور‪ .‬وينبغي مراعاة التصحيح الدقيق في جميع النسخ‪.‬‬ ‫‪ -8‬تكون احلواشي ‪ 2.5‬سم على جوانب الصفحة األربعة‪.‬‬ ‫‪ -9‬أن يراعي في التهميش والترقيم والتواريخ وذكر املراجع واملؤلفني اآلتي‪:‬‬ ‫أ‌‪ .‬أن تكون اإلشارة إلى صفحات املصادر واملراجع في الهامش وليس في صلب البحث‪.‬‬ ‫ب‌‪ .‬أن ترقم هوامش كل صفحة على حده‪ ،‬ويراعي في الترقيم األرقام املتعارف عليها في األسلوب العربي‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫ت‪ .‬عند ذكر األعالم واملؤلفني يذكر اسم الشخص أوال ثم اسم أبيه وجده ثم لقبه‪.‬‬ ‫‌‬ ‫ث‌‪ .‬تثبت املصادر واملراجع العلمية ومؤلفوها في نهاية البحث بالترتيب الهجائي‪ ،‬مع بيانات الطباعة‬ ‫والنشر‪.‬‬ ‫‪ -10‬يقدم البحث في نسخة إلكترونية مع مراعاة التدقيق اللغوي‪.‬‬ ‫‪ -11‬يقدم الباحث موجزا ً لسيرته العلمية في حدود عشرة سطور في صفحة مستقلة‪ ،‬تتضمن‪ :‬االسم‪ ،‬وجهة‬ ‫عمله‪ ،‬ورتبته العلمية‪ ،‬وأهم أبحاثه‪ ،‬مع صورة شخصية حديثة‪ ،‬وملخص للبحث في حدود ‪ 500‬كلمة‬ ‫باللغتني العربية واإلجنليزية‪.‬‬ ‫‪ -12‬يتم عرض البحث ‪ -‬على نحو سري – على محكمني من ذوي الكفاءة ممن يقع عليهم اختيار اجمللة‪.‬‬ ‫‪ -13‬تخطر اجمللة أصحاب البحوث املقدمة مبوقفها من نشر بحوثهم على النحو التالي‪:‬‬ ‫أ‌‪ .‬يخطر أصحاب البحوث الواردة بوصولها إلى اجمللة خالل أسبوع من تاريخ الوصول‪.‬‬ ‫ب‪ .‬يخطر أصحاب البحوث املقبولة بإجازة بحوثهم للنشر‪.‬‬ ‫‌‬ ‫ت‌‪ .‬في حالة وجود مالحظات على البحث‪ ،‬يعاد البحث لصاحبه الستيفاء هذه املالحظات ليكون صاحلا ً‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -14‬يعتذر للباحث الذي لم توافق جلنة احملكمني على نشر بحثه دون االلتزام بإبداء األسباب‪.‬‬ ‫‪ -15‬أصول البحوث املقدمة للمجلة ال ترد سوا ًء نشرت أو لم تنشر‪.‬‬ ‫‪ -16‬ما ينشر في اجمللة من آراء تعبر عن أفكار أصحابها وال متثل بالضرورة رأي اجمللة أو اجلامعة‪.‬‬ ‫‪ -17‬مينح الباحث نسخة إلكترونية حتتوي على‪ :‬بحثه املنشور‪ ،‬والعدد الذي نشر فيه البحث كامالً‪ ،‬كل في ملف‬ ‫مستقل‪.‬‬ ‫‪ -18‬توجه جميع املراسالت باسم عميد كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬على البريد‬

‫اإللكتروني اآلتي‪lawmagazine@ajman.ac.ae :‬‬ ‫األشياء املطلوب تسليمها‪:‬‬ ‫‪ -1‬طلب بنشر البحث‪.‬‬

‫‪ -2‬تقدم البحوث وجميع املراسالت إلكترونية من خالل البريد اإللكتروني املبني ‪.‬‬ ‫ص‪ .‬ب‪ 346 :.‬عجمان‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬هاتف‪ +971 6 705 6131 :‬أو ‪+971 6 705 6441‬‬ ‫فاكس‪ ،+971 6 705 6270 :‬البريد اإللكتروني‪lawmagazine@ajman.ac.ae :‬‬

‫‪law.ajman.ac.ae‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪5‬‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫كلمة العدد‬ ‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على رسوله الصادق األمني وعلى جميع‬ ‫األنبياء واملرسلني‪ ،‬وبعد‪،،،‬‬ ‫تقدم كلية القانون بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا إصدارها الثاني من‬ ‫«مجلة العلوم القانونية» وهي مجلة علمية إلكترونية دورية محكمة (نصف سنوية)‬ ‫تقبل النشر باللغات العربية واإلجنليزية والفرنسية‪ ،‬وتعنى بنشر البحوث والدراسات‬ ‫الشرعية والقانونية واالقتصادية‪.‬‬ ‫ويتضمن العدد الثاني من اجمللة ستة بحوث باللغة العربية‪ ،‬تتوزع بني تخصصات‬ ‫الفقه اإلسالمي والقانون املدني والقانون التجاري والدولي العام‪.‬‬ ‫أول هذه البحوث جاء حتت عنوان «املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة‬ ‫املسافرين وفقا التفاقية مونتريال ‪ 1999‬بشأن توحيد بعض قواعد النقل اجلوي الدولي‬ ‫دراسة مقارنة» يبني من خالله الباحث شروط املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن‬ ‫سالمة املسافرين‪ ،‬من خالل استعراض نصوص اتفاقية مونتريال ‪ 1999‬بشأن توحيد بعض‬ ‫قواعد النقل اجلوي‪ ،‬التي جاءت غامضة‪ ،‬مما أدى لتعدد التفسيرات الفقهية والقضائية‬ ‫لها‪ ،‬وذلك في محاولة الستجالء هذا الغموض‪ .‬كما تناول أحكام هذه املسؤولية‪ ،‬من‬ ‫حيث بيان أساسها القانوني‪ ،‬والقواعد املوضوعية لها‪ ،‬وما استحدثته اتفاقية مونتريال‬ ‫سنة ‪ 1999‬من نصوص متعلقة بالدفعة املقدمة للتعويض‪ ،‬وفرض التأمني اإلجباري‬ ‫على الناقل اجلوي عن مسؤوليته جتاه املسافرين‪ ،‬ومزايا تلك املستجدات وما قد يعتريها‬ ‫من نقص‪ ،‬واقتراح ما يكمل هذا النقص‪ .‬كما تناول الباحث القواعد اإلجرائية ملسؤولية‬ ‫الناقل اجلوي‪ ،‬من حيث حتديد أطراف الدعوى‪ ،‬واحملكمة اخملتصة بنظرها‪ ،‬و مدة عدم سماع‬ ‫الدعوى‪.‬‬ ‫أما البحث الثاني فقد جاء حتت عنوان «حظر إساءة استعمال املركز التجاري‬ ‫املهيمن في النظام القانوني األوروبي دراسة حتليلية لنص املادة (‪ )102‬من اتفاقية‬ ‫االحتاد األوروبي» ويهدف البحث إلى بيان املعايير التي أقرها النظام القانوني األوروبي‬ ‫للحد من إساءة املشاريع التجارية ملركزها املهيمن أثناء ممارساتها التجارية في أسواق دول‬ ‫االحتاد‪ ،‬من خالل حتليل النصوص القانونية ذات العالقة (نص املادة ‪ 102‬من اتفاقية االحتاد‬ ‫األوروبي املعدلة)‪ ،‬واألحكام القضائية حملكمة العدل األوروبية وقرارات املفوضية األوروبية‬

‫‪6‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫لشؤون املنافسة وأخيرا ً االجتهادات الفقهية ذات العالقة‪ ،‬وذلك في ضوء التعديالت التي‬ ‫أقرها املشرع األوروبي على اتفاقية االحتاد األوروبي في العام (‪ .)2009‬وخلص فيه الباحث‬ ‫إلى أن الهيئات القضائية واإلدارية في مؤسسات االحتاد األوروبي تختبر مدى تعسف‬ ‫ممارسات املشروع التجاري محل البحث ملركزه املهيمن باختبار مدى تنافسية السوق‬ ‫من عدمه الذي يتم باختبار املكان الذي مورس فيه النشاط التجاري موضوع البحث‬ ‫للوصول إلى واقع تنافسية هذا السوق من عدمه‪ ،‬واختبار وجود الهيمنة السوقية لهذا‬ ‫املشروع التجاري الذي يتم باختبار املركز االقتصادي والقانوني للمشروع مرتكب الفعل‬ ‫وهل يهيمن هذا املشروع على النشاط التجاري في هذه السوق أم ال‪ ،‬وأخيرا ً اختبار مدى‬ ‫توافر نتيجة السلوك للحكم بوجود التعسف االستغاللي في التصرف موضوع البحث‬ ‫الذي يتم باختبار أثر السلوك التجاري محل البحث‪ ،‬وإلى أي مدى يتعارض مع أهداف‬ ‫ومتطلبات املنافسة العادلة والفعالة في أسواق دول االحتاد‪ ،‬وأظهرت الدراسة أن هذا‬ ‫احلظر يرد على أثر السلوك االستغاللي في حد ذاته وليس على هيمنة املشروع التجاري‬ ‫على السوق سواء كان السوق نوعيا ً أو جغرافياً‪ .‬هذا وقد أورد املشرع األوروبي عواقب‬ ‫وخيمة على من ميارس هذا السلوك التعسفي تبدأ بحظر هذا السلوك في مجمله‪،‬‬ ‫وفرض غرامات مالية عليه‪ ،‬وأخيرا ً تعويض كل من تضرر من هذا السلوك التعسفي‪.‬‬ ‫ويأتي البحث الثالث ليتناول موضوع « الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري‪ ‬عن‬ ‫نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة دراسة مقارنة» يهدف من خالله‬ ‫الباحث إلى إلقاء الضوء على مدى ضرورة التزام الناقل باحلصول على موافقة الشاحن‬ ‫من عدمه‪ ،‬في ظل الشحن على سطح السفن املتخصصة‪ ،‬وإلى إلقاء الضوء على‬ ‫مشكلة أخرى تتعلق بصعوبة إثبات مكان وقوع الضرر الذي يصيب البضائع‪ ،‬خاصة‬ ‫عندما يتم النقل في حاويات مغلقة ال يتم فتحها إال عند تسليم البضائع‪ ،‬حيث ينتهي‬ ‫األمر في كثير من األحوال إلى حتويل الناقل البحري إلى ضامن جلميع اخملاطر‪ .‬ويتعرض‬ ‫البحث إلى هذا املوضوع من خالل دراسة مقارنة بني القوانني الداخلية (املصري واإلماراتي‬ ‫والفرنسي) واالتفاقيات الدولية‪ ،‬في محاولة لتحليل النصوص القانونية املتعلقة بالنقل‬ ‫على سطح السفينة‪ ،‬وبيان تأثير تنفيذ النقل بهذه الصورة على مسئولية الناقل‪ .‬وقد‬ ‫خلص الباحث من خالل الدراسة إلى وجود اختالف كبير بني القوانني املذكورة‪ ،‬ففي حني‬ ‫يستبعد القانون البحري اإلماراتي‪ -‬شأنه شأن اتفاقية بروكسل للنقل البحري لسنة‬ ‫‪ - 1924‬من نطاق تطبيقه النقل على السطح الذي يتم مبوافقة الشاحن ويتم تنفيذه‬ ‫فعال ً بهذه الطريقة‪ ،‬مازال القانون البحري املصري – شأنه شأن اتفاقية هامبورج لسنة‬ ‫‪ - 1978‬يشترط موافقة الشاحن حتى في حالة الشحن على سطح السفن املتخصصة‪،‬‬ ‫في الوقت الذي أعفى فيه القانون البحري الفرنسي الناقل من احلصول على موافقة‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪7‬‬


‫الشاحن إذا مت النقل على سطح السفن املتخصصة‪ .‬وهو األمر الذي ينتج عنه تباين في‬ ‫مسئولية الناقل البحري في كل من هذه القوانني‪.‬‬ ‫وينقلنا البحث الرابع لدراسة موضوع «تنظيم احلماية الدولية حلقوق‬ ‫األســـــــــــرة بني اخلصوصية والعاملية» حيث تطورت اجلهود الدولية الرامية إلى‬ ‫تنظيم أوضاع احلماية الدولية لألسرة تطورا ً كبيرا ً وملحوظاً‪ ،‬وتزايد اهتمام املنظمات‬ ‫الدولية احلكومية وغير احلكومية بحقوق األسرة بشكل ينسجم مع تطور اخلطاب‬ ‫العاملي الذي جتسده الوثائق الدولية املنظمة لهذه احلقوق‪ ،‬ولكن يبقى ‪-‬وفي جميع‬ ‫األحيان‪ -‬ثمة مساحة مهمة ومتميزة للخصوصيات االجتماعية والثقافية والفكرية‬ ‫والدينية املتصلة بهذه احلقوق‪ ،‬هذه اخلصوصيات بات يدافع عنها الكثير من اخملتصني‬ ‫ألنها جتسد ضمانة أساسية لتنظيم متوازن ومنضبط حلقوق جوهرية متس أهم مكون‬ ‫للمجتمع آال وهي األسرة‪.‬‬ ‫أما البحث اخلامس فيتناول موضوع «التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي‬ ‫ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي» انطلق فيه الباحث من أن وضع‬ ‫األصول والفقه وقواعدهما في شكل ثنائيات متقابالت يعد منهجية شاملة كاملة ال‬ ‫لكتب الشهاب القرافي وحسب ولكن خملتلف أبواب العلوم واملعارف الطبيعية واللغوية‬ ‫واألصولية والفقهية‪ ،‬وأن التقابل والتداخل سمة من سمات نظم الكون التي فطره اهلل‬ ‫عليها في الطبيعة واللغات ومناهج التفكير عند البشر‪ ،‬ومن ثم فهي صفة للشريعة‬ ‫اإلسالمية في كل أبوابها من العقائد إلى األصول إلى األخالق إلى الشعائر‪ ،‬وهي حالة‬ ‫تصير مبوجبها األحكام الشرعية بني طرفني متناقضني أو متضادين أو مختلفني بينهما‬ ‫منطقة جتمع بعض خصائص الطرفني فيجعلها ذلك مناطا للمدح أو سببا لالختالف‪.‬‬ ‫وأهم ثمرات هذه النظرية – كما خلص إليها الباحث ‪ -‬أنها تفسر لنا بسهولة ويسر‬ ‫سبب اتفاق علماء اإلسالم‪ ،‬على مر العصور‪ ،‬وتختصر أسباب اختالفهم في سبب واضح‬ ‫جامع مانع ال يكاد يخرج عنه شيء من مسائل اخلالف‪ ،‬كما أنها تعتبر آلية لبيان مواقع‬ ‫علماء اإلسالم وأتباعه وقربهم أو بعدهم من الطرف أو من املركز‪ ،‬أو بعبارة أخرى بني‬ ‫اإلفراط والتفريط‪ ،‬الذين وقعت فيهما كل الفرق التي حادت عن الصواب قدميا وحديثا‬ ‫واجتهت في منهجها إلى الفكر اإلطالقي الذي ال يعتبر الثنائيات‪.‬‬ ‫بينما جاء البحث السادس واألخير حتت عنوان «دور األمم املتحدة في تعزيز حقوق‬ ‫كبار السن» حيث تكمن أهميته في الكشف عن اجلهود وطبيعة األدوار التي قامت‬ ‫بها منظمة األمم املتحدة سوا ًء التي تخص إقرار وتقنني النصوص اخلاصة بحقوق كبار‬ ‫السن وتخصيص املناسبات االحتفالية لهم أو التي تخص اآلليات التي قررتها على‬

‫‪8‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫مستوى أجهزتها والهيئات التي رصدتها لذلك أو على مستوى التفاعل مع األطراف‬ ‫املعنية األخرى ذات الشأن باملوضوع‪ ،‬فضال ً عن املبادرات التي اتخذتها املنظمة في طرح‬ ‫مشاكل املسنني والتحديات التي تقف في سبيل إعمال حقوقهم في املؤمترات العامة‬ ‫حلقوق اإلنسان أو اخلاصة بحقوق املسنني والشيخوخة‪ .‬ويطرح الباحث في النهاية عدة‬ ‫تساؤالت مفادها‪ :‬هل مارست األمم املتحدة دورها التعزيزي في هذا امليدان على الوجه‬ ‫املطلوب وهل حققت التأثير والتغيير الذي تسعى إليه في حياة املسنني خصوصاً‪ ،‬مع‬ ‫ارتفاع أعدادهم بشكل غير مسبوق في اآلونة األخيرة؟ وهل تكفي ما قامت به املنظمة‬ ‫في هذا الصدد لتقوم األطراف األخرى بأدوارها املوكلة إليها في هذا الصدد؟ ثم ماهية‬ ‫األدوار املستقبلية املنتظرة والتي تسعى املنظمة إلى القيام بها في هذا الشأن سوا ًء‬ ‫على املستوى الدولي أو الوطني‪ ،‬سيما بعد تعاظم حجم التحديات واملعوقات املطروحة‬ ‫ألسباب عديدة تأتي في مقدمتها األزمات املالية العاملية وضعف االهتمام مبشاكل كبار‬ ‫السن والنظرة االجتماعية غير املنصفة جتاههم في بعض اجملتمعات‪ ،‬وغيرها ‪...‬؟‬ ‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫* * *‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪9‬‬


‫احملتويات‬

‫المحتويات‬ ‫الصفحة‬

‫الموضوع‬

‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين وفقا التفاقية مونتريال ‪ 1999‬بشأن ‪11‬‬ ‫توحيد بعض قواعد النقل اجلوي الدولي (دراسة مقارنة )‬ ‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‪ ،‬دراسة حتليلية‬ ‫لنص املادة (‪ )102‬من اتفاقية االحتاد األوروبي‬

‫‪55‬‬

‫د‪ .‬محمود فياض ‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة ‪103‬‬ ‫(دراسة مقارنة )‬ ‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫تنظيم احلماية الدولية حلقوق األســــــرة بني اخلصوصية والعاملية‬ ‫د‪ .‬وسام نعمت السعدي‬

‫‪155‬‬

‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي ‪211‬‬

‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫دور األمم املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫‪10‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫‪323‬‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫المسؤولية العقدية للناقل الجوي‬ ‫عن سالمة المسافرين‬ ‫وفقا التفاقية مونتريال ‪ 1999‬بشأن توحيد‬ ‫بعض قواعد النقل الجوي الدولي‬ ‫«دراسة مقارنة»‬ ‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫أستاذ القانون املدني املساعد ‪ -‬كلية القانون‬ ‫جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪11‬‬


‫ملخص البحث‬ ‫يدور موضوع هذا البحث حول املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين ‪،‬‬ ‫حيث نتناول فيه شروط هذه املسؤولية ‪ ،‬من خالل استعراض نصوص اتفاقية مونتريال‬ ‫‪ 1999‬بشأن توحيد بعض قواعد النقل اجلوي ‪ ،‬التي جاءت غامضة ‪ ،‬مما أدى لتعدد‬ ‫التفسيرات الفقهية والقضائية لها ‪ ،‬وذلك في محاولة الستجالء هذا الغموض ‪.‬‬ ‫كما سنتناول أحكام هذه املسؤولية ‪ ،‬من حيث بيان كل من أساسها ‪ ،‬والقواعد‬ ‫املوضوعية ملسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬ومن حيث ما استحدثته اتفاقية مونتريال ‪ 1999‬من‬ ‫نصوص متعلقة بالدفعة املقدمة للتعويض‪ ،‬وفرض التأمني اإلجباري على الناقل اجلوي‬ ‫من مسؤوليته جتاه املسافرين ‪ ،‬وذلك ببيان مزايا تلك املستجدات وما قد يعتريها من‬ ‫نقص ‪ ،‬وذلك في محاولة القتراح ما يكمله ‪.‬‬ ‫كما نتناول القواعد اإلجرائية ملسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬من حيث حتديد أطراف الدعوى ‪،‬‬ ‫وكذلك احملكمة اخملتصة بنظر الدعوى ‪ ،‬و مدة عدم سماع الدعوى ‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫مقدمة‬ ‫لقد أضحى النقل اجلوي من أهم وسائل السفر ملا لها من مزايا متعددة ‪ ،‬لعل أهمها السرعة‬ ‫الفائقة للطائرات مقارنة بوسائل النقل األخرى ‪ ،‬ونظرا ألن أغلب الرحالت اجلوية تكون دولية ؛ أي أن‬ ‫أغلبها يبدأ من دولة وتنتهي في دولة أخرى ‪ ،‬فقد اهتم املشرع الدولي بتنظيم أحكام النقل اجلوي ‪،‬‬ ‫حيث أبرمت اتفاقيات دولية لهذا الغرض كان أولها اتفاقية (وارسو ‪ )9191‬بشأن توحيد بعض قواعد‬ ‫النقل اجلوي لسنة ‪ ، 9191‬وسوف نشير إليها الحقا باتفاقية (وارسو ‪ ،)9191‬ثم تلتها عدد من‬ ‫االتفاقيات املعدلة لها ‪ ،‬إلى أن أبرمت في ‪ 92‬مايو ‪ 9111‬اتفاقية (مونتريال ‪)9111‬بشأن توحيد بعض‬ ‫قواعد النقل اجلوي ‪ ، 9111‬والتي أصبحت نافذة بدءا ً من ‪ 4‬مايو ‪ ، 9002‬وسوف نشير إليها الحقا‬ ‫باتفاقية (مونتريال ‪.)9111‬‬ ‫وتبدوا تبدو أهمية هذا البحث في أن الرغبة في تشجيع صناعة النقل اجلوي ‪ ،‬التي كانت سائدة‬ ‫أثناء وبعد إبرام اتفاقية (وارسو ‪ ،)9191‬قد ألقت بظاللها على مسؤولية الناقل اجلوي حيث مت‬ ‫تغليب مصلحته على مصلحة املتعاقدين معه ‪ ،‬سواء كانوا من املسافرين أو من مرسلي البضائع ‪.‬‬ ‫وفي مراحل الحقة زاد معدل احلماية املقررة للمسافرين ‪ ،‬حيث روعي التوازن بني مصالح الناقلني‬ ‫اجلويني‪ ،‬وبني مصالح املسافرين ‪ ،‬الذي بدوره يحوي في مضمونه مراعاة مصالح الناقلني اجلوي على‬ ‫حساب حق املسافرين في احلصول على التعويض الكامل ملا يكون قد أصابهم من أضر‪.‬‬ ‫ورغم بلوغ احلماية املقررة للمسافرين ذروتها في اتفاقية (مونتريال ‪ ،)9111‬فإن التطور التشريعي‬ ‫في هذا الصدد لن يقف بحال عند هذه االتفاقية ‪ ،‬و لذا‘ سنحاول من خالل هذا البحث بيان مدى‬ ‫احلماية املقررة للمسافرين جوا ‪ ،‬ليس وفقا للقواعد العامة للمسؤولية العقدية فحسب ‪ ،‬بل وفقا‬ ‫للتطور الذي شهده العصر احلاضر للمسؤولية املوضوعية‪ ،‬وذلك للوقوف على أوجه القصور فيها‪،‬‬ ‫بهدف الوصول حلماية املسافرين‪ ،‬وحصولهم على التعويض الكامل في حالة حدوث مساس‬ ‫بسالمتهم ‪.‬‬ ‫وسنقتصر في هذا البحث على دراسة مسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬عن سالمة املسافرين في حالة‬ ‫وفاتهم‪ ،‬أو األضرار البدنية التي قد تصيبهم‪ ،‬دون تلك التي تتعلق بأمتعتهم‪ ،‬أو تلك التي تصيب‬ ‫مرسلي البضاعة جراء عملية النقل اجلوي للبضائع‪ .‬كما يخرج من نطاق هذا البحث مسؤولية‬ ‫الناقل اجلوي عن األضرار التي تصيب الغير على السطح‪ .‬وكذلك األضرار التي قد حتدث ألفراد طاقم‬ ‫الطائرة ‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪13‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫ومن خالل استعراض كل من نصوص اتفاقية (مونتريال ‪ ،)9111‬وكذلك األحكام القضائية ‪،‬‬ ‫سنتناول شروط مسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬حيث جاءت نصوص هذه االتفاقية املنظمة لها غامضة‬ ‫حيث تعددت التفسيرات الفقهية والقضائية لها ‪ ،‬وذلك في محاولة الستجالء هذا الغموض ‪.‬‬ ‫كما سنتناول أحكام هذه املسؤولية ‪ ،‬من حيث بيان كل من أساسها ‪ ،‬والقواعد املوضوعية‬ ‫واإلجرائية ملسؤولية الناقل اجلوي‪ ،‬ومن حيث ما استحدثته اتفاقية (مونتريال ‪)9111‬من نصوص‬ ‫متعلقة بالدفعة املقدمة للتعويض ‪ ،‬وفرض التأمني اإلجباري على الناقل اجلوي من مسؤوليته جتاه‬ ‫املسافرين ‪ ،‬وذلك ببيان مزايا تلك املستجدات‪ ،‬وما قد يعتريها من نقص ‪ ،‬وذلك في محاولة القتراح‬ ‫ما يكمله ‪.‬‬ ‫تقسيم الدراسة ‪:‬‬ ‫ مقدمة ‪.‬‬‫ مبحث متهيدي ‪ :‬التعريف بعقد النقل اجلوي‪.‬‬‫ املبحث األول ‪ :‬شروط مسؤولية الناقل اجلوي‪.‬‬‫املطلب األول ‪ :‬وقوع حادث‪.‬‬ ‫املطلب الثاني ‪ :‬وقوع احلادث أثناء فترة النقل‪.‬‬ ‫املطلب الثالث ‪ :‬وقوع ضرر للمسافر‪.‬‬ ‫ املبحث الثاني ‪ :‬أحكام مسؤولية الناقل اجلوي‪.‬‬‫املطلب األول ‪ :‬أساس مسؤولية الناقل اجلوي‪.‬‬ ‫املطلب الثاني ‪ :‬القواعد املوضوعية ملسؤولية الناقل اجلوي‪.‬‬ ‫الفرع األول ‪ :‬قواعد التعويض عن األضرار التي تصيب املسافرين‪.‬‬ ‫الفرع الثاني ‪ :‬التأمني من املسؤولية املدنية للناقل اجلوي‪.‬‬ ‫املطلب الثالث ‪ :‬القواعد اإلجرائية ملسؤولية الناقل اجلوي‪.‬‬ ‫‪ -‬خامتة‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫مبحث متهيدي‬ ‫التعريف بعقد النقل اجلوي‬ ‫من األهمية مبكان وقبل بيان شروط وأحكام مسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬أن نتناول في املبحث‬ ‫التمهيدي تعريف عقد النقل اجلوي وخصائصه ‪ ،‬وأطرافه ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬تعريف عقد النقل اجلوي وخصائصه ‪:‬‬ ‫تعريف عقد النقل اجلوي ‪:‬‬

‫يعرف جانب من الفقه عقد النقل اجلوي بأنه ‪ :‬االتفاق الذي يبرم بني الشخص الذي يريد السفر أو‬ ‫مرسل البضاعة ‪ ،‬وبني الناقل اجلوي ‪ ،‬ومبقتضاه يتعهد الناقل اجلوي بنقل املسافر وأمتعته ‪ ،‬أو نقل‬ ‫البضاعة عن طريق الطائرة من مكان اإلقالﻉ إلى مكان الوصول اﶈدد بالعقد‪ ،‬وذلك مقابل أجر‬ ‫يدفعه راغب السفر أو مرسل البضاعة (‪ .)1‬وبناء عليه فيوجد نوعان من لعقد النقل اجلوي‪ ،‬يتعلق‬ ‫أولهما‪ :‬بنقل األشخاص‪ ،‬ويتعلق الثاني‪ :‬بنقل البضائع‪.‬‬

‫خصائص عقد النقل اجلوي ‪:‬‬

‫يتميز عقد النقل اجلوي بعدد من اخلصائص أهمها ‪ :‬أنه عقد رضائي‪ ،‬وجتاري‪ ،‬ومن عقود اإلذعان‪،‬‬ ‫كما أنه من العقود التي تقوم على االعتبار الشخصي‪.‬‬ ‫أ – عقد النقل اجلوي عقد رضائي ‪:‬‬ ‫يقصد برضائية عقد النقل اجلوي أنه ينعقد مبجرد تالقي إرادتي طرفيه ‪ ،‬وعلى ذلك فهو ليس‬ ‫عقد عقدا ً شكليا فال يشترط فيه أن يكون مكتوبا ‪ ،‬كما أنه ليس عقد عينيا فال يشترط فيه أن‬ ‫يقوم الناقل بتسليم تذكرة السفر للمسافر و ال أن يقوم مرسل البضاعة بتسليمها للناقل ‪.‬‬ ‫وقد أكدت اتفاقية (مونتريال ‪ )9111‬رضائية عقد النقل‪ ،‬فعلى الرغم من أنها نظمت في‬ ‫الفقرات األربع األولى من املادة الثالثة مسألة مستندات عقد النقل ‪ ،‬حيث ألزمت الناقل اجلوي بأن‬ ‫يسلم الراكب مستند النقل وأوجبت تضمنه عدد من البيانات املتعلقة باملسافر‪ ،‬واألمتعة ‪ ،‬فإنها‬ ‫نصت في الفقرة اخلامسة من ذات املادة ‪ ،‬على أن عدم االلتزام مبا ورد بالفقرات السابقة عليها ال يؤثر‬ ‫على وجود أو صحة عقد النقل الذي يظل خاضعا لقواعد االتفاقية مبا فيها القواعد املتعلقة‬ ‫بتحديد املسؤولية ‪.‬‬ ‫‪ - 1‬د‪ .‬أبو زيد رضوان – قانون الطيران التجاري – دار الفكر العربي– دون تاريخ – ص ‪. 970‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪15‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫ب – عقد النقل اجلوي عقد إذعان ‪:‬‬ ‫وميكننا القول أن عقد النقل اجلوي تتوافر فيه أغلب خصائص عقود اإلذعان‪ ،‬وأهمها أن املسافر‬ ‫ال ميلك مناقشة الشروط التي يضعها الناقل اجلوي‪ ،‬وكذلك من حيث ارتباطه مبرفق مهم ال غنى‬ ‫لألفراد عنه وهو مرفق النقل اجلوي‪ ،‬ومن حيث الشروط املتماثلة املوجهة للجمهور واملتعلقة‬ ‫باالنتفاع باملرفق‪ ،‬وال يعد خافيا أنه رغم عدم احتكار مرفق النقل اجلوي من قبل ناقل جوي بذاته‪ ،‬فإن‬ ‫هناﻙ قدر من املنافسة اﶈدودة بﲔ شركات الطيران ‪.‬‬ ‫ويخفف من انفراد الناقل اجلوي بوضع شروط النقل ‪ ،‬ما يعرف بالشروط النموذجية ذات الصيغة‬ ‫الثابتة التي تضعها شركات الطيران واملطابقة للشروط التي فرضتها االتفاقيات الدولية‪ ،‬وكذلك‬ ‫التي يقترحها االحتاد الدولي للنقل اجلوي(‪. )2‬‬ ‫ج – عقد النقل اجلوي عقد جتاري ‪:‬‬ ‫يعد عقد النقل من العقود التجارية بالنسبة للناقل ‪ ،‬متى كان الناقل اجلوي يهدف للربح ‪،‬‬ ‫ويستوي في ذلك أن يكون الناقل اجلوي شخص من أشخاص القانون العام أو من أشخاص القانون‬ ‫اخلاص ‪ ،‬ويعني هذا أنه من املتصور أن يكون عقد النقل اجلوي جتاريا حتى ولو كان الناقل اجلوي هي‪:‬‬ ‫الدولة أو إحدى مؤسساتها التي تقوم بعملية النقل‪ ،‬طاملا أن هذه األخيرة كانت ألغراض جتارية‪ ،‬أو‬ ‫بعبارة أخرى على سبيل املقاولة ‪.‬‬ ‫ج – االعتبار الشخصي لعقد النقل اجلوي ‪:‬‬ ‫يتميز عقد النقل اجلوي أنه يقوم على االعتبار الشخصي ‪ ،‬سواء تعلق األمر بالنقل اجلوي‬ ‫لألشخاص أم للبضائع‪ ،‬ففيما يتعلق بالنقل اجلوي لألشخاص‪ ،‬تكون شخصية كل من املتعاقدين‬ ‫محل اعتبار لدى املتعاقد اآلخر‪ ،‬فال يجوز للمسافر املتعاقد أن يتنازل عن التذكرة ملسافر آخر‪ ،‬كما‬ ‫أنه وفقا ً لهذا االعتبار الشخصي ال يجوز للناقل اجلوي املتعاقد أن يحيل املسافر إلى ناقل آخر‪.‬‬ ‫أما فيما يتعلق بعقد النقل اجلوي للبضائع‪ ،‬فعلى الرغم مما تضمنته اتفاقية (مونتريال ‪، )9111‬‬ ‫من قابلية وثيقة الشحن اجلوي للتداول ‪ ،‬وذلك إذا تضمنت نصا يجيز ذلك صراحة ‪ ،‬فإنه كما يرى‬ ‫البعض – بحق ‪ -‬فإن ذلك ال يقدح في صفة االعتبار الشخصي لعقد النقل اجلوي للبضائع ‪ ،‬وذلك‬ ‫ألن تداول وثيقة الشحن اجلوي ال يعني تنازل املرسل عن عقد النقل إلى املرسل إليه ‪ ،‬بل يفيد فقط‬ ‫في التصرف في البضاعة املنقولة (‪.)3‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أطراف عقد النقل اجلوي ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬د‪ .‬شريف غنام ‪ -‬قانون الطيران املدني – أكادميية شرطة دبي– سنة ‪ – 9001‬ص ‪. 911‬‬ ‫‪ - 3‬د شريف غنام – املرجع السابق – ص ‪. 960‬‬ ‫‪16‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫إن طرفي عقد النقل اجلوي هما‪ :‬املسافر أو مرسل البضاعة من ناحية ‪ ،‬والناقل اجلوي من ناحية‬ ‫أخرى ‪ .‬والواقع أنه ال توجد ثمة صعوبة عند حتديد املسافر أو مرسل البضاعة ‪ ،‬ولكن فيما يتعلق‬ ‫بتحديد الناقل اجلوي ‪ ،‬فال توجد صعوبة عند حتديده في احلالة التي يكون الناقل اجلوي هو الذي‬ ‫تعاقد مع املسافرين وقام بتنفيذ عقد النقل اجلوي بجميع مراحله ‪ ،‬على طائراته وبواسطة تابعيه ‪،‬‬ ‫ولكن األمر يدق عند حتديد املقصود بالناقل اجلوي ‪ ،‬حيث ال يكون من السهولة مبكان حتديد الناقل‬ ‫املسؤول عن التعويض الذي قد يصيب املسافرين ‪ ،‬وذلك كما في حالتي‪ :‬الناقل املتعاقد‪ ،‬والناقل‬ ‫الفعلي ‪ ،‬وكذلك في حالة تأجير الطائرة‪.‬‬ ‫والواقع أنه لم ترد اإلشارة ملفهوم الناقل في اتفاقية( وارسو ‪ ) 9191‬وما بعدها‪ ،‬إال منذ اتفاقية‬ ‫(جوادا الجارا ‪ )4()Guadalajara( ) 9169‬حيث نظمت في املادة (‪ )7‬منها أحكام الرجوع على كل من‬ ‫الناقل املتعاقد‪ ،‬والناقل الفعلي‪ ،‬وقد سارت اتفاقية( مونتريال ‪) 9111‬على هذا النهج ‪ ،‬وهو ما‬ ‫سنبينه الحقا ‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بتحديد الناقل اجلوي في حالة استئجار الطائرة ‪ ،‬فإنه ينبغي التمييز بني تأجير‬ ‫الطائرة دون طاقم ‪ ،‬وبني تأجيرها مزودة بأفراد الطاقم ‪ .‬ففي احلالة األولى ‪ :‬يكون مستأجر الطائرة –‬ ‫باعتباره حائزا لها ‪ -‬هو الناقل اجلوي املسؤول عن تنفيذ التزاماته في مواجهة املسافرين ‪.‬‬ ‫ويختلف األمر في حالة تأجير الطائرة مجهزة بطاقمها ‪ ،‬حيث يكون أفراد الطاقم ليسوا تابعني‬ ‫ملستأجر الطائرة وليس ملؤجرها ‪ ،‬مما يعني أن تنفيذ العقد وآثاره تعود على املؤجر وليس على‬ ‫املستأجر ‪ ،‬ومن هنا تثور الصعوبة حول حتديد الناقل اجلوي ‪ ،‬فهل يكون هو املستأجر ألنه هو الذي‬ ‫أبرم عقود النقل ‪ ،‬وبالتالي تقتصر مهمة مؤجر الطائرة على توفير الطائرة مجهزة بطاقمها‬ ‫للمستأجر كي يقوم هو باستغاللها ‪ ،‬أم أنه هو املؤجر وذلك ألنه من يقوم بعملية النقل من تابعيه‬ ‫(‪ .)5‬والواقع أننا نؤيد ما ذهب إليه جانب من الفقه في أن وصف الناقل يقتصر على مستأجر الطائرة‬ ‫وليس املؤجر ‪ ،‬ولكن هذا ال ينفي مسؤولية املؤجر باعتباره متبوعا عن أفعال تابعيه ولكن ليس‬ ‫بوصفه ناقال ‪ ،‬وذلك إذا توافرت شروط قيام هذه املسؤولية ‪.‬‬

‫‪ - 4‬وقعت في ‪ 92‬ديسمبر ‪ 9169‬وهي إحدى االتفاقيات املكملة التفاقية( وارسو ‪.) 9191‬‬ ‫‪ - 5‬راجع في ذلك تفصيليا ‪ :‬د‪ .‬هاني محمد دويدار ‪ -‬النظام القانوني للتأجير التمويلي دراسة نقدية – دار اجلامعة‬ ‫اجلديدة– ‪ – 9114‬ص ‪. 914‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪17‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫املبحث األول‬ ‫شروط مسؤولية الناقل اجلوي‬ ‫يشترط لقيام مسؤولية الناقل اجلوي عن األضرار التي قد تصيب املسافرين أن تتوافر ثالثة شروط‬ ‫‪ ،‬وهي حدوث ضرر للمسافر ‪ ،‬ناجت عن حادث ‪ ،‬وقع أثناء وجود الراكب على منت الطائرة أو أثناء عملية‬ ‫الصعود إلى الطائرة أو الهبوط منها ‪ ،‬ورغم أن هذه الشروط وردت باتفاقية مونتريال ‪ ،‬إال أنها لم‬ ‫تبني مفهوم احلادث أو نوع الضرر أو املقصود بعملية الصعود إلى الطائرة أو النزول منها ‪ ،‬وهو ما أثار‬ ‫جدال واسعا في الفقه والقضاء ‪ .‬وفي هذا املبحث سوف نستعرض هذه الشروط من خالل‬ ‫استعراض مواد اتفاقية مونتريال املنظمة لها‪ ،‬وكذلك بعض التطبيقات القضائية ‪ ،‬وذلك في‬ ‫محاولة حتديد مفهوم كل منها على وجه الدقة ‪.‬‬

‫املطلب األول‬ ‫وقوع حادث‬ ‫ال يكفي لقيام مسؤولية الناقل اجلوي حدوث ضرر للراكب ‪ ،‬بل يلزم أن ينتج هذا الضرر عن حادث‬ ‫‪ ،‬فقد نصت الفقرة األولى من املادة( ‪) 97‬من اتفاقية( مونتريال ‪) 9111‬على أنه(‪" : )6‬يكون الناقل‬ ‫مسؤوال عن الضرر الذي ينشأ في حالة وفاة الراكب أو تعرضه إلصابة جسدية بشرط أن تكون‬ ‫احلادثة التي سببت الوفاة‪ ،‬أو اإلصابة وقعت فقط على منت الطائرة أو أثناء عملية صعود الركاب أو‬ ‫نزولهم " وكما هو احلال في اتفاقية( وارسو لسنة ‪ ،) 9191‬لم تضع اتفاقية (مونتريال ‪) 9111‬تعريفا‬ ‫للحادث ‪ ،‬مما أدى الختالف الفقه والقضاء في حتديد املقصود به ‪ ،‬وسنبني فيما يلي مفهوم احلادث‬ ‫في الفقه‪ ،‬والقضاء وكذلك موقف القانون اإلماراتي ‪.‬‬

‫‪"The carrier is liable for damage sustained in the event of the death or woundin g of a passenger or any - 6‬‬

‫‪other bodily injury suffered by a passenger, if the accident which caused the damage so sustained took place on board‬‬ ‫"‪the aircraft or in the course of any of the operations of embarking or disembarking.‬‬

‫‪18‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫أوال ‪ :‬مفهوم احلادث في الفقه ‪:‬‬ ‫(‪)7‬‬ ‫صرهه على كل واقعة ناجتة عن عملية‬ ‫لقد اختلف الفقه في حتديد مفهوم احلادث ما بني اجتاه يققص ر‬ ‫النقل‪ ،‬بشرط أن تكون مرتبطة باالستغالل اجلوي ‪ ،‬وبني اجتاه يوسع من نطاقه بحيث يشمل كل‬ ‫واقعة فجائية غير معتادة خارجة عن الشخص املضرور (‪ ،)8‬وبينهما اجتاه يشترط أن تكون هذه‬ ‫الواقعة الفجائية خارجية ومستقلة عن إرادة الناقل‪ ،‬أو تابعيه من شأنها وفاة الراكب‪ ،‬أو إصابته(‪.)9‬‬ ‫وال شك في تباين اآلثار الناجتة عن أي من هذه التعريفات للحادث‪ ،‬وسنوضح ذلك من خالل‬ ‫استعراض أحكام القضاء في هذا الشأن‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬مفهوم احلادث وفقا ألحكام القضاء ‪:‬‬ ‫من األهمية مبكان استعراض بعض األحكام القضائية حيث أنها اﺠﻤﻟال اخلصب لتحديد املقصود‬ ‫باحلادث (‪ ، )10‬نظرا لكثرة الوقائع التي قد يدق األمر بشأنها عما إذا كانت متثل حادثا أم ال ‪ ،‬ونرى أنه ال‬ ‫ضير من أن تكون هذه األحكام صادرة من محاكم منتمية إلى أنظمة قانونية مختلفة وذلك التفاق‬ ‫النصوص املنظمة ملسؤولية الناقل اجلوي والتي تطبقها هذه اﶈاكم ‪.‬‬ ‫ احلادث وفقا ملفهومه العام ‪:‬‬‫في قضية (‪) Fenton v. J. Thorley & Co.‬لتي صدر احلكم فيها في بريطانيا (سنة ‪ ،) 9102‬وضع‬ ‫اللورد (‪ )MacNaghten‬مفهوما عاما للحادث بأنه‪ :‬كل واقعة مفاجئة وغير‪ ،‬متوقعة نتج عنها‬ ‫الضرر(‪ .)11‬والواقع أن هذا التعريف الذي أقره عدد هائل من األحكام التي أيدتها اﶈاكم العليا في‬ ‫كندا وغيرها من اﶈاكم الغربية (‪ ،)12‬ورغم أهميته إال أنه غير كاف لتعريف احلادث؛ ألنه من االتساع‬ ‫بحيث يشمل كل واقعة غير متوقعة حتى لو كانت ذات طبيعة داخلية للراكب ‪ ،‬كعدم حتمل أذنيه‬ ‫تغير الضغط اجلوي داخل الطائرة نتيجة عملية التشغيل العادية للطائرة ‪ .‬لذا فسنبني فيما يأتي‬ ‫صورا أكثر حتديدا للحادث ‪.‬‬

‫أ ‪ -‬تعد حادثا الواقعة ذات الطبيعة اخلارجية عن الراكب إذا نتجت عن سلوك سلبي‬ ‫غير متوقع وغير معتاد من الناقل أو أحد تابعيه ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬لبيان تفاصيل هذا االختالف راجع ‪ :‬د ‪ .‬محمود مختار بريري – قانون الطيران وقت السلم – دار الفكر – العربي –‬ ‫سنة ‪ - 9121‬هامشي ص ‪ 992‬و ‪ ، 994‬د‪ .‬شريف غنام – املرجع السابق ‪ -‬ص ‪ 922‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪ - 8‬د‪ .‬شريف غنام – املرجع واملوضع السابقني ‪.‬‬ ‫‪ - 9‬د‪ .‬محمود مختار بريري – املرجع واملوضع السابقني ‪.‬‬ ‫‪ - 10‬رغم أن هذه األحكام صدرت مبناسبة وقائع تخضع التفاقية وارسو ‪ 9191‬فإنها تصلح لتحديد مفهوم احلادث‬ ‫وفقا التفاقية( مونتريال ‪ ) 9111‬وذلك ألن تعبير احلادث ورد في كل منهما دون حتديد ملفهومه ‪.‬‬ ‫‪ - 11‬مشار إليه في قضية ‪ . Ward v. Allstate Life Insurance Co. of Canada, 1994‬التي وردت عل موقع ‪:‬‬ ‫‪CanLII 3285 (BC CA), <http://canlii.ca/t/1dcfd> retrieved on 2013-04-10‬‬ ‫‪ - 12‬راجع املوقع السابق ‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪19‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫كما سبق القول أنه ال يكفي في الواقعة التي نتج عنها الضرر أن تكون غير معتادة‪ ،‬وغير‬ ‫متوقعة‪ ،‬فقد تكون الواقعة كذلك؛ ولكن يثور الشك فيما إذا كانت تتوافر فيها شروط احلادث أم ال‪.‬‬ ‫فقد قضت اﶈكمة العليا في الواليات املتحدة األمريكية في قضية ‪Olympic Airways, (:‬‬ ‫‪ ) Petitioner v. Rubina Husain‬أن عدم استجابة املضيفة اجلوية إلحلاح الراكب املتكرر بنقله إلى‬ ‫مقعد آخر – رغم توافر عدد من املقاعد ‪ -‬بعيدا عن األماكن اخلاصة للمدخنني‪ ،‬مما أدى إلصابته بأزمة‬ ‫ربو أودت بحياته ‪ ،‬يعد حادثا استنادا إلى أن تصرف املضيفة اجلوية – رغم أنه سلوك سلبي – تتوافر‬ ‫فيه شروط احلادث من حيث كونه واقعة غير متوقعة وغير معتادة ومتثل حلقة في سلسلة من‬ ‫األحداث التي أدت لوفاة الراكب ‪ ،‬فليس من املألوف في صناعة الطيران أن تسلك املضيفة اجلوية‬ ‫مثل هذا السلوك(‪.)13‬‬ ‫ولكن هذا ال يعني بالضرورة أن أي سلوك سلبي من الناقل‪ ،‬أو من أحد تابعيه يعد حادثا إذا ترتب‬ ‫عليه ضرر ألحد الركاب‪ ،‬فإذا كان قد قضي في قضية( ‪Olympic Airways, Petitioner v. Rubina‬‬ ‫‪ ) Husain‬أن السلوك السلبي للمضيفة اجلوية يعد حادثا‪ ،‬فليس من الضرورة أن يكون كل سلوك‬ ‫سلبي من الناقل‪ ،‬أو من أحد تابعيه يعد حادثا ‪ ،‬بل يلزم أن يتوافر في هذا السلوك شروط احلادث‪،‬‬ ‫وأهمها على اإلطالق أن ميثل واقعة مفاجئة غير متوقعة‪ ،‬وغير معتادة‪.‬‬ ‫ففي قضية(‪) Michael Shawn Blansett; Modesta N. Blansett v.Continental Airlines, Inc.‬‬ ‫قضت الدائرة اخلامسة مبحكمة االستئناف بالواليات املتحدة األمريكية (‪ ،)14‬أن عدم إصدار الناقل‬ ‫اجلوي (‪ ) Continental Airlines‬تعليمات حتذيرية للركاب بالتحرك أثناء رحلة جوية دولية ؛ لتجنب‬

‫‪ - 13‬تخلص وقائع هذه القضية في أنه في ديسمبر ‪ 9117‬سافرت املدعية " ‪ " Rubina Husain‬وزوجها " ‪Dr.Abid‬‬ ‫‪ Hanson‬من سان فرانسيسكو بالواليات املتحدة األمريكية إلى كل من أثينا والقاهرة في رحلة عائلية ‪ ،‬وأثناء‬ ‫توقفهما بنيويورك علم "‪ "Dr.Abid Hanson‬ألول مرة أن الناقل اجلوي يسمح بالتدخني على منت رحالته الدولية ‪،‬‬ ‫مخصصا مكانا للمدخنني ‪ ،‬ونظرا ألنه مصاب بالربو "‪ "asthma‬ولديه حساسية من التدخني السلبي "‬ ‫‪ " sensitive to secondhand smoke‬فقد طلب أن تكون املقاعد اجملصصة له ولعائلته بعيدة عن القسم‬ ‫اجملصص للركاب املدخنني ‪ ،‬ولذا لم يعان من ثمة مشاكل صحية في رحلته إلى القاهرة ‪ ،‬ولكن في رحلته من‬ ‫القاهرة إلى أثينا توجه مبكرا إلى مطار القاهرة وأخبر وكالة السفر بحالته وأطلعهم على تقرير يظهر أن له‬ ‫تاريخا مرضيا يتمثل في احلساسية املتكررة‪ ،‬مطالبا بأن يكون املقعد اجملصص له بعيدا عن القسم اجملصص‬ ‫للمدخنني ‪ ،‬قد حتقق له ما أراد ومرت الرحلة إلى أثينا بهدوء ‪ ،‬ولكنه اكتشف في رحلة العودة أن املقعد‬ ‫اجملصص له ال يفصله عن القسم اجملصص للمدخنني سوى ثالثة صفوف ‪ ،‬فطلب من املضيفة أن تنقله ملكان‬ ‫آخر فرفضت متعللة‪ -‬على غير احلقيقة ‪ -‬بعدم وجود أماكن شاغرة بالطائرة‪ ،‬وأنها مشغولة ‪ ،‬وتكرر ذلك ثالث‬ ‫مرات ‪ ،‬و رغم استخدامه البخاخ( الرشاش) اجملصص ملرضى الربو‪ ،‬وحتركه إلى مقدمة الطائرة الستنشاق هواء‬ ‫نقي إال أنه توفي متأثرا باحلساسية من دخان السجائر ‪ .‬راجع احلكم على املوقع اآلتي‪:‬‬ ‫‪http://supreme.justia.com/cases/federal/us/540/02-1348/opinion.html‬‬ ‫‪ - 14‬راجع احلكم على املوقع اآلتي‪:‬‬ ‫‪http://law.justia.com/cases/federal/appellate-courts/F3/379/177/475147‬‬ ‫‪20‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬ ‫(‪)16‬‬

‫اإلصابة باجللطة الوريدية العميقة(‪ ،)15‬ال يشكل انحرافا غير مقبول عن معايير صناعة الطيران‬ ‫وبالتالي ال يشكل حادثا وفقا للمادة‬ ‫( ‪ ) 97‬من اتفاقية (وارسو ‪ ،) 9191‬ومن ثم قضت بعدم مسؤولية الناقل اجلوي عن األضرار التي حلقت‬ ‫أحد الركاب‪ ،‬واملتمثلة في عجزه الناجت عن إصابته باجللطة‪ .‬واستندت في حكمها إلى أن عدم إصدار‬ ‫الناقل لهذه التعليمات ال ميثل إخالال بواجب‪ ،‬وبالتالي ال ميثل واقعة غير مألوفة‪ ،‬أو غير معتادة‪،‬‬ ‫رغم استناد املدعي إلى أن بعض شركات الطيران تصدر مثل هذه التعليمات للركاب )‪.(17‬‬ ‫ورغم هذا فقد قضت محكمة أول درجة )‪ (18‬في قضية( ‪ )Watts v. American Airlines‬مبسؤولية‬ ‫الناقل اجلوي تأسيسا على أنه وفقا للمادة( ‪) 97‬من اتفاقية (مونتريال ‪ ) 9111‬يعد حادثا تقصير‬ ‫طاقم الطائرة في اكتشاف أن أحد الركاب قد أصيب بنوبة قلبية أثناء وجوده بدورة مياه الطائرة ‪،‬‬ ‫فقد اكتشف أحد عمال النظافة وفاة الراكب‪ ،‬وذلك بعد هبوط الطائرة‪ ،‬وخروج كافة من فيها من‬ ‫طاقم‪ ،‬وركاب(‪ . )19‬فاﶈكمة بدال من أن تبحﺚ في مدﻯ توافر شروط احلادﺙ وفقا للمادة( ‪) 97‬من‬ ‫اتفاقية( مونتريال ‪ ،) 9111‬ركزت على أن عدم اكتشاف الطاقم إصابة الراكب بأزمة قلبية يعد‬ ‫تقصيرا في جانبهم(‪. )20‬‬ ‫ليس هذا فحسب ‪ ،‬بل إن إحدﻯ اﶈاكم بالﻐت في التوسع في مفهوم احلادﺙ‪ ،‬حيﺚ قضت‬ ‫مبسؤولية الناقل اجلوي عن إصابة راكبة نتيجة انزالقها مبمر الطائرة رغم عدم وجود أي تقصير من‬ ‫جانب أفراد طاقم الطائرة (‪.)21‬‬ ‫‪deep vein thrombosis (“DVT”) 15‬‬ ‫‪couldn’t have constituted an unreasonable deviation from industry standards. - 16‬‬ ‫‪ - 17‬وفي هذا السياق راجع أيضا ‪ :‬احلكم الصادر من محكمة استئناف فيكتوريا باستراليا في قضية ‪:‬‬ ‫‪ Qantas Ltd & British Airways plc v Povey‬والوارد على املوقع اآلتي ‪:‬‬ ‫‪http://www.austlii.edu.au/cgi-bin/sinodisp/au/cases/vic/VSCA/2003/227.html‬‬ ‫‪UNITED STATES DISTRICT COURT SOUTHERN DISTRICT OF INDIANA INDIANAPOLIS DIVISION . - 18‬‬ ‫‪ - 19‬صدر هذا احلكم سنة ‪ 90‬أكتوبر سنة ‪ . 9007‬راجع نص احلكم على املوقع اآلتي ‪:‬‬ ‫‪http://in.findacase.com/research/wfrmDocViewer.aspx/xq/fac.20071010_0000267.SIN.htm/qx‬‬ ‫‪Transportation As Developed Liability Rules Applicable to International Air - George N. Tompkins - 20‬‬ ‫‪by the courts in the united stats from Warsaw 1929 to Montreal 1999 - Kluwer Law International – 2010‬‬ ‫‪– p 57 .‬‬ ‫‪ - 21‬قضية ‪ Mansoor v. Air France KLM Airlines‬الصادر احلكم فيها من محكمة‬ ‫‪UNITED STATES DISTRICT COURT SOUTHERN DISTRICT OF CALIFORNIA‬‬ ‫راجع احلكم على موقع ‪:‬‬ ‫‪http://ca.findacase.com/research/wfrmDocViewer.aspx/xq/fac.20081027_0001532.SCA.htm/qx‬‬ ‫قارن ‪ :‬احلكم الصادر من محكمة ‪ New York Southern District Court‬في قضية ‪:‬‬ ‫‪Rafailov et al v. El Al Israel Airlines, Ltd.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪21‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫ب ‪ -‬ال تعد حادثا الواقعة الناجت عنها إصابة الراكب بضرر متى كانت ذات طبيعة داخلية‬ ‫للراكب إذا نتجت عن عملية التشغيل العادية للطائرة ‪:‬‬ ‫يشترط أيضا العتبار الواقعة التي نشأ عنها الضرر حادثا أال تكون فقط ذات طبيعة داخلية‬ ‫للراكب ذاته طاملا لم تكن إحدى حلقات سلسلة األحداث التي نتج عنها الضرر عبارة عن واقعة‬ ‫مفاجئة وغير متوقعة أو غير مألوفة ‪.‬‬

‫ففي قضية (‪ ) Air France v. Saks ()22‬قضت اﶈكمة العليا بالواليات املتحدة األمريكية بعدم‬ ‫توافر شروط التعويض عن الضرر املتمثل في إصابة الراكبة بفقد السمع في إحدى أذنيها ألنه نتج‬ ‫عن التغير الطبيعي للضغط داخل الطائرة الذي يحدث عند عملية الهبوط العادية للطائرة (‪. )23‬‬ ‫وقد استندت اﶈكمة في حكمها إلى أن واضعي اتفاقية( وارسو ‪ -) 9191‬التي حتكم قواعدها هذه‬ ‫القضية – فرقوا بني احلادث كسبب للضرر‪ ،‬وبني مجرد تعرض الراكب للضرر ‪ ،‬فاشترطت املادة( ‪) 97‬‬ ‫من االتفاقية لقيام مسؤولية الناقل اجلوي عن وفاة الراكب أو إصابته أن يكون الضرر ناجتا ً عن حادث‪.‬‬ ‫في حني أنها في املادة (‪ )92‬اشترطت فقط لقيام مسؤولية الناقل اجلوي عن األضرار التي قد حتدث‬ ‫لألمتعة مجرد حدوث تلف أو فقدان لألمتعة ‪ ،‬مستخدمة عبارة ‪ :‬حدوث أو وقوع (‪) occurrence‬‬ ‫الضرر دون أن ينص فيها على عبارة ‪ :‬حادث (‪ ،)24( )accident‬واحلادث ينبغي أن تتوافر فيه شروط‬

‫حيث قضي بأن إصابة الراكب نتيجة انزالقه في ممر الطائرة بسبب وجود غطاء( كيس ) بالستيكي إلحدى البطانيات‬ ‫ملقى على األرض ‪ ،‬ال يعد ناجتا عن حادث ‪ ،‬حيث إن واقعة وجود هذا الكيس ال تعد غير متوقعة أو غير معتادة ‪ .‬راجع‬ ‫التقرير الصادر من املنظمة الدولية للطيران املدني ‪:‬‬ ‫‪- p3. The Liability Reporter February 2009 :IATA‬‬ ‫على املوقع اإللكتروني اآلتي ‪:‬‬ ‫‪http://www.condonlaw.com/newsletters/iata2009.pdf‬‬ ‫‪ - 22‬قضية )‪ Air France v. Saks - 470 U.S. 392 (1985‬راجع احلكم كامال على املوقع التالي ‪:‬‬ ‫‪http://supreme.justia.com/cases/federal/us/470/392‬‬ ‫‪ - 23‬تتلخص وقائع هذه القضية في أن الراكبة ‪ ) Valerie Saks (:‬شعرت أثناء هبوط الطائرة التي تقلها من مطار‬ ‫(باريس) إلى مطار( لوس اجنلوس) بضغط شديد وألم بأذنيها ‪ ،‬واستمر األلم بعد هبوط الطائرة بأيام ‪ ،‬وعند‬ ‫مراجعتها أحد األطباء اكتشفت أنها فقدت الس صمع في إحدى أذنيها ‪ ،‬فرفعت دعواها أمام اﶈكمة االبتدائية‬ ‫مطالبة بالتعويض استنادا إلى أن الضرر الذي أصابها ناجتا عن حادث وفقا ملفهومه باملادة( ‪ )97‬من اتفاقية (‬ ‫وارسو ‪ ، ) 9191‬ألن الناقل أهمل في احلفاظ على املعدل الطبيعي للضغط داخل الطائرة أثناء عملية الهبوط‪.‬‬ ‫ولكنها خسرت دعواها ‪ ،‬مع قبول االستئناف املقدم منها أمام محكمة االستئناف التي أسست حكمها على‬ ‫أن مسؤولية الناقل اجلوية هي مسؤولية موضوعية صارمة ‪ ،‬ال يستطيع التخلص منها حتى بإثبات السبب‬ ‫األجنبي ‪ ،‬وعندما طعن الناقل أمام اﶈكمة العليا حكمت هذه األخيرة بقبول الطعن ونقض احلكم الصادر من‬ ‫محكمة االستئناف ‪.‬‬ ‫‪“Article 18, imposing liability for destruction or loss of baggage by an "occurrence," implies that the - 24‬‬ ‫‪drafters of the Convention understood the word "accident" to mean something different than the word‬‬ ‫‪22‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫معينة أهمها أن يكون عبارة عن واقعة مفاجئة غير متوقعة وغير معتادة ‪ ،‬وهو ما لم يتوافر في‬ ‫هذه القضية ‪.‬‬ ‫فلم يثبت ثمة تغيير غير معتاد في الضغط داخل الطائرة أثناء هبوطها‪ ،‬وعلى ذلك فقد تخلف‬ ‫أحد شروط مسؤولية الناقل اجلوي‪ ،‬وهو أن يكون الضرر الذي حدث للراكب ناجتا عن حادث‪ ،‬فإصابة‬ ‫الراكبة بالصمم نتج عن ظروف خاصة بها فقط أي أنه ذا طبيعة داخلية متعلقة بالراكبة وليس‬ ‫ذا طبيعة خارجية عنها ‪.‬‬ ‫يتبني مما سبق أنه ترتب على عدم وضع االتفاقيات الدولية املنظمة ملسؤولية الناقل اجلوي تعريفا‬ ‫للحادث ‪ ،‬نشوء اختالف في الفقه والقضاء في هذا الصدد‪ .‬ففي الوقت الذي متثل فيه واقعة معينة‬ ‫حادثا وفقا للبعض فإنها ال تعد كذلك لدى البعض اآلخر‪.‬‬ ‫فليس كافيا تعريف احلادث فقط بأنه‪ :‬كل واقعة غير معتادة‪ ،‬وغير متوقعة ‪ ،‬فقد اتضح – على‬ ‫سبيل املثال ‪ -‬فيما استعرضناه سابقا من بعض أحكام القضاء ‪ ،‬أن إحدى اﶈاكم قضت بأن ‪:‬‬ ‫سقوط راكب في ممر الطائرة ال يعد حادثا ‪ ،‬في حني أن محكمة أخرى لم تقض بكونه حادثا ‪ ،‬رغم أن‬ ‫سبب سقوط الراكب في الدعوى األخيرة هو وجود غطاء (كيس) بالستيكي ملقى مبمر الطائرة ‪،‬‬ ‫فالسؤال ال زال قائما ‪ :‬هل سقوط الراكب يعد واقعة غير معتادة‪ ،‬وغير متوقعة أم أنه ال يعد كذلك؟‬ ‫كما أنه ال يكفي اشتراط القضاء أن تكون الواقعة التي أحدثت الضرر للراكب ذات طبيعة‬ ‫خارجية عنه‪ ،‬فقد الحظنا أنه في بعض احلاالت قد يتداخل اشتراط أن تكون الواقعة التي أحدثت‬ ‫الضرر غير متوقعة وغير معتادة مع اشتراط أن تكون الواقعة ذات طبيعة خارجية عن الراكب‪ ،‬ففي‬ ‫قضية ( ‪ ) Watts v. American Airlines‬جند أنه بدال ً من أن تنفي اﶈكمة وقوع احلادث استنادا‬ ‫للطبيعة الداخلية للواقعة املسببة للضرر الذي أصاب الراكب‪ ،‬قد غضت الطرف عن ذلك ‪ ،‬قاضية‬ ‫باعتبار وفاة الراكب ناجتة عن حادث يتمثل في‪ :‬عدم متكن أي من أفراد طاقم الطائرة مالحظة أن‬ ‫الراكب يعاني من أزمة قلبية أودت بحياته‪ ،‬رغم أنه كان وحده في دورة املياه املغلقة‪.‬‬ ‫والواقع أن تعريف احلادث كشرط لقيام مسؤولية الناقل اجلوي عن وفاة أو إصابة أحد الركاب‪ ،‬ال‬ ‫يكفي فيه أن يكون عاما ‪ ،‬بل يجب أن يكون أكثر حتديدا‪ ،‬وأكثر تعلقا بالتزام الناقل اجلوى بسالمة‬ ‫الركاب ‪ ،‬فالرابطة العقدية بني الراكب‪ ،‬والناقل اجلوي تفرض على األخير التزاما بضمان سالمة‬ ‫الراكب ‪ ،‬ومن البديهي أن تكون هناك حدود لهذا االلتزام ‪.‬‬ ‫‪"occurrence." Moreover, Article 17 refers to an accident which caused the passenger's injury, and‬‬ ‫‪not to an accident which is the passenger's injury”.‬‬ ‫وفي ذات املعنى راجع أيضا ‪:‬‬ ‫‪Aviation Law: Cases, Laws and Related Sources- , Joseph Sweeney John Gillick -- Paul B. Larsen‬‬ ‫‪martinus nijhoff publishers- Second Edition- 2012 – p 352 .‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪23‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫فالوقائع التي ميكن أن يتعرض لها الركاب‪ ،‬والتي ميكن أن تسبب لهم أضرارا‪ ،‬هي وقائع ال حصر‬ ‫لها‪ ،‬منها‪ :‬ما يتعلق بالتزام الناقل اجلوي بسالمة الراكب بهذا االلتزام‪ ،‬سواء متثل هذا اإلخالل في‬ ‫سلوك إيجابي‪ ،‬أو سلبي من الناقل‪ ،‬أو من أحد تابعيه ‪ ،‬ومنها ما ال يتعلق بهذا االلتزام ‪ ،‬كإصابة‬ ‫الراكب بسكتة دماغية ‪ ،‬أو بأزمة قلبية نتيجة انفعاله الشديد في مشاجرة مع راكب آخر‪ ،‬أو‬ ‫سقوط الراكب في ممر الطائرة الصطدام قدمه بقاعدة أحد املقاعد‪.‬‬ ‫فرغم أن هذا االلتزام هو التزام بتحقيق نتيجة ‪ ،‬فإن له ضوابط حتدد شروط مسؤولية الناقل‪،‬‬ ‫وكذلك كيفية تخلصه منها ‪ .‬ورغم أننا نتفق مع تشديد مسؤولية الناقل اجلوي عن سالمة‬ ‫الركاب‪ ،‬بحيث تقوم هذه املسؤولية حتى في حالة ثبوت أن الضرر ناجت عن سبب أجنبي‪-‬دون أن يخل‬ ‫ذلك بحق الناقل اجلوي في الرجوع_‪ ،‬فال يعني ذلك مسؤولية الناقل اجلوي عن أي ضرر يلحق الراكب‬ ‫أيا كانت الواقعة املسببة له ‪ ،‬بل يلزم أن تتوافر في هذه الواقعة – إضافة إلى كونها غير متوقعة‪،‬‬ ‫وغير معتادة – عدد من الشروط األخرى أهمها‪ :‬أن تكون هذه مرتبطة بالتزام الناقل بتوصيل الراكب‬ ‫سليما ‪ ،‬وهو ما يعرف بأن يكون احلادث مرتبطا بعملية االستغالل اجلوي‪ ،‬ولكن ينبغي النظر لهذا‬ ‫الشرط مبفهوم موسع بحيث ال يقتصر فقط على حدوث عطل فني في الطائرة أو التصادم اجلوي أو‬ ‫الهبوط املفاجئ للطائرة(‪ ، )25‬بل تشمل أيضا كل سلوك إيجابي‪ ،‬أو سلبي(‪ )26‬من الناقل أو من أحد‬ ‫تابعيه ‪ ،‬واألمثلة على ذلك متعددة ‪ ،‬منها – ما بيناه سابقا – في قضية ( ‪Olympic Airways,‬‬ ‫‪.) Petitioner v. Rubina Husain‬‬ ‫كما يشترط أيضا أال تكون هذه الواقعة ذات طبيعة داخلية بحتة ‪ ،‬كإصابة راكب بنوبة قلبية ال‬ ‫دخل لعملية االستغالل اجلوي في حدوثها ‪ ،‬أو بالصمم الذي يصيب أحد الركاب ألنه لم يحتمل‬ ‫التغير الطبيعي للضغط الناجت عن التشغيل الطبيعي للطائرة ‪ ،‬أما إذا كانت الواقعة ذات طبيعة‬ ‫داخلية ولكن نتجت عن خطأ أو تقصير من الناقل أو من أحد تابعيه فنرى قيام مسؤولية الناقل‬ ‫اجلوي ‪ ،‬استنادا إلى أنه يكفي لتحقق شروط احلادث – كما عبرت بعض األحكام القضائية ‪ -‬أن‬ ‫تكون الواقعة التي أحدثت الضرر متثل حلقة في سلسلة من األحداث التي أدت حلدوث الضرر‪.‬‬

‫التعريف املقترح للحادث كشرط لقيام مسؤولية الناقل اجلوي ‪:‬‬

‫مما تقدم ميكن تعريف احلادث كشرط لقيام مسؤولية الناقل اجلوي بأنه ‪ :‬كل واقعة غير متوقعة‪،‬‬ ‫وغير مألوفة ‪ ،‬ناجتة عن سلوك إيجابي أو سلبي من الناقل‪ ،‬أو من أحد تابعيه‪ ،‬ترتب عليها وفاة‬

‫‪ - 25‬لبيان املفهوم املضيق للحادث اجلوي راجع ‪ :‬د‪ .‬شريف غنام – املرجع السابق – ص ‪.911 ، 922‬‬ ‫‪ - 26‬ويشترط لذلك أن يكون الناقل ملزما للراكب ولكنه امتنع عن القيام به ‪ .‬أما إذا كان الناقل اجلوي غير ملزم‬ ‫بالقيام بفعل معني فال يسأل عن األضرار الناجتة عن ذلك متى كانت أسبابها ذات طبيعة داخلية للراكب ‪ .‬راجع‬ ‫قضية ‪) Michael Shawn Blansett; Modesta N. Blansett v.Continental Airlines, Inc. ( :‬املشار إليها سابقا ‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫الراكب‪ ،‬أو إصابته بضرر شخصي‪ ،‬وتكون متعلقة بعملية االستغالل اجلوي‪ ،‬وليست ذات طبيعة‬ ‫داخلية بحتة للراكب‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬ ‫وقوع احلادث أثناء فترة النقل‬ ‫وفقا للمادة( ‪ ) 97‬من اتفاقية (مونتريال ‪ –) 9111‬املشار إليها سابقا ‪ -‬يشترط أن تكون احلادثة‬ ‫التي سببت الوفاة‪ ،‬أو اإلصابة وقعت فقط على منت الطائرة‪ ،‬أو أثناء عملية صعود الركاب‪ ،‬أو نزولهم‬ ‫‪ ،‬فعلى الرغم أنه ال توجد ثمة صعوبة في حتديد املقصود بوقوع احلادثة على منت الطائرة ‪ ،‬ولكن‬ ‫صياغة املادة (‪) 97‬على هذا النحو يشوبها الغموض لعدم بيانها املقصود بعمليات صعود الركاب أو‬ ‫نزولهم ‪ ،‬فهل املقصود بها هو عملية الصعود والنزول من الطائرة مبفهومها الضيق‪ ،‬أم أن لها‬ ‫مفهوما موسعا بحيث تشمل إنهاء الراكب إجراءات سفره أو وصوله ؟ ‪ .‬مما جعل الفقه ينبري‬ ‫لتحديد النطاق الزماني واملكاني ملسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬كما أن للقضاء تطبيقاته في هذا الشأن‬ ‫التي أظهرت ثمة تداخال بني مسؤولية الناقل اجلوي ومسؤولية غيره ‪ ،‬كمسؤولية الشركة املصنعة‬ ‫للساللم املتحركة باملطار ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬املقصود بعملية الصعود والنزول من الطائرة في الفقه ‪:‬‬

‫ذهب جانب من الفقه (‪ )27‬إلى قيام مسؤولية الناقل اجلوي في حالة وقوع احلادث أثناء وجود‬ ‫املسافر حتت رعاية الناقل ‪ ،‬وهذه الفترة متتد منذ وجود الراكب في صحبة أحد تابعي الناقل حتى‬ ‫صعوده إلى الطائرة ‪ ،‬وتنتهي بدخول الراكب إلى مطار الوصول (‪ ، )28‬وقد انتقد هذا الرأي ألنه يوسع‬ ‫من نطاق مسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬وذلك في احلاالت التي يتولى فيها الناقل اجلوي نقل الركاب من‬ ‫أحد املواقع باملدينة إلى املطار ‪ ،‬حيث يكون الراكب فيها حتت رعاية الناقل اجلوي(‪.)29‬‬ ‫لهذا فقد استقر الفقه على أن‪ :‬عملية الصعود من الطائرة والنزول منها يجب أن يتم تفسيرها‬ ‫" في ضوء الهدف والغاية التي من أجلها تقرر االلتزام بضمان السالمة ‪ ،‬وال شك أن هذا يهدف إلى‬

‫‪- R. RODIER – Le regime legal de l’obligation de securite due par les transporteurs a leurs - 27‬‬ ‫‪voyageurs – J.C.P. 1952 I 997 .‬‬ ‫مشار إليه في ‪ :‬د‪ .‬فايز نعيم رضوان – قانون الطيران املدني طبقا للقانون رقم ‪ 90‬لسنة ‪ – 9119‬أكادميية شرطة دبي–‬ ‫طبعة ‪ – 9007‬بهامش ص ‪. 994‬‬ ‫‪ - 28‬د‪ .‬أبو زيد رضوان ‪ -‬املرجع السابق ‪ -‬ص ‪. 292‬‬ ‫‪ - 29‬د‪ .‬فايز نعيم رضوان – املرجع السابق – ص ‪. 994‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪25‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬ ‫حماية املسافر من اخملاطر املرتبطة بالطيران " (‪ ، )30‬وتبدأ هذه الفترة من حلظة مغادرة الركاب املكان‬ ‫املعد لتجمع الركاب حتت رعاية الناقل اجلوي أو أحد تابعيه حتى صعودهم الطائرة ‪ ،‬كما أن الركاب‬ ‫يعتبرون في حالة هبوط ( نزول ) من الطائرة تبدأ من بداية نزولهم على سلم الطائرة أو من بداية‬ ‫دخولهم املمر املوصل بني الطائرة وبني مبنى مطار الوصول (‪ ) jet bridge‬أو ( ‪. ) jet way‬‬ ‫ولكن ينتقد البعض(‪ )31‬هذا املفهوم للصعود والهبوط ‪ ،‬تأسيسا على أن الناقل اجلوي سيسأل‬ ‫عن كافة األضرار التي ستحدث للراكب طاملا أنه يكون حتت رعايته ‪،‬رغم أنه قد ال يكون محاطا‬ ‫مبخاطر الطيران ‪ ،‬كما في احلالة التي يتحرك فيها الراكب بحرية أثناء إنهاء إجراءات السفر‪،‬‬ ‫والوصول داخل مباني املطار بعيدا عن سيطرة الناقل ‪ ،‬أو في حالة قيام الناقل بنقل الركاب من‬ ‫أماكن انتظار السيارات خارج املطار إلى مبانيه ‪.‬‬ ‫ولهذا السبب يشترط جانب من الفقه ‪ -‬بحق – لقيام مسؤولية الناقل اجلوي اجتماع الشرطني‬ ‫التاليني(‪ : )32‬أولهما ‪ :‬أن يضع الراكب نفسه حتت تصرف الناقل‪ ،‬أو تابعيه ‪ ،‬مبعنى أنه يكون حتت‬ ‫رعاية الناقل اجلوي ‪ .‬وثانيهما ‪ :‬أن يكون املكان املوجود فيه الراكب معرضا للمخاطر املرتبطة‬ ‫بالطيران ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تطبيقات قضائية ملفهوم الصعود‪ ،‬والنزول من الطائرة ‪:‬‬

‫ميكن استخالص تفسير القضاء ملفهوم الصعود‪ ،‬والنزول من الطائرة من خالل استعراض بعض‬ ‫األحكام القضائية ‪ ،‬ففي قضية ( ‪ ) Bunis v. Israir Gsa, Inc.‬قضي مبسؤولية الناقل اجلوي عن‬ ‫إصابة الراكب – الذي يعاني من مشاكل صحية في القلب ‪ -‬بأزمة قلبية نتيجة سيره على األقدام‬ ‫بعد نزوله من الطائرة متجها إلى منطقة استالم احلقائب؛ لعدم استجابة أحد تابعي الناقل‬ ‫اجلوي لطلبه بإحضار كرسي متحرك له رغم إخبار الراكب له بظروفه الصحية ‪ ،‬فقد رأت اﶈكمة‬ ‫أن سلوك التابع يعد سلوكا غير متوقع‪ ،‬وغير مألوف‪ ،‬ومن ثم يعد حادثا وقع أثناء عملية نزول‬ ‫الركاب املتمثلة في توجه الراكب الستالم احلقائب(‪.)33‬‬ ‫‪ - 30‬نقال عن ‪ :‬د‪ .‬شريف غنام – املرجع السابق – ص ‪. 914‬‬ ‫‪ - 31‬د‪ .‬شريف غنام – املرجع السابق ص ‪ ، 911‬د‪ .‬خرشي عمر محمد – أحكام مسؤولية الناقل اجلوي في التشريع‬ ‫اجلزائري – بحث مقدم ملؤمتر الطيران املدني في ظل التشريعات الوطنية واالتفاقيات الدولية الذي نظمته‬ ‫جامعة اإلمارات العربية املتحدة في الفترة من ‪ 92‬إلى ‪ 91‬أبريل ‪ - 9099‬ص ‪. 242‬‬ ‫‪ - 32‬د‪ .‬محمد فريد العريني – القانون اجلوي ( النقل اجلوي الداخلي والدولي ) – دار اجلامعة اجلديدة – ‪ –9004‬ص ‪. 912‬‬ ‫وفي ذات املعنى راجع ‪ :‬د‪ .‬شريف غنام – املرجع و املوضع السابقني ‪.‬‬ ‫‪ - 33‬قضية ‪BUNIS v. ISRAIR GSA, INC. 511 F.Supp.2d 31‬الصادر احلكم فيها من محكمة ‪:‬‬ ‫بتاريخ ‪ 4‬يوليو ‪ . 9007‬راجع ‪:‬‬ ‫‪United States District Court, E.D. New York‬‬ ‫‪http://www.leagle.com/xmlResult.aspx?page=3&xmldoc=2007830511FSupp2d319_1801.xml&docbase=C‬‬ ‫‪SLWAR3-2007-CURR&SizeDisp=7‬‬ ‫‪26‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫أما في قضية ( ‪ ) Ugaz v. American Airlines, Ice.‬رغم تقدير اﶈكمة أن إصابة الراكبة نتيجة‬ ‫سقوطها على أحد الساللم املتحركة باملطار نتيجة عيب فيه ‪ ،‬وهي في طريقها إلنهاء إجراءات‬ ‫الوصول ‪ ،‬يدخل في إطار عملية النزول من الطائرة ‪ ،‬فإنها لم تقض مبسؤولية الناقل اجلوي لعدم‬ ‫صنع‬ ‫وجود عالقة بينه وبني سقوط الراكبة ‪ ،‬بل قضت بأنه كان يجب على املدعية رفع دعواها ضد قم ه‬ ‫السلم املتحرك تأسيسا على دعوى املسؤولية عن املنتجات(‪. )34‬‬ ‫ق‬ ‫والواقع أنه رغم اتفاقنا مع ما قضت به اﶈكمة من أن سقوط الراكبة أثناء توجهها إلنهاء‬ ‫إجراءات الوصول وقع أثناء عملية النزول من الطائرة‪ ،‬إال أننا ال نتفق معها فيما انتهت إليه من عدم‬ ‫مسؤولية الناقل اجلوي لعدم وجود عالقة بني الناقل اجلوي وبني سقوط الراكبة ‪ ،‬فمن ناحية أولى‪:‬‬ ‫وفقا التفاقية ( مونتريال ‪ –) 9111‬التي تسري أحكامها على هذه الدعوى – ال يستطيع الناقل دفع‬ ‫مسؤوليته حتى بإثبات السبب األجنبي‪ ،‬طاملا كان مقدار التعويض لم يتجاوز حدا معينا(‪ ،)35‬وعلى‬ ‫ذلﻚ كان األولى أن تقضي اﶈكمة مبسؤولية الناقل اجلوي طاملا توافرت ﺷروط قيامها‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى فإن االتفاقية املذكورة قررت حق الناقل في الرجوع على محدث الضرر أو‬ ‫املتسبب فيه‪ ،‬وعلى ذلﻚ كان على اﶈكمة أن تقضي مبسؤولية الناقل اجلوي متى توافرت ﺷروطها‪،‬‬ ‫وللناقل أن يرجع بدوره على املسؤول عن الضرر الواقع على الراكب‪.‬‬ ‫وعلى هذا‪ ،‬يتضح من هذه األحكام وغيرها‪ ،‬أن مفهوم الصعود إلى الطائرة والنزول منها ال‬ ‫يقتصر فقط على النزول‪ ،‬والصعود باملعنى الضيق وإمنا ميتد إلى وجود الراكب داخل مباني املطار‪ ،‬مما‬ ‫ميكن معه القول بأن القضاء يذهب إلى ما ذهب إليه الفقه من أنه متى كان الراكب في رعاية‬ ‫الناقل ومتى وجدت مخاطر الطيران‪ ،‬كان الناقل مسؤوال عن األضرار التي تصيب الراكب متى وقعت‬ ‫احلادثة املسببة لها في هذه الفترة‪.‬‬

‫‪“even if the Plaintiff had a valid claim, it would be a products liability case against the manufacturer - 34‬‬ ‫”‪. of the escalator and not these Defendants.‬‬ ‫راجع حكم محكمة ‪ United States District Court, S.D. Florida, Miami Division. :‬في قضية ‪Ugaz v. :‬‬ ‫)‪ American Airlines, Inc.576 F.Supp.2d 1354 (2008‬الصادر بتاريخ‪ 4 :‬سبتمبر ‪. 9002‬‬ ‫‪ - 35‬سنبني الحقا حدود مسؤولية الناقل تفصيليا ‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪27‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫املطلب الثالث‬ ‫وقوع ضرر للمسافر‬ ‫وفقا للمادة( ‪ ) 97‬من اتفاقية ( مونتريال‪ –)9111‬وكما قدمنا آنفا ‪ -‬يلتزم الناقل اجلوي بالتعويض‬ ‫عن وفاة الراكب‪ ،‬أو إصابته بأضرار جسدية؛ إذا نتجت عن حادث وقع أثناء وجود الراكب على منت‬ ‫الطائرة أو أثناء عملية الصعود والنزول من الطائرة ‪ ،‬وعلى الرغم من وضوح النص فيما يتعلق‬ ‫بالوفاة‪ ،‬واألضرار اجلسدية‪ ،‬إال أنه أثيرت فقها وقضاء مسألة مدى جواز التعويض عن األضرار األدبية‬ ‫( النفسية ) التي قد تصيب املسافر جوا‪ ،‬كحاالت اخلوف الشديد واالضطرابات النفسية والعقلية‪.‬‬ ‫والواقع أنه ال ميكن اإلجابة عن هذا السؤال إال باستعراض األعمال التحضيرية التفاقية (مونتريال‬ ‫‪ ) 9111‬مع األخذ باالعتبار البعد التاريخي املتمثل في الظروف التي نشأت فيها اتفاقية( وارسو‬ ‫‪ )9191‬حيث الرغبة التي كانت سائدة آنذاك في حماية صناعة الطيران التي كانت وليدة في هذا‬ ‫التوقيت ‪ ،‬ومن حيث مدى االعتراف بالتعويض عن األضرار األدبية عند إبرام اتفاقية ( وارسو ‪.)9191‬‬ ‫ويرجع سبب الربط بني االتفاقيتني إلى التشابه الكبير الذي يكاد يصل حلد التطابق بينهما عند‬ ‫حتديد األضرار التي تصيب املسافر وتلزم الناقل اجلوي بتعويضه عنها‪.‬‬

‫ أوال ‪ :‬مدى التعويض عن األضرار األدبية ( النفسية ) التي تصيب املسافر وفقا التفاقية‬‫(وارسو ‪: )9191‬‬ ‫تنص املادة (‪ )97‬من اتفاقية ( وارسو ‪ ) 9191‬على أن‪" :‬يسأل الناقل اجلوي عن الضرر احلاصل في‬ ‫حالة الوفاة أو‪ ،‬اجلرح‪ ،‬أو أي أذى بدني آخر يلحق الراكب متى وقع احلادث الذي جنم عنه الضرر على منت‬ ‫الطائرة أو‪ ،‬أثناء عمليات صعود أو‪ ،‬هبوط"‪.‬‬ ‫والواقع أنه وفقا لألعمال التحضيرية لم تقصد األطراف املتعاقدة التعويض عن األضرار‬ ‫النفسية التي قد تصيب املسافرين ‪ ،‬ويرجع ذلك لسببني رئيسني أولهما ‪ :‬هو رغبة هذه الدول في‬ ‫تشجيع صناعة النقل اجلوي التي كانت ال زالت في مهدها عند وضع هذه االتفاقية (‪ ،)36‬وثانيهما‪:‬‬ ‫هو أن الضرر األدبي لم يكن قابال للتعويض؛ كضرر مستقل في تلك احلقبة الزمنية(‪.)37‬‬

‫‪ - 36‬ومما يؤكد رغبة واضعي اتفاقية ( وارسو ‪ )9191‬في استبعاد األضرار النفسية من نطاق مسؤولية الناقل اجلوي‪:‬‬ ‫أنهم في املؤمتر الثاني للقانون اجلوي الذي عقد في( وارسو) قاموا بإلغاء ما ورد مبسودة مشروع االتفاقية الذي‬ ‫انتهى إليه املؤمتر األول للقانون اجلوي اخلاص الذي عقد في( باريس ‪ ،)9191‬فيما تضمنته من مسؤولية الناقل‬ ‫اجلوي عن احلوادث‪ ،‬والهالك‪ ،‬والتأخير‪ ،‬مستبدلة إياه مبا ورد بنص املادة (‪ ) 97‬املشار إليها سابقا ‪.‬راجع ‪ :‬د‪ .‬محمد‬ ‫‪28‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫استقرت اﶈكمة العليا في الواليات املتحدة األمريكية على رفض احلكم عن الضرر النفسي‬ ‫البحت ( ‪ )The pure psychic injury‬منذ صدور احلكم الصادر منها في قضية ( ‪Floyd v. Eastern‬‬ ‫)‪ . ) Airlines. Inc(38‬ورغم ذلك فال ميكن القول بأن القضاء األمريكي مستقر على عدم التعويض عن‬ ‫هذا النوع من الضرر فمحاكم الدرجة األولى ليست متفقة في ذلك ‪ ،‬حيث قضى بعضها برفض‬ ‫التعويض عن هذه األضرار استنادا إلى أن األعمال التحضيرية التفاقية (وارسو ‪ ) 9191‬لم يتبني منها‬ ‫قصد واضعيها في التعويض عنها (‪.)39‬‬ ‫في حني أن محاكم أخرى قضت بالتعويض عن األضرار النفسية البحتة؛ رغم عدم وجود ارتباط‬ ‫ما بينها وبني أية أضرار بدنية‪ ،‬وقد استندت هذه اﶈاكم إلى مفهوم الضرر البدني الذي يتسع‬ ‫ليشمل األضرار النفسية‪ )40( ،‬وإلى أنه رغم املعنى احلرفي لعبارة (‪ )corporelle‬باللغة الفرنسية –‬ ‫حيث صيغت (اتفاقية وارسو ‪ )9191‬باللغة الفرنسية فقط – ال يتسع ليشمل األضرار النفسية ‪ ،‬إال‬ ‫أنه ينبغي عدم التوقف عنده (‪ ،)41‬وأنه يجب تفسيرها وفقا للمبادئ وللمفاهيم السارية في القانون‬ ‫األمريكي ‪ ،‬ومما جتدر اإلشارة إليه أن محكمة استئناف (فلوريدا) سارت في هذا االجتاه في قضية(‬ ‫‪) Floyd v. Eastern Airlines. Inc‬السابق اإلشارة إليها ‪.‬‬ ‫فريد العريني ود‪ .‬محمد السيد الفقي – القانون البحري واجلوي – منشورات احللبي احلقوقية – سنة ‪ – 9002‬ص‬ ‫‪ ، 667‬د‪ .‬فاروق أحمد زاهر – حتديد مسؤولية الناقل اجلوي الدولي – دار النهضة العربية – سنة ‪ - 9121‬ص ‪. 99‬‬ ‫‪ - 37‬راجع ‪ :‬د‪ .‬عاطف محمد الفقي – تطور مسؤولية الناقل اجلوي – دار الفكر اجلامعي – سنة ‪ – 9002‬ص ‪ 12‬و ‪، 11‬‬ ‫د‪ .‬فاروق أحمد زاهر – املرجع السابق – ص ‪. 969‬‬ ‫‪ - 38‬راجع قضية ‪) Eastern Airlines, Inc. v. Floyd - 499 U.S. 530 (1991( :‬وتتلخص وقائع هذه القضية في أنه بعد‬ ‫إقالع الطائرة التابعة لشركة ( ‪) Eastern Airlines, Inc.‬من مطار( ‪ Miami‬متوجهة إلى( ‪) The Bahamas‬‬ ‫تعرضت لعطل فني في محركاتها جعلها معرضة للسقوط في اﶈيط‪ ،‬ولكن ﲤكن قائدها من العودة مرة‬ ‫أخرى ملطار( ‪ ،) Miami‬ونتيجة إلصابة الركاب بالذعر فقد رفع بعضهم قضايا مطالبني بالتعويض عن‬ ‫االضطرابات النفسية ( ‪ )mental distress‬التي أصابتهم نتيجة لذلك ‪ ،‬ومنهم( ‪ ) Rose Marie Floyd‬وزوجها(‬ ‫‪ ) Terry Floyd‬ورفضت محكمة أول درجة طلبهم تأسيسا على عدم جواز التعويض عن الضرر النفسي البحت‬ ‫‪ ،‬وعند استئناف املدعيني للحكم فقبلت محكمة االستئناف وقضت بأن عبارة الضرر اجلسدي وفقا للمادة ( ‪97‬‬ ‫) من اتفاقية( وارسو‪ ( ) 9191‬التي حتكم هذه الدعوى ) تتسع لتشمل الضرر النفسي ( ‪purely emotional‬‬ ‫‪ ، ) distress‬ولكن اﶈكمة العليا قضت برفض التعويض األضرار عن النفسية البحتة وفقا التفاقية(‬ ‫وارسو‪. )9191‬‬ ‫‪ - 39‬راجع ‪:‬‬ ‫‪- Borham v. Pan American World Airways, 19 Aviation Cases 18,236 (CCH) (SDNY 1986) , Karfunket v.‬‬ ‫‪Compagnie Nationale Air France, 427 F.Supp.= =971 (SDNY 1977) , Krystal v. British Overseas‬‬ ‫‪Airways Corp. 403 F.Supp. 1322 (CD Cal.1975) .‬‬ ‫‪"bodily injury" "can . . . be construed to relate to emotional and mental injury"). - 40‬‬ ‫)‪Husserl v. Swiss Air Transport Co., 351 F.Supp. 702 (S.D.N.Y.1972‬‬ ‫‪- ("While the use of the word corporelle would, if read literally, appear to imply that recovery for - 41‬‬ ‫‪dommage mentale is unavailable, we are persuaded that this literal meaning is unwarranted") see‬‬ ‫‪: Palagonia v. Trans World Airlines, 110 Misc.2d 478, 442 N.Y.S.2d 670 (Sup.1978).‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪29‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫وقد جرى القضاء اإلجنليزي على عدم التعويض عن الضرر النفسي استقالال عن األضرار البدنية ‪،‬‬ ‫ففي قضية ( ‪ ) Morris v KLM Royal Dutch Airlines‬رفضت اﶈكمة التعويض عن األضرار‬ ‫النفسية التي أصابت الراكبة‪ ،‬واملتمثلة في االكتئاب الناجت عن تعرضها حلادث على منت الطائرة ‪ ،‬ألن‬ ‫الراكبة لم تستطع إثبات أن االكتئاب الذي أصابها مرتبط بطريقة ما بأية أضرار بدنية تكون قد‬ ‫أصابتها (‪.)42‬‬ ‫ورغم ذلك‪ ،‬واستجابة لتطور الفكر القانوني‪ ،‬ولتطور صناعة النقل اجلوي ‪ ،‬فقد اجته القضاء في‬ ‫تفسيره لنص املادة ( ‪ ) 97‬من اتفاقية ( وارسو ‪ ،)9191‬إلى التوسع في نطاق األضرار البدنية بحيث‬ ‫تشمل بعض األضرار النفسية‪ ،‬ومن ناحية أخرى ‪ :‬فقد قضى بالتعويض عن بعض األضرار النفسية‬ ‫ولكنه وضع لذلك ضوابط معينة أهمها أن تكون مترتبة على األضرار البدنية ‪.‬‬

‫ التعويض عن األضرار النفسية إذا نتجت عن أضرار بدنية ‪:‬‬‫اجته القضاء األمريكي إلى التعويض عن األضرار النفسية التي قد تصيب املسافرين إذا نتجت‬ ‫عن أضرار بدنية – مع توافر الشروط األخرى الالزمة لقيام مسؤولية الناقل اجلوي – ففي قضية(‬ ‫‪ ) Dooley v. Korean Air Lines Co‬قضت اﶈكمة العليا بﺈلزام الناقل اجلوي – إضافةإلى التعويض‬ ‫عن وفاة الراكب – بالتعويض عن اآلالم التي عانى منها قبل وفاته ‪ ،‬حيث ثبت أنه ظل على قيد احلياة‬ ‫ملدة دقائﻖ بعد إصابة الطائرة بصاروﺥ سوفيتي ‪ ،‬ولم تأخذ اﶈكمة بدفاﻉ املدعى عليه املستند‬ ‫لقانون " املوت في أعالي البحار " (‪ ، )43‬املتمثل في أنه ال يجوز التعويض إال عن األضرار املادية ( ‪the‬‬ ‫‪ ، ) pecuniary loss‬وقد استندت اﶈكمة في ذلك إلى نصوﺹ اتفاقية( وارسو ‪ )9191‬التي حتكم‬ ‫تلك القضية (‪. )44‬‬ ‫وفي قضية( ‪ ) Ospina v. Trans World Airlines, Inc‬قضت اﶈكمة بالتعويض عن األضرار‬ ‫النفسية التي أصابت املسافر‪ ،‬املتمثلة في اآلالم التي أصابته ملدة ثوان نتيجة متزق جسمه بعد‬ ‫انفجار قنبلة كانت بالقرب من مقعده‪ ،‬حيث ثبت أنه ظل على قيد احلياة ملدة تتراوح بني خمس‬ ‫وعشر ثوان بعد االنفجار وكان مدركا ملا أصابه(‪. )45‬‬

‫‪ - 42‬راجع قضية ‪ Morris v KLM Royal Dutch Airlines [2002] 2 WLR 578 :‬املشار إليها في قضية ‪:‬‬ ‫‪King v Bristow Helicopters Ltd. (Scotland); In Re M [2002] UKHL 7 (28th‬‬ ‫‪February, 2002).‬‬ ‫‪- The Death on the High Seas Act (DOHSA). - 43‬‬ ‫‪Dooley v. Korean Air Lines Co. - 524 U.S. 116 (1998) - 44‬‬ ‫‪ - 45‬راجع ‪ :‬قضية ‪:‬‬ ‫‪) d 35 ( 2d cir. 19929 . F 171 , v. Trans World Airlines, Inc.s Ospina‬‬ ‫‪30‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫أيضا في قضية( ‪ ) Jack v. Trans World Airlines, Inc‬رفضت اﶈكمة إﻃﻼﻕ مبدأ عدم‬ ‫التعويض عن األضرار النفسية ‪ ،‬ألن فيه تقييدا شديدا حلق املسافرين في التعويض(‪ ، )46‬وقد شدد‬ ‫هذا احلكم على أن الضرر النفسي وحده‪ -‬مهما بلغت جسامته ‪ -‬غير كاف لقيام مسؤولية الناقل‬ ‫اجلوي ‪ ،‬ولكن يشترط لذلك أن يكون ناشئا عن ضرر بدني(‪ . )47‬ويتبني من ذلك تواتر األحكام التي‬ ‫تقضي مبسؤولية الناقل اجلوي عن األضرار النفسية الناجتة عن األضرار البدنية التي قد تصيب‬ ‫املسافر‪ ،‬بحيث ميكن القول بأن القضاء األمريكي قد استقر على التعويض عن هذه األضرار‪.‬‬ ‫ التوسع في مفهوم األضرار البدنية بحيث تشمل بعض صور الضرر النفسي ‪:‬‬‫يعد التوسع في مفهوم األضرار البدنية بحيث تشمل بعض صور األضرار النفسية ‪ ،‬من‬ ‫الوسائل التي استخدمها القضاء للتعويض عن األضرار النفسية التي قد تصيب املسافر اجلوي‪،‬‬ ‫واستند القضاء في ذلك إلى الدراسات احلديثة في العلوم الطبية ‪ ،‬ومنها الضرر املعروف باضطراب‬ ‫ما بعد الصدمة (‪ ،) Post Traumatic Stress Disorder( (PTSD‬حيث ثبت أن هذه االضطرابات تؤثر‬ ‫على املخ لدرجة أنها تسبب ضمورا في مساحات معينة فيه ‪.‬‬ ‫ففي قضية ( ‪ ) Weaver v. Delta Airlines Inc‬اعتدت اﶈكمة العليا في الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية بالشهادة الطبية املقدمة من املدعي التي تثبت الضرر الذي أصاب مخه نتيجة اخلوف‬ ‫الشديد الذي تعرض له (‪.)48‬‬ ‫وجتدر اإلشارة إلى أن معظم القضاء اإلجنليزي بدوره متفق مع القضاء األمريكي في ذلك‪ ،‬وقد عبر‬ ‫عن ذلك( ‪ ) Lord Mackay‬في قضية (‪ )King v Bristow Helicopters Ltd‬بقوله‪" :‬أن الفيصل في‬ ‫تقدير مسؤولية الناقل اجلوي عن األضرار النفسية هو ثبوت حدوث ضرر بدني‪ ،‬أو تأثر املخ أو اجلهاز‬ ‫العصبي املركزي لإلنسان" (‪.)49‬‬ ‫ اعتداد القضاء اإلجنليزي باملظاهر البدنية للضرر النفسي ‪:‬‬‫في قضية‪ –) King v Bristow Helicopters Ltd (:‬سبقت اإلشارة إليها – اعتد مجلس اللوردات‬ ‫باملظاهر البدنية للضرر النفسي ‪ ،‬مقررا مسؤولية الناقل اجلوي عن إصابة املسافر "بالقرحة‬ ‫‪46-‬‬

‫‪(rejecting approach of allowing no recovery at all for mental injuries because that approach is too‬‬ ‫‪: Jack v. Trans World Airlines, Inc., 854 F. Supp. 654, 665 (N.D. restrictive of passengers' rights) see‬‬ ‫‪Cal. 1994).‬‬ ‫‪- “the happenstance of getting scratched on the way down the evacuation slide [might] enable one - 47‬‬ ‫‪passenger to obtain a substantially greater recovery than that of an unscratched co-passenger who‬‬ ‫”‪was equally terrified by the plane crash.‬‬ ‫‪Weaver v Delta Airlines Inc (1999) 56FSupp 2d 1190.- 48‬‬ ‫‪49 - King v Bristow Helicopters Ltd. (Scotland); In Re M [2002] UKHL 7 (28th‬‬ ‫‪February, 2002).‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪31‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫املعدية" الناجتة عن الصدمة العصبية التي عانى منها خلوفه الشديد بسبب سقوط محرك‬ ‫الطائرة التي كان يستقلها‪ ،‬وذلك رغم هبوط الطائرة بسالم‪ ،‬ورغم أن احلادث لم يترتب عليه حدوث‬ ‫أضرار بدنية مباشرة للراكب ‪.‬‬ ‫وقد أكد( ‪ ) Lord Hope‬في هذه القضية أنه إذا أصيب الراكب بضرر نفسي‪ ،‬وثبت أن له مظاهر‬ ‫بدنية ‪ ،‬فيكون الناقل اجلوي مسؤوال في مواجهته (‪.)50‬‬ ‫ومما جتدر اإلشارة إليه ‪ ،‬أن القضاء األمريكي يرفض التعويض عن املظاهر البدنية للضرر النفسي ‪،‬‬ ‫ففي قضية ( ‪ ) Terrafranca v. Virgin Atlantic Airways‬رفضت اﶈكمة العليا التعويض عن‬ ‫األضرار البدنية التي أصابت الراكبة ‪ ،‬واملتمثلة في فقدان الشهية ومن ثم فقدان جزء من وزنها‪،‬‬ ‫نتيجة اخلوف الشديد‪ ،‬واالضطرابات التالية للصدمة(‪ ،)51‬وقد سببت اﶈكمة هذا الرفض وفقا للمادة‬ ‫(‪ ) 97‬من (اتفاقية وارسو ‪ ، )9191‬حيث يشترط وجود ضرر بدني نتج مباشرة عن احلادث‪ ،‬وليس ناجتا‬ ‫عن اخلوف الذي تعرض له الراكب(‪. )52‬‬

‫ ثانيا ‪ :‬مدى تطور التعويض عن األضرار األدبية ( النفسية ) التي تصيب املسافر وفقا‬‫التفاقية( مونتريال ‪: )9111‬‬ ‫باستقراء أحكام القضاء الصادرة في الدعاوي التي تسري عليها اتفاقية ( مونتريال ‪ )9111‬يتبني‬ ‫أنه ال يوجد ثمة تغير في موقف القضاء عما كان عليه في الدعاوى التي كانت تسري عليها‬ ‫اتفاقية( وارسو ‪ .) 9191‬ففي العديد من الدعاوى رفضت اﶈكمة التعويض عن األضرار النفسية‬ ‫استقالال عن الضرر البدني (‪. )53‬‬

‫‪- “.. damages for the physical manifestations of a mental injury will be recoverable.” - 50‬‬ ‫‪ - 51‬تخلص وقائع هذه القضية في أنه أثناء وجود السيدة‪ ) Caroline Terrafranca (:‬وأسرتها على منت طائرة تابعة‬ ‫لشركة( ‪ ) International Virgin Atlantic‬في طريقها من الواليات املتحدة األمريكية إلى لندن ‪ ،‬أعلن قائد‬ ‫الطائرة عن وجود قنبلة على منت الطائرة ‪ ،‬مما أصاب الراكبة بالفزع الشديد‪ ،‬وبعد هبوط الطائرة مبطار(‬ ‫‪ ) Heathrow‬تبني عدم وجود قنبلة على منت الطائرة وأن التحذير كان غير دقيق ‪ ،‬وترتب على ذلك بقاء السيدة (‬ ‫‪ ) Caroline‬في اجنلترا خائفة من العودة إلى الواليات املتحدة لفترة زمنية ‪ ،‬ونقص وزنها نتيجة فقدانها‬ ‫للشهية ‪ ،‬وشخص األطباء حالتها على أنها اضطراب ما بعد الصدمة ‪ ،‬فرفعت دعواها مطالبة الناقل اجلوي‬ ‫بالتعويض عن األضرار التي أصابتها ومنها نقص وزنها كمظهر بدني للصدمة النفسية التي أصابتها ‪.‬‬ ‫‪ - 52‬راجع ‪:‬‬ ‫‪Terrafranca v. Virgin Atlantic Airways, 151 F.3rd 108, 111 (3rd Cir. 1998).‬‬ ‫راجع أيضا ‪:‬‬ ‫‪Carey, Jr v. United Airlines 9th Cir. - 255 F.3d 1044.‬‬ ‫‪ - 53‬راجع ‪:‬‬ ‫‪Booker v. Bwia West Indies Airways Ltd., No. 06-CV-2 146, 2007 WL 135 1927 at 1, 5 (E.D.N.Y. May‬‬ ‫) ‪8,2007) ; Bassam v. American Airlines ,Inc 287 Fed .Appx. 309 ( 5th Cir.2008‬‬ ‫‪32‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫والواقع أننا نرى أنه في ضوء اتفاقية (مونتريال ‪ ،) 9111‬كان ينبغي أن تستمر مسيرة القضاء نحو‬ ‫تقرير مسؤولية الناقل اجلوي عما يصيب املسافرين من أضرار نفسية ‪ ،‬خاصة أن هذه االتفاقية‬ ‫أبرمت في ظل ظروف مختلفة عن تلك التي أبرمت فيها اتفاقية وارسو ‪ ، 9191‬كما بينا سابقا ‪،‬‬ ‫فصناعة النقل اجلوي قد ازدهرت ولم تعد في حاجة إلى احلماية بعكس ما كانت عليه وقت إبرام‬ ‫اتفاقية( وارسو ‪ .) )54( 9191‬وقد انعكس ذلك على مناقشات واضعي اتفاقية( مونتريال ‪ ) 9111‬حول‬ ‫النص على مسؤولية الناقل اجلوي عن األضرار النفسية‪ ،‬حيث نصت مسودتها األولى – بناء على‬ ‫طلب عدد من الدول من بينها الواليات املتحدة األمريكية – إلزام الناقل اجلوي بتعويض األضرار‬ ‫النفسية التي قد حتدث ألي من املسافرين ‪.‬‬ ‫ولكن اعترضت بعض الدول مقنعة باقي الدول بعدم النص صراحة على تعويض األضرار‬ ‫النفسية ‪ ،‬تاركة األمر للقضاء ‪ ،‬آخذة في االعتبار أنه وفقا للسوابق القضائية فإن مفهوم الضرر‬ ‫البدني مستمر في التطور منذ نفاذ اتفاقية( وارسو ‪.(55)) 9191‬‬ ‫ومن ناحية أخرى ‪ ،‬فقد أظهر الواقع العملي أن هناك من األضرار النفسية ما هو أشد جسامة‬ ‫من بعض األضرار البدنية ‪ ،‬وقد أيدت ذلك األبحاث العلمية التي أشارت إليها بعض األحكام‬ ‫القضائية في االرتباط بني اجلسم والنفس(‪. )56‬‬ ‫ومن ناحية ثالثة ‪ :‬كان حري بواضعي اتفاقية( مونتريال‪) 9111‬عدم اإلبقاء على نص املادة (‪) 97‬‬ ‫كما كانت عليه في اتفاقية( وارسو ‪ ، )9191‬فقد تبني – كما بينا سابقا ‪ -‬أنها أثارت خالفا كبيرا في‬ ‫القضاء حول مدى جواز التعويض عن األضرار النفسية التي قد تصيب املسافر جوا في حالة وقوع‬ ‫حادث ‪ ،‬فاستبقاء النص رغم هذا االختالف‪ ،‬واجلدال ينافي الغرض من اتفاقية (مونتريال ‪ ) 9111‬وهو‬ ‫توحيد بعض القواعد املتعلقة مبسؤولية الناقل اجلوي ‪.‬‬ ‫مشار إليها في ‪:‬‬ ‫‪- George N. Tompkins – op. cit. – P. 58‬‬ ‫‪ - 54‬ويرى جانب من الفقه – بحق – أن ما يؤكد الرغبة في استبعاد األضرار النفسية من نطاق مسؤولية الناقل‬ ‫اجلوي ‪ ،‬أن واضعي اتفاقية ( برن ) املتعلقة بالنقل الدولي بالسكك احلديدية ( املعدلة سنة ‪ ) 9166‬مبسؤولية‬ ‫الناقل اجلوي عن األضرار الناجمة عن الوفاة‪ ،‬أو اجلرح‪ ،‬أ و أي مساس آخر بالتكامل اجلسدي‪ ،‬أو النفسي للراكب ‪.‬‬ ‫راجع ‪ :‬د‪ .‬محمد فريد العريني ود‪ .‬محمد السيد الفقي – املرجع السابق – ص ‪ 12‬و ‪. 11‬‬ ‫‪ - 55‬راجع األعمال التحضيرية (التفاقية مونتريال ‪ ،) 9111‬مشار إليها في ‪:‬‬ ‫‪Mental McKay Cunningham - The Montreal Convention: Can Passengers Finally Recover for‬‬ ‫?‪Injuries‬‬ ‫بحث منشور على موقع جامعة ‪: Vanderbilt‬‬ ‫‪Http://www.vanderbilt.edu/jotl/manage/wp-content/uploads/cunningham.pdf‬‬ ‫‪ - 56‬د‪ .‬إبراهيم األرناؤوط – مدى مسؤولية الناقل اجلوي عن األضرار النفسية وفقا ملعاهدة( مونتريال ‪ - )9111‬بحث‬ ‫مقدم ملؤمتر الطيران املدني في ظل التشريعات الوطنية واالتفاقيات الدولية الذي نظمته جامعة اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة في الفترة من ‪ 92‬إلى ‪ 91‬أبريل ‪ - 9099‬ص ‪. 974‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪33‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫ أما فيما يتعلق مبوقف الفقه ‪ :‬ميكن القول أن االجتاه الراجح هو لزوم التعويض عن األضرار‬‫النفسية ‪ ،‬في حني أن هناك رأيا مخالفا ً مقتضاه وجوب اقتصار التعويض عن األضرار البدنية فقط‬ ‫تقيدا بنص املادة( ‪ ) 97‬من ( اتفاقية وارسو ‪ ، )57() 9191‬والواقع أن هذا االختالف رمبا كان له ما يبرره‬ ‫في ضوء اتفاقية وارسو ‪ - 9191‬رغم أن األحكام القضائية نفسها توسعت في تفسير األضرار‬ ‫البدنية ‪ -‬لكن وفقا التفاقية ( مونتريال ‪ ، )9111‬فقد زالت مبررات من يتمسكون باملعنى احلرفي‬ ‫للفظ الضرر البدني ‪ ،‬فقد رأينا سابقا أن واضعي االتفاقية أنفسهم – رغم استبقائهم على‬ ‫الضرر البدني دون إضافة الضرر النفسي – لم يقصدوا قصر مسؤولية الناقل اجلوي على األضرار‬ ‫البدنية‪.‬‬

‫‪ - 57‬لبيان موقف الفقه راجع ‪ :‬د‪ .‬رفعت فخري أبادير ‪ ،‬مدى مسؤولية الناقل اجلوي وفقا التفاقية وارسو عن األضرار‬ ‫التي يتحملها الركاب من عمليات اختطاف الطائرات‪ ،‬وأعمال العنف التي تقع داخل املطارات – مﺠلة اﶈامي ‪-‬‬ ‫السنة السادسة – ‪ – 9122‬ص ‪. 11‬‬ ‫‪34‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫املبحث الثاني‬ ‫أحكام مسؤولية الناقل اجلوي‬ ‫يترتب على توافر شروط مسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬أنه يصبح ملتزما بتعويض املضرورين عما‬ ‫أصابهم من ضرر ‪ ،‬ومن الضروري بيان قواعد التعويض عن الوفاة أو اإلصابة البدنية ‪ ،‬وكذلك بيان‬ ‫قواعد التأمني من مسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬ومن ناحية أخرى سوف نتناول أيضا القواعد اإلجرائية‬ ‫املنظمة ملسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬وسوف نتناول كل ذلك بعد بيان أساس مسؤولية الناقل اجلوي ‪.‬‬

‫املطلب األول‬ ‫أساس مسؤولية الناقل اجلوي‬ ‫من األهمية مبكان اإلشارة إلى أساس مسؤولية الناقل اجلوي وفقا التفاقية( وارسو ‪ )9191‬وما‬ ‫تالها من بروتوكوالت واتفاقيات معدلة لها ‪ ،‬وذلك قبل بيانه وفقا التفاقية( مونتريال ‪،)9111‬‬ ‫وباستقراء هذه االتفاقيات والبروتوكوالت ‪ ،‬ميكن القول بأنه منذ اتفاقية( وارسو ‪ ) 9191‬فإن‬ ‫مسؤولية الناقل اجلوي هي مسؤولية عقدية ‪ ،‬وأن التزام الناقل بضمان سالمة الراكب هو التزام‬ ‫بتحقيق نتيجة ‪ ،‬تتمثل في توصيل املسافر سليما دون تأخير عن املوعد املتفق عليه(‪ ،)58‬ولم يتغير‬ ‫هذا األساس في االتفاقيات التالية على اتفاقية وارسو ‪ ،‬ولكن الذي يتغير دائما هو نطاق هذا االلتزام‬ ‫‪.‬‬ ‫فوفقا التفاقية (وارسو ‪ ،) 9191‬يستطيع الناقل اجلوي أن يتخلص من املسؤولية بسهولة‪ ،‬وذلك‬ ‫بإثباته أنه وتابعيه اتخذوا كافة التدابير واالحتياطات التي من شأنها أن حتول دون وقوع الضرر ‪ ،‬أو أنه‬ ‫كان من املستحيل عليه وعلى تابعيه اتخاذ هذه التدابير واالحتياطات(‪ ، )59‬مع األخذ في االعتبار أن‬ ‫مسؤولية الناقل اجلوي كانت محدودة مببلغ( ‪) 991‬ألف فرنك سويسري(‪.)60‬‬

‫‪ - 58‬لقد ثار خالف بني الدول التي أبرمت اتفاقية( وارسو ‪ ) 9191‬حول األساس الذي ستؤسس عليه مسؤولية الناقل‬ ‫اجلوي ‪ ،‬حيث اقترحت الدول (األجنلو أمريكية )أن تقوم مسؤولية الناقل اجلوي على اخلطأ التقصيري ‪ ،‬في حني‬ ‫اقترحت باقي الدول أن تكون مسؤوليته عقدية ‪ ،‬ولكن في نهاية األمر حسم اخلالف باالتفاق على جعل‬ ‫مسؤولية الناقل اجلوي مسؤولية عقدية ‪ .‬راجع في تفصيل ذلك ‪ :‬د‪ .‬شريف غنام – املرجع السابق – ص ‪. 976‬‬ ‫‪ - 59‬املادة ‪ 90‬من اتفاقية( وارسو ‪. )9191‬‬ ‫‪ - 60‬املادة ‪ 9\99‬من اتفاقية( وارسو ‪.) 9191‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪35‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫ونظرا لعدم حتقيق اتفاقية( وارسو ‪ ) 9191‬التوازن بني حقوق الناقلني وبني حقوق املسافرين ـ فقد‬ ‫مت تعديلها مبوجب بروتوكول( الهاي ‪ ،) 9111‬وذلك بزيادة احلد األقصى ملسؤولية الناقل اجلوي عن‬ ‫الوفاة واإلصابة اجلسدية إلى( ‪) 910‬ألف فرنك سويسري(‪. )61‬‬ ‫أما في اتفاقية (مونتريال ‪ ، )9166‬ووفقا لرغبة الواليات املتحدة األمريكية وتهديدها باالنسحاب‬ ‫من اتفاقية ( وارسو ‪ 9191‬فقد مت االتفاق على زيادة احلد األقصى ملسؤولية الناقل اجلوي إلى) ‪710‬‬ ‫(ألف دوالر أمريكي (‪ ،)62‬على أن تكون الواليات املتحدة هي نقطة مغادرة الطائرة‪ ،‬أو نقطة مقصدها‬ ‫النهائية أو نقطة توقفها ‪.‬‬ ‫وكان التعديل األخير التفاقية) وارسو ‪ ،( 9191‬مبوجب بروتوكول )جواتيماال سيتي ‪ ) 9179‬حيث‬ ‫أصبح احلد األقصى ملسؤولية الناقل اجلوي عن وفاة‪ ،‬أو إصابة املسافر هو( مليون ونصف مليون)‬ ‫فرنك سويسري (‪.)63‬‬ ‫أما اتفاقية ( مونتريال ‪ ) 9111‬فقد وضعت املادة( ‪) 99‬من هذه االتفاقية إطارين ملسؤولية الناقل‬ ‫اجلوي عن الوفاة واألضرار البدنية ‪ ،‬يختلف أساس مسؤولية الناقل اجلوي في كل منهما ‪ ،‬ففي‬ ‫أولهما ‪ :‬حيث يكون احلد األقصى ملسؤولية الناقل ال يزيد عن( ‪ 900‬ألف وحدة حقوق سحب خاصة)‬ ‫(‪ : )64‬فتكون مسؤولية الناقل مسؤولية مطلقة (صارمة) ‪ Strict Liability‬أو غير خطئية ‪، No Fault‬‬ ‫بحيث ال يستطيع التخلص من هذه املسؤولية حتى لو أثبت عدم وجود تقصير أو خطأ من جانبه ‪،‬‬ ‫بل حتى لو استطاع إثبات أن هناك سببا ً أجنبيا ً يتمثل في قوة قاهرة‪ ،‬أو في خطأ الغير(‪.)65‬‬

‫‪ - 61‬املادة ‪ 99‬من بروتوكول( الهاي ‪. )9111‬‬ ‫‪ - 62‬املادة ‪ 9‬من اتفاقية (مونتريال ‪.)9166‬‬ ‫‪ - 63‬املادة ‪ 9\2‬من بروتوكول جواتيماال( ‪ .) 9179‬غير أن االتفاقية قيدت حق الناقل في االستفادة من احلق األقصى‬ ‫للتعويض بقيود أهمها‪ :‬النقل دوليا وفقا التفاقية (وارسو ‪ ،) 9191‬وأال يكون احلادث الناجم عنه الضرر نتيجة لفعل‬ ‫أو امتناع من جانب الناقل اجلوي أو تابعيه ‪ ،‬إما بقصد إحداث ضرر‪ ،‬أو بإهمال مقرون بإدراك أن ضرر قد يترتب عليه ‪.‬‬ ‫‪ - 64‬وحدة حقوق السحب اخلاصة هي ‪:‬‬ ‫نوع من العملة الدولية؛ أنشأها صندوق النقد الدولي‪ ،‬وخصصت للدول األعضاء في الصندوق ‪ .‬ومع أن هذه‬ ‫احلقوق مجرد وحدات حسابية‪ ،‬وليست مدعومة بعملة ورقية‪ ،‬أو معدن نفيس إال أنها متثل أصال ً= =احتياطيا ً‬ ‫دولياووحدة احلقوق اخلاصة تتكون من سلة من عمالت رئيسة هي‪ :‬الدوالر األمريكي‪ ،‬والفرنك الفرنسي‪ ،‬واملارك‬ ‫األملاني‪ ،‬واجلنيه اإلسترليني‪ ،‬والني الياباني‪ ،‬وتعني باالجنليزية ‪:‬‬ ‫) ‪SDR ( Special Drawing Right‬‬ ‫ أما حقوق السحب اخلاصة فهي ‪:‬‬‫مقياس للموجودات االحتياطية لدولة في نظام صندوق النقد الدولي ‪ .‬أصدرها الصندوق ألول مرة في عام‬ ‫(‪ ،) 9170‬واملقصود منها تكميل االحتياطيات من الذهب والعمالت األجنبية التي تستخدم للمحافظة على‬ ‫االستقرار في سوق العمالت األجنبية ‪.‬‬ ‫‪ - 65‬ولكن يستطيع أن يتخلص من املسؤولية بإثبات أن خطأ املضرور ‪ .‬وسوف نبني ذلك الحقا بالتفصيل ‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬فإننا نرى مسؤولية الناقل في هذا اإلطار – كما هو في القواعد العامة ملسؤولية‬ ‫الناقل بوجه عام ‪ -‬تؤسس على التزامه بضمان السالمة ‪ ،‬وهو التزام بتحقيق نتيجة‪ ،‬وال يغير من‬ ‫ذلك ما أحدثته االتفاقية من اتساع في نطاق هذا االلتزام بجعل مسؤولية الناقل مطلقة أو‬ ‫صارمة ‪ ،‬بحرمانه من التخلص من مسؤوليته بإثبات السبب األجنبي‪ ،‬إذ يظل التزام الناقل بضمان‬ ‫سالمة املسافرين‪ ،‬التزاما بتحقيق نتيجة‪ ،‬كصورة من صور االلتزام العقدي ‪.‬‬ ‫ورغم ذلك فيمكن القول أن التشدد في مسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬بحرمانه من التخلص من‬ ‫مسؤوليته حتى لو أثبت السبب األجنبي ‪ ،‬أن مسؤوليته أصبحت أقرب للمسؤولية املوضوعية‬ ‫املقررة بقوة القانون ‪ ،‬وال يرجع السبب في ذلك – من وجهة نظرنا – إلى إعفاء املضرور أو املستحقني‬ ‫عنه من إثبات خطأ الناقل ‪ ،‬إذ أن هذا اإلعفاء يرجع إلى طبيعة التزام الناقل اجلوي بضمان سالمة‬ ‫املسافرين املتمثل في أنه التزام بتحقيق نتيجة‪ ،‬وليس التزاما ببذل عناية‪.‬‬ ‫أما في اإلطار الثاني‪ :‬حيث تزيد قيمة التعويض املطالب به عن( ‪ 900‬ألف وحدة حقوق سحب‬ ‫خاصة) ‪ ،‬تكون مسؤولية الناقل غير محدودة بغطاء معني ‪ ،‬وال يستطيع التخلص من املسؤولية إال‬ ‫بإثبات عدم حدوث خطأ أو إهمال منه أو من أحد تابعيه أو إثبات السبب األجنبي ‪ ،‬وعلى العكس من‬ ‫اإلطار األول ‪ ،‬ففي هذا اإلطار خففت االتفاقية من مسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬حيث أتاحت له التخلص‬ ‫من مسؤوليته في حالة حدوث ضرر للراكب بإثبات عدم حدوث خطأ من جانبه أو من أحد تابعيه ‪.‬‬ ‫ورغم هذا فإننا نرى أن أساس مسؤولية الناقل هو التزامه العقدي املتمثل في حتقيق نتيجة‪ ،‬أال‬ ‫وهي توصيل املسافر سليما إلى جهة الوصول ‪ ،‬وال يقدح في ذلك التخفيف من مسؤولية الناقل‬ ‫اجلوي بالسماح له بالتخلص من مسؤوليته بإثباته عدم حدوث خطأ أو إهمال منه أو من أحد تابعيه‬ ‫‪.‬‬ ‫نخلص مما تقدم أن أساس مسؤولية الناقل اجلوي عن الوفاة والضرر البدني وفقا التفاقية‬ ‫(مونتريال ‪ ،)9111‬إخالله بالتزامه العقدي املتمثل في التزامه بضمان سالمة املسافرين‪ ،‬وهو التزام‬ ‫بتحقيق نتيجة ‪ ،‬غير أن حدود هذا االلتزام تختلف بحسب قيمة مبلغ التعويض املطالب به ‪ ،‬حيث‬ ‫شددت مسؤولية الناقل إن لم تتجاوز قيمته ( ‪ 900‬ألف وحدة حقوق سحب خاصة) ‪ ،‬في جعل‬ ‫مسؤوليته مطلقة أو صارمة فال يستطيع أن يتخلص منها إال بإثبات خطأ املضرور‪.‬‬ ‫أما إذا جتاوزت قيمة التعويض (‪ 900‬ألف وحدة حقوق سحب خاصة)‪ ،‬فمن ناحية فقد شددت‬ ‫االتفاقية على مسؤولية الناقل اجلوي بجعل مسؤوليته غير محدودة ‪ ،‬ومن ناحية أخرى فقد‬ ‫خففت االتفاقية من مسؤولية الناقل اجلوي بالسماح له بالتخلص من مسؤوليته بإثبات عدم‬ ‫حدوث خطأ منه أو من أحد تابعيه ‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪37‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫املطلب الثاني‬ ‫القواعد املوضوعية ملسؤولية الناقل اجلوي‬ ‫لقد أحدثت اتفاقية( مونتريال ‪ ) 9111‬طفرة في زيادة مقدار التعويض‪ ،‬ومن التشديد على‬ ‫مسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬كما أنها جعلت حصول املضرورين على التعويض أكثر سهولة ‪ ،‬ومراعاة‬ ‫لتحقيق التوازن بني مصالح الناقلني اجلويني واملسافرين ‪ ،‬فقد أتاحت االتفاقية للناقل اجلوي الرجوع‬ ‫على الغير املسؤول عن احلادث الذي سبب الضرر للمسافر ‪ ،‬كما أنه ال يحق للناقل اجلوي االتفاق‬ ‫على إعفائه من املسؤولية ‪.‬‬

‫الفرع األول‬ ‫قواعد التعويض عن األضرار التي تصيب املسافرين‬ ‫أوال ‪ :‬مقدار التعويض ومراعاة مصالح املضرورين بتيسير حصولهم عليه ‪:‬‬ ‫بينا سابقا تطور مقدار التعويض الذي يلتزم به الناقل في حالة وفاة أحد املسافرين أو إصابته‬ ‫بضرر بدني ‪ ،‬بدءا من اتفاقية ( وارسو ‪ ) 9191‬وصوال إلى اتفاقية ( مونتريال ‪ ،) 9111‬حيث أصبح‬ ‫مقدار التعويض غير محدد بسقف معني ‪ ،‬وال ينفي ذلك وجود إطارين ملبلغ التعويض‪ ،‬إذ أن السبب‬ ‫رغبة واضعي االتفاقية في إيجاد نوع من التوازن بني مصالح الناقل اجلوي وبني مصالح املسافرين ‪،‬‬ ‫بتشديد مسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬وذلك بجعل مسؤولية الناقل اجلوي مسؤولية مطلقة أو صارمة ‪،‬‬ ‫فيما ال يجاوز مقدار التعويض (‪ 900,000‬وحدة حقوق سحب خاصة) ‪ .‬أما إذا زادت املطالبة‬ ‫بالتعويض عن هذا املقدار فقد خففت االتفاقية من مسؤوليته باالكتفاء بافتراض خطئه و رغم‬ ‫ذلك قابل إلثبات العكس ‪.‬‬ ‫ومن احلسنات التي استحدثتها اتفاقية ( مونتريال ‪ )9111‬ما نصت عليه املادة (‪ )94‬مراجعة‬ ‫سقف التعويض كل خمس سنوات على أن تقوم بها الدول التي تشارك عملتها في تشكيل‬ ‫العملة التي اعتمدتها االتفاقية للتعويض ‪.‬‬ ‫كما أتاحت االتفاقية للمسافر املضرور أو لعائلته باحلصول على دفعة مقدمة من التعويض على‬ ‫أن يكون ذلك بعد وقوع احلادث ‪ ،‬وذلك خالل خمسة عشر يوما من تاريخ حتديد هوية الشخص الذي‬ ‫يحق له التعويض‪ ،‬ويجب أال يقل هذا املبلغ عن ( ‪ 96,000‬وحدة حقوق سحب خاصة) لكل مضرور ‪،‬‬ ‫وذلك تخفيفا على أسرة املسافر املتوفى ‪ ،‬أو مساعدة املسافر املضرور في احلصول على العالج‬ ‫املناسب في الوقت املناسب ‪ ،‬دون انتظار لصرف مبلغ التعويض النهائي الذي يستغرق عادة وقتا‬ ‫طويال ‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫ولكن ذلك ال يعني اإلقرار مبسؤولية الناقل اجلوي عن احلادث‪ ،‬واألضرار املترتبة عليه‪ ،‬إذ أنه مجرد‬ ‫مساعدة عاجلة للراكب‪ .‬أما إذا ثبتت مسئولية الناقل اجلوي عن احلادث‪ ،‬فيتم خصم هذه املبالغ من‬ ‫قيمة التعويض النهائي‪ .‬غير أن تطبيق ذلك يكون حسب ما يفرضه قانون الدولة التي وقع فيها‬ ‫احلادث ؛ أما في حالة خلو هذا القانون من نص بذلك؛ فإن الناقل يكون غير ملزم بهذا احلكم (‪.)66‬‬

‫ثانيا ‪ :‬مدى تخلص الناقل اجلوي من املسؤولية ‪:‬‬ ‫إذا لم تتجاوز املطالبة بالتعويض( ‪ 900,000‬وحدة حقوق سحب خاصة) ‪ ،‬فيمكن القول أن‬ ‫اتفاقية( مونتريال ‪ –) 9111‬مقارنة باتفاقية ( وارسو ‪ )9191‬واالتفاقيات املعدلة لها – قلصت من حق‬ ‫الناقل اجلوي في التخلص من مسؤوليته ‪ ،‬ال يستطيع أن يتخلص من مسؤوليته حتى بإثبات القوة‬ ‫القاهرة أو بإثبات فعل الغير ‪ ،‬أما إذا جتاوزت املطالبة بالتعويض هذا القدر؛ فيستطيع أن يتخلص من‬ ‫مسؤوليته مبجرد إثبات عدم حدوث خطأ أو تقصير من جانبه أو من أحد تابعيه ـ أو بإثباته السبب‬ ‫األجنبي ‪.‬‬ ‫ومما جتدر اإلشارة إليه أن اتفاقية ( مونتريال ‪ ) 9111‬قد أحدثت طفرة في حماية املسافرين ‪ ،‬على‬ ‫حساب مراعاة التوازن بني مصالح الناقل ومصاحلهم ‪ ،‬فهي من ناحية أطلقت مسؤولية الناقل‬ ‫اجلوي بحيث أصبح مسؤوال عن تعويض الركاب دون سقف للتعويض‪ ،‬ومن ناحية أخرى – كما‬ ‫أسلفنا – شددت مسؤولية الناقل اجلوي فيما دون حد(‪ 900,000‬وحدة حقوق سحب خاصة ) ‪،‬‬ ‫وكذلك ما قررته من دفعة مقدمة للمضرورين ‪.‬‬ ‫ورغم هذا التطور‪ ،‬ال يزال املسافرون في حاجة للمزيد من حماية حقوقهم‪ ،‬فوفقا للقواعد‬ ‫العامة ال يستطيع الناقل اجلوي التخلص من مسؤوليته بإثبات عدم حدوث خطأ أو إهمال من‬ ‫جانبه أو من أحد تابعيه‪ ،‬جند أن اتفاقية ( مونتريال ‪ ) 9111‬أخذت بعكس ذلك‪ ،‬حيث نصت في املادة (‬ ‫‪ ) 99‬على أن الناقل اجلوي لن يستطيع التخلص من مسؤوليته مجرد إثبات خطأ‪ ،‬أو إهمال من‬ ‫جانبه ‪ ،‬إذا زادت قيمة التعويض عن( ‪ 900,000‬وحدة حقوق سحب خاصة) ‪.‬‬ ‫وفي املقابل فقد شددت االتفاقية من مسؤولية الناقل بطريقة تخلو من التوازن ‪ ،‬حيث منعت‬ ‫الناقل اجلوي من التخلص من مسؤوليته حتى لو أثبت أن سبب احلادث راجع إلى قوة قاهرة أو إلى‬ ‫فعل الغير‪ ،‬وذلك إذا لم تتجاوز قيمة مبلغ التعويض( ‪ 900,000‬وحدة حقوق سحب خاصة ) ‪.‬‬

‫‪- Article (28): “ In the case of aircraft accidents resulting in death or injury of passengers, the carrier - 66‬‬ ‫‪shall, if required by its national law, make advance payments without delay to a natural person or‬‬ ‫‪persons who are entitled to claim compensation in order to meet the immediate economic needs of‬‬ ‫‪such persons. Such advance payments shall not constitute a recognition of liability and may be offset‬‬ ‫”‪against any amounts subsequently paid as damages by the carrier.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪39‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫والواقع أنه إذا كان من املقبول تشديد مسؤولية الناقل بحرمانه من التخلص من املسؤولية‬ ‫بإثباته السبب األجنبي ‪ ،‬وذلك ألنه يحق للناقل الرجوع على املسؤول عن احلادث الذي سبب الضرر‬ ‫للمسافر ‪ ،‬كما أن شركات التأمني ستتولى دفع التعويض للمضرور ‪ ،‬فليس من املقبول حرمان‬ ‫املسافر من حقه في التعويض مبجرد إثبات الناقل عدم وجود خطأ أو تقصير من جانبه أو من أحد‬ ‫تابعيه ‪.‬‬ ‫سيما وأن صناعة النقل اجلوي ‪ ،‬لم تعد بحاجة للحماية كما كانت عليه عند وضع اتفاقية‬ ‫(وارسو ‪ ،) 9191‬كما أننا أصبحنا في زمان سادت فيه املسؤولية املوضوعية في العديد من مجاالت‬ ‫احلياة (‪ ، )67‬ولهذا نرى أنه من الالزم تعديل املادة( ‪ )99‬من اتفاقية( مونتريال ‪ ، )9111‬بحيث يستطيع‬ ‫الناقل اجلوي أن يتخلص من مسؤوليته فقط إذا زادت قيمة التعويض عن( ‪ 900,000‬وحدة حقوق‬ ‫سحب خاصة) ‪ ،‬بإثبات السبب األجنبي ‪ ،‬وليس مبجرد إثبات عدم وجود خطأ أو إهمال من جانبه أو‬ ‫من أحد تابعيه ‪ .‬ألنه إذا كان من املبرر في الوقت احلاضر اخلروج عن القواعد العامة ملسؤولية الناقل ‪،‬‬ ‫بتشديد مسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬فال ميكن تبرير جعل مسؤوليته أخف مما تقضي به تلك القواعد‬ ‫العامة ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬حق الناقل اجلوي في الرجوع على الغير‪:‬‬ ‫أتاحت املادة (‪ )27‬من اتفاقية ( مونتريال ‪ ) 9111‬للمسؤول أداء التعويض احلق في الرجوع على‬ ‫الغير مبا دفعه من تعويض للمضرور (‪ ،)68‬وعلى ذلك فإذا كانت احلادثة التي نتج عنها الضرر الذي‬ ‫أصاب املسافر قد نشأت نتيجة فعل شخص غير الناقل اجلوي أو أحد تابعيه ‪ -‬كما في حالة اعتداء‬ ‫راكب على آخر – فيحق للناقل اجلوي الرجوع على الغير مبا دفعه من تعويض للمضرور ‪ .‬وتبدو أهمية‬ ‫ذلك في إفادة املضرور من املميزات املقررة للمضرور وفقا التفاقية ( مونتريال‪ ، )69() 9111‬مع عدم‬ ‫اإلخالل بحق الناقل اجلوي في الرجوع على الغير ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬بطالن االتفاق على إعفاء الناقل اجلوي من املسؤولية ‪:‬‬

‫‪ - 67‬د‪ .‬محسن عبد احلميد البيه ‪ -‬حقيقة أزمة املسؤولية املدنية ودور تأمني املسؤولية – مكتبة اجلالء املنصورة –‬ ‫‪ – 9112‬ص ‪ 9‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪“ Nothing in this Convention shall prejudice the question whether a person liable for ( :37)-Article - 68‬‬ ‫‪damage in accordance with its provisions has a right of recourse against any other person”.‬‬ ‫‪ - 69‬وذلك من حيث الدفعة املقدمة للتعويض ‪ ،‬وصعوبة التخلص من املسؤولية ‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫وفقا التفاقية ( مونتريال ‪ ) 9111‬يقع باطال كل شرط يقضي بإعفاء الناقل كليا ً أو جزئيا ً من‬ ‫املسؤولية عما يلحق بالراكب من أضرار جسدية أو حتديدها بأقل من احلدود املنصوص عليها في‬ ‫االتفاقية (‪ ،)70‬ألنه من شأن ذلك عدم تهرب الناقل من املسؤولية عن طريق اإلعفاء منها أو حتديدها‬ ‫مببلغ ضئيل (‪ .)71‬ويعتبر في حكم اإلعفاء من املسؤولية كل شرط يكون من شأنه إلزام الراكب أو‬ ‫املرسل إليه بدفع كل أو بعض نفقات التأمني من مسئولية الناقل(‪. )72‬‬ ‫وجتدر اإلشارة إلى أن هذا البطالن يقتصر على شرط اإلعفاء من املسؤولية أو احلد منها‪ ،‬فال‬ ‫يترتب عليه بطالن العقد بأكمله ‪ ،‬حيث يظل خاضعا ً ألحكام اتفاقية ( مونتريال لعام ‪.)73() 9111‬‬

‫الفرع الثاني‬ ‫التأمني من املسؤولية املدنية للناقل اجلوي‬ ‫لتيسير حصول املسافرين املضرورين أو ورثتهم على التعويض ‪ ،‬ألزمت اتفاقية (مونتريال‪)9111‬‬ ‫الدول املتعاقدة‪ ،‬إلزام الناقلني اجلويني بتقدمي ما يفيد إبرامهم عقود تأمني تغطي مسؤوليتهم جتاه‬ ‫املسافرين ‪ ،‬ويسري هذا االلتزام على الدول التي متنح رخصة التشغيل ‪ ،‬وكذلك الدول التي ينظم‬ ‫الناقل اجلوي رحالته إليها (‪. )74‬‬ ‫والواقع أن ذلك يعد من حسنات هذه االتفاقية ‪ ،‬حيث لم يعد هناك ما يبرر حرمان املضرور جزئيا‬ ‫أو كليا من التعويض مراعاة ملبدأ التوازن بني مصالح الناقلني اجلويني وبني مصالح املسافرين ‪.‬‬ ‫والواقع أنه مجرد حصول املسافر املضرور‪ ،‬أو ورثته على التعويضات من الناقل ‪ ،‬تثور عدد من‬ ‫األسئلة أهمها ؛ مدى جواز رجوع املضرور على املؤمن بالدعوى املباشرة ‪ ،‬ومدى أحقية املؤمن في‬ ‫الرجوع على غير املسؤول عن احلادث الذي سبب الضرر للمسافر‪ ،‬كذلك مدى أحقية املؤمن في‬ ‫الرجوع على الغير املسؤول عن احلادث الذي سبب الضرر للمسافر ‪.‬‬

‫‪“Any contractual provision tending to relieve the contracting carrier or the actual ( :47)- Article - 70‬‬ ‫‪carrier of liability under this Chapter or to fix a lower limit than that which is applicable according to‬‬ ‫”‪this Chapter shall be null and void,…..‬‬ ‫‪ - 71‬د‪ .‬سمير حامد اجلمال – التأمني من املسؤولية املدنية عن مخاطر الطيران املدني – مجلة األمن والقانون –‬ ‫أكادميية شرطة دبي – السنة العشرون – العدد األول – يناير ‪ – 9099‬ص ‪. 292‬‬ ‫‪ -72‬املادة ‪ 9/914‬من قانون التجارة املصري؛ ويقابلها املادة ‪ 9/226‬من قانون املعامالت التجارية االحتادي اإلماراتي‪ .‬راجع ‪:‬‬ ‫د‪ .‬سمير حامد اجلمال – املرجع واملوضع السابقني ‪.‬‬ ‫‪but the nullity of any such provision does not involve the nullity of the whole “ …( :47)-- Article - 73‬‬ ‫‪” contract, which shall remain subject to the provisions of this Chapter.‬‬ ‫‪- Article (50): “States Parties shall require their carriers to maintain adequate insurance covering - 74‬‬ ‫”…‪their liability under this Convention‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪41‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫أوال‪ :‬حق املضرور في الرجوع على املؤمن بالدعوى املباشرة ‪:‬‬

‫استقرت أحكام القضاء على جواز رجوع املضرور على املؤمن بالدعوى املباشرة مطالبا إياه‬ ‫بالتعويض عن األضرار التي أصابته ‪ ،‬وعلى ذلك يحق للمسافر املضرور أو ورثته الرجوع على املؤمن‬ ‫بالدعوى املباشرة ‪ ،‬كما يكفي أن يكون الناقل اجلوي مختصما في دعوى املطالبة بالتعويض حتى‬ ‫يكون احلكم حجة عليه ‪ ،‬كما أن اختصام الناقل اجلوي يعد حقا له ليتمكن من إبداء دفاعه في‬ ‫الدعوى(‪. )75‬‬

‫ثانيا‪ :‬حق املؤمن في الرجوع على الغير ‪:‬‬

‫يحق للمؤمن – بعد أدائه التعويضات للمضرورين ‪ -‬الرجوع على الغير املسؤول عن الضرر ‪ ،‬فقد‬ ‫نصت املادة( ‪ )27‬من اتفاقية ( مونتريال ‪ )9111‬على أنه ال يوجد في هذه االتفاقية ما يحول دون حق‬ ‫املسؤول عن أداء التعويض في الرجوع على الغير املسؤول عن الضرر الذي أصاب املسافر(‪ ، )76‬ويكون‬ ‫الرجوع – وفقا للقواعد العامة – مبقدار ما أداه املؤمن من تعويض(‪. )77‬‬ ‫ويترتب على أداء املؤمن التعويض للمضرور‪ ،‬عدم جواز مطالبة األخير للناقل بالتعويض مرة أخرى‬ ‫‪ ،‬حيث ال يجوز اجلمع بني مبلغ التأمني ومبلغ التعويض‪ .‬ولكن ذلك ال مينع املضرور من الرجوع على‬ ‫املؤمن واملؤمن له معا ً ‪ ،‬فاملؤمن واملؤمن له ملتزمان في مواجهة املضرور بالتزام واحد على سبيل‬ ‫التضامن ‪ ،‬فإذا قام أحدهما بأداء بالتعويض برئت ذمة اآلخر‪ ،‬وإذا كان املوفي هو املؤمن له فيحق له‬ ‫أن يرجع على املؤمن مبا دفعه في حدود قيمة التأمني املستحقة له ‪ ،‬وإذا كان املوفي هو املؤمن لم‬ ‫يكن له أن يرجع على املؤمن له‪ ،‬ما لم يكن االلتزام الذي أوفى به يتجاوز التزامه قبل املؤمن له(‪.)78‬‬ ‫وقد سبقت اإلشارة إلى أننا نؤيد التوسع في مفهوم احلادث بحيث يشمل اعتداء الغير على‬ ‫املسافر أثناء عملية النقل اجلوي – وفقا للمفهوم السابق بيانه ‪ ، -‬وما يترتب على ذلك من تقرير‬ ‫مسؤولية الناقل اجلوي عن تعويض األضرار الناجتة عن هذا احلادث ‪ ،‬استنادا إلى أنه يحق للمسؤول‬ ‫عن أداء التعويض في الرجوع على غير املسؤول عن هذا الضرر ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬حق املؤمن في احللول محل الناقل اجلوي‪:‬‬

‫‪ - 75‬راجع‪ :‬نقض مدني مصري‪ ،‬جلسة ‪ 4‬يونيـه ‪ ،9162‬الطعـن رقـم ‪ 204‬لسـنة ‪ 24‬ق‪ ،‬س ‪ ،91‬ع ‪ ،9‬ص ‪ ،9011‬سـعيد‬ ‫أحمد شعلة‪ -‬قضاء النقض في التأمني‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ -9117 -‬ص ‪.902‬‬ ‫‪- Article (37): “Nothing in this Convention shall prejudice the question whether a person liable for - 76‬‬ ‫”‪damage in accordance with its provisions has a right of recourse against any other person.‬‬ ‫‪ -77‬د‪ .‬حسام الدين محمد األهواني‪ -‬املبادئ العامة للتأمني ‪ -‬دار النهضة العربية‪ -‬القاهرة‪ -9171 -‬ص ‪.920‬‬ ‫‪ -78‬د‪ .‬مصطفى محمد اجلمـال‪ -‬الوسـيط فـي التـأمني اخلـاص وفقـا ً ألحكـام قـانون املعـامالت املدنيـة اإلمـاراتي‪-‬‬ ‫مطبوعات جامعة اإلمارات العربية املتحدة‪ -‬ط ‪ -9117‬ص ‪.401‬‬ ‫‪42‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫ذكرنا آنفا أنه يحق للمؤمن الرجوع على الغير مبا أداه من تعويض للمضرور ‪ ،‬ووسيلة املؤمن فـي‬ ‫الرجوع ‪ ،‬يكون بحلول املؤمن محل الناقل اجلوي ( املؤمن له ) في الرجوع على هذا الغير ‪ ،‬وعلى ذلـك‬ ‫يحق للمؤمن مقاﺿاة غير املسﺌول ‪ .‬ويلتزم املؤمن له باتﺨاذ كل ما من شأنه اﶈافظة على حقـوﻕ‬ ‫املؤمن‪ ،‬وتقدمي املساعدات املمكنة واملستندات التي يحتاجها للرجوع على الغير(‪. )79‬‬ ‫وعلى الرغم مما ذكرناه آنفا ‪ ،‬إال أن االتفاقية لم حتدد كيفية إلزام الناقل بالتأمني مـن مسـؤوليته‬ ‫جتاه املسافرين ‪ ،‬حيث اكتفت فقط بإلزام الدول األطراف بإلزام الناقل اجلوي بتقدمي دليل على إبرامـه‬ ‫عقد تأمني يغطي مسؤوليته جتاه املسافرين ‪ ،‬وكذلك إلزام الدول التي ينظم الناقـل اجلـوي رحالتـه‬ ‫إليها بتقدمي مثل هذا الدليل ‪ .‬والواقع أننا نرى أنه من الضروري تعديل الدول األطراف فـي اتفاقيـة(‬ ‫مونتريال ‪ ) 9111‬للقوانني املنظمة للطيران املدني بحيـث ال ميـنح الناقـل اجلـوي التـرخيص مبزاولـة‬ ‫نشاطه إال بعد تقدميه دليال على إبرامه عقد تأمني يغطي مدة الرخصة املمنوحة له ‪ ،‬على أن يلـزم‬ ‫بإعادة تقدميه دليال مماثال عند كل مرة يتم جتديد الترخيص فيها ‪.‬‬

‫‪ - 79‬راجع‪ :‬البند ‪ 91/1‬من وثيقة شركة مصر للتأمني رقم ‪ 9790‬لسنة ‪ 9001‬الصادرة لصالح شركة مصر للطيران‪،‬‬ ‫ملدة سنة تبدأ من ‪ .9001/99/96‬مشار إليه في ‪ :‬د‪ .‬سمير اجلمال – مرجع سابق – هامش ‪ – 2‬ص ‪. 291‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪43‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫املطلب الثالث‬ ‫القواعد اإلجرائية ملسؤولية الناقل اجلوي‬ ‫نتناول في هذا املطلب القواعد اإلجرائية ملسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬وذلك بتحديد أطراف الدعوى –‬ ‫املدعي واملدعى عليه ‪ ، -‬فيدق األمر عند وجود أكثر من ناقل جوي ‪ ،‬كما في حالتي الناقل املتعاقد‬ ‫والناقل الفعلي ‪ ،‬أو في حاالت النقل املتتابع ‪ ،‬أو في حالة إيجار الطائرة‪.‬‬ ‫ومن األهمية مبكان أيضا حتديد اﶈكمة اﺨﻤﻟتصة بنظر الدعوى ‪ ،‬وكذلك مدة عدم سماع الدعوى ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬أطراف الدعوى ‪:‬‬

‫من األهمية مبكان حتديد طرفي دعوى املسؤولية ‪ ،‬أي حتديد كل من املدعي واملدعى عليه في هذه‬ ‫الدعوى ‪ ،‬ففيما يتعلق باملدعي ‪ :‬ال توجد ثمة صعوبة في حتديد املدعي في الفرض الذي يطالب فيه‬ ‫املسافر بالتعويض عن األضرار التي أصابته أثناء عملية النقل‪ ،‬ولكن تثور الصعوبة في حالة وفاة‬ ‫املسافر عند حتديد أي من الورثة يحق له رفع دعوى املسؤولية ‪.‬‬ ‫فلم تعالج اتفاقية( مونتريال ‪) 9111‬هذا الفرض ‪ ،‬تاركة للقوانني الداخلية للدول األطراف حتديد‬ ‫األشخاص املستحقني للتعويض ‪ ،‬وإزاء ذلك فالرأي الغالب في الفقه هو حتديد الورثة يكون وفقا‬ ‫للقانون الشخصي للمضرور على أال يتعارض ذلك مع النظام العام للمحكمة التي تنظر النزاع(‪.)80‬‬ ‫وجتدر اإلشارة إلى أن املادة (‪ )240‬من قانون املعامالت التجارية لدولة اإلمارات العربية املتحدة ‪ ،‬في‬ ‫سياق تنظيمها ملسؤولية الناقل في عقود نقل األشخاص بوجه عام ‪ ،‬حددت األشخاص الذين يحق‬ ‫لهم املطالبة بالتعويض بأنهم ورثة الراكب أو األشخاص الذين يعولهم تنفيذا لاللتزام بنفقة ‪.‬‬ ‫أما فيما يتعلق باملدعى عليه فال شك أنه هو الناقل اجلوي الذي يتولى تنفيذ عملية النقل‬ ‫اجلوي(‪ ، )81‬سواء أكان الناقل متعاقدا أم فعليا ‪ ،‬وسواء أكان مالكا أم مستأجرا ‪ ،‬كما أنه من املتصور‬ ‫أن يكون الناقل شخصا طبيعيا – ولو أن ذلك أمر نادر احلدوث ‪ ، -‬فإذا توفي الناقل فوفقا للمادة (‪)29‬‬ ‫من اتفاقية (مونتريال ‪ ) 9111‬يجوز مطالبة ورثته بالتعويض ‪ .‬غير أنه قد تثور بعض الصعوبة عند‬ ‫حتديد املدعى عليه‪ ،‬في حالة الناقل املتعاقد‪ ،‬والناقل الفعلي من ناحية‪ ،‬وفي حالة ا الناقلني‬ ‫املتتابعني من ناحية أخرى ‪.‬‬ ‫‪ - 80‬د‪ .‬أبو زيد رضوان – املرجع السابق– ص ‪. 214‬‬ ‫‪ - 81‬وقد أشرنا سابقا إلى أن أحكام القضاء مستقرة على جواز رفع املضرور دعواه ضد املؤمن‪ ،‬مطالبا إياه بأداء‬ ‫التعويض عما حلقه من ضرر ‪.‬‬ ‫‪44‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫مسؤولية الناقل املتعاقد والناقل الفعلي ‪:‬‬

‫قد يثور التساؤل عند اختالف الناقل املتعاقد مع املسافر عن الناقل الفعلي ‪ ،‬وهو الناقل الذي‬ ‫صرح له الناقل املتعاقد بنقل املسافرين كليا أو جزئيا ‪ ،‬حول حتديد املسؤول عن تعويض املسافر عما‬ ‫يكون قد أصابه من ضرر ‪ ،‬والواقع أنه لم يرد تنظيم لهذه املسألة باتفاقية( وارسو ‪ ،) 9191‬غير أنه‬ ‫مبوجب املادة (‪ )7‬من اتفاقية (جوادا الجارا ‪ )Guadalajara( )9169‬مت تعديل اتفاقية( وارسو ‪،)9191‬‬ ‫حيث نصت على حق املدعي أن يرفع دعواه ضد الناقل املتعاقد والفعلي مجتمعني أو منفصلني‬ ‫بالتعويض ‪.‬‬ ‫وقد نظمت اتفاقية (مونتريال ‪ ) 9111‬مسؤولية الناقل املتعاقد‪ ،‬والناقل الفعلي في املواد من (‪)21‬‬ ‫إلى (‪ )49‬حيث بينت في املادة (‪ )21‬املقصود بكل من الناقل املتعاقد‪ ،‬والناقل الفعلي ‪ ،‬كما أجازت‬ ‫املادة (‪ )40‬إقامة الدعوى عليهما معا ‪ ،‬كما نصت على أن الناقل الفعلي يكون مسؤوال عن األضرار‬ ‫التي حتدث خالل اجلزء من الرحلة التي يقوم بتنفيذها ‪ ،‬في حني أن الناقل املتعاقد يكون مسؤوال عن‬ ‫األضرار التي حتدث خالل مجمل عملية النقل(‪. )82‬‬ ‫كما أقامت املادة (‪ )49‬املسؤولية التضامنية ‪ Mutual Liability‬بني الناقل املتعاقد والناقل الفعلي‬ ‫وذلك فيما يتعلق باجلزء من الرحلة الذي يقوم الناقل الفعلي بتنفيذه ‪.‬‬

‫مسؤولية الناقلني املتتابعني ‪:‬‬ ‫النقل املتتابع هو ذلك النوع من النقل الذي يقوم به على التتابع عدد من الناقلني ويتم على‬ ‫خطوط جوية مختلفة ‪ ،‬مبقتضى عقد واحد أو أكثر ‪ ،‬ويثور التساؤل بشأن هذا النوع من النقل عن‬ ‫مدى جواز رفع الدعوى ضد ناقل تولى فقط جزءا من عملية النقل اجلوي ‪.‬‬ ‫أجابت اتفاقية( مونتريال ‪ ) 9111‬على هذا التساؤل ‪ ،‬حيث قررت للمسافر احلق في مطالبة‬ ‫الناقل الذي وقعت احلادثة أثناء اجلزء الذي يقوم بتنفيذه من عملية النقل اجلوي ‪ ،‬وعلى ذلك فمن‬ ‫املتصور اختالف املدعى عليه باختالف كل مرحلة من مراحل النقل ‪ .‬إضافة إلى ذلك لذلك فقد قررت‬ ‫االتفاقية للمسافر احلق في الرجوع على الناقل اجلوي الذي تولى تنفيذ اجلزء األول من الرحلة اجلوية ‪،‬‬

‫‪If an actual carrier performs the whole or part of carriage which, according to the "- Article (40): -82‬‬ ‫‪contract referred to in Article 39, is governed by this Convention, both the contracting carrier and the‬‬ ‫‪actual carrier shall, except as otherwise provided in this Chapter, be subject to the rules of this‬‬ ‫‪Convention, the former for the whole of the carriage contemplated in the contract, the latter solely for‬‬ ‫‪."the carriage which it performs‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪45‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫عن األضرار التي قد حتدث أثناء عملية النقل بأكملها ‪ ،‬وذلك في حالة وجود اتفاق صريح على ذلك‬ ‫(‪.)83‬‬ ‫وجتدر اإلشارة إلى أن املادة ( ‪ ) 270‬من قانون املعامالت التجارية لدولة اإلمارات العربية املتحدة‬ ‫قررت مسؤولية كل ناقل عن اجلزء من الرحلة الذي قام بتنفيذه ‪ ،‬وفي الوقت ذاته قررت مسؤولية‬ ‫الناقل الذي أبرم عقد النقل املتتابع عن كل الرحلة حتى لو لم يقم بتنفيذها في جزء منها‪ .‬والواقع‬ ‫أنه بنفاذ املرسوم االحتادي رقم (‪ )92‬لسنة( ‪ ،) 9000‬في شأن املصادقة على اتفاقية( مونتريال لسنة‬ ‫‪9111‬م) بتوحيد بعض قواعد النقل اجلوي الدولي‪ ،‬يكون قد ألغي ضمنيا ما قررته املادة (‪ )270‬سالفة‬ ‫الذكر‪ ،‬وال يكون من حق املسافر الرجوع على الناقل الذي أبرم العقد املتتابع عن األضرار التي حتدث‬ ‫خالل جزء من الرحلة ال يقوم بتنفيذه‪ ،‬إال بناء على اتفاق صريح بينهما ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬اﶈكمة اﺨﻤﻟتصة بنﻈر دعوى املسؤولية ‪:‬‬ ‫وفقا للفقرة األولى من املادة (‪ )22‬من اتفاقية( مونتريال ‪ ، )9111‬يحق للمضرور أن يرفع دعواه وفقا‬ ‫ملا تقتضيه مصلحته إما أمام محكمة موطن إقامة الناقل ‪ ،‬أو اﶈكمة التي يقع في دائرتها املركز‬ ‫الرئيس ألعمال الناقل ‪ ،‬أو محكمة املكان الذي لدى الناقل فيه مركز أعمال مت بواسطته إبرام العقد‬ ‫‪ ،‬أو محكمة مكان نقطة املقصد(‪ . )84‬كما أضافت الفقرة الثانية من ذات املادة ‪ ،‬أن للمسافر احلق في‬ ‫رفع الدعوى أمام اﶈكمة التي يوجد بها محل اإلقامة الرئيس والدائم للمسافر عند وقوع احلادث‬ ‫(‪ ،)85‬ويشترط لذلك عددا ً من الشروط هي ‪:‬‬ ‫‪ -9‬أن ترفع الدعوى أمام محاكم دولة طرف في اتفاقية( مونتريال ‪.) 9111‬‬ ‫‪ – 9‬أن تكون عملية النقل اجلوي جتاه أو من دولة طرف التفاقية( مونتريال ‪.) 9111‬‬ ‫‪- Article (36) “.. 2. In the case of carriage of this nature, the passenger or any person entitled to -83‬‬ ‫‪compensation in respect of him or her can take action only against the carrier which performed the‬‬ ‫‪carriage during which the accident or the delay occurred, save in the case where, by express‬‬ ‫‪carrier has assumed liability for the whole journey….” agreement, the first‬‬ ‫‪-Article (33\1) : “ 1. An action for damages must be brought, at the option of the plaintiff, in the -84‬‬ ‫‪territory of one of the States Parties, either before the court of the domicile of the carrier or of its‬‬ ‫‪principal place of business, or where it has a place of business through which the contract has been‬‬ ‫”‪made or before the court at the place of destination.‬‬ ‫‪- Article (33\2) : “In respect of damage resulting from the death or injury of a passenger, an action -85‬‬ ‫‪may be brought before one of the courts mentioned in paragraph 1 of this Article, or in the territory of‬‬ ‫‪a State Party in which at the time of the accident the passenger has his or her principal and‬‬ ‫‪permanent residence and to or from which the carrier operates services for the carriage of‬‬ ‫”‪passengers by air,‬‬ ‫‪46‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫‪ – 2‬أن يزاول الناقل أعماله لنقل الركاب جوا من مباني ميلكها أو يستأجرها الناقل ذاته ‪ ،‬أو أي ناقل‬ ‫آخر يرتبط معه بارتباط جتاري ‪.‬‬ ‫‪ – 4‬أن تكون عملية النقل إما على منت الطائرات اخلاصة بالناقل ‪ ،‬أو على منت طائرات ناقل آخر وفقا‬ ‫التفاق جتاري بينهما ‪.‬‬ ‫وترجع أهمية تعدد الدول التي يستطيع املضرور رفع دعواه أمام أي منها ؛ إلى أنه يستطيع من‬ ‫خالل عقد مقارنة بني القوانني التي ستطبقها كل من اﶈاكم السابق ذكرها ‪ ،‬رفع دعواه أمام‬ ‫أكثرها حتقيقا ملصاحله ‪ ،‬من حيث اإلجراءات التي تنظم سير الدعوى ومدد سقوطها ‪ ،‬وغيرها من‬ ‫اآلثار املهمة(‪. )86‬‬

‫ثالثا ‪ :‬مدة عدم سماع دعوى املسؤولية‪:‬‬

‫نصت املادة (‪ )21‬من اتفاقية( مونتريال ‪) 9111‬على أنه يسقط احلق في التعويض ‪ ،‬إذا لم ترفع‬ ‫الدعوى خالل سنتني من تاريخ الوصول إلى نقطة املقصد ‪ ،‬أو من التاريخ الذي كان يجب أن تصل‬ ‫فيه الطائرة‪ ،‬أو من التاريخ الذي توقفت فيه عملية النقل ‪ .‬وعلى ذلك فيجب رفع دعوى التعويض‬ ‫خالل سنتني‪ .‬ولكن يالحظ أن نص املادة املذكورة عبر عن عدم سماع الدعوى بعبارة " يسقط احلق "‬ ‫‪ ،‬وهو ما آثار جدال في الفقه عما إذا كانت مدة السنتني مدة تقادم أم مدة سقوط‪ .‬وليس خافيا‬ ‫أهمية هذا التساؤل ‪ ،‬حيث إن مدة السقوط ال يرد عليها وقف أو انقطاع ‪ ،‬وذلك على العكس من‬ ‫التقادم ‪.‬‬ ‫و يرى جانب من الفقه أن مدة السنتني هي مدة تقادم ‪ ،‬ومن ثم تقبل الوقف‪ ،‬واالنقطاع استنادا‬ ‫إلى أن املادة (‪ )21‬ذاتها أحالت إلى قانون اﶈكمة التي ترفع أمامها الدعوى ‪ ،‬وأن هذه اإلحالة لن حتقق‬ ‫الغرض منها إال إذا كانت هذه املدة هي مدة تقادم تقبل الوقف واالنقطاع يتم الرجوع لقانون‬ ‫اﶈكمة لبيان حاالت وقفها وانقطاعها ‪ ،‬وأﺿاﻑ هذا اجلانب من الفقه أن هذه املدة هي مدة تقادم‬ ‫في أنواع النقل األخرى(‪. )87‬‬ ‫بينما يرى جانب آخر من الفقه أن مدة السنتني هي مدة سقوط ‪ ،‬ال يسري عليها الوقف‬ ‫واالنقطاع ‪ ،‬استنادا إلى أن املادة (‪ )21‬نصت صراحة على أنها مدة سقوط ‪ ،‬وأنه ال اجتهاد مع صريح‬ ‫النص(‪. )88‬‬

‫‪ - 86‬د‪ .‬شريف غنام – املرجع السابق – ص ‪ 224‬و ‪. 221‬‬ ‫‪ - 87‬د‪ .‬عبد الفضيل محمد أحمد – القانون اخلاص اجلوي – دار النهضة العربية – ‪ – 9111‬ص ‪ 244‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪ - 88‬في هذا الرأي راجع د‪ .‬شريف غنام ‪ –-‬املرجع السابق – ص ‪ ، 212‬راجع أيضا املراجع املشار إليها بهامش ص ‪. 212‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪47‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫والواقع أننا نرى أن املنطق القانوني يقتضي أن تكون املدة املشار إليها باملادة (‪ )21‬من اتفاقية(‬ ‫مونتريال ‪ ،) 9111‬هي مدة تقادم وليست مدة سقوط ‪ ،‬وذلك ألن احلالة التي تعاجلها املادة املذكورة‬ ‫ليست من احلاالت التي يطبق بشأنها مواعيد سقوط ‪ ،‬ألنها ال تتعلق بتصفية مركز قانوني‬ ‫يستعمل رخصة (‪ ،)89‬بل هي من احلاالت التي يسري عليها التقادم‪ ،‬إذ أنه يتعلق بسبب انقضاء‬ ‫االلتزام وال يتعلق باستعمال رخصة ما ‪.‬‬ ‫ورغم ذلك فإنه مع صراحة نص املادة (‪ )21‬بأن مدة السنتني هي مدة سقوط ‪ ،‬فال مجال لالجتهاد‬ ‫‪ ،‬ولهذا فإننا نرى من األهمية مبكان إعادة صياغة نص املادة املذكورة بحيث ينص فيها أن مدة‬ ‫السنتني املطلوبة من املدعي رفع الدعوى خاللها هي مدة تقادم وليست مدة سقوط ‪ ،‬وإلى أن‬ ‫يحدث هذا التغيير فال مناص من القول بأنها موعد سقوط وليست مدة تقادم ‪.‬‬

‫‪ - 89‬ومن أمثلة ذلك ‪ :‬موعد رفع دعوى الشفعة ‪ ،‬واملدة املقررة ملالك املنقول املسروق لرفع دعوى باسترداد هذا املنقول‬ ‫ممن حازه بحسن نية ‪ .‬للتمييز بني التقادم املسقط وبني مواعيد السقوط ؛ راجع ‪ :‬د‪ .‬أحمد شوقي= =عبد‬ ‫الرحمن – النظرية العامة لاللتزامات – أحكام االلتزام واإلثبات في الفقه وقضاء النقض – دون دار نشر – سنة‬ ‫‪ – 9006‬ص ‪. 201 ، 204‬‬ ‫‪48‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫خامتة‬ ‫من خالل هذا البحث استعرضنا شروط مسؤولية الناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‪ ،‬وكذلك‬ ‫اآلثار املوضوعية‪ ،‬والقواعد اإلجرائية املتعلقة بها ‪ ،‬وفقا التفاقية (مونتريال ‪ ، )9111‬وقد تبني أن هناك‬ ‫طفرة أحدثتها هذه االتفاقية في توفير احلماية القانونية للمسافرين جوا ‪ ،‬أهمها‪ :‬عدم وضع حد‬ ‫أقصى للتعويض عن الوفاة أو األضرار البدنية التي قد حتدث للمسافرين ‪ ،‬وكذلك فرض التأمني‬ ‫اإلجباري على الناقل اجلوي من مسؤوليته جتاه الركاب ‪ ،‬ومن ذلك أيضا إلزام الناقل اجلوي بأداء دفعة‬ ‫مقدمة يتم دفعها قبل احلكم بالتعويض النهائي للمضرورين أو أسرهم‪.‬‬ ‫كما تبني أن من احلسنات التي أحدثتها اتفاقية( مونتريال ‪ ،) 9111‬أنها سارت في ركاب املسؤولية‬ ‫املوضوعية السائدة في العصر احلالي ‪ ،‬وذلك بحرمان الناقل اجلوي من التخلص من مسؤوليته جتاه‬ ‫املسافرين – وذلك فيما ال يجاوز (‪ 900000‬وحدة حقوق سحب خاصة) ‪ -‬رغم إثباته السبب األجنبي‬ ‫في حالتي القوة القاهرة وفعل الغير – دون فعل املضرور ذاته ‪ ، -‬وذلك بالتوازي مع تقرير حق الناقل‬ ‫اجلوي في الرجوع على الغير ‪ ،‬وكذلك فرض التأمني اإلجباري على الناقل اجلوي من مسؤوليته عن‬ ‫األضرار التي قد حتدث للمسافرين ‪.‬‬ ‫ورغم ذلك ‪ ،‬فهناك ثمة مالحظات هامة على اتفاقية (مونتريال ‪ ) 9111‬أهمها ‪:‬‬ ‫‪ - 9‬عدم حتديد املقصود بالشروط املتطلبة ملسؤولية الناقل اجلوي ‪ ،‬مما أدى الختالف التطبيقات‬ ‫القضائية املتعلقة بها ‪ ،‬وهو ما يتنافى مع الغرض الذي أبرمت من أجله هذه االتفاقية‪ ،‬أال وهو‬ ‫توحيد القواعد التي نظمتها واملتعلقة مبسؤولية الناقل اجلوي ‪.‬‬ ‫فعدم حتديد املقصود باحلادث أدى الختالف التفسير الفقهي والقضائي له ‪ ،‬مما أدى إلى تضارب‬ ‫األحكام القضائية الصادرة في وقائع متماثلة ‪ ،‬ولم يقتصر نطاق هذا التضارب على محاكم الدول‬ ‫اجملتلفة فحسب ‪ ،‬بل امتد ليشمل محاكم الدولة نفسها ‪ .‬ولم يختلف األمر فيما يتعلق مبكان‬ ‫وقوع احلادث ‪ ،‬وكذلك الضرر املترتب عليه وما إذا كان يقتصر فقط على الوفاة‪ ،‬واألضرار البدنية أم‬ ‫أنه ميتد ليشمل الضرر النفسي أيضا ‪.‬‬ ‫‪ -9‬إتاحة املادة (‪ )99‬من اتفاقية (مونتريال ‪ ) 9111‬للناقل اجلوي التخلص من مسؤوليته عن الوفاة‪،‬‬ ‫أو األضرار البدنية ‪ ،‬مبجرد إثبات خطأ أو إهمال من جانبه ‪ ،‬وذلك إذا زادت قيمة التعويض املطالب به‬ ‫عن (‪ 900,000‬وحدة حقوق سحب خاصة ) ‪ ،‬والواقع أن ذلك يتناقض مع طبيعة التزام الناقل اجلوي ‪،‬‬ ‫كالتزام بتحقيق نتيجة – وفقا للقواعد العامة ‪ -‬التي تقضي بعدم نفي مسؤوليته إال بإثباته‬ ‫السبب األجنبي ‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪49‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫‪ - 2‬رغم إلزامها الناقل اجلوي بتوفير تأمني مناسب من مسؤوليته املدنية جتاه املسافرين ‪ ،‬فإن‬ ‫االتفاقية لم تضع وسيلة تضمن استمرار سريان هذا التأمني طوال مدة رخصة التشغيل املمنوحة‬ ‫له ‪.‬‬ ‫‪ – 4‬حينما عبرت املادة (‪ )21‬من االتفاقية عن مدة عدم سماع الدعوى ( التقادم) استعملت عبارة (‬ ‫مدة سقوط ) ‪ ،‬فقد ترتب على ذلك ليس مجرد االختالف الفقهي فحسب ‪ ،‬بل سريان‬ ‫أحكام مدة السقوط بدال من تطبيق أحكام التقادم ‪.‬‬

‫التوصيات ‪:‬‬ ‫‪ – 9‬ضرورة تعديل اتفاقية (مونتريال ‪ )9111‬حيث تتضمن تعريفا محددا للحادث ‪ ،‬مبا يحول دون‬ ‫اختالف األحكام القضائية بسببه ‪ ،‬وأقترح أن يعرف احلادث بأنه ‪ :‬كل واقعة غير متوقعة وغير‬ ‫مألوفة ‪ ،‬ناجتة عن سلوك إيجابي أو سلبي من الناقل أو من أحد تابعيه ‪ ،‬ترتب عليها وفاة الراكب أو‬ ‫إصابته بضرر شخصي ‪ ،‬وتكون متعلقة بعملية االستغالل اجلوي وليست ذات طبيعة داخلية بحتة‬ ‫للراكب ‪.‬‬ ‫‪ -9‬تعديل اتفاقية (مونتريال ‪ )9111‬حيث يبني بها املقصود من عملية الصعود للطائرة والنزول منها‬ ‫كي تشمل الفترة التي يكون فيها املسافر في رعاية الناقل ومتى وجدت مخاطر الطيران ‪ ،‬كان‬ ‫الناقل مسؤوال عن األضرار التي تصيب الراكب متى وقعت احلادثة املسببة لها في هذه الفترة ‪.‬‬ ‫‪ – 2‬تعديل اتفاقية (مونتريال ‪) 9111‬حيث جتيز التعويض عن األضرار النفسية التي تصيب املسافر‪،‬‬ ‫طاملا نتجت عن حادث وقع أثناء وجوده على منت الطائرة أو أثناء عملية الصعود إلى الطائرة أو‬ ‫النزول منها ‪.‬‬ ‫‪ – 4‬تعديل اتفاقية (مونتريال ‪ ) 9111‬حيث ال يستطيع الناقل اجلوي التخلص من مسؤوليته مبجرد‬ ‫إثبات عدم حدوث خطأ من جانبه أو من أحد تابعيه ‪ ،‬وذلك في احلالة التي يجاوز فيها مبلغ‬ ‫التعويض املطالب به( ‪ 900000‬وحدة حقوق سحب خاصة )‪ ،‬بل يستطيع فقط أن يتخلص من‬ ‫مسؤوليته بإثباته أن احلادث يرجع لسبب أجنبي ‪.‬‬ ‫‪ - 1‬ضرورة تعديل الدول األطراف في اتفاقية( مونتريال ‪) 9111‬القوانني املنظمة للطيران املدني بحيث‬ ‫ال مينح الناقل اجلوي الترخيص مبزاولة نشاطه إال بعد تقدميه دليال على إبرامه عقد تأمني يغطي‬ ‫مدة الرخصة املمنوحة له ‪ ،‬على أن يلتزم بإعادة تقدميه دليال مماثال عند كل مرة يتم جتديد‬ ‫الترخيص فيها ‪.‬‬ ‫‪ - 6‬إعادة صياغة نص املادة (‪ )21‬من اتفاقية (مونتريال ‪ ، )9111‬بحيث ينص فيها أن مدة السنتني‬ ‫املطلوب من املدعي رفع الدعوى خاللها هي مدة تقادم وليست مدة سقوط ‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمد السيد الدسوقي‬

‫املراجع‬ ‫أوال ً‪ :‬املراجع باللغة العربية‪:‬‬ ‫( أ ) مراجع قانونية عامة‪:‬‬

‫ د‪ .‬أحمد شوقي عبد الرحمن – النظرية العامة لاللتزامات – أحكام االلتزام واإلثبات في الفقه‬‫وقضاء النقض ‪ -‬دون دار نشر – سنة ‪ 9006‬م‪.‬‬ ‫ د‪ .‬أبو زيد رضوان – قانون الطيران التجاري – دار الفكر العربي – دون تاريخ‪.‬‬‫ د‪ .‬حسام الدين محمد األهواني‪ -‬املبادئ العامة للتأمني ‪ -‬دار النهضة العربية‪ -‬القاهرة‪9171 -‬م‪.‬‬‫ د‪ .‬شريف غنام ‪ -‬قانون الطيران املدني – أكادميية شرطة دبي – سنة ‪9001‬م ‪.‬‬‫ سعيد أحمد شعلة‪ -‬قضاء النقض في التأمني‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ 9117 -‬م‪.‬‬‫ د‪ .‬عبد الفضيل محمد أحمد – القانون اخلاص اجلوي – دار النهضة العربية– ‪ 9111‬م‪.‬‬‫ د‪ .‬فايز نعيم رضوان – قانون الطيران املدني طبقا للقانون رقم ‪ 90‬لسنة ‪ 9119‬م– أكادميية شرطة‬‫دبي ‪.‬‬ ‫ د‪ .‬هاني محمد دويدار ‪ -‬النظام القانوني للتأجير التمويلي دراسة نقدية – دار اجلامعة اجلديدة –‬‫‪.1994‬‬ ‫ د‪ .‬محسن عبد احلميد البيه ‪ -‬حقيقة أزمة املسؤولية املدنية ودور تأمني املسؤولية – مكتبة اجلالء‬‫املنصورة – ‪9112‬م ‪.‬‬ ‫ د‪ .‬مصطفى محمد اجلمال‪ -‬الوسيط في التأمني اخلاص وفقا ً ألحكام قانون املعامالت املدنية‬‫اإلماراتي‪ -‬مطبوعات جامعة اإلمارات العربية املتحدة‪ -‬ط ‪. 9117‬‬ ‫ د‪ .‬محمد فريد العريني – القانون اجلوي ( النقل اجلوي الداخلي والدولي ) – دار اجلامعة اجلديدة ‪-‬‬‫‪9004‬م‬ ‫ د‪ .‬محمد فريد العريني ود‪ .‬محمد السيد الفقي – القانون البحري واجلوي – منشورات احللبي‬‫احلقوقية – سنة ‪ 9002‬م‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪51‬‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

‫(ب) مراجع قانونية متخصصة‪:‬‬

‫ د‪ .‬إبراهيم األرناؤوط – مدى مسؤولية الناقل اجلوي عن األضرار النفسية وفقا ملعاهدة (مونتريال‬‫‪ -) 9111‬بحث مقدم ملؤمتر الطيران املدني في ظل التشريعات الوطنية واالتفاقيات الدولية الذي‬ ‫نظمته جامعة اإلمارات العربية املتحدة في الفترة من ‪ 92‬إلى ‪ 91‬أبريل ‪.9099‬‬ ‫ د‪ .‬خرشي عمر محمد – أحكام مسؤولية الناقل اجلوي في التشريع اجلزائري – بحث مقدم ملؤمتر‬‫الطيران املدني في ظل التشريعات الوطنية واالتفاقيات الدولية الذي نظمته جامعة اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة في الفترة من ‪ 92‬إلى ‪ 91‬أبريل ‪. 9099‬‬ ‫ د‪ .‬رفعت فخري أبادير ‪ -‬مدى مسؤولية الناقل اجلوي وفقا التفاقية وارسو عن األضرار التي‬‫يتحملها الركاب من عمليات اختطاف الطائرات وأعمال العنف التي تقع داخل املطارات –‬ ‫مجلة اﶈامي ‪ -‬السنة السادسة – ‪.9122‬‬ ‫ د‪ .‬سمير حامد اجلمال – التأمني من املسؤولية املدنية عن مخاطر الطيران املدني – مجلة األمن‬‫والقانون – أكادميية شرطة دبي – السنة العشرون – العدد األول – يناير ‪ 9099‬م‪.‬‬ ‫ د‪ .‬عاطف محمد الفقي – تطور مسؤولية الناقل اجلوي – دار الفكر اجلامعي – سنة ‪9002‬م‪.‬‬‫ د‪ .‬فاروق أحمد زاهر – حتديد مسؤولية الناقل اجلوي الدولي – دار النهضة العربية – سنة ‪ 9121‬م‪.‬‬‫‪ -‬د ‪ .‬محمود مختار بريري – قانون الطيران وقت السلم – دار الفكر العربي ‪ -‬سنة ‪9121‬م ‪.‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬املراجع األجنبية ‪:‬‬ ‫(أ) املراجع باللغة اإلجنليزية‬ ‫‪- George N. Tompkins - Liability Rules Applicable to International‬‬ ‫‪AirTransportation As Developed by the courts in the united stats from‬‬ ‫‪Warsaw 1929 to Montreal 1999 - Kluwer Law International – 2010.‬‬ ‫‪- Paul B. Larsen, Joseph Sweeney John Gillick - Aviation Law: Cases,‬‬ ‫‪Laws and Related Sources- martinus nijhoff publishers- Second Edition‬‬‫‪2012 .‬‬ ‫‪- McKay Cunningham - The Montreal Convention: Can Passengers‬‬ ‫?‪Finally Recover forMental Injuries‬‬ ‫‪Vanderbilt :‬بحث منشور على موقع جامعة‬ ‫‪Http://www.vanderbilt.edu/jotl/manage/wpcontent/uploads/cunningham.‬‬ ‫‪pdf‬‬

‫‪52‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫ محمد السيد الدسوقي‬.‫د‬

: ‫(ب) مراجع باللغة الفرنسية‬ - - R. RODIER – Le regime legal de l’obligation de securite due par les transporteurs a leurs voyageurs – J.C.P. 1952

: ‫ األحكام القضائية‬:‫ثالثا‬ • Air France v. Saks - 470 U.S. 392 (1985) . • Bassam v. American Airlines ,Inc 287 Fed .Appx. 309 ( 5th Cir.2008 ). • Booker v. Bwia West Indies Airways Ltd., No. 06-CV-2 146, 2007 WL 135 1927 at 1, 5 (E.D.N.Y. May 8,2007). • Borham v. Pan American World Airways, 19 Aviation Cases 18,236 (CCH) (SDNY 1986). • Carey, Jr v. United Airlines 9th Cir. - 255 F.3d 1044. • Dooley v. Korean Air Lines Co. - 524 U.S. 116 (1998). • Eastern Airlines, Inc. v. Floyd - 499 U.S. 530 (1991). • Karfunket v. Compagnie Nationale Air France, 427 F.Supp. 971 (SDNY 1977). • King v Bristow Helicopters Ltd. (Scotland); In Re M [2002] UKHL 7 (28th • February, 2002). • Krystal v. British Overseas Airways Corp. 403 F.Supp. 1322 (CD Cal.1975) . • Mansoor v. Air France KLM Airlines . • Michael Shawn Blansett; Modesta N. Blansett v.Continental Airlines, Inc. • Morris v KLM Royal Dutch Airlines [2002] 2 WLR 578 • Olympic Airways, Petitioner v. Rubina Husain. • Ospina v. Trans World Airlines, Inc.s , 975 F . 2d 35 ( 2d cir. 1992 ). • Palagonia v. Trans World Airlines, 110 Misc.2d 478, 442 N.Y.S.2d 670 (Sup.1978). • Rafailov et al v. El Al Israel Airlines, Ltd. • Terrafranca v. Virgin Atlantic Airways, 151 F.3rd 108, 111 (3rd Cir. 1998). • Ugaz v. American Airlines, Inc.576 F.Supp.2d 1354 (2008). • Ward v. Allstate Life Insurance Co. of Canada, 1994. • Weaver v Delta Airlines Inc (1999) 56FSupp 2d 1190.

53

‫ دولة اإلمارات العربية املتحدة‬- ‫ جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬،‫تصدر عن كلية القانون‬


‫املسؤولية العقدية للناقل اجلوي عن سالمة املسافرين‬

: ‫ مواقع على الشبكة العنكبوتية‬:‫رابعا‬ • http://www.canlii.org • http://supreme.justia.com/cases • http://www.austlii.edu.au • http://in.findacase.com • http://ca.findacase.com • http://www.leagle.com • Http://www.vanderbilt.edu

‫م‬2013 ‫ يوليو‬- ‫هـ‬1435 ‫ ربيع األول‬:‫ العدد الثاني‬- ‫السنة األولى‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

54


‫حظر إساءة استعمال المركز التجاري‬ ‫المهيمن في النظام القانوني األوروبي‪،‬‬ ‫دراسة تحليلية لنص المادة (‪ )102‬من اتفاقية االتحاد األوروبي‬

‫د‪ .‬محمود فياض‬

‫أستاذ القانون املدني املساعد‪ ،‬كلية القانون‪ ،‬جامعة الشارقة‬

‫أ‪.‬ديانا قطامش‬

‫مستشارة قانونية‪ ،‬رام اهلل‪ ،‬فلسطني‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪55‬‬


‫ملخص البحث‬ ‫تهدف هذه الدراسة إلى بيان املعايير التي أقرها النظام القانوني األوروبي للحد من إساءة‬ ‫املشاريع التجارية ملركزها املهيمن أثناء ممارساتها التجارية في أسواق دول االحتاد‪ ،‬من‬ ‫خالل حتليل النصوص القانونية ذات العالقة (نص املادة ‪ 102‬من اتفاقية االحتاد األوروبي‬ ‫املعدلة)‪ ،‬األحكام القضائية حملكمة العدل األوروبية وقرارات املفوضية األوروبية لشؤون‬ ‫املنافسة وأخيرا ً االجتهادات الفقهية ذات العالقة‪ ،‬وذلك في ضوء التعديالت التي أقرها‬ ‫املشرع األوروبي على اتفاقية االحتاد األوروبي في العام (‪ .)2009‬أثبتت الدراسة أن الهيئات‬ ‫القضائية واإلدارية في مؤسسات االحتاد األوروبي تختبر مدى تعسف ممارسات املشروع‬ ‫التجاري محل البحث ملركزه املهيمن باختبار مدى تنافسية السوق من عدمه الذي‬ ‫يتم باختبار املكان الذي مورس فيه النشاط التجاري موضوع البحث للوصول إلى واقع‬ ‫تنافسية هذا السوق من عدمه‪ ،‬اختبار وجود الهيمنة السوقية لهذا املشروع التجاري‬ ‫الذي يتم باختبار املركز االقتصادي والقانوني للمشروع مرتكب الفعل وهل يهيمن هذا‬ ‫املشروع على النشاط التجاري في هذه السوق أم ال‪ ،‬وأخيرا ً اختبار مدى توافر نتيجة‬ ‫السلوك للحكم بوجود التعسف االستغاللي في التصرف وضوع البحث الذي يتم‬ ‫باختبار أثر السلوك التجاري محل البحث‪ ،‬وإلى أي مدى يتعارض مع أهداف ومتطلبات‬ ‫املنافسة العادلة والفعالة في أسواق دول االحتاد‪ .‬أظهرت الدراسة أن هذا احلظر يرد على‬ ‫أثر السلوك االستغاللي في حد ذاته وليس على هيمنة املشروع التجاري على السوق‬ ‫سواء كان السوق نوعيا ً أو جغرافياً‪ .‬هذا وقد أورد املشرع األوروبي عواقب وخيمة على من‬ ‫ميارس هذا السلوك التعسفي تبدأ بحظر هذا السلوك في مجمله‪ ،‬فرض غرامات مالية‬ ‫عليه‪ ،‬وأخيرا ً تعويض كل من تضرر من هذا السلوك التعسفي‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫مقدمة‬ ‫أولى املشرع العربي في العقد األخير أهمية خاصة لتنظيم تنافسية السوق؛ إدراكا منه بأن أداء‬ ‫سوق االقتصاد احلر يتطلب تدخل الدول لتنظيم عمله‪ ،‬إضافة إلى أهمية ضمان حماية املشاريع‬ ‫الصغيرة واملتوسطة من هيمنة املشاريع الكبيرة على هذه السوق‪ -‬خاصة األجنبية منها‪ -‬وما لهذا‬ ‫من أثر واضح عل اقتصاد السوق‪ 1.‬لذا؛ أقرت العديد من الهيئات التشريعية في الدول العربية قوانني‬ ‫املنافسة ومنع االحتكار التي هدفت في مجملها إلى تأمني تنافسية العمل بني املشاريع التجارية‬ ‫على نحو يخدم الصالح العام واخلاص على حد سواء‪ 2.‬يعتبر موضوع حظر إساءة استخدام الوضع‬ ‫املسيطر أحد أهم موضوعات قانون املنافسة‪ -‬إن لم يكن أهمها‪ -‬وقد كان هذا املوضوع لبنة‬ ‫األساس في قوانني وتشريعات املنافسة الغربية منذ القرن التاسع عشر وحتى الوصول إلى‬ ‫منظومة تشريعية ممتدة تنظم تنافسية السوق بشكل عام‪ 3.‬بالرغم منذ ذلك‪ ،‬لم يحظ هذا‬ ‫املوضوع الهام‪ -‬كغيره من باقي موضوعات املنافسة‪ -‬من حيث تنظيم شروطه وأحكامه وضوابطه‬ ‫التفصيلية باالهتمام املستحق من املشرع العربي‪ ،‬واقتصر األمر على تنظيمه بشكل عام وترك هذا‬ ‫احلق للهيئات القضائية واإلدارية للتعامل مع هذه التفاصيل الهامة‪ ،‬ما يجعلنا نقف أمام حالة‬ ‫قصور تشريعي قد تؤدي إلى عدم توحيد تطبيق القواعد القانونية ذات العالقة؛ نظرا ً الختالف‬ ‫السلطات التقديرية لهذه اجلهات‪ 4.‬دفعنا هذا القصور إلى البحث في جتربة تشريعات غنية مقارنة‪،‬‬ ‫‪ -1‬أنظر‪ :‬حازم الببالوي‪ ،‬دور الدولة في االقتصاد (دار الشروق للنشر والتوزيع‪ :‬القاهرة ‪.901 )9111‬‬ ‫‪ -2‬لعل تونس كانت سباقة في هذا اﺠﻤﻟال‪ ،‬بإصدارها للقانون املتعلق باملنافسة رقم (‪ )46‬لسنة (‪ ، )9111‬تبعتها األردن‬ ‫بقانون املنافسة رقم (‪ )33‬لسنة (‪ ، ) 4006‬ومن ثم مصر من خالل قانون حماية املنافسة ومنع املمارسات االحتكارية‬ ‫رقم (‪ )3‬لسنة (‪ ، )4001‬وكذلك الكويت بإصدار قانون بشأن حماية املنافسة رقم (‪ )90‬لسنة (‪ ، )4002‬ومؤخرا في‬ ‫السودان من خالل قانون تنظيم املنافسة ومنع االحتكار لسنة (‪ ، )4001‬وانتهاء بالعراق وإصدارها قانون املنافسة‬ ‫ومنع االحتكار رقم (‪ )96‬لسنة (‪ )4090‬إضافة إلى العديد من الدول العربية التي ال يسعنا ذكرها في هذا اﺠﻤﻟال‪.‬‬ ‫‪ -3‬كانت الواليات املتحدة األمريكية هي السباقة إلى التعامل مع هذه الظاهرة‪ ،‬حيث حظرت املادة الثانية من قانون (شيرمان)‬

‫احتكار أو محاولة احتكار أي عمل من األعمال التجارية بني الواليات املتحدة أو مع الدول األجنبية‪ ،‬واعتبرت أن القيام بذلك‬ ‫يعتبر جناية يعاقب عليها بالغرامة التي قد تصل إلى مليون دوالر للشخص املعنوي و (‪ )900‬ألف دوالر للشخص الطبيعي‪ ،‬أو‬ ‫بالسجن مدة ال تزيد على ثالﺙ سنوات‪ ،‬أو بكلتا العقوبتني على حسب تقدير اﶈكمة‪.‬‬

‫‪ - 4‬على سبيل املثال‪ ،‬نصت املادة (‪ )4‬من قانون املنافسة األردني رقم (‪ )4006/33‬على ما يلي‪:‬‬ ‫يحظر على أي مؤسسة لها وضع مهيمن في السوق أو في جزء هام منه إساءة استغالل هذا الوضع لإلخالل‬ ‫باملنافسة أو احلد منها أو منعها مبا في ذلك ما يلي‪:-‬‬ ‫أ‪ -‬حتديد أو فرض أسعار أو شروط إعادة بيع السلع أو اخلدمات‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪57‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫علنا نستفيد منها في واقعنا العربي املعاصر‪ .‬هذا ما ستهدف إليه هذه الورقة البحثية املتواضعة‪،‬‬ ‫من خالل البحث في تنظيم موضوع إساءة استعمال املركز املهيمن في النظام القانوني األوروبي‪،‬‬ ‫ملعرفة كيف استطاع املشرع األوروبي ضبط هذا التنظيم مبا ال يتعارض مع شروط ومتطلبات‬ ‫تنافسية السوق لدول االحتاد‪ ،‬واالستفادة من جتربة تشريعية وقضائية وإدارية أوروبية بدأت منذ‬ ‫التوقيع على اتفاقية السوق األوروبية املشتركة في العام (‪ )9112‬حتى الوقت الراهن‪.‬‬ ‫ظمت قواعد املنافسة في معاهدة التفعيل في االحتاد األوروبي ( ‪The Treaty of the Functioning in‬‬ ‫‪ 5)the European Union‬للعام (‪ )4001‬في نصوص املواد (‪ )904 -909‬من االتفاقية من خالل‪ 6:‬حظر‬ ‫املساعدات احلكومية متى أضرت بتنافسية السوق الوطنية‪ ،‬للتأكد من عدالة الظروف التي تعمل‬ ‫فيها املشاريع التجارية بني دول االحتاد‪ ،‬وعدم التأثير على املشاريع التجارية املنافسة‪ 7،‬حظر اتفاق‬ ‫املشاريع التجارية على تقييد تنافسية السوق سواء كانت هذه االتفاقية أفقية أو عمودية (املادة‬ ‫‪ 8،)101‬حظر إنشاء مراكز اقتصادية مسيطرة على السوق احمللية فيما يعرف باحتكار األسواق (املادة‬ ‫‪ 9،)101‬تنظيم عمل املشاريع اململوكة للدولة في السوق الوطنية على نحو ال يؤثر سلبا ً على‬ ‫تنافسية هذه السوق (املادة ‪ ،)101‬وأخيرا ً تنظيم اندماج الشركات واملؤسسات التجارية بقواعد‬ ‫ب ‪-‬التصرف أو السلوك املؤدي إلى عرقلة دخول مؤسسات أخرى إلى السوق أو إقصائها منه أو تعريضها خلسائر‬ ‫جسيمة مبا في ذلك البيع باخلسارة‪.‬ج‪ -‬التمييز بني العمالء في العقود املتشابهة بالنسبة ألسعار السلع وبدل‬ ‫اخلدمات أو شروط بيعها وشرائها‪.‬‬ ‫د‪ -‬إرغام عميل لها على االمتناع عن التعامل مع مؤسسة منافسة لها‪.‬‬ ‫هـ‪ -‬السعي الحتكار موارد معينة ضرورية ملمارسة مؤسسة منافسة لنشاطها أو لشراء سلعة أو خدمة معينة‬ ‫بالقدر الذي يؤدي إلى رفع سعرها في السوق أو منع انخفاضه‪.‬‬ ‫و‪ -‬رفض التعامل ‪ ،‬دون مبرر موضوعي ‪ ،‬مع عميل معني بالشروط التجارية املعتادة‪.‬‬ ‫ز‪ -‬تعليق بيع سلعة أو تقدمي خدمة بشراء سلعة أو سلع أخرى أو بشراء كمية محددة أو بطلب تقدمي خدمة أخرى‪.‬‬ ‫ح‪ -‬املغاالة باألسعار خالفا ً لألسس اﶈددة في التعليمات الصادرة عن الوزير لهذه الغاية‪.‬‬ ‫‪Treaty of Lisbon. -5‬‬

‫‪Article 3/1/g of the EC treaty. - 6‬‬ ‫‪State aid or other State intervention that distorts competition is prohibited: this helps to ensure that competition - 7‬‬ ‫‪between companies takes place on a level playing field, and also helps to protect the internal market and‬‬ ‫‪taxpayers’ interests. Aid can be useful if targeted correctly and kept to a minimum, for example aid to improve the‬‬ ‫‪environment or support a strong SME sector. But some forms of aid are particularly harmful, particularly operating‬‬ ‫‪aid - where a government simply hands cash to a company to fund its day to day operations. Such operating aid‬‬ ‫‪does not create incentives for new investment or business models and is inefficient and harmful to competitors.‬‬ ‫‪Agreements between companies (for example, cartels and market-sharing). Often, cartel cases start following -8‬‬ ‫‪a leniency application by a company admitting its wrong-doing in order to gain lenient treatment.‬‬ ‫‪Article 102 prohibits abusive conduct by companies that have a dominant position on a market, for example -9‬‬ ‫‪forcing consumers to buy a bundle of products that could be sold separately or forcing competitors off the market‬‬ ‫‪by entering into exclusive arrangements. If a company has a market share of less than 40%, it is unlikely to be‬‬ ‫‪dominant. National competition authorities also apply Article 101 and 102 where they are well placed to do so,‬‬ ‫‪typically where the case is essentially national.‬‬

‫‪58‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫تنظم عدم التأثير على تنافسية السوق احمللية‪ .‬تهدف جميع هذه اإلجراءات إلى الوصول إلى حالة‬ ‫من السوق الواحدة أو السوق املشتركة (‪ )The internal market‬بني دول االحتاد األوروبي على نحو‬ ‫يضمن حرية انتقال السلع واخلدمات واألفراد بحرية مطلقة بني دول االحتاد‪ 10،‬وتأمني نزاهة وعدالة‬ ‫املعامالت االقتصادية من خالل توحيد ظروف عمل املشاريع التجارية بني جميع دول االحتاد‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫في هذا السياق‪ ،‬حظرت املادة (‪ )904‬من اتفاقية االحتاد األوروبي على أي مؤسسة أو مؤسسات لها‬ ‫وضع مهيمن في السوق أو في جزء هام منه إساءة استغالل هذا الوضع لإلخالل باملنافسة أو احلد‬ ‫منها أو منعها‪ .‬هذا وقد أورد املشرع األوروبي عواقب وخيمة تُفرض على املشاريع التجارية التي‬

‫تخالف نص املادة (‪ )904‬تتمثل في‪ 12:‬فرض غرامات على املشاريع التجارية التي تنتهك أحكام هذه‬

‫املادة‪ ،‬وقد تصل الغرامات إلى (‪ )%91‬من إجمالي إيرادات املشروع‪ ،‬إمكانية إيقاف اخلرق بأمر من‬ ‫اجلهات القضائية الوطنية‪ ،‬حق من تضرر من أشخاص القانون اخلاص بطلب التعويض من هذا‬ ‫املشروع التجاري اجملالف‪ ،‬وأخيرا قد يصل األمر إلى عزل املدير اإلداري لهذا املشروع من منصبة بقوة‬ ‫القانون‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫لدى قراءتنا لنص املادة (‪ ،)904‬يتضح لنا أن احلكم بسوء استغالل املشروع التجاري ملركزه املهيمن‬ ‫في السوق يتطلب اختبار العناصر الثالثة التالية‪:‬‬ ‫‪ -9‬اختبار السوق‪ :‬ويشير إلى اختبار املكان الذي مورس فيه النشاط التجاري موضوع البحث‬ ‫للوصول إلى واقع تنافسية هذا السوق من عدمها‪.‬‬ ‫‪ -4‬اختبار مركز الهيمنة السوقية‪ :‬ويشير إلى اختبار املركز االقتصادي والقانوني للمشروع مرتكب‬ ‫الفعل وهل يهيمن هذا املشروع على النشاط التجاري في هذه السوق أم ال؟‪.‬‬ ‫‪The Merger regulation prohibits mergers or acquisitions that would significantly reduce competition. Most -10‬‬ ‫‪cross border transactions must be notified to the Commission before they are implemented. If the Commission‬‬ ‫‪finds the transaction would distort competition, it may stop the deal unless the company proposes remedies to‬‬ ‫‪solve the competition problem.‬‬

‫‪See: Miguel de la Mano, For the Customer’s Sake: The Competitive Effects of Efficiencies in - 11‬‬ ‫‪European Merger Control, Enterprise paper 11 (Enterprise Directorate- general, 2002), p 8; Mario Monti‬‬ ‫‪European Commissioner in charge of Competition Policy European Competition Policy: Quo Vadis ? XX.‬‬ ‫‪International Forum on European Competition Policy Brussels, 10 April 2003, available at:‬‬ ‫‪http://europa.eu/rapid/pressReleasesAction.do?reference=SPEECH/03/195&format=HTML&aged=0&langu‬‬ ‫‪age=EN&guiLanguage=en visited on 5/7/2013.‬‬ ‫‪Ibid. -12‬‬

‫‪Contravention of Article 102 or Chapter II can have serious consequences for a company:-13‬‬ ‫;‪1- firms engaged in activities which breach these provisions can face fines of up to 10% of group global turnover‬‬ ‫;‪2- conduct in breach of Article 102 or Chapter II can be stopped by court injunction‬‬ ‫‪3- firms in breach of Article 102 or Chapter II also leave themselves exposed to actions from third parties who can‬‬ ‫‪show they have suffered loss as a result of the anti-competitive behavior; and‬‬ ‫‪4- breach of Chapter II can result in individuals being disqualified from being a company director.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪59‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫‪ -3‬اختبار نتيجة السلوك‪ :‬ويشير إلى اختبار أثر السلوك التجاري محل البحث‪ ،‬وإلى أي مدى‬ ‫يتعارض مع أهداف ومتطلبات املنافسة لعادلة والفعالة في أسواق دول االحتاد؟‪.‬‬ ‫واجلدير بالذكر أن هذه العناصر هي التي يتم فعال اختبارها بواسطة مفوضية شؤون املنافسة‬ ‫لالحتاد األوروبي (مشار اليها فيما بعد باملفوضية) والهيئات الوطنية ذات العالقة بهذا األمر‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫ستكون هذه العناصر موضوع البحث املفصل في هذه الدراسة للوقوف على القواعد املوضوعية‬ ‫الناظمة إلساءة استعمال املركز املسيطر في النظام القانوني األوروبي‪ ،‬حيث سيخصص مطلب‬ ‫مستقل لبيان كل عنصر منها‪ .‬اعتمد الباحثان املنهج التحليلي املقارن عن طريق حتليل النصوص‬ ‫القانونية واألحكام القضائية وقرارات مفوضية شؤون املنافسة في االحتاد األوروبي‪ ،‬والتطرق إلى‬ ‫ﲡربة العديد من ﺗشريعات وقرارات محاكم دول االحتاد األوروبي في هذا اﺠﻤﻟال‪.‬‬

‫‪See: A Gorrie, competition between branded and private label goods, do competition concerns arise -14‬‬ ‫‪when a customer is also a competitor? (2006) 27-5 European competition Law Review Journal 217; F‬‬ ‫‪Jenny, Competition Law and Policy: Global Governance Issues (2003) 26 world competition 611.‬‬ ‫‪60‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫املطلب األول‬ ‫تعريف السوق (‪)Market Definition‬‬ ‫يختلف احلكم بوجود الهيمنة السوقية تبعا ً الختالف ماهية السوق محل البحث؛ فقد يهيمن تاجر‬ ‫على بيع محصول معني في سوق جتاري محدد جغرافياً‪ ،‬في وقت لن تتوافر فيه هذه الهيمنة إذا‬ ‫توسعنا في التعامل مع هذا السوق ليضم عدة مناطق جغرافية أخرى‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬قد‬ ‫يحتكر تاجر إنتاج وبيع محصول زراعي معني في قرية ما‪ ،‬وعند ذلك ميكننا احلكم بهيمنة هذا‬ ‫التاجر عن بيع هذا اﶈصول إذا تعاملنا مع هذه القرية على أنها سوق مستقل بذاته‪ .‬في املقابل‪ ،‬قد‬ ‫يوجد منافسون لهذا التاجر في قرى مجاورة ال تبعد كثيرا ً عن هذه القرية‪ ،‬وعند ذلك ال ميكننا‬ ‫احلكم بهيمنة هذا التاجر على إنتاج وبيع هذا اﶈصول لو ﰎ التعامل مع مصطلح السوق على أنه‬ ‫يشمل قرية هذا التاجر والقرى األخرى اﺠﻤﻟاورة‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فرﲟا لن تكون هناك هيمنة سوقية‬ ‫متى كان من املمكن نفاذ جتار آخرين إلى هذه السوق‪ ،‬األمر الذي قد يؤثر على سلوك هذا التاجر في‬ ‫السوق حتى في حال عدم وجود منافسني فعليني له‪ .‬أخيراً‪ ،‬حتى في احلالة التي ال يوجد فيها‬ ‫منافسون فعليون لهذا التاجر وال خوف من نفاذ اآلخرين إلى هذه السوق‪ ،‬قد يختلف تقييمنا ملدى‬ ‫وجود هذه الهيمنة بتقدير مدى حاجة املستهلكني للسلعة التجارية محل البحث‪ ،‬حيث ميكن‬ ‫للبعض االدعاء بعدم وجود الهيمنة السوقية نظرا ً لعدم حيوية هذه السلعة (باعتبارها سلعة‬ ‫تكميلية وليست أساسية)‪ ،‬أو وجود بدائل سوقية لها‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫إن وضع تعريف للسوق ليست غاية بحد ذاتها‪ ،‬بل هي خطوة أساسية في حتديد مدى التنافس‬ ‫املوجود في السوق ملنتج معني أو خدمة ما‪ .‬يوفر هذا التعريف حتديد إطار واضح لتحليل التنافس‬ ‫املوجود في السوق‪ ،‬فعلى سبيل املثال ال ميكن حساب احلصص السوقية للمشاريع التجارية إال بعد‬ ‫أن يتم تعريف السوق‪ ،‬وعند التأكد من أن السوق قابل الستقبال منتجات جديدة يجب أيضا ً أن يتم‬

‫‪ -15‬أنظر‪ :‬محمد إبراهيم أبو شادي‪ ،‬حماية املنافسة ومكافحة االحتكار في االقتصاد املصري دراسة مقارنة بني‬ ‫التشريعني املصري واألمريكي (دار النهضة‪ :‬القاهرة ‪ ،902 )4001‬فراس ملحم‪ ،‬نحو تأسيس هيئة املنافسة الوطنية‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬معهد أبحاث السياسات االقتصادية الفلسطيني (ماس)‪( ،‬فلسطني‪ :‬رام اهلل ‪ ،)4094‬ص ‪ ،94‬لينا‬ ‫حسن زكي‪ ،‬قانون حماية املنافسة ومنع االحتكار‪ ،‬دراسة مقارنة في القانون املصري والفرنسي واألوروبي (دار النهضة‪:‬‬ ‫القاهرة ‪.91 )4001‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪61‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬ ‫تعريف السوق الذي سيتم إدخال هذه املنتجات إليه‪ 16.‬لهذه األسباب‪ ،‬أصدرت املفوضية دليل‬ ‫تعريف السوق لغرض تطبيق قواعد املنافسة على النشاطات التجارية داخل دول االحتاد‪17،‬على‬ ‫أساس أن هذا السوق هو أول ما سيتم البحث فيه عند وجود شبهة انتهاك قواعد املنافسة؛‬ ‫فتعريف السوق ذات الصلة يعني حتديد نطاق قواعد املنافسة فيما يتعلق باملمارسات التقييدية‬ ‫وجتاوزات املركز املهيمن‪ .‬يؤسس هذا الدليل لقواعد قانونية موحدة وواضحة تطبق على جميع‬ ‫اختبارات حتديد ماهية السوق ألغراض البحث في انتهاك قواعد املنافسة‪ .‬هذا وقد اختار املشرع‬ ‫األوروبي أن يضع دليال ً وليس توجيها ً أو تشريعا ً لتعريف السوق لرغبته في إضفاء طابع املرونة في‬ ‫تطبيق هذا الدليل لألسباب التالية‪ )9( 18:‬تغير الظروف التنافسية مبرور الوقت‪ ،‬فمن املمكن‬ ‫للمنتجات اجلديدة أن جتعل االستبدال لسلع أقل سعرا ً أصعب أو أسهل‪ .‬ولذلك يجب تعريف‬ ‫السوق حسب احلالة املنظور بها وليس حسب تعريفات سابقة حلاالت أخرى‪ )4( ،‬أن وضع تعريف‬ ‫للسوق في منطقة ما مثل فرنسا ال ينطبق بالضرورة على مناطق أخرى مثل إجنلترا أو السويد؛ ألن‬ ‫األعمال التي يقوم بها املشروع التجاري اﶈتكر ﳝكن أن تؤﺛر على تعريف السوق وتغير فيه‪ ،‬مثل أن‬ ‫يقوم املشروع التجاري بوضع بعض العقبات في طريق العمالء من أجل منعهم من استبدال‬ ‫منتجاتهم مبنتجات أقل سعرا ً‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫‪Office of fair trading, Market definition, Ibid, p3. -16‬‬ ‫‪Commission notice on the definition of relevant market for the purposes of Community competition -17‬‬ ‫‪law [Official Journal C 372 of 9.12.1997].‬‬ ‫‪ -18‬خالل السنوات األخيرة املاضية قامت املفوضية األوروبية بوضع عدد من املعايير التي من املمكن أن تساعد في‬ ‫حتليل سلوك الشركات في السوق وحتديد الظروف اخلاصة في كل سوق ذي صلة على حدة‪ .‬إال أن هذه املنهجية‬ ‫واملعايير التي مت وضعها من املمكن أن تعطي نتائج مختلفة تبعا ً لنوع املنافسة املتبعة في السوق‪ .‬لذلك فإن وجود‬ ‫معايير مرنة مهم جدا ً من أجل النظر إلى ظروف كل حالة على حدة‪.‬‬ ‫‪Although previous cases can provide useful information, the market definition used may not always -19‬‬ ‫‪be the appropriate one for future cases. First, competitive conditions may change over time. In particular,‬‬ ‫‪innovation may make substitution between products easier or more difficult, and so change the market‬‬ ‫‪definition. Therefore, the relevant market concerned must be identified according to the particular facts‬‬ ‫‪of the case in hand. Second, a previous product market definition that concerned an area outside the‬‬ ‫‪United Kingdom would not necessarily apply to an area in the United Kingdom if the purchasing behavior‬‬ ‫‪of customers differed significantly between those two areas. Third, behavior by an undertaking with‬‬ ‫‪market power can affect market definition. For example, suppose an earlier investigation had defined a‬‬ ‫‪market to be relatively wide because of the scope for both demand side and supply side substitution. A‬‬ ‫‪dominant undertaking in that market might raise customer switching costs or foreclose some‬‬ ‫‪possibilities for supply side substitution. If so, this might affect the appropriate definition of the relevant‬‬ ‫‪market. See Ibid, p19-20.‬‬ ‫‪62‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫هذا ويعتبر السوق تنافسيا ً في احلاالت التالية‪:‬‬

‫‪20‬‬

‫‪ -9‬توافر مجموعة واسعة من املنتجات ذات اخلصائص املتماثلة‪ ،‬وللعمالء أو املستهلكني االختيار‬ ‫فيما بينهما‪.‬‬ ‫‪ -4‬عدم مواجهة املوردين أو املنتجني عقبات لتوريد منتجاتهم أو خدماتهم إلى السوق‪.‬‬ ‫على هذا األساس‪ ،‬سيتيح تعريف السوق بجزئيه النوعي واجلغرافي حتديد مستغلي السوق‬ ‫األساسيني‪ ،‬أي املوردين والعمالء واملستهلكني‪ ،‬وعلى هذا األساس ميكن حساب إجمالي حجم‬ ‫السوق وحصة كل مورد في السوق مع اإلشارة إلى مبيعات كل مورد من املنتج ذي الصلة في‬ ‫املنطقة اجلغرافية ذات الصلة‪.21.‬‬ ‫اعتمد دليل تعريف السوق على معياري السوق النوعي والسوق اجلغرافي الختبار مدى وجود‬ ‫مشروعات ﲡارية أخرى منافسة متنع هيمنة املشروع محل البحث على السوق اﶈلي وتؤثر في‬ ‫قراراته وممارساته على نحو يعزز تنافسية السوق ويخدم مصالح املستهلكني على حد سواء‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫وبالتالي؛ تقوم مفوضية شؤون املنافسة التابعة لالحتاد األوروبي‪ 23‬بطرح سؤالني أساسيني لتحديد‬ ‫معنى السوق ذي الصلة‪ ،‬السؤال األول هو ما إذا كان ميكن للعمالء بسهولة التحول إلى منتج مماثل‬ ‫أو خدمة مماثلة ردا ً على زيادة السعر؟ أما السؤال الثاني فهو ما إذا كان من املمكن للموردين إنتاج‬ ‫‪D gerber, Constitutionalising the Economy: German Neo-Liberalism Competition Law and the New -20‬‬ ‫‪Europe (1994) 42 American Journal of Comparative Law 69; D Oughton and C Willette, Quality‬‬ ‫‪Regulation in European Private Law (2002) Journal of Consumer protection 303‬‬ ‫‪Office of fair trading, Abuse of a dominant position, research published on the internet at the -21‬‬ ‫‪following link:‬‬ ‫‪http://www.oft.gov.uk/shared_oft/business_leaflets/ca98_guidelines/oft402.pdf, visited on 1/5/2013, p12‬‬ ‫‪The notice explains the method used by the Commission to define a relevant market on a case-by- 22‬‬ ‫‪case basis. This analysis, which incorporates both the product and the geographical dimensions of the‬‬ ‫‪relevant market, can be used to determine whether there are actual competitors which are capable of‬‬ ‫‪constraining the behavior of the firms in question and to assess the degree of real competition on the‬‬ ‫‪market.‬‬ ‫‪ - 23‬يشير مصطلح املفوضية إلى املفوضني املندوبني من الدول األعضاء (‪ )College of Commissioners‬إضافة إلى‬ ‫املديريات والهيئة اإلدارية العاملة في مقر املفوضية‪ .‬تضم املفوضية (‪ )42‬مفوضا ً مبا فيهم رئيس املفوضية‪ ،‬حيث‬ ‫يعني كل بلد عضو في االحتاد األوروبي مفوضا يخضع لشرط مصادقة البرملان األوروبي بعد جلسة االستماع إليه‪.‬‬ ‫تختص املفوضية بتنفيذ الواجبات التالية‪ :‬اقتراح التشريعات لكل من البرملان ومجلس الوزراء ( ‪The ministry of‬‬ ‫‪ ،) council‬إدارة وتنفيذ سياسات االحتاد األوروبي واإلشراف عليها‪ ،‬متابعة تنفيذ قرارات مؤسسات االحتاد األوروبي‬ ‫بواسطة الدول األعضاء ومخاصمتها ع ند الضرورة أمام محكمة العدل األوروبية في حال أخلت هذه الدول بتنفيذ‬ ‫التزاماتها التشريعية والتنفيذية‪ ،‬ومتثيل االحتاد األوروبي على الصعيد الدولي ووضع أولويات العمل بالنسبة‬ ‫ملؤسسات االحتاد‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪63‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫منتجات مماثلة أو مشابهة بدرجة كبيرة للمنتج ذي الصلة وبيعها في نفس السوق‪ .‬واملثال على‬ ‫ذلك تقدمي شكوى للمفوضية حول عربات بيع املثلجات (‪ )Ice Cream‬في إيرلندا‪ ،‬ففي مثل هذه‬ ‫احلالة قامت املفوضية بتعريف السوق ذي الصلة بأنه ‪"The retail supply of impulse ice-cream in‬‬ ‫"‪ ، Ireland‬أي املثلجات التي يتم بيعها بوساطة بائعني جوالة إضافة إلى البيع بالتجزئة في إيرلندا‪.‬‬ ‫فنالحظ هنا أن املنتج هو املثلجات التي يتم بيعها بواسطة بائعني متجولني‪ ،‬أما املنطقة اجلغرافية‬ ‫فهي إيرلندا‪ .‬فتعريف السوق ذي الصلة يختلف تبعا ً للحالة التي يتم النظر إليها عن طريق حتديد‬ ‫املنتج في هذه احلالة واملنطقة اجلغرافية‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫مما سبق أعاله‪ ،‬يتضح لنا أن تعريف السوق لغايات املنافسة ومنع االحتكار يتطلب بيان هذا‬ ‫التعريف على املستوى السلعي بداية (السوق النوعي أو السلعي) واالنتقال من ثم للبحث في هذا‬ ‫التعريف على املستوى اجلغرافي (السوق اجلغرافي)‪ ،‬وهذا ما سيعمل الباحثان على إيضاحه‬ ‫بالتفصيل في هذا اجلزء من الدراسة‪.‬‬

‫‪Office of fair trading, Abuse of a dominant position, research published on the internet at the -24‬‬ ‫‪following link:‬‬ ‫‪, visited on 1/5/2013, p6.http://www.oft.gov.uk/shared_oft/business_leaflets/ca98_guidelines/oft402.pdf‬‬ ‫‪64‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫الفرع األول‬ ‫السوق النوعي أو السلعي (‪)Product Market Definition‬‬ ‫عرف السوق النوعية على أنها السوق التي تتوافر فيها سلع ومنتجات بديلة متكن املستهلك من‬ ‫املفاضلة واالختيار احلر واإلرادي بني هذه اخليارات على أساس عناصر السعر واخلصائص والغرض من‬ ‫االستخدام‪ .‬تتعلق السوق النوعية بنوع معني من املنتجات‪ -‬سواء كانت سلعا ً أو خدمات‪ -‬وقد‬ ‫تشمل هذه السوق سلعة واحدة أو خدمة أو مجموعة من السلع أو اخلدمات‪ ،‬ويتم رسم إطاره‬ ‫مبنهجني‪ 25:‬األول هو الطلب البديل للسلعة (‪ ،)Cross-Elasticity of Demand‬ويعتمد هذا املنهج‬ ‫على التأكد من قدرة املستهلكني على االجتاه نحو طلب سلعة مشابهة أو مماثلة‪ ،‬بحيث إذا لم‬ ‫تتوافر السلعة األولى فإنه يصار للسلعة الثانية اﶈﻘﻘة تﻘريبا لذات الغرض أو األداء املطلوﺏ‪،‬‬ ‫واملنهج الثاني هو العرض البديل للسلعة (‪ ،)Supply Substitutability‬ويعتمد على قياس استعداد‬ ‫التجار اآلخرين للدخول إلى السوق في حالة ارتفاع سعر السلعة األولى وتوفير سلعة ثانية بديلة‬ ‫عنها‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫يُعبر عن هذه السوق مبدى حاجة املستهلكني إلى السلعة موضوع املمارسة التجارية‪ ،‬ومدى توافر‬ ‫بدائل سوقية لها‪ ،‬وهو ما يعرف بإمكانية االستعاضة عن السلعة محل البحث بسلع بديلة‬

‫(‪ .)demand-side substitutability‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬وفي حال عدم توافر منتجات بديلة‪ ،‬يُعبر عن هذا‬ ‫السوق بإمكانية حتول مشاريع جتارية لبيع السلعة أو اخلدمة محل البحث إذا قام البائع األصلي‬

‫بزيادة ثمنها مبعدل (‪ )%90-1‬ما أدى باملستهلكني إلى البحث عن بديل لهذا املنتج‪ 27.‬هذا يعني أنه‬ ‫‪G Hadfield; R Howse and M Trrebilcock, information- based principles for rethinking consumer -25‬‬ ‫‪protection policy (1998) Journal of consumer policy 131.‬‬ ‫‪Ibid.-26‬‬ ‫‪Note (17) of this commission notice provides that: The question to be answered is whether the parties' -27‬‬ ‫‪customers would switch to readily available substitutes or to suppliers located elsewhere in response to‬‬ ‫‪a hypothetical small (in the range 5 % to 10 %) but permanent relative price increase in the products and‬‬ ‫‪areas being considered. If substitution were enough to make the price increase unprofitable because of‬‬ ‫‪the resulting loss of sales, additional substitutes and areas are included in the relevant market. This‬‬ ‫‪would be done until the set of products and geographical areas is such that small, p ermanent increases‬‬ ‫‪in relative prices would be profitable. The equivalent analysis is applicable in cases concerning the‬‬ ‫‪concentration of buying power, where the starting point would then be the supplier and the price test‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪65‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫سيتم وضع تعريف للسوق في كل حالة عن طريق النظر إلى املنتج أو اخلدمة ذات الصلة مبوضوع‬ ‫الدراسة والبحث عن أقرب منتج بديل له‪ ،‬من خالل إمكانية حتول املستهلكني إلى هذا املنتج البديل‬ ‫إذا مت رفع أسعار املنتج أو اخلدمة ذات الصلة‪ 28.‬ويتم تضمني هذه املنتجات أو اخلدمات البديلة في‬ ‫نفس السوق املعروض به املنتج ذو الصلة باملوضوع‪ ،‬ويتم دراسة مدى حتول املستهلك للسلعة‬ ‫البديلة بسبب غالء سعر السلعة ذات الصلة مبوضوع البحث بشكل كبير وخارج حدود املنافسة‬ ‫العادية‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫واملنتجات البديلة ال يشترط فيها أن تكون بدائل مثالية للمنتج ذي الصلة‪ ،‬ولكن املهم أن تلبي‬ ‫احتياجات وتطلعات املستهلكني‪ 30.‬كما ال يشترط في هذه املنتجات البديلة أن تكون مماثلة للمنتج‬ ‫موضوع البحث ليتم اعتبارها من نفس فئة املنتجات‪ ،‬ففي التقرير الذي أعدته جلنة االحتكار‬ ‫واالندماج األوروبية مت اعتبار علب الكبريت والقداحة من نفس فئة املنتجات؛ ألن املستهلكني‬ ‫يعتبرون أن لهما نفس االستخدام‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬ليس من الضروري أن يقوم جميع العمالء أو‬ ‫أغلبهم بالتحول نحو املنتج اآلخر‪ ،‬بل إن العامل املهم هنا هو ما إذا كان هذا التحول للمنتج األقل‬ ‫سعرا ً كافيا ملنع املشروع التجاري اﶈتكر‪ -‬والذي قام برفع أسعاره‪ -‬من اﶈافظة على هذه الزيادة‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫وقد يستغرق وقت للعمالء حتى يتفاعلوا مع زيادة األسعار‪ ،‬فإذا مر أكثر من سنة حتى يقوم‬ ‫املستهلكون باستبدال املنتج موضوع الدراسة مبنتج آخر‪ ،‬ففي هذه احلالة ال يعتبر املنتج املستبدل‬ ‫من نفس فئة املنتج موضوع الدراسة‪ .‬أما املنتجات التي يتحول لها املستهلكون نتيجة لزيادة‬

‫‪serves to identify the alternative distribution channels or outlets for the supplier's products. In the‬‬ ‫‪application of these principles, careful account should be taken of certain particular situations as‬‬ ‫‪described within paragraphs 56 and 58.‬‬ ‫‪M Sendrowicz, New competition law in Poland - much done but still some changes desirable to -28‬‬ ‫‪attain a market-focused legislation (2007) 28-8 European Commercial Law Review Journal 464.‬‬ ‫‪ - 29‬سعد حافظ‪ ،‬االقتصاد السياسي للتركز واالحتكار والدمج واالستحواذ‪ ،‬ورقة عمل قدمت إلى ندوة االندماجات‬ ‫واالستح واذات في االقتصاد العاملي وآثارها اﶈتملة على االقتصاد املصري )مركز دراسات الدول النامية‪ :‬كلية‬ ‫االقتصاد والعلوم السياسية القاهرة‪.4003 ،‬‬

‫‪The market is determined by taking the product (or service) relevant to the investigation - the focal product - -30‬‬ ‫‪and looking at the closest substitute products, usually those products to which consumers would switch, if the‬‬ ‫‪price of the focal product rose. These substitute products are included in the same market as the focal product if‬‬ ‫‪customers would switch to them in sufficient volumes in response to the hypothetical situation where the price of‬‬ ‫‪the focal product is sustained significantly above competitive levels. The alternative products do not need to be‬‬ ‫‪perfect substitutes for the focal product, but alternatives which would fill a similar role to the focal product.‬‬

‫‪Office of fair trading, Abuse of a dominant position, research published on the internet at the -31‬‬ ‫‪following link:‬‬ ‫‪, visited on 1/5/2013, p7.http://www.oft.gov.uk/shared_oft/business_leaflets/ca98_guidelines/oft402.pdf‬‬ ‫‪66‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫السعر في مدة أقل من سنة فمن املمكن اعتبارها جزءا من السوق ذي الصلة ومن نفس فئة املنتج‬ ‫موضوع البحث‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫ميكننا بيان التعريف النوعي للسوق من خالل قرار محكمة العدل األوروبية في القضية الشهيرة‬ ‫(‪ .33)united Brands Company v Commission‬تلخصت وقائع هذه القضية في قيام املفوضية‬ ‫بإدانة شركة (‪ )united Brands‬األمريكية الشهيرة بسوء استغالل املركز املهيمن‪ ،‬باعتبارها من‬ ‫الشركات الرائدة على املستوى الدولي في جتارة فاكهة املوز‪ .‬طعنت الشركة األمريكية في هذا‬ ‫القرار معتبرة أن فاكهة املوز ال تشكل سوقا ً جتارية منفصلة‪ ،‬على اعتبار أن باقي الفواكه تشكل‬ ‫سلعا ً بديلة لسلعة املوز‪ .‬اعتبرت الشركة أن سلعة املوز تتنافس مع سلع أخرى بديلة في ذات‬ ‫األسواق (مثل التفاح‪ ،‬البرتقال‪ ،‬العنب‪...‬الخ)‪ ،‬على نحو ميكن املستهلكني من املفاضلة السعرية‬ ‫ومفاضلة اجلودة بني هذه السلع‪ ،‬بالتالي ال تشكل سلعة املوز سوقا جتارية مستقلة‪ ،‬بل هي جزء‬ ‫من سوق الفاكهة ككل‪ .‬لذا‪ ،‬ال تعتبر الشركة األمريكية مبثابة محتكرة لهذه السلعة في األسواق‬ ‫األوروبية (الفقرة ‪ 93‬من القرار)‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬تشير اإلحصاءات إلى أن معدل نفقات‬

‫املستهلكني على شراء فاكهة املوز تقل في الفترة ما بني شهري حزيران وكانون أول‪ ،‬بسبب وجود‬ ‫بدائل متعددة من فواكه طازجة في األسواق اﶈلية (الفقرة ‪ 35.)96‬كما استندت الشركة إلى‬ ‫اإلحصاءات الصادرة عن منظمة الغذاء العاملية (‪ ) FAO‬في العام (‪ )9121‬إلى انخفاض أسعار املوز‬ ‫في األسواق األملانية متى توافرت فواكه التفاح الطازجة وكانت أسعارها مناسبة للمستهلكني‬ ‫(الفقرة ‪ 36.)91‬في مجمل األمر‪ ،‬سعت الشركة األمريكية إلى إثبات وجود أنواع أخرى من املنتجات‬ ‫املنافسة ملنتجها‪ ،‬بالتالي ال تشكل فاكهة املوز سوقا ً جتاريا ً مستقالً‪ ،‬بل تعتبر جزءا من سوق‬ ‫الفاكهة‪ ،‬األمر الذي ينفي صفة االحتكار عن هذا املنتج‪ .‬في املقابل‪ ،‬استندت املفوضية في قرارها‬ ‫إلى أن فاكهة املوز مستمرة على مدار العام دومنا تفضيل موسم على آخر‪ ،‬وهذا ال يتوافر في باقي‬ ‫‪Office of fair trading, Abuse of a dominant position, research published on the internet at the -32‬‬ ‫‪following link:‬‬ ‫‪, visited on 1/5/2013, p 8.http://www.oft.gov.uk/shared_oft/business_leaflets/ca98_guidelines/oft402.pdf‬‬

‫‪Judgment of the Court of 14 February 1978. - United Brands Company and United Brands Continentaal BV v -33‬‬ ‫‪Commission of the European Communities. - Chiquita Bananas. - Case 27/76. European Court reports 1978 Page‬‬ ‫‪00207, available at:‬‬ ‫‪visited on 11/12/2011.http://eur-lex.europa.eu/LexUriServ/LexUriServ.do?uri=CELEX:61976J0027:EN:HTML‬‬ ‫‪13- The applicant submits in support of its argument that Bananas compete with other fresh fruits in the same -34‬‬ ‫‪shops, on the same shelves, at prices which can be compared.‬‬ ‫‪14- The statistics produced show that consumer expenditure on the purchase of bananas is at its lowest -35‬‬ ‫‪between June and December when there is plentiful supply of domestic fresh fruit on the market.‬‬ ‫)‪in (1975) confirm that Banana prices are 36 15- Studies carried out by the Food and Agriculture organization (FAO‬‬ ‫‪relatively weak during the summer months and that the prices of apple for example has a statistically appreciated‬‬ ‫‪impact on the consumption of banana in the Federal republic of Germany.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪67‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬ ‫أنواع الفواكه األخرى (الفقرة ‪ 37،)43‬ميتاز املوز مبذاقه اخلاص من حيث سهولة هضمه ومالءمته‬ ‫لكافة األعمار‪...‬الخ‪ ،‬األمر الذي يجعله مختلفا ً عن باقي أصناف الفواكه األخرى (الفقرة ‪ 38،)39‬ال‬ ‫يجوز االعتداد بدفوع الشركة اخلاصة بتنافسية الفواكه األخرى لسلعة املوز بسبب تدني أسعار‬ ‫املوز في فترات معينة من السنة‪ ،‬وذلك بسبب عدم أهمية هذه النسبة من انخفاض األسعار‪ ،‬والتي‬ ‫لم تتعد (‪ )%40‬وفقا ً لتقديرات منظمة الغذاء العاملية (الفقرة ‪ 39.)34‬في اﺠﻤﻟمل‪ ،‬سعت املفوضية‬ ‫إلى إثبات خصوصية سلعة املوز‪ ،‬وعدم وجود أصناف فواكه أخرى تنافسها في األسواق‪ ،‬األمر الذي‬ ‫يبرر صعوبة االستغناء عن هذا النوع من الفواكه بأنواع أخرى‪ ،‬ما يشكل في مجمله سوقا جتاريا‬ ‫مستقال لهذه السلعة‪ .‬في النهاية‪ ،‬أيدت محكمة العدل األوروبية أخيرا ً قرار املفوضية‪ 40،‬واعتبرت‬ ‫فاكهة املوز مبثابة سلعة سوقية ميكن االعتماد عليها لتحديد السوق النوعي وال متثل باقي‬ ‫الفاكهة بدائل عنها‪ .‬كما أقرت محكمة العدل األوروبية قرار املفوضية القاضي بإساءة الشركة‬ ‫األمريكية الستعمال نفوذها االقتصادي‪ ،‬ورفضت طعن الشركة‪.‬‬

‫‪41‬‬

‫أخيراً‪ ،‬ولدى تعريفنا ملاهية السوق النوعية ينبغي علينا التطرق إلى تعريف األسواق التابعة‪ ،‬وهي‬ ‫األسواق التي توجد بها السلع الثانوية‪ ،‬أي التي يتم شراء املنتج الثانوي منها نتيجة لشراء منتج‬ ‫أساسي‪ -‬مثل شراء حبر للطابعة (املنتج الثانوي) الستخدامه في الطابعة (املنتج األساسي)‪-‬‬ ‫فيقوم كل من املنتج األساسي والثانوي بتكملة اآلخر‪ .‬ميكننا تلخيص األسواق التابعة بثالثة‬ ‫أشكال‪:‬‬

‫‪42‬‬

‫‪23- The repining of Bananas takes place the whole year round without any season have to be taken into -37‬‬ ‫‪account.‬‬ ‫‪31- The Banana has certain characteristics, appearance, taste, softness…etc which enable it to satisfy the -38‬‬ ‫‪constant needs of an important section of the population consisting of the very young, the old and the sick.‬‬ ‫‪23- As for as prices are concerned two (FAO) show that the Banana is only affected by the prices of other -39‬‬ ‫‪fruits during the summer months and mainly in July and then by an amount not exceeding (20%).‬‬

‫‪ - 40‬لم تكن محكمة أول درجة موجودة في هذا الوقت‪.‬‬ ‫‪For more details about this case, see: I Eagles, of ports, pilots and predation: New Zealand courts -41‬‬ ‫‪reassess some competition fundamentals (1996) 17-8 European Commercial Law Review Journal 462; I‬‬ ‫‪Klauss and L Rathje, Germany: anti-competitive agreements - sports rights (2008) 29-11 European‬‬ ‫‪competition Law Review Journal 180; J Stuyck, EC competition law after modernization: more than Ever‬‬ ‫‪in the interests of consumers (2005) Journal of Consumer policy; L Hawthorne, Abuse of right to dismiss‬‬ ‫‪not contrary to Good faith (2005) 17 SA mercantile Law Journal 217.‬‬ ‫‪Three possible types of market definition are often put forward as regards after markets: -42‬‬ ‫‪1- a system market: a unified market for the primary product and the secondary product (e.g. a market‬‬ ‫)‪for all razors and replacement heads‬‬ ‫‪68‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫‪ -9‬األسواق املوحدة‪ :‬وهي األسواق التي يوجد فيها املنتج األساسي واملنتج الثانوي املكمل له في‬ ‫نفس السوق‪.‬‬ ‫‪ -4‬األسواق املتعددة‪ :‬أي وجود سوق واحد يوجد فيه املنتج األساسي‪ ،‬وأسواق أخرى متعددة موجود‬ ‫فيها املنتج الثانوي املكمل‪.‬‬ ‫‪ -3‬األسواق املزدوجة‪ :‬حيث يكون هنالك سوق للمنتج األساسي وسوق آخر منفصل متاما ً للمنتج‬ ‫الثانوي املكمل‪.‬‬

‫)‪2- multiple markets: a market for primary products and separate markets for the secondary product(s‬‬ ‫‪associated with each primary product (e.g. one market for all razors, individual markets for each type of‬‬ ‫‪replacement head), and‬‬ ‫‪3- dual markets: a market for the primary product and a separate market for the secondary product (e.g.‬‬ ‫‪one market for all razors, a separate market for all replacement heads).‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪69‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫الفرع الثاني‬ ‫السوق اجلغرافي (‪)Geographical Market‬‬ ‫تعرف السوق اجلغرافية املتوافقة مع معايير املنافسة على أنها السوق التي تشمل املنطقة‬ ‫اجلغرافية التي تتجانس فيها ظروف املنافسة‪ ،‬و يتعامل في نطاقها كل من البائعني واملشترين في‬ ‫املنتجات لتحديد األسعار‪ .‬بالتالي هي املنطقة التي تعرض فيها املشاريع التجارية منتجاتها‬ ‫وخدماتها في ظروف بيع مشابهة دومنا منح تفضيالت ملزود أو مورد عل حساب آخر من حيث تكلفة‬ ‫أو شروط العرض‪ .‬مبعنى آخر‪ ،‬هي املنطقة التي ميارس فيها املشروع نشاطه التجاري ويعرض‬ ‫منتجاته وخدماته على املترددين على هذه املنطقة في ظروف عرض مماثلة لباقي املزودين اآلخرين‪.‬‬ ‫على سبيل املثال‪ ،‬إذا قلنا إن منتجات شركة بيع أجهزة تكييف من نوع معني تُعرض للبيع في‬ ‫األسواق اﶈلية ملدينة عمان األردنية بتكلفة نفاذ إلى هذه السوق قدرها (‪ )90‬دنانير أردنية لكل جهاز‬ ‫تكييف؛ فإن هذا السوق سيكون تنافسيا ً جغرافيا ً اذا كان من املمكن لشركات بيع أخرى أن تنفذ‬ ‫إلى أسواق مدينة عمان بتكلفة مساوية أو مقاربة لتكلفة نفاذ منتجات شركة ما على نحو ال‬ ‫يحدث فرقا في أسعار بيع هذين املنتجني‪ .‬من الطبيعي أن يتوقف نطاق هذه السوق على حجم‬ ‫وأهمية نشاط املشروع التجاري؛ إذ كلما زاد حجم النشاط وأهميته كلما كانت السوق اجلغرافية‬ ‫ملنتج املشروع املذكور مترامية األطراف واسعة املدى‪.‬‬

‫‪43‬‬

‫ويتم حتديد السوق اجلغرافي عن طريق حتديد األسواق التي مت عرض املنتجات واخلدمات فيها‪ ،‬كما يتم‬ ‫ضم املناطق التي اجته العمالء أو املستهلكون فيها للحصول على منتج بديل أو خدمة بديلة عن‬ ‫التي مت رفع سعرها‪ ،‬ومن املمكن أن يكون السوق اجلغرافي محددا في دولة واحدة أو في جزء منها أو‬ ‫في أكثر من دولة‪ ،‬ممثال ً في االحتاد األوروبي ككل‪ ،‬أو حتى من املمكن أن يكون عاملياً‪ ،‬وفي كل حالة‬ ‫يجب دراسة السوق حسب معطيات احلالة ألن تعريفه من املؤكد سيختلف‪ 44.‬وعلى عكس السوق‬ ‫‪ - 43‬أنطر‪ :‬حسني املاحي‪ ،‬تنظيم املنافسة (دار النهضة العربية‪ :‬القاهرة ‪.40 )4003‬‬ ‫‪Similar methods are used to define the geographic market. Usually, you should consider an area in -44‬‬ ‫‪which the focal product was sold as a candidate for the relevant geographic market. Then consider‬‬ ‫‪whether, in response to the hypothetical situation where the price of the focal product in that area was‬‬ ‫‪being sustained significantly above competitive levels, customers would switch a sufficient volume of‬‬ ‫‪purchases to the same products sold in other areas. If so, these other areas will be included in the‬‬ ‫‪70‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫السلعية‪ ،‬فإن للقضاء سلطة تقديرية واسعة في رسم إطار هذا السوق‪ ،‬مع األخذ بعاملني‬ ‫أساسني‪ :‬أولهما مكان شراء السلعة أو مكان استغالل اخلدمة بواسطة املستهلكني‪ ،‬وثانيهما هو‬ ‫النطاق الذي متتد فيه القدرة التنافسية لهذه السلعة أو تلك اخلدمة‪ ،‬حيث إن هذه السوق‪ ،‬السوق‬ ‫اجلغرافية‪ ،‬مرتبطة برقعة مكانية فعلية‪.‬‬

‫‪45‬‬

‫على هذا األساس‪ ،‬قامت املفوضية مبراجعة ما يسمى باختبار عنصر استبدال الطلب (‪demand-‬‬ ‫‪ )side substitutability‬وعنصر استبدال العرض على حد سواء (‪.)supply-side substitutability‬‬

‫‪46‬‬

‫عادة ما يقاس العنصر األول من جهة املستهلكني‪ ،‬وهو يدل على توافر سلع بديلة‪ -‬أو إمكانية نفاذ‬ ‫سلع بديلة‪ -‬في املنطقة اجلغرافية التي يتردد عليها املستهلكون على نحو يسهل معه حصول‬ ‫املستهلكني على هذه السلعة البديلة اذا قام املشروع التجاري محل البحث برفع سعر بيع سلعته‬ ‫مبقادر بتراوح بني (‪ .)%90-%1‬على سبيل املثال‪ ،‬إذا قامت شركة (‪ )L.G‬برفع أسعار أجهزة التلفاز بهذه‬ ‫النسبة وقرر املستهلكون االستغناء عن شراء مثل هذا املنتج مبنتجات شركات (‪ )Samsung‬فال‬ ‫ﳝكننا في هذه احلالة االدعاء بوجود هيمنة على السوق اﶈلية في قطاع بيع أجهزة التلفاز إذا كان‬ ‫من السهل على املستهلك ‪-‬من حيث املكان واملال‪ -‬أن يشترى جهاز الـ (‪ .)Samsung‬يقاس عنصر‬ ‫استبدال العرض بواسطة املنتجني واملزودين‪ ،‬وهو يشير إلى إمكانية حتول املنتجني أو املزودين إلى بيع‬ ‫املنتج محل البحث بسهولة في األسواق اﶈلية‪ ،‬ومتى حتققت هذه اﻹمكانية‪ ،‬ال ﳝكننا عندها‬ ‫احلكم بوجود سيطرة على السوق؛ ألن بيع مثل هذه املنتجات متاحة للجميع‪.‬‬ ‫هذا وال يتم النظر إلى مصطلح السوق اجلغرافي بشكل مجرد؛ فاملسألة ليست مسألة كيلومترات‬ ‫أو أميال مربعة بل تعتمد فقط على شروط تكلفة وإمكانيات النفاذ إلى السوق محل البحث على‬ ‫نحو تتساوى فيه شروط العرض بالنسبة جلميع التجار في ذات السوق‪ .‬هذا ما أقرته املفوضية في‬ ‫‪relevant geographic market. Supply side substitution might also occur whereby suppliers in other areas‬‬ ‫‪would quickly (for example, within one year), and without substantial investment, supply the candidate‬‬ ‫‪market in response to the higher prices there. The geographic market may be national (i.e. the United‬‬ ‫‪Kingdom), smaller than the United Kingdom (e.g. local or regional), wider than the United Kingdom (e.g.‬‬ ‫‪part of Europe, including the United Kingdom) or even worldwide See Office of fair trading, Abuse of a‬‬ ‫‪dominant position, Ibid, p12.‬‬ ‫‪R Smith, Does competition law adequately protect consumers? (2007) 28/7 European competition -45‬‬ ‫‪Law Review Journal 412; H Rindler and P Poch, Austria: unfair competition (1998) 20-9 European‬‬ ‫‪Intellectual Property Review 145; R Whish, Competition Law (Butterworths: London 2003).‬‬

‫‪Thus the Commission carries out an assessment of demand-side substitutability (i.e. of customers) and supply- 46‬‬ ‫‪side substitutability (i.e. of suppliers). In the first case, the question is whether customers for the product in‬‬ ‫‪question can switch readily to a similar product in response to a small but permanent price increase (between 5 %‬‬ ‫‪and 10 %). In the second case, the question is whether other suppliers can readily switch production to the relevant‬‬ ‫‪products and sell them on the relevant market.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪71‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

،‫العديد من قراراتها؛ حيث أقرت بوجوب قياس منط وحجم اإلنتاج واالستهالك ملنتج أو خلدمة معينة‬ ‫من أجل حتديد ما إذا كان هذا املشروع التجاري حقا ً ميثل جزءا كبيرا من السوق ويتحكم به وفقا ً ملا‬ Sea ( ‫ فمثال ً في قضية‬47.‫) من اتفاقية تنظيم عمل االحتاد األوروبي‬904( ‫جاء في نص املادة‬ ‫) مت اعتبار أحد املوانئ جزءا كبيرا ومهما من السوق ذي‬containers LTD vs. stena sealink ports ً ‫ فنالحظ من خالل هذا القرار أنه يتم حتديد السوق جغرافيا‬،‫الصلة ألنه يربط بني بريطانيا وأيرلندا‬ 48

.‫حسب املساهمة التي ميثلها جتاريا ً للسلعة ذات الصلة‬

،‫رغبة منها في حتديد معايير محددة وواضحة تعالج موضوع احلكم بتنافسية السوق اجلغرافية‬ Suiker Unie" UA and others v ( ‫أقرت محكمة العدل األوروبية في القضية الشهيرة‬ ‫ أن احلكم بتنافسية السوق اجلغرافية ينبغي أن يأخذ في عني االعتبار املعايير‬49)Commission ‫ حجم اإلنتاج واالستهالك للسلعة محل البحث كي يتسنى لصانع القرار املفاضلة بني‬-9 50:‫التالية‬ ‫ األعراف‬-4 ،‫تناسب العرض والطلب على هذه السلعة ومدى توافرها في السوق محل البحث‬ ‫ للوقوف‬-‫ عند الضرورة‬-‫ والسلعة املباعة‬-‫التجارية املتعلقة بالسوق محل البحث وممارسات التجار‬ ‫ الفرص التجارية للمستهلكني في‬-3 ،‫على ظروف تداول وبيع هذه السلعة في السوق محل البحث‬ ‫احلصول على سلع بديلة في نفس السوق تلبي احتياجاتهم ورغباتهم مبا يضمن حقهم في‬ .‫املفاوضة واالختيار بني العديد من السلع البديلة‬ ‫ أقرت املفوضية بوجوب مراعاة األمور التالية عند البحث في تنافسية السوق‬،‫إضافة إلى ذلك‬ 51

:‫اجلغرافية لدول االحتاد‬

Introduction to article !02, research publish on the internet at the following link: - 47 , visited on 1/5/2013, p268.http://fds.oup.com/www.oup.com/pdf/13/9780199572731.pdf The port of Holyhead constitutes a substantial part of the Common Market because it is a port -48 providing one of the main links between two member-States; more especially, it provides the direct link between Great Britain and the capital city of Ireland. It should also be noted that this is, at least for passengers and cars, the most popular ferry route between Ireland and Great Britain.

Judgment of the Court of 16 December 1975. Coöperatieve Vereniging "Suiker Unie" UA and others v -49 Commission of the European Communities. Available at: http://eur- lex.europa.eu/smartapi/cgi/sga_doc?smartapi!celexplus!prod!CELEXnumdoc&numdoc=61973J0040&lg =en visited on 13/7/2013.

In Suiker Unie the ECJ stated that " For the purpose of determining whether a specific territory is -50 large enough to amount to a substantial part of the common market within the meaning of Article (102 TEFU). the palter and volume of the production and consumption of the said products as well as the habits and economic opportunities of vendors and purchasers must be considered. Definition of relevant market, research published on the internet at the following link: -51 http://europa.eu/legislation_summaries/competition/firms/l26073_en.htm, visited on 1/5/2013.

‫م‬2013 ‫ يوليو‬- ‫هـ‬1435 ‫ ربيع األول‬:‫ العدد الثاني‬- ‫السنة األولى‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

72


‫ ديانا قطامش‬.‫ أ‬-‫ محمود فياض‬.‫د‬

‫ من خالل النظر‬،‫ وفيه يتم البحث في مدى اختالف األسعار خالل الفترة املاضية‬:‫ املاضي القريب‬-9 52

.ً‫إلى مدى تغيير العمالء للمنتج الذي كانوا يستعملونه لغالء سعره إلى منتج آخر أقل سعرا‬

‫ وفيها يتم تقييم معدل الطلب على املنتجات عن طريق إجراء اختبارات‬:‫ تقييم نتائج الدراسات‬-4 ‫ التي ميكن أن تؤثر في‬،‫إلخ‬...‫اقتصادية للسوق ذي الصلة تأخذ في عني االعتبار عوامل اللغة والثقافة‬ 53

.‫اقتصاد السوق‬

‫ للوقوف على ردة فعلهم على تقلبات األسعار في‬:‫ استطالع وجهات نظر العمالء واملنافسني‬-3 54

.‫السوق ذي الصلة‬

‫ يجوﺯ للمفوضية أن تطلب من الﺸركات اﶈتكرة أن تقوﻡ بدراسة السوق‬:‫ مصلحة املستهلﻚ‬-6 55

.‫ كما يحق لها أن تطلب منها حتديد السعر مبا هو مقبول‬،‫قبل إطالق منتجاتها فيه‬ 56

.ً‫ دراسة التكاليف التي ترتبط بتحول العمالء إلى منتج آخر أقل سعرا‬-1

The recent past: in certain cases it is possible to analyze evidence relating to recent price variations, for -52 example in terms of substitution between two products or in terms of the customer response. The results of specific studies: elasticity of demand for a product can be assessed by conducting econometric -53 and statistic tests. It is also useful to assess the geographic market in the light of a series of factors (such as culture, language, etc.) which impact on local preferences. The views of customers and competitors: the Commission may contact the main customers and competitors of -54 the firm in question with a view to gathering factual evidence and estimating their reaction in the event of price variations within the geographic area. Consumer preferences: the Commission may ask the firms in question to commission market studies before -55 launching a product on the market or fixing its price. It may also contrast the purchasing habits of customers on the relevant market with those of other customers on a separate geographic market in so far as the conditions are the same. Barriers (regulatory or others) and costs associated with switching demand to other products or areas. -56 73

‫ دولة اإلمارات العربية املتحدة‬- ‫ جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬،‫تصدر عن كلية القانون‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫املطلب الثاني‬ ‫تعريف الهيمنة (‪)Definition of Dominance‬‬ ‫الهيمنة هي احلالة التي يعمل فيها السوق من خالل قيام شركة واحدة‪ -‬أو مجموعة شركات‬ ‫متفقة غير متنافسة‪ -‬بتزويد املستهلكني بسلعة أو خدمة على نحو تسيطر فيه هذه الشركة‪ -‬أو‬ ‫الشركات‪ -‬على كامل السوق بشكل كامل أو شكل شبه كلي‪ ،‬على نحو ميكنها من فرض أسعارها‬ ‫وشروطها في السوق‪ ،‬لقناعتها بعدم وجود منتج بديل في هذه السوق أو تقدمي عروض أو شروط‬ ‫أفضل مما تقدمها‪ 57.‬وكما بينا سابقا ً فإن تعريف السوق ذي الصلة يعتمد على عنصرين هما‪:‬‬ ‫املنتج‪ ،‬والسوق اجلغرافي‪ ،‬وإن الهدف األساسي من تعريف السوق هو حتديد القيود التي يضعها‬ ‫املشروع التجاري اﶈتكر على املنافسة في السوق‪ 58.‬وعند وضع تعريف السوق فمن املهم حتديد ما‬ ‫إذا كان املشروع التجاري يتمتع مبركز احتكاري في هذا السوق‪ ،‬وهذا يوجب حتديد كون هذا املشروع‬ ‫التجاري قادرا ً على إعاقة املنافسة الفعالة في السوق‪ ،‬وما إذا كان يتصرف باستقاللية تامة عن‬ ‫منافسيه وعن عمالئه‪ ،‬أي أنه يستطيع التصرف بشكل مستقل متاما ً في حتديد األسعار بالسوق‬ ‫واتخاذ إجراءات مماثلة دون االلتفات للمنافسني والعمالء واملوردين‪.‬‬

‫‪59‬‬

‫‪ - 57‬انظر‪ :‬سامي أبو صالح‪ ،‬إساءة استغالل املركز املسيطر في العالقات التجارية القانون رقم ‪ 3‬لسنة ‪ 4001‬اخلاص‬ ‫حلماية املنافسة ومنع املمارسات االحتكارية دراسة حتليلية مقارنة (دار النهضة‪ :‬القاهرة ‪ ،)4001‬قدري الشهاوي‪،‬‬ ‫شرح قانون حماية املنافسة ومنع املمارسات االحتكارية والئحته التنفيذية قانون حماية املستهلك مذكرته‬ ‫اإليضاحية (دار النهضة‪ :‬القاهرة ‪ ،) 4004‬فادي عبد السالم‪ ،‬عمليات االندماج واالستحواذ في العالم وموقف صناعة‬ ‫البرمجيات املصرية في املستقبل‪ ،‬ورقة عمل قدمت الى ندوة االندماجات واالستحواذات في االقتصاد العاملي وآثارها‬ ‫اﶈتملة على االقتصاد املصري (مركز دراسات الدول النامية‪ :‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية القاهرة ‪.4003‬‬ ‫‪The main purpose of market definition is to "identify in a systematic way the competition constraints -58‬‬ ‫‪that the undertaking involved face.‬‬ ‫‪Field Fisher Waterhouse, EU Competition Law (article 101 and article 102), research published in the -59‬‬ ‫‪internet at the following link:‬‬ ‫‪, visited on 1/5/2013, p5.http://www.ffw.com/pdf/EU-competition-law-articles-101-102.pdf‬‬ ‫‪74‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫عرفت محكمة العدل األوروبية الهيمنة في القضية الشهيرة ( ‪united Brands Company v‬‬ ‫‪ 60)Commission‬على أنها "القوة االقتصادية‪ ،‬التي يتمتع بها املشروع التجاري التي متكنه من منع‬ ‫املنافسة الفعالة في السوق ذات الصلة‪ ،‬ومتكنه من التصرف باستقاللية تامة عن منافسيه‬ ‫والعمالء‪ ،‬وفي النهاية عن املستهلكني"‪ 61.‬يتطلب هذا التعريف أن يكون لدى املشروع التجاري مركز‬ ‫قيادي في السوق مقارنة مبنافسيه وأال تكون هنالك منافسة فعالة في نفس هذه السوق‪ .‬نتيجة‬ ‫االنفتاح االقتصادي واالتفاقيات الدولية املتعددة التي ألزمت الدول بعدم التمييز بني املورد الوطني‬ ‫واألجنبي عن طريق إعمال مبدأي النفاذ إلى األسواق واملعاملة الوطنية‪ ،‬انقضت فكرة وجود املورد‬ ‫الوحيد وحل محلها فكرة االتفاقيات االقتصادية بني عدة موردين‪ ،‬يهدفون من ورائها إلى السيطرة‬ ‫على هذه السوق والقضاء على إمكانية منافستهم بواسطة جتار آخرين‪ 62.‬يدعونا هذا البيان إلى‬ ‫احلديث بداية عن تقدير الهيمنة السوقية في االحتاد األوروبي واالنتقال من ثم للحديث عن‬ ‫االتفاقيات التجارية املنشئة للهيمنة السوقية‪.‬‬

‫‪Judgment of the Court of 14 February 1978. - United Brands Company and United Brands Continental BV v -60‬‬ ‫‪Commission of the European Communities. - Chiquita Bananas. - Case 27/76. European Court reports 1978 Page‬‬ ‫‪00207, available at:‬‬ ‫‪visited on 11/12/2011.http://eur-lex.europa.eu/LexUriServ/LexUriServ.do?uri=CELEX:61976J0027:EN:HTML‬‬

‫‪In the case (76/27) United brands vs. commission the European court has defined a dominant market -61‬‬ ‫‪position as: "…a position of economic strength enjoyed by an undertaking which enables it to prevent‬‬ ‫‪effective competition being maintained on the relevant market by affording it the power to behave to an‬‬ ‫‪appreciable extent independently of its competitors, customers and ultimately of its consumers. Given‬‬ ‫‪the positive stress put on an economic-based approach to competition policy, it is important to notice‬‬ ‫‪that this definition of dominance is clearly associated with two situations examined by economic‬‬ ‫‪analysis: the pure monopoly and market leadership.‬‬ ‫‪ - 62‬طارق البحيري‪ ،‬االندماجات واالستحواذات في االقتصاد العاملي وآثارها احملتملة على االقتصاد املصري (‪)4003‬‬ ‫‪ 94–6‬مجلة النهضة‪ ،‬حسن عمران‪ ،‬املنافسة واملمارسات االحتكارية بني املناخ التشريعي ومشاكل التطبيق‬ ‫(‪ )4099‬املنظمة العربية للتنمية اإلدارية‪ ،‬سامي أبو صالح‪ ،‬إساءة استغالل املركز املسيطر في العالقات التجارية‬ ‫القانون رقم ‪ 3‬لسنة ‪ 1002‬اخلاص حلماية املنافسة ومنع املمارسات االحتكارية دراسة حتليلية مقارنة (دار النهضة‪:‬‬ ‫القاهرة ‪.)4001‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪75‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫الفرع األول‬ ‫تقدير الهيمنة السوقية (‪(Assessment of Market Dominance‬‬ ‫لتقدير مدى احتكار املشروع التجاري للسوق ذات الصلة يجب أخذ عدة عوامل في االعتبار‪ ،‬أهمها‬ ‫احلصة السوقية لهذا املشروع‪ ،‬حتديدا ما إذا كان هنالك أية عوائق لوجود املركز االحتكاري بالسوق‪،‬‬ ‫ومدى القوة الشرائية للمستهلكني‪ ،‬ووضع املشروع بالنسبة للمتنافسني األخرين‪ ،‬وتصرفاته في‬ ‫هذه السوق‪...‬إلخ‪ .‬يعتبر العنصر األول (مقدار احلصة السوقية) هو األساس في تقدير وجود هذه‬ ‫الهيمنة‪ ،‬إذ كلما زاد حجم احلصة التي يستحوذ عليها املشروع كلما عظمت مقدرته االقتصادية‬ ‫في السوق التنافسية‪ .‬فمفهوم الوضع املسيطر يفترض أن هذا املشروع يشغل مكانا ً مهيمنا ً‬ ‫بشكل يضمن له االستحواذ على حصة في السوق تفوق بكثير مقدار ما ميلكه باقي املنافسني‪.‬‬

‫‪63‬‬

‫ميكننا بيان عناصر تقدير الهيمنة من خالل قرار محكمة العدل األوروبية في القضية الشهيرة‬ ‫(‪ 64،)united Brands Company v Commission‬والتي أقرت فيها اﶈكمة تقدير الهيمنة من خالل‪:‬‬ ‫‪ -9‬املكانة والقوة االقتصادية للمشاريع التجارية التي متكنها من منع الغير من منافستها‬ ‫والتصرف بشكل مستقل دون االعتداد بعمالئها أو منافسيها االقتصاديني وأخيرا ً املستهلكني‬ ‫(الفقرة ‪ 65،)14‬مع ضرورة األخذ في عني االعتبار بالعوامل التالية على سبيل االسترشاد‪:‬‬ ‫‪ -4‬امتالك املشروع التجاري لنسبة ال تقل عن (‪ 60‬إلى ‪ )%10‬من احلصة السوقية للمنتج محل‬ ‫البيع‪ ،‬مع األخذ في عني االعتبار النفوذ االقتصادي للمنافسني ونسبة مشاركتهم السوقية في هذا‬ ‫املنتج (الفقرات ‪ 901‬و ‪ 990‬من القرار)‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫‪ - 63‬حسني املاحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪406‬‬

‫‪Judgment of the Court of 14 February 1978. - United Brands Company and United Brands Continental BV v -64‬‬ ‫‪Commission of the European Communities. - Chiquita Bananas. - Case 27/76. European Court reports 1978 Page‬‬ ‫‪00207, available at:‬‬ ‫‪visited on 11/12/2011.http://eur-lex.europa.eu/LexUriServ/LexUriServ.do?uri=CELEX:61976J0027:EN:HTML‬‬ ‫‪The dominant position referred to in Article 82 (now article 102) relates to a position of economic strength -65‬‬ ‫‪enjoyed by an undertaking which enables it to prevent effective competition in being maintained on the relevant‬‬ ‫‪market by giving it the power to behave to an appreciable extent independently of its competitors, customers and‬‬ ‫‪ultimately of its consumers.‬‬

‫‪A market share of 40-45 per cent "does not however permit the conclusion that UBC automatically -66‬‬ ‫‪controls the market. It must be determined having regard to the strength and number of the competitors.‬‬

‫‪76‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫‪ -3‬ال تشترط القدرة الكاملة للمنتج على القضاء على تنافسية السوق بشكل كلي كي نحكم‬ ‫بسوء استغالل مركزه االقتصادي‪ ،‬حيث يكفي التأثير على تنافسية هذا السوق من خالل ممارساته‬ ‫(الفقرة ‪ 993‬من القرار)‪.‬‬

‫‪67‬‬

‫‪ -6‬ال تقاس الهيمنة االقتصادية للمنتج مبستوى أرباحه أو حتى حجم مبيعاته في السوق‪ ،‬بل تقاس‬ ‫بقدرته على التأثير على أسعار وحجم تداول املنتج محل البيﻊ في السوق اﶈلية (الفقرة ‪ 944‬من‬ ‫القرار)‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫يالحظ في هذا القرار اعتماد محكمة العدل األوروبية لثالثة أسس عند احلكم بهيمنة املشروع‬ ‫التجاري‪ )9( 69:‬االعتماد على أسس وإحصاءات اقتصادية في تقدير عنصر الهيمنة على مدار العام‪،‬‬ ‫فيكفي توافر هذه الهيمنة خالل فترة ولو وجيزة خالل العام للحكم بوجود الهيمنة االقتصادية‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬ومتى توافر منتج وحيد فقط خالل فترة وجيزة من العام دون وجود منتجات منافسة له خالل‬ ‫هذه الفترة‪ ،‬ميكننا االدعاء بنشوء املركز املهيمن حتى في حال وجود منتجات أخرى منافسة لهذا‬ ‫املنتج على مدار فترة زمنية طويلة خالل هذا العام‪ )4( 70،‬إهمال وجود عنصر املنافسة متى كان‬ ‫لهذه املنافسة تأثير غير كبير على سعر املنتج محل البحث‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬اعتبرت محكمة‬ ‫العدل األوربية انخفاض سعر املوز بنسبة (‪ )%40‬متى وجدت منافسة حقيقية له من باقي أنواع‬ ‫الفواكه نسبة تافهة‪ ،‬ال ميكن األخذ بها للحكم بوجود منافسة فعلية ملنتج املوز‪ )3( ،‬يتعلق‬ ‫األساس الثالث مبدى أهمية املنتج محل البحث بالنسبة للمستهلكني وإلى أي مدى ميكن‬ ‫للمستهلك االستعاضة عنه مبنتجات أخرى‪ .‬كان من الواضح في إحصاءات هذه القضية عدم‬ ‫إمكانية تصور استعاضة املستهلكني عن منتج املوز مبنتج آخر‪ ،‬لذا يعتبر هذا املنتج ضروريا ً‬

‫‪An undertaking does not have to have eliminated all opportunity for competition in order to be in a -67‬‬ ‫‪dominant position.‬‬ ‫‪An undertaking's economic strength is not measured by its profitability; a reduced profit margin or -68‬‬ ‫‪even losses for a time are not incompatible with a dominant position, just as large profits may be‬‬ ‫‪compatible with a situation where there is effective competition.‬‬ ‫‪See: Mario Monti European Commissioner in charge of Competition Policy European Competition -69‬‬ ‫‪Policy: Quo Vadis ? XX. International Forum on European Competition Policy Brussels, 10 April 2003,‬‬ ‫‪available at:‬‬ ‫‪http://europa.eu/rapid/pressReleasesAction.do?reference=SPEECH/03/195&format=HTML&aged=0&langu‬‬ ‫‪visited on 5/7/2013.age=EN&guiLanguage=en‬‬ ‫‪C. Baden, Econmoic Analysis of a Dominant Position (1979) 5 European Law review Journal 423.- 70‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪77‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫للمستهلكني على نحو يصعب معه تصور استبداله مبنتج آخر‪ ،‬األمر الذي قد يدفع املنتج إلى فرض‬ ‫شروطه التعاقدية على املستهلكني عند تسويقه‪.‬‬

‫‪71‬‬

‫وضع املشرع األوروبي قرينة على توافر الهيمنة للمشروع إذا كان يستحوذ على نسبة (‪ )%10-60‬من‬ ‫حجم السوق‪ ،‬بيد أن هذه القرينة ليست قاطعة‪ ،‬إذ أضيفت بعد ذلك ضرورة مراعاة اعتبارات تتعلق‬ ‫بظروف تركيبة السوق‪ ،‬ووضع املشروع بالنسبة للمتنافسني اآلخرين وتصرفاته في هذه‬ ‫السوق‪...‬إلخ‪ 72.‬من خالل النظر إلى حاالت عديدة في االحتاد األوروبي‪ ،‬يتضح لنا أنه إذا ما كان املشروع‬ ‫التجاري ميلك (‪ )%10‬من احلصص السوقية‪ ،‬فهذا سيكون دليال مؤكدا على وجود مركز احتكاري‪ ،‬أما‬ ‫إذا كان ميلك (‪ )%10‬من احلصص السوقية فغالبا ً‪ -‬ليس دائما ً‪ -‬ما ستتوافر الهيمنة‪ ،‬أما إذا لم تتعد‬ ‫حصصه في السوق نسبة (‪ )%60‬فاألرجح أن الهيمنة غير موجودة‪ .‬وفي حالة متلكه (‪ )%41-40‬من‬ ‫احلصص السوقية فال ميكن اعتباره يتمتع مبركز احتكاري على اإلطالق‪ 73.‬في هذا السياق‪ ،‬اعتبر‬ ‫مجلس شؤون املنافسة الفرنسي أن شركة (‪ )Canal Plus‬في وضع مسيطر نتيجة استحواذها على‬ ‫حصة (‪ )%20‬من سوق البث التلفزيوني املدفوع في فرنسا بعد أن قامت هذه الشركة بشراء (‪)%10‬‬ ‫من حقوق البث التلفزيوني لألفالم الفرنسية‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫ويقاس مقدار احلصة السوقية على أساس حجم املبيعات عددا ً أو قيمة أو على أساس الطاقة‬ ‫اإلنتاجية للمشروع‪ ،‬ويرجح الفقه املعاصر االعتداد باألساس األول كونه يعبر عن حقيقة املقدرة‬ ‫االقتصادية الفعلية للمشروع في السوق‪ ،‬في حني أن األساس الثاني ال يعبر عن ذلك؛ إذ أن املشروع‬ ‫قد ينتج بشكل كبير في السوق إال أنه يفشل في تسويق منتجاته ومن ثم ال ميكننا االعتداد مبقدار‬ ‫ما فشل في تسويقه للوصول إلى حجم تأثيره في هذه السوق‪.‬‬

‫‪75‬‬

‫والهيمنة في هذا السياق ال تقتصر على هيمنة البائع أو املزود بل قد متتد لتشمل هيمنة املشتري‬ ‫وحتكمه في السوق‪ ،‬وهي احلالة التي ميكن أن حتدث حني يهيمن مشتر معني على اقتصاد السوق من‬ ‫‪V Cora, Concept of Dominion Position within the Meaning of article 86 (1980) 17 Commercial law - 71‬‬ ‫‪Review Journal 395.‬‬ ‫‪ -72‬أحمد عبد الرحمن امللحم‪ ،‬االحتكار واألفعال االحتكارية‪ ،‬دراسة حتليلية مقارنة في القانون األمريكي واألوروبي‬ ‫والكويتي (‪ 9‬جامعة الكويت‪ :‬الكويت ‪.14 )9112‬‬ ‫‪Where a party had a market share in excess of 80%, that will be a sufficient proof of dominance; a - 73‬‬ ‫‪market share of 50% is presumptive of dominance (though not conclusive); a market share of 40% will‬‬ ‫‪usually not be enough by itself to be dominant; and a party with a market share of less than 20-25% will‬‬ ‫‪not be regarded as dominant. See: Field Fisher Waterhouse, Ibid, p5.‬‬ ‫‪ -74‬حسني املاحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.402‬‬ ‫‪ -75‬حسني املاحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.404‬‬ ‫‪78‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫خالل احتكاره لشراء سلعة أو خدمة معينة‪ .‬هذا ما أقرته محكمة العدل األوروبية في القضية‬ ‫رقم (‪ 76،)British Airways plc v European Commission( )219/99‬حيﺚ أكدت اﶈكمة على وجود‬ ‫مركز مهيمن بالنسبة ملمارسات شركة الطيران البريطانية لكونها في مركز احتكاري كمشتر‬ ‫خلدمات السفر في بريطانيا من مكاتب السياحة‪ 77،‬وبالتالي لها القدرة على التحكم في أسعار بيع‬ ‫هذه التذاكر‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫على صعيد النطاق املوضوعي للشخصية القانونية للشركة املهيمنة‪ ،‬ميكننا القول إن احلظر‬ ‫األوروبي يطبق على كل القائمني على النشاط التجاري سواء كانت مؤسسات عامة أو خاصة‪ ،‬وال‬ ‫ترد في هذا الشأن حصانة طائفية حتمي نشاطا ً خاضعا ً لهذا احلظر القانوني؛ فالعبرة بتجارة‬ ‫العمل املمارس في السوق وليس بصفة القائم عليه أو مالكه‪ .‬بالتالي‪ ،‬فإن الطبيعة االقتصادية‬ ‫للنشاط هي التي حتدد إمكانية تطبيق احلظر األوروبي عليه وليست صفة القائم على هذا النشاط‪،‬‬ ‫على أساس أن النص القانوني يخاطب املشاريع وال يخاطب صفة القائمني عليها‪ 79.‬وقد قام مجلس‬ ‫املنافسة الفرنسي بتوضيح هذا املبدأ في تقريره السنوي للعام (‪ )4009‬حينما أقر صراحة أن عمل‬ ‫الهيئات احلكومية التي تدير األنظمة التكميلية لتأمني الشيخوخة واملرض هي أعمال اقتصادية‬ ‫في مجملها لكونها تنافس شركات التأمني اخلاصة في هذا العمل؛ فاالنضمام االختياري‬ ‫للمستفيدين والتشغيل وفقا ً ملبدأ العائد الرأسمالي‪ ،‬واعتماد األداءات على مقادير االشتراكات‬ ‫املدفوعة تشكل في مجملها نشاطات اقتصادية ينبغي أن تخضع لرقابة اﺠﻤﻟلس للحكم بتنافسها‬ ‫من عدمه‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫هذا ويثور التساؤل بصفة خاصة حول حكم املركز املهمني فيما يتعلق بعمل مشروعات فرعية‬ ‫(مثل الفروع واملوزعني التجاريني) متارس نشاطها من خالل شركات مركزية (الشركة األم) وتعمل في‬ ‫‪Judgment of the Court of First Instance (First Chamber) of 17 December 2003. British Airways plc v -76‬‬ ‫‪Available at: Commission of the European Communities.‬‬ ‫‪http://curia.europa.eu/juris/liste.jsf?language=en&num=T-219/99 visited on 14/7/2013.‬‬

‫‪In case T-219/99 British airways plc Vs. Commission, the CFI confirmed that a dominant position -77‬‬ ‫‪may exist not only in the supplier market but also in the buyer market. In this case British Airways was‬‬ ‫‪found to be in a dominant position as a purchaser of services in the UK from travel agents‬‬ ‫‪The commission's guidance on the enforcement priorities in applying Article (102) TFEU confirms the -78‬‬ ‫‪above definition of dominance. The commission considers that "an undertaking which is capable of‬‬ ‫‪profitably increasing prices above the competition level for a significant period of time does not face‬‬ ‫‪sufficiently effective competitive constraints and can thus generally be regarded as dominant".‬‬ ‫‪C Branard and S Deakin, “Market access and regulatory competition” in C Branard and J Scott, The -79‬‬ ‫‪law of the single European market: Unpacking the premises (OUP: Oxford 1999).‬‬ ‫‪ - 80‬مشار إليه في املرجع التالي‪ :‬حسني عبده املاحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.491 -491‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪79‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫إطار تعليماتها وتوجيهاتها‪ .‬أقر مجلس املنافسة الفرنسي في هذه احلالة بوجوب البحث في مدى‬ ‫استقاللية هذا الفرع عند اتخاذ قراره استقالال ً ماديا ً في تقدير موقفه التجاري واتخاذ قراراته‬ ‫النهائية في اجملالفة موضوع البحث‪ ،‬ومتى حتقق هذا االستقالل‪ ،‬سينسب هذا الفعل إلى الشركة‬ ‫الفرع ال إلى الشركة األم‪ .‬وقد أكد اﺠﻤﻟلس على ضرورة مراعاة أن مسﺄلة متتع الفرع بشخصية‬ ‫قانونية منفصلة ال تكفي بحد ذاتها الستبعاد إمكانية إسناد السلوك اجملالف الصادر من الفرع إلى‬ ‫الشركة األم‪ ،‬وإمنا يشترط أن يثبت أن الفرع ال ميلك حتديد سلوكه بطريقة مستقلة في السوق‪ ،‬بل‬ ‫يطبق تعليمات‪ -‬خاصة في املسائل اجلوهرية‪ -‬صادرة له عن الشركة األم‪ 81.‬ففي قضية شهيرة‪ ،‬قرر‬ ‫مجلس املنافسة الفرنسي توقيع عقوبات على شركة القناة األولى الفرنسية ألن فرعها قد صدرت‬ ‫عنه ممارسات ضارة باملنافسة في سوق اإلعالنات الوطنية‪ ،‬بعد أن تبني للمفوضية أن الشركة األم‬ ‫(القناة األولى) متلك أكثر من (‪ )%11‬من أصول شركة اإلعالنات اجملالفة‪ ،‬وأن مجلس إدارة الفرع يتكون‬ ‫بصفة رئيسية من مديري الشركة األم‪ 82.‬وفي قرار ﺁخر‪ ،‬قضى اﺠﻤﻟلس ﲟخالفة الشركة الفرنسية‬ ‫لأللعاب نتيجة ممارسات أحد فروعها اجملالفة لقواعد املنافسة‪ ،‬بعد أن تبني للمجلس أن الشركة األم‬ ‫متلك (‪ )%10‬من رأسمال الشركة الفرعية‪ ،‬إضافة إلى أن غالبية مديري الفرع كانوا ميارسون‬ ‫مسؤولياتهم في الشركة األم‪ ،‬وأن إدارة الفرع وحتديد سياسته التجارية كانت تتم حتت سيطرة‬ ‫الشركة األم‪.‬‬

‫‪83‬‬

‫‪ -81‬التقرير السنوي ﺠﻤﻟلس املنافسة الفرنسي لعام ‪ ،4004‬مشار إليه في املرجع التالي‪ :‬حسني املاحي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص ‪.446‬‬ ‫‪ - 82‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.446‬‬ ‫‪ -83‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.446‬‬ ‫‪80‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫الفرع الثاني‬ ‫االتفاقيات التجارية املنشئة للهيمنة السوقية‬ ‫(‪)Agreements of Market Dominance‬‬ ‫عند احلديث عن االحتكار والهيمنة نشأ مفهومان جديدان هما االحتكار الكامل " ‪super‬‬ ‫‪ 84"dominance‬واالحتكار اجلماعي "‪ ."collective dominance‬يشير املصطلح األول إلى احلالة التي‬ ‫يتمتع بها املشروع التجاري باحتكار كامل‪ -‬أو شبه كامل‪ -‬للسوق ذات الصلة‪ ،‬ومت التطرق إليه في‬ ‫الكثير من القضايا التي عرضت على محكمة العدل األوروبية‪ ،‬وكانت املرة األولى من قبل اﶈامي‬ ‫"‪ "Fennelly‬في القضيتني (‪ )C-395‬و (‪Campaign Maintime Bledge and others vs. " )396/96P‬‬ ‫‪ ،"Commission‬حيث مت تعريف هذه احلالة على أنها احلالة التي يتمتع فيها مشروع جتاري مبركز‬ ‫احتكاري عال جدا ً في السوق ذات الصلة‪ .‬أما االحتكار اجلماعي فينشأ عند وجود قلة يحتكرون‬ ‫السوق ذات الصلة‪ ،‬من خالل اتفاقهم على التصرف بطريقة معينة من أجل احلفاظ على احتكارهم‬ ‫للسوق ومنع املنافسني من النفاذ إليه‪ 85.‬وفي هذه احلالة سيبقى كل مشروع جتاري مستقال عن‬ ‫املشاريع التجارية األخرى في إدارته وقراره‪ ،‬إال أنه وفي نفس الوقت‪ ،‬هنالك ترابط في املصالح يتمثل‬ ‫في االتفاق الضمني على توزيع السوق فيما بينهم‪ ،‬من خالل االتفاق على توحيد عروض وشروط‬ ‫البيع مما يفقد املستهلك القدرة على املفاضلة واالختيار بني هذه العروض‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫يحدث هذا كنتيجة إلميان القائمني على هذه املشاريع بأنه إذا قام أحدهم برفع األسعار فإنه‬ ‫سيخسر حقه في مراقبة منافسيه ومعرفة سياستهم‪ ،‬وحتى في حالة قيام أي من هذه املشاريع‬ ‫بتخفيض األسعار فإن ذلك لن يكون في مصلحته‪ ،‬ألن باقي املنافسني سيقومون بتخفيض‬

‫‪ -84‬ويشار له أيضا مبصطلح "‪." overwhelming dominance‬‬ ‫‪ -85‬إسماعيل كامل العيساوي‪ ،‬االحتكار في الفقه اإلسالمي (‪ 6 )4006‬كلية الشريعة‪ -‬جامعة حضرموت ‪،912‬‬ ‫فادي عبد السالم‪ ،‬عمليات االندماج واالستحواذ في العالم وموقف صناعة البرمجيات املصرية في املستقبل‪ ،‬ورقة‬ ‫عمل قدمت إلى ندوة االندماجات واالستحواذات في االقتصاد العاملي وﺁﺛارها اﶈتملة على االقتصاد املصري (مركز‬ ‫دراسات الدول النامية‪ :‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية القاهرة‪.4003 ،‬‬ ‫‪ -86‬يعتبر اتفاق عدم املنافسة من أهم مظاهر اخلروج عن مبدأ حرية املقاولة و التعاقد‪ ،‬باعتباره اتفاق بني طرفني‬ ‫يلتزم مبقتضاه أحدهما بأال ميارس نشاطا محددا ينافس به نشاط الطرف اآلخر‪ ،‬ويرد على الغالب النص عليه‬ ‫مبقتضى شرط ضمن عقد سابق بني الطرفني‪ ،‬وعلى هذا األساس قد يسمى كذلك شرط عدم املنافسة‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪81‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬ ‫ وعليه إلبقاء نسبة‬87،‫ وهذا ليس في مصلحة أي منهم ألنه سيقلل من أرباحهم‬،ً‫أسعارهم أيضا‬ ‫ وعدم اخلروج عن السياسية‬،‫أرباحهم عالية فمن مصلحتهم احلفاظ على االتفاق القائم بينهم‬ ‫ واجلدير بالذكر أن محكمة العدل األوروبية تعاملت مبزيد‬88.‫املشتركة التي يتوجب عليهم اتباعها‬ ‫ سواء في االتفاقيات األفقية أو الرأسية بني‬-‫من احلزم مع مثل هذه االتفاقيات املقيدة للمنافسة‬ ‫ وحظرتها باﺠﻤﻟمل متى أدت إلى احتكار السوق وتعسﻒ‬،‫ في العديد من القضايا‬-‫الشركات التجارية‬ .‫املركز االقتصادي للقائمني عليها‬ ‫) من اتفاقية االحتاد األوروبي على نوعني من االتفاقيات التي تتم بني‬909( ‫ نصت املادة‬،‫في هذا السياق‬ ‫ تكون هذه االتفاقيات إما‬89.‫املشاريع التجارية وتؤثر بشكل سلبي على تنافسية األسواق الوطنية‬ .‫أفقية أو رأسية‬ ‫ يقصد بها االتفاقيات التي تتم بني مشروعني أو‬:)Horizontal Agreements( ‫ االتفاقيات األفقية‬-‫أ‬ ‫عدة مشروعات يقفون جميعا ً على قدم املساواة أو على نفس املستوى في العملية االقتصادية التي‬ ‫ عادة ما‬.‫ بحيث يقوم كل منهم بإنتاج نفس السلعة أو توزيع نفس املنتج‬،‫تتم بني عدة مشاريع‬ Dramatically reducing prices would result in similar action taken by its competitors. Accordingly, -87 they know that they would derive no benefit from such an action because they will be affected by the collective reduction in price levels. In order to ensure high profits, they maintain a tacit understanding that they will take no action changing the existing situation in the relevant market. Alina Kacsorowska, European Union Law (2 Oxon: Routledge 2011) 876.-88 Article (101) provides that:-89 1. The following shall be prohibited as incompatible with the internal market: all agreements between undertakings, decisions by associations of undertakings and concerted practices which may affect trade between Member States and which have as their object or effect the prevention, restriction or distortion of competition within the internal market, and in particular those which: (a) directly or indirectly fix purchase or selling prices or any other trading conditions; (b) limit or control production, markets, technical development, or investment; (c) share markets or sources of supply; (d) apply dissimilar conditions to equivalent transactions with other trading parties, thereby placing them at a competitive disadvantage; (e) make the conclusion of contracts subject to acceptance by the other parties of supplementary obligations which, by their nature or according to commercial usage, have no connection with the subject of such contracts. 2. Any agreements or decisions prohibited pursuant to this Article shall be automatically void. 3. The provisions of paragraph 1 may, however, be declared inapplicable in the case of: any agreement or category of agreements between undertakings, any decision or category of decisions by associations of undertakings, any concerted practice or category of concerted practices, which contributes to improving the production or distribution of goods or to promoting technical or economic progress, while allowing consumers a fair share of the resulting benefit, and which does not: (a) impose on the undertakings concerned restrictions which are not indispensable to the attainment of these objectives; (b) afford such undertakings the possibility of eliminating competition in respect of a substantial part of the products in question. ‫م‬2013 ‫ يوليو‬- ‫هـ‬1435 ‫ ربيع األول‬:‫ العدد الثاني‬- ‫السنة األولى‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

82


‫ ديانا قطامش‬.‫ أ‬-‫ محمود فياض‬.‫د‬

‫تتفق هذه املشاريع التجارية على تثبيت أسعار بيع هذه املنتجات أو توحيد شروط التعامل مع‬ ‫ لذا لن يجد املستهلك أية امتيازات تفضيلية بني عروض هذه‬،‫املستهلكني في السوق الواحدة‬ .‫ وسيكون أمام حالة مشابهة الحتكار السلعة أو اخلدمة بواسطة مشروع جتاري واحد‬،‫املشاريع‬ ‫ على نحو جعل املفوض‬،‫تعتبر هذه االتفاقيات أكثر االتفاقيات إضرارا ً بتنافسية األسواق الوطنية‬ ‫ عادة ما‬،‫ لذا‬90."‫) يصفها "بسرطان اقتصاد السوق احلرة‬M.Monti( ‫األوروبي السابق لشؤون املنافسة‬ 91

.‫تفرض املؤسسات الوطنية واملفوضية غرامات مالية كبيرة على أطراف هذه االتفاقيات التجارية‬

‫ أقرت محكمة العدل األوروبية قرار‬92،(Societa' Italian Vetro vs. Commission ( ‫ففي قضية‬ ‫املفوضية الذي حظر اتفاق ثالث شركات لتصنيع الزجاج في إيطاليا على أساس أن هذه الشركات‬ ‫) من السوق الوطنية وحتالفت فيما بينها على‬%10-21( ‫في مجموعها متلك حصة سوقية مقادرها‬ ‫) من‬904( ‫ وهو ما اعتبرته املفوضية مخالفة صريحة لنص املادة‬،‫حتديد األسعار وتخصيص أسهمها‬ ‫ وأكدت محكمة العدل األوروبية عدم أهمية تقييم نتائج هذا االتفاق على‬93.‫اتفاقية االحتاد األوروبي‬ 94

.ً‫ بل يكفي التأكد من تأثر هذا املستوى إيجابا ً أو سلبا‬،‫مستوى حركة التجارة بني الدول األعضاء‬

‫ اعتبرت محكمة العدل األوروبية االتفاقيات التالية مؤثرة على التجارة بني الدول‬،‫على هذا األساس‬ ‫) االتفاق بني منتجي مواد العزل في األبنية في هولندا متى كان لهذا االتفاق أثر على‬9( :‫األعضاء‬ ‫) اتفاقيات تتعلق ببضائع‬4( 95،‫حرمان مصدري باقي الدول األعضاء من النفاذ إلى األسواق الهولندية‬ Mr Mario Monti Member of the European Commission in charge of Competition Fighting Cartels Why -90 and How? Why should we be concerned with cartels and collusive behavior? 3rd Nordic Competition Policy Conference Stockholm, 11-12 September 2000. Available at:http://europa.eu/rapid/pressReleasesAction.do?reference=SPEECH/00/295&format=HTML&aged=0&lan guage=EN&guiLanguage=en visited on 22/7/2011. Fighting cartels is one of the most important areas of activity of any competition authority and a clear -91 priority of the Commission. Cartels are cancers on the open market economy, which forms the very basis of our Community. By destroying competition they cause serious harm to our economies and consumers.

Judgment of the Court of First Instance (First Chamber) of 10 March 1992. - Società Italiana Vetro SpA, -92 uropean Fabbrica Pisana SpA and PPG Vernante Pennitalia SpA v Commission of the European Communities. Court reports 1992 Page II-01403. Available at: visited on 14/7/2013.http://eur-lex.europa.eu/LexUriServ/LexUriServ.do?uri=CELEX:61989A0068:EN:HTML

Three Italians producers of flat glass, who held between them 79 percent to 95 percent share of the -93 Italian market in flat glass, agreed to share the market by allocating quotes to each other and fix prices for the flat glass. The commission held that the undertakings breached both Article (101) and (102) TFEU.

J. Faull, Effect on Trade Between Member States , Fordham Corporate Law institute, 1991, P.481. -94 Judgment of the Court (Fifth Chamber) of 11 July 1989. - SC Belasco and others v Commission of the European -95 Communities. - Competition - Application of Article 85 of the EEC Treaty to an agreement concerning roofing felt. Case 246/86. 83

‫ دولة اإلمارات العربية املتحدة‬- ‫ جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬،‫تصدر عن كلية القانون‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫ال يتم تداولها عبر احلدود متى أثر هذا االتفاق إيجابا ً على تصدير بضائع أخرى بني الدول األعضاء‪،‬‬

‫‪96‬‬

‫(‪ )3‬االتفاق على تثبيت أسعار مواد خام ال يتم تصديرها إلى اخلارج إال أن هذا االتفاق سيؤثر على‬ ‫أسعار السلع املصدرة بني الدول األعضاء‪ )6(97،‬االتفاق على ضمان العيوب اخلفية للمنتج الذي يتم‬ ‫تصديره في الدولة املستوردة لهذا املنتج فقط دون أن ميتد هذا الضمان إلى دول أخرى أعضاء في‬ ‫االحتاد‪ )1( ،‬االتفاق على تصدير منتج ما لدول ليست أعضاء في االحتاد واالتفاق مع موزعي هذه‬ ‫املنتجات في الدول املستوردة على حظر توزيع هذه املنتجات داخل أسواق أي من دول االحتاد‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬توسعت محكمة العدل األوروبية كثيرا ً عند إعمالها لهذا الشرط حينما اعتبرت‬ ‫أن االتفاقيات التجارية التي قد تتم بني مشروعات جتارية لدول خارج دول االحتاد قد تكون مشمولة‬ ‫بنطاق هذا احلظر داخل دول االحتاد‪ ،‬طاملا كان لها أثر على احلركة التجارية بني دول االحتاد‪ 99.‬على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬متى تعاقدت شركتا تأمني في الواليات املتحدة األمريكية على تثبيت أسعار التأمني‬ ‫ملشاريع جتارية عاملة في أسواق دول االحتاد‪ ،‬فإن لهذا االتفاق أثرا سلبيا على عمل أسواق دول االحتاد‪،‬‬ ‫ألن نشاط هذه الشركات ميتد ليشمل العمل مع مشاريع جتارية تنشط في أسواق دول االحتاد‪ .‬على‬ ‫هذا األساس‪ ،‬قضت محكمة العدل األوروبية صراحة بحظر مثل هذا االتفاق على الرغم من عدم‬ ‫تعارضه مع تشريعات املنافسة األمريكية التي ال حتظر االتفاقيات التي ال تؤثر على نشاط األسواق‬ ‫األمريكية‪.‬‬

‫‪100‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬االتفاقيات الرأسية (‪ :)vertical Agreements‬هي االتفاقيات التي جتمع بني مشروعني أو أكثر‬ ‫يقف كل منهما على مستوى مختلف من العملية االقتصادية‪ ،‬مثل االتفاقيات التي تتم بني منتج‬ ‫إلحدى السلع وموزعها أو مجموعة موزعني‪ ،‬أو االتفاقيات التي تتم بني موزع رئيسي للسلعة‬ ‫‪Judgment of the Court of 12 July 1984, Ordre des avocats au Barreau de Paris v Onno Klopp. Reference for a -96‬‬ ‫‪preliminary ruling: Cour de cassation - France. Freedom of establishment - Access to the legal profession. Case‬‬ ‫‪107/83.‬‬ ‫‪Judgment of the Court of 30 January 1985. Bureau national interprofessionnel du cognac v Guy Clair. -97‬‬ ‫‪Reference for a preliminary ruling: Tribunal de grande instance de Saintes - France. Reference for a preliminary‬‬ ‫‪ruling - Competition, Article 85 - Fixing of minimum prices for cognac. Case 123/83.‬‬ ‫‪Judgment of the Court of 28 April 1998. Javico International and Javico AG v Yves Saint Laurent Parfums SA -98‬‬ ‫‪(YSLP). Reference for a preliminary ruling: Cour d'appel de Versailles - France. Competition - Luxury cosmetic‬‬ ‫‪products - Selective distribution system - Obligation to export to a non-member country - Prohibition of re‬‬‫‪importation into, and of marketing in, the Community. Case C-306/96.‬‬ ‫‪Judgment of the Court (Fifth Chamber) of 31 March 1993. - A. Ahlström Osakeyhtiö and others v Commission of -99‬‬ ‫‪the European Communities. -Concerted practices between undertakings established in non-member countries‬‬ ‫‪affecting selling prices to purchasers established in the Community. -Joined cases C-89/85, C-104/85, C-114/85,‬‬ ‫‪C-116/85, C-117/85 and C-125/85 to C-129/85.‬‬

‫‪For more details, see: M.Dabbah, The Internationalization of Antitrust Policy (5th Lexis Nexis -100‬‬ ‫‪Butterworths: London 2003) chapter 12; F Jenny, Competition Law and Policy: Global Governance Issues‬‬ ‫‪(2003) 26 world competition 609.‬‬

‫‪84‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫وموزعني فرعيني لذات السلعة‪ .‬غالبا ً ما تساهم هذه االتفاقيات في تأمني توزيع السلع واخلدمات‬ ‫بشكل منظم للمستهلكني‪ ،‬لذا فقد يكون لهذه االتفاقيات دور إيجابي في تنظيم عملية توزيع‬ ‫املنتجات واخلدمات‪ .‬تتعامل املفوضية مع هذه االتفاقيات بشكل متساهل‪ ،‬وتضع العديد من‬ ‫املعايير والضوابط التي تضمن عدم إضرار مثل هذه االتفاقيات بتنافسية السوق‪.‬‬ ‫تنتشر مثل هذه االتفاقيات بشكل كبير لرغبة املنتجني في تركيز نشاطهم التجاري في عملية‬ ‫إنتاج السلع واخلدمات واالعتماد على خبرات موزعني‪-‬وطنيني أو أجانب‪ -‬في توزيع وتسويق هذه‬ ‫املنتجات‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬يستطيع منتج مواد غذائية في دولة من دول االحتاد (مثل فرنسا) توزيع‬ ‫منتجاته في أسواق جميع دول االحتاد من خالل التعاقد مع موزع في كل دولة أو منطقة جغرافية‪.‬‬ ‫سيضمن هذا املنتج حتقق أمرين إيجابيني‪ )9( :‬النفاذ إلى أسواق الدول التي تتعاقد مع موزعني‬ ‫وطنيني فيها‪ ،‬وضمان توزيع منتجاته بشكل كبير من خالل خبرة وكفاءة واختصاص املوزع الوطني‬ ‫في كل دولة‪ )4( ،‬تركيز نشاط هذا املنتج على تنمية وتطوير العملية اإلنتاجية دون بذل مزيد من‬ ‫الوقت واجلهد في العمل على توزيع منتجاته‪ .‬في املقابل‪ ،‬قد تضر هذه االتفاقيات إلى حد كبير‬ ‫بتنافسية السوق من خالل فرض شروط تعاقدية وتوحيد شروط وأسعار توزيع هذه املنتجات في‬ ‫السوق الواحدة‪ .‬ميكننا إجمال هذه االتفاقيات في أربع صور‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪101‬‬

‫‪ -9‬اشتراط املنتج على املوزع قيام األخير بالتوزيع احلصري ملنتجات األول دون أن يوزع منتجات أخرى‬ ‫قد تنافس هذا املنتج‪ .‬عادة ما ينتشر هذا النوع من االتفاقيات في اتفاقيات بيع توزيع السيارات عبر‬ ‫الدول‪ ،‬حيث تقوم الشركة املنتجة بالتعاقد مع وكيل توزيع في كل منطقة جغرافية‪ ،‬وتشترط‬ ‫عليه عدم بيع سيارات من شركات أخرى لضمان تركيز اهتمام هذا املوزع لنوع السيارات املتفق‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫‪ -4‬في حال كانت املنتجات املراد توزيعها جديدة على السوق املستهدفة‪ ،‬عادة ما يتعاقد املورد مع‬ ‫موزعني في هذه املناطق‪ ،‬دون أن يشترط عليهم توزيع منتجاته حصرا في هذه السوق (أي إمكانية‬ ‫قيام املوزع بتوزيع منتجات أخرى منافسة)‪ .‬في املقابل سيشترط املوزع على املنتج عدم إبرام عقود‬ ‫توزيع مع موزعني آخرين في ذات السوق لضمان جناح سياسة التوزيع التي سيعتمدها‪.‬‬ ‫‪ -3‬متى اتسمت جودة وطبيعة املنتجات محل االتفاق بالفخامة والعراقة (مثل املصنوعات اليدوية‬ ‫التقليدية)‪ ،‬سيهتم املنتج باختيار موزع ذي شهرة كبيرة لتوزيع مثل هذه املنتجات‪ ،‬لالستفادة من‬ ‫اسمه وخبرته في التعامل مع املستهلكني‪.‬‬

‫‪A Gorrie, Ibid 217.-101‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪85‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫‪ -6‬التعاقد على أساس اتفاقيات التوزيع ذات العالقة بنقل املعرفة الفنية من املنتج إلى املوزع (عقود‬ ‫الفرنشايز)‪ ،‬التي يعتمد فيها املوزع على اسم وخبرة املورد (مثل شركات املاكدونالدز)‪ ،‬وفي هذه‬ ‫احلالة يلتزم املنتج بنقل معرفته الفنية إلى املوزع مقابل التزامات املوزع بعدم إفشاء أسرار هذه‬ ‫املعرفة ودفع مقابل مادة للمنتج بسبب االستفادة من االسم واملعرفة‪.‬‬ ‫في هذا الشأن‪ ،‬أقرت محكمة العدل األوروبية بوجود هيمنة ومركز احتكاري في اتفاقية رأسية‬ ‫عرفت بقضية السكر االيرلندي (‪)Irish sugar plc.‬‬

‫‪102‬‬

‫وحكمت بإمكانية وجود هيمنة جماعية‬

‫ومركز احتكاري في االتفاقيات الرأسية‪ ،‬حيث تقوم هذه املشاريع التجارية اﶈتكرة للسوق‪ -‬ودون‬ ‫اخلروج عن القواعد القانونية‪ -‬بتغيير سلوكها مع منافسيها مما يخدم كل األطراف‪ ،‬إال أنه يسيء‬ ‫لكل من العمالء واملستهلكني‪ .‬هذا ولم تغفل محكمة العدل األوروبية حتديد عناصر الهيمنة‬ ‫اجلماعية وشروطها بعد أن قامت بالربط بني مفهوم الهيمنة ومفهوم االندماج كما جاء في‬ ‫التشريع األوروبي رقم (‪ )European Commission Merger Regulation( )4006/931‬الذي عالج‬ ‫مشروعية اندماج الشركات داخل دول االحتاد‪ .‬جاء هذا الربط في القضية الشهيرة ( ‪Airtours vs.‬‬ ‫‪ 103)First choice‬حيث ورد في هذا القرار ضرورة توافر ثالثة شروط للقول بتوافر الهيمنة اجلماعية‬ ‫في اتفاق االندماج على النحو التالي‪:‬‬

‫‪104‬‬

‫‪ -9‬شرط الشفافية‪ :‬ويعني دراية كل طرف من أطراف اتفاق االندماج بتصرفات وسلوك باقي األطراف‬ ‫‪105‬‬ ‫في السوق للتأكد من اتباعهم جميعا ً لسياسة واحدة في السوق‪.‬‬ ‫‪ -4‬شرط االستدامة‪ :‬وتشير إلى ضرورة وجود سياسية مشتركة متفق عليها بني األعضاء ليسيروا‬ ‫عليها‪ ،‬حتى ال ينحرفوا عما اتفقوا عليه‪ ،‬وحتى يتم اعتمادها حقا ً من قبلهم كلهم خالل عملهم‬ ‫‪106‬‬ ‫بالسوق ذات الصلة‪.‬‬ ‫‪ -3‬شرط غياب التنافس‪ :‬ويشير إلى عمل هذه الشركات مبعزل عن رغبات وتوجهات املستهلكني‬ ‫‪107‬‬ ‫والعمالء في السوق وتأثرهم فقط بسلوك باقي الشركات املندمجة‪.‬‬ ‫‪Judgment of the Court of First Instance (Third Chamber) of 7 October 1999. Irish Sugar plc v -102‬‬ ‫‪Commission of the European Communities, available at: http://eur‬‬‫‪lex.europa.eu/smartapi/cgi/sga_doc?smartapi!celexplus!prod!CELEXnumdoc&lg=en&numdoc=61997A02‬‬ ‫‪28 visited on 12/7/2013‬‬ ‫‪C 342/99, 22.09.99, IV-M.1524.-103‬‬ ‫‪Para 62.-104‬‬ ‫‪Transparency, that is, each member of the dominant oligopoly must have the ability to know how the -105‬‬ ‫‪other members are behaving in order to monitor whether or not they are adopting the common policy.‬‬ ‫‪Sustainability, that is, there must be a retaliatory mechanism in place which secures unity within an -106‬‬ ‫‪oligopoly and thus dissuades its members from their common policy adopted in the relevant market.‬‬ ‫‪An absence of competitive constraints so allowing undertakings within a dominant oligopoly to act -107‬‬ ‫‪independently of their customers and consumers, actual or potential‬‬ ‫‪86‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫ ديانا قطامش‬.‫ أ‬-‫ محمود فياض‬.‫د‬

‫املطلب الثالث‬ )Action of Abuse( ‫السلوك التعسفي‬ ‫ موجودة من أجل منع املشاريع التجارية‬-‫فيما يتعلق مبوضوع املنافسة‬-‫إن املوانع املوجودة في القانون‬ ‫التي تتمتع مبركز احتكاري من إساءة استعمال هذا املركز مخافة أن يؤدي إلى التأثير على كفاءة‬ ‫ وهذه اإلساءة تكمن في قيام هذه املشاريع باستغالل مركزها االحتكاري عن طريق‬108.‫عمل السوق‬ ‫رفع األسعار أو تقدمي سلع أو خدمات ذات جودة أقل عن التي كانوا سيقومون بتقدميها لو كان هنالك‬ ‫ إال أن‬،‫إن وجود مركز مهيمن أو احتكاري هو أمر غير محظور بذاته‬

109

.‫منافسة حقيقية بالسوق‬

‫استغالل هذا املركز يؤدي إلى إساءة ممارساته التجارية في السوق الداخلية للدولة أو للعالقات‬ ‫ حيث ترتبط هذه اإلساءة عادة بارتفاع عال جدا ً لألسعار أو رفض العرض‬،‫التجارية بني الدول األعضاء‬ ‫لهذا؛ حرص املشرع األوروبي على بيان صور هذه‬ ‫(أ) حتديد أو فرض أسعار أو شروط إعادة بيع‬

111

110

.‫ وهنا يرد احلظر على هذه املمارسات‬،ً‫مثال‬

:‫ باملمارسات التالية‬-‫ على سبيل البيان‬-‫الهيمنة‬

‫ النفاذ إلى األسواق أو التطور التكنولوجي مبا يتعارض‬،‫ (ب) تقييد حجم اإلنتاج‬،‫السلع أو اخلدمات‬ ‫ (ج) السلوك املؤدي إلى عرقلة دخول مؤسسات أخرى إلى السوق أو‬،‫مع مصالح املستهلكني‬ Jersey competition regulatory Authority, Competition (Jersey) law 2005 guidelines (Market - 108 definition), research published on the internet at the following link: , visited on 1/5/2013, p3.http://www.cicra.gg/_files/071001%20draft%20vertical%20guideline.pdf The prohibitions in the Law are designed primarily to prevent undertakings from exploiting market -109 power. Market power existed where undertakings can charge higher prices, or supply goods and services of a lower quality, than they would if they faced effective competition. Office of Fair Trading, Market definition, research published on the internet at the following link: -110 http://www.oft.gov.uk/shared_oft/business_leaflets/ca98_guidelines/oft403.pdf , visited on 1/5/2013, p4. As explained above, Article 82 and the Chapter II prohibition imply two tests: whether an -111 undertaking is dominant, and whether it is abusing that dominant position. It is not necessary to show that the abuse was committed in the market which the undertaking dominates. In certain circumstances, Article 82 and the Chapter II prohibition may apply where an undertaking that is dominant in one market commits an abuse in a different but closely associated market. This principle was set out by the European Court in the case of Tetra Pak II, Case T-83/91 Tetra Pak v European Commission [1994] ECR II-755. In this case the European Court found that Tetra Pak'sactivities in relation to the markets in nonaseptic machines and cartons constituted an abuse of its dominant position in the distinct, but closely associated, markets for aseptic machines and cartons intended for the packaging of liquid foods. 87

‫ دولة اإلمارات العربية املتحدة‬- ‫ جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬،‫تصدر عن كلية القانون‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫إقصائها منه أو تعريضها خلسائر جسيمة مبا في ذلك البيع باخلسارة‪( ،‬د) رهن توقيع عقود البيع‬ ‫مبوافقة أطراف أخرى ال عالقة لها بالعقد أو إجراءات تكميلية‪ ،‬ال تتعلق‪ -‬وفقا ً ملا تقره األعراف‬ ‫التجارية‪ -‬مبوضوع العقد‪.‬‬ ‫إن ما ورد من حتديد ألشكال تعسف املركز املهيمن ملركزه االقتصادي تعتبر من األعمال التي تؤثر‬ ‫على العمالء بشكل سلبي وعلى عملية املنافسة‪ ،‬ومن املهم هنا حتديد ما إذا كان من املمكن اعتبار‬ ‫هذا السلوك تعسفيا بغض النظر عن السلوك نفسه أو الطرق التي مت استعمالها لتحقيق‬ ‫الهدف‪ 112.‬في املاضي‪ ،‬كان مصطلح السلوك التعسفي يشمل فقط السلوك الذي يؤدي إلى نتائج‬ ‫تضر بشكل واضح ومباشر بقواعد املنافسة في السوق ذات الصلة‪ ،‬أي يتوجب أن يكون السلوك‬ ‫التعسفي واضحا ويقوم باستغالل السوق استغالال ً تاما ً حتى يعتبر إساءة استعمال ملركز‬ ‫احتكاري‪.‬‬

‫‪113‬‬

‫وقد قامت محكمة العدل األوروبية بتعريف السلوك االستغاللي في القضية رقم‬

‫(‪،)Hoffmann-La Roche( )24/11‬‬

‫‪114‬‬

‫على أنه التصرف الذي يقوم به مشروع جتاري يتمتع مبركز‬

‫احتكاري للحد من املنافسة في السوق بطرق غير عادية مثل التالعب بالسلع أو اخلدمات والتي تؤدي‬ ‫إلى منع املنافسة في السوق أو احلد منها‪ 115.‬و يعتبر السلوك الذي يقوم به املشروع التجاري إساءة‬ ‫استعمال ملركز احتكاري من خالل النظر إلى اآلثار التي يرتبها هذا السلوك على عملية التنافس في‬ ‫السوق وأثره على العمالء‪ ،‬وقد تكون هذه اآلثار مباشرة مثل التحكم باألسعار في السوق لإلضرار‬ ‫بباقي املنافسني‪ ،‬وقد تكون غير مباشرة مثل احلد من املنافسة املوجودة في السوق أو احلد من‬ ‫املنافسة اﶈتملة‪.‬‬

‫‪116‬‬

‫وفي معرض تفسيرها ملا ورد من حاالت التعسف املنصوص عليها في املادة‬

‫‪Office of Fair Trading, Abuse of a dominant position, Ibid, p18.- 112‬‬ ‫‪Alina kaczorowska, Ibid, p877. - 113‬‬

‫‪Judgment of the Court of 13 February 1979. Hoffmann-La Roche & Co. AG v Commission of the European -114‬‬ ‫‪Communities. Case 85/76. European Court Reports 1979 Page 0046. Available at:‬‬ ‫‪http://eur‬‬‫‪lex.europa.eu/smartapi/cgi/sga_doc?smartapi!celexplus!prod!CELEXnumdoc&numdoc=61976J0085&lg=en visited‬‬ ‫‪on 12/7/2013.‬‬

‫‪The ECJ's definition of an abuse under Article (102) TFEU was provided in case 85/76 Hoffman – La - 115‬‬ ‫‪Roche, where the ECJ emphasised that the concept refers to conduct of an undertaking in a dominant‬‬ ‫‪position "which is such as the influence the structure of a market where, as the result of the very‬‬ ‫‪presence of the undertaking in question, the degree of competition is weakened and which, through‬‬ ‫‪recourse to methods different from those which condition normal competition in products or services on‬‬ ‫‪the basil of the transactions of commercial, has the effect of hindering the maintenance of the degree of‬‬ ‫‪competition still existing in the market or the growth of the competition. Alina kaczorowska, Ibid, p877.‬‬ ‫‪Office of Fair Trading, Market definition, research published on the internet at the following link: -116‬‬ ‫‪http://www.oft.gov.uk/shared_oft/business_leaflets/ca98_guidelines/oft403.pdf, visited on 1/5/2013, p18.‬‬

‫‪88‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫(‪ ،)904‬قضت محكمة العدل األوروبية في القضية رقم (‪Europemballage Crop and ( )4/24‬‬ ‫‪)Continental Can Inc vs. Commission‬‬

‫‪117‬‬

‫بأن السلوك التعسفي يشمل كال من السلوك‬

‫االستغاللي والسلوك اإلقصائي‪ .‬على هذا األساس‪ ،‬وجدنا أنه من املناسب تقسيم هذا اجلزء من‬ ‫الدراسة للحديث عن كل من السلوك االستغاللي والسلوك اإلقصائي كل على حده في فرع‬ ‫مستقل‪.‬‬

‫‪Judgment of the Court of 21 February 1973. Europemballage Corporation and Continental Can -117‬‬ ‫‪Company Inc. v Commission of the European Communities. Case 6 -72. Avialabe at: http://eur‬‬‫=‪lex.europa.eu/smartapi/cgi/sga_doc?smartapi!celexplus!prod!CELEXnumdoc&numdoc=61972J0006&lg‬‬ ‫‪en visited on 14/7/2013.‬‬ ‫‪European Court Reports 1973 Page 00215‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪89‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫الفرع األول‬ ‫السلوك االستغاللي (‪)Exploitative behaviour‬‬ ‫هو السلوك الذي يهدف إلى التحكم في السوق عن طريق فرض شروط غير مبررة على الشركاء‬ ‫املنافسني أو التابعني لها‪ ،‬إما من طرف املنتجني إزاء املوزعني‪ ،‬أو من طرف املوزعني اجتاه املنتجني كما‬ ‫هو احلال بالنسبة لألسواق الكبرى مثال‪ ،‬حيث يكون الهدف املتوخى في األخير من هؤالء املتعسفني‬ ‫هو إزاحة املنافسني من السوق مما يؤثر سلبا على وضعية املستهلك بدوره نظرا ملا يؤدي إليه هذا‬ ‫الوضع من ارتفاع األسعار وفقدان حرية االختيار‪ .‬ومن حاالت السلوك االستغاللي الشائعة‪:‬‬

‫‪118‬‬

‫‪ -9‬حاالت رفض البيع وحاالت البيوع املرتبطة‪.‬‬ ‫‪ -4‬حاالت الشروط التمييزية في البيوع وحالة إنهاء االرتباطات التجارية لعدم موافقة الطرف األخر‬ ‫على اخلضوع لشروط جتارية غير مبررة‪.‬‬

‫‪119‬‬

‫‪ -3‬االمتناع عن التعامل في املنتجات بالبيع أو الشراء أو احلد من هذا التعامل أو عرقلته مبا يؤدي إلى‬ ‫فرض سعر غير حقيقي له‪.‬‬ ‫‪-6‬إنقاص أو زيادة الكميات املتاحة من املنتج مبا يؤدي إلى افتعال عجز أو وفرة غير حقيقة فيه‪.‬‬ ‫‪ -1‬االمتناع بغير مبرر مشروع عن إبرام صفقات بيع و شراء أحد املنتجات مع أي شخص‪ ،‬أو بيع‬ ‫املنتجات محل تعامله بأقل من التكلفة الفعلية أو بوقف التعامل معه كليا‪ ،‬ومبا يؤدي إلى احلد من‬ ‫حريته في دخول السوق أو اخلروج منه في أي وقت‪.‬‬ ‫‪ -4‬فرض التزام بعدم التصنيع أو اإلنتاج أو التوزيع ملنتج ما لفترة أو فترات محددة‪ ،‬أو فرض التزام‬ ‫باالقتصار على توزيع أو بيع سلعة أو خدمة دون غيرها على أساس مناطق جغرافية أو مراكز توزيع أو‬ ‫عمالء أو مواسم أو فترات زمنية‪ ،‬وذلك بني أشخاص ذوي عالقة رأسية‪.‬‬ ‫‪ -1‬تعليق إبرام عقد أو اتفاق بيع أو شراء ملنتج على شرط قبول التزامات أو منتجات تكون بطبيعتها‬ ‫أو مبوجب االستخدام التجاري غير مرتبطة مبحل التعامل األصلي أو االتفاق‪.‬‬

‫‪ -118‬انظر نص املادة الرابعة من القانون القطري بشأن منع املنافسة واملمارسات االحتكارية رقم (‪.)4004/91‬‬ ‫‪ - 119‬حسني املاحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.404‬‬ ‫‪90‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫‪ -1‬إهدار تكافؤ الفرص بني املتنافسني بتمييز بعضهم عن البعض اآلخر في شروط صفقات البيع أو‬ ‫الشراء دون مبرر مشروع‪.‬‬ ‫‪ -90‬االمتناع عن إتاحة منتج شحيح ‪ ،‬متى كانت إتاحته ممكنة اقتصاديا‪.‬‬ ‫‪ -99‬إلزام مورد بعدم التعامل مع منافس آخر‪.‬‬ ‫‪ -94‬بيع منتجات بسعر يقل عن تكلفتها احلدية أو متوسط تكلفتها املتغيرة‪.‬‬ ‫‪ -93‬إلزام املتعاملني معه أال يتيحوا اﺠﻤﻟاﻝ لشخﺺ منافس له استخدام ما يحتاجه من مرافقهم أو‬ ‫خدماتهم‪ ،‬رغم أن إتاحة هذا االستخدام ممكنة اقتصادياً‪.‬‬ ‫على هذا األساس‪ ،‬ومتى تأكدت اجلهات اجملتصة من عدم وجود سلوك استغاللي للمشروع التجاري‬ ‫في السوق‪ ،‬فإنها لن تقضي بحظر نشاط هذا املشروع حتى لو كان لهذا املشروع هيمنة فعلية في‬ ‫هذه السوق‪ .‬هذا ما قضت به املفوضية في العام (‪ )4006‬في قضية (‪ 120)Newscorp/Telepiu‬التي‬ ‫تعلقت باندماج شركتني إعالميتني مقرهما إيطاليا تقدمان عروضا خاصة بنطاق عاملي لبث قنوات‬ ‫تلفزيونية حتتكر برامج معينة تهم املستهلكني ( كمباريات كرة القدم والعروض األولى لألفالم‬ ‫السينمائية) مما أدى إلى احتكار السوق بشكل شبه كامل‪ ،‬ولكن لم حتظر املفوضية هذا االندماج‬ ‫على أساس عدم ثبوت توافر سلوك استغاللي في تعامل هاتني الشركتني في السوق بعد‬ ‫اندماجهما‪ ،‬بعد أن قدمت الشركتان التزامات متثلت في إنشاء نظام رقابة دائم‪ ،‬ونظام حتكم خاص‪،‬‬ ‫واختصاص مباشر لوزارة االتصاالت اإليطالية في تتبع السلوك التنافسي داخل السوق‪.‬‬

‫‪121‬‬

‫كذلك اعتبرت املفوضية وجود السلوك االستغاللي بعد االندماج ( ‪The Likelihood of Post-Merger‬‬ ‫‪ )Tacit Collusion‬على نحو قد يعيق املنافسة الفعالة في هذه السوق في قضية‬ ‫(ِ‪ 122،)Airtours/Commision‬عندما مت اقتراح اندماج بني شركة (‪ )Airtours‬وشركة (‪ ،)First Choice‬ومت‬ ‫التأكيد على أن هذا االندماج سيمنع املستهلكني من تخفيض أسعار السلع‪ ،‬وسيمنع املنافسني‬ ‫من التأثير على سلوكيات الشركة الناجتة من االندماج‪.‬‬

‫‪Case COMP/M.2876 Newscorp/Telepiu, OJ 2004 L110/73. Mentioned at Damian Chalmers et al, ibid, -120‬‬ ‫‪p1092.‬‬ ‫‪The decision was: The commitments presented by Newscorp are sufficient to resolve the Identified -121‬‬ ‫‪anti-competitive effects in the relevant markets, taking into consideration the specific features in this‬‬ ‫‪concentration. See: Ibid, para. 259.‬‬ ‫‪Case T-342/99 (Airtours/Commission) (2002) ECR II-2585. Mentioned at Damian Chalmers et al, - 122‬‬ ‫‪ibid, p1096.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪91‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬ ‫أخيراً‪ ،‬تعتبر البيوع املرتبطة باملمارسات التعسفية التي قد يلجأ إليها املشروع التجاري بيوعا‬ ‫محظورة دون احلاجة إلى توافر صفة اإلذعان في هذه العقود‪ ،‬وهي البيوع التي يفرض فيها املشروع‬ ‫على العميل شرطا ً مفاده ضرورة أن يشتري منتجا إضافيا مع املنتج األصلي‪ ،‬بغض النظر عن رغبة‬ ‫هذا العميل في احلصول على هذا املنتج اإلضافي أم ال‪ ،‬ومن الطبيعي أن يوافق العميل على هذا‬ ‫البيع لهيمنة البائع من جهة على السوق‪ ،‬وحلاجة األخير للمنتج األصلي محل البيع‪ 123.‬وقد قرر‬ ‫مجلس املنافسة الفرنسي أنه يعد أمرا ً تعسفيا ً‪ -‬بصفة عامة‪ -‬قيام مشروع يتمتع بوضع مسيطر‬ ‫في السوق التنافسية بربط قبوله للتعاقد الصادر منه في السوق التي يسيطر عليها بالتعاقد‬ ‫على منتج آخر له في سوق ال يسيطر عليها‪ ،‬أو يقدم مزايا جتارية ال يستفيد منها كل املتقاعدين‬ ‫معه‪ ،‬وإمنا هؤالء الذين ارتضوا بالتعاقدات املرتبطة‪ 124.‬وقد طبق هذا املعيار األخير على إيجاب كان‬ ‫قد صدر عن شركة (‪ )France Telecom‬وكان اإليجاب املقدم من الشركة املذكورة مقسما ً إلى‬ ‫قسمني‪ :‬األول يتعلق بتقدﱘ خدمة االتصال الهاتفي اﶈلي‪ ،‬وهي خدمة محل احتكار من قبل‬ ‫الشركة املذكورة‪ ،‬والﺜاني يتعلق بﺨدمات أخرﻯ محل منافسة‪ .‬ومع ذلك رأﻯ اﺠﻤﻟلس الفرنسي أن‬ ‫امليزة التجارية التي تقررها الشركة خلدمة االتصال اﶈلي مرتبطة بأن يكون املشتري متعاقدا ً في‬ ‫كل اخلدمات التي تقدمها الشركة‪ ،‬أما املشتركون في خدمة االتصال الهاتفي اﶈلي فقط فﻼ‬ ‫يستفيدون من تلك امليزة‪.‬‬

‫‪125‬‬

‫‪ - 123‬حسني فتحي‪ ،‬املمارسات االحتكارية والتحركات التجارية لتقويض حريتي التجارة واملنافسة‪ ،‬دراسة لنظام‬ ‫االنتيترست في النموذج األمريكي (دار النهضة العربية‪ :‬القاهرة ‪.94 )9111‬‬ ‫‪ - 124‬حسني املاحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.401‬‬ ‫‪ - 125‬مشار إليها في املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.401‬‬ ‫‪92‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫الفرع الثاني‬ ‫السوك اإلقصائي (‪)Exclusionary behaviour‬‬ ‫هو السلوك الذي يؤدي إلى إقصاء منافسني آخرين من السوق ما يجعل القائمني على هذا السلوك‬ ‫يتحكمون فيه في املستقبل على نحو قد يضر بشروط ومعايير املنافسة العادلة‪ .‬وفي هذا قضت‬ ‫محكمة العدل األوروبية بأنه حتى لو لم يقم املشروع التجاري باتخاذ طرق الستغالل السوق ذات‬ ‫الصلة‪ ،‬فإن قيامه باالندماج مع خصمه بالسوق‪ ،‬أدى إلى تقوية مكانته بالسوق لدرجة إنهاء أي‬ ‫منافسة له بهذه السوق‪ ،‬والذي يعتبر أيضا ً خرقا لنص املادة (‪ )904‬من اتفاقية االحتاد األوروبي‪.‬‬

‫‪126‬‬

‫كما اعتبرت تخفيض األسعار بشكل مفرط أو عمل خصومات غير معقولة من قبيل السلوك‬ ‫االقصائي‪ ،‬ألنها ستؤدي لإلضرار باملنافسني اآلخرين‪ .‬كما يعتبر وضع قيود للمنافسة بالسوق أو‬ ‫رفض توريد املنتجات والبضائع من السوق من قبيل السلوك التعسفي أيضاً‪ ،‬ولكن من الصعب‬ ‫اجلزم دائما ً بوجود إساءة استعمال مركز احتكاري حتى لو وجدت هذه السلوكيات‪ ،‬ولذا يحب النظر‬ ‫إلى كل حالة على حدة التخاذ القرار في هذا الشأن‪.‬‬

‫‪127‬‬

‫وفي القضية رقم (‪Istituto Chemioterapico Italiano SpA and Commercial Solvents ( )23/2‬‬ ‫‪،)Corp v. Commission‬‬

‫‪128‬‬

‫أقرت محكمة العدل األوروبية أن اإلقصاء قد يتحقق بغض النظر عن‬

‫السوق التي يعمل وينشط فيها املشروع التجاري املتضرر من فعل اإلقصاء طاملا كان هذا املشروع‬ ‫منتميا ً ألحد دول االحتاد‪ .‬في هذه القضية‪ ،‬ادعت شركة األدوية اإليطالية (‪ )Zoja‬أن هنالك محاوالت‬ ‫‪Alina kaczorowska, Ibid, p877. -126‬‬ ‫‪Exclusionary behavior may include excessively low prices and certain discount schemes, where - 127‬‬ ‫‪its (likely) effect is to foreclose a market, as well as vertical restraints or refusals to supply where these‬‬ ‫‪(are likely to) foreclose markets or dampen competition. However, whatever the form of the behavior in‬‬ ‫‪question, it's likely effect on competition will depend on the circumstances at hand and the OFT‬‬ ‫‪assesses alleged abuses on a case-by-case basis. Office of Fair Trading, Abuse of a dominant position,‬‬ ‫‪Ibid, p. 19.‬‬ ‫‪Judgment of the Court of 6 March 1974. Istituto Chemioterapico Italiano S.p.A. and Commercial - 128‬‬ ‫‪Solvents Corporation v Commission of the European Communities. Joined cases 6 and 7-73. European‬‬ ‫‪Court‬‬ ‫‪Reports‬‬ ‫‪1974‬‬ ‫‪Page‬‬ ‫‪00223,‬‬ ‫‪available‬‬ ‫‪at:‬‬ ‫‪http://eur‬‬‫=‪lex.europa.eu/smartapi/cgi/sga_doc?smartapi!celexplus!prod!CELEXnumdoc&numdoc=61973J0006&lg‬‬ ‫‪en visited on 11/7/2013.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪93‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫إلقصائها من السوق من خالل رفض املوردين املهيمنني في السوق توريد نوع معني من العقاقير‬ ‫املضادة ملرض السل لها‪ ،‬في وقت كانت فيه هذه الشركة تورد منتجاتها في دول العالم الثالث‬ ‫وليس من دول االحتاد األوروبي‪ .‬قضت محكمة العدل األوروبية بأنه ليس من الضروري أن تكون‬ ‫العالقة التجارية بني دول أعضاء لتطبيق املادة (‪ )904‬من اتفاقية االحتاد األوروبي‪ ،‬وجاءت الفقرة (‪)33‬‬ ‫من القرار لتنص على أنه‪:‬‬

‫‪129‬‬

‫"على السلطات أن تراقب التصرفات التجارية ومدى تأثيرها على‬

‫املنافسة في السوق بغض النظر عما إذا كانت املنتجات أو البضائع سيتم استخدامها في السوق‬ ‫الداخلية أم في السوق اخلارجية (تصدير)‪ .‬وعندما يقوم مشروع جتاري يتمتع مبركز احتكاري‬ ‫باستغالل منصبه من أجل إقصاء املنافسني من السوق‪ ،‬فال يهم عند ذلك إذا ما كان يضر مبشروع‬ ‫جتاري يصدر بضائعه لسوق آخر‪ ،‬بل ما يهمنا هو أنه في حالة إقصائه فإنه سيؤدي إلى تغيير البنية‬ ‫التنافسية املوجودة في السوق ذات الصلة"‪.‬‬

‫‪130‬‬

‫كما أقرت املفوضية بوجود سلوك إقصائي في قضية (‪ 131)Linde/BOC‬عام (‪ ،)4004‬حيث اندمجت‬ ‫شركتان مختصتان في بيع غاز الهيليوم‪ ،‬وتبني للمفوضية من نتائج هذا االندماج أنه سيؤدي إلى‬ ‫إعاقة للمنافسة الفعالة في سوق بيع هذا الغاز من خالل إقصاء شركات أخرى منافسة أو منع‬ ‫نفاذ شركات أخرى منافسة إلى السوق‪ ،‬هذا على الرغم من أن الشركة اجلديدة التي قد تنتج عن‬ ‫هذا االندماج (‪ )The Merged Entity‬لن تُكون مركزا مهيمنا داخل تلك السوق‪ 132 .‬واملنافسة الفعالة‬ ‫لها معنيان‪ :‬أولهما هو املعنى اإليجابي املشير إلى املمارسات املؤدية إلى تنمية وتطوير املنافسة‬ ‫احلالية داخل السوق‪ ،‬أي املعنى التفاعلي‪ ،‬وثانيهما هو املعنى السلبي املشير إلى املمارسات املؤدية‬ ‫‪ -129‬الترجمة من اجتهاد الباحث‪.‬‬ ‫‪Para. 33: The Community authorities must therefore consider all the consequences of the conduct - 130‬‬ ‫‪complained of for the competitive structure in the Common Market without distinguishing between‬‬ ‫‪production intended for sale within the market and that intended for export. When an undertaking in a‬‬ ‫‪dominant position with[in] the Common Market abuses its position in such a way that a competitor in the‬‬ ‫‪Common Market is likely to be eliminated, it does not matter whether the conduct relates to the latter’s‬‬ ‫‪exports or its trade within the Common Market, once it has been established that this elimination will‬‬ ‫‪have repercussions on the competitive structure within the Common Market.‬‬ ‫‪Case COMP/M.4141 Linde/BOC, OJ 2006. Mentioned at Alina Kacsorowska, ibid, p914. - 131‬‬ ‫‪Drauz said: I believe that most readers agree that the purpose of merger control is to prevent the - 132‬‬ ‫‪accumulation of excessive market power by one firm or a small number of firms. Additionally, merger‬‬ ‫‪control needs to be concerned with the preservation of competitive market structures, which may then‬‬ ‫‪benefit the consumer as a result of competition. See: G. Drauz, 'Unbundling GE/Honeywell: the‬‬ ‫‪assessment of conglomerate Mergers Under EC competition law' (2002) 25 Fordham International law‬‬ ‫‪Journal 885, 904-5‬‬ ‫‪94‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫إلى مكافحة إعاقة هذه املنافسة أو مكافحة تقييدها‪ ،‬أي املعنى الوقائي‪ ،‬وهذا املعنى األخير هو‬ ‫الذي قصده املشرع األوروبي‪،‬‬

‫‪133‬‬

‫وليس أدل على ذلك من أن العنصر األهم في النظر لبقاء هذه‬

‫املنافسة الفعالة كان مدى قدرة املنافسني اآلخرين على دخول السوق‪ ،‬فتلك هي الفاعلية التي‬ ‫اتصفت بها املنافسة اﶈظور على الشركات املندمجة إعاقتها‪.‬‬

‫‪134‬‬

‫وسوق احتكار القلة هي السوق التي حتتوي على عدد قليل من املتنافسني بأحجام متساوية تقريبا‬ ‫بينهم‪ ،‬لذلك‪ ،‬تظهر خطورة املنافسة في هذا السوق بسبب اعتماد سلوك كل متنافس فيها على‬ ‫سلوكيات املتنافسني اآلخرين‪ .‬وهذا ما مت التعرض له في قضية (‪ 135،)Nestle/Perrier‬حيث أكدت‬ ‫املفوضية أن االندماج املقترح بني هاتني الشركتني الفرنسيتني العاملتني في بيع املياه املعدنية‬ ‫سيؤدي إلعاقة هامة للمنافسة الفعالة‪ ،‬لكون هذا السوق محتويا على أربع شركات متنافسة‪،‬‬ ‫ونقصان عددها إلى ثالثة بعد االندماج سيؤدي لسلوك منسق الحتكار السوق‪ ،‬ولم جتز املفوضية‬ ‫هذا االندماج إال بعد أن قبلت هاتان الشركتان ببيع بعض فروعها لشركة منافسة أخرى حفاظا‬ ‫على البنية التنافسية املانعة لتنسيق ممارساتهم نحو االحتكار داخل السوق‪.‬‬

‫‪136‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬سيكون للسلوك اإلقصائي أثر سلبي على حركة التجارة بني دول االحتاد األوروبي مبا‬ ‫يتعارض مع أهداف ومتطلبات نشأة االحتاد ويضر بالعالقات التجارية بني الدول األعضاء‪ ،‬ألنه‬ ‫سيصعب على املنافسني اآلخرين في الدول األعضاء األخرى النفاذ إلى أسواق دولة الشركة‬ ‫املمارسة لهذا الفعل‪ .‬وردت هذه النتيجة في القضية رقم (‪Greek lignite and ( )COMP/38.700‬‬ ‫‪ )electricity Markets‬في العام (‪ ،)4001‬حيث حظرت املفوضية على شركة يونانية لبيع املواد اخلام‬ ‫متتعها مبركز هيمنة اقتصادية في اليونان؛ ألن هذا املركز سيحرم باقي الشركات املنافسة من النفاذ‬ ‫إلى أسواق دولة اليونان ملنافسة هذه الشركة‪.‬‬

‫‪137‬‬

‫‪ - 133‬أحمد امللحم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬ ‫‪ - 134‬أحمد امللحم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪Joined Cases C-68/94 and C-30/95 France v. Commission and others (1998) ECR I-1375, paras. -135‬‬ ‫‪165-78. Mentioned at Damian Chalmers et al, ibid, p1095.‬‬ ‫‪Ibid. - 136‬‬ ‫‪Introduction to Article 102, P. 11, research published on the internet at the following link: -137‬‬ ‫‪, visited on 1/5/2013http://fds.oup.com/www.oup.com/pdf/13/9780199572731.pdf‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪95‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫اخلامتة‬ ‫أظهرت هذه الدراسة إمكانية استفادة املشرع العربي من جتربة االحتاد األوروبي في تأمني تنافسية‬ ‫السوق والتعامل مع حاالت إساءة استغالل املركز املهمني للمشاريع التجارية‪ ،‬من خالل تبنى‬ ‫العديد من املعايير التي أقرتها املفوضية ومحكمة العدل األوروبية في هذا اﺠﻤﻟال‪ .‬حظرت املادة‬ ‫(‪ )904‬من اتفاقية االحتاد األوروبي على أي مؤسسة أو مؤسسات لها وضع مهيمن في السوق أو‬ ‫في جزء هام منه إساءة استغالل هذا الوضع لإلخالل باملنافسة أو احلد منها أو منعها‪ ،‬مبا في ذلك‪-‬‬ ‫على سبيل البيان‪ -‬حتديد أو فرض أسعار أو شروط إعادة بيع السلع أو اخلدمات‪ ،‬تقييد حجم‬ ‫اإلنتاج‪ ،‬النفاذ إلى األسواق أو التطور التكنولوجي مبا يتعارض مع مصالح املستهلكني‪ ،‬السلوك‬ ‫املؤدي إلى عرقلة دخول مؤسسات أخرى إلى السوق أو إقصائها منه أو تعريضها خلسائر جسيمة‬ ‫مبا في ذلك البيع باخلسارة‪ ،‬وأخيرا رهن توقيع عقود البيع مبوافقة أطراف أخرى أو إجراءات تكميلية‪،‬‬ ‫ال تتعلق‪-‬وفقا ً ملا تقره األعراف التجارية‪ -‬مبوضوع العقد‪ .‬يالحظ أن هذه املادة أكدت على أن موضوع‬ ‫احلظر هو السلوك االستغاللي وليس هيمنة املشروع التجاري على السوق‪ ،‬فالهيمنة مجرد‬ ‫وسيلة فقط ترمي لتحقيق غاية السلوك التعسفي لغرض متثيل مصالح الشركات املهيمنة‬ ‫فقط دون االعتداد مبصالح اآلخرين وجني أكبر قدر من األرباح‪ .‬على هذا األساس‪ ،‬تتعامل الهيئات‬ ‫القضائية واإلدارية في مؤسسات االحتاد األوروبي عند تطبيق هذه املواد باختبار العناصر الثالثة‬ ‫التالية‪ -‬على الترتيب‪ -‬عند البحث في سلوك املشرع التجاري محل البحث‪ :‬اختبار السوق ملعرفة‬ ‫مدى تنافسية هذا السوق من عدمه‪ ،‬اختبار الهيمنة السوقية‪ ،‬واختبار نتيجة السلوك للحكم‬ ‫بوجود التعسف االستغاللي في التصرف موضوع البحث‪.‬‬ ‫إن تعريف السوق ليس غاية بحد ذاته‪ ،‬بل هو خطوة في حتديد مدى التنافس املوجود في السوق‬ ‫ملنتج معني أو خدمة ما‪ .‬وفقا ً لدليل تعريف السوق الصادر عن املفوضية‪ ،‬يعتبر السوق تنافسيا ً‬ ‫إذا توافرت مجموعة واسعة من املنتجات ذات اخلصائص املتماثلة مما يتيح للعمالء واملستهلكني‬ ‫القدرة على اختيار سلع وخدمات بديلة عند الضرورة (وهو ما يعرف بالسوق النوعي)‪ .‬يُعبر عن هذه‬

‫السوق مبدى حاجة املستهلكني إلى السلعة موضوع املمارسة التجارية‪ ،‬ومدى توافر بدائل سوقية‬ ‫لها‪ ،‬وهو ما يعرف بإمكانية االستعاضة عن السلعة محل البحث بسلع بديلة ( ‪demand-side‬‬

‫‪ .)substitutability‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬وفي حال عدم توافر منتجات بديلة‪ ،‬يُعبر عن هذا السوق‬ ‫بإمكانية حتول مشاريع جتارية لبيع السلعة أو اخلدمة محل البحث إذا قام البائع األصلي بزيادة‬ ‫‪96‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫ثمنها مبعدل (‪ )%90-1‬مما يؤدي باملستهلكني إلى البحث عن بديل لهذا املنتج‪ .‬كما يعتبر السوق‬ ‫تنافسيا ً أيضا ً إذا كان املورد أو املنتج ال يواجه عقبة لتوريد منتجاته أو خدماته إلى السوق (وهو ما‬ ‫يعرف بالسوق اجلغرافي)‪ .‬يتم حتديد السوق اجلغرافي عن طريق حتديد األسواق التي مت عرض‬ ‫املنتجات واخلدمات فيها‪ ،‬كما يتم ضم املناطق التي اجته لها العمالء أو املستهلكون للحصول‬ ‫على منتج بديل أو خدمة بديلة عن التي مت رفع سعرها‪ .‬على هذا األساس‪ ،‬قامت املفوضية‬ ‫مبراجعة ما يسمى باختبار عنصر استبدال الطلب ( ‪ )demand-side substitutability‬وعنصر‬ ‫استبدال العرض على حد سواء (‪ .)supply-side substitutability‬عادة ما يقاس العنصر األول من‬ ‫جهة املستهلكني‪ ،‬وهو يدل على توافر سلع بديلة‪ -‬أو إمكانية نفاذ سلع بديلة‪ -‬في املنطقة‬ ‫اجلغرافية التي يتردد عليها املستهلكون على نحو يسهل معه حصول املستهلكني على هذه‬ ‫السلعة البديلة إذا قام املشروع التجاري محل البحث برفع سعر بيع سلعته مبقدار يتراوح بني‬ ‫(‪ .)%90-%1‬على هذا األساس‪ ،‬الختبار تنافسية السوق ككل تطرح املفوضية سؤالني أساسيني‬ ‫لتحديد معنى السوق ذات الصلة؛ األول هو ما إذا كان ميكن للعمالء بسهولة التحول إلى منتج‬ ‫مماثل أو خدمة مماثلة ردا ً على زيادة السعر‪ ،‬والثاني هو ما إذا كان من املمكن للموردين إنتاج‬ ‫منتجات مماثلة أو مشابهة بدرجة كبيرة للمنتج ذو الصلة وبيعها في نفس السوق‪.‬‬ ‫عرفت محكمة العدل األوروبية الهيمنة على أنها "القوة االقتصادية‪ ،‬التي يتمتع بها املشروع‬ ‫التجاري التي متكنه من منع املنافسة الفعالة في السوق ذات الصلة‪ ،‬ومتكنه من التصرف‬ ‫باستقاللية تامة عن منافسيه والعمالء‪ ،‬وفي النهاية عن املستهلكني"‪ .‬تعتبر احلصة السوقية‬ ‫األساس في تقدير وجود هذه الهيمنة‪ ،‬إذ كلما زاد حجم احلصة التي يستحوذ عليها املشروع‬ ‫كلما عظمت مقدرته االقتصادية في السوق التنافسية‪ ،‬ويقاس مقدار احلصة السوقية على‬ ‫أساس حجم املبيعات عددا ً أو قيمة‪ .‬وضع املشرع األوروبي قرينة على توافر الهيمنة للمشروع إذا‬ ‫كان يستحوذ على نسبة (‪ )%10-60‬من حجم السوق‪ ،‬بيد أن هذه القرينة ليست قاطعة‪ ،‬حيث‬ ‫أضيفت بعد ذلك ضرورة مراعاة اعتبارات تتعلق بظروف تركيبة السوق‪ ،‬ووضع املشروع بالنسبة‬ ‫للمتنافسني األخرين وتصرفاته في هذه السوق‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫فيما يتعلق بعنصر إساءة السلوك‪ ،‬يعتبر السلوك الذي يقوم به املشروع التجاري إساءة‬ ‫استعمال ملركز احتكاري من خالل النظر إلى اآلثار التي يرتبها هذا السلوك على عملية التنافس‬ ‫في السوق وآثاره على العمالء‪ ،‬وقد تكون هذه اآلثار مباشرة مثل التحكم باألسعار في السوق‬ ‫لإلضرار بباقي املنافسني‪ ،‬وقد تكون غير مباشرة مثل احلد من املنافسة املوجودة في السوق أو احلد‬ ‫من املنافسة اﶈتملة‪ .‬هذا وقد قضت محكمة العدل األوروبية في العديد من القضايا بﺄن‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪97‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫السلوك التعسفي يشمل كال من السلوك االستغاللي والسلوك اإلقصائي؛ فالسلوك‬ ‫االستغاللي هو السلوك الذي يهدف إلى التحكم في السوق عن طريق فرض شروط غير مبررة‬ ‫على الشركاء املنافسني أو التابعني لها‪ ،‬إما من طرف املنتجني إزاء املوزعني‪ ،‬أو من طرف املوزعني‬ ‫اجتاه املنتجني‪ ،‬مثل حاالت رفض البيع‪ ،‬حاالت البيوع املرتبطة‪ ،‬حاالت الشروط التمييزية في البيوع‬ ‫وحالة إنهاء االرتباطات التجارية لعدم موافقة الطرف األخر على اخلضوع لشروط جتارية غير‬ ‫مبررة‪ .‬أما السلوك اإلقصائي فهو السلوك الذي يؤدي إلى إقصاء منافسني آخرين من السوق مما‬ ‫يجعل القائمني على هذا السلوك يتحكمون في املستقبل التنافسي داخل السوق على نحو قد‬ ‫يضر بشروط ومعايير املنافسة العادلة‪ .‬في هذا السياق‪ ،‬اعتبرت محكمة العدل األوروبية أن‬ ‫اندماج املشاريع التجارية الكبرى هو بينة على احتكار األسوق وإقصاء املنافسني اآلخرين من هذه‬ ‫السوق ما لم يثبت بالدليل خالف ذلك‪ .‬كما اعتبرت أن تخفيض األسعار بشكل مفرط أو عمل‬ ‫خصومات غير معقولة من قبيل السلوك اإلقصائي‪ ،‬ألنها ستؤدي لإلضرار باملنافسني اآلخرين‪.‬‬ ‫كما يعتبر وضع قيود للمنافسة في السوق أو رفض توريد املنتجات والبضائع من السوق من قبيل‬ ‫السلوك التعسفي أيضاً‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬محمود فياض‪ -‬أ‪ .‬ديانا قطامش‬

‫املراجع‬ ‫املراجع باللغة العربية‬ ‫‪ ‬أحمد عبد الرحمن امللحم‪ ،‬االحتكار واألفعال االحتكارية‪ ،‬دراسة حتليلية مقارنة في القانون‬ ‫األمريكي واألوروبي والكويتي (‪ 9‬جامعة الكويت‪ :‬الكويت ‪.)9112‬‬ ‫‪ ‬أحمد عبد الرحيم امللحم‪ ،‬مدى مخالفة االندماج والسيطرة ألحكام املنافسة التجارية‬ ‫دراسة حتليلية مقارنة بني القانونني األمريكي واألوروبي مع اإلشارة إلى الوضع في الكويت‬ ‫(‪ 3/91 )9111‬مجلة احلقوق‪ -‬جامعة الكويت‪.‬‬ ‫‪ ‬إسماعيل كامل العيساوي‪ ،‬االحتكار في الفقه اإلسالمي (‪ 6 )4006‬كلية الشريعة‪ -‬جامعة‬ ‫حضرموت‪.‬‬ ‫‪ ‬حازم الببالوي‪ ،‬دور الدولة في االقتصاد (دار الشروق للنشر والتوزيع‪ :‬القاهرة ‪.)9111‬‬ ‫‪ ‬حسني عبده املاحي‪ ،‬حظر إساءة استعمال الوضع املسيطر‪ ،‬نع االحتكار التعسفي (‪)4003‬‬ ‫‪ 33‬مجلة البحوث القانونية واالقتصادية الصادرة عن جامعة املنصورة‪.‬‬ ‫‪ ‬حسن عمران‪ ،‬املنافسة واملمارسات االحتكارية بني املناخ التشريعي ومشاكل التطبيق‬ ‫(‪ )4099‬املنظمة العربية للتنمية اإلدارية‪.‬‬ ‫‪ ‬حسني فتحي‪ ،‬املمارسات االحتكارية والتحركات التجارية لتقويض حريتي التجارة‬ ‫واملنافسة‪ ،‬دراسة لنظام االنتيترست في النموذج األمريكي (دار النهضة العربية‪ :‬القاهرة‬ ‫‪.)9111‬‬ ‫‪ ‬سامي أبو صالح‪ ،‬إساءة استغالل املركز املسيطر في العالقات التجارية القانون رقم ‪3‬‬ ‫لسنة ‪ 4001‬اخلاص حلماية املنافسة ومنع املمارسات االحتكارية دراسة حتليلية مقارنة (دار‬ ‫النهضة‪ :‬القاهرة ‪.)4001‬‬ ‫‪ ‬سامي أبو صالح‪ ،‬إساءة استغالل املركز املسيطر في العالقات التجارية القانون رقم ‪3‬‬ ‫لسنة ‪ 1002‬اخلاص حلماية املنافسة ومنع املمارسات االحتكارية دراسة حتليلية مقارنة (دار‬ ‫النهضة‪ :‬القاهرة ‪.)4001‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪99‬‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

‫‪ ‬سعد حافظ‪ ،‬االقتصاد السياسي للتركز واالحتكار الدمج واالستحواذ‪ ،‬ورقة عمل قدمت‬ ‫إلى ندوة االندماجيات واالستحواذات في االقتصاد العاملي وﺁﺛارها اﶈتملة على االقتصاد‬ ‫املصري (مركز دراسات الدول النامية‪ :‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية القاهرة ‪.)4003‬‬ ‫‪ ‬طارق البحيري‪ ،‬االندماجات واالستحواذات في االقتصاد العاملي وآثارها احملتملة على‬ ‫االقتصاد املصري (‪ 94–6 )4003‬مجلة النهضة‪.‬‬ ‫‪ ‬فادي عبد السالم‪ ،‬عمليات االندماج واالستحواذ في العالم وموقف صناعة البرمجيات‬ ‫املصرية في املستقبل‪ ،‬ورقة عمل قدمت الى ندوة االندماجات واالستحواذات في االقتصاد‬ ‫العاملي وﺁﺛارها اﶈتملة على االقتصاد املصري (مركز دراسات الدول النامية‪ :‬كلية االقتصاد‬ ‫والعلوم السياسية القاهرة‪.4003 ،‬‬ ‫‪ ‬فراس ملحم‪ ،‬نحو تأسيس هيئة املنافسة الوطنية الفلسطينية‪ ،‬معهد أبحاث السياسات‬ ‫االقتصادية الفلسطيني (ماس)‪( ،‬فلسطني‪ :‬رام اهلل ‪.)4094‬‬ ‫‪ ‬قدري الشهاوي‪ ،‬شرح قانون حماية املنافسة ومنع املمارسات االحتكارية والئحته التنفيذية‬ ‫قانون حماية املستهلك مذكرته اإليضاحية (دار النهضة‪ :‬القاهرة ‪.)4004‬‬ ‫‪ ‬لينا حسن زكي‪ ،‬قانون حماية املنافسة ومنع االحتكار دراسة مقارنة في القانون املصري‬ ‫والفرنسي واألوروبي (دار النهضة‪ :‬القاهرة ‪.)4001‬‬ ‫‪ ‬محمد إبراهيم أبو شادي‪ ،‬حماية املنافسة ومكافحة االحتكار االقتصاد املصري دراسة‬ ‫مقارنة بني التشريعني املصري واألمريكي (دار النهضة‪ :‬القاهرة ‪.)4001‬‬

‫‪100‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫ ديانا قطامش‬.‫ أ‬-‫ محمود فياض‬.‫د‬

English References  A Gorrie, competition between branded and private label goods, do competition concerns arise when a customer is also a competitor? (2006) 27-5 European competition Law Review Journal.  Alina Kacsorowska, European Union Law (2 Oxon: Routledge 2011).  C Branard and S Deakin, “Market access and regulatory competition” in C Branard and J Scott, The law of the single European market: Unpacking the premises (OUP: Oxford 1999).  C. Baden, Econmoic Analysis of a Dominant Position (1979) 5 European Law review Journal.  D gerber, Constitutionalising the Economy: German Neo-Liberalism Competition Law and the New Europe (1994) 42 American Journal of Comparative Law.  D Oughton and C Willette, Quality Regulation in European Private Law (2002) Journal of Consumer protection.  F Jenny, Competition Law and Policy: Global Governance Issues (2003) 26 world competition.  F Jenny, Competition Law and Policy: Global Governance Issues (2003) 26 world competition.  G Hadfield; R Howse and M Trrebilcock, information- based principles for rethinking consumer protection policy (1998) Journal of consumer policy.  G. Drauz, 'Unbundling GE/Honeywell: the assessment of conglomerate Mergers Under EC competition law' (2002) 25 Fordham International law Journal 885, 9045.  H Rindler and P Poch, Austria: unfair competition (1998) 20-9 European Intellectual Property Review.

101

‫ دولة اإلمارات العربية املتحدة‬- ‫ جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬،‫تصدر عن كلية القانون‬


‫حظر إساءة استعمال املركز التجاري املهيمن في النظام القانوني األوروبي‬

 I Eagles, of ports, pilots and predation: New Zealand courts reassess some competition fundamentals (1996) 17-8 European Commercial Law Review Journal.  I Klauss and L Rathje, Germany: anti-competitive agreements - sports rights (2008) 29-11 European competition Law Review Journal.  J Stuyck, EC competition law after modernization: more than Ever in the interests of consumers (2005) Journal of Consumer policy.  L Hawthorne, Abuse of right to dismiss not contrary to Good faith (2005) 17 SA mercantile Law Journal.  M Sendrowicz, New competition law in Poland - much done but still some changes desirable to attain a market-focused legislation (2007) 28-8 European Commercial Law Review Journal.  M.Dabbah, The Internationalization of Antitrust Policy (5th Lexis Nexis Butterworths: London 2003) chapter.  R Smith, Does competition law adequately protect consumers? (2007) 28/7 European competition Law Review Journal.  R Whish, Competition Law (Butterworths: London 2003).  V Cora, Concept of Dominion Position within the Meaning of article 86 (1980) 17 Commercial law Review Journal.

‫م‬2013 ‫ يوليو‬- ‫هـ‬1435 ‫ ربيع األول‬:‫ العدد الثاني‬- ‫السنة األولى‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

102


‫الطابع الخاص لمسئولية الناقل البحري‬ ‫عن نقل البضائع المشحونة على سطح‬ ‫السفينة‬ ‫( دراسة مقارنة )‬ ‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫أستاذ القانون التجاری املساعد ‪ -‬کلیة القانون‬ ‫جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪103‬‬


‫ملخص البحث‬

‫يعد نقل البضائع وهى مشحونة في عنابر السفينة الطريقة التقليدية لنقل البضائع‬ ‫بحرا ً ‪ .‬ولكن نظرا ً لكثرة اللجوء للنقل البحري ‪ ،‬بسبب قلة تكلفته ‪ ،‬أصبح الناقلون‬ ‫يلجئون إلى نقل البضائع ليس فقط في عنابر السفينة بل ايضا ً على سطحها ‪ ،‬وهو‬ ‫األمر الذي يعرضها خملاطر األمطار واألمواج وغيرها من مخاطر البحر ‪ .‬وقد أدت كل هذه‬ ‫اخملاطر إلى جلوء املشرع البحري إلى تشريع نصوصا ً خاصة بالنقل البحري على سطح‬ ‫السفينة ‪ ،‬اشترط فيها املشرع لصحة الشحن على السطح ‪ ،‬ضرورة حصول الناقل على‬ ‫موافقة الشاحن‪ .‬وقد ظلت هذه النصوص مالئمة لنقل البضائع على سطح السفينة ‪،‬‬ ‫إلى أن ظهرت السفن اجملهزة خصيصا ً لنقل احلاويات على سطح السفينة ‪ .‬فمع ظهور‬ ‫هذه السفن قلت اخملاطر بصورة ملحوظة‪ ،‬األمر الذي أصبح معه احلصول على موافقة‬ ‫الشاحن أمرا ً ال داعي له‪.‬‬ ‫ويهدف البحث من خالل دراسة مسئولية الناقل في حالة شحن البضائع على سطح‬ ‫السفينة‪ ،‬إلى إلقاء الضوء على مدى ضرورة التزام الناقل باحلصول على موافقة الشاحن‬ ‫من عدمه ‪ ،‬في ظل الشحن على سطح السفن املتخصصة ‪ .‬كما يهدف البحث إلى‬ ‫إلقاء الضوء على مشكلة أخرى تتعلق بصعوبة إثبات مكان وقوع الضرر الذي يصيب‬ ‫البضائع ‪ ،‬خاصة عندما يتم النقل في حاويات مغلقة ال يتم فتحها إال عند تسليم‬ ‫البضائع ‪ ،‬حيث ينتهي األمر في كثير من األحوال إلى حتويل الناقل البحري إلى ضامن‬ ‫جلميع اخملاطر ‪.‬‬ ‫ويتعرض البحث إلى هذا املوضوع من خالل عمل دراسة مقارنة بني القوانني الداخلية (‬ ‫القانون املصري واإلماراتي والفرنسي ) واالتفاقيات الدولية‪ ،‬في محاولة لتحليل النصوص‬ ‫القانونية املتعلقة بالنقل على سطح السفينة‪ ،‬وبيان تأثير تنفيذ النقل بهذه الصورة‬ ‫على مسئولية الناقل‪.‬‬ ‫وقد تبني من الدراسة وجود اختالف كبير بني القوانني املذكورة‪ .‬ففي حني يستبعد القانون‬ ‫البحري اإلماراتي‪ -‬شأنه شأن اتفاقية بروكسل للنقل البحري لسنة ‪ - 1924‬من نطاق‬ ‫تطبيقه النقل على السطح الذي يتم مبوافقة الشاحن ويتم تنفيذه فعال ً بهذه الطريقة‬ ‫‪ ،‬مازال القانون البحري املصري – شأنه شأن اتفاقية هامبورج لسنة ‪ - 1978‬يشترط‬ ‫موافقة الشاحن حتى في حالة الشحن على سطح السفن املتخصصة ‪ ،‬في الوقت‬ ‫الذي أعفى فيه القانون البحري الفرنسي الناقل من احلصول على موافقة الشاحن إذا‬ ‫مت النقل على سطح السفن املتخصصة ‪ .‬وهو األمر الذي ينتج عنه تباين في مسئولية‬ ‫الناقل البحري في كل من هذه القوانني‪.‬‬ ‫‪104‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫املقدمة‬ ‫‪ -1‬يكثر اللجوء للنقل البحري نظرا لقلة تكلفته مقارنة بأنواع النقل األخرى كالنقل اجلوي مثال‬ ‫الذي يعتبر أكثر أنواع النقل تكلفة‪ .‬ويرجع السبب في قلة التكلفة في النقل البحري إلى تعرض‬ ‫البضائع جملاطر الرحلة البحرية التي تستغرق وقتا طويال تتضاعف خالله فرصة تعرضها لهذه‬ ‫اجملاطر‪.‬‬ ‫‪ -2‬ونظرا لكثرة مخاطر البحر‪ ،‬فقد مت بناء السفن بحيث تستوعب البضائع في عنابر موجودة في‬ ‫بطن السفينة‪ ،‬فتقل بذلك فرص تعرض البضائع للتلف أو للهالك‪ .‬ولكن نظرا لكُلفة الرحلة‬ ‫البحرية ‪ ،‬يضطر الناقلون إلى تعويض هذه الكُلفة بتكملة شحنة السفينة املوجودة في العنابر‪،‬‬ ‫ببضائع يتم شحنها على سطح السفينة ‪ ،‬وهو األمر الذي يعرضها للعواصف ولألمواج املرتفعة‬ ‫ولدرجات احلرارة والبرودة العالية ‪ ،‬فتتضاعف بذلك فرص تلف أو هالك البضائع‪.‬‬ ‫أضفت كل هذه اجملاطر أهمية خاصة على مسئولية الناقل عن البضائع املشحونة على‬ ‫سطح السفينة ‪ ،‬األمر الذي دفع املشرع البحري إلى تشريع نصوصا ‪-‬خاصة بها‪ -‬علق فيها صحة‬ ‫الشحن على السطح على قبول الشاحن لهذا النوع من النقل ‪ ،‬فسمح باللجوء إلي الشحن على‬ ‫السطح في أحوال بعينها وقيده ومنعه في أحوال أخرى‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪ -3‬وقد جاءت النصوص القانونية التي نصت عليها القوانني الوطنية واالتفاقيات الدولية مالئمة‬ ‫متاما للعصر الذي وضعت فيه هذه النصوص‪ .‬أما اليوم فقد تطورت وسائل شحن البضائع‬ ‫فأصبحت البضائع تشحن في الغالب في حاويات بدال من نقلها مغلفة في غالف عادي يعجز عن‬ ‫حمايتها من مخاطر البحر ‪ .‬يضاف إلى ذلك التطور املذهل في صناعة السفن التي أصبحت مهيأة‬ ‫خصيصا الستيعاب البضائع اﶈواة على سطح السفينة وليس في العنابر ‪ ،‬وهو األمر الذي يؤدي‬ ‫إلى احلد بصورة كبيرة من اجملاطر التي تتعرض لها البضائع وهى مشحونة على السطح ‪.‬‬ ‫والسؤال الذي ي ُطرح اآلن هو التالي ‪ :‬هل ‪ -‬بعد كل هذا التطور ‪ -‬مازالت هذه النصوص مالئمة أم‬ ‫أنها أصبحت بالية ؟‬ ‫‪ -4‬يُضاف إلى ما تقدم مشكلة إثبات مكان وقوع الضرر الذي يصيب البضائع – خاصة عندما يكون‬ ‫النقل متعدد الوسائط ‪ -‬ملعرفة ما إذا كان الضرر قد حتقق في مرحلة النقل البحري أم في غيرها‬ ‫‪3‬‬ ‫من مراحل النقل ( البري أو اجلوي أو بالسكك احلديدية) التي سبقت أو تلت مرحلة النقل البحري ‪.‬‬

‫‪-1‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫‪-3‬‬

‫القانون االحتادي رقم ‪ 22‬لسنة ‪ 1891‬م بشأن القانون التجاري البحري اإلماراتي ‪ ،‬وقانون التجارة البحرية املصري‬ ‫رقم ‪ 9‬لسنة ‪ ، 1881‬والقانون الفرنسي رقم ‪ 421 – 22‬بتاريخ ‪ 19‬يونيو ‪. 1822‬‬ ‫اتفاقية بروكسل لسنة ‪ ، 1824‬اتفاقية األمم املتحدة للنقل البحري للبضائع ‪ -‬هامبورج لسنة ‪.1899‬‬ ‫فالناقل عندما يتسلم احلاويات ال يراجع مضمونها بل هو في الغالب يتسلمها كما هى مغلقة ويتم شحنها‬ ‫دون فتحها ‪ ،‬وعند وصول البضائع تالفة تقع املسئولية على الناقل البحري في الفرض الذي يكون هو من قام‬ ‫بتسليم البضائع للمرسل إليه في مكان الوصول‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪105‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫وهنا يثور تساؤل آخر حول املتسبب احلقيقي في الضرر‪ ،‬هل هو الناقل البحري أم أحد الناقلني‬ ‫اآلخرين الذين تدخلوا في تنفيذ عمليـة النقـل ؟‬ ‫في احلقيقة عندما يكون النقل متعدد الوسائط يعجز أطراف النزاع متاما عن حتديد مكان وزمان‬ ‫وقوع الضرر ‪ ،‬وهو األمر الذي ينتهي في كثير من األحوال لتحويل الناقل البحري الذي يسلم‬ ‫البضائع للمرسل إليه إلى ضامن جلميع الناقلني واملسئول الوحيد عن األضرار التي حلقت بالبضائع‬ ‫أثناء رحلتها الطويلة التي تنقلت فيها من ناقل إلى ناقل آخر ومن وسيلة نقل إلى وسيلة نقل‬ ‫أخرى ‪.‬‬ ‫وتُبرز كل هذه التساؤالت أهمية مسئولية الناقل البحري عن البضائع املشحونة على السطح‪،‬‬ ‫وجتعل منها موضوعا يستحق تسليط الضوء عليه ألنه يختلف عن مسئولية الناقل البحري التي‬ ‫اعتدنا عليها وتعرض لها الكثير من الباحثني‪.‬‬ ‫وسوف نعرض ملسئولية الناقل في حالة شحن البضائع على السطح من خالل عمل دراسة مقارنة‬ ‫بني القوانني الداخلية ( القانون املصري واإلماراتي والفرنسي ) واالتفاقيات الدولية‪ ،‬نحاول من خاللها‬ ‫حتليل النصوص القانونية املتعلقة بالنقل على سطح السفينة‪ ،‬لبيان تأثير تنفيذ النقل بهذه‬ ‫الصورة على مسئولية الناقل‪ .‬وسوف يتبني لنا أن مسئولية الناقل عن الضرر الذي يصيب البضائع‬ ‫املشحونة على سطح السفينة قد أثارت جدال فقهيا كبيرا وتسببت في تضارب العديد من‬ ‫األحكام القضائية ‪ ،‬األمر الذي دفع املشرع الدولي مؤخرا إلى معاجلة هذه املشكالت ضمن أحكام‬ ‫اتفاقية دولية جديدة خرجت إلى النور وهى اتفاقية األمم املتحدة املتعلقة بعقود النقل الدولي‬ ‫للبضائع عن طريق البحر كليا أو جزئيا لسنة ‪ 2009‬واملعروفة باتفاقية روتردام والتي ينتظر أن حتل‬ ‫محل اتفاقية هامبورج لعام ‪ 1899‬إذا دخلت حيز النفاذ ‪.‬‬ ‫‪ -5‬وتقتضي دراسة مسئولية الناقل البحري عن البضائع املشحونة على سطح السفينة تعرضنا‬ ‫إبتداء إلى شروط انعقاد هذه املسئولية التي – في ظل تطور صناعة السفن ‪ -‬أصبح يعيبها‬ ‫التشدد مقارنة مبثيلتها في حالة الشحن في العنابر (الباب األول)‪ .‬ونعرض بعد ذلك إلى املشكالت‬ ‫التي يثيرها حساب التعويض عن األضرار التي تصيب البضائع أثناء رحلتها على سطح السفينة‬ ‫بسبب صعوبة إثبات مكان وقوع الضرر خاصة في حالة النقل متعدد الوسائط ( الباب الثاني)‪.‬‬

‫‪106‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫الباب األول‬ ‫التشدد في شروط انعقاد املسئولية‬

‫‪ -2‬تقتضي دراستنا لشروط انعقاد املسئولية أن نعرض في فصل أول للشروط التقليدية النعقاد‬ ‫املسئولية وهى الشروط التي تنعقد بها مسئولية كل ناقل بحري أيا كانت طريقة شحن البضائع ‪،‬‬ ‫وفي فصل ثان للشرط اخلاص الذي يضفي طابع التشدد على مسئولية الناقل في حالة شحن‬ ‫البضائع على سطح السفينة أال وهو ضرورة احلصول على موافقة الشاحن ‪.‬‬

‫الفصل األول‬ ‫الشروط التقليدية النعقاد املسئولية‬

‫‪ -9‬تتعرض البضائع جملاطر عديدة؛ سواء أثناء تداولها قبل وبعد الشحن على سطح السفينة او‬ ‫أثناء الرحلة نفسها ‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى مساءلة الناقل عن األضرار التي تصيب البضائع بعد‬ ‫تسلمه إياها وقبل تسليمهـا لصاحب احلق فيها‪.‬‬ ‫ويتسع نطاق مسئولية الناقل ليشمل ثالثة صور للضرر الذي قد يلحق بصاحب احلق في البضائع‬ ‫وهى ‪ :‬هالك البضائع‪ ،‬أوتلفها‪ ،‬أو التأخير في تسليمها لصاحب احلق فيها‪.‬‬ ‫ولكن قبل دراسة صور الضرر املنشئ للمسئولية ( املبحث الثاني )‪ ،‬يتحتم علينا التعرف أوال على‬ ‫الطبيعة القانونية ملسئولية الناقل البحري باعتبار أنها تأصيل مالئم ويستدعيه تناول الشروط‬ ‫التقليدية لهذه املسئولية ( املبحث األول ) ‪.‬‬

‫املبحث األول‬ ‫الطبيعة القانونية للمسئولية‬

‫‪ -9‬عندما يخل الناقل بااللتزامات التي يفرضها عليه عقد النقل تنعقد مسئوليته‪ ،‬وهو األمر الذي‬ ‫يؤدي إلى تعويض املضرور عن اخلسائر التي تسبب له فيها ‪ .‬واملقصود باملسئولية هنا هو مسئولية‬ ‫الناقل العقدية وليس املسئولية التقصيرية التي تنشأ خارج نطاق عقد النقل‪ .‬ويُعد التعرف على‬ ‫الطبيعة القانونية لهذه املسئولية أمرا أساسيا في حتديد شخص من يقع عليه عبء اإلثبات في‬ ‫حالة وقوع الضرر ‪.‬‬ ‫‪ -8‬وترتكز املسئولية العقدية للناقل البحري على عقد النقل البحري الذي يبرمه الناقـل مـع‬ ‫الشاحـن ‪ ،‬وهى تختلف في طبيعتها القانونية حسبما إذا كان النقل خاضعا للقوانني الداخلية أو‬ ‫لالتفاقيات الدولية ‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪107‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬ ‫‪ -11‬وقد أجمع الفقه‪ 4‬والقضاء‪ 5‬على أن أساس مسئولية الناقل البحري وفقا لقانون التجارة‬ ‫البحرية املصري هو املسئولية املفترضة ‪ ،‬وعلى تفسير اصطالح " ضامن " الذي تنص عليه‬ ‫املادة ‪ ،227‬أنه التزام بتحقيق نتيجة ‪ obligation de resultat‬تتمثل في نقل البضائع من ميناء‬ ‫الشحن وتسليمها إلى املرسل إليه أو من ينوب عنه في ميناء التفريغ كاملة وسليمة ‪ ،‬في امليعاد‬ ‫املتفق عليه‪.6‬‬ ‫وتؤكد املادة ‪ 229‬صحة تفسير اصطالح " ضامن " على أنه التزام بتحقيق نتيجة وذلك بتأكيدها‬ ‫عدم إعفاء الناقل من املسئولية إال في حالة إثباته السبب األجنبي ‪ ،‬األمر الذي يعني أنه يتم‬ ‫افتراض مسئولية الناقل مبجرد وقوع الضرر‪ ،‬وأنه يقع على الناقل عبء إثبات أن هذا الضرر يرجع‬ ‫لسبب أجنبي ليس له أو لنائبه أو ألحد تابعيه يد فيه ‪.7‬‬ ‫ومفاد ما تقدم أن عبء إثبات عالقة السببية بني خطأ الناقل والضرر ال يقع على املضرور‪ ،‬بل يكفي‬ ‫هذا األخير إثبات أن الناقل لم يف بالتزامه بتوصيل البضائع كاملة وسليمة للمكان اﶈدد وفي‬ ‫امليعاد املتفق عليـه‪ .‬فإذا جنح املضرور في إثبات ذلك‪ ،‬فإن عالقة السببية بني خطأ الناقل والضرر‬ ‫تكون مفترضة وتتحقق بالتالي مسئولية الناقل‪ .‬وال ميكن للناقل االفالت من هذه املسئولية إال‬ ‫باثباته أن الضـرر قد وقـع بسبب أجنبـي ال يد له أو لنائبـه أو ألحـــد تابعيـه فيـه ‪ ،‬وأن هناك‬ ‫‪8‬‬ ‫عالقة سببية بني سبب االعفاء والضرر‪.‬‬ ‫‪ -11‬وفي املقابل‪ ،‬فإن وجود حالة من حاالت اإلعفاء ‪ ،‬ال مينع الشاحن من إثبات أن الضرر قد حدث‬ ‫بسبب خطأ الناقل‪ ،‬إذ أنه إذا جنح الشاحن في إثبات خطأ الناقل تتحقق مسئولية الناقل عن‬ ‫األضرار التي أصابت البضائع‪.9‬‬ ‫‪ -12‬أما في القانون التجاري البحري اإلماراتي‪ ،‬فإن األمر يختلف عن قانون التجارة البحريـة املصـري‪،‬‬ ‫حيث إن املادة ‪ 292‬من القانون البحري اإلماراتي تنص على أنه ‪ -1 " :‬يلتزم الناقل قبل السـفر وعنـد‬ ‫‪-4‬‬

‫‪-5‬‬

‫‪-6‬‬

‫‪-7‬‬

‫‪-8‬‬ ‫‪-9‬‬

‫‪108‬‬

‫د‪ .‬كمال حمدي " القانون البحري " ‪ ،‬منشأة املعارف اإلسكندرية ‪ ، 1889 ،‬فقرة ‪ 911‬وما بعد ص ‪ 529‬؛ د‪ .‬هاني‬ ‫دويدار " الوجيز في القانون البحري " ص ‪ 222‬؛ د‪ .‬مصطفى كمال طه " القانون البحري " ‪ ،‬دار الوفاء لدنيا‬ ‫الطباعة والنشر ‪.2111 ،‬فقرة ‪ 381‬ص ‪. 294‬‬ ‫محكمة النقض املصرية‪ ،‬طعن رقم ‪ ، 539‬جلسة ‪ ، 1881 / 4 / 1‬س ق ‪ . 55‬محكمة النقض املصرية طعن رقم‬ ‫‪ ، 1212‬جلسة ‪ 1881 / 3 / 18‬س ق ‪ . 53‬محكمة النقض املصرية طعن رقم ‪ ، 1532‬جلسة ‪ ، 1898/2/29‬س ‪53‬ق‬ ‫‪ .‬محكمة النقض املصرية طعن رقم ‪ ،992‬جلسة ‪ ،1899/11/31‬س ‪52‬ق‪.‬‬ ‫محكمة النقض املصرية ‪ ،‬النقض املدني ‪ ،‬الطعن رقم ‪ 981‬لسنة ‪ 24 :‬قضائية بتاريخ ‪ .2111-2-11:‬محكمة‬ ‫النقض املصرية ‪ ،‬النقض املدني ‪ ،‬الطعن رقم ‪ 9523 :‬لسنة ‪ 23 :‬قضائية بتاريخ ‪ .2111-2-24:‬محكمة النقض‬ ‫املصرية ‪ ،‬النقض املدني ‪ ،‬الطعن رقم ‪ 34 :‬لسنة ‪ 91 :‬قضائية بتاريخ ‪.2119-11-29:‬محكمة النقض املصرية‪،‬‬ ‫النقض املدني ‪ ،‬الطعن رقم ‪ 5424 :‬لسنة ‪ 24 :‬قضائية بتاريخ ‪ .2111-11-14:‬محكمة النقض املصرية ‪،‬‬ ‫النقض املدني ‪ ،‬الطعن رقم ‪ 5421 :‬لسنة ‪ 23 :‬قضائية بتاريخ ‪ .2111-11-25:‬حكومة دبي ‪ ،‬محكمة التمييز ‪-‬‬ ‫األحكام املدنية ‪ ،‬الطعن رقم ‪ 151 :‬لسنة ‪ 2114 :‬قضائية بتاريخ ‪.2114-11-29:‬‬ ‫محكمة النقض املصرية ‪ ،‬النقض املدني | الطعن رقم ‪ 222 :‬لسنة ‪ 29 :‬قضائية بتاريخ ‪ .2113-1-11 :‬محكمة‬ ‫النقض املصرية‪ ،‬النقض املدني ‪ ،‬الطعن رقم ‪ 2893 :‬لسنة ‪ 24 :‬قضائية بتاريخ ‪ .2111-11-11:‬محكمة النقض‬ ‫املصرية‪ ،‬النقض املدني ‪ ،‬الطعن رقم ‪ 5941 :‬لسنة ‪ 25 :‬قضائية بتاريخ ‪ .2111-11-11:‬محكمة النقض املصرية‬ ‫‪ ،‬النقض املدني ‪ ،‬الطعن رقم ‪ 9198 :‬لسنة ‪ 23 :‬قضائية بتاريخ ‪.2111-12-29:‬‬ ‫‪Cass. 16 av. 1991 , BT 1991 , p. 591 ; Aix-en-Provence , 31 oct. 1991 p.478‬‬ ‫‪Rouen 8 Sep. 1988 , DMF 1991 , p. 360‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫بدئه ببذل العناية الالزمة جلعل السفينة في حالة صاحلة للمالحـة وجتهيـز السـفينة وتطقيمهـا‬ ‫ومتوينها على الوجه املرضي ‪ ،‬وتهيئة العنابر والغرف الباردة وغيرهـا مـن أقسـام السـفينة لتلقـي‬ ‫البضائع ونقلها وحفظها ‪ -2.‬وعلـى الناقـل أيضـا أن يبـذل العنايـة الالزمـة فـي شـحن البضـائع‬ ‫وتشوينها وتستيفها ورصها ونقلها وحفظها وتفريغها وتسليمها "‪ .‬ثم جـاءت املـادة ‪ 295‬لتـنص‬ ‫على أن الناقل يكون مسئوال عن هالك أو تلف البضائع في الفترة ما بني تسلمه البضائع في مينـاء‬ ‫الشحن وتسليمها لصاحب احلق فيها في ميناء التفريغ ‪ ،‬ما لم يثبت أن هذا الهالك أو التلف ناشئ‬ ‫عن حاالت عددتها املادة على سبيل احلصر‪.‬‬ ‫ومفاد هذه النصوص‪ ،‬أن مسئولية الناقل البحري قائمة على مبدأ اخلطأ املفترض وليس املسـئولية‬ ‫املفترضة‪ ،‬وهو املبدأ الذي يفترض فيه خطأ الناقل الذي يعجز عن إثبات أن الضـرر قـد وقـع بسـبب‬ ‫حالة من احلاالت التي عددتها املادة ‪.295‬‬ ‫وفي هذا اخلصوص نرى ضرورة التفرقة بني التـزام الناقـل بجعـل السـفينة صـاحلة للمالحـة وبـني‬ ‫التزامه بالعناية بالبضائع‪10‬؛ فااللتزام األول هو التزام ببذل عناية‪ 11‬يكفي فيه أن يثبـت الناقـل أنـه‬ ‫اتخذ كل التدابير الكافية لتفادي وقوع الضرر حتى يبرأ من املسئولية ‪ ،‬أما االلتزام الثاني فهو التزام‬ ‫مطلق ‪ ، obligation absolue‬قائم أيضا على مبدأ اخلطأ ‪ ،‬إال أنه يتعني على الناقل لدفع مسئوليته‬ ‫أن يثبت أن الضرر قد وقع بسبب حالة من احلاالت املذكورة فـي املـادة ‪ ، 295‬األمـر الـذي ميكـن معـه‬ ‫القول بأن التزام الناقل بالعناية بالبضائع هو التزام بتحقيق نتيجة‪ ،12‬على عكـس التزامـه بجعـل‬ ‫السفينة صاحلة للمالحة الذي يبقى وحده التزاما ببذل عنايــة ‪.‬‬ ‫ونعتقد أن هذا هو ما يفسر موقف قضاء محكمة متييز دبي الذي يقضي بأن الناقل ملزم بتحقيـق‬ ‫نتيجة‪ ،‬وبأن مسئوليته هي مسئولية مفترضة‪ 13‬ال يـدفعها إال السـبب األجنبـي‪ 14‬الـذي ال يكـون‬ ‫للناقل أو ألحد من تابعيه يد فيه‪ .‬ولعل هذا هو السبب أيضا في اجتاه بعض الفقهاء ‪ -‬بـالرغم مـن‬ ‫اعتبارهم أن أساس مسئولية الناقل البحري هو اخلطأ املفترض ‪ -‬إلى القول بـأن الناقـل البحـري ال‬

‫‪-11‬‬ ‫‪-11‬‬

‫‪-12‬‬ ‫‪-13‬‬

‫ولعل ذلك هو السبب الذي قام من أجله املشرع اإلماراتي بفصل االلتزام بجعل السفينة صاحلة للمالحة‬ ‫وااللتزام بالعناية بالبضائع كل في بند مستقل‪.‬‬ ‫ويقصد بالعناية املطلوبة من الناقل أن يبذل في عمله جهودا صادقة تتفق مع األصول املستقرة في مهنة‬ ‫الناقلني ‪ ،‬فيسأل الناقل عن كل تقصير في عمله ال يقع من ناقل يقظ في مستواه املهني ‪ ،‬إن وجد في نفس‬ ‫الظروف اخلارجية التي أحاطت بالناقل املسئول ‪.‬‬ ‫إنظر في ذات املعنى ‪ :‬هاني دويدار " الوجيز في القانون البحري " ‪ ،‬اجلزء الثاني ‪ " ،‬النقل البحري للبضائع "‬ ‫‪ ، 1883‬ص ‪ . 119‬منقول عن كمال حمدي " القانون البحري " ‪ ،‬منشأة املعارف ‪ ، ،1889‬ص ‪ 528‬فقرة ‪911‬‬ ‫إنظر في ذلك ‪ :‬طعن رقم ‪ 149‬لسنة ‪ ، 1881‬جلسة ‪ ، 1881/12/28‬محكمة متييز دبي ‪ ،‬العدد ‪ 2‬ص ‪ . 231‬طعن‬ ‫رقم ‪ 295‬لسنة ‪ ، 1882‬محكمة متييز دبي ‪ ،‬جلسة ‪ . 1889/1/5‬طعن رقم ‪ 94‬لسنة ‪ ، 1883‬محكمة متييز دبي‬ ‫‪،‬جلسة ‪ ، 1883/2/29‬العدد ‪ ، 4‬ص ‪ . 591‬طعن ر قم ‪ 25‬لسنة ‪ ، 1883‬محكمة متييز دبي ‪،‬جلسة ‪،1883/9/11‬‬ ‫العدد ‪ ، 4‬ص ‪ . 222‬طعن رقم ‪ 29‬لسنة ‪ ، 1889‬محكمة متييز دبي ‪ ،‬جلسة ‪ . 1889/5/8‬طعن رقم ‪ 222‬لسنة‬ ‫‪ ، 1884‬محكمة متييز دبي ‪ ،‬جلسة ‪ ، 1884/11/12‬العدد ‪ ، 5‬ص ‪ . 922‬وانظر في عكس ذلك ‪ :‬طعن رقم ‪34‬‬ ‫لسنة ‪ – 1898‬جلسة ‪ -1898/2/25‬محكمة متييز دبي‪ -‬العدد ‪ 1‬ص ‪.533‬‬

‫‪ -14‬املقصود بالسبب األجنبي ‪ :‬العيب الذاتي للبضائع ‪ ،‬القوة القاهرة و خطأ الشاحن ‪.‬إنظر في خطأ الشاحن ‪:‬‬ ‫طعن رقم ‪ 494‬لسنة ‪ ، 2114‬محاكم دبي ‪ ،‬محكمة التمييز ‪ ،‬املكتب الفني ‪ ،‬العدد ‪ 12‬ق ‪ ،‬اجلزء األول من يناير‬ ‫إلى يوليو ‪ ، 2115‬ص ‪. 422‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪109‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫يستطيع أن يدفع مسئوليته إال إذا أثبت أن هالك أو تلف البضائع أو التأخير فـي تسـليمها ‪ ،‬يرجـع‬ ‫إلى سبب أجنبي ال يد له أو لنائبه أو ألحد تابعيه فيه‪.15‬‬ ‫‪ -13‬أما على النطاق الدولي ‪ ،‬فقد أسست اتفاقية بروكسل لسنة ‪ 1824‬مسئولية الناقل البحري‬ ‫على فكرة اخلطأ املفترض ‪ ،‬على عكس قواعد هامبورج التي استلهمت أحكامها اخلاصة مبسئولية‬ ‫الناقل البحري من أحكام اتفاقية وارسو لعام ‪ 1929‬املعدلة ببروتوكول الهاي لعام ‪ 1955‬املتعلقة‬ ‫مبسئولية الناقل اجلوي ‪ .‬فقد أخذت قواعد هامبورج بكل من نظام االلتزام بتحقيق نتيجة و نظام‬ ‫االلتزام ببذل عناية مع افتراض اخلطأ في بعض األحوال دون األحوال األخرى لتستقر في النهاية على‬ ‫تأسيس مسئولية الناقل البحري على مبدأ اخلطأ املفترض الذي أوردت عليه بعض االستثناءات ‪.‬‬ ‫فقد نصت في الفقرة األولى من املادة اخلامسة منها على أنه " يسأل الناقل عن اخلسارة الناجتة عن‬ ‫هالك البضائع أو تلفها ‪ ،‬وكذلك الناجتة عن التأخير في التسليم ‪ ،‬إذا وقع احلادث الذي تسبب في‬ ‫الهالك أو التلف أو التأخير أثناء وجود البضائع في عهدته على الوجه املبني في املادة ‪ ، 4‬ما لم يثبت‬ ‫الناقل أنه اتخذ هو أو مستخدموه أو وكالؤه جميع ما كان من املعقول تطلب اتخاذه من تدابير‬ ‫لتجنب احلادث وتبعاته "‪ .‬ومفاد هذا النص أن االتفاقية أخذت بنظام اخلطأ أو اإلهمال املفترض وهو‬ ‫األمر الذي يعني أن املضرور ال يلتزم بإثبات خطأ الناقل وإمنا يكفيه فقط إثبات وجود البضائع في‬ ‫حراسة الناقل حلظة وقوع الضرر وإثبات الضرر املدعى به ‪ ،‬وعندئذ تعمل قرينة اخلطأ ‪ .‬فوفقا لهذا‬ ‫النظام يفترض خطأ الناقل أو إهماله وقيام عالقة السببية بني اخلطأ أو اإلهمال والضرر ‪ ،‬ويتعني‬ ‫على الناقل ‪ -‬لدفع مسئوليته ‪ -‬نفي صدور خطأ أو إهمال من جانبه وذلك بإثبات أنه قد اتخذ هو أو‬ ‫مستخدموه أو وكالؤه التدابير املعقولة لتجنب احلادث وتبعاته ‪.‬‬ ‫ونظرا لصعوبة إثبات خطأ الناقل أو إهماله في حالة احلريق نصت االتفاقية في البند ب من الفقرة‬ ‫‪ 4‬من املادة ‪ 5‬منها على أنه " في حالة نشوب حريق على السفينة تتأثر به البضائع ‪ ،‬يجب أن جتري ‪،‬‬ ‫إن شاء املطالب أو الناقل ‪ ،‬معاينة ‪ ،‬وفقا للممارسات املالحية للوقوف على سبب احلريق ومالبساته ‪،‬‬ ‫وعند الطلب توضع نسخة من تقرير املعاينة حتت تصرف الناقل أو املطالب "‪ .‬ومفاد هذا النص أن‬ ‫االتفاقية نقلت عبء اإلثبات في حالة احلريق من على عاتق الناقل إلى عاتق املضرور‪.‬‬

‫املبحث الثاني‬ ‫الضرر املنشئ للمسئولية‬

‫‪ -14‬تنحصر األضرار التي تؤدي إلى انعقاد مسئولية الناقل البحري في هالك البضائع أو تلفها أو‬ ‫التأخير في وصولها إلى صاحب احلق فيها‪ .‬وسوف نعرض لهذه األضرار في مطلبني على النحو‬ ‫التالي ‪ :‬هالك البضائع أو تلفها ( املطلب األول )‪ ،‬التأخير في تسليمها ( املطلب الثاني )‪.‬‬

‫املطلب األول‬ ‫‪ . -15‬فايز نعيم رضوان " القانون البحري " ‪ ،‬أكادميية شرطة دبي – كلية القانون وعلوم الشرطة ‪ ،2119‬ص ‪، 312‬‬ ‫بند ‪.293‬‬ ‫‪110‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫هــالك البضائــع أو تلفها‬

‫‪ -15‬تنص كل من املواد ‪ 295‬من القانون التجاري البحري اإلماراتي و ‪ 227‬فقرة ‪ 1‬من قانون التجارة‬ ‫البحرية املصري واملادة ‪ 5‬فقرة ‪ 1‬من قواعد هامبورج على مسئولية الناقل عن هالك البضائع ‪.‬‬ ‫ويقصد بهالك البضائع إما اختفاؤها كليا‪ ،‬أو وجود عجز بها؛ سواء في وزنها أو في عددها املذكور‬ ‫في سند الشحن ‪ .‬ويعرف الهالك في احلالة األولى بالهالك الكلي‪ ،‬وفي احلالة الثانية بالهالك اجلزئي‬ ‫‪. 16‬‬ ‫وقد يخلط البعض بني الهالك الكلي والتأخير في تسليم البضائـع‪ ،‬ولكن املشرع أتى بنصوص‬ ‫يعرف فيها صراحة الهالك الكلي للبضائع فاتضح بذلك الفرق بينه وبني التأخير‪ .‬فاملادة ‪ 228‬من‬ ‫قانون التجارة البحرية املصري تنص على أن البضائع تعد في حكم الهالكة إذا لم تسلم خالل‬ ‫الستني يوما التالية النقضاء التسليم‪ ،‬وهو األمر الذي يستفاد منه أن البضائع ال تعتبر في حكم‬ ‫الهالكة قبل انقضاء مدة التسليم املنصوص عليها في القانون بل تعتبر متأخرة في وصولها‬ ‫لصاحب احلق فيها ‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫وإثبات الهالك الكلي يسير إذ يكفي املدعي إثبات أن الناقل قد تسلم البضائع وميكنه االستعانة‬ ‫في ذلك بكافة طرق اإلثبات ‪ .‬وفي املقابل ‪ ،‬وحتى يستطيع الناقل دفع املسئولية عن نفسه‪ ،‬فإنه‬ ‫يكفيه إثبات قيامه بتسليم البضائع للحامل الشرعي لسند الشحن ‪ .‬أما إذا عجز الناقل عن‬ ‫إثبات تسليم البضائع لصاحب احلق فيها وثبت أن التسليم قد مت لشخص آخر فإن البضائع تعد‬ ‫في هذه احلالة في حكم الهالكة هالكا كليا بالنسبة لصاحب احلق ‪.‬‬ ‫‪ -12‬أما الهالك اجلزئي للبضائع فهو يتمثل في عجز فيها سواء في وزنها أو في عددها املوضح في‬ ‫سند الشحن‪ .‬وفي هذا الشأن جتدر اإلشارة إلى أنه يتم تخفيف مسئولية الناقل في حالة نقل‬ ‫البضائع بالصب كاحلبوب والسوائل مثال ‪ ،‬إذ أنه من املتعارف عليه أن هذه النوعية من البضائع‬ ‫عرضة للعجز أثناء النقل سواء بسبب تعرضها للرطوبة أو الضغط أو التبخر أو حتى للنقص أثناء‬ ‫عمليتي الشحن والتفريغ وهو ما يطلق عليه عجز الطريق‪ . 18‬أما إذا كانت البضائع معبأة في صورة‬ ‫طرود فإن الناقل ال يتمتع بهذا التخفيف ألنه من املفترض أن الطرود تقي البضائع من املؤثرات‬ ‫املشار إليها أعاله ‪.‬‬

‫‪ -16‬يأخذ الهالك اجلزئي حكم التلف‪.‬‬ ‫‪ -17‬جتدر اإلشارة إلى أنه إذا كان سند الشحن يتضمن حتفظات على وزن البضائع أو على حجمها إلخ‪ ..‬فيجب في‬ ‫هذه احلالة على املدعي إثبات حقيقة املقدار املشحون من البضائع وذلك حتى يتمكن من إثبات حالة الهالك‬ ‫اجلزئي ‪.‬‬ ‫‪ -18‬د‪ .‬محمود سمير الشرقاوي "القانون البحري "الطبعة الرابعة ‪1993‬مطبعة جامعة القاهرة والكتاب‬ ‫اجلامعي ‪ ،‬فقرة ‪ . 393‬وفي هذا اخلصوص قضت محكمة النقض املصرية أن العرف اخلاص في نقل الزيوت‬ ‫والشحوم التي تشحن صبا جرى على إعفاء الناقل واملؤمن عن العجز في حدود ‪ % 1‬ملا تتعرض له من نقص‬ ‫بسبب التصاق جزء منها بالتنكات واألنابيب أثناء عمليتي الشحن والتفريغ ‪ :‬طعن رقم ‪ 191‬لسنة ‪ 39‬ق‬ ‫جلسة ‪ 1892 / 2 / 3‬س ‪ 23‬ص ‪.581‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪111‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫‪ -19‬ويختلف تلف البضائع عن هالكها ‪ ،‬ففي حالة الهالك إما أن تكون البضائع لم تصل أصال‪ ،‬أى‬ ‫لم يتم تسليمها وهنا يكون الهالك كليا ‪ ،‬أو أنها وصلت وبها عجز في مقدارها ‪ .‬أما في حالة‬ ‫‪19‬‬ ‫التلف فإن البضائع تصل كاملة ولكن بها تلفيات كعطب الفاكهة أو ذبول الزهور مثال ‪.‬‬ ‫ويثور التساؤل حول تلف البضائع اجلزئي الذي يؤثر على باقي البضائع فيجعلها غير صاحلة‬ ‫لالستخـدام ‪ ،‬هل يتساوى التلف في هذه احلالـة مع الهالك الكلي ؟ يذهب رأي‪ 20‬إلى أن التلف في‬ ‫هذه احلالة يتساوى مع الهالك الكلي للبضائع ألنه في احلالتني ال يتمكن املرسل إليه من استخدام‬ ‫البضائع للغرض املعدة له‪ .‬ويذهب رأي آخر ‪ – 21‬على حـق – إلى عكس ذلك فيعتبر أن " التلف‬ ‫الكلي " للبضائـع يختلف عـن " الهالك الكلي " لها ‪ ،‬ويستند هذا الرأي إلى حدوث التسليم من‬ ‫عدمه ؛ ففي حني يتم تسليم للبضائع في حالة " التلف الكلي " فإن التسليم ال يتم في حالة "‬ ‫الهالك الكلي " ‪.‬‬ ‫وتظهر أهمية التفرقة بني الهالك الكلي والتلف الكلي في االلتزام بإخطار الناقل بالتلف وهو التزام‬ ‫يقع على عاتق املرسل إليه يبدأ من تاريخ حصوله‪ ،‬سريان مدة تقادم دعوى مسئولية الناقل البحري‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬ ‫التأخير في تسليم البضائع‬

‫‪ -19‬تنص املواد ‪ 240‬من قانون التجارة البحرية املصري ‪ ،‬و ‪ 295‬فقرة ‪ 2‬من قانون التجارة البحرية‬ ‫اإلماراتي‪ ،‬واخلامسة فقرة ‪ 2‬من قواعد هامبورج على أن الناقل يكون قد تأخر في تسليم البضائع إذا‬ ‫لم يسلمها في امليعاد املتفق عليه أو في امليعاد الذي يسلمها فيه الناقل العادي في ظروف مماثلة‬ ‫إذا لم يتفق األطراف على ميعاد محدد لتسليم البضائـع‪.‬‬ ‫ومفاد هذه النصوص أنه إذا كان ثمة اتفاق بني الناقل والشاحن على ميعاد محدد لتسليـم‬ ‫البضائـع ‪ ،‬وجب على الناقل تسليم البضائع في امليعاد املتفق عليه وإال انعقدت مسئوليته بسبب‬ ‫تأخيره في تسليم البضائع ‪ .‬أما إذا لم يكن هناك اتفاق على ميعاد محدد للتسليم فقد حدد‬ ‫املشرع امليعاد الواجب التسليم فيه‪ ،‬وهو امليعاد الذي يسلم فيه الناقل العادي البضائع إذا ما مر‬ ‫بظروف مماثلة‪.22‬‬ ‫ومعيار تقييم الناقل العادي معيار موضوعي يدخل إعماله في سلطة قاضي املوضوع فهو الذي‬ ‫يقرر إذا ما كان الناقـل قد تصرف مثل تصرف الناقـل العـادي‪ ،‬أي الناقـــل متوســط احلرص غير‬ ‫الغافـــل أو شديد احلذر أم ال ‪.‬‬ ‫ومليعاد تسليم البضائع أهمية كبرى‪ ،‬إذ أن الناقل بتأخره في تسليمها إمنا يعرضها جملاطر التلف‪،‬‬ ‫كما أنه يعرض مصالح املرسل إليه جملاطر تقلبات األسعار أو فوات إبرام صفقة رابحة ‪ ،‬األمر الذي‬ ‫يؤثر على منشأته وتعطيل العمل بها ‪ .‬ولكل هذه األمور أقر املشرع مسئولية الناقل البحري في‬

‫‪-19‬‬ ‫‪-21‬‬ ‫‪-21‬‬ ‫‪-22‬‬

‫‪112‬‬

‫كمال حمدي " القانون البحري ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬فقرة ‪ ، 919‬ص ‪. 592‬‬ ‫علي جمال الدين عوض " النقل البحري للبضائع" ‪ ،‬دار النهضة العربية للطبع والنشر والتوزيع ‪ ، 1882 ،‬فقرة‬ ‫‪. 584‬‬ ‫محمد كمال حمدي ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬فقرة ‪ ، 919‬ص ‪. 593‬‬ ‫حكومة دبي | محكمة التمييز ‪ -‬األحكام املدنية | الطعن رقم ‪ 382 :‬لسنة ‪ 2115 :‬قضائية بتاريخ ‪.2112-2-2:‬‬ ‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫حالة التأخير في تسليم البضائع وحمله التزاما بتحقيق نتيجة تتمثل في تسليم البضائع في‬ ‫امليعاد اﶈدد ‪.‬‬ ‫وإثبات التأخير ال يثير أي صعوبة إذا كان قد مت االتفاق على التسليم في ميعاد محدد إذ يكفي في‬ ‫هذه احلالة حلول هذا امليعاد دون حصول التسليم‪ ،‬وهذا أمر يتم إثباته بتقدمي ما يفيد تاريخ‬ ‫التسليم املتفق عليه والتاريخ الذي مت فيه التسليم فعال ‪.‬‬ ‫أما إذا لم يتفق األطراف على ميعاد محدد يتم فيه التسليم فإنه يتعني في هذه احلالة على املدعي‬ ‫إثبات امليعاد الذي كان سيسلم فيه الناقل العادي البضائع إذا كان في ظروف مماثلة ‪ ،‬وهو أمر قابل‬ ‫للجدل من قبـل الناقـل‪.‬‬ ‫وفي جميع األحوال؛ أي سواء كان هناك ميعاد للتسليم متفق عليه أو ال فإن الناقل ال يستطيع‬ ‫التحرر من املسئولية إال بإثباته أن التأخير قد حدث بسبب أجنبي ال يد له فيه ‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬ ‫الشرط اخلاص النعقاد املسئولية‪:‬‬ ‫"عدم حصول الناقل على موافقة الشاحن"‬

‫‪ -18‬األصل في كل من القانون التجاري البحري اإلماراتي وقانون التجارة البحرية املصري والقانون‬ ‫البحري الفرنسي هو وجوب شحن البضائع املنقولة بحرا في عنابر السفينة‪ ،‬وجواز شحنها‬ ‫استثناء على سطح السفينة في أحوال معينة ‪.‬‬ ‫فيجيز القانون البحري اإلماراتي ( املادة ‪ ) 293‬الشحن على السطح في ثالث حاالت هى ‪:‬‬ ‫• حالة املالحة الساحلية ‪.‬‬ ‫• اإلذن الكتابي للشاحن ‪.‬‬ ‫• إذا كان العرف في ميناء الشحن قد جرى على شحن البضائع على السطح‪.‬‬ ‫ويجيز قانون التجارة البحرية املصري ( مادة ‪ ) 216‬الشحن على السطح في أربع حاالت هي ‪:‬‬ ‫• اإلذن الكتابي من الشاحن بذلك ‪.‬‬ ‫• حالة املالحة الساحلية بني املوانئ املصرية ‪.‬‬ ‫• إذا وجد نص قانوني آمر ‪.‬‬ ‫• إذا كان العرف في ميناء الشحن قد استقر على شحن بضائع معينة على السطح‬ ‫ويجيز القانون البحري الفرنسي رقم ‪ 19‬لسنة ‪ ( 1822‬مادة ‪ ) 22‬استثناء الشحن على السطح في‬ ‫احلاالت التالية ‪:‬‬ ‫‪23‬‬ ‫• في حالة املالحة الساحلية القصيرة ‪.‬‬ ‫• في حالة وجود نص قانوني آمر ‪.‬‬ ‫• في حالة موافقة الشاحن على ذلك ‪.‬‬ ‫ومفاد هذه النصوص‪ ،‬أن مسئولية الناقل البحري تنعقد في حالة املالحة غير الساحلية إذا لم‬ ‫يحصل الناقل على موافقة الشاحن على النقل على سطح السفينة ‪ .‬والعلة في اشتراط هذه‬ ‫‪ -23‬يقصد باملالحة الساحلية في فرنسا املالحة التي تتم دون خطوط الطول والعرﺽ اﶈددة للمالحة ألعالي‬ ‫البحار‪ .‬انظر في تعريف املالحة الساحلية في فرنسا د‪ .‬محمود سمير الشرقاوي " املرجع السابق " ‪ ،‬فقرة ‪21‬‬ ‫ص ‪.21‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪113‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫املوافقة تكمن في اجملاطر التي تتعرض لها البضائع بسبب شحنها بهذه الطريقة أثناء إبحار‬ ‫السفينة ؛ فهي تتعرض من جهة للسقوط في البحر‪ ،‬ومن جهة أخرى للتقلبات اجلوية فتتلف‬ ‫بسبب األمواج والرطوبة وحرارة الشمس واألمطار واألنواء ‪.‬‬ ‫ولكن بالرغم من اتفاق القوانني املذكورة على ضرورة حصول الناقل على إذن الشاحن حتى يدفع‬ ‫عن نفسه املسئولية ‪ ،‬إال أن القانون البحري اإلماراتي أتى بنص نهج مبوجبه نهج اتفاقية بروكسل‬ ‫لسنة ‪ ، 241824‬واختلف بالتالي عن نظيريه املصري والفرنسي ‪ ،‬وهذا النص هو نص املادة ‪. 294‬‬ ‫فبموجب هذه املادة يستبعد القانون البحري اإلماراتي من نطاق تطبيقه النقل على السطح في‬ ‫حال توافر شرطني ‪ :‬األول هو أن يذكر في سند الشحن أن البضائع قد شحنت على سطح السفينة‬ ‫‪ ،‬والثاني هو أن يتم النقل والبضائع مشحونة فعال على سطحها‪ .‬ومفاد ذلك أنه في حالة توافر‬ ‫هذين الشرطني ال ينطبق القانون البحري اإلماراتي بل تنطبق القواعد العامة‪ . 25‬وهو األمر الذي‬ ‫يعني أنه إذا لم يحصل الناقل على إذن الشاحن ‪ ،‬وشحن بالرغم من ذلك البضائع على سطح‬ ‫السفينة ‪ ،‬فإنه يكون مسئوال وفقا لقواعد القانون البحري ‪ ،‬فيفترض خطؤه ‪ ،‬وال ميكنه دفع‬ ‫املسئولية إال إذا أثبت حالة من احلاالت التي ينص عليها نص املادة ‪ ، 295‬فضال عن حرمانه من إدراج‬ ‫شروط إلعفائه من املسئولية ( املادة ‪ . ) 299‬أما إذا حصل الناقل على موافقة الشاحن وذكر في‬ ‫سند الشحن أن البضائع قد شحنت على السطح ‪ ،‬ثم مت نقلها فعال وهى على هذه الصورة ‪ ،‬فإن‬ ‫الناقل يخضع للقواعد العامة للمسئولية التي تسود فيها احلرية التعاقدية ‪ ،‬وبالتالي يحق للناقل‬ ‫إدراج ما يحلو له من شروط إعفاء من املسئولية في سند الشحن ‪.‬‬ ‫‪-21‬أما قواعد هامبورج فهي – على خالف اتفاقية بروكسل – لم تستبعد من نطاق تطبيقها‬ ‫البضائع املشحونة على سطح السفينة‪ ،‬وتنص في مادتها التاسعة على أن املبدأ هو حترمي شحن‬ ‫البضائع على السطح إال إذا وافق الشاحن على ذلك‪ ،‬أو إذا كان العرف في ميناء الشحن قد استقر‬ ‫على شحن بضائع معينة على السطح ‪ ،‬أو إذا وجد نص قانوني آمر يقرر ذلك كما فى حالة بعض‬ ‫أنواع البضائع اخلطرة كاملتفجرات والبضائع سريعة االشتعال ‪.‬‬ ‫كما تنص املادة التاسعة من قواعد هامبورج على أنه إذا قام الناقل بشحن البضائع بدون موافقة‬ ‫الشاحن وهلكت البضائع أو تلفت أو تأخر تسليمها بسبب يرجع إلى واقعة الشحن على السطح‬ ‫دون غيرها فإن مسئولية الناقل عن ذلك الضرر تكون قاطعة ( موضوعية ) ال تقبل إثبات العكس‪.‬‬ ‫ومفاد ماتقدم من نصوص هو أن الشحن على سطح السفينة يكون مسموحا في احلاالت التي‬ ‫عددها املشرع وأبرزها موافقة الشاحن ‪ .‬وقد أثار شرط احلصول على موافقة الشاحن العديد من‬ ‫القضايا أمام اﶈاكم ملا له من تأثير على مسئولية الناقل ( املبحث األول )‪ ،‬خاصة عندما يكون‬ ‫شحن البضائع على سطح السفن احلديثة املتخصصة في نقل البضائع على سطح السفينة‪،‬‬ ‫وهو األمر الذي يستدعي التفرقة بني السفن التقليدية والسفن املتخصصة ( املبحث الثاني)‪.‬‬

‫‪Paris 24 Av. 1992, B.T. 1992 p. 620.‬‬ ‫‪ -24‬انظر في تطبيق اتفاقية بروكسل‬ ‫‪ -25‬استبعدت اتفاقية بروكسل لسندات الشحن لسنة ‪ 1924‬الشحن على سطح السفينة من نطاق تطبيقها‬ ‫تاركة هذا األمر للقواعد العامة فى القوانني الوطنية والتفاق األطراف املعنية ‪ ،‬والسبب فى هذا االستبعاد هو‬ ‫أن الشحن على السطح يعرض البضائع جملاطر كبيرة‪.‬‬ ‫‪114‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫املبحث األول‬ ‫تأثير موافقة الشاحن على مسئولية الناقل‬

‫‪ -21‬إذا قام الناقل بشحن البضائع على السطح بدون موافقة الشاحن فإن الشحن في هذه احلالة‬ ‫يعتبر من وجهة النظر القانونية غير مستوفي للشروط‪ ،‬و له نتائج هامة على مسئولية الناقل‪ .‬أما‬ ‫إذا كان الشحن قد مت بعد احلصول على موافقة الشاحن فإن الشحن في هذه احلالة يكون مستوفيا‬ ‫للشروط ‪.26‬‬ ‫ولكن بالرغم من استيفاء الشحن للشروط في احلالة األخيرة إال أن هذا ال مينع من امكانية ارتكاب‬ ‫الناقل خلطأ ما عند تنفيذه ملهمته ‪ ،‬مما تترتب عليه مسئوليته ‪ .‬ويهمنا قبل دراسة أثر هذا اخلطأ‬ ‫على مسئولية الناقل في حالة الشحن املستوفي لشرط احلصول على موافقة الشاحن دراسة‬ ‫املسئولية في حالة الشحن غير املستوفي لشرط احلصول على موافقة الشاحن ‪.‬‬

‫املطلب األول‬ ‫الشحن غير املستوفي‬ ‫لشرط احلصول على موافقة الشاحن‬

‫‪ -22‬يلتزم الناقل في حالة شحن البضائع على السطح بدون موافقة الشاحن بتعويض هذا األخير‬ ‫تعويضا كامال عن الضرر‪ .27‬هذا هو ما يقضي به القضاء الذي لنا على أحكامه بعض املالحظات‪.‬‬ ‫فقد تبني من خالل استعراض أحكام القضاء الفرنسي أن هناك نوعني من اخلطأ يؤديان إلى بطالن‬ ‫الشروط اخلاصة باملسئولية ‪ :‬خطأ الناقل بسبب شحن البضائع على السطح بدون موافقة‬ ‫الشاحن‪ ،‬وخطـأ الناقـل – بالرغم من حصوله على موافقة الشاحن – بسبب عدم إخطاره الشاحن‬ ‫بلحظة الشحن‪.‬‬ ‫ويعامل القضاء الناقل ذات املعاملة في احلالتني ويعتبره مسئوال إذا لم يحصل على موافقة‬ ‫الشاحن‪ 28‬أو لم يخطره بلحظة الشحن فيحرمه من االستفادة من الشروط اخلاصة باملسئولية ‪،‬‬ ‫ويضطر الناقل في احلالتني إلى تعويض الشاحن تعويضا كامال ‪.‬‬ ‫وقد أيدت محكمة النقض الفرنسية‪ 29‬موقف محاكم االستئناف وأضافت أن درجة جسامة خطأ‬ ‫الناقل ال تؤثر على قيمة التعويض الذي البد وأن يكـون كامـال ‪ .‬واستندت اﶈكمة في ذلك إلى أنه‬ ‫‪-26‬‬

‫‪Rouen 30 mai 2013,D.M.F.2013,p.752.‬‬

‫‪ -27‬يتحمل الناقل املسئولية عن الضرر حتى لو كان الضرر قد حدث بفعل قوة قاهرة‪ ،‬وذلك ألن شحن الناقل‬ ‫للبضائع على السطح هو الذي هيأ للقوة القاهرة أن حتدث وتضر بالبضائع ‪ .‬انظر في ذلك املعني د‪ .‬مصطفى‬ ‫اجلمال " دروس في القانون البحري" ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ 1829‬ص ‪ 219‬على البارودي " مبادئ القانون البحري" ‪،‬‬ ‫منشأة املعارف ‪ ، 2111 ،‬ص ‪ .125 .‬استئناف مختلط ‪ 8‬مارس‪ 1829‬ص ‪.312 -38‬‬ ‫‪-28‬‬

‫‪Cass.7 juillet 1998,D.M.F.1998,p.826.Cass.18 mars 2008,D.M.F.2008,p.538 et B.T.2008,p.3223.Paris 1er oct. B.T.‬‬ ‫‪1986, B.T. 1986, p. 661, Rouen 7 sept. 1995, B.T. 1995, P.732.Aix-en-Provence, 2ème chambre, du 30‬‬ ‫‪novembre 2006,BT,p3161. Voir au contraire : consentement du chargeur necessaire en cas de navire‬‬ ‫‪specialize si le conteneur est ouvert :Cass 7 fev. 2006, BT 2006 , p.3117.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪115‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫طاملا توافرت أركان اخلطأ فليس على اﶈكمة أن تبحث عما إذا كان الناقل عنده نية إحداث الضرر‬ ‫من عدمـه ‪.‬‬ ‫ونعيب على موقف القضاء الفرنسي مساواته بني خطأ الناقل الذي يشحن البضائع على السطح‬ ‫بدون موافقة الشاحن وخطأ الناقل الذي ال يخطر الشاحن بلحظة الشحن بالرغم من حصوله‬ ‫على موافقته الكتابية ‪ .‬ونرى أنه طاملا وافق الشاحن على هذا النوع من الشحن فإن التزام الناقل‬ ‫بإخطار الشاحن حلظة الشحن ليست له أهمية‪ ،‬وذلك ألن الشاحن قد وافق على الشحن على‬ ‫السطح بكل ما يحمله من مخاطر ‪.‬‬ ‫وإذا كان االلتزام بإخطار الشاحن بلحظة الشحن أمرا هاما لتمكني الشاحن من التأمني على‬ ‫البضائع ضد اجملاطر التي يؤدي إليها هذا النوع من الشحن ‪ ،30‬إال أنه ال يجب االعتداد بهذا االلتزام‬ ‫في جميع األحوال بدون متييز؛ فيجب أن نفرق في هذا الشأن بني موافقة الشاحن وإذن الشاحن‬ ‫للناقل بالشحن على السطح ‪ .‬فإذا كان سند الشحن يحتوى على عبارة " يجوز للناقل شحن‬ ‫البضائع على السطح " فإن ذلك يعتبر مجرد رخصة من الشاحن للناقل بالشحن على السطح‬ ‫يجوز للناقل استعمالها أو عدم استعمالها ‪ .‬أما إذا كان سند الشحن ينص صراحة على الشحن‬ ‫على السطح بعبارة " سوف يتم شحن البضائع على السطـح " مثال ووقع عليها الشاحن فإن‬ ‫ذلك يعتبر اتفاقا صريحا بني الناقل والشاحن على النقل على السطح ‪ .‬وفى احلالة األولى‪ ،‬أي حالة‬ ‫ترخيص الشاحن للناقل بالنقل على السطح‪ ،‬فال اعتراض على موقف القضاء الفرنسي الذي‬ ‫يتطلب إخطار الناقل للشاحن حلظة الشحن‪ .‬فالشاحن في هذه احلالة ال يعلم ما إذا كان الناقل‬ ‫سوف يستعمل هذه الرخصة أم ال‪ ،‬وبالتالي يتعني على الناقل إخطاره بلحظة الشحن حتى يؤمن‬ ‫الشاحن على البضائع إن احتاج األمر لذلك ‪ .‬أما إذا كان الشاحن قد أعطى موافقته الصريحة على‬ ‫الشحن على السطح بكل ما يحمله ذلك من مخاطر فليس هناك ما يدعو الناقـل إلى إخطـار‬ ‫الشاحـن حلظـة الشحـن ‪ .‬ومبا أن الشاحن يعلم متام العلم أن البضائع سوف تشحن على السطح‬ ‫‪ ،31‬فكان عليه التأمني على البضائع مبجرد توقيعه على سند الشحـن ‪.‬‬ ‫‪ -23‬وتكمن أهمية هذه التفرقة بني موافقة الشاحن وبني ترخيصه للناقل بالشحن على السطح ‪،‬‬ ‫في األثر املترتب على مسئولية الناقل ‪ . 32‬ونرى أنه إذا لم يخطر الناقل الشاحن – في حالة موافقة‬ ‫الشاحن على الشحن على السطـح – فإن ذلك ال يجب أن يكون سببا في انعقاد مسئولية الناقل‬ ‫إال إذا كان قد مت االتفاق على إخطار الشاحن حلظة الشحن ولم ينفذ الناقل هذا الطلب ‪ .‬وفي هذه‬ ‫احلالة تنعقد مسئولية الناقل ليس ارتكازا على إخالله بالتزامه باحلصول على موافقة الشاحن‬ ‫ولكن ارتكازا على عدم احترامه لتعليمات الشاحـن ‪ .‬ومن ثم نرى أنه‪ -‬في هذه احلالة ‪ -‬ال يجب‬ ‫حرمان الناقل من االستفادة من الشروط اخلاصة باملسئولية ألن ذلك اخلطأ ليس باخلطأ اجلسيم‬ ‫‪-29‬‬ ‫‪-31‬‬ ‫‪-31‬‬ ‫‪-32‬‬

‫‪116‬‬

‫‪Cass18 Janv.1994,B.T.1994,P.332‬‬ ‫انظر في ذلك د‪ .‬كمال حمدي ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬فقرة ‪ ،939‬ص ‪ ،214‬د‪ .‬على جمال الدين عوض‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬ ‫فقرة ‪.492‬‬ ‫ميكن للشاحن معرفة ما إذا كان الناقل سيشحن البضائع على السطح أم في العنابر من خالل أجرة النقل‬ ‫حيث إن أجرة نقل البضائع على السطح أقل ( أو هكذا يجب أن تكون) من أجرة نقل البضائع داخل العنابر‪.‬‬ ‫املقصود هنا األثر املترتب على مسئولية الناقل البحري في كل من القانونني املصري والفرنسي‪ ،‬دون القانون‬ ‫اإلماراتي الذي سوف نعرض له فيما بعد ‪ ،‬نظرا الختالف أحكامه املتعلقة بالنقل على السطح ‪.‬‬ ‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫ولكنه مجرد إهمال في إخطار الشاحن بأن اخلطر الذي تتعرض له البضائع من جراء الشحن على‬ ‫السطح قد أصبح فعليا ‪.‬‬ ‫‪ -24‬أما موقف القضاء نحو مسئولية الناقل في حالة ما إذا كانت موافقة الشاحن غير مكتملة‬ ‫الشروط ‪ ،‬كأن يكون مثال الشرط اخلاص بالشحن على السطح مكتوبا بطريقة غير واضحة ‪ ،‬أو مت‬ ‫تإضافته بعد توقيع الشاحن‪ ، 33‬فهو محل تقدير ألن موافقة الشاحن في هذه احلالة تعتبر منعدمة‪.‬‬ ‫فإذا كان األمر كذلك فإنه من الطبيعي مساءلة الناقل عن تعريضه أموال الغير للخطر بسبب‬ ‫شحنه البضائع من تلقاء نفسه على السطح ‪ ،‬و يجوز حرمانه من االستفادة من شروط حتديد‬ ‫املسئولية ‪ .‬ونعتقد أن هذا هو ما يفسر موقف محكمة النقض الفرنسية‪ 34‬عندما قضت بأنه ال‬ ‫داعي للتفرقة بني اخلطأ البسيط واخلطأ اجلسيم ‪ ،‬حيث إن اﶈكمة قد رأت أن اجملاطرة التي أخذها‬ ‫الناقل من تلقاء نفسه بشحنه البضائع على السطح بدون موافقة الشاحن تعتبر في حد ذاتها‬ ‫من اجلسامة بحيث إنها حترمه من االستفادة من شروط حتديد املسئولية ‪.‬‬ ‫وميكن القياس على هذه احلالة ؛ حالة حصول الناقل على مجرد إذن من الشاحن بالشحن على‬ ‫السطح ؛ فالشاحن في هذه احلالة يكون قد أعطى بهذا اإلذن مجرد رخصة للناقل بالشحن على‬ ‫السطح ولكنه ال يعلم ما إذا كان الناقل سوف يستعمل هذه الرخصة أم ال حتى يبدأ في التأمني‬ ‫على البضائع من مخاطر الشحن على السطح ‪ .‬وبناء عليه إذا لم يخطر الناقل الشاحن بأن‬ ‫البضائع سوف تشحن فعال على السطح فإن ذلك يعد سببا حلرمانه من االستفادة من شروط‬ ‫حتديد املسئولية ‪ ،‬ألنه بذلك يكون قد تصرف من تلقاء نفسه وعرَض البضائع للخطر بدون احلصول‬ ‫على موافقة الشاحن وبدون إعطائه الفرصة للتأمني على بضائعه ‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬ ‫الشحن املستوفي لشرط احلصول على موافقة الشاحن‬

‫‪ -25‬إذا قام الناقل بشحن البضائع على السطح في األحوال التي قررها القانون أو ذكر فى سند‬ ‫الشحن أن البضائع مشحونة على السطح فإن ذلك ال يقوم بذاته سببا إلعفائه من املسئوليـة عن‬ ‫هالك أو تلف البضائــــع ؛ فالناقل يبقى ملزما بتسليم البضائع سليمة وفي الوقت املتفق عليه‬ ‫إلى مكان الوصول ‪ ،‬وموافقة الشاحن على النقل على السطح ليست مبررا ليسلك الناقل سلوكا‬ ‫شائنا يؤدي إلى اإلضرار بالبضائـع ‪.‬‬ ‫فعندما يرتكب الناقل خطأ بسيطا في تنفيذ مهمته فإن حقه فى االستفادة من شروط حتديد‬ ‫املسئولية املدرجة في سند الشحن ال يسقط ‪ ،‬شريطة أن تكون هذه الشروط قد منت إلى علم‬ ‫موكله وقبل بها ‪ .‬وال يختلف األمر كثيرا إذا ما ارتكب الناقل خطأ جسيما ‪ ،‬فاملواد ‪ 241‬فقرة ‪ 1‬و‬ ‫‪235‬فقرة ‪ 3‬من قانون التجارة البحرية املصري واملادة ‪ 29‬فرنسي التي تتطرق للحاالت التي يحرم‬ ‫فيها الناقل من حتديد املسئولية لم تستخدم مصطلح اخلطأ اجلسيم ‪ .‬ووفقا للمادة ‪ 241‬من‬ ‫القانون البحري املصري‪ " :‬ال يجوز للناقل التمسك بتحديد مسئوليته عن هالك البضائع أو تلفها‬ ‫أو تأخير تسليمها إذا ثبت أن الضرر نشأ عن فعل أو امتناع صدر منه أو من نائبه أو من أحد تابعيه‬ ‫‪Rouen7Sept.1995,Préc -33‬‬ ‫‪Cass.18 janv.1994 , prec. -34‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪117‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫بقصد إحداث الضرر أو بعدم اكتراث مصحوب بإدراك أن ضررا ميكـن أن يحدث ‪ " .‬كما تنص املادة‬ ‫‪ 235‬فقرة ‪ 3‬من القانون البحري املصري على أنه " ال يجوز لتابع الناقل التمسك بتحديد املسئولية‬ ‫إذا ثبت أن الضرر نشأ عن فعل أو امتناع بقصد إحداث الضرر أو بعدم اكتراث مصحوب بإدراك أن‬ ‫ضررا ميكن أن يحدث ‪ " .‬ووفقا للمادة ‪ 29‬فرنسي ‪:‬‬ ‫‪“Le transporteur ne peut invoquer le bénéfice de la limitation de sa responsabilité, prévue‬‬ ‫‪aux premier et deuxième alinéas du présent article :a) S'il est prouvé que le domaine‬‬ ‫‪résulte de son fait ou de son omission personnels commis avec l'intention de provoquer‬‬ ‫‪un tel dommage, ou commis témérairement et avec conscience qu'un tel dommage en‬‬ ‫”‪résulterait probablement ….‬‬ ‫ومن املعلوم أن اصطالح اخلطأ اجلسيـم لم تستخدمـه أي من االتفاقيـات الدوليـة ألن لـه مدلوالت‬ ‫تختلف من نظـام قانوني إلى آخــر ‪ ،‬وهو األمر الذي اختلفت بصدده اﶈاكـم ‪ ،‬إلى أن قضت‬ ‫محكمــة النقض املصرية في حكميـن متتاليني لهـا بجواز استفادة الناقل من حتديد املسئولية‬ ‫في حالة اخلطأ اجلسيم‪ . 35‬كمـا قضت حديثا محكمة النقض الفرنسية ‪ 36‬بحكم مشابه تطبيقا‬ ‫للمادة ‪ 28‬من القانون الفرنسي ‪ 18‬يونيو لسنة ‪ 1966‬و التى تنص على أن الغش‪ _ 37‬وليس اخلطأ‬ ‫اجلسيم ‪ -‬هو الذي يحرم الناقل من االستفادة من الشروط اخلاصة باملسئولية في حالة الشحن‬ ‫على السطح‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للمشرع اإلماراتي فهو يعتنق نظاما قانونيا مختلفا عن نظيره فـي كـل مـن القـانون‬ ‫البحري املصري والفرنسي بنصه ‪ ،‬في املادة ‪ 294‬منه ‪ ،‬على أن النقل على السطح مبوافقة الشاحن‬ ‫والذي يتم فعال بهذه الطريقة يخرج من نطاق تطبيق القانون البحري ويخضـع للقواعـد العامـة ‪.‬‬ ‫وبناء عليه ال تنطبق أحكام املادة ‪ 292‬التي تتعرض للتحديد القانوني للمسئولية على النقل الذي‬ ‫يتم فعال على سطح السفينة مبوافقة الشاحن ‪ ،‬وبالتالي إذا شحن الناقل البضـائع علـى سـطح‬ ‫السفينة مبوافقة الشاحن وأصابها ضرر ‪ ،‬يكون له أن يدرج في عقد النقل البحري شروط إعفاء من‬ ‫املسئولية أو حتديد املسئولية بأقل من التحديد القانوني ملسئولية الناقل البحري الذي ينص عليـه‬ ‫القانون التجاري البحري اإلماراتي ‪.‬‬

‫‪ -35‬محكمة النقض املصرية‪ ،‬طعن رقم ‪ 124‬جلسة ‪ 1821/2/11‬املكتب الفني سنة‪ ، 11‬س ق ‪ ، 25‬ص ‪.129‬‬ ‫محكمة النقض املصرية‪ ،‬طعن رقم ‪ 528‬جلسة ‪ ، 1821/2/22‬املكتب الفني سنة‪ ، 12‬س ق ‪ ، 25‬ص ‪. 559‬‬ ‫محكمة النقض املصرية‪ ،‬طعن رقم ‪ 211‬جلسة ‪ ، 1821/11/8‬املكتب الفني سنة ‪ ، 12‬س ق ‪ ، 25‬ص ‪. 292‬‬ ‫محكمة النقض املصرية‪ ،‬طعن رقم ‪ ، 528‬جلسة ‪ ، 1895/5/22‬املكتب الفني سنة ‪ ، 22‬س ق ‪41‬ص ‪. 1199‬‬ ‫إنظر ملزيد من التفاصيل ‪ :‬د‪ .‬كمال حمدي‪ ،‬املرجع السابق فقرة ‪ 922‬وما بعد ص ‪.239‬‬ ‫‪Cass 24 mai 1994 , préc .Cass 11 Mars 1960 D.1960, p.227 , note RODIERE -36‬‬ ‫وانظر في أثر خطأ الناقل على مسئوليته ‪:‬‬ ‫‪A. CHAO, “ Transport en pontée , Incidence des fautes du transporteur sur sa resoponsabilité”, B.T. 1995,‬‬ ‫‪P. 709.‬‬ ‫‪ -37‬تعديل املادة ‪ 29‬بقانون ‪ 23‬ديسمبر ‪ 1892‬الفرنسي لم يغير شيئا فيما يخص آثار اخلطأ اجلسيم على‬ ‫مسئولية الناقل‪ .‬فى املقابل أضافت هذه املادة اخلطأ غير املغتفر كحالة جديدة إلعفاء الناقل من املسئولية ‪.‬‬ ‫‪118‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫املبحث الثاني‬ ‫ضرورة التفرقة بني الشحن‬ ‫على سطح السفن التقليدية والشحن على السفن املتخصصة‬

‫‪ -22‬تتعرض البضائع كما سبق وذكرنا إلى مخاطر عديدة وهى مشحونة على سطح السفينة ‪،‬‬ ‫وهو األمر الذي دعا املشرع إلى اشتراط حصول الناقل على موافقة الشاحن قبل ممارسة هذا النوع‬ ‫من الشحن ‪ .‬وبالرغم من أن كال من القانون التجاري البحري اإلماراتي وقانون التجارة البحرية‬ ‫املصري قد مت تعديلهما ‪ ،‬إال أن هذه التعديالت لم تواكب التطور الذي حدث في عالم السفن التي‬ ‫أصبحت في الغالب سفنا متطورة ومتخصصة في نقل البضائع وهى مشحونة على السطح في‬ ‫حاويات يتم تثبيتها على سطح السفينة فتصبح جزءا ال يتجزأ منها‪.‬‬ ‫أما القضاء فهو لم يغفل هذا التغيير بل ساير التطور الذي حدث في عالم النقل فأصبح يفرق بني‬ ‫شحن البضائع على سطح السفن التقليدية وشحنها على السفن املتخصصة‪.‬‬

‫املطلب األول‬ ‫الشحن على السفن التقليدية‬

‫‪ -29‬ويقصد بالسفن التقليدية السفن املعدة لشحن البضائع العادية بصورة أساسية والبضائع‬ ‫اﶈواة بصورة استثنائية‪ .‬وتقضي اﶈاكم مبسئولية الناقل إذا قام بشحن البضائع على سطح‬ ‫السفينة بدون احلصول على موافقة الشاحن‪ 38‬أو إذا قام بإضافة كلمة ‪ shipped on deck‬بعد‬ ‫توقيع الشاحن على سند الشحن‪.39‬‬ ‫و بسبب حتوية البضائع ‪ ،‬جلأ الناقلون في فرنسا إلى إدراج شرط عام فى سند الشحن يسمح لهم‬ ‫بشحن البضائع على السطح بدون موافقة الشاحن ‪Cargo and stowage – Deck stowage of‬‬ ‫‪ containers‬مصحوبا بشرط خاص يقضي بعدم مسئولية الناقل في حالة هالك أو تلف البضائع ‪،‬‬ ‫وهو األمر الذي يعني أن الشحن على السطح يتم حتت مسئولية الشاحن‪ .‬ويقف القضاء الفرنسي‬ ‫موقفا متشددا في حكمه على هذه الشروط ‪ ،‬فقد قضت محكمة النقض الفرنسية‪ 40‬بأنه‬ ‫بالرغم من صحة الشرط اخلاص بالشحن على السطح بدون موافقة الشاحن إال أن ذلك ال يعفي‬ ‫الناقل من إخطار الشاحن بذلك حلظة شحن البضائع فعال على السطح ‪ ،‬وبناء عليه حرمته‬ ‫اﶈكمة من االستفادة من شروط اإلعفاء من املسئولية ‪.‬‬ ‫‪ -29‬و بهدف التحرر من االلتزام بإخطار الشاحن بلحظة الشحن ‪ ،‬جلأ الناقلون إلى إدراج شرط‬ ‫يستطيعون مبوجبه الشحن على السطح " بدون إخطار الشاحن" ‪ .‬وقد قضت محكمة النقض‬ ‫الفرنسية بصحة هذا الشرط‪ 41‬وأيدها في ذلك روديير‪ 42‬الذي يرى أن هذا الشرط يعفى الناقل من‬ ‫إخطار الشاحن حلظة الشحن‪.‬‬

‫‪-38‬‬ ‫‪-39‬‬ ‫‪-41‬‬ ‫‪-41‬‬

‫‪Paris 1er Oct. 1986, B.T. 1986, P. 661, Aix- en – provence 22 Fév 1985, B.T. 1986, P. 154‬‬ ‫‪Rouen 7Sept 1995 B.T.1995 ,P,732‬‬ ‫‪Cass18Janv,1994,B.T.1994,P.332‬‬ ‫‪Cass16Nov.1965,D.M.F.1965,P.269‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪119‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬وبالرغم من موقف محكمة النقض قضت محكمة استئناف‪ Aix 43‬في حكم الحق‬ ‫ﶈكمة النقض بأنه إذا كان القبطان أو مستأجر السفينة لهم حرية اتخاذ القرار في شحن‬ ‫البضائع على السطح بدون موافقة الشاحن فإن شرط " الشحن بدون إخطار الشاحن " ‪ ،‬ال‬ ‫يعطيهم احلق في عدم إخطار الشاحن ‪ .‬وأضافت اﶈكمــة أن ذلك األمر يسري على الناقل أيضا ‪،‬‬ ‫وقضت بأنه حتى إذا كان سنـد الشحـن يحتـوي على شـرط " الشحن بدون إخطار الشاحـن " فإن‬ ‫ذلك ال يعفي الناقل من إخطار الشاحنب حلظة الشحن ‪.‬‬ ‫ونرى أن موقف القضاء الفرنسي متشدد بعض الشيء حيث إنه يبقى الناقل ملزما بإخطار‬ ‫الشاحن حلظة الشحن الفعلي حتى إذا كان الشاحن قد أعطى موافقته على الشحـن على‬ ‫السطح ‪ .‬ومنعا للتكرار سنكتفي هنا باإلشارة إلى أن لنا بعض املالحظات على موقف القضاء‬ ‫الفرنسي في هذا الصدد‪ ،‬وأننا سوف نعرض لها بالتفصيل عند دراسة األثر الذي يرتبه احلصول على‬ ‫‪44‬‬ ‫موافقة الشاحن على مسئولية الناقل‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬ ‫الشحن على السفن املتخصصة‬

‫‪ -28‬السفن املتخصصة ‪ Purpose built containers ships‬هي سفن احلاويات املعدة خصيصا لنقل‬ ‫احلاويات أي تلك التي مت حتويلها من سفن بضائع عامة وسفن صهاريج إلى سفن حاويات‪ ،‬أو تلك‬ ‫التي بنيت أصال لتكون سفن حاويات‪.‬‬ ‫ويراعى في تصميم هذه السفن إمكانية نقل ما يتراوح بني ‪ 25‬و ‪ 40 %‬من حمولتها على السطح‬ ‫‪ ،45‬كما يصمم هيكلها بحيث يقلل من ضغط املياه على بدن السفينة وحمولتها ‪ ،‬فضال عن أنه‬ ‫يتم تزويدها بخزانات لتقليل متايل السفينة ‪ ،‬كما يتم تزويد أسطحها مببايت ومساكات لتثبيت‬ ‫احلاويات على سطحها بحيث تصبح احلاويات جزءا من بدن السفينة ‪ ،‬مما يقل معه إلى حد بعيد‬ ‫احتمال سقوط احلاويات فى البحر فيتوافر لها احلماية والسالمة الكافيـة‪.‬‬ ‫وكان من املفروض أن تواكب النصوص التشريعية هذا التطور الهائل الذي حدث في صناعة السفن‬ ‫‪ ،‬إال أن املشرع املصري‪ 46‬ونظيره اإلماراتي‪ 47‬وكذلك قواعد هامبورج ‪ 48‬لم يأخذوا هذا التطور في عني‬ ‫االعتبار واكتفوا مبعاجلة مسألة جواز الشحن على السطح من عدمه بالشروط التي أوضحناها‬ ‫انظر في اختالف اﶈاكم حول ضرورة إخطار الشاحن د‪ .‬عبد الرحمن سليم "شروط اإلعفاء من املسئولية " رسالة‬ ‫دكتوراه ‪ ، 1855‬ص ‪195‬‬ ‫‪R.RODIERE, “Affrètement et transports.” T.II op cit. no 523 -42‬‬ ‫‪Aix 18 Juin 1985, D.M.F. 1986, P. 740, note R. ACHARD. -43‬‬ ‫‪ -44‬فقرة رقم ‪ 25‬وما بعد ‪.‬‬ ‫‪ -45‬فالعنابر في هذه السفن مصممة على شكل خاليا ذات مقاسات منطية متناسبة مع مقاسات احلاويات‪ ،‬أما‬ ‫السطح فهو مصمم خصيصا الستقبال احلاويات وتثبيتها مبساكات وعراوي وتوصيالت كهربائية لتزويد‬ ‫احلاويات املبردة بالتيار الكهربائي الالزم لها‪ .‬انظر في هذا الشأن د‪ .‬إبراهيم مكي " النقل بأوعية الشحن " ‪ ،‬دار‬ ‫القبس ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 1895 ،‬فقرة ‪ 54‬وما بعد ص ‪ .45‬د‪ .‬فاروق ملش " النقل املتعدد الوسائط " ‪،‬‬ ‫األكادميية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري ‪ ، 1882 ،‬ص ‪.242‬‬ ‫‪ -46‬املادة ‪ 212‬من قانون التجارة البحرية املصري ‪.‬‬ ‫‪ -47‬املادة ‪ 293‬من القانون التجاري البحري اإلماراتي ‪.‬‬ ‫‪ -48‬املادة ‪ 8‬من قواعد هامبورج ‪.‬‬ ‫‪120‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫أعاله لتبقى القاعدة هي احلصول على موافقة الشاحن كشرط أساسي لصحة الشحن على‬ ‫السطح‪ ،‬وذلك دون متييز بني ما إذا كان الشحن قد مت على سفن تقليدية أو متخصصة‪. 49‬‬ ‫‪ -31‬وقد متيز التشريع الفرنسي مبسايرته للتطور الذي حدث في مجال صناعة السفن ومدى تأثيره‬ ‫في احلد من اجملاطر التي تواجه البضائع وهى مشحونة على السطح ‪ .‬فقد مت تعديل نصوص قانون‬ ‫‪18‬يونيو لعام ‪ 1966‬بالقانون رقم ‪ 79- 1103‬بتاريخ ‪ 21‬ديسمبر لعام ‪ 1979‬الذي ينص في املـادة ‪22‬‬ ‫منـه على اعتبار أن " موافقة الشاحن مفترضة في حالة شحن احلاوية على سطح السفينة‬ ‫اﺠﻤﻟهزة خصيصا لهذا النوع من النقل "‪.‬‬ ‫وعلى الصعيد الدولي تتميز اتفاقية األمم املتحدة املتعلقة بعقود النقل الدولي للبضائع عن طريق‬ ‫البحر كليا أو جزئيا لعام ‪ 2118‬املعروفة " بقواعد روتردام " عن قواعد هامبورج بحرصها على األخذ‬ ‫في عني االعتبار ظهور السفن املتخصصة في شحن البضائع على السطح ‪ .‬فتنص االتفاقية في‬ ‫املادة ‪ 25‬فقرة ‪50 1‬على أنه ال يجوز نقل البضائع على سطح السفينة إال إذا "‪ ......‬نقلت البضائع في‬ ‫حاويات أو عربات مهيأة للنقل على سطح السفينة ‪ ،‬أو فوق تلك احلاويات أو العربات‪ ،‬وكان السطح‬ ‫مهيأ خصيصا لنقل تلك احلاويات أوالعربات "‪ .‬وميكننا االستنتاج من هذا النص أن اتفاقية روتردام‬ ‫تأخذ في عني االعتبار قلة اجملاطر البحرية التي تقدمها السفن املتخصصة وجتيز ‪ -‬بناء على ذلك ‪-‬‬ ‫النقل على السطح دون احلصول على موافقة الشاحن إذا ما كانت البضائع محواة ومت نقلها على‬ ‫مثل هذا النوع من السفن ‪.‬‬ ‫ويؤدى تطبيق كل من نص املادة ‪ 22‬من القانون الفرنسي واملادة ‪ 25‬من اتفاقية روتردام ( إذا دخلت‬ ‫حيز النفاذ ) إلى انقالب عبء اإلثبات؛ فبدال من اشتراط احلصول على موافقة الشاحن قبل الشحن‬ ‫على السطح تصبح هذه املوافقة مفترضة ‪ ،‬وعلى الشاحن الذي ال يريد شحن بضائعه على‬ ‫السطح أن يعترض على ذلك‪. 51‬‬

‫‪ -49‬انظر في ذلك ‪ :‬حكومة دبي | محكمة التمييز ‪ -‬األحكام املدنية ‪ ،‬الطعن رقم ‪ 151 :‬لسنة ‪ 2114 :‬قضائية‬ ‫بتاريخ ‪ 2114-11-29:‬والذي قضت فيه اﶈكمة أن " من املقرر في قضاء هذه اﶈكمة أن القانون التجاري البحري‬ ‫لم ينص على أحكام خاصة بالنسبة للنقل باحلاويات ومن ثم فإن النقل بهذه الطريقة ال يغير من أحكام‬ ‫مسئولية الناقل في هذا اخلصوص"‪.‬‬ ‫‪ " -51‬ال يجوز نقل البضائع على سطح السفينة إال‪( :‬أ)إذا اقتضى القانون ذلك النقل ؛ أو (ب) إذا نقلت البضائع في‬ ‫حاويات أو عربات مهيأة للنقل على سطح السفينة‪،‬أو فوق تلك احلاويات أو العربات‪ ،‬وكان السطح مهيأ‬ ‫خصيصا لنقل تلك احلاويات أو العربات ؛ أو (ج) إذا كان النقل على سطح السفينة متوافقا مع عقد النقل أو‬ ‫العادات أو األعراف أو املمارسات اجلارية في املهنة املعنية"‪.‬‬ ‫‪ -51‬إال أن جتاهل التشريعات األخرى ملسألة ظهور السفن املتخصصة لم مينع القضاء األمريكي واإلجنليزي من‬ ‫مجاراة هذا التطور وترجمة آثاره على أحكامهم القضائية املتعلقة مبسئولية الناقل في حالة الشحن على‬ ‫سطح السفن املتخصصة بدون موافقة الشاحن‪ .‬انظر في ذلك ‪:‬‬ ‫قضية ‪January 1, 1974, American Maritime Cases 1974-67. Mormacvega‬‬ ‫وقضية‪Houlden & Co. Itd. V.ss.Red Jacket .ETAL United States Destract Port Red Jacket‬‬ ‫‪Southen Directed, of New York , May 10 , 1977 , A.M.C. p.1382.‬‬ ‫وقضية ‪، December 6 , 1984 , AMC, 1985, p.1606.ELECTRO-TEC Corporation‬‬ ‫وقضية ‪Lloyd's Rep. 1982, Vol. 1, 606, Nea Tyhi‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪121‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫الباب الثاني‬ ‫تعدد االشكاليات عند التعويض عن الضرر‬

‫‪ -31‬وضع كل من املشرع الوطني والدولي حدودا قصوى للتعويض الذي يدفعه الناقل في حال ثبوت‬ ‫مسئوليته‪ .‬ويهدف املشرع من ذلك إلى حماية الناقلني حتى ال يعجزوا عن مواصلة نشاطهم‬ ‫وتطويره‪ ،‬وهو األمر الذي قرر من أجله تطبيق احلد األقصى للتعويض على مسئولية الناقل أيا كان‬ ‫نوعها؛ أي سواء كانت ناجتة عن هالك البضائع أو تلفها أو التأخير في تسليمها‪.‬‬ ‫ونظرا لتطور طرق تغليف البضائع التي أصبحت تشحن في الغالب في حاويات بعد أن كانت يتم‬ ‫تعبأتها في طرود عادية ‪ ،‬حرص املشرع على التفرقة بني طريقة حساب التعويض في احلالتني ‪ ،‬وهو‬ ‫األمر الذي ال يثير جدال في احلالة الثانية‪ ،‬إال أنه يشكل اشكالية في احلالة األولى ‪ .‬وبناء عليه سوف‬ ‫نعرض في فصل أول حلساب التعويض في حالة شحن البضائع املغلفة تغليفا عاديا أو تقليديا (‬ ‫الفصل األول ( وفي فصل ثان حلساب التعويض في حالة شحن البضائع اﶈواة ) الفصل الثاني ( ‪.‬‬

‫الفصل األول‬ ‫حساب التعويض‬ ‫في حالة البضائع املغلفة تغليفا تقليديا‬

‫‪ -32‬مبا أنه ال جدال في تطبيق احلد األقصى للتعويض عند نقل البضائع املغلفة تغليفا تقليديا‬ ‫على السطح‪ ،52‬فسوف تقتصر الدراسة في هذا الفصل على القواعد العامة التي حتكم التعويض‬ ‫‪ .‬ومن ثم سوف نعرض لبيان نطاق تطبيق احلد األقصى للتعويض من جهة ‪ ،‬و األحوال املستثناة‬ ‫من نطاق تطبيق احلد األقصى للتعويض من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪ -52‬تنص املادة ‪ 292‬من القانون التجاري البحري اإلماراتي على أن " ‪ -1‬حتدد مسئولية الناقل في جميع األحوال عن‬ ‫الهالك أو التلف الذي يلحق بالبضائع مبا ال يجاوز عشرة آالف درهم عن كل طرد أو وحدة اتخذت أساسا في‬ ‫حساب األجرة أو مبا ال يجاوز ثالثني درهما عن كل كيلوجرام من الوزن االجمالي للبضاعة‪ ،‬ويؤخذ باألعلى من‬ ‫احلدين "‪ .‬وتنص املادة ‪ 233‬من قانون التجارة البحرية املصري على أن " ‪ -1‬حتدد املسئولية أيا كان نوعها عن‬ ‫هالك البضائع أو تلفها مبا ال يجاوز ألفى جنية عن كل طرد أو وحدة شحن أو مبا ال يجاوز ستة جنيهات عن كل‬ ‫كيلو جرام من الوزن اإلجمالي للبضاعة ‪ ،‬أي احلدين أعلى ‪".‬‬ ‫‪122‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫املبحث األول‬ ‫نطاق تطبيق احلد األقصى للتعويض‬

‫‪ -33‬ينقسم نطاق تطبيق احلد األقصى للتعويض إلى نطاق مادي و نطاق شخصي‪.‬‬

‫املطلب األول‬ ‫النطاق املادي‬ ‫لتطبيق احلد األقصى للتعويض‬

‫‪ -34‬يقصد بالنطاق املادي لتطبيق احلد األقصى للتعويض نوع املسئولية ونوع الضرر الذي يستحق‬ ‫معه الناقل االستفادة من هذا احلد ‪.‬‬ ‫وفي هذا الشأن تنص كل من املادة ‪ 292‬فقرة ‪1‬من القانون التجاري البحري اإلماراتي و املادة ‪233‬‬ ‫فقرة ‪ 1‬من قانون التجارة البحرية املصري واملادة ‪ 29‬من القانون الفرنسي على استفادة الناقل من‬ ‫احلد األقصى للتعويض في جميع حاالت املسئولية؛ أي سواء كانت املسئولية عقدية أو تقصيرية أو‬ ‫خالف ذلك‪ ،‬وذلك بنصهم على أن " حتدد مسئولية الناقل في جميع األحوال ‪ ( "....‬املادة ‪ 1-292‬من‬ ‫القانون اإلماراتي) أو " أيا كان نوعها ‪ ( ".......‬املادة ‪ 1-233‬من القانون املصري)‪ .53‬وعلى النطاق الدولي‬ ‫تنص املادة ‪ 9‬فقرة ‪ 1‬من قواعد هامبورج صراحة على أن " تسري الدفوع وتبقى حدود املسؤولية‬ ‫املنصوص عليها في هذه االتفاقية ‪ ،‬في أي دعوى تقام على الناقل فيما يتعلق بهالك أو تلف‬ ‫البضائع املشمولة بعقد النقل البحري ‪ ،‬وكذلك فيما يتعلق بالتأخير في التسليم ‪ ،‬سواء كانت‬ ‫الدعوى على أساس املسؤولية التعاقدية أو على أساس املسؤولية التقصيرية أو خالف ذلك ‪".‬‬ ‫كما تكفلت جميع هذه النصوص ببيان احلد األقصى للتعويض بنصهم على أن " ‪ -1‬حتدد مسئولية‬ ‫الناقل في جميع األحوال عن الهالك أو التلف الذي يلحق بالبضائع مبا ال يجاوز عشرة آالف درهم عن‬ ‫كل طرد أو وحدة اتخذت أساسا في حساب األجرة‪ ،‬أو مبا ال يجاوز ثالثني درهما عن كل كيلوجرام من‬ ‫الوزن اإلجمالي للبضاعة ويؤخذ باألعلى من احلدين "‪ 1-292 ( .‬من القانون البحري اإلماراتي)‪ 54‬وعلى‬ ‫أن " حتدد املسئولية أيا كان نوعها عن هالك البضائع أو تلفها مبا ال يجاوز ألفي جنية عن كل طرد أو‬ ‫وحدة شحن أو مبا ال يجاوز ستة جنيهات عن كل كيلو جرام من الوزن اإلجمالي للبضاعة ‪ ،‬أي احلدين‬ ‫أعلى ‪ ( " .‬مادة ‪ 233‬فقرة ‪ 1‬من القانون البحري املصري )‪ ، 55‬وعلى أن " (أ) حتدد مسؤولية الناقل وفقا‬ ‫ألحكام املادة ‪ 5‬عن اخلسارة الناجتة عن هالك البضائع أو تلفها مببلغ يعادل ‪ 935‬وحدة حسابية عن‬ ‫كل طرد أو وحدة شحن أخرى أو ‪ 2.5‬وحدة حسابية عن كل كيلوغرام من الوزن القائم للبضائع‬ ‫يهلك أو يتلف ‪ ،‬أيهما أكبر‪( .‬ب) حتدد مسؤولية الناقل وفقا ألحكام املادة ‪ 5‬عن التأخير في التسليم‬ ‫‪ -53‬ينص القانون الفرنسي في املادة ‪ 29‬منه على أن ‪:‬‬ ‫" ‪La responsabilité du transporteur est limitée, pour les pertes ou dommages subis par les marchandises,……..‬‬

‫‪ -54‬ال يطبق هذا النص على حالة البضائع التي يذكر في سند الشحن أن شحنها يكون على سطح السفينة‬ ‫وتنتقل فعال بهذه الطريقة‪ ،‬بل تنطبق القواعد العامة‪.‬‬ ‫‪ -55‬ينص القانون الفرنسي في املادة ‪ 29‬على أنه‪:‬‬

‫‪La responsabilité du transporteur est limitée, pour les pertes ou dommages subis par les marchandises, aux montants fixés‬‬ ‫‪au a du paragraphe 5 de l'article 4 de la convention internationale pour l'unification de certaines règles en matière de‬‬ ‫"‪connaissement signée à Bruxelles le 25 août 1924, modifiée par le protocole signé à Bruxelles le 21 décembre 1979.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪123‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫مببلغ يعادل مثلي ونصف مثل أجرة النقل املستحقة الدفع عن البضائع املتأخرة ‪ ،‬على أال يتجاوز‬ ‫هذا املبلغ مجموع أجرة النقل املستحقة الدفع مبوجب عقد النقل البحري للبضائع ‪ ( " .‬مادة ‪ 2‬من‬ ‫قواعد هامبورج ) ‪.‬‬ ‫ومفاد هذه النصوص أن احلد األقصى للتعويض يسري على املسئولية بكل أنواعها أي على‬ ‫املسئولية العقدية أو التقصيرية أو خالف ذلك‪ ،‬وعلى جميع أنواع الضرر سواء كان الضرر ناجتا عن‬ ‫‪56‬‬ ‫هالك البضائع أو تلفها أو عن التأخير في تسليمهـا ‪.‬‬ ‫وجتدر اإلشارة في هذا اخلصوص إلى اختالف القانون البحري اإلماراتي عن نظيره املصري ‪ ،‬وعن‬ ‫اتفاقية هامبورج ؛ فوفقا لنص املادة ‪ 294‬من القانون اإلماراتي ‪ ،‬ال تنطبق األحكام اخلاصة مبسئولية‬ ‫الناقل البحري على نقل البضائع التي يذكر في عقد النقل أنها سوف تشحن على السطح وتنقل‬ ‫فعال بهذه الطريقة ‪ ،‬وهو األمر الذي ينتج عنه خضوع الناقل البحري للقواعد العامة للمسئولية‬ ‫التي تسمح له بإدراج شرط لتحديد املسئولية بأقل من التحديد القانوني الذي ينص عليه القانون‬ ‫التجاري البحري بالنسبة للناقل البحري‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬ ‫النطاق الشخصي لتطبيق احلد األقصى للتعويض‬

‫‪ -35‬يقصد بالنطاق الشخصي لتطبيق احلد األقصى للتعويض حتديد األشخاص املستفيدين من‬ ‫هذا احلد ‪.‬وفي ذلك حرص املشرع على مراعاة مصالح الناقل وذلك بتحقيقه استفادة حقيقية له‬ ‫من احلد األقصى للتعويض ‪ ،‬فمد سريان االستفادة من احلد األقصى للتعويض إلى تابعي الناقل‬ ‫وذلك حتى يقطع الطريق على املضرور في احلصول على تعويض لكامل الضرر من تابعي الناقل ‪.‬‬

‫الفرع األول‬ ‫الناقل‬

‫‪ -32‬تنص املادة ‪ 243‬فقرة ‪ 2‬من قانون التجارة البحرية املصري على أنه‪ " :‬لكل من الناقل املتعاقد‬ ‫والناقل الفعلي التمسك بتحديد املسئولية املنصوص عليها في الفقرة )‪ (1‬من املادة ‪ 233‬من هذا‬ ‫القانون وال يجوز أن يزيد ما يحصل عليه طالب التعويض من الناقل املتعاقد والناقل الفعلي على‬ ‫احلد األقصى املنصوص عليه في الفقرة املذكورة ‪" .‬‬ ‫كما تنص ذات املادة في فقرتها الثالثة على أنه ‪ " :‬وفي حالة النقل بسند شحن مباشر تسري‬ ‫األحكام املنصوص عليها في الفقرتني السابقتني على مسئولية الناقل األول الذي أصدر سند‬ ‫الشحن وعلى مسئولية الناقلني الالحقني له ‪ ،‬ومع ذلك يبرأ الناقل األول من املسئولية إذا أثبت أن‬ ‫احلادث الذي نشأ عنه هالك البضاعة أو تلفها أو تأخير وصولها وقع أثناء وجودها في حراسة ناقل‬ ‫الحق‪.‬‬ ‫‪ -56‬صحيح أن نص املادة ‪ 233‬من قانون التجارة البحرية لم يشر إلى حالة التأخير إال أن املادة ‪ 240‬من ذات القانون‬ ‫حظرت زيادة التعويض في حالة التأخير في تسليم البضائع عن احلد األقصى للتعويض املنصوص عليه في‬ ‫الفقرة األولى من املادة ‪ ، 233‬األمر الذي يستفاد منه أن احلد األقصى للتعويض يسري على حالة التأخير في‬ ‫تسليم البضائـع‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫أما القانون البحري اإلماراتي فهو ينص في املادة ‪ 292‬على أنه ‪ -1 " :‬للناقل أن يصـدر سـند شـحن‬ ‫مباشر يتعهد مبقتضاه بنقل البضائع إلى مكان معني على مراحل متتابعة‪ ،‬وفي هذه احلالة يسـأل‬ ‫الناقل عن جميع االلتزامات الناشئة عن السند إلى حني انتهاء النقل ويكـون مسـئوال عـن أفعـال‬ ‫الناقلني الالحقني له الذين يتسلمون البضائع ‪ -2 .‬وال يسأل كل من الناقلني الالحقني إال عن األضرار‬ ‫التي تقع أثناء قيامهم بنقل البضائع ‪".‬‬ ‫وتنص قواعد هامبورج في املادة ‪ 7‬فقرة ‪ 3‬على أنه ‪ " :‬باستثناء ما هو منصوص عليه في املادة ‪ ، 8‬ال‬ ‫يتعدى مجموع املبالغ التي ميكن استردادها من الناقل ومن األشخاص املشار إليهم في الفقرة ‪ 2‬من‬ ‫هذه املادة حدود املسؤولية املنصوص عليها في هذه االتفاقية ‪" .‬‬ ‫كما تنص املادة ‪ 10‬فقرة ‪ 2‬من قواعد هامبورج على أن‪ ":‬جميع أحكام االتفاقية املنظمة ملسؤولية‬ ‫الناقل تنطبق أيضا على الناقل الفعلي عن النقل الذي يقوم هو بتنفيذه ‪ ،‬وتسري أحكام الفقرتني‬ ‫‪ 3 ،2‬من املادة ‪ 7‬والفقرة ‪ 2‬من املادة ‪ 8‬إذا أقيمت دعوى على أحد مستخدمي أو وكالء الناقل الفعلي‬ ‫‪".‬‬ ‫وتنص ذات املادة في فقرتها الرابعة على أنه " ‪ :‬ال يتعدى مجموع املبالغ التي ميكن استردادها من‬ ‫الناقل والناقل الفعلي ومستخدميهما ووكالئهما حدود املسؤولية املنصوص عليها في هذه‬ ‫االتفاقية‪" .‬‬ ‫ومفاد هذه النصوص أن املستفيدين من احلد األقصى للتعويض هم ‪:‬الناقل املتعاقد‪ ،‬والناقل‬ ‫الفعلي‪ ،‬ومستخدم الناقل‪ ،‬ووكيل الناقل‪ .57‬كما يستفاد من النصوص أنه ال يجوز أن يزيد مبلغ‬ ‫التعويض الذي يحكم به على الناقل وغيره عما هو مقرر في املادة السادسة من االتفاقية ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‬ ‫تابعو الناقل‬

‫‪ -39‬تنص املادة ‪ 235‬فقرة ‪ 1‬من قانون التجارة البحرية املصري ‪ 58‬على أنه‪ " :‬إذا أقيمت دعوى‬ ‫املسئولية عن هالك البضائع أو تلفها على أحد تابعي الناقل جاز لهذا التابع التمسك بأحكام‬ ‫اإلعفاء من املسئولية وحتديدها بشرط أن يثبت أن اخلطأ الذي ارتكبه وقع حال تأدية وظيفتـه أو‬ ‫بسببهـا ‪" .‬‬ ‫واملقصود بتابعي الناقل هو كل من تربطه بالناقل عالقة تبعية ‪ .‬وتتحقق التبعية وفقا لنص املادة‬ ‫‪174‬من القانون املدني عندما يكون للمتبوع على التابع سلطة فعلية في الرقابة والتوجيه‪ ،‬مبعنى‬ ‫أن يكون للمتبوع سلطة إصدار أوامر للتابع يقابلها التزام التابع باالنصياع لهذه األوامـر ‪ .‬وال‬ ‫يشترط في هذه السلطة أن تكون دائمة ‪ ،‬إذ تتوافر عالقة التبعية حتى لو كانت هـذه السلطـة‬ ‫مؤقتـة ‪ ،‬ويكون احلال كذلك ولو كانت عالقة التبعية إجبارية ‪ .‬وقد اعتبرت محكمة النقض أن‬ ‫هناك عالقة تبعية بني الناقل واملرشد وذلك عندما قضت بأن " املرشد يعتبر أثناء قيامه بعملية‬ ‫إرشاد السفينة تابعا للمجهز ألنه يزاول نشاطه في هذه الفترة حلساب اﺠﻤﻟهز ‪ ،‬ويكون احلال كذلك‬ ‫‪ -57‬نؤكد على أن هذا النص ينطبق فقط في حالة شحن الناقل للبضائع على سطح السفينة بدون موافقة‬ ‫الشاحن ‪.‬‬ ‫‪ -58‬ال يوجد نص مماثل لهذا النص في قانون التجارة البحرية اإلماراتي‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪125‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫ولو كان اإلرشاد إجباريا ‪ ،‬وليس في هذا خروج على األحكام املقررة في القانون املدني في شأن‬ ‫مسئولية املتبـوع ‪ ،‬ذلك أن الفقرة الثانية من املادة ‪ 174‬مدني تقضي بأن رابطة التبعية تقوم ولو‬ ‫لم يكن املتبوع حرا في اختيار تابعه متى كانت له عليه سلطة فعلية في رقابته وتوجيهــه ‪،‬‬ ‫واﺠﻤﻟهﺰ ميارس سلطة الرقابة والتوجيه على املرشد بواسطة ربانه‪" .‬‬ ‫أما بالنسبة للمقاول البحري فبالرغم من أنه ليس من تابعي الناقل‪ 59‬إال أنه ميكنه االستفادة من‬ ‫احلد األقصى للتعويض وذلك اتباعا لنص املادة ‪ 151‬من قانون التجارة البحرية املصري التي تنص‬ ‫على أنه " ‪ :‬تسري على املقاول البحري أحكام حتديد املسئوليــة املنصوص عليهـا في املادة ‪233‬‬ ‫مـــن هـــذا القانــون ‪" .‬‬ ‫وفي ذلك يرى البعض – وهم على حق – أن نص املادة ‪ 151‬من قانون التجارة البحرية املصري يتضمن‬ ‫" خطأ فادحا "‪ ، 60‬إذ أن االستفادة من احلد األقصى للتعويض ال تتقرر إال حيث تكون قرينة‬ ‫املسئولية ‪ ،‬أما عندما يكون اخلطأ واجب اإلثبات فال مجال لالستفادة من احلد األقصى ‪ ،‬ومبا أن‬ ‫مسئولية املقاول البحري قائمة على إثبات اخلطأ فهو بال شك ال ميكنه االستفادة من احلد األقصى‬ ‫للتعويض‪.‬‬

‫املبحث الثاني‬ ‫األحوال املستثناة‬ ‫من نطاق تطبيق احلد األقصى للتعويض‬

‫‪ -39‬تنص املادة ‪ 241‬من قانون التجارة البحرية املصري على أنه‪ -1 " :‬ال يجوز للناقل التمسك‬ ‫بتحديد مسئوليته عن هالك البضائع أو تلفها أو تأخير تسليمها إذا ثبت أن الضرر نشأ عن فعل أو‬ ‫امتناع صدر منه أو من نائبه أو من أحد تابعيه بقصد إحداث الضرر أو بعدم اكتراث مصحوب بإدراك‬ ‫أن ضررا ميكن أن يحدث‪- 2 .‬ويفترض اجتاه قصد الناقل ‪ ،‬أو نائبه إلى إحداث الضرر في احلالتني اآلتيتني‬ ‫‪:‬أ ‪ -‬إذا أصدر سند الشحن خاليا من التحفظات مع وجود ما يقتضي ذكرها في السند وذلك بقصد‬ ‫اإلضرار بالغير حسن النية‪ .‬ب‪ -‬إذا شحن البضائع على سطح السفينة باجملالفة التفاق صريح‬ ‫يوجب شحنها في عنابر السفينة" ‪. 61‬‬ ‫وقد اكتفى القانون البحري اإلماراتي بالنص في املادة ‪ 292‬فقرة ‪ 3‬منه على أنه " ‪...‬ال يجوز للناقل‬ ‫التمسك في مواجهة الشاحن بتحديد املسئولية إذا قدم الشاحن بيانا قبل الشحن عن طبيعة‬ ‫البضائع وقيمتها وما يعلق على اﶈافظة عليها من أهمية خاصة وذكر هذا البيان في سند‬ ‫الشحن‪ .‬ويعتبر البيان املذكور قرينة على صحة القيمة التي عينها الشاحن للبضائع‪ ،‬ويجوز للناقل‬ ‫إثبات عكسها "‪ .‬وفي ذات اخلصوص تنص املادة ‪ 234‬من قانون التجارة البحرية املصري على أنه ‪" :‬‬ ‫ال يجوز للناقل التمسك في مواجهة الشاحن بتحديد املسئولية إذا قدم الشاحن بيانا قبل الشحن‬ ‫عن طبيعة البضائع وقيمتها وما يعلق على اﶈافظة عليها من أهمية خاصة وذكر هذا البيان في‬

‫‪ -59‬إنظر في ذلك د‪ .‬كمال حمدي " القانون البحري " فقرة ‪ 482‬وما بعد ‪ ،‬ص ‪.418‬‬ ‫‪ -61‬إنظر كمال حمدي ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬فقرة ‪ ، 528‬ص ‪. 433‬‬ ‫‪ -61‬ال يوجد نص مماثل لهذا النص في القانون التجاري البحري اإلماراتي ‪.‬‬ ‫‪126‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫سند الشحن ‪ .‬ويعد البيان املذكور قرينة على صحة القيمة التي عينها الشاحن للبضائع إلى أن‬ ‫يقيم الناقل الدليل على ما يخالفها ‪" .‬‬ ‫وبالنسبة للقانون الفرنسي فهو ينص في املادة ‪ 29‬على أنه ‪:‬‬ ‫‪“Le transporteur ne peut invoquer le bénéfice de la limitation de sa responsabilité, prévue‬‬ ‫‪aux premier et deuxième alinéas du présent article :…….. b) En cas de déclaration de‬‬ ‫‪valeur par le chargeur, insérée dans le connaissement et acceptée par le transporteur‬‬ ‫”‪;pareille déclaration fait foi à l'égard du transporteur, sauf preuve contraire de sa part.‬‬ ‫أما قواعد هامبورج فهي تنص في املادة الثامنة فقرة ‪ 1‬منها على أنه ‪ " :‬ال يحق للناقل االستفادة‬ ‫من حتديد املسئولية املنصوص عليه في املادة ‪ 6‬إذا ثبت أن الهالك أو التلف أو التأخير في التسليم‬ ‫قد نتج عن فعل أو تقصير من الناقل ارتكبه بقصد التسبب في هذا الهالك أو التلف أو التأخير أو‬ ‫ارتكب عن استهتار وعلم باحتمال أن ينتج عنه هذا الهالك أو التلف أو التأخير ‪" .‬‬ ‫ووفقا للفقرة الثانية من ذات املادة فإن مستخدم الناقل أو وكيله يحرم لذات االعتبار من االستفادة‬ ‫من احلد األقصى للتعويض املقرر للناقل البحري ‪.‬‬ ‫ومفاد هذه النصوص أن املشرع قد حدد احلاالت التي ال يستحق فيها الناقل أو تابعوه االستفادة من‬ ‫احلد األقصى للتعويض ‪ ،‬وهي وفقا لقانون التجارة البحرية املصري ‪ -1 :‬صدور فعل أو امتناع من‬ ‫الناقل أو من تابعيه بقصد إحداث الضـرر ‪ -2 ،‬عدم اكتراث الناقل أو تابعيه مع إدراكهـــم أن‬ ‫ضــررا ميكـن أن يحدث ( سوء السلوك اإلرادي ) ‪-3 ،‬تقدمي الشاحن بيانا قبل الشحن عن طبيعة‬ ‫البضائع وقيمتها وذكر هذا في سند الشحن ‪ ،‬في الوقت الذي اقتصر فيه القانون البحري اإلماراتي‬ ‫على احلالة األخيرة فقط ‪ .‬أما في قواعد هامبورج فإن الناقل البحري يحرم من االستفادة من احلد‬ ‫األقصى للتعويض في حالة وحيدة وهى سوء السلوك اإلرادي ‪ ،‬وذلك على عكس كال من قانون‬ ‫التجارة البحرية املصري والقانون التجاري البحري اإلماراتي املنصوص فيهما على حالة تقدمي‬ ‫الشاحن لبيان بطبيعة البضائع وقيمتها‪.62‬‬

‫املطلب األول‬ ‫سوء السلوك اإلرادي للناقل‬

‫‪ -38‬يعرف" سوء السلوك اإلرادي " بأنه تصرف الناقل أو امتناعه بقصد إحداث الضرر ‪ ،‬وكذلك عدم‬ ‫اكتراثه املصحوب بإدراك أن ضررا ميكن أن يحدث ‪ ،‬إذ أنه نوع من اإلهمال الذي ال يغتفر ألن القائم‬ ‫بالفعل أو املمتنع عن القيام به إمنا فعل ذلك بالرغم من تأكده أن تصرفه قد يؤدي إلى ضرر ‪.‬‬

‫‪ -62‬جاءت اتفاقية روتردام خالية ايضا من حالة تقدمي الشاحن لبيان بطبيعة البضائع وقيمتها ‪ .‬حيث جاءت‬ ‫االتفاقية في نص املادة ‪ 21‬ونصت على أنه " ‪ -1‬ال يحق للناقل وال ألي من األشخاص املشار إليهم في املادة ‪18‬‬ ‫أن ينتفع باحلد من املسؤولية حسبما تنص عليه املادة ‪ ، 58‬أو حسبما ينص عليه عقد النقل ‪ ،‬إذا أثبت املطالب‬ ‫أن اخلسارة الناجمة عن إخالل الناقل بواجبه مبقتضى هذه االتفاقية تعزي إلى فعل أو إغفال شخصي من‬ ‫جانب الشخص املطالب بحق في احلد من املسؤولية ‪ ،‬إرتكب بقصد إحداث تلك اخلسارة أو عن استهتار وعن‬ ‫علم باحتمال حدوث تلك اخلسارة ‪ -2 .‬ال يحق للناقل أو ألى من األشخاص املشار إليهم في املادة ‪ 18‬أن ينتفع‬ ‫باحلد من املسؤولية حسبما تنص عليه املادة ‪ 52‬إذا أثبت املطالب أن التأخر في التسليم قد جنم عن فعل أو‬ ‫إغفال شخصي من جانب الشخص املطالب بحق في احلد من املسؤولية ‪ ،‬إرتكب بقصد إحداث تلك اخلسارة‬ ‫من جراء التأخر أو عن استهتار وعن علم باحتمال حدوث تلك اخلسارة‪" .‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪127‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫ويأخذ سوء السلوك اإلرادي إما صورة العمد أي تعمد الناقل الشحن على سطح السفينة مخالفة‬ ‫ألوامر الشاحـن ‪ ،‬أو صورة عدم االكتراث أي عدم اكتراث الناقل باجملاطر التي سوف حتيط بالبضائع‬ ‫من جراء شحنها على سطح السفينة‪.‬‬

‫الفرع األول‬ ‫تعمد الناقل شحن البضائع‬ ‫على سطح السفينة مخالفة ألوامر الشاحن‬

‫‪ -41‬العمد هو انصراف نية الناقل إلى إحداث ضرر ‪ ،‬كأن يقوم الناقل بالشحن على سطح السفينة‬ ‫بالرغم من علمه أن طبيعة البضائع ال حتتمل هذا النوع من الشحن ‪.‬إال أن تعمد الناقل إلى إحداث‬ ‫ضررا ما هو أمر غير مفترض ‪ ،‬ولذلك يجب على املضرور إثباته أي إقامة الدليل على أن الناقل قد‬ ‫انصرفت إرادته فعال إلى شحن البضائع على سطح السفينة أو االمتناع عن شحنها في العنابر‬ ‫بالرغم من اتفاقه مع الشاحن على عكس ذلك ‪ ،‬وأنه قد تعمد إحداث الضـرر‪.‬‬ ‫‪ -41‬ونظرا لصعوبة إثبات تعمد الناقل أو تابعيه إحداث الضرر فقد حدد املشرع على وجه العموم‬ ‫احلاالت التي يفترض فيها انصراف إرادة الناقل إلى إحداث الضرر وهى حالة إصدار الناقل سند شحن‬ ‫خاليا من التحفظات مع وجود ما يقتضي ذكرها في السند وذلك بقصد اإلضرار بالغير حسن النية‬ ‫( املادة ‪ 241‬من قانون التجارة البحرية املصري‪ ، 63‬واملادة ‪ 17‬فقرة ‪ 2‬من قواعد هامبورج ) ‪ ،‬وحالة ما إذا‬ ‫شحن الناقل البضائع على سطح السفينة باجملالفة التفاق صريح يوجب شحنها في العنابـر (‬ ‫املادة ‪ 241‬من قانون التجارة البحرية املصري‪ 64‬واملادة ‪ 9‬فقرة ‪ 4‬من قواعد هامبورج) ‪ .‬وقد أضافت‬ ‫قواعد هامبورج حالة ثالثة وهى حالة إدراج شروط مخالفة ألحكام االتفاقية في عقد النقل‬ ‫البحري ‪ ،‬أو إغفال إدراج بيان به يفيـد أن النقــل يخضع ألحكـام االتفاقيــة‪ ( .‬مادة ‪ 23‬فقرة ‪. ) 4‬‬ ‫وبناء عليه فإنه يكفي املضرور – حتى يحرم الناقل من االستفادة من احلد األقصى للتعويض – إقامة‬ ‫الدليل على توافر أي من هذه احلاالت دون حاجة إلثبات تعمد الناقل إحداث الضرر‪.‬‬ ‫ومبا أن الدراسة تتعلق بشحن البضائع على سطح السفينة فإننا سنكتفي باإلشارة سريعا إلى‬ ‫كل من احلالة األولى والثالثة لنخص باالهتمام احلالة الثانية ‪.‬‬ ‫أما عن احلالة األولى وهى احلالة اخلاصة بإصدار الناقل سند شحن خاليا من التحفظات فهي ترتكز‬ ‫على نص كل من املادة ‪ 205‬من قانون التجارة البحرية املصري واملادة ‪ 251‬من القانون التجاري البحري‬ ‫اإلماراتي حيث يقرر كل منهما أن للناقل إبداء حتفظات على البيانات املتعلقة بالبضائع التي‬ ‫يدونها الشاحن في سند الشحن وذلك إذا كانت لديه ( أي للناقل ) أسباب جدية للشك في جدية‬ ‫هذه البيانات أو لم يكن لديه الوسائل التي متكنه من التأكد من صحة هذه البيانات ‪ ،‬وأنه على‬ ‫الناقل ذكر هذه التحفظات في سنـــد الشحــن ‪.‬‬ ‫‪ -63‬إكتفى القانون التجاري البحري اإلماراتي في املادة ‪ 251‬بإعطاء الناقل احلق في إبداء حتفظات على البيانات‬ ‫الواردة في سند الشحن إذا كانت لديه أسباب جدية للشك في صحتها أو لم تتوفر لديه الوسائل العادية‬ ‫للتحقق منها مع ذكر أسباب التحفظ في سند الشحن واألسس التي استند إليها في ذلك ‪ ،‬ولكنه لم ينص‬ ‫على أن عدم إبداء هذه التحفظات يعد قصدا من قبل الناقل إلحداث الضرر‪.‬‬ ‫‪ -64‬نص القانون التجاري البحري اإلماراتي في املادة ‪ 293‬على أنه ال يجوز للناقل شحن البضائع على سطح‬ ‫السفينة دون إذن كتابي من الشاحن ‪ ،‬دون أن يشير إلى قصد الناقل إحداث ضررا بالغير إذا خالف هذا النص ‪.‬‬ ‫‪128‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫وعلى ذلك فإنه إذا صدر سند الشحن بدون حتفظات وثبت أنه كان بقصد اإلضرار بالغير حسن‬ ‫النية‪ ، 65‬فإن الناقل يكون ملزما بدفع التعويض بالكامل‪ 66‬إذا حلق البضائع املشحونة على السطح‬ ‫أى ضرر‪ .‬والعلة من ذلك هي أنه ال يحق للناقل سيء النية االستفادة من احلد األقصى للتعويض‬ ‫الذي قرره املشرع من أجل حتقيق التوازن بني مصلحة الناقل حسن النية ومصلحة الشاحن‪.‬‬ ‫وأما عن احلالة الثالثة التي أضافتها اتفاقية هامبورج فاملقصود بها أن الناقل ال يستفيد من احلد‬ ‫األقصى للتعويض إذا ما أدرج في سند الشحن شروطا مخالفة ألحكام االتفاقية ‪ ،‬أو إذا أهمل ذكر‬ ‫أن النقل يخضع ألحكام االتفاقيـة ‪ ،‬إذ يستفاد من هذه احلاالت أن الناقل بفعله أو بامتناعه يتعمد‬ ‫إحداث ضرر يخشى عند حدوثه تطبيق أحكام االتفاقية ‪ ،‬وعلى ذلك فإنه يحرم من االستفادة من‬ ‫احلد األقصى للتعويض‪.‬‬ ‫أما بخصوص احلالة الثانية التي تتعلق بشحن البضائع على سطح السفينة ‪ ،‬فإن كال من قانون‬ ‫التجارة البحرية املصري وقواعد هامبورج قد خص بالنص حالة شحن البضائع على سطح‬ ‫السفينة باجملالفة التفاق مت بني الناقل والشاحن بشحن البضائع في العنابر‪ .67‬وقد اشترط املشرع‬ ‫مبوجبهما أن يكون االتفاق بني الناقل والشاحن على الشحن في العنابر اتفاقا صريحا وليس ضمنيا‬ ‫يستخلص من ظروف احلال ‪.‬‬ ‫ومفاد ذلك أن املشرع ال يقصد األحوال العادية التي يتم فيها شحن البضائع في عنابر السفينة ‪-‬‬ ‫وهو األصل املتعارف عليه في شحن البضائع ‪ -‬وإمنا يقصد احلالة التي يتفق فيها الشاحن مع‬ ‫الناقل صراحة على ضرورة شحن البضائع في عنابر السفينة وليس على سطحها ‪ .‬وبناء عليه إذا‬ ‫أراد الناقل االستفادة من احلد األقصى للتعويض فما عليه إال احترام اتفاقه مع الشاحن وتنفيذ‬ ‫التزامه بالشحن في عنابر السفينة‪.‬‬ ‫‪ -42‬ولكن املشرع لم يعتبر تعمد الناقل اإلضرار بالبضائع أمرا مفترضا ال يحتاج إلى إثبات ‪ ،‬بل على‬ ‫العكس اعتبر أنه في هذه احلالة على وجه اخلصوص يتعني على املضرور إثبات أن الناقل قد ضرب‬ ‫بعرض احلائط اتفاقه مع الشاحن متعمدا بذلك إحداث ضرر يستوجب حرمانه من احلد األقصى‬ ‫للتعويض‪.‬‬ ‫وميكن للمضرور إثبات وجود هذا االتفاق بكافة طرق اإلثبات ‪ ،‬فإذا لم ينجح في إثبات أنه قد مت االتفاق‬ ‫مع الناقل على نقل البضائع في العنابر فإن ذلك سوف يؤدي إلى استفادة الناقل من احلد األقصى‬ ‫للتعويض ‪.‬‬ ‫‪ -65‬املقصود بالغير حسن النية كل شخص لم يكن طرفا في عقد النقل ولكنه يستفيد منه مما يترتب عليه‬ ‫إمكانية متسكه مبا ورد في سند الشحن من بيانات ‪.‬‬ ‫‪ -66‬يكفي في هذا الفرض أن يثبت الغير أنه لم يكن يعلم بعدم صحة البيانات الواردة في سند الشحن وأن غياب‬ ‫التحفظات في سند الشحن كان بقصد اإلضرار به ‪.‬‬ ‫‪ -67‬جتدر اإلشارة في هذا اخلصوص إلى نص املادة ‪ 25‬فقرة ‪ 5‬من اتفاقية روتردام الوارد فيه أنه " إذا اتفق الناقل‬ ‫والشاحن صراحة على نقل البضائع حتت سطح السفينة‪ ،‬فال يحق للناقل أن ينتفع باحلد من املسؤولية عن أي‬ ‫هالك أو تلف للبضائع أو تأخر في تسليمها متى كان ذلك الهالك أو التلف أو التأخر ناجمــا عن نقلهــا على‬ ‫السطـح " ‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪129‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫الفرع الثاني‬ ‫عدم اكتراث الناقل مبخاطر شحن البضائع على سطح السفينة‬

‫‪ -43‬وفقا لنص املادة ‪ 241‬فقرة ‪ 3‬من قانون التجارة البحرية املصري واملادة الثامنة فقرة ‪ 1‬من قواعد‬ ‫هامبورج ال يحق للناقل االستفادة من احلد األقصى للتعويض إذا ثبت أن الهالك أو التلف أو التأخير‬ ‫في التسليم قد نتج عن استهتار الناقل وإدراكه أن ضررا ميكن أن يحدث نتيجة لهذا االستهتار ‪.‬‬ ‫وبناء عليه فإنه ميكننا القول أن عدم االكتراث يتكون من ركنني ‪ :‬األول هو استهتار الناقل ‪ ،‬والثاني‬ ‫هو علمه باحتمال حدوث الضرر ‪ .‬ويتمثل استهتار الناقل في فعل يصدر منه أو امتناع مصحوب‬ ‫بإدراك ؛ مبعنى أنه إذا صدر تصرف غير إرادي من الناقل فال يعتبر هذا التصرف عدم اكتراث يترتب‬ ‫عليه حرمان الناقل من احلد األقصى للتعويض‪ .‬أما الركن الثاني القائم على علم الناقل باحتمال‬ ‫حدوث الضرر ‪ ،‬فهو الركن الذي ال يتحقق بدونه عدم االكتراث ألنه إذا تأكد الناقل من أن تصرفه‬ ‫سيحدث ضررا فسوف نكون بصدد عمـد وليس عـدم اكتـراث ‪ ،‬األمر الذي يدعونا إلى القول أن‬ ‫عنصر احتمال وقوع الضرر هو فيصل التفرقة بني عدم االكتراث والعمد ‪ ،‬ففي حني يعلم الناقل‬ ‫باحتمال وقوع الضرر في احلالة األولى فهو متأكد من حدوثه في احلالة الثانية ‪.68‬‬ ‫وحلرمان الناقل ‪ -‬الذي قام بشحن البضائع على سطح السفينة مخالفة ألوامر الشاحن‪ -‬من‬ ‫االستفادة من احلد األقصى للتعويض فإنه يجب على املضرور إثبات عدم اكتراث الناقل ‪ ،‬أي إثبات أن‬ ‫الناقل كان يدرك احتمال وقوع الضرر من جراء تصرفه وأنه تعمد بالرغم من ذلك القيام به ‪ .‬وجدير‬ ‫بالذكر هنا أن إثبات عدم اكتراث الناقل هو إثبات حر جائز بكافة طـرق اإلثبات ‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬ ‫تقدمي الشاحن بيانا بطبيعة البضائع وقيمتها‬

‫‪ -44‬يعتبر تقدمي الشاحن بيانا بطبيعة البضائع وقيمتها ثاني األحوال املستثناة التي حترم الناقل‬ ‫من االستفادة من احلد األقصى للتعويض وهي منصوص عليها في كل من القانون التجاري البحري‬ ‫اإلماراتي وقانون التجارة البحرية املصري والقانون الفرنسي ‪ ،‬دون قواعد هامبورج التي اكتفت‬ ‫بحالة وحيدة وهي سوء السلوك اإلرادي‪.‬‬ ‫وفي هذا اخلصوص تنص كال من املادة ‪ 292‬من القانون التجاري البحري اإلماراتي واملادة ‪ 234‬من قانون‬ ‫التجارة البحرية املصري واملادة ‪ 29‬من القانون الفرنسي‪ ،‬على أنه ال يجوز للناقل التمسك في‬ ‫مواجهة الشاحن بتحديد املسئولية إذا قدم الشاحن بيانا قبل الشحن عن طبيعة البضائع‬ ‫وقيمتها وما يعلق على اﶈافظة عليها من أهمية خاصة وذكر هذا البيان في سند الشحن ‪ ،‬وعلى‬ ‫أن يعتبر هذا البيان املذكور قرينة على صحة القيمة التي عينها الشاحن إلى أن يقيم الناقل‬ ‫الدليل على عدم صحتهـا ‪.‬‬ ‫ومفاد هذه النصوص أنه إذا قدم الشاحن بيانا يوضح فيه طبيعة البضائع وقيمتها وما يعلق من‬ ‫أهمية خاصة على وصولها ساملة وفي امليعاد املتفق عليه ‪ ،‬وقام الناقل بتدوين هذا البيان في سند‬ ‫الشحن فإن هذا التصرف يعد قرينة على قبول الناقل للبيانات التي أدلى بها الشاحن قبل الشحن ‪،‬‬ ‫‪ -68‬انظر كمال حمدي ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬فقرة ‪ ، 928‬ص ‪. 244‬‬ ‫‪130‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫يستتبعه التزام الناقل بتعويض املضرور بقدر القيمة احلقيقية للبضائع املدونة في سند الشحن ؛‬ ‫وهي قرينة بسيطة ميكن للناقل إثبات عكسهـا ‪.‬‬ ‫ولكن يشترط إلعمال األثر القانوني لهذه البيانات توافر شروط معينة؛ أولها أن يقدم الشاحن‬ ‫البيانات قبل الشحن بهدف متكني الناقل من اتخاذ استعداداته ؛ باإلفصاح مثال عن مكان في عنابر‬ ‫السفينة الستقبال هذه البضائع التي – بسبب طبيعتها اخلاصة – ال حتتمل النقل على سطح‬ ‫السفينة ‪ .‬وغني عن البيان أن هذا األمر ال يتحقق إال قبل الشحن على سطح السفينة ألنه إذا مت‬ ‫الشحن فال جدوى من هذه البيانات إذ سيكون الشحن قد مت دون التعرف على طبيعة البضائع‬ ‫وقيمتها وما يستلزمه ذلك من عناية واستعدادات خاصة ‪.‬‬ ‫وبناء عليه فإنه إذا أدلى الشاحن بعد الشحن بالبيانات اخلاصة بطبيعة البضائع وقيمتها وما‬ ‫يعلقه على اﶈافظة عليها وشحنها في العنابر من أهمية خاصة فإن هذه البيانات ال تنتج أثرها‬ ‫على مبلغ التعويض ‪ .‬وهو األمر الذي يعني أنه سيكون من حق الناقل رفض هذه البيانات والتمسك‬ ‫باحلد األقصى للتعويض بالرغم من شحنه البضائع ذات الطبيعة اخلاصة على سطح السفينة ‪.‬‬ ‫أما إذا علم الناقل بهذه البيانات وقبل بها فإنه يتعني عليه القيام بالالزم للمحافظة عليها وعدم‬ ‫شحنها على سطح السفينة إذا كان ذلك سيؤدي إلى اإلضرار بها وبالتالي فإنه ال مجال لتمسكه‬ ‫باحلد األقصى للتعويض ‪ ،‬إذ أنه – إعماال لنص املادة ‪ 237‬من قانون التجارة البحرية واملادة ‪ 298‬من‬ ‫القانون التجاري البحري اإلماراتي – يجوز للناقل النزول عن كل أو بعض احلقوق املقررة له بشرط أن‬ ‫يذكر ذلك في سند الشحن ‪ ،‬وقبول الناقل للبيانات بعد الشحن يعد تنازال منه عن حقه في‬ ‫التمسك باحلد األقصى للتعويض ‪.‬‬ ‫أما ثاني الشروط الواجب توافرها إلعمال األثر القانوني لبيانات الشاحن املتعلقة بطبيعة البضائع‬ ‫وقيمتها فهو أن تتضمن البيانات طبيعة البضائع وقيمتها معا ‪ ،‬ويشترط فيها أن تكون واضحة‬ ‫وصريحـة ‪ ،‬إذ أن الهدف منها هو تنبيه الناقل إلى أن البضائع املنقولة ذات قيمة عالية وأنها حتتاج‬ ‫لقدر من العناية أكبر من ذلك الذي تتطلبه البضائع العادية التي ميكن شحنها على السطح ‪ .‬فإذا‬ ‫لم تنم هذه البيانات إلى علم الناقل قبل الشحن عجز الناقل عن اتخاذ الالزم ‪ ،‬ويحق له في هذه‬ ‫احلالة االستفادة من احلد األقصى للتعويض ‪ ،‬أما إذا منا إلى علمه أن البضائع ذات طبيعة خاصة‬ ‫تستدعي شحنها في العنابر مثال‪ ،‬وأنها ذات قيمة عالية وحتتاج لرعاية خاصة فإن الناقل يستطيع‬ ‫في هذه احلالة اتخاذ الالزم للعناية بتلك البضائع وشحنها في العنابر فضال عن تأمينه على‬ ‫املسئولية ‪.‬‬ ‫ويشترط أخيرا أن تدرج هذه البيانات في سند الشحن وليس في أية ورقة أخرى كاالعتماد املستندي‬ ‫أو الشهادة اجلمركية مثال‪ 69‬إذ أن سند الشحن هو عقد االتفاق املبرم بني الشاحن والناقل ؛ ولكن ال‬ ‫يعني ذلك أن نفسر نصوص املواد ‪ 234‬من قانون التجارة البحرية املصري و ‪ 292‬من القانون التجاري‬ ‫البحري اإلماراتي تفسيرا حرفيا ‪ ،‬إذ املقصود ليس بالضرورة أن تذكر البيانات في سند الشحن وحده‬ ‫‪ ،‬ولكن يكفي أن تذكر البيانات صراحة في السند الذي يحرر بدال من سند الشحن بحيث يفهم‬

‫‪ -69‬محكمة النقض املصرية‪ ،‬طعن رقم ‪ ، 921‬جلسة ‪ ، 1881 / 1 / 9‬س ق ‪. 55‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪131‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫منه أن األطراف قد اتفقوا على ما هو مدون بهذا السند مبا في ذلك طبيعة وقيمة البضائع‬ ‫املذكورة في السند‪.‬‬ ‫‪ -45‬ولكن ماذا لو قدم الشاحن البيانات اخلاصة بالبضائع للناقل إلدراجها في سند الشحن وأهمل‬ ‫هذا األخير أو تعمد عدم تدوينها في سند الشحن ‪ ،‬هل يستفيد الناقل مع ذلك من احلد األقصى‬ ‫للتعويض نظرا ألن البيانات اخلاصة بطبيعة البضائع وقيمتها لم تظهر في سند الشحن ؟ اإلجابة‬ ‫على هذا السؤال تكمن في معرفة من الذي أخل بالتزاماته ‪ ،‬فالشاحن أوفى بالتزامه بإخطار الناقل‬ ‫بالطبيعة اخلاصة للبضائع و بقيمتها احلقيقية ‪ ،‬في حني أن الناقل لم يحترم التزامه بتدوين هذه‬ ‫البيانات في سند الشحن مثلما هو مفروض عليه ‪ .‬و بناء عليه فإن املسئولية تقع على الناقل‬ ‫وليس على الشاحن ‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى حرمان الناقل من االستفادة من احلد األقصى للتعويض‬ ‫في حالة إهماله في تدوين البيانات في سند الشحن‪ ،‬باإلضافة إلى إلزامه بدفع تعويض عن الضرر‬ ‫الذي حلق الشاحن في حالة تعمد الناقل عدم تدوين البيانات في سند الشحـــن ‪. 70‬‬

‫الفصل الثاني‬ ‫حساب التعويض في حالة البضائع اﶈواة‬

‫‪ -42‬عندما يطالب صاحب احلق في الدعوى بالتعويض فهو يطالب بالتعويض عن ضرر ما قد أصابه‪.‬‬ ‫وفي حالة شحن البضائع على سطح السفينة وهى محواة فإن هذا الضرر يتخذ صورتني ‪ :‬األولى‬ ‫تتمثل في الضرر الذي يصيب احلاوية ذاتها والثانية تتمثل في الضرر الذي يصيب البضائـع املنقولـة‬ ‫داخــل احلاويــــــة ( البضائع اﶈواة )‪.‬‬

‫املبحث األول‬ ‫التعويض عن الضرر الذي يصيب احلاوية‬

‫‪ -49‬في حالة إصابة احلاوية ذاتها بضرر ما بسبب شحنها على سطح السفينة‪ ،‬يثار التساؤل حول‬ ‫كيفية حساب التعويض عن احلاوية‪ ،71‬هل يتم تعويض الشاحن على أساس أن احلاوية وسيلة‬ ‫تغليف ‪ mode d'emballage‬وبالتالي تعتبر في حكم البضائع ‪ ،‬أم أنها وسيلة نقل ‪moyen de‬‬ ‫‪transport‬؟‬ ‫اإلجابة على هذا التساؤل هينة وهامة في ذات الوقت ؛ فهي هينة ألنه يكفينا إلقاء نظرة على‬ ‫احلاوية نفسها لنعرف ما هي طبيعتها ‪ ،‬وهي هامة ألن معرفة ما إذا كانت احلاوية وسيلة تغليف أم‬ ‫وسيلة نقل يسمح لنا بتحديد النظام القانوني الواجب التطبيق على الناقل ‪،‬وبالتالي معرفة ما‬ ‫إذا كان الناقل سيستفيد من احلد األقصى للتعويض أم ال‪.‬‬ ‫ولكن بالرغم من بساطة اإلجابة على هذا السؤال إال أنه من املدهش مالحظة أنه يسود جو من‬ ‫الشك حول تعريف احلاوية ؛ فوفقا لالتفاقيات الدولية اخلاصة بالنقل على وجه العموم وليس‬ ‫بالنقل البحري على وجه اخلصوص ‪ ،‬تنص اتفاقية األمم املتحدة اخلاصة بالنقل متعدد الوسائــط (‬ ‫جنيف لسنة ‪ ) 1980‬ونظام النقل الدولي للحاويات بالسكك احلديدية ‪Réglement concernant‬‬ ‫‪ -71‬د‪ .‬علي يونس " عقد النقل " دار الفكر العربي ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1825‬فقرة ‪ 225‬؛ د‪ .‬عبد الرحمن سليم " شروط‬ ‫االعفاء من املسئولية طبقا ملعاهدة سندات الشحن " ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ، 1855 ،‬ص ‪. 314‬‬ ‫‪ -71‬إذا كانت مقدمة من الشاحن ( املرسل ) ‪.‬‬ ‫‪132‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫‪ Le transport ferroviaire international des conteneurs‬على اعتبار احلاوية وسيلة نقل ؛ في حني‬ ‫أن احلاوية ( أو أي أداة أخرى مشابهة لتجميع البضائع ) تعتبر وحدة مستقلة عن البضائع وفقا‬ ‫لقواعد هامبورج‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للقضاء فهو متردد ؛ فنجد أحيانا أن القضاة يعاملون احلاوية على أنها وسيلة نقل‬ ‫وأحيانا أخرى على أنها وسيلة تغليف‪ ، 72‬وهو األمر الذي له عظيم األثر على مسئولية الناقل ‪.‬‬ ‫فعند وصف احلاوية بأنها وسيلة نقل سوف يلتزم الناقل بدفع تعويض كامل عن الضرر‪ 73‬ألنه ال‬ ‫يحق له االستفادة من احلد األقصى للتعويض إال في حالة الضرر الذي أصاب البضائع نفسها ‪ .‬أما‬ ‫إذا اعتبرنا أن احلاوية وسيلة تغليف‪ 74‬فإن احلاوية نفسها تعتبر في مقام البضائع وتسمح بذلك‬ ‫‪75‬‬ ‫للناقل – في حالة إصابتهـا بالضـرر – باالستفـادة من احلـد األقصـى للتعويـض املقـرر لـه‪.‬‬ ‫ونرى أنه ال داعي لهذا التردد حول تعريف احلاوية ‪ ،‬فهي بدون شك ليست وسيلة نقل مستقلة وذلك‬ ‫لسبب بسيط وهو أنها حتتاج إلى وسيلة نقل لنقلها من مكان إلى آخر ‪ .‬وهذا هو ما قضت به‬ ‫محكمة اﺠﻤﻟموعة األوربية‪ Cour de justice des communnautés européennes 76‬مبناسبة تقدير‬ ‫املصاريف املتعلقة بنقل بضائع مت شراؤها في هوجن كوجن ومت نقلها بطريق البحـر – بعد حتويلهـا –‬ ‫إلى هامبـورج ‪ ،‬ثم بطريق البر حتى فرانكفورت ‪ .‬فقد كان على اﶈكمة تقدير ما إذا كانت احلاوية‬ ‫وسيلة نقل أم وسيلة تغليف حتى تتمكن من حتديد كيفية حساب مصاريف النقل ‪ .‬وأجابت‬ ‫اﶈكمة بطريقة واضحـة جـدا واعتبـرت أن " احلاوية ليست وسيلة نقل طبقا للمادة ‪ 15‬فقرة ‪ 2‬من‬ ‫قواعد اﺠﻤﻟموعة األوربية بتاريخ ‪ 28‬مايو ‪ 1980‬املتعلقة بقيمة البضائع في اجلمارك ‪ " .‬فاحلاوية ما‬ ‫هي إال طريقة تغليف من نوع جديد ‪ ، 77‬تختلف عن كل طرق التغليف األخرى بحجمها الكبير‬ ‫وبإمكانية استخدامها أكثر من مرة ‪ ،‬ومبا أنها أداة مستقلة عن السفينة أو عن أي وسيلة نقل‬ ‫أخرى فهي قابلة لالستخدام املتكـرر ‪ .‬وهذا هو ما أكدته جتربة التأمني في هذا اﺠﻤﻟال حيث تعامل‬ ‫شركات التأمني احلاوية معاملة البضائع وتستخرج لها بوليصة تأمني مستقلة تسمى ببوليصة "‬ ‫تأمني احلاويات ‪ " 78 .‬ومن هنا يجب أن تتم عملية نقل احلاوية فارغة مبوجب عقد نقل بحيث يسمح‬ ‫للناقل – في حالة إصابتها بضرر – باالستفادة من احلد األقصى للتعويض املقرر له في إصابة‬ ‫البضائع بضرر ‪.‬‬ ‫‪Paris 7 av. 1981 ; B.T. 1981 , p. 304 ; Trib. Com. Bordeaux , 18 Août 1981 , B.T. 1982 , p. 125 -72‬‬ ‫‪Aix - en - provence 18 Déc. 1981D.M.F. 1981, p. 559, note R.A. -73‬‬ ‫مبوجب هذا احلكم اعتبرت اﶈكمة أن احلاوية جزء من السفينة حاملة احلاويـات ‪.‬‬ ‫‪ -74‬د‪ .‬إبراهيم مكي ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 8‬وما بعد‬ ‫‪M.REMOND – GOUILLOUD, “ Droit maritime “ op. cit. no 575 .‬‬ ‫‪Trib. Com. Bordeaux 18 août 1981, B.T. 1982, p. 125; Trib.com. Marseille 15 Oct. 1991, B.T. 1992, p. -75‬‬ ‫‪120 .‬‬ ‫‪C.J.C.E. 6 Juin 1990, B.T. 1991, p.76 . -76‬‬ ‫‪Rouen 23 Mai 1991 deux arrêts , B.T. 1991 p. 607 -77‬‬ ‫‪ -78‬إنظر في تطبيق هذا التأمني ‪Paris 2 Oct. 1985, B.T. 1986, p. 149; Rouen 23 Juin 1983, B.T. 1984, p. :‬‬ ‫‪489‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪133‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫‪ -49‬وجتدر اإلشارة هنا إلى أن ما سبق ينطبق فقط في حالة ما إذا كان الشاحن هو الذي قدم احلاوية‬ ‫للناقل وليس في حالة ما إذا كانت احلاوية مقدمة من الناقل نفسه ‪ ،‬ألنه في هذه احلالة األخيرة يتم‬ ‫استخدام احلاوية مبوجب عقد إيجار ‪ contrat de location‬أو قرض إيجار حاويات ‪crédit bail de‬‬ ‫‪ conetneurs‬يخضع لقواعد قانونية مختلفة عن القواعد التي حتكم عقد النقل‪ . 79‬وبالتالي ال‬ ‫ميكننا مثال تطبيق مدة التقادم القصيرة التي ينص عليها املشرع على املصاريف اخلاصة بتثبيت‬ ‫احلاوية على رصيف امليناء بحجة أن هذه املصاريف قد مت دفعها مبناسبة النقل ‪.‬‬ ‫وهذا هو أيضا الوضع عندما يتعهد الناقل الثاني بإعادة احلاوية فارغة للناقل األول بعد متام النقل‪،‬‬ ‫ففي مثل هذه احلالة يعتبر هذا التعهد تعهدا من نوع خاص ومستقال عن عقد النقل ‪ ،‬وال يخضع‬ ‫للقواعد القانونية التي حتكم هذا األخير‪ ،‬وبالتالي ال يستفيد الناقل من الشروط االتفاقية اخلاصة‬ ‫بتحديد املسئولية والتي كان قد أدرجها في عقد النقل‪.80.‬‬

‫املبحث الثاني‬ ‫التعويض عن الضرر‬ ‫الذي يصيب البضائع اﶈواة‬

‫‪ -48‬بالرغم من أن احلاوية متينة وسميكة ومغلقة بإحكام فتتحمل بذلك الصدمات وحتمي‬ ‫البضائع من السرقة إال أنها حتول دون اطالع الناقل على محتوياتها‪ .‬فإذا اتضح حلظة التسليم أن‬ ‫البضائع هالكة أو أصابها التلف فإنه يصعب على الناقل ( املتعاقد أو األول إذا كان النقل متعاقبا )‬ ‫حتديد مكان وزمان وقوع الضرر فيفقد بالتالي حقه في الرجوع على الناقل املتسبب في الضرر ليجد‬ ‫نفسه مسئوال وحده وبصورة نهائيـة عن الضـرر ‪ .‬يضاف إلى ذلك صعوبة حساب التعويض في‬ ‫حالة تسلم الناقـل للحاويـة وتسليمـه سند شحـن نظيـف ( خال من التحفظات ) للشاحن بناء‬ ‫على طلبه‪ .‬فهل سيتم حساب التعويض عن حالة البضائع املوصوفة في سند الشحن دون األخذ‬ ‫في االعتبار حتفظات الناقل التي لم يدونها في سند الشحن ألن الشاحن طلب منه ذلك ؟ أم أنه‬ ‫سيتم التشكيك في بيانات سند الشحن وبالتالي يستفيد الناقـل من احلـد األقصى للتعويـض ؟‬

‫املطلب األول‬ ‫صعوبة إثبات مكان وزمان حدوث الضرر‬ ‫وأثره على مسئولية الناقل‬

‫‪ -51‬حتى يتأكد الناقل من صحة البيانات التي أدلى بها الشاحن في سند الشحن لوصف‬ ‫البضائـع‪ ،‬منح املشرع للناقل احلق في التحقق من مضمون احلاوية وعمل التحفظات الالزمة إذا‬ ‫‪-79‬‬

‫‪.‬‬

‫‪Aix-en-provence 19 Fév. 1987,D.M.F. 1988. p.756; Paris 17 Nov. 1994, D.M.F. 1986, p.282‬‬

‫‪Aix-en-provence 25 Mai 1988 , D.M.F. 1990 , p. 250 ; Le droit positif français D.M.F. 1991 , p. 89 n -81‬‬ ‫‪47‬‬ ‫ومع ذلك يختلف الوضع عندما يكون الشاحن قد تعهد في عقد النقل نفسه بالسماح للناقل بالتصرف في نطاق‬ ‫هذا العقد ‪ .‬إنظر في ذلك ‪:‬‬ ‫‪Aix - en - provence 16 Janv. 1990, B.T. 1990. p. 643‬‬ ‫‪134‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫اكتشف أن البضائع املوجودة باحلاوية غير مطابقة للبيانات املدونة في سند الشحن‪ .‬ولكن بالرغم‬ ‫من أن هذا احلق مسلم به من الناحية النظرية إال أنه يصعب تطبيقه ألسباب عملية وجتارية ‪،‬‬ ‫خاصة عندما يكون الضرر غير ظاهر ‪ .‬فالناقل ال يتحقق من محتوى احلاوية ألنه غالبا ما يقوم‬ ‫الشاحن بتستيف البضائع بنفسه ‪ Stowage-arrimage‬داخل احلاوية وبتسليم احلاوية للناقل‬ ‫مختومة ومغلقة باألقفـال‪ ، 81‬فال ميلك هذا األخير فتح احلاوية لتفريغ البضائع منها ومراجعتها ؛‬ ‫فعملية حتقق الناقل من عدد ووزن وحجم البضائع املشحونة ليس باألمر الهني ألنها تستلزم‬ ‫استخدام وسائل ليست في متناول الناقل ‪ ،‬هذا باإلضافة إلى وجوب إمتام عملية الشحن بسرعة‬ ‫لتفادي تعطل السفينة على الرصيف ‪.‬‬ ‫‪82‬‬ ‫وفضال عن ذلك فإنه ‪ -‬وفقا للعرف السائد وألسباب جتارية ‪ -‬ال يتحفظ الناقل على حالة البضائع‬ ‫ألنه يتعني على الشاحن الذي يريد طلب ائتمان من البنوك بضمان البضائع تقدمي سند شحن‬ ‫نظيفا ‪ clean bill of lading‬أي خاليا من أي حتفظات‪ 83‬وهو األمر الذي يعني أن الناقل قد تسلم‬ ‫البضائع في حالة جيدة ومطابقة لبيانات الشاحن املدونة في سند الشحن ‪ .‬ومن هنا نشأ العرف‬ ‫بني الشاحنني والناقليـــن على تــــداول " سند شحن نظيف " مقابل حصول الناقل على خطاب‬ ‫ضمان ‪ Letter of guarantee - Lettre de garantie‬يتعهـد مبوجبـه الشاحن بضمان كافة النتائج‬ ‫املترتبة على عدم مطابقة البضائع عند التسليم للبيانات الواردة في سند الشاحن خاصة إذا‬ ‫تعرض الناقل للمطالبة من قبل الغير بتعويض الضرر ‪.‬‬ ‫‪ -51‬ولكن خطاب الضمان‪ ،‬وإن كانت له حجيته‪ 84‬بني الناقل والشاحن‪ ،‬إال أنه ال يجوز االحتجاج به‬ ‫قبل الغير حامل سند الشحن‪ .85‬هذا هـو موقف محكمـة النقض املصريـة‪ 86‬التي قضت بأن هذه‬ ‫اخلطابات " حجة على عاقديها وحدهما – الشاحن والناقل – وال يجوز االحتجاج بها على الغير من‬ ‫حاملي سند الشحن ‪ ،‬ال مخالفة فيها للقانون املصري الذي يجيز في العالقة بني الناقل والشاحن‬ ‫إثبات عكس ما ورد في سند الشحـن ‪ ،‬كما أنه – وعلى ما جرى به قضاء هذه اﶈكمة – ال مخالفة‬ ‫فيها ملعاهدة سندات الشحن املوقعة في بروكسل طاملا أن املقصود منها دحض قرينة اإلثبات‬ ‫املستمدة من سند الشحن في العالقة بني الناقل والشاحن ولم تتضمن اتفاقا على إعفاء الناقل‬ ‫‪-81‬‬ ‫‪-82‬‬ ‫‪-83‬‬ ‫‪-84‬‬ ‫‪-85‬‬

‫‪-86‬‬

‫‪. TILCHE , “ Palette filmées . Suites de dommages “ B.T. 1995 , p. 52 ; N.SOISSON , “ La liberté‬‬ ‫‪contractuelle dans les clauses du connaissement “ Th Paris 1992 , p. 437 .‬‬ ‫إنظر في التحفظات اخلاصة بالبضائع وأثرها على حجية سند الشحن د‪ .‬سميحة القليوبي " القانون البحري‬ ‫" ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ، 1899 ،‬ص ‪. 234‬‬ ‫املادة ‪ 19‬من قواعد العادات واملمارسات املوحدة اخلاصة باالعتمادات املستندية لسنة ‪Uniform Custums 1894‬‬ ‫) ‪and practice for documentary credits‬‬ ‫انظر في حجية خطابات الضمان وأثرها على حجية سند الشحن د‪ .‬سميحة القليوبي " املرجع السابق " ص‬ ‫‪. 232‬‬ ‫في ذلك تنص املادة ‪ 221‬من القانون التجاري البحري اإلماراتي على أنه " كل خطاب ضمان أو اتفاق يضمن‬ ‫مبقتضاه الشاحن تعويض الناقل عن األضرار التي تنتج عن إصدار سند شحن خال من أي حتفظات ال يحتج به‬ ‫على الغير ‪ ،‬ومع ذلك فللغير أن يتمسك باالتفاق املذكور قبل الشاحن" ‪ .‬كما تنص املادة ‪ 219‬من قانون التجارة‬ ‫البحرية املصري على أنه " كل خطاب ضمان أو اتفاق يضمن مبقتضاه الشاحن تعويضي الناقل عن األضرار‬ ‫التي تنتج عن إصدار سند شحن خال من أي حتفظ على البيانات الواردة به ‪ ،‬ال يحتج به قبل الغير الذى ال يعلم‬ ‫وقت حصوله على السند بعدم صحة تلك البيانات" ‪.‬‬ ‫نقض ‪ ، 1892/12/29‬املكتب الفني سنة ‪ ، 29‬ص ‪ . 1914‬طعن رقم ‪ ، 338‬جلسة ‪ ، 1895/2/22‬املكتب الفني‬ ‫سنة ‪ ، 22‬س ق ‪ ، 41‬ص ‪ . 1249‬نقض‪ ، 1822/3/22‬املكتب الفني سنة ‪ ، 19‬ص ‪. 229‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪135‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫من املسئولية ولم تكن مشوبة عند إصدارها بقصد إيهام الغير وإدخال الغش عليه عند تداول‬ ‫سند الشحن"‪.‬‬ ‫وهذا أيضا ما تقرره قواعد هامبورج التي تنص في املادة ‪ 17‬فقرة ‪ 2‬على أن كل خطاب ضمان هو‬ ‫تعهد يتعهد الشاحن مبوجبه بتعويض الناقل عن اخلسارة التي تنتج عن قيام الناقل أو من ينوب‬ ‫عنه بإصدار سند شحن نظيف من أي حتفظات بشأن البيانات املقدمة من الشاحن إلدراجها في‬ ‫سند الشحن ‪ ،‬ويكون باطال وال يترتب عليه أي أثر جتاه أي طرف ثالث مبا في ذلك أي مرسل إليه يكون‬ ‫قد حول إليه سند الشحن ‪.‬‬ ‫‪ -52‬ولكن تثار املشكلة عند وصول البضائع ملكان التسليم وعندما يقوم املرسل إليه بتفريغها من‬ ‫احلاوية ‪ 87 discharge - unloading - déchargement – débarquement‬فيكتشف أن البضائع‬ ‫املوجودة أمامه غير مطابقة للبيانات املدونة في سند الشحن ‪ .‬ومبا أنه ال يجوز االحتجاج بخطاب‬ ‫الضمان على املرسل إليه فإن الناقل يلتزم بتسليم البضائع إلى حامل سند الشحن بحالتها‬ ‫املوصوفة فيه ‪ ،‬دون أن يكون في استطاعته أن يحتج عليه بحالة البضائع املذكورة في خطاب‬ ‫الضمان ‪ .‬فإذا كانت حالة البضائع مخالفة للبيانات املدونة في سند الشحن‪ ،‬فإن الناقل يكون‬ ‫مسئوال في مواجهة صاحب احلق وملزما بتعويضه عن األضرار التي حلقت بالبضائع‪ . 88‬يضاف إلى‬ ‫ذلك أن الناقل ‪ -‬في رجوعه على تابعيه ‪ -‬يواجه مشكلة إثبات مرحلة النقل التي وقع فيها الضرر‪.‬‬ ‫فنظرا لعدم ابدائه حتفظات على حالة البضائع في سند الشحن ‪ ،‬يصبح إثبات أن الضرر كان‬ ‫سابقا على تسلمه البضائع أمرا مستحيال‪ ،‬وبالتالي يجد الناقل نفسه املسئول الوحيد عن الضرر‬ ‫‪.‬‬ ‫ومن املؤكد أن التطور التكنولوجي يسمح لنا اليوم بإثبات بعض األمور التي كان من املستحيل‬ ‫إثباتها في املاضي كالعطل‪ -‬أثناء الرحلة ‪ -‬في أجهزة التبريد أو التسخني مثال‪ . 89‬وهو ما أثارته‬ ‫حديثا قضية عرضت أمام محكمة‪ Nanterre 90‬في فرنسا في هذا الشأن حيث أثبت هذا اجلهاز أن‬ ‫احلاوية التي كانت قد عانت من رحلة طويلة ( رحلة بحرية في جزر هاواي ثم رحلة بالسكك‬ ‫احلديدية في كاليفورنيا‪ ،‬وأخيرا رحلة بحرية من أمريكا لفرنسا ) قد تعرضت إلى صدمات شديدة‬ ‫جدا أثناء رحلتها في كاليفورنيا بالسكك احلديدية‪.‬‬ ‫ولكن فـي انتظار انتشار استخدام هذه األجهزة في كل الدول‪ -‬خاصة الدول النامية ‪ -‬تبقى‬ ‫مشكلة إثبات الضرر قائمة ‪ ،‬وهي تتجلى بشكل خاص في مجال النقل متعدد الوسائط باحلاويات‬ ‫‪ -87‬إنظر في تعريف التفريغ ‪:‬‬ ‫‪Aix - en - provence 24 Nov. 1994, D.M.F. 1996. p.53., obs. Y. TASSEL.‬‬ ‫‪ -88‬إنظر في عكس ذلك حالة أعفى فيها الناقل من املسئولية إلثباته أن السبب في الضرر كان سببا أجنبيا ‪:‬‬ ‫‪Cass. 24 Mai 1994, D.M.F. 1994, p. 704, obs. Y.T.‬‬ ‫‪ -89‬ألن احلاويات حتتوي على أجهزة للحفاظ على درجة احلرارة بصفة مستمرة مع إيضاح اليوم والساعة التي‬ ‫تعطل فيها اجلهاز ‪ .‬ويوجد أيضا أجهزة لتسجيل قوة الصدمة التي تعرضت لها احلاوية والتوقيت الذي حدثت‬ ‫فيه هذه الصدمـة‪.‬‬ ‫‪Trib. Com. Nanterre 5 Janv. 1989, B.T. 1990, p. 87 -91‬‬ ‫‪136‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫حيث يجد كال من الناقل األخير والناقل املتعاقد نفسه في موقف صعب ألنه يضطر إلى حتمل‬ ‫مسئولية أكبر من تلك التي يجب أن يتحملها ‪.‬‬

‫الفرع األول‬ ‫تأثير صعوبة إثبات مكان وزمان حدوث الضرر‬ ‫على مسئولية الناقل األخير‬

‫‪ -53‬ليست هناك مشكلة في حالة النقل البسيط ‪ ،‬كالنقل البحري للبضائع على سطح‬ ‫السفينة ‪ ،‬ففي هذا النوع من النقل ال يتدخل إال ناقل واحد وهو الناقل البحري الذي يقوم بتعويض‬ ‫الشاحن عن الضرر الذي تسبب فيه دون حاجة للرجوع ضد أييشخص آخر ‪ ،‬وهو األمر الذي ال‬ ‫يعرضه ملشكلة إثبات مكان وقوع الضرر‪ .‬ولكن تثار املشكلة في حالة النقل املتتابع الذي يتدخـل‬ ‫مبقتضاه أكثر من ناقـل مبوجب سند شحن واحد يصدره الناقل املتعاقد لتنفيذ عملية النقل على‬ ‫مراحل متتابعة‪ .‬ففي هذا الفرض تنتقل البضائع – في الغالب دون حتفظات ‪ -‬من ناقل إلى ناقل آخر‬ ‫‪91‬‬ ‫إلى أن تصل إلى الناقل األخير الذي يجد صعوبة في دفع املسئولية ‪ ،‬ويضطر إلى تعويض املضرور‬ ‫إذا ما قرر هذا األخير رفع الدعوى القضائية ضده‪ .92‬من املؤكد أنه تطبيقا لنصوص القانون البحري‬ ‫املصري لن يتحمل الناقل األخير إال تعويض الضرر الناجت عن اجلزء الذي قام بتنفيذه فقط‪ ،‬ولكن‬ ‫يبقى أنه ال بد أن يثبت ‪ ،‬وهو األمر الذي يشكل صعوبة كبيرة ‪ ،‬خاصة وأن البضائع تكون موضوعة‬ ‫داخل حاويات مغلقة‪ ،‬ال يتحقق من محتواها أي من الناقلني املتتابعني لألسباب التي ذكرناها‬ ‫أعاله‪. 93‬‬ ‫لألسف في ظل الوضع التشريعي املصري الراهن ‪ ،‬اليجد الناقل األخير حال ملشكلة إثبات الضرر؛‬ ‫فاملادة ‪ 243‬من قانون التجارة البحرية املصري ‪ ،‬تكتفي بالنص على مسئولية الناقل املتعاقد عن‬ ‫جميع مراحل النقل ‪ ،‬وعدم مسئولية الناقلني الالحقني له إال عن الضرر الناجم في املرحلة التي‬ ‫قاموا بتنفيذها فقط ‪ ،‬دون أن تعالج أو تهتم بكيفية التعويض في حالة العجز عن إثبات مكان‬ ‫الضرر‪. 94‬‬ ‫‪-91‬‬ ‫‪-92‬‬ ‫‪-93‬‬

‫‪-94‬‬

‫في حالة تعذر حتديد وقت حصول الضرر بالبضائع املشحونة يفترض وقوعه أثناء الرحلة البحرية ‪ .‬انظر في‬ ‫ذلك الطعن رقم ‪ 222‬لسنة ‪ ، 1884‬محكة متييز اإلمارات ‪ ،‬جلسة ‪ ، 1884/11/12‬العدد ‪ ، 5‬ص ‪. 922‬‬ ‫بسبب إفالس الناقل املتعاقد مثال‪.‬‬ ‫نود اإلشارة هنا إلى أن عدم حتفظ الناقل البحري على البيانات الواردة في سند الشحن بخصوص البضائع ‪ ،‬ال‬ ‫يحرمه من إثبات وجود عيب ذاتي فيها ‪ .‬انظر في ذلك ‪ :‬الطعن رقم ‪ 454‬لسنة ‪ ، 2114‬دائرة محاكم دبي ‪،‬‬ ‫محكمة التمييز ‪ ،‬املكتب الفني ‪ ،‬العدد ‪ 12‬ق ‪ ،‬اجلزء األول من يناير إلى يوليو ‪ ، 2115‬ص ‪. 225‬‬ ‫" (‪)1‬يجوز أن يعهد الناقل ‪ ،‬بتنفيذ عملية النقل أو بتنفيذ جزء منها إلى ناقل آخر ( الناقل الفعلي ) ما لم‬ ‫يتفق على غير ذلك ‪ ،‬ويبقى الناقل الذى أبرم عقد النقل مع الشاحن ( الناقل املتعاقد ) مسئوال قبله عن‬ ‫جميع األضرار التى حتدث أثناء تنفيذ عقد النقل ‪ ،‬و ال يسأل الناقل الفعلي قبل الشاحن إال عن األضرار التي‬ ‫حتدث أثناء اجلزء الذى يقوم بتنفيذه من النقل ويكون مسئوال عن هذه األضرار قبل الشاحن بالتضامن مع‬ ‫الناقل املتعاقد )‪ . (2‬ولكل من الناقل واملتعاقد والناقل الفعلي التمسك بتحديد املسئولية املنصوص عليها‬ ‫فى النقرة )‪ (1‬من املادة ‪ 233‬من هذا القانون وال يجوز أن يزيد ما يحصل عليه طالب التعويض من الناقل‬ ‫املتعاقد والناقل الفعلي على احلد األقصى املنصوص عليه في الفقرة املذكورة )‪ . (3‬وفى حالة النقل بسند‬ ‫شحن مباشر تسري األحكام املنصوص عليها في الفقرتني السابقتني على مسئولية الناقل األول الذى أصدر‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪137‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬ ‫أما في التشريع البحري اإلماراتي ‪ ،‬وبالرغم من نص املادة ‪ - 95 292‬شأنها شأن القانون البحري‬ ‫املصري ‪ -‬على قصر مسئولية الناقل األخير على األضرار التي تقع أثناء قيامه بنقل البضائع ‪ ،‬إال أن‬ ‫الوضع في التشريع البحري اإلماراتي يختلف متام االختالف عنه في التشريع البحري املصري حسب‬ ‫ما إذا كان الناقل املتعاقد قد حصل على موافقة الشاحن أم ال ‪ .‬فوفقا للمادة ‪ 294‬ال تنطبق أحكام‬ ‫القانون البحري على نقل البضائع املشحونة على السطح مبوافقة الشاحن والتي يتم شحنها‬ ‫فعال بهذه الطريقة ‪ .‬وبناء عليه يجب النظر إلى املوضوع من جهتني ‪ :‬األولى هي حالة خلو سند‬ ‫الشحن من موافقة الشاحن ‪ ،‬والتي تنطبق فيها أحكام القانون البحري اإلماراتي ( املادة ‪، ) 292‬‬ ‫ويواجه فيها الناقل األخير ذات مصير الناقل األخير املشار إليه أعاله في القانون البحري املصري ‪.‬‬ ‫والثانية هي حالة موافقة الشاحن على النقل على السطح ونقل البضائع فعال بهذه الطريقة ‪،‬‬ ‫وفي هذه احلالة تنطبق القواعد العامة ‪ ،‬وينتقل عبء إثبات مكان وقوع الضرر من على عاتق الناقل‬ ‫األخير إلى عاتق املضرور الذي يجب عليه إثبات توافر أركان املسئولية قبل الناقل األخير وإثبات أن‬ ‫الضرر قد وقع فعال أثناء تواجد البضائع في حوزة هذا األخير‪.‬‬ ‫هذا هو ما تأخذ به محكمة متييز دبي التي تقضي بأنه في حالة النقل البحري املتتابع ‪ ،‬ال يسأل‬ ‫الناقل األخير إال عن الضرر الناجم عن خطئه الواقع في مرحلة النقل التي قام بتنفيذها ‪ ،‬وأن‬ ‫مسئولية الناقل األخير قبل الشاحن أو املرسل إليه ال تستند إلى قواعد املسئولية العقدية بل‬ ‫تقوم على أساس املسئولية التقصيرية‪ ، 96‬األمر الذي ينتج عنه التزام املضرور بإقامة الدليل على‬ ‫توافر أركانها قبل الناقل األخير ‪.97‬‬ ‫ولكن بالرغم من هذا الوضع املميز للناقل األخير في القانون اإلماراتي في حالة الشحن على‬ ‫السطح مبوافقة الشاحن ‪ ،‬إال أن مشكلة إثبات مكان وقوع الضرر تبقى قائمة ‪ ،‬إذ أن املشكلة‬ ‫احلقيقية ال تكمن في شخص من يقع عليه عبء إثبات مكان الضرر ‪ ،‬بل في كيفية التعويض في‬ ‫حالة العجز عن إثبات مكان الضرر ‪.‬‬

‫سند الشحن وعلى مسئولية الناقلني الالحقني له ‪ ،‬ومع ذلك يبرأ الناقل األول من املسئولية إذا أثبت أن احلادث‬ ‫الذى نشأ عنه هالك البضاعة أو تلفها أو تأخير وصولها وقع أثناء وجودها في حراسة ناقل الحق "‪.‬‬ ‫‪ -95‬تنص املادة ‪ 292‬من القانون التجاري البحري اإلماراتي على أنه " ‪ -1‬للناقل أن يصدر سند شحن مباشـر ‪-2........‬‬ ‫وال يسأل كل من الناقلني الالحقني إال عن األضرار التي تقع أثناء قيامهم بنقل البضائع "‪ .‬كما تنص املـادة ‪243‬‬ ‫من قانون التجارة البحرية املصري على مسئولية الناقلني الالحقني للناقل املتعاقد سواء بسند شحن عـادي (‬ ‫فقرة ‪ ) 1‬أو سند شحن مباشر عن األضرار التي حتدث أثناء اجلزء الذي قاموا بتنفيذه فقط ( فقرة ‪. ) 3‬‬ ‫‪ -96‬محكمة متييز دبي ‪ -‬األحكام املدنية | الطعن رقم ‪ 393 :‬لسنة ‪ 2115 :‬قضائية بتاريخ ‪ . 2115-11-15:‬طعن رقم ‪ 289‬لسنة‬ ‫‪ ، 1881‬محكمة متييز دبي ‪ ،‬جلسة ‪ ، 1882/2/23‬العدد ‪ ، 3‬ص ‪ . 235‬طعن رقم ‪ 242‬لسنة ‪ ، 1882‬محكمة متييز‬ ‫دبي ‪ ،‬جلسة ‪ .1882/11/24‬طعن رقم ‪ 385‬لسنة ‪ ، 1889‬محكمة متييز دبي ‪ ،‬جلسة ‪ . 1889/5/11‬طعن رقم ‪281‬‬ ‫لسنة ‪ ، 1881‬محكمة متييز دبي ‪ ،‬جلسة ‪ ،1881/9/3‬العدد ‪ ، 2‬ص ‪ . 442‬طعن رقم ‪ 315‬لسنة ‪ ، 1881‬محكمة‬ ‫متييز دبي ‪ ،‬جلسة ‪ -1882/4/25‬العدد ‪ ، 3‬ص ‪. 381‬وطعن رقم ‪ 394‬لسنة ‪ ، 1889‬محكمة متييز دبي ‪ ،‬جلسة‬ ‫‪ . 1889/12/29‬وانظر عكس ذلك طعن رقم ‪ 222‬لسنة ‪ ، 1889‬محكمة متييز دبي ‪ ،‬جلسة ‪. 1889/11/11‬‬ ‫‪ -97‬طعن رقم ‪ 393‬لسنة ‪ ( 2114‬طعن جتاري ) ‪ ،‬جلسة السبت ‪ 15‬أكتوبر ‪ ، 2115‬دائرة اﶈاكم ( دبي ) – محكمة‬ ‫التمييز – املكتب الفني ‪ ،‬العدد السادس عشر ( حقوق ) – اجلزء الثاني – من سبتمبر إلى ديسمبر ‪ – 2115‬ص‬ ‫‪ .1293‬انظر أيضا الطعن رقم ‪ 198‬لسنة ‪ 1889‬ق – جلسة ‪ – 1889/12/5‬مكتب فني ‪ – 8‬ص ‪ . 1812‬الطعن رقم‬ ‫‪ 385‬لسنة ‪ ، 1889‬حكومة دبي – محكمة التمييز – املكتب الفني – العدد التاسع – يناير ‪ – 2111‬ص ‪. 391‬‬ ‫‪138‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬ ‫وفي هذا اخلصوص نقترح إمكانية استعانة املشرع البحري‪ 98‬بنصوص كل من قانون التجارة املصري‬ ‫( املادة ‪ ) 252‬وقانون املعامالت التجارية اإلماراتي ( املادة ‪ ) 319‬التي واجهت مشكلة إثبات مكان‬ ‫وقوع الضرر بإيجاد حل عادل جلميع الناقلني املتعاقبني ‪ .‬فوفقا لهذه النصوص إذا قام عدة ناقلني‬ ‫على التعاقب بتنفيذ عقد نقل واحد واستحال حتديد مكان وقوع الضرر كان كل منهم مسئوال‬ ‫بالتضامن مع اآلخرين قبل املرسل أو املرسل إليه كما لو كان قد قام بتنفيذه وحده ‪ .‬فإذا ما دفع أحد‬ ‫الناقلني مبفرده التعويض أو طولب به رسميا كان له الرجوع على الناقلني اآلخرين بنسبة ما‬ ‫يستحقه كل منهم من أجرة النقل‪ ،‬ويتم توزيع حصة املعسر منهم على اآلخرين بالنسبة ذاتها ‪.‬‬ ‫وأضافت النصوص املذكورة أنه يعفى من االشتراك فى حتمل املسئولية‪ ،‬الناقـل الذى يثبت أن‬ ‫الضرر لم يقـع في مرحلة النقل التي قام بتنفيذها فعال ‪.‬‬ ‫فإذا ما قرر املشرع البحري إضافة نص مماثل للنصوص احلالية‪ ،‬فسوف ينتـج عن ذلك أن الناقـل‬ ‫البحـري‪ 99‬لن يتحمل وحده تعويض الضرر بل سيتحمل كل ناقل نصيبه من اجملاطر‪ .‬و يستطيع‬ ‫بذلك الناقـل البحري ( املدعى عليه) استرداد مبلغ التعويض الذي يكون قد دفعه للشاحن دون‬ ‫حاجة إلى إثبات من هو املسئول عن الضرر ‪ :‬فاجلميع في هذه احلالة مسئولني‪.‬‬ ‫‪ -54‬و لكن تظل املشكلة قائمة بالنسبة لدعوى الناقل البحري ( املدعى عليه ) ضد شخص آخر‬ ‫غير أحد الناقلني املتعاقبي ؛ ماذا سيكون مصير دعوى الناقل ضد مقاول الشحن والتفريغ مثال إذا‬ ‫منا إلى علم الناقل البحري أنه املتسبب في الضرر دون أن يتمكن من اثبات ذلك ؟ هل سيطبق على‬ ‫مقاول الشحن والتفريغ النص املماثل لنص املادة ‪ 252‬من قانون التجارة املصري و‪ 319‬من قانون‬ ‫املعامالت التجارية اإلماراتي ‪ ،100‬فيكون بالتالي مسئوال بالتضامن مع الناقلني ؟ أم أنه سيفلت من‬ ‫املسئولية بسبب عجز الناقل عن إثبات خطئه خاصة إذا أقام الشاحن دعواه في آخر يوم من السنة‬ ‫املقررة له إلقامة الدعوى ضد الناقل ؟‬ ‫في ظل الوضع الراهن وهو صعوبة إثبات مكان وزمان وقوع الضـــــرر ال نخشي فقـــط علـــى‬ ‫الناقــــل البحـــري‪ ، 101‬بل أيضا على جميع الناقلني املتعاقبني‪ ،‬أن يتحولوا إلى ضامنني جلميع‬ ‫مخاطر النقل في الوقت الذي يبقى فيه املتسبب احلقيقي في الضرر بدون أي حساب ‪ .‬وإليضاح هذا‬ ‫الوضع يكفي أن نتصور أن املرسل إليه قد أقام دعوى ضـد الناقـل األخيــر في سلسلة الناقلني‬ ‫املتعاقبني ‪ ،‬وأن نتصور أن الناقل األخير ‪ -‬بسبب عجزه عن إثبات مكان وزمان وقوع الضرر ‪ -‬اضطر‬ ‫لالستناد إلى نص املادة املماثلة للمادة ‪ 252‬من قانون التجارة املصري واملادة ‪ 319‬من قانون املعامالت‬ ‫التجارية اإلماراتي ( على فرض أنه مت تعديل نصوص القانون البحري) إلدخال جميع الناقلني املتعاقبني‬ ‫كمسئولني معه بالتضامن قبل املدعي حتى ال يتحمل وحده أعباء التعويض ‪ .‬لنا أن نتصور أن‬ ‫الضرر قد وقع أثناء وجود البضائع بني يدي مقاول الشحن والتفريغ مثال ‪ ،‬هل يكون من العدالة أن‬ ‫يتحمل الناقلون وحدهم تبعة أخطاء الغير ؟ في هذا الصدد نرى أنه من األفضل أن يقرر املشرع‬ ‫البحري تقسيم مخاطر النقل ليس فقط بني الناقلني املتعاقبني ولكن بينهم وبني جميع املتدخلني‬ ‫‪ -98‬إذا ما قرر املشرع البحري تعديل نصوص القانون ‪.‬‬ ‫‪ -99‬سوف يستفيد من هذا النص جميع الناقلني سواء األول منهم أو األخير ‪.‬‬ ‫‪ -111‬إذا ما متت إضافته في القانون البحري بعد تعديله‪.‬‬ ‫‪ -111‬في حالة عدم حصول الناقل البحري على موافقة الشاحن ( بالنسبة لقانون التجارة البحرية اإلماراتي )‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪139‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫في عملية النقل باحلاويات ألن مخاطر النقل ال تكون فقط أثناء عملية النقل مبعناها احلرفي‪ ،‬ولكن‬ ‫أيضا أثناء تداول البضائع وغير ذلك من العمليات املادية التي متر بها البضائع ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‬ ‫تأثير صعوبة إثبات مكان وزمان حدوث الضرر‬ ‫على مسئولية الناقل املتعاقد‬

‫‪ -55‬في حالة النقل املتتابع قد يتعرض الناقل البحري ‪ -‬على فرض أنه الناقل األول ‪ -‬لذات الظروف‬ ‫التي يتعرض لها الناقل األخير السالف ذكرها ‪ ،‬ويحدث ذلك عندما يكون املدعي هو الشاحن وليس‬ ‫املرســـــل إليــــه ؛ ففي هذه احلالة يقيم الشاحن الدعوى ضد الناقل األول الذي يقوم بدوره‬ ‫بالرجوع ضد باقي الناقلني املتعاقبني بصفتهم مسئولني بالتضامن معه عن األضرار التي أصابت‬ ‫البضائع ؛ ولكن يتعرض الناقل األول ملشكلة اإلثبات ‪ ،‬والحتمال حتمله مخاطر النقل وحده إذا جنح‬ ‫الناقلون املتعاقبون في إثبات أن الضرر لم يقع في اجلزء اخلاص بهم من النقل ‪ .‬ففي هذه احلالة‬ ‫يضطر الناقل األول أو املتعاقد إلى دفع مبلغ التعويض على أمل استرداده من املتسبب احلقيقي في‬ ‫الضرر إذا جنح في إثبات مكان وزمان الضرر‪ .‬ويزداد األمر صعوبة بالنسبة للناقل املتعاقد في الفرض‬ ‫الذي يقيم فيه الشاحن دعواه في آخر يوم من السنة املقررة إلقامة الدعوى‪ .102‬فالشاحن هنا يضيع‬ ‫بتصرفه هذا على الناقل املتعاقد ممارسة حقه فى الرجوع ضد الناقـل املتسبب في الضـرر‬ ‫ويحولـه دون شك إلـى " ضامن جلميع اجملاطر " ألنه يحمله املسئولية بصورة نهائية حتى وإذا كان‬ ‫املتسبب في الضرر معروف ‪.‬‬ ‫‪ -52‬وتطرأ مشكلة أخرى عندما يتفق الناقل مع الشاحن على إطالة مدة تقادم دعوى املسئولية‬ ‫التى يحق للشاحن خاللها إقامة دعواه ضد الناقل ‪ .103‬ونقصد بذلك احلالة التي يوافق فيها الناقل‬ ‫مثال على أن تكون مدة تقادم الدعوى املقامة ضده من الشاحن أو من ميثله سنتني بدال من سنة أو‬ ‫سنة ونصف بدال من سنة إلخ ‪..‬والسؤال الذي يثار هنا هو اآلتي ‪ :‬هل تستفيد دعوى رجوع الناقل‬ ‫املتعاقد ضد املتسبب احلقيقي في الضرر من إطالة مدة التقـادم ؟ في هذا الشأن قررت محكمة‬ ‫باريس التجارية‪ 104‬بأنه ال تستفيد دعوى الرجوع من املدة املضافة ‪ ،‬وذلك ألن االتفاق على إطالة مدة‬ ‫التقادم ال ينتج آثاره إال بني الطرفني الذين عرضاه وقباله ‪ .‬ونرى أن موقف محكمة باريس التجارية‬ ‫وإن كان صحيحا إال أنه يظلم الناقل املتعاقد الذى ال يستطيع إقامة دعوى الرجوع إال في املدة‬ ‫املقررة إلقامة الدعاوى الناجتة عن عقد النقل بصفة عامة وهى مدة السنة التي يقيم خاللها‬

‫‪M. TILCHE “ Recours entre professionnels . Pièges de l’action en garanties “ B.T. 1995 p. 828 -112‬‬ ‫انظر في مدة تقادم الدعوى ‪ :‬طعن رقم ‪ 91‬و‪ 99‬و‪ 99‬لسنة ‪ 2119‬ن محاكم دبي ‪ ،‬محكمة التمييز ‪ ،‬املكتب الفني ‪،‬‬ ‫اجلزء األول من يناير إلى يونيو ‪ ، 2119‬العدد ‪. 19‬طعن رقم ‪ 334‬لسنة ‪ ، 2111‬دائرة العدل ‪ ،‬دبي ‪ ،‬محكمة التمييز‬ ‫‪ ،‬املكتب الفني ‪ ،‬العدد ‪ ، 13‬عام ‪ ، 2112‬ص ‪. 54‬‬ ‫‪ -113‬محكمة متييز دبي ‪ -‬األحكام املدنية | الطعن رقم ‪ 151 :‬لسنة ‪ 2114 :‬قضائية بتاريخ ‪.2114-11-29:‬‬ ‫‪Trib. Com. Paris 21 Juin 1993 , B.T. 1993 , p. 523 -114‬‬

‫‪140‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬ ‫الشاحن دعواه ضد الناقل ‪ .‬ولذلك كان ﶈكمة استئناف‪ Rouen 105‬موقف مخالف ملوقف اﶈكمة‬ ‫التجارية بباريس‪ ،‬عاجلت فيه املوقف بطريقة أخرى فيها حماية حلق الناقل في الرجوع على املتسبب‬ ‫في الضرر ‪ .‬فقد قضت اﶈكمة بقبول دعوى الرجوع في املدة اﶈددة لها وذلك على أن يبدأ حساب‬ ‫املدة من أول يوم في دعوى الشاحن ضد الناقل املتعاقد بصرف النظر عما إذا كانت هذه الدعوى قد‬ ‫مت إقامتها خالل املدة املنصوص عليها في القانون أو خالل املدة املنصوص عليها باالتفاق ( املدة‬ ‫اإلضافية) ‪.‬‬ ‫ونرى أن حكم محكمة استئناف ‪ Rouen‬أكثر توفيقا من حكم محكمة باريس التجارية ‪ ،‬ألنه إذا‬ ‫لم يكن هناك أي نص قانوني مينع إطالة مدة تقادم دعوى الشاحن ضد الناقل املتعاقد وال مدة تقادم‬ ‫دعوى الرجوع فما الذى مينع – طاملا أنه مسموح بإطالة مدة التقادم بالنسبة لدعوى الشاحن – من‬ ‫إطالة مدة التقادم بالنسبة لدعوى الرجــوع ؟‬ ‫‪ -59‬يضاف إلى املشكالت السابقة مشكلة رجوع الناقل املتعاقد على الشخص الذي تسبب في‬ ‫حدوث الضرر بعد أن يكون قد قام بتعويض الشاحن وديا ؛ فمن املمكن في هذه احلالة أن يدعي هذا‬ ‫الشخص أن الشاحن قد حصل على تعويض من الناقل بدون وجه حق ؛ إما ألن الناقل املتعاقد لم‬ ‫يدفع أمام اﶈكمة بدفع كان من املمكن أن يدفع به ‪ ،‬أو ألن الضرر الذى يقيم على أساسه الشاحن‬ ‫دعواه لم يكن له مبرر‪ . .106 .‬فقد قضت محكمة ‪ Aix-en –provence‬بأن شركة التأمني الضامنة‬ ‫للناقل املتعاقد والتى دفعت التعويض كامال للشاحن لن تسترد من املسئول عن الضرر إال ثلثي‬ ‫املبلغ فقط وذلك ألن القضاة قد حكموا باشتراك الشاحن فى املسئولية خلطئه في تستيف‬ ‫البضائع داخل احلاوية‪ . 107‬كما قضت محكمة مارسيليا التجارية بأن شركة التأمني التي قامت‬ ‫بتعويض مجمع جتاري تعويضا كامال قد حتملت هذا التعويض بدون مبرر ‪. 108‬‬ ‫ولتفادي مثل هذه الدفوع ‪ ،‬فإنه ميكن للناقل املتعاقد إدخال الناقل الفعلي ضامنا في الدعوى دون‬ ‫مطالبته بأية مبالغ ‪ .‬ويعتبر هذا اإلجراء مجرد وسيلة يحفظ بها الناقل املتعاقد حقه في الرجوع‬ ‫على الناقل الفعلي واسترداد ما دفعه من تعويض للشاحن ‪ ،‬ويضمن بها ‪ -‬عند رجوعه ضد الناقل‬ ‫الفعلي ‪ -‬أن هذا األخير لن يدفع بإحدى الدفوع املذكورة أعاله ‪.‬‬

‫وانظر فى تفسير شرط إطالة مدة التقادم‪Cass. 18 Oct. 1994 ; B.T. 1995 , P. 538:‬‬ ‫‪Rouen 12 Mars 1987 , B.T. 1987, P. 314. -115‬‬ ‫‪Paris , 14 Mai 1970, B.T. 1970, P. 183; 10 Juill., 1975, B.T. 1975, P. 419, Lyon 22 av. 1988, B.T. 1989, -116‬‬ ‫‪P. 176.‬‬ ‫‪Aix- en – provence 5 Jiun 1981 , B.T. 1981 , p. 457 ; 1 Juin 1983 , SCAPEL 1983 p. 35 -117‬‬ ‫‪Trib. Com. Marseille 23 Oct. 1987 , B.T. 1988 . p. 43 ; Aix – en – provence 9 Mai 1990 , B.T. 1991 , -118‬‬ ‫‪p342.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪141‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫املطلب الثاني‬ ‫صعوبة حساب مبلغ التعويض‬

‫‪ -59‬عندما يتعهد الناقل بتوصيل البضائع ملكان معني فهو يلتزم بتوصيل هذه البضائع فى احلالة‬ ‫التى تلقاها بها ‪.‬فإذا أصاب البضائع ضرر ما‪ ،‬فهو ملزم بتعويض صاحب احلق سواء كان اخلطأ‬ ‫خطأه أم خطأ تابعيه ‪.‬‬ ‫إال أن القوانني واالتفاقيات الدولية تضع حدودا ملسئولية الناقل‪ ،109‬فالناقل ملزم بدفع مبلغ معني‬ ‫عن الوحدة أو عن الطرد أيهما أعلى‪.‬‬ ‫ويالحظ أن حساب مبلغ التعويض يتم كاآلتي ‪ :‬إذا كانت البضائع مفردة وميكن عدها فإن حساب‬ ‫التعويض يتم عن الطـرد ‪ ،‬أما إذا لم يكن من املمكن عد البضائع فإن حساب التعويض يتم عن‬ ‫الوحدة ‪ ،‬وفي هذه احلالة األخيرة يستدل على وحدة الوزن من الوحدة املدونة فى سند الشحن كيلو‬ ‫جرام أو طن الخ ‪ ..‬وبناء عليه عندما يوضح سند الشحن أن الناقل قد استلم كمية من احلبال وزنها‬ ‫أربعة آالف كيلو جرام بدون أي توضيحات أخرى لعدد الطرود أو الوحدات فإن حساب التعويض يكون‬ ‫عن الكيلو‪.110‬‬ ‫‪ -58‬ويثار التساؤل ‪ -‬في حالة نقل البضائع في حاويات أو منصات نقالة ‪- Palette‬حول حتديد‬ ‫املقصود بالطرد عندما حتتوى احلاوية على عدة طرود ؛ هل املقصود به كل مغلف على حدة باإلضافة‬ ‫إلى احلاوية نفسها ‪ ،‬أم املقصود به احلاوية مبا حتتويه من بضائع ؟ هذا من جهة ‪ ،‬ومن جهة أخرى يثار‬ ‫تساؤل آخر حول مفهوم حتفظ ‪ said to contain‬الذي اعتاد الناقلون على إضافته في وثيقة‬ ‫النقل عندما يعجزوا عن مراجعة مضمون احلاوية ‪.‬‬

‫الفرع األول‬ ‫مفهوم فكرة الطرد‬

‫‪ -21‬يرى البعض أن كلمة طرد تفترض أن تكون البضائع مغلفة ( في صندوق – برميل – كيس‬ ‫الخ‪ 111)..‬وفي ذلك قضى بأن السيارة املنقولة بدون تغليف ال تشكل طردا‪ ،‬وأن حساب التعويض‬ ‫عنها يكون بالتالي على أساس الوحدة املبينة في سند الشحن ‪:‬طـن ‪ ،‬كيلو جرام الخ ‪ .112‬فى حني‬ ‫أن البعض اآلخر يرى أن الطرد هو شيء صغير احلجم نسبيا ميكن نقله باليد أو عند اإلقتضاء بعربة‬ ‫يد‪ ،‬األمر الذي يعني أن جهازا وزنه خمسة أطنان مثال ال يعتبر طردا‪ . 113‬أما روديير يرفض هاتني‬ ‫النظريتني فال يؤيد الرأي القائل بأن الطرد يجب أن يكون مغلفا وال يعترف بأن الطرد يجب أن يكون‬ ‫صغير احلجم وبناء عليه فهو يعتبر طردا اجلهاز الضخم الذى يشحن بدون غالف‪. 114‬‬ ‫‪ -119‬للناقل التمسك بتحديد املسئولية عن التعويض ما لم يتضمن سند الشحن بيانا صريحا بقيمة البضائع ‪.‬‬ ‫طعن رقم ‪ 22‬لسنة ‪ ، 1882‬محكمة متييز دبي ‪ ،‬جلسة ‪ ، 1882/5/8‬العدد ‪ ، 3‬ص ‪. 429‬‬ ‫‪Cass. 28av. 1947, D.M.F. 1948, P. 553 -111‬‬ ‫‪ -111‬د‪ .‬مصطفى كمال طه‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬فقرة ‪ 333‬ص ‪ .295‬د‪ .‬إبراهيم مكي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬فقرة ‪ 94‬ص ‪.59‬‬ ‫‪Trib. Com. Havre 18 Sept. 1970, D.M.F. 1971, P. 293 -112‬‬ ‫‪Cass 30 Janv. 1967, D. 1968, p. 160, note DURAND -113‬‬ ‫‪R.RODIERE, “ Traité de droit maritime” op. Cit.n 669 p. 302. -114‬‬ ‫‪142‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬ ‫وقد أخذ القضاء الفرنسي بهذا الرأي فقضت محكمة استئناف باريس ‪ 115‬بأن اصطالح الطرد في‬ ‫لغة أصحاب املهنة ال يعنى احلمولة الصغيرة فقط ‪ ،‬ولكن أيضا كل حمولة مفردة وذلك أيا كان‬ ‫‪116.‬‬ ‫وزنها أو حجمهـــا‬ ‫أما إذا جرى نقل البضائع في حاوية فمما ال شك فيه أن احلاوية فارغة تعتبر طردا‪ ،‬أما إذا حوت‬ ‫احلاوية عددا من الطرود فليس من الطبيعي اعتباراحلاوية بكل ما فيها طردا واحدا ‪.‬لذلك ترى‬ ‫األغلبية أن العبرة مبا يتسلمه الناقل‪ ،‬أي مبا هو مدون في سند الشحن ‪ .‬وهذا هو ما أخذت به‬ ‫محكمة استئناف بوردو‪ Bordeaux 117‬التي قضت بأنه عندما تذكر مفردات البضائع أي طبيعتها‬ ‫وأرقامها ووزنها وعدد الطرود أو املغلفات التي بداخل احلاوية فإن حدود املسئولية ال حتسب عن‬ ‫احلاوية نفسها‪ ،‬ولكن عن كل طرد من هذه الطرود ‪. 118‬‬ ‫وبهذا التعريف يتضح لنا أن القضاء الفرنسي قد سار على نهج بروتوكول ‪ 23‬فبراير ‪ 1968‬اخلاص‬ ‫بتعديل اتفاقية بروكسل ‪ 25‬أغسطس ‪ . 1924‬فاملادة الرابعة فقرة ‪ 4‬من هذا البروتوكول تنص على‬ ‫أنه عند استخدام حاوية أو ما شابه جلمع البضائع فإن كل طرد أو وحدة مدونة في سند الشحن‬ ‫على أنها موجودة فيه يعتبر طرد أو وحدة ‪ ،‬وفيما عدا هذه احلالة فإن األداة أي احلاوية تعتبر طردا أو‬ ‫وحدة ‪.‬‬ ‫وقد عرفت أيضا املادة ‪ 7‬فقرة ‪ 2‬من قواعد هامبورج فكرة الطرد فنصت على أنه‪:‬‬ ‫" أ – فى حالة استخدام حاوية أو منصة نقالة أو أي أداة نقل مماثلة لتجميع البضائع فإن الطرود أو‬ ‫وحدات الشحن األخرى اﶈددة في سند الشحن واملذكور أنها معبأة في أداة من أدوات النقل هذه‬ ‫حتسب طرودا أو وحدات شحن مستقلة‪ ،‬وفى خالف ما تقدم تعتبر البضائع املعبأة فى أداة النقل‬ ‫املذكورة وحدة شحن واحدة ‪.‬‬ ‫ب – في حاالت هالك أداة النقل ذاتها أو تلفها‪ ،‬تعد أداة النقل املذكورة‪ ،‬عندما ال تكون مملوكة للناقل‬ ‫أو مقدمة منه بأي شكل آخر‪ ،‬وحدة شحن مستقلة ‪" .‬‬ ‫وتنص اتفاقية روتردام في املادة ‪ 58‬على أنه " عندما تنقل البضائع في حاوية أو منصة نقالة أو أداة‬ ‫نقل مشابهة تستعمل لتجميع البضائع أو فوقها‪ ،‬أو في عربة أو فوقها‪ ،‬تعتبر الرزم أو وحدات‬ ‫الشحن التي عددت في تفاصيل العقد على أنها مرزومة في تلك األداة أو العربة أو فوقها رزما أو‬ ‫وحدات شحن ‪ .‬وإذا لم تكن معددة على هذا النحو‪ ،‬اعتبرت البضائع املوجودة في تلك األداة أو العربة‬ ‫أو فوقها وحدة شحن واحدة‪".‬‬ ‫وفي مجال النقل الدولي متعدد الوسائط توضح املادة ‪ 18‬فقرة ‪ 2‬من اتفاقية األمم املتحدة للنقل‬ ‫الدولي متعدد الوسائط املقصود بالطرد أو بوحدة الشحن عند حساب مبلغ التعويض بنصها على‬ ‫أنه ‪ ":‬في حالة استخدام حاوية أو منصة نقالة ‪ ،‬أو أي أداة نقل مماثلة لتجميع البضائع فإن الطرود‬ ‫‪Paris 24 Oct. 1966 B.T. 1967, P. 47; Trib.com. Paris14 Mars1973. B.T. 1947, P. 274, trib .com. Havre 5 -115‬‬ ‫‪Nov. 1974, D.M.F. 1975, P. 352‬‬ ‫‪Paris 20 Janv. 1972, B.T. 1972, p. 42. -116‬‬ ‫‪Bordeaux20Déc.1967,B.T.1968,P.240. -117‬‬ ‫‪Cass. 12 Oct. 1964 B.T. 1965 , p. 23 ; 29 Janv. 1980 , B.T. 1980 , p. 152 ; Rouen 14 Fév. 1975 , B.T. -118‬‬ ‫‪1975 , p. 358.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪143‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫أو وحدات الشحن األخرى اﶈددة في سند الشحن واملذكور أنها معبأة في أداة من أدوات النقل هذه‬ ‫حتسب طرودا أو وحدات شحن مستقلة ‪ ،‬وفي خالف ما تقدم تعتبر البضائع املعبأة في أداة النقل‬ ‫املذكورة وحدة شحن واحدة " ‪.‬‬ ‫‪ -21‬وعلى نطاق التشريعات الوطنية تنص املادة ‪ 233‬فقرة ‪ 2‬من قانون التجارة البحرية املصـــري‬ ‫على أنــــه‪ " :‬إذا جمعت الطرود أو الوحدات في حاويات ‪ ،‬وذكر في سند الشحن عدد الطرود أو‬ ‫الوحدات التي تشملها احلاوية عد كل منها طردا أو وحدة مستقلة فيما يتعلق بتعيني احلد األعلى‬ ‫للمسئولية وإذا لم تكن احلاوية مملوكة للناقل أو مقدمة منه وهلكت أو تلفت اعتبرت طردا أو وحدة‬ ‫مستقلة‪" .‬‬ ‫وتنص املادة ‪ 292‬من القانون التجاري البحري اإلماراتي فـي فقرتهـا الثانيـة علـى أنـه " إذا جمعـت‬ ‫الطرود أو الوحدات في صناديق أو أوعية أو غيرها من احلاويات وذكر في سند الشحن عدد الطـرود أو‬ ‫الوحدات التي تشملها احلاوية اعتبر كـل منهـا طـردا ُ أو وحـدة فيمـا يتعلـق بتعيـني احلـد األعلـى‬ ‫للمسؤولية فإذا لم تكن احلاويـة مملوكـة للناقـل أو مقدمـة منـه وهلكـت أو تلفـت اعتبـرت فـي‬ ‫ذاتهاطردا أو وحدة مستقلة" ‪.‬‬ ‫وتعنى كل هذه النصوص أنه عندما يذكر عدد الطرود أو الوحدات فى سند الشحن فإن كل طرد أو‬ ‫وحدة شحن باحلاوية يعتبر طردا أو وحدة شحن مستقلة ‪ .‬أما إذا لم تذكر مفردات البضائع في سند‬ ‫الشحن فإن احلاوية وما فيها تعتبر وحدة شحن واحدة ‪ .‬وهذا هو احلال عندما حتتوى احلاوية على عدد‬ ‫‪200‬طرد فإن متعهد النقل الذى تسلم هذا العدد من الطرود يلتزم فى حالة هالك أو تلف احلاوية مبا‬ ‫فيها ( اململوكة للشاحن أو املقدمة منه ) بتعويض يعادل ‪ 201‬مرة التحديد القانوني ملسئوليته‬ ‫عن الطرد الواحد وذلك ألن احلاوية ذاتها باعتبارها طردا تضاف إلى عدد الطرود التي بداخلها والتي‬ ‫تبلغ ‪ 200‬طرد‪ .‬وينتج عن ذلك أنه عندما ال يذكر سند الشحن مفردات البضائع فإن احلاوية كلها‬ ‫‪119.‬‬ ‫تعتبر طردا واحدا‬ ‫‪ -22‬وبالرغم من صراحة النصوص املشار إليها ‪ ،‬لم ينل مفهوم فكرة الطرد املذكور أعاله تأييد كل‬ ‫أصحاب املهنة فالبعض يرى أنه ليس طبيعيا أن تتنوع مسئولية الناقل حسب ما هو مدون فى‬ ‫سند الشحن‪ ،120‬في حني أن البعض اآلخر وافق على هذا املفهوم لفكرة الطرد ‪ .‬وحتى ال تتساوى‬ ‫احلاوية بالطرد فقد تعود الشاحنون على وصف احلمولة وصفا تفصيليا في سند الشحن ‪.‬‬ ‫ولتجنب مسئولية الناقلني عن بيانات الشاحن اجملالفة حلالة البضائع املوجودة فعال فى احلاوية ‪ ،‬درج‬ ‫العمل على أن يدون الناقلون في سند الشحن عبـارات تدل على حتفظهم على محتـوى احلاويـة‬ ‫ومنهـا على سبيـل املثـال حتفظ ‪ 121 said to contain‬أو" ذُكر أنه يحتوي على"‪ .‬ويعتبر الناقلون هذا‬ ‫‪Rouen 16 Mars 1973. B.T. 1973, P. 258. -119‬‬ ‫‪Problèmes Juridiques posés par l'exploitation des conteneurs: le point de vue des "I.D.I.T. et C.C.I : -121‬‬ ‫‪professionnels”, 1978, p.12‬‬ ‫‪ -121‬يوجد أيضا عبارات أخرى مثل ‪shipper – packed containers, “Shipper’s weigh , load and count”, weight :‬‬ ‫‪measurement , quality , contents , condition , marks, numbers Value, although declared by the‬‬ ‫”‪shipper in the bill of lading shall be considered as unknow‬‬ ‫وباللغة الفرنسية‪“poids inconnu”, “que dit être”, “sans approuver”, poids non vérifié”:‬‬ ‫‪144‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫التحفظ مبثابة تصريح على أن التفاصيل اخلاصة بالبضائع واملدونة في سند الشحن لم يتم‬ ‫مراجعتها وأنها مجهولة الوزن واحلجم واملقدار ‪.122‬ومبقتضى هذا التحفظ يبرأ الناقلون من‬ ‫املسئولية عن هالك أو تلف البضائع التي تعبأ داخل احلاوية بواسطة الشاحنني‪ ،‬إذا كان الضرر يرجع‬ ‫إلى الطريقة التي عبئت بها احلاوية‪ ،‬أو بسبب عدم مالءمة البضائع للنقل داخل احلاوية ‪ ،‬أو بسبب‬ ‫عدم مالءمة احلاوية نفسها أو سوء حالتها ‪ .‬وقد أثار هذا الوضع اجلديد ( حتفظ ‪) said to contain‬‬ ‫مشكلة قانونية جديدة ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‬ ‫مدلول حتفظ ‪ Said to contain‬أو " ذُكر أنه يحتوي على"‬

‫‪ -23‬يعتبر الناقلون هذا التحفظ ‪ 123‬قرينة لصاحلهم على أن العجز أو التلف املوجود فى البضائع‬ ‫قد حلق بها قبل الشحن‪ .‬ولكن السؤال الذى يُطرح اآلن هو اآلتي ‪ :‬هل يُعتد ‪-‬فى حالة وجود هذا‬ ‫التحفظ – بتصريحات الشاحن‪ ،‬أم بالوضع اﶈايد الناجت عن التحفظ الذي أدرجه الناقل ؟ مبعنى آخر‬ ‫ما هو أثر وجود هذا التحفظ على حساب مبلغ التعويض؟‬ ‫‪124‬‬ ‫أصدرت محكمة النقض الفرنسية حكما في هذا الشأن في قضية تتلخص وقائعها في أن‬ ‫متعهد النقل قد قام بشحن حاوية مملـؤة بباالت من القطن على السفينة األمريكية ‪American‬‬ ‫‪Legacy‬لتوصيلها إلى ميناء ‪ Le Havre‬الفرنسي ‪ .‬وقد كانت وثيقة الشحن حتتوى على طبيعة‬ ‫وأرقام وأصناف البضائع املوجودة فى احلاوية‪ ،‬ولكن عند وصول احلاوية وبعد فتحها مت اكتشاف‬ ‫اختفاء بالة من هذه الباالت بالرغم من أن أقفال وأختام احلاوية كانت سليمة ‪ .‬قامت شركة التأمني‬ ‫بتعويض املستلـم وأقامت دعوى ضد الشخص الذى تنوب عنه وهو صاحب السفينة الذى دفع‬ ‫بتحفظ ‪ . Said to contain‬أيدت محكمة النقض قرار محكمة ‪ Le Havre‬التجارية والتي كانت قد‬ ‫رفضت االعتراف بهذا التحفظ وقضت مبسئولية متعهد النقل ‪ .‬أكدت اﶈكمة في حيثيات حكمها‬ ‫أن متعهد النقل قد تسلم احلاوية مغلقة وعليها األختام واألقفال املوضوعة بواسطة الشاحن وأنه‬ ‫لم يستطع مراجعة مضمونها‪ ،‬وأنه‪ -‬بسبب التصرفات السابقة للشاحن‪ -‬كان من حق متعهد‬ ‫النقل أن يرفض كتابة أي بيانات خاصة بالبضائع ( عدد الطرود واملاركات الخ ) فى سند الشحن ‪.‬‬ ‫ولكن مبا أنه قد وقع على سند الشحن كما قدمه له الشاحن أي مفصال للبيانات اخلاصة بالبضائع‬ ‫فإن حتفظ ‪ said to contain‬يعتبر بدون قيمة ويعتبر متعهد النقل في هذه احلالة مسئوال عن‬ ‫النقص امللحوظ في البضائع ‪.‬‬ ‫‪ -122‬التحفظ على بيان بعينه في سند الشحن ال يسري على باقي البيانات الواردة فيه ‪ .‬طعن رقم ‪ 199‬لسنة‬ ‫‪ ، 2114‬محاكم دبي ‪ ،‬محكمة التمييز ‪ ،‬املكتب الفني ‪ ،‬العدد ‪ 12‬ق ‪ ،‬اجلزء األول من يناير إلى يوليو ‪ ، 2115‬ص ‪91‬‬ ‫‪ .‬طعن رقم ‪ 422‬لسنة ‪ ، 2113‬محكمة متييز دبي ‪ ،‬املكتب الفني ‪ ،‬العدد ‪ 15‬ق ‪ ،‬اجلزء األول من يناير إلى سبتمبر‬ ‫‪ ، 2114‬ص ‪. 219‬‬ ‫‪ -123‬ظهرت ظاهرة عمل التحفظات على حالة البضائع قبل ظهور احلاويات‪ ،‬فقد كان الناقلون يعملون حتفظات‬ ‫على التغلفة التقليدية للبضائع كالصناديق مثال التى كان يصعب التحقق من محتواها قبل الشحن‪ .‬انظر‬ ‫في حتفظ غير محدد‪Cass 13 Déc. 1995, B.T. 1995, P. 369. :‬‬ ‫‪Cass. 29 Janv. 1980, B.T. 1980, P. 152 -124‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪145‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬ ‫ومع ذلك لم يحصل حكم محكمة النقض على تأييد اجلميع‪ ،‬فقد صرح ‪ 125 Achard‬أن اﶈكمة قد‬ ‫تأثرت في حكمها بتصرفات الشاحن السابقة وغير اجلديرة بالثقة حيث إن الشاحن كان معتادا‬ ‫على البيانات اخلاطئة ‪ ،‬وبسبب هذه التصرفات فإن التحفظ املذكور أصبح عدمي القيمة ‪ .‬وهذا أيضا‬ ‫هو رأى ‪ 126 MERCADAL‬الذى يرى أنه إذا كانت اﶈكمة قد اعتبرت حتفظ ‪ said to contain‬مجردا‬ ‫من أي قيمة قانونية ‪ ،‬فإن ذلك ألن الناقل نفسه ‪ ،‬وبالرغم من تصرفات الشاحن السابقة – قد قبل‬ ‫هذا اخلداع ‪ .‬ولذا فالبد أن يقتصر هذا احلكم على احلالة موضوع النزاع فقط وليس على جميع‬ ‫احلاالت التي يوجد فيها مثل هذا التحفظ في سند الشحن – ويضيف ‪ MERCADAL‬بأنه في ظل‬ ‫هذا الوضع يبقي النقاش حول القيمة القانونية لهذا التحفظ قائما ‪.‬‬ ‫‪ -24‬ونرى أنه يجدر البحث عن القيمة القانونية لتحفظ " ذُكر أنه يحتوي على " فى النصوص‬ ‫القانونية نفسها‪ 127‬فاملادة ‪ 3‬فقرة ‪ 3‬من اتفاقية بروكسل تنص على أن الناقل ليس ملزما بكتابة‬ ‫التفاصيل اخلاصة بالبضائع في سند الشحن إن لم يكن لديه الوسائل املعقولة للتحقق من حالة‬ ‫البضائع ‪ .‬كما تنص املادة ‪ 36‬من املرسوم الفرنسي بتاريخ ‪ 31‬ديسمبر ‪ 1966‬على أنه يجب على‬ ‫الناقل الذى لم يتمكن من التحقق من حالة البضائع " أن يضع حتفظا في سند الشحن يوضح‬ ‫عدم صحة البيانات التي قدمها الشاحن وأسباب شكه في هذه البيانات وعم توافر وسائل التحقق‬ ‫من صحة هذه البيانات ‪" .‬‬ ‫وتنص املادة ‪ 258‬من القانون التجاري البحري اإلماراتي على أنه " ‪ -1‬للناقل أو مـن ينـوب عنـه إبـداء‬ ‫حتفظات على قيد بيانات الشاحن املتعلقة بعالمات البضائع وعددها أو كميتها أو وزنهـا إذا كانـت‬ ‫لديه أسباب جدية للشك في صحتها أو لم تتوفر لديه الوسائل العادية للتحقق منهـا ‪ -2.‬ويجـب‬ ‫ذكر أسباب التحفظ على قيد البيانات في سند الشحن واألسس التي استند إليها في ذلك " ‪.‬‬ ‫وتنص املادة ‪ 215‬فقرة ‪ 1‬من قانون التجارة البحرية املصري على أنه " يقدم الشاحن كتابة البيانـات‬ ‫املتعلقة بالبضائع عند تسليمها إلى الناقل ‪ ،‬وتقيد هذه البيانات في سند الشحن ‪ ،‬وللناقل إبـداء‬ ‫حتفظات على قيدها إن كان لديه أسباب جدية للشك في صحتها أو لم يكن لديه الوسائل العادية‬ ‫للتأكد منها ‪ ،‬وتذكر أسباب التحفظ على قيد البيانات في سند الشحن "‪.‬‬ ‫وبذلك إذا كان النقل البحري يخضع ألي من القانون البحري الفرنسي أو اإلماراتي أو املصري فإن‬ ‫الناقل يكون ملزما بتسبيب هذا التحفظ وبإيضاح أسباب شكه ‪ ،‬وأسباب عدم توافر وسائل‬ ‫التحقق من حالة البضائع ألنه إذا لم يف بهذا االلتزام يعتبر حتفظ " ذُكر أنه يحتوي على " عدمي‬ ‫القيمة ألنه غير مسبب‪ 128‬ويصبح مجرد شرط شكلي ‪ .129‬أما إذا كان النقل البحري خاضعا‬ ‫التفاقية بروكسل فإنه من الصعب البت في املوضوع بطريقة قاطعة ‪ ،‬فعلى عكس القوانني‬ ‫املذكورة حتث االتفاقية الناقل الذى يشك في البيانات التي قدمها الشاحن على رفض كتابة هذه‬ ‫‪R. ACHARD, “ Nouveau Commentaires sur la clause said to contain” D.M.F.1981,P.259. -125‬‬ ‫‪B. MERCADAL, “ Les problèmes Juridiques de la conteneurisation du transport maritime”, D.M.F. -126‬‬ ‫‪1982, P. 371.‬‬ ‫‪M.REMOND GOUILLOUD , “ Droit maritime “ op. cit. p. 351 n 541 . -127‬‬ ‫‪Cass. 29 Janv. 1980 , B.T. 1980 , p. 152 ; 22 Fév. 1983 , B.T. 1983 p. 587 , Trib. Com. Paris 25 Sep. -128‬‬ ‫‪1991 B.T. 1992 p. 68 .‬‬ ‫‪Rouen 22 Oct. 1976,préc -129‬‬ ‫‪146‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫البيانات فى سند الشحن ألنه لم يتمكن من مراجعتها ‪ ،‬فإذا قبل – بالرغم من هذا الشك – أن‬ ‫يكتب هذه البيانات فهو ملزم في هذه احلالة بتسليم البضائع باحلالة املوصوفة بها فى سند‬ ‫الشحن ‪.‬‬ ‫ومما تقدم ميكننا إذن القول بأن حتفظ " ذُكر أنه يحتوي على " يعتبر عدمي القيمة فى ظل أحكام‬ ‫اتفاقية بروكسل ألن النص يضع الناقل أمام اختيارين ‪ :‬إما أن يرفض سند الشحن كما هو بكل ما‬ ‫يتضمنه من بيانات أو أن يقبله على حاله ويسأل عن عدم مطابقة البضائع عند التسليم‬ ‫للمواصفات املوجودة في سند الشحن حتى إن لم يكن قد حتقق من مضمون احلاوية ‪.‬‬ ‫‪ -25‬ولكن ألسباب جتارية يستحيل على الناقل رفض سند الشحن ‪ ،‬فسند الشحن ميثل البضائع‬ ‫‪130‬‬ ‫عندما يكون قابال للتداول وهو ييسر أيضا عمليات االئتمان واالقتراض من البنوك بضمانه‪،‬‬ ‫ولذلك يضطر الشاحن إلى كتابة جميع البيانات اخلاصة بالبضائع في سند الشحن ‪ .‬وبالتالي‬ ‫فليس من مصلحة الناقل أن يرفض البيانات املوجودة في سند الشحن ألنه إن فعل ذلك فهو يفقد‬ ‫بذلك جزءا كبيرا من عمالئه ‪.‬‬ ‫ونرى أن هذا الوضع متناقض؛ فقبول الناقل لسند الشحن مبا يحتويه من بيانات خاصة بالبضائع‬ ‫يعني أنه قد حتقق من مضمون احلاوية ‪ ،‬ولكن – كما أوضحنا – نظرا ألن التحقق من حالة البضائع‬ ‫يأخذ الكثير من الوقت ويؤدى أحيانا إلى اإلضرار بالبضائع وازدياد احتمال سرقتها فإن الناقل ال يقوم‬ ‫بهذه العملية على اإلطالق‪ ،‬ولذلك فإن األغلبية العظمى من أصحاب املهنة يعتبرون أن هذه‬ ‫العملية مستحيلة ألنها تزيد التكلفة وتضيع الوقت مما يفقد النقل باحلاويات أهميته ‪.‬‬ ‫وأمام كل هذه األمور يصعب إذن القول بأن حتفظ " ذُكر أنه يحتوي على " عدمي القيم ‪ ،‬لكن هناك‬ ‫حالة واحدة فقط ميكننا فيها عدم االعتــداد بهــذا التحفظ أال وهي حالة ما إذا كان من املمكن‬ ‫الكشف عن صحة أو عدم صحة البيانات اخلاصة بالبضائع عن طريق وزن احلاوية‪ 131‬باملقارنة لعدد‬ ‫الطرود‪. 132‬وفيما عدا هذا احلالة فإنه يجب االعتداد بالقيمة القانونية لهذا التحفظ ألنه يعبر عن‬ ‫‪133‬‬ ‫الواقع ‪.‬‬ ‫وهذا هو ما أخذت به محكمة النقض املصرية التي اعترفت بالقيمة القانونية لتحفظ " ذُكر أنه‬ ‫يحتوي على " بشرط أن يثبت الناقل أسباب شكه في البيانات اخلاصة بالبضائع أو أسباب‬ ‫استحالة معاينة البضائع ‪.134‬‬

‫‪ -131‬د‪ .‬محسن شفيق " القانون التجاري" اجلزء الثالث ‪ 1858‬ص ‪ 111‬د‪ .‬سميحة القليوبي " القانون التجاري "‬ ‫عمليات البنوك – األوراق التجارية ‪ 1892‬ص ‪ .25‬د‪ .‬على جمال الدين عوض " االعتمادات املستندية ‪ ،‬دراسة‬ ‫قانونية لألعراف الدولية والقضاء املقارن " ‪ 1891‬ص ‪.12‬‬ ‫‪Cass. 14 Av. 1992 , B.T. 1992 , p. 705 , Aix-en-provence 22 Janv. 1991 , B.T. 1991 , p. 360 . -131‬‬ ‫‪Rouen 2 Déc. 1982, B.T. 1983, P. 210. -132‬‬ ‫‪Lyon 18 Mai 1987 , D.M.F. 1980 p. 73 ; Aix-en-provence 13 Oct. 1978 , D.M.F. 1980 , p. 79 -133‬‬ ‫‪ -134‬محكمة النقض املصرية‪ ،1893/4/19 ،1899/12/18 ،‬س ‪ 24‬ص ‪ .212‬محكمة النقض املصرية‪ ،‬طعن رقم ‪، 315‬‬ ‫جلسة ‪ ،1829/1/29‬املكتب الفني سنة ‪ ، 19‬س ق ‪ ، 32‬ص ‪ .192‬محكمة النقض املصرية‪ ،‬نقض ‪، 1821/2/11‬‬ ‫املكتب الفني سنة ‪ ، 11‬ص ‪ . 139‬انظر أيضا استئناف إسكندرية ‪ .1889/8/25‬هذا هو أيضا موقف محكمة‬ ‫النقض البلجيكية ‪ ،‬انظر في ذلك ‪:‬‬ ‫‪Cass . Belge 11 Mars 1977, droit européen des transports 1980, P. 73‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪147‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫واألثر الذى يترتب على حكم محكمة النقض املصرية هو أنه إذا لم يتمكن متعهد النقل من إثبات‬ ‫أسباب شكه في البيانات اخلاصة بالبضائع أو أسباب استحالة معاينة حالة البضائع فإن ذلك يعد‬ ‫قرينة قاطعة في مواجهة حامل سند الشحن على أن البيانات الواردة في سند الشحن صحيحة ‪.‬‬ ‫أما إذا متكن الناقل من هذا اإلثبات فإن ذلك يعد قرينة فييمواجهة حامل سند الشحن على أن‬ ‫البيانات الواردة فى سند الشحن غير صحيحة‪ ،‬وهذه القرينة بسيطة يستطيع الشاحن دحضها‬ ‫بالدليل العكسي‪.‬‬ ‫ونرى أن انقالب عبء اإلثبات من على عاتق الناقل إلى عاتق الشاحن يعتبر اتفاقا بالتراضي على حل‬ ‫املشكلة اخلاصة بالقيمة القانونية للبيانات املوجودة في سند الشحن ‪ .‬ففي يومنا هذا انقلبت‬ ‫األمور ولم يعد الشاحن هو الشخص الواجب حمايته من غنب الناقلني ألن في النقل بواسطة‬ ‫احلاويات لم تعد السيادة التعاقدية فيه في يد الناقل ولكن في يد الشاحن نفسه ‪ .‬فهو وحده الذى‬ ‫بإمكانه أن يدون التفاصيل اخلاصة بالبضائع فى سند الشحن وهو يدونها غالبا بطريقة تقريبية أو‬ ‫خاطئة قبل أن يفرضها على الناقل‪. 135‬فإذا كانت هذه هي احلالة في احلياة العملية فإنه من‬ ‫الطبيعي أن يقع عبء اإلثبات على عاتق الشخص الذى بيده أن يخدع الطرف اآلخر في العقد أي‬ ‫على عاتق الشخص الذى يقوم بتستيف البضائع داخل احلاوية بنفسه ‪ ،‬والذى يعد – في رأينا – في‬ ‫أنسب وضع إلثبات صحة البيانات اخلاصة بالبضائع وهذا الشخص ما هو إال الشاحـن نفسـه ‪.‬‬ ‫وجدير بالذكر أن عبء اإلثبات الواقع على عاتق الشاحن ليس باألمر الصعب فى حالة تلف ‪Damage‬‬ ‫‪ – avarie‬أو نقصان البضائع ‪ ،‬فكل األحكام اخلاصة بتلف البضائع توضح أنه من املمكن إثبات هذا‬ ‫التلف بطريق االستنتاج‪136‬من خالل معاينة اخلبير للبضائع في مكان التسليم ‪.‬لذا فال يهم أن‬ ‫ينتقل عبء اإلثبات من الناقل إلى الشاحن طاملا أن هذا اإلثبات ينتج من تقرير اخلبير الذى يعاين‬ ‫بنفسه البضائع ويستنتج ‪ .‬أما بالنسبة للنقصان في عدد البضائع أو وزنها فإن عبء اإلثبات ليس‬ ‫بالصعب أيضا ‪ .‬فإذا استبعدنا معاينة اخلبير فإنه من املمكن إثبات نقصان هذه البضائع عن طريق‬ ‫معاينة حالة األقفال أو األختام املضروبة على احلاوية مبعرفة الشاحن‪ .‬فإذا كانت هذه األقفال‬

‫وقد اعتنقت بعض اﶈاكم الفرنسية موقف القضاء البلجيكي ولكن محكمة النقض الفرنسية أخذت‬ ‫موقف معاكس انظر فى ذلك‪:‬‬ ‫‪Juill , Paris 19 Juin 1990 , D.M.F. 1991, P. 376, note R.ACHARD, Paris 8 Nov. 1978, inédit, 13‬‬ ‫‪1979, inédit.‬‬ ‫وقد أصدر القضاء األمريكي حكما مشابها حلكم محكمتي النقض املصرية والبلجيكية في قضية ‪Sperry‬‬ ‫‪ Rand Corp V. Norddeusher‬انظر في ذلك ‪American Maritime Cases 1973, 1392 :‬‬ ‫‪ -135‬قدرت البيانات اخلاطئة التى يعطيها الشاحنني بنسبة ‪ %31‬إنظر‪:‬‬ ‫‪R.RODIERE, “ La protection du transporteur maritime contre les Fausses déclarations de la nature des‬‬ ‫‪machandises en conreneurs”, B.T. 1979, P. 486.‬‬ ‫‪Aix-en-provence 9 Mai 1980 , B.T. 1980 , p. 587 ; Paris 2 Déc. 1980 , B.T. 1981 , p. 36 ; 12 Janv. 1976 -136‬‬ ‫‪, B.T. 1976 , p. 212‬‬ ‫‪148‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬ ‫واألختام غير سليمة فإن تصريحات الشاحن يفترض فيها أنها كانت صحيحة‪ ،137‬وعلى العكس‬ ‫فإذا كانت األقفال واألختام سليمة وكان عدد الطرود املدونة في سند الشحن ال يطابق عدد الطرود‬ ‫املوجودة حلظة التسليم فإن ذلك يدل على عدم صحة بيانات الشاحن‪ .‬هذا هو ما أكدته حديثا‬ ‫محكمة مارسيليا التجارية‪ 138‬التي قضت بأن تسليم احلاوية للناقل مغلقة ومحكمة تعتبر قرينة‬ ‫على أن الناقل لم يتمكن من معاينة البضائع ‪.‬‬ ‫ومن املمكن أن يعترض البعض على رأينا بالقول بأن وجود حتفظ " ذُكر أنه يحتوي على " في سند‬ ‫الشحن يضر بالتجارة الدولية ملا يؤدى إليه من إضعاف الثقة في سند الشحن عندما يراد بيع‬ ‫البضائع أو طلب االئتمان بضمانها ‪ .‬فقواعد العادات واملمارسات املوحدة اخلاصة باالعتمادات‬ ‫املستندية ‪ Uniform Practice for documentary crédit 1984 ( U.C.P.) Customs and‬تنص على أن‬ ‫كل حتفظ متعلق بتسليم البضائع أو باحلالة السيئة للبضائع أو بحالة التغلفة يجعل سند‬ ‫الشحن غير صالح لعمليات االئتمان املصرفي ‪.‬‬ ‫إال أنه إذا أخذنا بهذا االعتراض ( املنطقي ) فسوف نضع الناقل في وضع صعب للغاية وسيكون‬ ‫بذلك ضحية ملتطلبات التجارة الدولية في مجال نقل البضائع ‪ ،‬والوسيلة الوحيدة في رأينا للخروج‬ ‫من هذا الوضع اﺠﻤﻟحﻒ ‪ ،‬وحلماية الناقل من بيانات سند الشحن اخلاطئة هي االعتراف بصالحية‬ ‫حتفظ ‪ said to contain‬املوجود في سند الشحن‪.‬‬

‫‪ -137‬نتحدث هنا عن افتراض ميكن إثبات عكسه‪ .‬أنظر فى ذلك‪A.CHAO,“Conteneurs plombés . le trasnporteur :‬‬ ‫‪est – il responsable de leur contenu?”, B.T. 1992, P. 67.‬‬ ‫‪Trib . com. Marseille 25 Sep. 1991 inédit -132‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪149‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫اخلامتة‬ ‫‪ -22‬يحتاج شحن البضائع على سطح السفينة إلعادة النظر في النصوص التي حتكمه ليس فقط‬ ‫عندما يتم النقل على أسطح السفن العادية بل خاصة عندما يتم النقل على أسطح السفن‬ ‫اﺠﻤﻟهزة لنقل البضائع وهى مشحونة على السطح ‪ .‬فاشتراط احلصول على موافقة الشاحن وعلى‬ ‫إذن كتابي منه لم يعد باألمر الضروري‪ ،‬إذ أن الغالبية العظمى من البضائع يتم شحنها في حاويات‬ ‫وليس في غالف عادي كما كان يتم الشحن في السابق ‪ ،‬وهو األمر الذي يقلل من فرصة تعرض‬ ‫البضائع جملاطر البحر ‪ .‬هذا فضال عن أن شحن البضائع على السفن اﺠﻤﻟهزة قلل أيضا من هذه‬ ‫اجملاطر لدرجة أنها أصبحت شبه معدومة ألن احلاويات التي تشحن فيها البضائع يتم تثبيتها على‬ ‫السطح فتصبح جزءا ال يتجزأ من بدن السفينة ذاتها ‪ .‬وبناء عليه فإنه من الطبيعي أن يعاد النظر‬ ‫في القيود التي وضعها املشرع‪ 139‬في زمن كانت البضائع تتعرض فيه فعال جملاطر البحر ليحل‬ ‫محلها قواعد أكثر مواءمة للظروف احلالية للنقل على السطح ‪.‬‬ ‫‪ -29‬أما بالنسبة حلساب التعويض في حالة إصابة البضائع اﶈواة بضرر ما ‪ ،‬فإن صعوبة إثبات مكان‬ ‫‪140‬‬ ‫وزمان حدوث الضرر ‪-‬الذي له عظيم األثر على مسئولية الناقل ‪ -‬يحتاج أيضا لتدخل املشرع‬ ‫لسد الفراغ التشريعي و وضع نصوص حتمي الناقل – في حالة العجز عن إثبات مكان الضرر ‪ -‬من‬ ‫الوضع احلالي الذي يضعه في أغلب األحيان موضع الضامن جلميع اجملاطر بسبب حتمله تبعة أخطاء‬ ‫غيره من الناقلني‪.‬‬ ‫‪-29‬إن التطور الذي يحدث في مجال النقل البحري البد وأن يواكبه تطور في النصوص القانونية‬ ‫التي حتكمه وإالف إما أن نكون أمام فراغ تشريعي يصعب بسببه على القضاة إصدار أحكامهم‬ ‫وإما أن نكون أمام نصوص قانونية بالية يضطر القاضي إلى تطبيقها وهو يعلم متام العلم أنها ال‬ ‫تتناسب واحلالة املعروضة أمامه‪.‬‬

‫‪ -133‬يستثني من ذلك املشرع الفرنسي ألنه لم يعد يشترط حصول الناقل على موافقة الشاحن ‪ ،‬واعتبرها‬ ‫مفترضة في حالة الشحن على السفن املتخصصة‪.‬‬ ‫‪ -134‬باستثناء حالة الناقل الذي يشحن البضائع على السطح فعال ومبوافقة الشاحن بالنسبة للقانون البحري‬ ‫اإلماراتي‪ ،‬إذ أن الناقل في هذه احلالة يخضع للقواعد العامة للمسئولية وال تنطبق عليه أحكام عقد النقل‬ ‫البحري اإلماراتي‪.‬‬ ‫‪150‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬سوزان علي حسن‬

‫املراجع العربية‬ ‫‪ .1‬ابراهيم مكي " ‪ :‬النقل بأوعية الشحن "‪ ،‬دار القبس ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬الطبعة األولى ‪1975 ،‬‬ ‫‪ .2‬أحمد حسني "النقل البحري الدولي للبضائع واحلوادث البحرية" ‪ ،‬منشأة املعارف ‪،‬‬ ‫اإلسكندرية ‪1981‬‬ ‫‪ .3‬سميحة القليوبي " القانون البحري " دار النهضة العربية ‪.1899 ،‬‬ ‫‪ .4‬عبد الرحمن سليم "شروط اإلعفاء من املسئولية طبقا ملعاهدة سندات الشحن "رسالة‬ ‫دكتوراه ‪. 1855 ،‬‬ ‫‪ .5‬عبد الرزاق السنهوري " الوسيط في شرح القانون املدني " ‪ ،‬دار إحياء التراث العربي ‪2111 ،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ .2‬عبد القادر حسني العطير‪" ،‬احلاويات وأثرها في تنفيذ عقد النقل البحري" ‪ ،‬دار الثقافة‬ ‫للنشر والتوزيع ‪. 1893 ،‬‬ ‫‪ .9‬عزيز عبد األمير العكيلي "دور سند الشحن في تنفيذ عقد البيع "دار النهضة العربية ‪،‬‬ ‫‪1891‬‬ ‫‪ .9‬علي البارودي " مبادئ القانون البحري" ‪ ،‬منشأة املعارف ‪. 2111 ،‬‬ ‫‪ .8‬علي جمال الدين عوض " النقل البحري للبضائع " ‪ ،‬دار النهضة العربية للطبع والنشر‬ ‫والتوزيع ‪. 1882 ،‬‬ ‫‪ .11‬علي جمال الدين عوض " القانون البحري " دار النهضة العربية للطبع والنشر والتوزيع ‪،‬‬ ‫‪.1899‬‬ ‫‪ .11‬علي جمال الدين عوض " االعتمادات املستندية ‪ .‬دراسة قانونية لألعراف الدولية والقضاء‬ ‫املقارن "‪ ،‬موسوعة القضاء والفقه للدول العربية ‪. 1891 ،‬‬ ‫‪ .12‬علي يونس "عقد النقل "‪ ،‬دار الفكر العربي ‪ ،‬القاهرة ‪. 1825 ،‬‬ ‫‪ .13‬فاروق ملش " ‪ :‬النقل املتعدد الوسائط " ‪ ،‬األكادميية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل‬ ‫البحري ‪. 1882 ،‬‬ ‫‪ .14‬كمال حمدي "عقد الشحن والتفريغ "‪ ،‬منشـأة املعارف ‪. 2112 ،‬‬ ‫‪ .15‬كمال حمدي" اتفاقية األمم املتحدة للنقل البحري للبضائع عام ‪ 1899‬قواعد هامبورج" ‪،‬‬ ‫منشأة املعارف ‪. 1888-1889،‬‬ ‫‪ .12‬كمال حمدي " القانون البحري" ‪ ،‬منشأة املعارف ‪. 1889 ،‬‬ ‫‪ .19‬محمود سمير الشرقاوي " القانون البحري " الطبعة الرابعة ‪ ،‬مطبعة جامعة القاهرة‬ ‫والكتاب اجلامعي ‪. 1883 ،‬‬ ‫‪ .19‬مصطفى كمال طه " القانون البحري" ‪ ،‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ‪.2111 ،‬‬ ‫‪ .18‬مصطفى كمال طه "القانون البحري اجلديد "‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة ‪." 1885‬‬ ‫‪ .21‬هاني دويدار " الوجيز في القانون البحري" ‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة ‪. 2112،‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪151‬‬


‫الطابع اخلاص ملسئولية الناقل البحري عن نقل البضائع املشحونة على سطح السفينة‬

‫املراجع األجنبية‬ 1-R.ACHARD , note sous Aix 18 juin 1985 , D.M.F. 1986 , p. 740 2-R. ACHARD, “ Nouveau Commentaires sur la clause said to contain” D.M.F. 1981, P. 259. 3-R.ACHARD, “ Nouveau commentaire sur la clause said to contain : l’arrêt de la Cour de Cassation du 29 Janv. 1980” D.M.F. 1981 4-V.E. BOKALLI, " Conteneurisation et transport multimodal international des marchandises. Aspects juridiques et assurance ", Th. Aix-Marseille 1989 5- A. CHAO, “ Transport en pontée , Incidence des fautes du transporteur sur sa resoponsabilité”, B.T. 1995 6-A.CHAO,“Conteneurs plombés . le trasnporteur est – il responsable de leur contenu ?”, B.T. 1992 7-Ph. GODIN, “ Trasnport par conteneurs: la clause said to contain”, D.M.F. 1980 8-B.MERCADAL “ Les problemes juridiques de la conteneurisation du transport maritime “ , D.M.F. 1982 9-M. REMOND - GOUILLOUD , " le droit maritime " 2eme edition , Pedone , 1993. 10-R.RODIERE, “ La protection du transporteur maritime contre les Fausses déclarations de la nature des machandises en conreneurs”, B.T. 1979 11-R. RODIERE " Affretement et transports " TII, n 523 12- Y. TASSEL , note sous Montpellier 24 Av. 1995 , D.M.F. 1995 13-M.T.ILCHE, “ Vérification du chargement Mieux vaut prévenir que Patir”B.T.1991

‫م‬2013 ‫ يوليو‬- ‫هـ‬1435 ‫ ربيع األول‬:‫ العدد الثاني‬- ‫السنة األولى‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

152


‫ سوزان علي حسن‬.‫د‬

‫مجموعة األحكام العربية‬ ‫مجموعة أحكام النقض املصرية‬

‫مجموعة أحكام اﶈكمة اإلﲢادية العليا‬

‫ مجموعة محكمة متييز دبي‬

‫مجموعة األحكام األجنبية‬ ‫أحكام محكمة النقض الفرنسية‬

‫مجموعة أحكام محاكم اإلستئناف الفرنسية‬

‫قائمة اجملتصرات‬ Liste des principales abréviations A.M.C : American maritime cases B.T. : bulletins des transports Cass : Cour de cassation C.C.I. : la Chambre de commerce internationale C.J.C.E : Cour de Justice des communautés européennes C.M.I. : comittee for international maritime D. : Dalloz D.M.F. : droit maritime francais I.D.I.T : Institut du Droit international des transports de Rouen Obs.: observation Op. cit. : Opere citato (dans l’ouvrage cité). p.: page T. : tome Th. : These Trib. : tribunal Trib. Com. : Tribunal de commerce

153

‫ دولة اإلمارات العربية املتحدة‬- ‫ جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬،‫تصدر عن كلية القانون‬


‫‪154‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫تنظيم الحماية الدولية لحقوق‬ ‫األســـــــــــرة‬ ‫بين الخصوصية والعالمية‬

‫د‪ .‬وسام نعمت السعدي‬ ‫مدرس القانون الدولي العام‬ ‫كلية احلقوق‪ /‬جامعة املوصل‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪155‬‬


‫ملخص البحث‬ ‫لقد تطورت اجلهود الدولية الرامية إلى تنظيم أوضاع احلماية الدولية لألسرة تطورا ً كبيرا ً‬ ‫وملحوظاً‪ ،‬وتزايد اهتمام املنظمات الدولية احلكومية وغير احلكومية بحقوق األسرة‬ ‫بشكل ينسجم مع تطور اخلطاب العاملي الذي جتسده الوثائق الدولية املنظمة لهذه‬ ‫احلقوق‪ ،‬ولكن يبقى ‪-‬وفي جميع األحيان‪ -‬ثمة مساحة مهمة ومتميزة للخصوصيات‬ ‫االجتماعية والثقافية والفكرية والدينية املتصلة بهذه احلقوق‪ ،‬هذه اخلصوصيات بات‬ ‫يدافع عنها الكثير من اخملتصني ألنها جتسد ضمانة أساسية لتنظيم متوازن ومنضبط‬ ‫حلقوق جوهرية متس أهم مكون للمجتمع آال وهي األسرة‪.‬‬

‫‪156‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫املقدمة‬ ‫إن التطورات البارزة في إطار دراسات القانون الدولي حلقوو انناوان شف ون أو ذن و ا‬ ‫القانون ذصبح يتعامل مع أدد م املوضوأات الفاألة واملتميزة واملؤثرة في واقع احليواة اققتاوادية‬ ‫ا القانون يقدم قواأد دولية شعالج سائر احلقو موضوو‬

‫واقجتماأية والثقافية والففرية‪ ،‬واخ‬

‫احلماية م منظور ففري وفلافي خاص معبر أ شاورات ومنهجيات ومدارس شرجع في غالبيتهوا‬ ‫إلى الفقه الغربي‪ ،‬األمر ال ي جعل الوثائق الدولية األساسية ذات الالة بهو ا القوانون شو شي و وي‬ ‫حتمل بني طياشها ذحفام قانونية وقواأد دولية معبرة أ مدرسة ففرية غربية مؤمنة بالدميقراطية‬ ‫الليبرالية وما يرشبط بها م نتائج وإفرازات‪،‬‬ ‫أ اخلاوصية التي يجب ذن شراأيها‬

‫ا ما دأى الفثير م احملتاني والباحثني إلوى احلودي‬

‫ه الوثوائق لاوائر ال وعوا واعتمعوات التوي حتمول قوي‬

‫وثقافات وشقاليد متباينة‪.‬‬ ‫وإن اجلانب اخلاص باحلقو األسرية ميثل ذكثر امليادي شو ثرا بهو ا اقهواه خاصوة‪ ،‬وان احلقوو‬ ‫محل احلماية في إطار منظومة احلقوو األسورية ألوى ماوتول أوا ا مو األ ميوة واخلطوورة ألن‬ ‫التوصين القانوني له ه احلقو وفق منهج معوني سويلقي بتبعوات طويلوة األمود ألوى طبيعوة‬ ‫التعامل معها وألى حتديد مضمون شلك احلقو وبيان خاائاها وآلية التعامل معها‪.‬‬ ‫وم‬

‫نا بدذت امل فلة الفبيرة شظهر أند أدد كبير م الدو التوي حاولوأ ذن شوفوق بوني مونهج‬

‫شعامل الوثائق القانونية الدولية موع احلقوو األسورية وبوني طريقوة معاجلتهوا لهو ه احلقوو فوي‬ ‫ش ريعاشها الداخلية وب فل خواص موقون الدسواشير الوطنيوة التوي شعتورا راأواة اقأتبوارات‬ ‫القيمية واقجتماأية والثقافية والعادات والتقاليد واملوروث الففري واحلضاري ل عب م ال عوا‪.‬‬ ‫وكانووأ م ووفلة احلوودي أو خاوصووية بعووب اعتمعووات‪ ،‬وب ووفل خوواص اعتمعووات‬ ‫انسالمية‪ ،‬ي إشفالية فرض مناذج ثابتة قد شتوافق م املنطلقات الففرية الغربية إق ذنها شتقاطع‬ ‫مع مبادئ ال ريعة انسالمية‪ ،‬وقد ذخ ت‬

‫ه امل فلة حيزا مهما وكبيورا فوي ميودان الدراسوات‬

‫املتخااة في القانون الدولي حلقو انناان‪.‬‬ ‫فاألسرة وبه ا التوصين شعتبر مفاال اجتماأيا حيوي وذساسيا م خاللوه ميفو ذن يوت‬ ‫شنظي مجاقت كبيرة م احلماية القانونية إما بطريقة شناج وشتناسق مع قي اعتمع الووطني‬ ‫وثقافاشه‪ ،‬ذو قد يفون ناك انقاام وشقاطع واضوح بوني مونهج التعامول القيموي والثقوافي الو ي‬ ‫شقدمه الوثائق الدولية مع املاتول املطلوا للتنظي احلمائي للحقو األسرية‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪157‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫ذ مية الدراسة‪:‬‬ ‫شفم ذ مية‬ ‫شناقش حتى يومنا‬

‫ه الدراسة في كونها شعالج مجموأة كبيرة مو امل وفالت التوي ق شوزا‬ ‫ا ألى صعيد القانون الودولي حلقوو انناوان‪ ،‬واملرشبطوة‬

‫وفلة التوفيوق‬

‫والتنايق بني املدارس الفلافية والففرية وانعفاساشها ألى احليواة اقجتماأيوة‪ ،‬وب وفل خواص‬ ‫انعفاساشها ألى احلقو األسرية في منظور القانون الدولي‪ ،‬فاقنقاامات الفقهيوة‪ ،‬والتبواي فوي‬ ‫مواقن أدد م الدو ‪ ،‬والتحفظ ذحيانا ألى اشفاقيوات حقوو انناوان شقون وراشه م وفلة أودم‬ ‫التجانس‪ ،‬واقناجام ما بني التنظي الدولي للحقو ‪ ،‬والتنظي الوطني لها‪ .‬وبالتالي فوان ذ ميوة‬ ‫ه الدراسة شفم في ذنها حتاو البح في كيفية شوظين اخلاوصية الثقافية والتنو احلضاري‬ ‫لدأ أاملية حقو انناان‪.‬‬ ‫إشفالية الدراسة‪:‬‬ ‫حتاو‬

‫ه الدراسة أرض إشفاليات متعددة وذساسية ذ مها‪:‬‬

‫‪ .1‬إشفالية التوفيق بني أاملية حقو انناان‪ ،‬ومراأاة اخلاوصوية الثقافيوة فوي مجوا حقوو‬ ‫األسرة‪.‬‬ ‫‪ .2‬إشفالية الرؤية القانونية لدل واضوعي القاأودة القانونيوة الدوليوة املنظموة حلقوو األسورة‪،‬‬ ‫والتبريرات التي شقن وراش إقرار ناوص احلماية‪ ،‬والنظرة إلى احلق محل احلماية‪.‬‬ ‫‪ .3‬إشفالية التباي في فه الناوص الدولية وشطبيقها‪ ،‬وما يرشبط ب لك م م فلة التفاير‬ ‫والت ويل والتطبيق األمثل للناوص املنظمة حلقو األسرة‪.‬‬ ‫‪ .4‬إشفالية انقاام التنظي الدولي للحقو األسرية وشوزأه موا بوني ماوتول أواملي وإقليموي‬ ‫ووطني وإمفانية التوفيق وبناش التجانس في‬

‫ا انطار‪.‬‬

‫منهجية الدراسة‪:‬‬ ‫سنعتمد في دراستنا ألى املنهج القانوني التحليلي القائ ألى حتليل القواأد القانونيوة‬ ‫الدولية اقشفاقية والعرفية املنظمة حلقو األسورة والف ون أو مودل مالئمتهوا للتطبيوق فوي‬ ‫مجتمعات ذات قي وثقافات مختلفة ومتباينة‪.‬‬ ‫فرضية الدراسة‪:‬‬ ‫شنطلق دراستنا م فرضية ذساسية مفاد ا إن ذي شعامل سلي مع احلقو اخلاصة باألسرة‬ ‫يجب ذق يهمل اخلاوصيات الثقافية واقجتماأية واخللفيات الففرية والقيمية عتمع م اعتمعات‬ ‫األمر ال ي يجب معه ذن شفون ناك مااحة م احلرية للم ر الوطني في شطبيق القواأد الدولية‬ ‫في حدود وذبعاد شناج مع‬ ‫‪158‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫ه املعطيات‪.‬‬ ‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫يفلية الدراسة‪:‬‬ ‫سوا ندرس‬

‫ا املوضو م خال شقايمه إلى ثالث مباح ذساسية يعالج املبح األو‬

‫شعرين احلماية الدولية حلقو األسرة‪ ،‬ذما املبح الثاني فانه يعالج حقو األسرة في القانون الدولي‬ ‫في انطار العاملي‪ ،‬في حني يتناو املبح الثال احلقو األسرية وم فلة اخلاوصية‪ ،‬كما ي شي‪-:‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪159‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫املبح األو‬ ‫التعرين باحلماية الدولية لألسرة وشطور ا‬ ‫ل شف األسرة عز أ دراسات القانون الدولي العام وذبحاثه‪ ،‬بل ذنها ل شف في ذي وقأ‬ ‫م األوقات خارج إطار قواأده وذحفامه‪ ،‬فقد نالأ األسرة في‬

‫ا القانون م األوضا ما يحاب‬

‫لها ذحيانا‪ ،‬ويحاب أليها في ذحيان ذخرل‪ ،‬ففانأ ناك م فالت شقن ذمام جهود الدو‬ ‫واملنظمات الدولية في مجا إقرار قواأد دولية جامعة شنظ ميادي األسرة وشعالج م فالشها‪،‬‬ ‫وكانأ اجلهود شتعثر في مجاقت‪ ،‬ويفتب لها النجاح في مجاقت ذخرل وب فل خاص في مجا‬ ‫شامني معاجلات جزئية ملظا ر معينة م التنظي القانوني ل ؤون األسرة وقضايا ا‪.‬‬ ‫ولقد ذدركأ الدو ذ مية إدماج حقو األسرة في إطار منظومة حقو انناان وذخ ت‬ ‫شبح‬

‫أ آليات شففل احلماية الدولية الناجعة لها‪ ،‬وذخ ت شضع اقشفاقيات الدولية وانأالنات‬

‫اخلاصة به ا املوضو ‪ ،‬وشباينأ القناأات لدل احملتاني حو جدول شلك اآلليات املقررة للحماية‬ ‫خاصة وان بعب احلقو التي مت اقأتراا بها لألسرة في إطار شلك اقشفاقيات ق شناج مع قي‬ ‫وشقاليد الفثير م اعتمعات‪ ،‬األمر ال ي ذثار شخوا الفثيري حو اآلثار الالبية الناجمة أ اأتماد‬ ‫منظومة حقو دولية شفرس خطابا أامليا قد يغفل اخلاوصيات اقجتماأية والثقافية والففرية‬ ‫والدينية والقيمية للفثير م ال عوا واجلماأات‪.‬‬ ‫وفي جميع األحوا نال بان ناك شطورا حقيقيا قد طرذ في مجا التعامل مع قضايا‬ ‫األسرة في إطار الوثائق الدولية‪ ،‬وذن‬

‫ا التطور كان حايلة جهود ب لأ م قبل منظمات دولية‬

‫حفومية وغير حفومية‪ ،‬وم قبل ذطراا مهتمة بقضايا األسرة ألى صعيد القانون الدولي ففانأ‬ ‫اﶈالة ذن برﺯ إلى الوجود شنظي قانوني حلقو األسرة فيه م اقيجابيات ما فيه‪ ،‬وأليه م املﺂخ‬ ‫ما أليه‪.‬‬ ‫وم‬

‫ا املنطلق سنحاو في‬

‫ا املبح‬

‫ذن نناقش احلماية الدولية حلقو األسرة م‬

‫ناحية التعرين به ه احلماية وحتديد ماادر احلماية املقررة ومتابعة حركة شطور ا ألى املاتول‬ ‫الدولي‪ ،‬و ا ما سنعاجله في املطالب الثالثة اآلشية‪-:‬‬

‫‪160‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫املطلب األو‬ ‫شعرين احلماية الدولية لألسرة‬ ‫قبل ذن نناقش مفهوم احلماية الدولية لألسرة ‪ ،‬يفون م الضروري ذن نحدد املدلو اللغوي‬ ‫واقصطالحي ملفردة األسرة‪ ،‬لفونها اﶈور األساس ال ي يدور حوله بحثنا‪ ،‬ث ننتقل بعد ذلﻚ لتحديد‬ ‫مفهوم احلماية الدولية لألسرة م خال الوقوا ألى التعريفات التي ذورد ا الفقه ذو التي شورد ا‬ ‫الوثائق والناوص الدولية‪.‬‬

‫الفر األو‬ ‫املدلو اللغوي واقصطالحي لألسرة‬ ‫سنبدذ ذوق بتحديد املدلو اللغوي ث ننتقل إلى املدلو اقصطالحي لألسرة كما ي شي‪-:‬‬

‫املقاد األو‬ ‫املدلو اللغوي لألسرة‬ ‫م خال الرجو إلى معاج اللغة العربية للوقوا ألى املدلو اللغوي لفلمة (ذسرة)‬ ‫شطالعنا معاني أدة ومفا ي مختلفة شاتخدم م ذات اقشتقا اللغوي له ه املفردة‪ ،‬فاألسرة‬ ‫م "ذ س ر" األلن والاني والراش ومعناه احلبس وانمااك‪ ،‬وذسره إسارة شعني شده وربطه‪ ،‬وقد‬ ‫اشتق ماطلح األسرة م‬ ‫اآلخري ‪.‬‬

‫ه املادة اللغوية ملا يترشب ألى كل واحد م ذأضائها م التزامات نحو‬

‫(‪)1‬‬

‫كما ذنها شعطي معنى القوة وال دة و ي ذيضا الدر احلاينة‪ ،‬فهي شعد لفل م‬ ‫ذأضائها الدر احلاني‪،‬و ا املعنى اللغوي لألسرة يجعلها كاور حاني ياعب اختراقه في عر‬ ‫املرش ب مية‬

‫ا الاور‪ ،‬وال ي بهدمه شضيع العالقات في اعتمع ول شعد ناك ذبوة ذو ذمومة ذو‬

‫بنوة ذو أمومة ذو خئولة‪..‬الخ‪ ،‬و ي أ يرة الرجل ور طه األقربون وسميأ به ا ملا فيها م معنى‬ ‫القوة حي يتقول بها الرجل(‪.)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ح ُ َخلَقْ َنا ُ ْ و َ َش َددْنَا ذ َ ْسر َ ُ ْ وَ اإذَا اشئْنَا‬ ‫واألسرة ذيضا م تقة م األسر لقوله شعالى‪(:‬ن َ ْ‬ ‫بَدَّلْ َنا ذ َ ْمثَال َُه ْ شَبْ اديال) (‪ ،)4‬ذو القيد ال ي يقيد ويربط به‪ ،‬شقو ‪ :‬ا ذسر األسر ذي القيد‪ ،‬وش شي عنى‬

‫(‪ )1‬محمد ب مفرم ب منظور األنااري‪ ،‬لاان العرا‪ ،‬ج‪ 8‬مادة (ذ س ر)‪ ،‬ط‪ .1‬دار صادر ‪ ،‬بيروت‪،2003 ،‬ص‪.171‬‬ ‫(‪ )2‬املرجع ذأاله‪ ،‬ص‪.177‬‬ ‫(‪ )3‬ذبي أبد الرحم اخلليل احمد الفرا يدي‪ ،‬العني‪،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1‬دار الهال ‪ ،‬حتقيق د‪ .‬مهدي احملزومي ود‪.‬إبرا ي‬ ‫الاامرائي‪ ،‬بيروت‪،1888،‬ص ‪.321‬‬ ‫(‪ )4‬سورة انناان ‪ /‬اآلية ‪.28‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪161‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫كُلّ ال يش ذو جميعه‪ ،‬شقو العرا‪:‬‬ ‫جميعه ‪.‬‬

‫ا ال يش لك ب سره ذي كُلّه‪ ،‬وجاشوا ب سر‬

‫يعني‬

‫(‪)5‬‬

‫وانطالقا مما شقدم فإن لفظة (األُسرة) شُطلق ويُراد بها‪:‬‬

‫وس ّميأ ب لك نحفام صنعها ح ّتى ك ن ّها حا يقي َم ْ قذ به واحتمى فيه‬ ‫‪ /1‬ال ّدرو احلاينة‪ُ ،‬‬ ‫م ضربات األأادي‪.‬‬ ‫وس ّموا ب لك‪ ،‬لقوة الرّباط ال ي يربطه ويوفّر له احلماية‬ ‫‪ /2‬ذ ل الرّجل وأ يرشه ور طه األدنون‪ُ ،‬‬ ‫واملنعة‪.‬‬

‫(‪)6‬‬

‫وسموا ب لك‪ ،‬لألمر ال ي يربطه ويجمع بينه ‪.‬‬ ‫‪ /3‬اجلماأة يربطه ذمر م ترك‬ ‫ّ‬ ‫وقد شا استعما املعنى أرفا و و‪:‬ذ ل الرّجل وأ يرشه بحي إذا ذُطلقأ كلمة (ذُسرة)‬ ‫مباشرة إلى مجموأة ذفراد ذوي صالت معينة م قرابة ذو ناب يعي ون معا‪ ،‬ذو‬

‫انارا ال‬

‫ينحدر بعضه م بعب(‪.)7‬‬

‫املقاد الثاني‬ ‫املدلو اقصطالحي‬ ‫واألُسرة في اقصطالح شُطلق ويُراد بها "األا واألم‪ ،‬وما انبثق منهما م ذرية ذبناش وبنات‬ ‫ا ال ّتعرين يتضح لنا العالقة القوية بني املعنى‬ ‫وإخوة وذخوات‪ ،‬وذأمام وأمات"(‪ ،)8‬وم خال‬ ‫اقصطالحي واملعنى الُّلغوي‪.‬‬ ‫ويعرفها البعب ب نها‪":‬اللبنة األساسية لبناش اعتمع وذو حلقة في اعتمع اننااني‪ ،‬فيها‬ ‫شنغرس ذولى ب ور اقستقامة والفضيلة ذو ب ور اقنحراا والرذيلة ومنها يخرج انناان إلى اعتمع‬ ‫(‪)9‬‬

‫خيرا ذو شريرا"‪.‬‬

‫و ناك م يعرفها م جانب احلقو القائمة بني ذأضائها ب نها‪( :‬احلقو التي شقوم بني‬ ‫ذأضاش األسرة بعضها قبل بعضها األخر‪ ،‬وشثبأ لفل منه ألى ذساس مركزه في األسرة مثل‬ ‫سلطة األا في ش ديب ذوقده‪ ،‬وحق الزوج ألى زوجته بالطاأة)‪.‬‬

‫(‪)10‬‬

‫محمد ب ذبي بفر الرّازي‪ ،‬مختار الاحاح‪ ،300/1 :‬مادة (ذ س ر)‪ ،‬ط‪ .3‬حتقيق‪ :‬محمود خاطر‪ ،‬مفتبة لبنان‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫(‪) 5‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ 1411‬و‪1881-‬م‪،‬ص ‪.77‬‬ ‫(‪ ) 6‬ندمي مرأ لي‪،‬وذسامة مرأ لي‪،‬الاحاح في اللغة والعلوم‪(:‬حتديد صحاح العالمة اجلو ري‪ ،‬واملاطلحات‬ ‫العلمية والفنية باعامع‪ ،‬واجلامعات العربية)‪ ،‬ج‪ ،20/1‬ط‪ -1‬دار احلضارة العربية‪ ،‬بيروت‪1874 ،‬م‪ ،‬ص‪.112‬‬ ‫(‪ )7‬محمد ب مفرم ب منظور األنااري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.177‬‬ ‫ّانية‪ ،‬بتحقيق‪ :‬أبد الرحم ب‬ ‫ث‬ ‫ال‬ ‫الطبعة‬ ‫ة‪،‬‬ ‫شيمي‬ ‫اب‬ ‫شيمية‪،‬مفتبة‬ ‫(‪ )8‬ينظر‪:‬الفتاول الفبرل‪ :‬ل يخ انسالم اب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫محمد املنجدي‪،2002،‬ص ‪.12‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )9‬ذمير موسى بو خميس‪ ،‬حقو انناان مدخل إلى وأي حقوقي‪ ،‬سلالة الثقافة القومية ‪ ،‬رق الالاة (‪،)24‬‬ ‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،1884 ،‬ص‪.130‬‬ ‫‪162‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫املقاد الثال‬ ‫موقن الوثائق الدولية م شعرين األسرة‬ ‫أرفأ الفقرة الثالثة م املادة الاادسة أ رة م انأالن العاملي حلقو انناان األسرة‬ ‫ب نها‪(:‬اخللية الطبيعية واألساسية في اعتمع‪ ،‬ولها حق التمتع بحماية اعتمع والدولة)‪.‬‬

‫(‪)11‬‬

‫ذما اقشفاقية األمريفية حلقو انناان فقد حددت الفقرة األولى م املادة الاابعة أ رة‬ ‫شوصيفها املتطابق مع انأالن العاملي حلقو انناان ملفهوم األسرة بقولها‪(:‬األسرة ي وحدة‬ ‫التجمع الطبيعية واألساسية في اعتمع وشاتحق حماية اعتمع والدولة)‪ )12(.‬وذشارت املادة الثامنة‬ ‫أ رة م امليثا انفريقي حلقو انناان في فقرشها األولى إلى ذن‪(:‬األسرة ي الوحدة الطبيعية‬ ‫وذساس اعتمع وألى الدولة حمايتها والاهر ألى صحتها وسالمة ذخالقها)‪)13(.‬وذكدت املادة‬ ‫الثالثون م امليثا العربي حلقو انناان ألى ذن‪(:‬األسرة ي الوحدة األساسية للمجتمع وشتمتع‬ ‫بحمايته‪ ،‬وشففل الدولة لألسرة واألمومة والطفولة وال يخوخة رأاية متميزة وحماية‬ ‫خاصة)‪)14(.‬وميتاز التعرين األخير ب نه ميز بني األسرة كمفون ماتقل أ مفونات ذخرل حتظى‬ ‫بحماية القانون فهناك حماية شففلها الدولة لألسرة وحماية شففلها لألمومة وذخرل للطفولة‬ ‫و ف ا بالنابة لبقية الفئات اقجتماأية األخرل‪ ،‬األمر ال ي يضفي ألى األسرة ذاشية خاصة بها‬ ‫متيز ا أ مفونات ذخرل قد شندرج في إطار ا‪ ،‬كما متتاز املادة (‪ )30‬ب نها هنبأ استخدام أبارة (‬ ‫وحدة طبيعية ) ذو (وحدة التجمع الطبيعية)‪ ،‬والتي نعتقد ذنها ليس لها ذي مدلو قانوني ذو ذثار‬ ‫واضحة لغموض التعبير وأدم وضوحه‪.‬‬

‫(‪ ) 10‬د‪ .‬محمد يونس يحيى الاائغ‪ ،‬الدميقراطية وحقو انناان‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اب األثير للطباأة والن ر‪ /‬جامعة املوصل‪،‬‬ ‫‪ ،2012‬ص ‪.112‬‬ ‫(‪ )11‬املادة الاادسة أ رة‪ /‬الفقرة (‪ ) 3‬م انأالن العاملي حلقو انناان الاادر أ اجلمعية العامة لألمم املتحدة في‬ ‫‪ 10‬ش ري األو ‪.1848‬‬ ‫(‪ )12‬املادة الاابعة أ رة‪ /‬الفقرة (‪ )1‬م اقشفاقية األمريفية حلقو انناان‪.‬‬ ‫(‪ )13‬املادة الثامنة أ رة‪ /‬الفقرة (‪ )1‬م امليثا انفريقي حلقو انناان‪.‬‬ ‫وهدر انشارة إلى ذن منظمة الوحدة انفريقية شبنأ في أام ‪ 1881‬امليثا انفريقي حلقو انناان وال عوا بإجما‬ ‫دولها اخلماني‪ ،‬وذصبح امليثا ناف ا في ‪ 21‬ش ري األو ‪ 1881‬بتاديق ثالثني دولة أليه‪ ،‬والتي ذصبحأ طرفا في‬ ‫ه املعا دة وملزمة ب حفامها‪.‬‬ ‫ينظر‪ :‬د‪ .‬أبد الفرمي ألوان خضير‪ ،‬الوسيط في القانون الدولي العام‪ ،‬الفتاا الثال ‪ ،‬حقو انناان‪ ،‬ط‪ ،1‬مفتبة دار‬ ‫الثقافة للن ر والتوزيع‪ ،‬أمان‪ ،1887 ،‬ص ‪.114‬‬ ‫(‪ )14‬املادة الثالثون‪ /‬الفقرة (‪ )2-1‬م امليثا العربي حلقو انناان‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪163‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫الفر الثاني‬ ‫شعرين احلماية الدولية لألسرة وآلياشها‬ ‫بعد ذن انتهينا م حتديد مفهوم األسرة ننتقل ملعاجلة املفهوم األوسع في إطار دراستنا‬ ‫املتمثل باحلماية الدولية لألسرة في مفهومها ومظا ر ا وطبيعتها كي ننتقل بعد ا لبيان ماادر‬ ‫احلماية وشطور ا‪.‬‬ ‫وميفننا ذن نعرا احلماية الدولية لألسرة ب نها‪ (:‬الوسائل التي يتوصل بها اعتمع الدولي إلى‬ ‫كفالة احلقو القانونية املقررة لألسرة‪ ،‬والتي شهدا في مضمونها ومحتوا ا إلى شطوير اعاقت‬ ‫املتالة بحقو األسرة وكفالة احترامها واقرشقاش بها)‪.‬‬ ‫وميف ذن نعرفها ذيضا ب نها‪ (:‬مجموأة القواأد القانونية الدولية املقررة قتضى ال رأة‬ ‫الدولية حلقو انناان وسائر الوثائق الدولية املوجهة نحو حماية حقو األسرة وحملتلن املفونات‬ ‫الداخلة في بنائها والتي شتعامل مع‬

‫ه احلقو بافتها متطلبات جو رية يجب ألى ذشخاص‬

‫القانون الدولي – الدو واملنظمات الدولية‪ -‬العمل ألى حتقيقها)‪.‬‬ ‫وإذا ذردنا ذن نتعامل مع مفهوم احلماية م حي ال فل واملضمون فلنا ذن نعرفها بال فل‬ ‫اآلشي‪(:‬املنظومة القانونية املتضمنة قواأد قانونية معينة وإجراشات وآليات خاصة برأاية األسرة‬ ‫وشعزيز حقوقها وكفالة حمايتها م ذي ممارسات قد شقود إلى خر ناوص احلماية ذو انتهاك جو ر‬ ‫احلقو املقررة له ه الفئة م الفئات امل مولة برأاية القانون الدولي حلقو انناان)‪.‬‬ ‫ذما أ آليات احلماية الدولية اخلاصة بحماية األسرة فإننا ناتطيع شعريفها بال فل‬ ‫األشي‪ (:‬ي مجموأة الوسائل التي شتوصل م خاللها الدو واملنظمات الدولية احلفومية وغير‬ ‫احلفومية إلى ضمان شطبيق ذحفام احلماية الدولية املقررة لألسرة وملفوناشها وفي إطار مرجعي‬ ‫ياتند إلى الناوص والوثائق الدولية ذات ال‬

‫ن)‪.‬‬

‫وقد ذوجدت األمم املتحدة أدة آليات حلماية وشعزيوز األسورة‪ ،‬فمو املعوروا ذن ذي اشفاقيوة دوليوة‬ ‫شعاقدية مثل اشفاقية حقو الطفل‪ ،‬ذو اشفاقية منا ضة جميع ذشفا التمييز ضد املرذة‪ ،‬يتتبعهوا‬ ‫وجود جلنة خاصة مثل جلنة حقو الطفل‪ ،‬جلنة منا ضة التمييز ضد املرذة )‪ (CEDAW‬وشت فل كل‬ ‫جلنة م خبراش يت انتخابه م قبل الدو األطراا فوي و ه اقشفاقيوة‪ ،‬وشقووم اللجنوة ‪ -‬وجوب‬ ‫نظامها الداخلي‪ -‬باستالم التقارير الدولية م قبل كل دولوة طورا فوي اقشفاقيوة حوو شنفيو ا‬

‫‪164‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫لالشفاقية‪ ،‬كما يحق ملنظمات اعتمع املدني املعنية شقدمي شقارير موازية إلى اللجنة‪ .‬ويت دراسة‬ ‫التقارير ومناق تها بحضور وفد الدولة املعنية ومراقبني م املنظمات الدولية‪.‬‬

‫ه‬

‫(‪)15‬‬

‫كما شنف وكاقت األمم املتحدة وصناديقها احملتلفة مثل برنامج األمم املتحدة انمنائي‪ ،‬وصندو األمم‬ ‫املتحدة لرأاية الطفولة – اليونياين‪ ،‬وصندو األمم املتحدة للمرذة واملفوضية الاامية لالجئني‬ ‫واليونافو ومنظمة الاحة العاملية وغير ا برامج ملااأدة األسر‪ ،‬وخاوصا األسر الفقيرة‬ ‫والالجئة حتى شفون منتجة‪ ،‬وشقدمي اخلدمات الاحية والتعليمية والتوأية لها‪.‬‬

‫(‪)16‬‬

‫وهدر انشارة إلى ذن منظومة األسرة في القانون الدولي ميف النظر إليها نظاري ‪ ،‬األو واسع‬ ‫يتعامل مع احلقو املقررة لألسرة به ه الافة ومراأاة له ا اقأتبار بحي‬

‫يفون التوصين‬

‫القانوني له ا املفون باأتباره كال ق يتجزذ يت استيعابه ضم ماطلح األسرة‪ ،‬وذلك في إطار ما‬ ‫حتدثأ أنه املادة الاادسة أ رة م انأالن العاملي حلقو انناان‪ ،‬م خال اأتبار األسرة الوحدة‬ ‫اقجتماأية الطبيعية واألساسية للمجتمع ولها احلق في التمتع بحمايته‪.‬‬ ‫والثاني ذن يت النظر إلى احلماية الدولية لألسرة م منظور هزئة املفونات التي شدخل في‬ ‫ا املاطلح‪ ،‬فيفون ذمامنا منظومة ماتقلة ي الزواج‪ ،‬وذخرل شتعلق بحقو الزوجني‬

‫إطار‬

‫وذخرل شتعلق بحقو األبناش‪ ،‬و ناك في داخل‬

‫ه املنظومات فئات خاصة محمية كاألطفا‬

‫والنااش باأتبار ا م الفئات اقجتماأية املاتضعفة التي ي بحاجة إلى رأاية وحماية خاصة‪.‬‬ ‫وذ‬

‫ما ميف ذن ناجله في إطار احلماية الدولية لألسرة م خاائص شتال بها ميف إيجاز ا‬

‫باآلشي‪-:‬‬ ‫‪ .1‬إن األسرة ي محور حماية القانون الدولي في الال وذثناش املنازأات املالحة بفئتيها‬ ‫الدولية وغير الدولية‪ ،‬وبالتالي شتوز ذحفام احلماية الدولية املقررة لألسرة ما بني ناوص‬ ‫القانون الدولي حلقو انناان والقانون الدولي اننااني‬

‫ا بانضافة إلى ذحفام القانون‬

‫الدولي للجوش في احلاقت التي شخضع فيها األسرة ألحفام قانون اللجوش‪.‬‬ ‫‪ .2‬إن ماادر احلماية الدولية حلقو األسرة ي األخرل شتنو ما بني األحفام اقشفاقية التي‬ ‫ذقرشها الدو ووافقأ أليها قتضى اقشفاقيات واملعا دات‪ ،‬وبني القواأد العرفية‪،‬التي‬ ‫اندمجأ في قناأات الدو وأقيدشها باأتبار ا قواأد ملزمة ق يجوز مخالفتها‪ ،‬بانضافة إلى‬ ‫سائر املاادر الدولية التي جاشت املادة ‪ 38‬م النظام األساﺱ ﶈفمة العد الدولية ألى‬ ‫(‪ )15‬ينظر‪ :‬أبد النبي ال عفري‪ ،‬حقو األسرة في مواثيق األمم املتحدة‪ ،‬دراسة من ورة ألى موقع ذمان للتربية ألى‬ ‫حقو انناان‪،‬ص‪ 2‬وألى الرابط اآلشي‪:‬‬ ‫‪.http://www.amanjordan.org/aman_studies/wmview.php?ArtID=834‬‬ ‫شاريخ الزيارة‪2013/3/14 :‬‬ ‫(‪ )16‬ينظر‪ :‬أبد النبي العفري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪165‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫اقأتراا بها باأتبار ا إما ماادر ذساسية ذو ماادر ثانوية يت اقأتماد أليها في البح أ‬ ‫القواأد التي حتتاج إليها الدو في مجا شنظي ال ؤون اخلاصة بحماية األسرة وكفالة‬ ‫احلقو اجلو رية لها‪.‬‬ ‫‪ .3‬إن منطلقات احلماية الدولية ا ملقررة لألسرة ي ب فل أام ماتمدة م ففرة جو رية‬ ‫مفاد ا ذن األسرة ي الرك ال ي ميف م خالله شنفي جميع برامج الت يل وانصالح‪،‬‬ ‫التي إن مت كفالة حقوقها سيفون ناك في اعتمع إمفانيات كبيرة لاون احلقو واحترامها‬ ‫وكفالتها وضمانها‪ ،‬فهي مرشفز مه عموأة م الروابط اقجتماأية وانناانية املعقدة‬ ‫التي شامو بانناان باهاه يتحو به إلى طرا مؤثر وفاأل في مجتمعه وبالتالي فان ناك‬ ‫محورية ذساسية شلتن حو ذوضا احلماية الدولية لألسرة ناشئة م محورية األسرة في حياة‬ ‫اعتمع‪.‬‬ ‫‪ .4‬إن القانون الدولي العام ذصبح قادرا ألى التعام ل مع امل فالت اخلاصة بحماية األسرة‬ ‫وكفالة حقوقها‪ ،‬وما يؤيد ذلك التطور الفبير في ميادي احلماية املقررة لألسرة ومفوناشها‬ ‫وشواصل اعتمع الدولي في صياغة وإقرار القواأد القانونية الدولية املنظمة جلوانب مختلفة‬ ‫م احلماية حتى باشأ مؤمترات األمم املتحدة احملااة ملعاجلة م فالت األسرة شطرح الفثير م‬ ‫القضايا واملوضوأات املعاصرة التي ل يابق لبعضها ذن طرح إق م خال شلك املؤمترات‪ ،‬األمر‬ ‫ال ي يؤكد ذ مية‬

‫ه الفئة محل احلماية وحااسية املوضوأات املرشبطة بها‪.‬‬

‫‪ .1‬ذقر اعتمع الدولي مجموأة م اآلليات اخلاصة بحماية األسرة وش عزيز مفانتها وضمان‬ ‫حقوقها‪ ،‬حي جنح اعتمع الدولي في إقرار مجموأة م اآلليات الدولية التي ميف م خاللها‬ ‫كفالة احلماية املناسبة حلقو األسرة‪ ،‬وي شي في مقدمة‬

‫ه اآلليات إن اش يئات وذجهزة‬

‫دولية شراقب وشتابع مدل امتثا الدو ألحفام احلماية الدولية املقررة‪ ،‬فمجلس حقو انناان‬ ‫لديه آلياشه التي شختلن أ اآلليات انقليمية املقررة قتضى الوثائق واقشفاقيات انقليمية‬ ‫املتبعة في مجا اقحتاد األوربي وجامعة الدو العربية واقحتاد انفريقي وغير ا م املنظمات‬ ‫الدولية انقليمية‪ ،‬و ه املنظمات شختلن آلياشها أ اآلليات التي شعتمد ا الوكاقت الدولية‬ ‫املتخااة في مجا متابعة إنفاذ ذحفام احلماية الدولية لألسرة‪ ،‬وفي ذات الوقأ شبتفر‬ ‫املنظمات الدولية غير احلفومية لنفاها ذدواشها اخلاصة وآلياشها املناسبة التي شتوصل بها إلى‬ ‫كفالة حقو األسرة واحترامها وحمل الدو ألى اقلتزام بها‪.‬‬ ‫‪ .1‬إن قواأد احلماية الدولية املقررة لاالح األسرة شفرض التزامات في مواجهة الدو ‪،‬‬

‫ه‬

‫اقلتزامات شفرض ألى الدو النهوض بواقع األسرة م خال ش مني مجموأة م املتطلبات‬ ‫‪166‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫األساسية‪ ،‬و ه اقلتزامات شرشبط بتوفير البيئة املناسبة نأما حقو انناان م خال وجود‬ ‫ش ريعات وطنية فاألة شففل حماية مناسبة لألسرة ووجود مؤساات و يئات وطنية‬ ‫حفومية وغير حفومية متارس ذأمالها في مجا اقرشقاش بحقو‬

‫ه الفئة املاتهدفة‬

‫بناوص احلماية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬ ‫ماادر احلماية الدولية لألسرة‬ ‫إن قواأد القانون الدولي حلقو انناان وقواأد القانون الدولي اننااني املنظمة حلماية حقو‬ ‫األسرة ك حد الفئات التي حتميها قواأد‬

‫ي القانونني‪ ،‬هاد في الوقأ احلاضر‪ -‬بحاب رذي‬

‫البعب‪ -‬شعبيرا أ إرادة املنظمات الدولية‪ ،‬وشادر في صيغ مختلفة معبرة أ شارفات قانونية‬ ‫شقوم بها شلك املنظمات والتي شتوز ما بني قرارات وشوصيات وإأالنات واشفاقيات‪ ،‬إق ذن‬

‫ه املنظمات‬

‫شعمد لت كيد القوة امللزمة للقواأد التي شتضمنها شارفاشها ‪ -‬وامل فوك في مدل إلزاميتها‪ -‬إلى‬ ‫اللجوش إلى صيغة املعا دات واقشفاقيات الدولية‪ .‬و ه الايغة ق شتوقن أند مجرد إصدار التارا‬ ‫ذو القرار بل إنها حتتاج إلى أمل آخر شقوم به الدولة لتؤكد التزامها باقشفا ونقله إلى ميادي‬ ‫التطبيق العملي في إطار واقع التعامل الدولي‪ ،‬مع احلرص ألى إدماجه في النظام القانوني‬ ‫الوطني لفل الدو ‪ )17(.‬وذ‬

‫ماادر احلماية الدولية حلقو األسرة ما ي شي‪:‬‬

‫ذوق ‪ :‬اقشفاقيات الدولية‪:‬‬ ‫رغ التالي باملفانة املهمة للعرا الدولي في شفوي قواأد القانون الدولي العام حي‬ ‫ذغلب قواأد‬

‫ا القانون أرفية‪ ،‬إق ذنه في مجا القانون الدولي حلقو انناان جند‬

‫شراجع ذمام اقشفاقيات الدولية التي كان لها األسبقية في شفوي‬

‫جاشت‬

‫ا الدور قد‬

‫ا الفر م فرو القانون الدولي‬

‫العام‪ ،‬والابب يعود إلى طبيعة العرا ال ي يتان بالغموض وبالبطش وصعوبة التحقق م وجوده‪،‬‬ ‫مما ذفاح اعا لالشفاقيات الدولية التي كانأ الايغة األناب في مجا حقو انناان حي‬ ‫شففل وضع ناوص قانونية واضحة شاتطيع ذن شواكب التطورات التي شهد ا اعتمع الدولي‬ ‫وبالتالي شففل احلماية القانونية الدولية حلقو انناان ب فل ذسر م العرا الدولي(‪ ،)18‬كما‬ ‫أدت الايغة األكثر قبوق م جانب الدو لتقييد سيادشها في مجا حقو انناان ال ي و ش ن‬ ‫داخلي ق شقبل التدخل فيه‪ ،‬األمر ال ي جعل احملتاني يجعلون للقانون الدولي اقشفاقي مفان‬ ‫(‪ ) 17‬ينظر‪ :‬د‪ .‬جعفر أبد الاالم ‪ ،‬القانون الدولي حلقو انناان ‪ ،‬دراسات في القانون وال وريعة انسوالمية‪ ،‬دار الفتواا اللبنواني ‪ ،‬بيوروت ‪،‬‬ ‫‪ ، 1888‬ص‪.17‬‬

‫(‪ )18‬ينظر‪ :‬د‪ .‬محمد مناور الااوي‪ ،‬ذحفام القانون الدولي العام في مجا مفافحة اجلرائ الدولية للمخدرات‬ ‫وإبادة األجناس واختطاا الطائرات وجرائ ذخرل ‪ ،‬دار املطبوأوات اجلامعية ‪ ،‬انسفندرية ‪ ، 1884 ،‬ص‪.87‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪167‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫الادارة بني ماادر القانون الدولي حلقو انناان حتى بات العرا الدولي في‬

‫ا اعا ق يضفي إق‬

‫بعب مظا ر احلماية الدولية املقررة حلقو انناان ختلن الفئات التي يتناولها القانون الدولي‬ ‫(‪)19‬‬

‫حلقو انناان في إطاره‪ ،‬كفئات محمية بقواأده وناوصه‪.‬‬ ‫وم بني ذ‬

‫اقشفاقيات الدولية املعاجلة ألوضا احلماية الدولية املقررة لألسرة‪ ،‬ميثا األمم‬

‫املتحدة لعام ‪ 1841‬والعهد الدولي للحقو املدنية والاياسية لعام ‪ 1811‬والعهد الدولي للحقو‬ ‫اققتاادية واقجتماأية والثقافية لعام ‪ ،1811‬واقشفاقيات الدولية املبرمة في إطار منظمة العمل‬ ‫الدولية وم ذ مها اقشفاقية رق (‪ )100‬اخلاصة ااواة العما والعامالت في األجر لدل شااوي‬ ‫قيمة العمل‪ ،‬و ه اقشفاقية اأتمد ا املؤمتر العام ملنظمة العمل الدولية في (‪ /28‬حزيران‪1811 /‬م)‬ ‫وبدذ نفاذ ا في ذيار (‪ )1813‬واقشفاقية اخلاصة فافحة التمييز في مجا التعلي ‪ ،‬وقد اأتمدت‬ ‫ه اقشفاقية م قبل املؤمتر العام ملنظمة العمل الدولية في (‪ /21‬حزيران‪1818 /‬م)‪ ،‬وبدذ نفاذ ا في‬ ‫حزيران م أام(‪ ،)1810‬واشفاقية القضاش ألى جميع ذشفا التمييز ضد املرذة‪ ،‬وقد اأتمدشها‬ ‫اجلمعية العامة لألمم املتحدة وأرضتها للتوقيع والتاديق واقنضمام بقرار ا (‪ )180/34‬املؤرخ في‬ ‫(‪ /18‬كانون األو ‪ )1979‬وقد بدذ نفاذ ا في ‪ /3‬ذيلو ‪ ،1881 /‬والبروشوكو اقختياري امللحق باشفاقية‬ ‫القضاش ألى جميع ذشفا التمييز ضد املرذة‪ ،‬وقد اأتمد‬

‫ا البروشوكو م قبل اجلمعية العامة‬

‫لألمم املتحدة بتاريخ ‪1888/10/1‬م‪ ،‬واقشفاقية الدولية اخلاصة بحقو الطفل لعام ‪ 1880‬وغير ا م‬ ‫(‪)20‬‬

‫اقشفاقيات واملواثيق الدولية العاملية‪.‬‬

‫وألى املاتول انقليمي صدرت العديد م الوثائق الدولية انقليميوة التوي ذولوأ ا تماموا‬ ‫خاصا بتنظي حماية األسرة‪ ،‬كان م بينها انأوالن األمريفوي اخلواص بحقوو وواجبوات انناوان‬ ‫الاادر أ منظمة الدو األمريفية وجب القرار رق ‪ 30‬ال ي اشخ ه املؤمتر الودولي التاسوع قحتواد‬ ‫الدو األمريفية في أام ‪ ، 1848‬حي ناأ املاد اخلاماة منها ألى ما ي شي‪" :‬لفل شخص احلق في‬ ‫ذن يتمتع بحماية القانون ضد الهجمات التعافية ألى شرفه وسمعته وحياة اخلاصة والعائلية"‪.‬‬ ‫ذما املادة الاادسة فقد ذكدت ألى احلق في شفوي ذسورة وحمايتهوا حيو ناوأ ألوى ذن‪( :‬لفول‬ ‫شخص احلق في شفوي ذسرة – العنار األساسي للمجتمع – واحلاو ألى احلماية لها)‪ .‬وشناولوأ‬

‫(‪ )19‬ينظر‪ :‬د‪ .‬جعفر أبد الاالم ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.71‬‬ ‫(‪ ) 20‬ينظر‪ :‬د‪ .‬محمد شرين بايوني ود‪ .‬محمد الاعيد الدقا ود‪ .‬أبد العظي وزير‪ ،‬حقو انناان‪ ،‬ج‪ ،2‬دراسات‬ ‫حو الوثائق العاملية وانقليمية‪ ،‬دار العل للمالئني‪ ،‬بيروت‪ ،1888 ،‬ص‪.232‬‬ ‫وم بني اقشفاقيات املهمة في ا انطار ذيضا اقشفاقية اخلاصة باحلقو الاياسية للمرذة لعام ‪ 1812‬واقشفاقية‬ ‫اخلاصة بجناية املرذة املتزوجة لعام ‪ 1817‬واقشفاقية اخلاصة باملوافقة ألى الزواج واحلد األدنى لا الزواج وشاجيل‬ ‫حاقت الزواج لعام ‪.1813‬‬ ‫ينظر‪ :‬د‪ .‬شرين أتل و د‪.‬محمد ما ر أبد الواحد‪ ،‬اشفاقيات القانون الدولي اننااني‪ ،‬الناوص الرسمية لالشفاقيات‬ ‫والدو املادقة واملوقعة‪ ،‬بعثة اللجنة الدولية للاليب األحمر في القا رة‪ ،‬ط‪ ،2‬القا رة‪ ،2002 ،‬ص ‪.138‬‬ ‫‪168‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫املادة الاابعة احلق في حماية األمهات واألطفا حي ناأ ألى ذنه‪" :‬لفل الناواش – ذثنواش احلمول‬ ‫وفترة الرضاأة – ولفل األطفا احلق في احلماية اخلاصة والرأاية واملااأدة"‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬املادر العرفي للحماية‪:‬‬ ‫سا مأ األأراا الدولية ب فل فاأل فوي بلوورة قواأود احلمايوة الدوليوة املقوررة حلقوو‬ ‫انناان‪ ،‬وغدا العرا الدولي مادرا مهما وذساسيا يغ ي القانون الدولي حلقو انناوان بفول موا‬ ‫يحتاج إليه م قواأد وذحفام‪ ،‬ورغ طغيان ظا رة التدوي للقواأد القانونية الدولية إق ذن ذلك ل‬ ‫يحو دون استمرارية العرا الدولي إكما جوانب النقص التي شعتري الفثير م املعاجلات القانونية‬ ‫الواردة في القانون الدولي ذقشفاقي‪ ،‬ومثل العرا الدولي احد ذ و ماوادر احلمايوة الدوليوة حلقوو‬ ‫األسرة في الفثير م الفترات التي سبقأ إقرار ال رأة الدولية حلقو انناان‪ ،‬ويزيود مو ذ ميوة‬ ‫العرا الدولي في‬

‫ا اعا اقهاه الاائد نحو شفيين ذساس انلزام بانأالن العاملي حلقو انناان‬

‫والتي يرل في ذن انأالن شضم قواأد دولية أرفية ملزمة جلميع الدو ‪.‬‬ ‫وألى ما شقدم ناك م ي ب للقو بان احلماية الدولية حلقو انناان ذصوبحأ شاوتند‬ ‫إلى قواأد القانون الدولي حلقو انناان ال ي ي شي م مادري املعا دات والعرا الدولي‪ .‬وبوالرغ‬ ‫م ذن اقشفا قائ حو وجود قواأد أرفية بجانب اقشفاقيات الدولية شتعلق بحقو انناان ومتثول‬ ‫ذساسا للحماية الدولية لألفراد‪ ،‬وبو ن ذسوباا قيامهوا يعوود إلوى شفورار الناووص القانونيوة فوي‬ ‫املعا دات املتعاقبة واملاتندة إلى انأالن العاملي حلقو انناان وبايغ مت وابهة مموا اوجود و ا‬ ‫التفرار مع ال عور بانلزام أرفا دوليا‪.‬‬

‫(‪)21‬‬

‫ثالثا ‪ :‬املبادئ العامة للقانون‪:‬‬ ‫يتميز القانون الدولي حلقو انناان م حي املبادئ العامة للقانون التي يعتمد أليها في ذن‬ ‫ه املبادئ مت شرشيبها وبيانها في شفل إأالنات دولية سبقأ اقشفاقيات الدولية التي كونأ‬ ‫املادر ذقشفاقي له ا القانون‪ ،‬ويختلن األمر بالنابة له ه املبادئ املقررة في القانون الدولي‬ ‫اننااني حي جاشت شلك املبادئ مبعثرة في األأراا واقشفاقيات الدولية املفونة للقانون الدولي‬ ‫اننااني‪.‬‬

‫(‪)22‬‬

‫رابعا ‪ :‬قرارات املنظمات الدولية‪:‬‬ ‫يعترا البعب بقرارات املنظمات الدولية باأتبار ا مادرا جديدا م ماادر القانون الدولي‬ ‫العام‪ ،‬حي شاري قرارات بعب املنظمات ألى جميع الدو األأضاش فيها‪ ،‬وق شك ذن سوريان و ه‬ ‫(‪ ) 21‬ينظر‪ :‬نغ اسحق زيا‪ ،‬دراسة في القانون الدولي اننااني والقانون الدولي حلقو انناان‪ ،‬ذطروحة دكتوراه‪،‬‬ ‫كلية القانون‪/‬جامعة املوصل‪ ،2004 ،‬ص‪.31‬‬ ‫(‪ )22‬ينظر‪ :‬نغ اسحق زيا‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.37‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪169‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫القواأد يت دون وجود إجراشات التاديق املعروفوة فوي إطوار املعا ودات الدوليوة‪ ،‬بول يففوي أودم‬ ‫اأتراضها أليها‪ ،‬ومثا ذلك القرارات التي شادر أ الوكواقت الدوليوة املتخااوة التابعوة لوألمم‬ ‫املتحدة‪ )23( .‬وبالتالي ق يفاد يثار ال ك حو كون القرارات الاادرة م قبول املنظموات الدوليوة مو‬ ‫ماادر القانون الدولي العام‪ )24( .‬وم بني ذ‬

‫القرارات والتارفات القانونية الاادرة أو املنظموات‬

‫الدولية ذات الالة بحقو األسرة ن كر ما ي شي‪:‬‬ ‫‪ .1‬شوصية ب‬

‫ن الرضا بالزواج واحلد األدنى لا الزواج وشاجيل أقود الزواج الاادر بقرار اجلمعية‬

‫العامة (‪) (2018‬د‪ )20-‬املؤرخ في ش ري الثاني ‪.1811‬‬ ‫‪ .2‬إأالن القضاش ألى التمييز ضد املرذة‪ ،‬وقد صدر رسميا وجب قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة‬ ‫(‪) (2213‬د‪ )22-‬املؤرخ في ‪ /7‬ش ري الثاني‪1817 /‬م‪.‬‬ ‫‪ .3‬إأالن حقو الطفل الاادر في أام ‪.1818‬‬ ‫‪ .4‬انأالن اخلاص باملبادئ اقجتماأية والقانونية املتالة بحماية األطفا ورأايته واق تمام‬ ‫اخلاص باحلماية والتبني ألى الاعيد الوطني والدولي لعام ‪.1881‬‬

‫املطلب الثال‬ ‫شطور شنظي احلماية الدولية لألسرة‬ ‫لقد شطورت مظا ر احلماية الدولية املقررة لألسرة ب فل شدريجي ا يتناسب مع شطور‬ ‫اق تمام باائر احلقو الدولية األخرل التي ا تمأ بتنظيمها الوثائق والناوص الدولية‪ ،‬فبعد ذن‬ ‫صدر انأالن العاملي حلقو انناان وال ي ل يعالج احلقو األسرية ب يش م التفايل بل ذخ يردد‬ ‫احلقو محل احلماية في إطار اشا بالعمومية وأدم الدخو في التفايالت شاركا األمر إلى وثائق‬ ‫دولية قحقة ملعاجلة اجلوانب اخلاصة بحماية كل فئة محمية ورد النص أليها في ذلك انأالن‪.‬‬ ‫وإذا كانأ ناك اشفاقيات دولية متعددة أاجلأ قضايا األسرة وحمايتها إق ذن ال فل اآلخر‬ ‫للتعامل مع قضايا األسرة كان م خال شنظي حقو بعب مفوناشها‪ ،‬حي كان ناك ا تمام‬ ‫خاص بحقو املرذة وحقو الطفل‪ ،‬وألى‬

‫ا األساس صدرت في البداية إأالنات أ اجلمعية‬

‫العامة لألمم املتحدة حو منع التمييز ضد املرذة‪ ،‬ث صدر إأالن بفني أ املؤمتر العاملي للمرذة في‬ ‫‪ ،1881‬كما جرل إقرار أدد م اقشفاقيات املتعلقة باملرذة وذ مها اشفاقية منا ضة جميع ذشفا‬ ‫التمييز ضد املرذة (الايداو) واشفاقية منا ضة األشفا املعاصرة للر ‪ .‬وبالنابة للطفل فقد صدر‬ ‫ذوق أ اجلمعية العامة لألمم املتحدة إأالن حقو الطفل‪ ،‬ث جرل إقرار أدد م اقشفاقيات وذ مها‬ ‫(‪ )23‬ينظر‪ :‬د‪ .‬وسام نعمأ إبرا ي ‪ ،‬النظرية العامة للت ريع في القانون الدولي العام‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اجلامعة اجلديدة‪،‬‬ ‫انسفندرية‪ ،2013 ،‬ص ‪.174-173‬‬ ‫(‪ )24‬ينظر‪ :‬د‪ .‬أزيز القاضي‪ ،‬شفاير مقررات املنظمات الدولية‪ ،‬دار الطبعة العاملية‪ ،‬ط‪ ،1‬القا رة‪ ،1812 ،‬ص‪.8-7‬‬ ‫‪170‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫اشفاقية حقو الطفل والتي جرل إقرار ا في ‪ 1882/11/20‬واقشفاقية املتعلقة بحقو املرذة والطفل‪،‬‬ ‫و ي في محالتها اشفاقيات شتعلق باألسرة وما يحمي ويعزز حقو الطفل واملرذة يحمي ويعزز‬ ‫حقو األسرة‪ ،‬والعفس صحيح‪ ،‬م‬

‫نا فإن ظوا ر خطرة مثل الدأارة واستخدام النااش واألطفا ‪،‬‬

‫ذو اقهار بالنااش واألطفا والعمل اجلبري للنااش واألطفا ‪ ،‬وش جيع انحراا األطفا ذصبحأ‬ ‫محرمة دوليا‪ ،‬و ناك اشفاقيات خاصة بفل منها‪ ،‬وشاه‬ ‫ّ‬

‫ه الظوا ر في حا أدم القضاش أليها‬

‫في إضعاا األسرة بل و دمها‪ .‬وملا شقدم ميف ذن نوجز ذبرز مظا ر التطور الدولي في مجا حماية‬ ‫األسرة م خال ذبرز الوثائق الدولية املعنية وذلك كما ي شي‪:‬‬ ‫ذوق‪ :‬انأالن العاملي حلقو انناان (‪:)1848‬‬ ‫يعتبر انأالن املرجع األساسي جلميع اقشفاقيات والقوانني اخلاصة بحقو انناان م بينها احلقو‬ ‫التي شختص باألسرة‪.‬‬

‫(‪)25‬‬

‫حي جاش في ديباجة انأالن ( وملا كانأ شعوا األمم املتحدة قد ذكدت في امليثا م جديد‬ ‫إميانها بحقو‬ ‫متااوية‪.)..،‬‬

‫انناان األساسية وبفرامة الفرد وقدره و ا للرجا‬

‫والنااش م‬

‫حقو‬

‫(‪)26‬‬

‫ثانيا ‪ :‬وثيقة القضاش ألى جميع ذشفا التمييز ضد املرذة (سيداو) ‪: 1878‬‬ ‫سبق صدور‬

‫ه الوثيقة إقرار أدد م اآلليات الضرورية للمااأدة في الوصو إلى إقرار وضع‬

‫أاد ومرض بالنابة للمرذة‪ ،‬وم بني‬

‫ا‬

‫ه اآلليات ما أرا باس "جلنة مركز املرذة"‪ ،‬التي ذن‬

‫اعلس اققتاادي واقجتماأي التابع لألمم املتحدة في أام ‪ 1841‬كجهاز فرأي مااأد للجنة حقو‬ ‫انناان‪ ،‬وقد استمرت اجلهود الدولية في مجا حماية حقو املرذة وجاشت اشفاقية منا ضة التمييز‬ ‫ضد املرذة لغرض إرساش قواأد قانونية حلماية حقو املرذة وذقرت مبدذ أدم التمييز ضد املرذة كمبدذ‬ ‫أام ومتال بحقو انناان و ي متثل برنامج أمل يلزم احلفومات بضمان ما ذرسته م حقو ‪.‬‬ ‫وقد جاشت‬

‫(‪)27‬‬

‫ه الوثيقة كنتيجة ملؤمتر اجلمعية العامة لألمم املتحدة ال ي حمل أنوان "القضاش‬

‫ألى جميع ذشفا التمييز ضد املرذة"‪ ،‬أام ‪1878‬م‪ .‬وخرج املؤمتر باشفاقية ملزمة للدو التي شوافق‬ ‫أليها إما بتاديقها ذو باقنضمام إليها‪ ،‬وقد ناأ ألى إبطا جميع القوانني واألأراا دون‬ ‫(‪ )25‬حي ذقرت اجلمعية العامة ا انأالن في ‪ 10‬كانون األو ‪ 1848‬في دورشها الثالثة بقرار ا رق (‪ )217‬ووافقأ‬ ‫أليه (‪ ) 48‬دولة‪ ،‬وامتنعأ أ التاويأ ثمان دو ي (روسيا‪ ،‬روسيا البيضاش‪ ،‬ذوكرانيا‪ ،‬ش يفوسلوفاكيا‪ ،‬بولندا‪،‬‬ ‫جنوا إفريقيا‪ ،‬يوغاالفيا‪ ،‬الاعودية)‪ ،‬ويتفون ا انأالن م ‪ 30‬مادة احتوت ألى قائمة باحلقو الاياسية‬ ‫واملدنية واقجتماأية والثقافية واققتاادية‪.‬‬ ‫‪See: Basic Facts about the United Nations, department of public information, New York, 1999,p189.‬‬ ‫(‪ )26‬ينظر‪ :‬ديباجة انأالن العاملي حلقو انناان‪.‬‬ ‫(‪ )27‬ينظر‪ :‬د‪ .‬ماجد ال ربيني‪ ،‬اشفاقية القضاش ألى جمي ع ذشفا التمييز العناري ضد املرذة‪ ،‬قيادات املرذة وحتديات‬ ‫املاتقبل ‪ ،‬وزارة ال باا املارية‪ ،‬القا رة‪ ،2004 ،‬ص‪.37‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪171‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫استثناش التي شتضم ذي متييز ميارس ضد املرذة‪ .‬ولقد وقعأ ألى‬

‫ه اقشفاقية جميع الدو العربية‬

‫أدا الاودان‪ .‬وجدير بال كر ذن الوقيات املتحدة األمريفية واستراليا رفضتا التوقيع ألى‬

‫ه‬

‫اقشفاقية باأتبار ا انتهاكا لايادة الدولة‪ ،‬حي ي ترط لتطبيقها إلغاش ذو شعديل قوانني األحوا‬ ‫ال خاية للدو األأضاش فيها‪.‬‬

‫(‪)28‬‬

‫ثالثا ‪ :‬وثيقة حقو الطفل ‪: 1880‬‬ ‫ذثناش انعقاد قمة الطفل باجلمعية العامة لألمم املتحدة بنيويورك اجتمع ‪ 170‬رئيس دولة ومت‬ ‫التوقيع ألى وثيقة حقو الطفل‪ .‬وقد ذأطأ الوثيقة الطفل الفثير م احلقو اقجتماأية‬ ‫والقانونية‪ ،‬حي ذكدت ألى إأالش قيمة الطفل وحمايته واﶈافظة ألى حقوقه وإيجاد مااحة‬ ‫رحبة م احلريات ا ميفنه م شطوير وحتاني قدراشه وملفاشه م خال وسائل الترفيه والتالية‪،‬‬ ‫وذقرت شدابير شتعلق بففالة رأاية الطفل في حا وجوده في وسط غير مناسب كحاقت الطال ‪،‬‬ ‫وذقرت اقشفاقية شدابير يتعني ألى الدو إدماجها ش ريعيا واجتماأيا وشعليميا‪ .‬وذقرت ذحفاما‬ ‫شتعلق بالطفل الالجئ‪ ،‬وذحفاما حو احلقو الاحية واقنتفا بالضمان اقجتماأي وشوفير ماتول‬ ‫معاشي مناسب‪ ،‬وحماية الطفل م ذشفا اقستغال واملمارسات غير امل روأة‪ ،‬وذحفاما شتعلق‬ ‫باملعاملة اجلنائية لألطفا وغير ا(‪.)29‬‬ ‫و ناك م ينظر إلى‬

‫ه اقشفاقية م منظور ذخر حي يرل ب نها ذفرغأ حقو الطفل م‬

‫حق األسرة في الرأاية واحلماية حي كانأ جملة ماؤولية األسرة في قضايا التي شختص بالطفل‬ ‫في ذكثر م أ ري فقرة‪ ،‬ولف اأترضأ أليها دو اقحتاد األوربي وشركأ ماؤولية األسرة في‬ ‫املواد احملتاة بالتعلي فقط‪ .‬ورفضأ حق وصاية األسرة ورأايتها في مجا شقدمي خدمات الاحة‬ ‫والثقافة والرقابة القانونية‪ ،‬وذأطأ الطفل احلق في حتديد الديانة التي يفضلها دون ذن يفون‬ ‫لألسرة ذي دور في الناح وانرشاد والتوجيه وبدون إأطاش اأتبار لا الرشد التي متف الطفل م‬ ‫اقختيار‪.‬‬

‫(‪)30‬‬

‫(‪ )28‬ينظر‪ :‬د‪ .‬ماجد ال ربيني‪ ،‬املرجع ذأاله‪ ،‬ص‪.38‬‬ ‫(‪ )29‬ينظر‪ :‬اشفاقية األمم املتحدة حلقو الطفل‪ ،1880 ،‬حقو انناان مجموأة صفوك دولية‪ ،‬اعلد األو ‪ ،‬نيويورك‬ ‫‪ ،1882‬ص ‪.237‬‬ ‫(‪ ) 30‬ينظر‪ :‬د‪ .‬أبد العزيز مخيمر‪ ،‬حماية الطفولة في القانون الدولي وال ريعة انسالمية‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫القا رة‪ ،1881 ،‬ص ‪.78‬‬ ‫ اأتمدت اشفاقية حقو الطفل وجب قرار ذجلمعية العامة املرق ‪ 41/44‬واملؤرخ في ‪/ 20‬كانون الثاني‪1888/‬‬‫وأرضأ للتوقيع والتاديق واقنضمام‪ ،‬وقد وقع ألى اقشفاقية في ‪/21‬كانون الثاني ‪ 1880/‬و و اليوم األو ال ي فتح‬ ‫باا التوقيع أليها أدد م الدو ل يابق له مثيل بلغ مجموأه ‪ 11‬دولة‪ ،‬ودخلأ اقشفاقية حيز التنفي في‬ ‫‪/2‬ذيلو ‪ 1880/‬بورود ذكثر م أ ري شاديقا أليها‪.‬‬ ‫و مجلة اننااني‪ ،‬اللجنة الدولية للاليب األحمر‪ ،‬العدد ‪ ،24‬جنين‪ ،‬ربيع ‪ ،2003‬ص‪.14‬‬ ‫‪172‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫رابعا ‪ :‬وثيقة مؤمتر الافان بالقا رة ‪: 1884‬‬ ‫شعددت املؤمترات اخلاصة بالافان بدشا م ‪:‬‬ ‫‪ .1‬املؤمتر العاملي األو للافان " رومانيا ‪"1874‬‬ ‫‪ .2‬املؤمتر الدولي املعني بالافان " مفايفو سيتي ‪"1884‬‬ ‫‪ .3‬املؤمتر الدولي الرابع للافان والتنمية في القا رة ‪.1884‬‬

‫وقد أالج‬

‫ا املؤمتر مجموأة م املوضوأات املتالة باألسرة واملرذة والطفل وذقر مجموأة‬

‫ذخرل م احلقو والتي متأ صياغتها في وثيقة مؤمتر الافان والتي منحأ املرذة ب فل خاص‬ ‫مجموأة إضافية م احلريات واحلقو كان بعضها مثار نقد م جانب بعب احملتاني م دأاة‬ ‫احترام اخلاوصيات الثقافية للمجتمع‪.‬‬ ‫وقد اأتبر البعب مؤمتر القا رة م اخطر املؤمترات التي ماأ املبادئ التي شتعارض مع األديان‬ ‫وشدأو إلى حرية العالقات اجلناية ألنها شعتبر حرية شخاية ولياأ ماؤولية جماأية‪ ،‬وشدأوا‬ ‫إلى حماية وشعزيز حقو املرا قني م التربية واملعلومات والرأاية املتالة بالاحة اجلناية‬ ‫والتناسلية‪ ،‬وشجعأ ألى انجهاض واأتبرشه حقا للمرذة‪ .‬وجاش في الوثيقة شعرين ذشفا‬ ‫متعددة لألسرة‪ ،‬وفر َ بني الزواج واجلنس وانجناا‪ .‬وأارضأ الوثيقة الزواج ال رأي املبفر ولف ل‬ ‫شعارض ممارسة اجلنس خارج إطار الزواج في س مبفرة‪ .‬حاربأ الوثيقة دور املرذة في األمومة كدور‬ ‫منطي وذلك في محاولة لتعويب األسرة وإفراغها م مضمونها‪ ،‬وفرض مناذج جديدة لألسرة بعيدة‬ ‫أ التقاليد والعادات واألديان‪.‬‬

‫(‪)31‬‬

‫خاماا ‪ :‬املؤمتر الرابع للمرذة ببفني ووثيقة انأالن الاياسي وخطة العمل ‪: 1881‬‬ ‫من أام ‪ 1811‬بدذت املرذة في الدو الغربية شفوي منظمات وحركات أديدة م ذ مها‬ ‫احلركة الراديفالية الناوية التي شعمل م اجل حترير املرذة م القيود وخاصة ا يامى القيود‬ ‫الدينية والقيود التي شفرضها األسرة و إأطائها احلق في التخلص م جميع األدوار النمطية التي‬ ‫يدأون ذن اعتمعات شفرضها ألى املرذة ومنها دور األمومة‪ ،‬ورأاية األسرة‪.‬‬ ‫و ناك م ينظر إلى‬

‫ا املؤمتر ب نه دأا باراحة إلى أدد م األمور التي ق شراأي خاوصيات‬

‫الفثير م اعتمعات ومنها‪ :‬الدأوة إلى فتح باا العالقات اجلناية اﶈرمة‪ ،‬والاماﺡ بانجهاض‪،‬‬ ‫وحتديد النال‪ ،‬ومنع الزواج املبفر‪ ،‬وإباحة الزواج الالمنطي والدأوة إلى اقأتراا بال واذ‪ ،‬والتركيز‬ ‫ألى التعلي احملتلط بني اجلناني وشطويره والقضاش ألى ذي فوار بني الرجل واملرذة‪.‬‬

‫(‪)32‬‬

‫(‪ ) 31‬ينظر‪ :‬خديجة حباشنة ذبو ألي‪ ،‬رؤية نظرية مختلفة نشفالية املرذة وآليات شطوير امل اركة الاياسية للمرذة‬ ‫العربية‪ ،‬ندوة املرذة العربية وامل اركة الاياسية ‪ ،‬أمان‪ ،‬األردن‪ ،2000 ،‬ص ‪.42‬‬ ‫(‪ )32‬ينظر‪ :‬د‪ .‬ماجد ال ربيني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪173‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫ويعتبر ذ‬

‫دا في‬

‫املطروحة ألى ذجندة‬

‫ا املؤمتر و الوصو إلى صيغة نهائية ملزمة للدو بخاوص القضايا‬ ‫ا املؤمتر‪ ،‬والتي صدرت بحقها شوصيات ومقررات في املؤمترات الدولية‬

‫الاابقة حتأ إشراا األمم املتحدة‪.‬‬ ‫وهدر انشارة إلى ذن مؤمتر املرذة األو انعقد في املفايك أام ‪ )33(1874‬و دأا رسميا نلغاش‬ ‫جميع القيود التي شقيد حرية املرذة وشربطها بآلية مفروضة أليها ب فل خاص حتأ مظلة األسرة‪.‬‬ ‫وم‬

‫ا املؤمتر شداأى بعب النااش الالشي يقدن احلركة الناوية لوضع ذو وثيقة ملنع التمييز ضد‬

‫املرذة باملفهوم الاابق ذكره‪ .‬وكانأ وثيقة القضاش ألى جميع ذشفا التمييز ضد املرذة " سيداو" ‪.‬‬ ‫ث أقد املؤمتر العاملي الثاني لألمم املتحدة للمرذة‪ :‬املااواة والتنمية والاالم في كوبنهاج ‪،‬‬ ‫الدامنارك أام‪1980‬قستعراض وشقومي ما ذجنز في شوصيات مؤمتر املفايك وشطوير ا‪.‬‬ ‫ومت أقد مؤمتر املرذة الثال في نيروبي أام ‪)34(1881‬و ا املؤمتر ذسس لدأ وثيقة سيداو‬ ‫وكونأ التجمعات في الدو النامية للتحرك بها أبر مايرة املرذة الغربية وألى حاب شوجهاشها‬ ‫م اجل حترر املرذة وشففيك األسرة‪ .‬وذخيرا انعقد املؤمتر الرابع للمرذة في بفني وال ي صدر منة انأالن‬ ‫الاياسي واخلطة واملواضيع ذات اق تمام ‪.‬‬ ‫ث أقد مؤمتر األمم املتحدة للمرذة ‪:‬للمااواة والتنمية والاالم‪ ،‬بنيويورك أام ‪2000‬م‪ .‬وقد‬ ‫شضمنأ وثيقة املؤمتر‪ :‬الدأوة إلى احلرية اجلناية‪ ،‬وانباحية للمرا قني واملرا قات‪ ،‬والتبفير بها مع‬ ‫ش خير س الزواج‪ ،‬وذوجدوا مامى جديد ألأما البغاش و و(أامالت اجلنس) وش جيع جميع ذنوا‬ ‫العالقات خارج إطار األسرة ال رأية (للرجل واملرذة) وشهميش دور الزواج في بناش األسرة‪ ،‬والاماح‬ ‫بزواج ال واذ م اجلنس نفاه‪ ،‬وفرض مفهوم املااواة ال فلي املطلق بني اجلناني في جميع‬ ‫النواحي‪ ،‬واملطالبة بإلغاش التحفظات التي ذبدشها بعب الدو انسالمية ألى وثيقة بفني‪.‬‬ ‫سادسا ‪ :‬اليوم العاملي لألسرة‪:‬‬ ‫يعود اقحتفا باليوم العاملي لألسرة إلى القرار ال ي اشخ شه اجلمعية العامة لألمم املتحدة في‬ ‫أام ‪ 1993‬باأتبار اخلامس أ ر م ذيار يوما أامليا لألسرة‪ .‬وح‬

‫القرار كافة الدو والهيئات‬

‫الرسمية وغير الرسمية للعمل ألى رفع ماتول األسرة وذفراد ا ورفع ماتوا ا املعي ي ا يتالشم‬ ‫مع األ داا التنموية األمر ال ي يففل ب ن شفون األسرة وحدة فاألة في التنمية الفلية‪.‬‬

‫(‪ ) 33‬ويامى ؤمتر مفايفو لعقد األمم املتحدة للمرذة‪ :‬ويامى ذيضا ؤمتر املااواة والتنمية والاالم‪ ،‬أقد في‬ ‫املفايك واأتمد فيه ذو خطة أاملية متعلقة بوضع املرذة ألى املاتول احلفومي وغير احلفومي في اعاقت‬ ‫الاياسية واقجتماأية واققتاادية‪.‬‬

‫(‪ ) 34‬ويامى باملؤمتر العاملي قستعراض وشقومي منجزات األمم املتحدة للمرذة‪ :‬املااواة والتنمية والال ‪ ،‬نيروبي أام ‪1881‬م‪ .‬ووضع فيه‬ ‫استراشيجيات نيروبي للنهوض باملرذة‪.‬‬

‫‪174‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫املبح الثاني‬ ‫العاملية واملوقن م شنظي احلماية الدولية لألسرة‬ ‫لغرض انحاطة بالعاملية في مجا شنظي احلقو األسرية سوا نحواو ذن نطورح مونهج‬ ‫شعامل القواأد القانونية الدولية في التعامل مع احلقو األسورية فوي إطوار مفهووم العامليوة‪ ،‬ثو‬ ‫نناقش مظا ر العاملية في‬

‫ا التنظي اخلاص به ه احلقو وم ث نقن ألى ابرز مبوررات الطورح‬

‫العامل ي للتعامل مع احلقو األسرية و ا ما يتطلب منا شقاوي الدراسوة فوي و ا املبحو إلوى‬ ‫مطلبني كما ي شي‪:‬‬

‫املطلب األو‬ ‫العاملية ومنهج شعامل القواأد الدولية مع احلقو األسرية‬ ‫إنااني و و مطلب فلافي وإنااني‪ ،‬يحيل‬ ‫يعرا البعب العاملية ب نها‪( :‬ما و م ترك‬ ‫ّ‬ ‫ألى مجمو القي واملبادئ كالعدالة وحقو انناان واحلريّة‪ .‬ل لك أُ دَّ الفوني الفضاش ذو األفق‬ ‫الافات ذو اخلاائص امل تركة التي شُو ّحد الب ر رغ‬ ‫امل ترك ال ي يحمل ّ‬ ‫(‪)35‬‬

‫شنو واختالا‬ ‫ّ‬

‫خاوصياشه )‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولقد ذصبحأ األطراا الدولية احملتلفة معنية بإبراز حقو انناان وم تمالشها‪ ،‬وذصبح‬ ‫مبدذ احترام‬

‫ه احلقو ذحد املعايير املهمة في حتديد العالقات واملعامالت الدولية‪ ،‬وك لك في‬

‫قياس التطور الاياسي ألي دولة م الدو وألي مجتمع م اعتمعات وقد يتخ مقياس النمو‬ ‫وشلبية احلاجات األساسية التي شاتخدم في حتديد ماتول شطور الدو اقتااديا وماديا‪ ،‬فاملفهوم‬ ‫يفتاب أاملية جديدة ذات فعالية ذكبر بعد ذن كان مجرد شعارات شتضمنها ناوص اشفاقيات‬ ‫(‪)36‬‬

‫دولية ذبرمتها األمم املتحدة في ذأقاا احلرا العاملية الثانية‪،‬‬

‫وبه ا التاور يبدذ التحرك نحو‬

‫إكااش حقو انناان‪ -‬فهومها الواسع وحقو األسرة ك حد مفوناشها‪ -‬في اخلطاا القانوني‬ ‫الدولي صبغة أاملية في مجا التنظي واحلماية‪.‬‬ ‫(‪ )35‬سامي امللولي‪ ،‬ماالة اخلاوصية والفونية‪ ،‬دراسة من ورة ألى موقع طريق النجاح ألى الرابط األشي‪:‬‬ ‫‪http://tareekelnajeh.blogspot.com/2012/03/blog-post_08.html‬‬ ‫شاريخ الزيارة ‪2013/4/20‬‬ ‫(‪ )36‬ينظر‪ :‬حيدر إبرا ي ألي‪ ،‬التيارات انسالمية وقضية الدميقراطية‪ ،‬مطبوأات مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬بيروت‪ ،1881 ،‬ص ‪.13‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪175‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫وفي شوجه آخر نحو شفريس الفه العاملي حلقو انناان يؤكد بطرس بطرس غالي األمني‬ ‫العام األسبق لألمم املتحدة ألى حقيقية ذن‪(:‬الارا م ذجل حقو انناان يظل في مقدمة‬ ‫ا تمامات األسرة الدولية‪ ،‬وذن األمم املتحدة شواصل حتريك قوا ا وجهود ا حتى ي شي اليوم ال ي شابح‬ ‫فيه ماالة حقو انناان اللغة امل تركة لإلناانية جمعاش)‪.‬‬

‫(‪)37‬‬

‫وأاملية حقو انناان لدل البعب شعني امتالك كل الب ر منظومة م احلقو غير‬ ‫القابلة للتارا والتي ق ميف إنفار ا باأتبار ا حقا مفتابا من وقدشه ‪ ،‬و ا ما يعد بنظر‬ ‫إجنازا إناانيا كبيرا ياتحق الدفا أنه والتماك به والنضا م ذجل جعله حقيقة‪.‬‬ ‫وشعني أاملية مبادئ حقو انناان لدل البعب اآلخر قابلية‬

‫(‪)38‬‬

‫ه املبادئ للتطبيق ذو باألصح‬

‫وجوا شطبيقها في اعتمعات انناانية كافة ذيا كان موقعها وذيا كانأ التمايزات اقجتماأية‬ ‫(‪)39‬‬

‫واققتاادية والاياسية والثقافية التي متيز كل مجتمع أ اآلخر‪.‬‬

‫وأاملية مبادئ حقو انناان شفاح أنها بوضوح شديد مواثيق ال رأية الدولية حلقو‬ ‫انناان فالعبارة األولى في ديباجة انأالن العاملي حلقو انناان شؤكد ذن انقرار باحلقو جلميع‬ ‫ذأضاش األسرة الب رية م كرامة ذصيلة فيه ‪ ،‬وم حقو متااوية وثابتة ألى ذساس احلرية‬ ‫والعد والاالم في العال ‪ ،‬ث شتوالى مواد انأالن لتحدد مختلن احلقو ‪ ،‬وأند حديثها أ‬ ‫األشخاص محل‬

‫ه احلقو شاتخدم أبارات أاملية مثل "الناس "انناان" األفراد" وشبتعد أ‬

‫استخدام ذلفاظ ذات مفهوم سياسي ذو قانوني مثل املواطنني ذو الرأايا وغير ذلك‪.‬‬

‫(‪)40‬‬

‫وقد ارشبطأ ففرة أاملية احلقو األسرية بعاملية قضايا حقو انناان وأاملية التنظي‬ ‫القانوني لها‪ ،‬حي ذصبح لديه م املقرر ذن املاائل املتالة بحماية حقو انناان شخرج أ‬ ‫نطا األمور املتالة بامي اقختااص الداخلي وشخضع نشراا دولي‪ ،‬ولتحقيق حماية ايجابية‬ ‫وفاألة له ه احلقو بدذ اعلس اققتاادي واقجتماأي بب‬

‫جهوده من أام ‪ 1841‬للوصو إلى إبرام‬

‫اشفاقيات متعددة األطراا بواسطة جلنة حقو انناان باأتبار ا يئة إأداد وصياغة‪ ،‬وفي النهاية‬ ‫مت إقرار انأالن العاملي حلقو انناان وال ي شعامل مع احلقو الواردة فيه م منطلق ذنها حقو ذات‬ ‫طبيعة أاملية ساأد ألى ذلك ذن إقراره في أام ‪ 1848‬ل يلق معارضة سول بعب الدو (الفتلة‬ ‫الاوفيتية ويوغاالفيا واململفة العربية الاعودية وجنوا إفريقيا)‪ ،‬وكانأ اخلطوة التالية وضع‬ ‫صيغ معا دات أرفأ باس العهد الدولي للحقو املدنية والاياسية‪ ،‬والعهد الدولي للحقو‬ ‫(‪: United Nations, The United Nations and Human Rights from 1945-1995, new York, 1995,p342. )37‬‬ ‫(‪ ) 38‬ينظر‪ :‬محمد فائق‪ ،‬حقو انناان بني اخلاوصية والعاملية‪ ،‬مجلة املاتقبل العربي‪ ،‬الانة (‪ ،)22‬العدد ‪241‬‬ ‫متوز ‪ ،1888‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بيروت ص ‪.12‬‬ ‫(‪ )39‬ينظر‪ :‬د‪ .‬رياض أزيز ادي‪ ،‬العال الثال وحقو انناان‪ ،‬دار ال ؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،2001،‬ص‪.23‬‬ ‫(‪ ) 40‬ينظر‪ :‬لقمان أثمان احمد‪ ،‬حقو انناان بني اخلاوصية والعاملية‪ -‬اخلطاا انسالمي ذمنوذجا‪ ،‬رسالة ماجاتير‪،‬‬ ‫كلية القانون‪ /‬جامعة املوصل‪ 2003 ،‬ص‪.21‬‬ ‫‪176‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫اققتاادية واقجتماأية والثقافية‪ ،‬والبرشوكو انضافي امللحق بالعهد اخلاص باحلقو املدنية‬ ‫والاياسية‪ ،‬وشبنأ اجلمعية العامة‬

‫ه الوثائق الثالث بانجما في أام ‪ 1811‬والتي مثلأ‬

‫مرشفزات القانون الدولي حلقو انناان واعادة لإلطار العاملي للحقو املنظمة وجبها ا في‬ ‫ذلك احلقو األسرية‪.‬‬

‫(‪)41‬‬

‫و ف ا يربط البعب بني أاملية حقو انناان وأاملية التعامل موع قضوايا األسورة بوالتطورات‬ ‫الفبيرة واملتواشرة في إطار قواأد القانون الدولي‪ ،‬فاألمر لديه يرجع إلى زيادة التقارا بني ال وعوا‬ ‫ا البلود ذو‬

‫وشعرا ال عوا بفضل احتفاكها مع غير ا ألى ذوضا حقو انناان وما يجري في‬

‫ذاك م ذوضا شرشبط بتلك احلقو فضال أ شعرفها ألى مبادئ جديدة فوي و ا اعوا قن مبوادئ‬ ‫حقو انناان والنظرة إليها كانأ وق شزا شختلن م شعب إلى آخر وم حضارة إلى ذخورل و و ا‬ ‫ما انعفس ألى ذسلوا شعامل اعتمع الدولي مع شلك احلقو ب فل جعلهوا ملزموة راأواة و ه‬ ‫(‪)42‬‬

‫اقأتبارات إلى ح ٍد ما في مجا شنظي شلك احلقو وصياغة القواأد الدولية اخلاصة بها‪.‬‬

‫بل إن ناك م يرجع انطار العاملي للتعامل مع احلماية القانونية حلقو األسرة كجزش م‬ ‫منظومة احلماية القانونية حلقو انناان إلى ميثا األمم املتحدة فيرل ذن اقن غا بالفرامة‬ ‫انناانية ماجل في ميثا‬

‫ه املنظمة في ديباجته وفي املادة األولى منه في فقرشها الثالثة‪،‬‬

‫واملادة اخلاماة واخلماني في الفقرة (ج)‪ ،‬واملادة الاادسة واخلماني‪ ،‬وفي الفقرة الثانية م املادة‬ ‫الثانية والاتني‪ ،‬واملادة الثامنة والاتني ذيضا‪ ،‬بل إن نهج العاملية في التعامل مع‬ ‫احلقو مؤسس في الهيفل التنظيمي للمنظمة‪.‬‬ ‫فميثا األمم املتحدة و لديه يعد ذ‬ ‫مناق ته ألكثر امل فالت شعقيدا في‬

‫ه الفئة م‬

‫(‪)43‬‬

‫صك دولي يعالج م اكل األسرة م خال‬

‫ا انطار و ي موضو مااواة الرجل باملرذة في احلقو‬

‫حي شعل ديباجة امليثا ذن شعوا األمم املتحدة آلأ ألى نفاها ذن شؤكد م جديد إميانها باحلقو‬ ‫األساسية لإلناان وبفرامة الفرد وقدره‪ ،‬و ا للرجا والنااش م حقو متااوية‪ )44( .‬بل إن امليثا‬ ‫يربط بني متطلبات احترام حقو انناان وحمايتها وبني التزام املنظمة األساسي بحفظ األم‬ ‫(‪.)45‬‬

‫والال الدوليني إلى احلد ال ي يرل البعب ب نه ق مجا للفال ما بني اقثنني‬

‫وميفننا ذن نقرر بان ميثا األمم املتحدة ‪-‬باأتباره الوثيقوة األساسوية املن وئة أل و منظموة‬ ‫دولية أاملية في إطار التنظي الدولي املعاصر‪ -‬قد جاش بانجازة و انأالن الاريح أ شودويل حقوو‬ ‫(‪ )41‬ينظر‪ :‬د‪ .‬أبد الفرمي ألوان خضير ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.8‬‬ ‫(‪ )42‬انظر ‪ :‬د‪ .‬أبد اعيد أباس ‪ ،‬القانون الدولي العام ‪ ،‬مطبعة النجاح ‪ ،‬بغداد ‪ ، 1847 ،‬ص‪.230‬‬ ‫(‪ )43‬ينظر‪ :‬د‪ .‬غاان اجلندي‪ ،‬القانون الدولي حلقو انناان‪ ،‬مطبعة التوفيق‪ ،‬أمان‪ ،1888 ،‬ص‪.123‬‬ ‫(‪ )44‬ينظر‪ :‬ديباجة ميثا منظمة األمم املتحدة لعام ‪.1841‬‬ ‫(‪ ) 45‬ينظر‪:‬د‪ .‬محمد يوسن ألوان ‪ ،‬حقو انناان في ظل القوانني واملواثيق الدولية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مطبوأات وحدة الت لين‬ ‫والترجمة والن ر ‪ ،‬الفويأ ‪ ، 1888 ،‬ص‪.31‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪177‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫انناان أندما ذوكل إلى املنظمة الدولية ذمر معاجلة قضايا حقو انناان واق تمام به ه احلقوو‬ ‫والاعي م ذجل شعزيز ا وشفريس احلماية املناسبة لها إلى احلد ال ي اأتبر احترام حقوو انناوان‬ ‫ذحد املقاصد األساسية التي قامأ أليها املنظمة الدولية‪ .‬وكان ذلك واضحا م خال شناو امليثا‬ ‫له ه احلقو في العديد م مواده فضال أ ديباجته(‪.)46‬‬ ‫ونعتقد ذن ثمة شقاربا ما بني مااأي شدويل قضايا حقو انناان وموضو أاملية شلك احلقوو ‪،‬‬ ‫فنجاح جهود املنظمات الدولية في شدويل قضايا حقو انناان وم بينها احلقو اخلاصوة باألسورة‬ ‫زاد م مظا ر اقأتراا بعاملية شلك احلقو ‪ ،‬فاملدافعون أ إخراج قضايا حقو انناان مو انطوار‬ ‫الداخلي إلى انطار الدولي يحتجون بعاملية شلك احلقو وبالتالي شؤم الظروا املناسبة للتعامل مع‬ ‫ه احلقو م منطلق العاملية التي هاد سمة مميزة لها‪ ،‬و ا ما ينعفس بفل مظا ره وذبعواده‬ ‫ألى احلقو األساسية لألسرة ومظا ر شامني احلماية الدولية لها‪.‬‬ ‫وإذا ذردنا ذن نلخص ابرز مظا ر التعامل العاملي مع قواأد احلماية الدولية املقررة لألسورة فإننوا‬ ‫ناتطيع القو في‬

‫ا اعا ب ن ناك مجموأة م مظا ر شفوريس مونهج أواملي للتعامول موع‬

‫احلقو األسرية في إطار القواأد الدولية ذات ال‬ ‫انناان والقانون الدولي اننااني‪،‬‬

‫ن املقررة قتضى ذحفام القانون الودولي حلقوو‬

‫ا املنهج ميف الوقوا ألى ذبرز أناصره كما ي شي‪-:‬‬

‫‪ .1‬اأتبار قواأد احلماية الدولية املقررة حلقو انناان أموما وحقو األسرة ب فل خواص قواأود‬ ‫آمرة ق يجوز مخالفتها وق يجوز النزو أنها(‪ )47‬وذلك م منطلق الربط موا بوني شلوك احلقوو وبوني‬ ‫ميثا األمم املتحدة وسائر الوثائق الدولية املنظمة حلقو األسرة بعود ذن انتزأوأ األمم املتحودة مو‬ ‫الدو اأترافها رجعيوة شلوك الوثوائق وذصوبحأ مطالبوة بإدماجهوا فوي ش وريعاشها وذنظمتهوا‬ ‫القانونية الداخلية لضمان اقمتثا ملتطلبات القانون الدولي حلقو انناوان فوي إطوار اقلتزاموات‬ ‫الدولية التي يفرضها‬

‫(‪)48‬‬

‫ا القانون ألى جميع الدو ‪.‬‬

‫‪ .2‬اأتبار احلقو اخلاصة باألسرة حقوقا ذساسية ينبغي معاجلتها في إطاري األو أام مو خوال‬ ‫الناوص القانونية الدولية العامة التي شعنى ببيان األحفام العامة للحماية وذوضاأها ومظا ر ا‪،‬‬ ‫(‪ )46‬ينظر‪ :‬ديباجة امليثا واملواد‪.)3/17( ، )18( ، )2/12( ، )11( ، )1( :‬‬

‫(‪ )47‬ينظر‪ :‬د‪ .‬حفمأ شبر ‪ ،‬القواأد اآلمرة في القانون الدولي العام (دراسة مقارنة )‪ ،‬مجلة القانون املقارن العراقية‪ ،‬العودد (‪ ، 1878 ، )10‬ص‬ ‫‪. 11‬‬ ‫(‪ )48‬ينظر‪ :‬د‪ .‬حفمأ شبر‪ ،‬املرجع الاابق ‪ ،‬ص ‪.11‬‬ ‫وينظر في نفس املعنى‪:‬‬

‫‪Martti Koskenniemi, International Legislation Today: Limits and Possibilities , Wisconsin International‬‬ ‫‪Law Journal, Vol. 23, No. 1, 2004.‬‬

‫بح من ور ألى ال بفة الدولية للمعلومات ألى موقع املفتبة اقفتراضية العراقية‪.‬‬ ‫وينظر ك لك‪ :‬د‪ .‬أز الدي فودة ‪ ،‬الضمانات الدولية حلقو انناان ‪ ،‬اعلة املارية للقانون الدولي‪ ،‬شاد أ اجلمعية املارية للقانون الدولي‪،‬‬ ‫اعلد (‪ ،)20‬القا رة‪ ، 1814 ،‬ص ‪.8‬‬

‫‪178‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫وانطار الثاني خاص متثله اقشفاقيات الدولية األخرل التي شعالج حقو الطفل واملورذة وكبوار الاو‬ ‫وذوي اقحتياجات اخلاصة‪ ،‬ويتميز انطاران العام واخلاص يتميزان بوجود طوابع شفواملي فوي العالقوة‬ ‫القائمة فيما بينهما حي ذن ما شغفله القواأد العاموة للحمايوة شو شي القواأود اخلاصوة لبيانوه‬ ‫وشنظيمه ومعاجلته‪،‬‬

‫ه التفاملية ي أنار جو ري للوصو إلى انطار األمثل للتعامل مع شلوك‬

‫احلقو في مختلن مظا ر ا وقواأد ا وذحفامها‪.‬‬ ‫‪ .3‬اأتبار انطار العاملي للتعامل مع احلقو األسرية ثابة انطوار الو ي يحواو ذن يجموع موا بوني‬ ‫امل تركات انناانية وال ي بدوره يبح أو أناصور اقلتقواش والت وارك فوي إطوار احلقوو ‪ ،‬إق ذن‬ ‫العاملية ق شعني في إطار منهج شعامل القواأد الدولية معها محاولة فرض مناذج خاصوة وموحودة‬ ‫وثابتة يطلب م اجلميع التعامل معها ألى ذنها م املوضوأات غير القابلة للتعديل ذو التفاوض ذو‬ ‫النقاش‪ ،‬بل ي محاولة نأطاش صفة معيارية للقاأدة احملااة حلماية حق مو احلقوو وبالتوالي‬ ‫ذلك ق ينفي إمفانية التوصل إلى صياغات ومعاجلات ذكثر انضباطا وذكثر دقة في التنظوي وذكثور‬ ‫شلبية للحاجات الفعلية املرشبطة بحقو األسرة وشنظي احلماية الدولية األمثل لها‪.‬‬ ‫‪ .4‬إن اقهاه العام في إطار منظمة األمم املتحدة وسائر املنظمات الدولية العاملية مييول نحوو شبنوي‬ ‫خطاا أاملي ب ان معاجلة القضايا التي شتادل لها وثائقها‪ ،‬وبالتالي ذصبحأ مثل‬ ‫ذكثر اأتمادا ألى‬

‫ه املنظمات‬

‫ا األسلوا في التعامل مع اخلطاا القانوني الدولي مو خوال محاولوة شبنوي‬

‫ناوص ذات بعد أاملي شنظ احلق موضو احلماية باأتباره منوذجا أامليا يجوب التعامول معوه فوي‬ ‫انطار واحلدود التي يرسمها اخلطاا القانوني ملثل‬

‫ه املنظمات ألى اأتبار ذنها ذخ ت ألى أاشقها‬

‫ماؤولية شوحيد قواأد احلماية وصياغتها وصبها في قواأد موحدة شالح بحاوب قناأوات شلوك‬ ‫املنظمات لفي شطبق ألى الاعيد العاملي‪.‬‬ ‫‪ .1‬ق شامح شلك الوثائق الدولية املنظمة للحقو األسرية ااحة واسعة م احلرية فوي مجوا‬ ‫إدخا شعديالت ذو حتفظات ذو استثناشات ألى القواأد واألحفام التي ش شي في إطار القوانون الودولي‬ ‫حلقو انناان‪ ،‬فاألصل ذن يت التعامل مع‬

‫ه القواأد والناوص في إطوار يحوافظ ألوى جوو ر‬

‫اقلتزامات التي شفرضها وق يعيق شطبيقها وبالتوالي إن وي سومحأ بوإجراش بعوب التعوديالت ذو‬ ‫سمحأ باستبعاد شطبيق بعب األحفام فان ذلك يجب ذن يت فوي حودود ضويقة و وا ق يخول وق‬ ‫يتعارض مع األغراض األساسية التي مت صياغة شلك القواأد ألجلها‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪179‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫املطلب الثاني‬ ‫مظا ر العاملية في احلقو األسرية ومبرراشها‬ ‫يقدم البعب لففرة العاملية حلقو انناان م خال حديثه أ كون ففرة العاملية فوي مجوا‬ ‫حقو انناان ي األساس في انأالن العاملي حلقو انناان‪ ،‬والتوي ألوى ذساسوها انتقلوأ شلوك‬ ‫احلقو م مجرد ش ن م ال ؤون الداخلية لتابح جزشا م القانون الدولي‪ .‬وشاريخ حقو انناوان‬ ‫وهارا األمم املتحدة وممارساشها وم قبلها أابة األمم شؤكود أامليوة احلقوو ‪ ،‬كموا ذن جميوع الودو‬ ‫األأضاش في األمم املتحدة وعرد انضمامهما إلى املنظمة الدولية ذلزموا ذنفاه‬ ‫الواردة في ميثا‬

‫بدذ أاملية احلقو‬

‫ه املنظمة وفي انأالن العاملي حلقو انناان الاادر أنهوا‪ ،‬ومو‬

‫نوا اشخو ت‬

‫(‪)49‬‬

‫العاملية في مجا حقو انناان ذ مية خاصة نابعة م الت طير العاملي لها‪.‬‬

‫واملدخل األو للت طير العاملي حلقو األسرة هاد في حقيقة ذن انأالن العاملي حلقو انناوان‬ ‫الاادر أ اجلمعية العامة لألمم املتحدة أام ‪ 1848‬ل يقتاور ألوى احلقوو واحلريوات العاموة ذات‬ ‫الالة باعاقت الففرية والعقائدية والاياسية والقضائية والقانونية‪ ،‬بل شناو في ذحفامه قواأد‬ ‫موجهة حلماية احلقو اقجتماأية واألسرية‪ ،‬حي قرر ب نها الوحدة الطبيعية األساسية للمجتمع‬ ‫‪ ،‬ولها حق التمتع بحماية اعتمع والدولة‪ ،‬وضم حق التزوج للرجل واملرذة في الاو املقوررة دون ذي‬ ‫قيد بابب اجلنس ذو الدي وضم للزوجني حقوقا متااوية أند الزواج وذثناش قيامه وانحالله مؤكدا‬ ‫(‪)50‬‬

‫وجوا حتقق رضا الطرفني رضاش كامال ألجل إبرام أقد الزواج‪.‬‬

‫في مؤمتر فينا أام ‪ 1883‬برز ألى الاعيد الدولي النقاش حو وجود نو م التقابل بني أامليوة‬ ‫حقو انناان وخاوصية الواقع اقجتماأي والثقافي في الفثيور مو البلودان‪ ،‬وشبوني ذثنواش أمول‬ ‫اللجنة التحضيرية للمؤمتر والتي استغرقأ ثالث سنوات ‪ ،‬ذن العديد مو دو العوال الثالو ومو‬ ‫بينها أدد م الدو العربية متيل إلى الدفا أ اخلاوصية ليس فقط م حي احلفاظ ألى التنو‬ ‫الثقافي واقجتماأي واحلضاري فحاب ‪ ،‬بل إنها حاولأ ذن شاتخدم‬

‫ا املوضو لتبرير انبقاش ألى‬

‫(‪)51‬‬

‫بعب اقنتهاكات القائمة فيها في مجا حقو انناان‪.‬‬

‫وم ذناار العاملية في مجا حقو انناان ظهرت بعب اقها ات التوي شفورس فوي التقريور‬ ‫الاادر أ منتدل املنظمات الدولية غير احلفومية املنعقد ألى امش مؤمتر فينوا (املوؤمتر العواملي‬ ‫(‪ )49‬ينظر‪ :‬د‪ .‬سامي أوض ال يب ابو ساحلية‪ ،‬حقو انناان املتناز أليها بني الغورا وانسوالم‪ ،‬مجلوة املاوتقبل العربوي‪ ،‬الاونة (‪،)11‬‬ ‫العدد(‪ )114‬ش ري األو ‪،1882 ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.87‬‬

‫(‪ ) 50‬ينظر‪ :‬د‪ .‬محمد فتحي أثمان‪ ،‬حقو انناان بني ال ريعة انسالمية والففر القانوني الغربي‪ ،‬مطابع اب األثير‪،‬‬ ‫جامعة املوصل‪،2004،‬ص ‪.137‬‬ ‫(‪ ) 51‬ينظر‪ :‬محمد نور فرحان ‪ ،‬مبادئ حقو انناان ‪:‬العاملية واخلاوصية‪ ،‬اعلة العربية حلقو انناان‪ ،‬العدد‬ ‫العاشر‪ ،1884 ،‬ص ‪21‬‬ ‫‪180‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫حلقو انناان لعام ‪ ،)1883‬حي ك ون التقريور حجو التبواي احلقيقوي بوني اعواقت الثقافيوة‬ ‫والاياسية والقانونية للجوانب اخلاصة بالعاملية واخلاوصية حي نص التقرير ألى ذنوه ‪ (:‬لقود مت‬ ‫الت كيد و ا ق يد مجاق لل ك ألى ذن كل احلقوو انناوانية أامليوة فوي طبيعتهوا و وي قابلوة‬ ‫متااو في إطار شتى التقاليد اقجتماأية والثقافية والقانونية واقدأاشات القائلة‬ ‫للتطبيق ب فل‬ ‫ٍ‬ ‫(‪)52‬‬

‫بالنابية ق ميف ذن شبرر انتهاك حقو انناان في ذي ظرا م الظروا)‪.‬‬ ‫و ناك م يربط ما بني أاملية حقو انناان وأوملة‬

‫ه احلقو ‪ ،‬ولعل ذوسع التعارين انت وارا‬

‫للعوملة و ما جاش في كتاا " العوملة " للباح األمريفي " رونالد روبيرثاون "‪ ،‬حي أرا العوملوة‬ ‫ب نها "اهاه شاريخي نحو انفماش العال ‪ ،‬وزيادة وأي األفراد واعتمعات بهو ا اقنفمواش" (‪ .)53‬ويضوع‬ ‫الايد ياسني ثالثة أمليات شف ن حقيقة العوملوة‪ :‬العمليوة األولوى شتعلوق بانت وار املعلوموات‬ ‫بحي شابح م اأة لدل جميع الناس‪ ،‬والثانية شتعلق بتو ويب احلودود بوني الودو ‪ ،‬ذموا العمليوة‬ ‫الثالثة فهي زيادة معدقت الت ابه بني اجلماأات واعتمعات واملؤساات(‪.)54‬‬ ‫والعاملية في احلقو األسرية ق شعني أوملة شلك احلقو فالعاملية في‬ ‫في‬

‫ا اعا باملفا ي التي ذقر ا اعتمع الدولي وشعني ذن‬

‫يتجزذ عنى ذن شفون‬

‫ه احلقوو‬

‫ه احلقو شعني اقلتوزام‬ ‫وي وحودة واحودة وكول ق‬

‫ه احلقو متداخلة ومترابطة ويقن ذحد ا جنبا إلى جنب مع سائر احلقوو‬

‫األخرل‪ ،‬وفي نفس الوقأ العاملية في إطوار و ه احلقوو ق شاوعى للتقليول مو سولطة الدولوة‬ ‫كفلافة أامة‪ ،‬فالعاملية شفتفي بوضع التزامات معينة ألى الدو و ي حتتاج قحقا إلوى سولطة‬ ‫الدولة لتنفي‬

‫ه اقلتزامات‪ .‬ذما العوملة في‬

‫ا اعوا فتعنوي شعموي مفهووم حقوو انناوان‬

‫نظور وإطار ثقافة معينة و ي ثقافة اعتمع األمريفي باأتبار ا ثقافة األمة التي انطلقوأ منهوا‬ ‫ه الففرة سعيا للايطرة ألى سائر الثقافات األخرل وإلغائها ‪ ،‬وبالتالي فان العوملة حتد مو دور‬ ‫الدولة وسلطاشها لتضعن ش ثير احلدود الاياسية وشطلق العنان آلليوات الاوو وألدواشهوا األخورل‬ ‫التي متثل أناصر ا األساسية‪.‬‬

‫(‪)55‬‬

‫وإذا ذردنا ذن نقدم ذمثلة ألى مناذج لعوملة منظومة القي الغربية‪ ،‬والثقافة الغربيوة‪ ،‬ومنوط‬ ‫احلياة األمريفي‪ ،‬م خال صياغة‬

‫ه املنظومة القيمية في مواثيق يت أوملتها باس األمم املتحدة‬

‫‪ ،‬وأبر مؤمترات (دولية) شعقد حتأ أل املنظمة الدولية‪ ..‬فان في وثيقة (برنامج أمل مؤمتر الاوفان‬ ‫(‪ ) 52‬ينظر‪ :‬شقرير املنظمات الدولية غير احلفومية أ ذأما مؤمتر فينا لعام ‪ ،1883‬مركز األ رام للدراسات‬ ‫انستراشيجية‪ ،‬القا رة ‪ ،1884 ،‬ص ‪.21‬‬ ‫(‪ ) 53‬نقال أ د‪ .‬أبد اخلالق أبد اهلل‪ :‬العوملة ج ور ا وكيفية التعامل معها‪ .‬أال الففر‪ ،‬اعلد ‪ 28‬العدد‬ ‫الثاني‪ ،1888.‬بيروت‪ ،‬ص ‪.12‬‬ ‫(‪ )54‬ينظر‪ :‬الايد ياني‪ :‬في مفهوم العوملة‪ .‬املاتقبل العربي‪ .‬أدد ‪ 128‬ذكتوبر ‪ ،1888‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬ ‫بيروت‪،1888 ،‬ص ‪.7‬‬ ‫(‪ )55‬ينظر‪ :‬محمد فائق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪181‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫والتنمية) ال ي أقد في القا رة سنة ‪ – 1884‬شففي‪ -‬لتجايد معنى أوملة القي الغربية‪ ،‬وفرضها‬ ‫ألى مختلن األمم وال عوا والدو واحلضارات واملعتقدات الثقافية‪ ،‬وق شد‬

‫ه الوثيقة ذمر (شغيير‬

‫الهياكل األسرية) للظنون واقجتهادات‪ ..‬وإمنا شتحدث أ (اقتران) ق يقوم ألى (الزواج) ‪-‬و و ما ي يع‬ ‫في العالقات اﶈرمة دينيا بني رجلني‪ ،‬ذو امرذشني أند ال واذ‪ ..-‬بل وشتجواوز (إباحوة) ذلوك إلوى شرشيوب‬ ‫(احلقو ) له ه األنوا م (األسرة)‪ ،‬فتقو ‪( :‬وينبغي القضاش ألى ذشوفا التمييوز فوي الاياسوات‬ ‫املتعلقة‪ ..‬بالزواج وذشفا اققتران األخرل)!‪ ..‬وشدخل في أداد األسرة‪ ،‬ذات احلقو ‪( ..‬األأوداد الفبيورة‬ ‫م األفراد الغير املتزوجني والناشطني جنايا‪.)56( )..‬‬ ‫فنح ذمام أوملة مفهوم (لألسرة) ق يقن بها أند حدود (الزواج) و(األزواج) بل يودخل فيهوا‬ ‫كل األفراد الناشطني جنايا‪ ،‬وم كل األأمار‪ ..‬و و مفهوم غربي ذصبح متعارفا أليه في الغرا(‪.)57‬‬ ‫ففي فرناا مثال مت ش ريع قانون يجيز زواج املثليني ويرشب ألى ذلك الزواج آثار قانونية‪ ،‬حي‬ ‫كان مجلس ال يوخ الفرناي قد وافق في ‪ 12‬نياان‪ ،2013‬ألى م رو القانون املثير للجد بعود‬ ‫مفاوضات صعبة استمرت ألسبو ‪ .‬وكانأ اجلمعية الوطنيوة ذقور ّت فوي ‪ 12‬شوباط ‪ 2013‬م ورو‬ ‫القانون‪ ،‬وأادت لتااد أليه في قراشة نهائية في ‪ 23‬نياان م نفس العام ث مت التوقيع أليه مو‬

‫قبل الرئيس الفرناي ون ره في اجلريدة الرسمية‪ ،‬وكان اعلس الدستوري في فرناوا‪ ،‬صواد ألوى‬ ‫دستورية قانون زواج مثليي اجلنس بجميع فاوله وال ي يعطى ؤقش جميع احلقو بالتااوي‪ .‬ومينح‬ ‫ا القانون املثليني احلق في شبني األوقد(‪.)58‬‬ ‫ومما ق شك فيه إن‬ ‫خاطر حقيقية متس ذ‬

‫ه األمناط م الزواج ش فل حت اديا حقيقيا ملفهووم األسورة وإنهوا شنو ر‬ ‫ركائز اعتمع‪ ،‬خاصة إذا كان األمر يال إلى حود سو ش وريعات شونظ‬

‫ذمناطا كه ه م الزواج ويرشب آثارا قانونية ناشئة أنها‪ ،‬مما يجعل‬

‫ا التحدي ي فل جزشا ذساسيا‬

‫م متطلبات العمل م اجل حماية اخلاوصيات اقجتماأية والقيمية والدينية للمجتمعات التي‬

‫(‪ )56‬ينظر‪ :‬محمد أمارة‪ ،‬ماتقبلنا بني العاملية انسالمية والعوملة الغربية‪ ،‬القا رة‪ :‬نهضة مار‪ ،2001 ،‬ص‪.23‬‬ ‫(‪ )57‬ينظر‪ :‬لقمان أثمان احمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24‬‬ ‫(‪ )58‬ينظر‪ :‬دراسة حو ش ريع قانون يجيز زواج املثليني في فرناا‪ ،‬من ورة ألى الرابط اآلشي‪:‬‬ ‫‪http://www.alquds.co.uk/?p=45301‬‬ ‫شاريخ ذخر زيارة ‪.2013/10/20 :‬‬ ‫وهدر انشارة إلى ذن الدو التي هيز زواج املثليني ي‪ ( :‬ولندا (‪ ،)2001‬حي كانأ ذو دولة شضفي ال رأية ألى زواج‬ ‫املثليني‪ ،‬بلجيفا (‪ ،)2003‬إسبانيا (‪ ،)2001‬كندا(‪ ،)2001‬جنوا إفريقيا (‪ ،)2001‬النرويج (‪ ،)2008‬الاويد (‪ ،)2008‬البرشغا‬ ‫(‪ ،)2010‬آيالندا(‪ ،)2010‬األرجنتني (‪ ،)2010‬الدمنارك (‪ ،)2012‬ذوروغواي (‪ ،)2013‬نيوزلندا (‪ ،)2013‬فرناا (‪ ،)2013‬البرازيول‬ ‫(‪ ،)2013‬بريطانيا (إجنلترا و ويلز فقط واأتبارا م أام ‪.)2014‬‬ ‫للمزيد ينظر الرابط اقلفتروني اقشي‪:‬‬ ‫‪/http://ar.wikipedia.org/wiki‬‬ ‫شاريخ اخر زيارة‪2013/11/20 :‬‬

‫‪182‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫ق ميف لها ذن شعترا به ا اقنحراا اقجتماأي والفطري‪ .‬ويقتضي‬

‫ا األمر العمل م اجل إأوادة‬

‫اقأتبار ملفهوم اخلاوصية في مجا حقو األسرة وألى مختلن املاتويات‪.‬‬ ‫م يدافع أ الطرح العاملي للحقو األسرية يقدم مبرراشه التي شتمثل ا ي شي‪:‬‬ ‫‪ .1‬املبررات املرشبطة بطبيعة احلق‪ :‬حي ينظر ؤقش إلى حقو انناان و بضمنها احلقو األسورية‬ ‫كجزش ذساسي م منظومة احلقو اجلو رية لإلناان‪،‬‬ ‫الفائ ال ي يجتمع مع غيره م ذبنواش جناوه‬

‫وتركات واسوعة شورشبط بالطبيعوة التفوينيوة‬

‫واخللقية اخلاصة به األمر ال ي ي جع ألى القو إن‬ ‫املثالي للتعامل معها ق يفون إق م خال شرسيخ‬

‫ه احلقو لايقة بالفوائ الب وري‪ ،‬و ا‬ ‫ه احلقو‬

‫وي حقوو أامليوة وان ال وفل‬

‫ا املفهوم في التعامل معها‪.‬‬

‫‪ .2‬املبررات املرشبطة بتنظي احلق وشقنينه وشدويله‪ :‬كما ذن ناك معطى ذخور ي وجع ألوى دأو‬ ‫الطرح ال ي يقوده ذناار ففرة العاملية في حقو انناان أموما واحلقوو األسورية ب وفل خواص‬ ‫ناجما أ ذن قانون حقو انناان بات اليوم قانونا يخضع لايغة خطابات قانونية دوليوة موجهوة‬ ‫ب فل يتناسب مع الطرح العاملي للحقو ‪ ،‬و ه املااحة م التعامل في إطار املواثيق الدولية ي‬ ‫التي شطغى ألى غير ا م مظا ر شوجيه اخلطاا الدولي‪ ،‬فاملااحات التي شتاودل ملعاجلوة ففورة‬ ‫اخلاوصية ي مااحات ضيقة وق شتخطى بعب اجلوانب الاغيرة وقليلة األ مية فيما لوو قوورن‬ ‫األمر بغير ا م اعاقت التي شتعامل فيها القاأدة القانونيوة الدوليوة موع احلقوو محول احلمايوة‬ ‫والتنظي بآفا أاملية شتخطى اجلزئيات واخلطابات الضيقة في معنا ا ومدار ا ومدلوقشها‪.‬‬ ‫‪ .3‬إن املنظمات الدولية احلفومية العاملية ي األقدر ألى شقدمي التاوورات القانونيوة ذات الطوابع‬ ‫العاملي اخلاص بحقو انناان‪ ،‬وما هربة منظمة األمم املتحدة ووكاقشهوا الدوليوة املتخااوة فوي‬ ‫معاجلة جوانب مختلفة شرشبط بحقو األسرة كجزش م منظومة حقو انناان إق دليال ألى شبني‬ ‫اخلطاا العاملي اخلاص بحقو انناان في مواجهة ذي خطابات ذخرل ألى ماتويات ذدنى مو‬

‫و ا‬

‫املاتول‪.‬‬ ‫‪ .4‬وق يختلن األمر بالنابة للمنظمات الدولية غير احلفومية التي شبنوى القاو األكبور منهوا‬ ‫املنظومة العاملية حلقو انناان واأتبرشها ثابة املعيار الاحيح في شقيي مدل التعامل ب وفل‬ ‫سلي مع متطلبات إأما وشطبيق القانون الدولي حلقو انناان‪.‬‬ ‫م‬

‫نا يخلص ذناار العاملية في إطار قانون حقو انناان والتنظي القانوني للحقو األسرية إلى‬

‫التالي ب ن ناك ذكثر م دليل يرجح ذفضلية التماك باخلطاا العاملي املرشبط به ه احلقو ‪ ،‬قن‬ ‫مثل‬

‫ا اخلطاا فيه م املزايا واملبررات ما ي جع القو بضرورة شبنيه واقأتماد أليوه فوي مجوا‬

‫التعامل مع‬

‫ه الفئة م احلقو ‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪183‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫املبح الثال‬ ‫اخلاوصية في إطار شنظي احلماية الدولية لألسرة‬ ‫كثيرا ما يتردد في ذدبيات القانون الدولي حلقو انناان موضو اخلاوصية في إطار شنظي‬ ‫احلق ومراأاة مجموأة م القي والتقاليد واألأراا اقجتماأية والثقافيوة عتموع مو اعتمعوات‪،‬‬ ‫واخلاوصية يطلقها البعب لي ير بها إلى وجود متايز حقيقي بني إطاري ‪ :‬ذولهما أاملي‪ ،‬وثانيهموا‬ ‫محلي‪ ،‬وذن لفل إطار منظومته اخلاصة‪ ،‬فﺈن التقى انطار العاملي مع انطار اﶈلي وراأى موا يحتواﺝ‬ ‫إليه األخير ل شفون ناك ذي م فلة ‪ ،‬إمنا شفم امل فلة في شباي التعامول موع قضوية معينوة‬ ‫شخص حقا معينا م حقو انناان‪،‬‬

‫ا التباي ناشئ أو قوي أامليوة يحواو الوبعب طرحهوا‬

‫وشبنيها وم ث فرضها في بعب األحيان وبني خاوصيات محلية ذساسية وجو رية ي عر اجلميع‬ ‫ب ميتها وخطورشها وأدم إمفانية التناز أنها ب ي شفل م األشفا ‪.‬‬ ‫وشزداد ذ مية بح اخلاوصية في إطار احلقو األسرية ملا شنطوي أليوه و ه احلقوو مو‬ ‫طبيعة خاصة‪ ،‬لفونها شرشبط ب‬

‫خلية ينبني أليها اعتمع‪،‬‬

‫ه اخللية إﺫا ما متﺖ اﶈافظة ألوى‬

‫منظومات القي والتقاليد والهوية الثقافية والففرية اخلاصوة بهوا‪ -‬والنابعوة مو قوي وشقاليود‬ ‫اعتمع ال ي شوجد فيه‪ -‬كان ناك شلبية قحتياجاشها وحماية حقيقية ملفوناشها وشعامل موضووأي‬ ‫مع قضايا ا‪،‬‬

‫ه اجلوانب وما يرشبط بها هعل م طرح اخلاوصية في إطار احلقو األسرية مطلبوا‬

‫حقيقيا ومتطلبا ذساسيا للحاو ألى حماية مناسبة لألسرة‪.‬‬ ‫ويربط بعب م الباحثني اخلاوصية بالارا ما بني منظومة قي النظوام الرذسومالي ومنظوموة‬ ‫قي اعتمعات انسالمية‪ ،‬حي إن ذكثر م دافع أ مراأاة اخلاوصوية كوان مو البواحثني العورا‬ ‫وكثيرا ما افردوا له ا املوضو مااحات واسعة في مجا مناق ة قضايا حقو انناان وذثاروا في‬ ‫ا اعا الفثير م النقاط اجلو رية التي شبرر احلاجة إلى إأما اخلاوصية في مجاقت كثيرة مو‬ ‫مجاقت احلماية املقررة حلقو األسرة وسائر احلقو األخرل‪ .‬وملا شقدم سوا نقا‬

‫ا املبح إلوى‬

‫ثالث مطالب كما ي شي‪:‬‬

‫‪184‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫املطلب األو‬ ‫مفهوم اخلاوصية في إطار احلقو األسرية‬ ‫إن اخلاوصية لدل البعب لياأ ماطلحا مناقضا للعاملية‪ ،‬ولفنها في األصل إضافة‪ ،‬عنى‬ ‫فتح الطريق للوصو في مجا حقو انناان إلى ذبعد موا ميفو ذن يتفوق أليوه اعتموع الودولي‪،‬‬ ‫وبالنابة للمجتمعات انسالمية فإن اعا متاح باأتبار ذن انسالم جاش في مجا حقو انناان ا‬ ‫و ذوسع وذأمق م حقوو انناوان العامليوة‪ ،‬ولفو املالحوظ ذن اخلاوصوية شاوتخدمها بعوب‬ ‫احلفومات واألنظمة الرسمية للتنال م التزاماشها الدولية‪.‬‬

‫(‪)59‬‬

‫الاوفات واخلاوائص املاديّوة‬ ‫ويعرا البعب اخلاوصية ب نهوا‪( :‬التفورّد‬ ‫والتميوز و وي جملوة ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪)60‬‬ ‫اخلاوصيات)‪.‬‬ ‫بقية‬ ‫ومتيز ا أ‬ ‫واملعنويّة التي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شخص مجموأة ب ريّة لتفون أنوان اختالفها ّ‬ ‫ويربط البعب اخلاوصية باخلاوصية الثقافية حي يعرفها ب نها "مجموأة العقائد واألففار‬

‫والطقوس والعادات والتقاليد التي متيز شعبا أ شوعب آخور‪ ،‬وشرجوع إلوى جو ور دينيوة ذو ذثنيوة ذو‬ ‫ألمانية‪ ،‬األمر ال ي يعطي جلماأة ب رية ذو مجتمع معني خاوصية معينة ثابتة وماوتقلة أو‬ ‫خاوصيات ال عوا واجلماأات األخرل‪ ،‬و ه اخلاوصية الثقافية شوزداد ذ ميتهوا إذا نظرنوا إليهوا‬ ‫بوصفها " نتاجا شاريخيا يحمل أبر الوزم شاوورات وآراش ومعتقودات‪ ،‬وذيضوا طرائوق فوي التففيور‬ ‫(‪)61‬‬

‫وذساليب في اقستدق قد ق شخلو ي األخرل م خاوصية"‬

‫ويعتبر بعب الفقهاش ذنه ق مفر م التالي بنتيجة ذن القواأد الدولية املتعلقة بحماية‬ ‫حقو انناان مثا مناسب ألى الاعوبة في التقرير فيما إذا كان األفراد ياتمدون حقوقا م‬ ‫القانون الدولي ذم مجرد مزايا‪ ،‬و ثمة م فلة ذكبر في التانين طاملا ذن كثيرا م اقلتزامات التي‬ ‫شعهدت بها الدو ‪ ،‬يجري التعبير أنها ب فل لغة مبهمة ومثالية بحي إنه م غير املؤكد ما إذا‬ ‫كانأ شعبر إطالقا أ التزامات قانونية شتميز أ مجرد اآلما األدبية‪)62(.‬‬

‫ذما األستاذ (شوارزنبرغر) فانه يعترا باقختالا في األيدلوجيات العميقة بني نظ‬ ‫سياسية واجتماأية غير متجاناة‪ ،‬وذن األجدل م الناحية العملية القيام حاولة حلماية حقو‬ ‫انناان في نطا دولي ذضيق‪ ،‬وقد يفون ذلك في إطار املنظمات انقليمية التي شفون نظمها‬ ‫وأقلياشها وذيدلوجياشها متقاربة ذو متجاناة‪ ،‬فتنمية حقو انناان بطريقة ذقل في صفتها‬ ‫ال رائعية واقنتقائية‪ ،‬شتطلب درجة ذكبر م التجانس مما شاتطيع األمم املتحدة ذن شوفره‪ ،‬وبطريق‬ ‫(‪ )59‬ينظر‪ :‬محمد فائق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫(‪)60‬سامي امللولي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.2‬‬ ‫(‪ )61‬محمد أابد اجلابري‪ :‬شفوي العقل العربي‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬البيضاش‪ ،1887 ،‬ص‪.13‬‬ ‫‪(62): see: Akehurst, A Modern Introduction to International Law, Tomas press, 3rd edition, London, 1988, p76.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪185‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫املقارنة فان اقشفاقية األوربية حلقو انناان لانة ‪ 1810‬ي مثا ايجابي له ا اقهاه‪ ،‬فانجنازات‬ ‫األأظ شتحقق زيد م اقندماج ال ي بلغته اجلماأات األوربية‪)63(.‬‬

‫واملالحظ ذن الدو الغربية كانأ لديها مظا ر اقأتراا ب مية اقأتراا باخلاوصية‬ ‫واملدافعة أنها في مواجهة العاملية‪ ،‬فوقعأ دو ذوربا الغربية في ‪ 4‬ش ري الثاني ‪ 1810‬اقشفاقية‬ ‫األوربية حلقو انناان والتي دخلأ حيز النفاذ الفعلي في ‪ 3‬ذيلو ‪ 1813‬شال ا امليثا اقجتماأي‬ ‫األوربي املوقع أليه في ‪ 18‬ش ري الثاني ‪ 1811‬وال ي دخل حيز النفاذ في ‪ 21‬شباط ‪ .1811‬وفي‬ ‫القارة األمريفية متأ صياغة اقشفاقية األمريفية حلقو انناان‪ ،‬والتي مت التوقيع أليها في ‪22‬‬ ‫ش ري الثاني ‪ 1818‬ودخلأ حيز النفاذ في ‪ 18‬متوز ‪)64( .1878‬‬

‫فقد ناأ اقشفاقية األوربية حلقو انناان في ديباجتها ألى ذنها "صدرت أ حفومات‬ ‫لدو ذوربية شاود ا وحدة ففرية ذات شراث م ترك م احلرية واملثل والتقاليد الاياسية واحترام‬ ‫القانون"‪)65(.‬‬

‫ه اقشفاقية وكما ي شي‪:‬‬

‫ونفتفي بانشارة إلى مادشني م‬

‫‪ .1‬املادة (‪ )1‬شضم األطراا الاامية املتعاقدة لفل إناان يخضع لنظامها القانوني احلقو‬ ‫واحلريات اﶈددة في القا األو م‬

‫ه املعا دة‪.‬‬

‫‪ .2‬املادة (‪ )43‬الفقرة(‪ )1‬يجوز ألي دولة لدل شاديقها ذو في ذي وقأ قحق ذن شعل بإخطار موجه إلى‬ ‫الافرشير العام علس ذوربا‪ ،‬إن‬

‫ه املعا دات شاري ألى كل ذو جزش م انقلي ‪.‬‬

‫‪ .3‬ذما الفقرة (‪ )3‬فتقرر ما ي شي‪ :‬مع ذلك شطبق ذحفام‬

‫ه املعا دات ألى شلك األقالي مع اقأتبار‬

‫املناسب للمتطلبات اﶈلية‪.‬‬ ‫وإذا كان مؤمتر فينا العاملي حلقو انناان لعام ‪ 1883‬قد خطا خطوة جديدة نحو العاملية أندما‬ ‫دأا األمم املتحدة ملؤمتر أاملي حلقو انناان‪ ،‬وقد فرضأ قضية العاملية واخلاوصية نفاها ألى‬ ‫مناق ات املؤمتر‪ ،‬فقد ذبدت بعب الدو وألى رذسها الاني حتفظا ألى إطال العاملية وشعميمها‬ ‫في مجا حقو انناان‪ ،‬وذلك ألى ذساﺱ ذن الثقافة والتقاليد اﶈلية يجب ذن شراأى وحتترم‪،‬‬ ‫وقدمأ‬

‫ه الدو حججها املاتندة إلى ذن املعايير الدولية حلقو انناان بنيأ ذساسا ألى‬

‫مفا ي غربية ق شتناسب مع اعتمعات األخرل كاآلسيوية وانفريقية‪ ،‬ألنها شركز ألى احلقو‬ ‫الفردية دون الت كيد ألى احلقو األخرل وب فل خاص احلقو التي شعزز م الروابط اقجتماأية‬ ‫والثقافية وانناانية بني انفراد‪ .‬وقدمأ اعموأة انفريقية مبررات مماثلة إق ذن‬

‫ه اآلراش ل شلق‬

‫‪(63): see: Georg Schwarzenberger, Power Politics, A study of World Society ,3rd ed, New York, 1964, pp. 454-455.‬‬ ‫)‪ (64‬ينظر‪ :‬سامي أوض ال يب ذبو ساحلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬ ‫)‪ (65‬ينظر‪ :‬سامي أوض ال يب ذبو ساحلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬

‫‪186‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫استجابة حقيقية حي اأترضأ ألى‬

‫ه اآلراش مجموأة كبيرة م الدو والتي ش رأأ بان الدو‬

‫التي اأترضأ ألى مبدذ العاملية كانأ دو ذات سجل متخلن في مجا حقو انناان‪.‬‬

‫(‪)66‬‬

‫وفي ذات انطار ذكد املؤمتر ب فل واضح ألى ذن العاملية ق شتعارض مع ففرة التنو الثقافي‬ ‫واخلاوصية الثقافية التي ي ذيضا حق م حقو انناان‪ ،‬األمر ال ي دفع البعب إلى القو بان‬ ‫ا املؤمتر جنح في شقريب وجهات النظر حو مفا ي حقو انناان احملتلن ب‬

‫نها ما بني‬

‫مناصري العاملية وبني املدافعني أ حق اخلاوصية وصوق إلى فه م ترك ملنظومة حقو‬ ‫انناان‪.‬‬

‫(‪)67‬‬

‫و ناك م يرل بان فرض حقو أاملية شهمل اخلاوصية الثقافية يعني ذحد ذمري ‪ ،‬إما جعل‬ ‫حتقيق شلك احلقو متع را لتعارضه مع الثقافة الوطنية والظروا اقجتماأية الاائدة‪ ،‬وإما‬ ‫محاولة فرض ثقافة األقول مع ما ياتتبع ذلك م املااس بجو ر الفه الاحيح حلقو انناان‪،‬‬ ‫قسيما ذن حقو انناان لياأ أطاش شعب دون آخر‪ ،‬ألن‬

‫ه احلقو أرفتها ال عوا من ذقدم‬

‫العاور ودأأ إليها األديان والفلافات احملتلفة ول شنبثق ب فل فجائي في وسط اجتماأي معني‬ ‫و ي لياأ حااد حضارة معينة دون غير ا‪.‬‬

‫(‪)68‬‬

‫املطلب الثاني‬ ‫حقو األسرة واخلاوصية في منظور اخلطاا انسالمي‬ ‫سنتناو في‬

‫ا املطلب منظور اخلطاا انسالمي لألسرة ث نتناو مقاصد حماية األسورة فوي‬

‫التاور انسالمي وم ث نحدد مظا ر اخلاوصية في إطار احلقو األسرية في انسوالم و و ا موا‬ ‫يقتضي منا شقاي الدراسة إلى ثالث فرو وكما ي شي‪-:‬‬

‫(‪ )66‬ينظر‪ :‬محمد فائق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬ ‫(‪ )67‬ينظر‪ :‬محمد فائق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬ ‫(‪ ) 68‬ينظر‪ :‬أبد اهلل أبد الدائ ‪ ،‬اقحتفاش بانأالن العاملي حلقو انناان وسط الظالم العاملي‪ ،‬بح من ور ضم‬ ‫سلالة كتب املاتقبل العربي‪ ،‬كتاا حقو انناان العربي‪ ،‬رق الالالة ‪ ،17‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬ط‪،1‬‬ ‫بيروت‪ ، 1888 ،‬ص ‪.283‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪187‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫الفر األو‬ ‫احلقو األسرية في اخلطاا انسالمي‬ ‫ناك م ق يرل شقاطعا بني اخلاوصية والعاملية في منظوور انسوالم ألن انسوالم فوي األصول‬ ‫ياتوأب العاملية بفل مفوناشها‪ ،‬حي ميف الت كيد ألى أاملية انسوالم مو خوال مبودذ الوحودة‬ ‫انناانية‪ ،‬وألى خالا التاورات الغربية‪ ،‬فالناوص املقدسة انسالمية شناج متاما مع النظوام‬ ‫احلالي حلقو انناان ألى األقل فيما يتعلق بواحد م األبعاد األساسية و و العاملية‪.)69(.‬‬

‫اس‬ ‫إن القرآن الفرمي يؤكد ما قرره في خطابه العاملي لفل الناس في قوله شعالى‪( :‬يَا ذَي ُّ َها الن َّ ُ‬ ‫(‪)70‬‬ ‫اهلل ذَشْقَ واكُ ْ )‬ ‫اإنَّا َخلَقْ َناكُ ْ ام ْ ذَكَ ٍر وَذُنثَى وَ َج َعلْ َناكُ ْ ُش ُعوبا وَق َ َبائاولَ لا َت َعوارَفُوا اإنَّ ذَكْور َ َمفُ ْ اأنْو َد َّ ا‬ ‫ولف القرآن الفرمي في‬

‫ه اآليوة التوي شقورر املاواواة العاموة بوني الب ور‪ ،‬ق يلغوي خاوصويات‬

‫ال عوا‪ ،‬فهو يقرر ب ن اهلل شعالى جعله ُ‬ ‫(ش ُعوبا وَق َ َبائالَ ) ليتعارفوا(‪.)71‬‬

‫ولألسرة في انسالم مفان جليل‪ ،‬فعالقة الرجل باملرذة مو آيوات اهلل ونعموه‪(:‬وَ ام ْ آيَاشاوها ذ َ ْن‬ ‫ت لِّقَ ووْ ٍم‬ ‫وك َآليَوا ٍ‬ ‫افُ ُنوا اإل َْي َها وَ َج َعلَ بَ ْي َنفُ َّم َودَّة وَر َ ْح َمة اإنَّ فاوي ذَلا َ‬ ‫َخ َلق َ َلفُ ِّم ْ ذَنفُ اافُ ْ ذَزْوَاجا لِّ َت ْ‬

‫ي َ َتفَ ف َّرُو َن) (‪ ،)72‬والعاطفة الفطرية بني الرجل واملرذة موجهة لتحقيق الافينة النفاية فوي أالقوة‬ ‫دائمة منظمة شتوثق باملودة والرحمة‪ ،‬وشت كد بإجنواا األوقد وشوربيته ويفوون ذلوك بقيوام األسورة‪،‬‬ ‫ضوفُ ْ اإلَوى‬ ‫ْضوى بَ ْع ُ‬ ‫وانسالم يقرر ذ مية العالقة الزوجية وأروشها الوثقى‪ ( ،‬وَكَ ْي َن شَ ْ ُخ ُون َ ُه وَقَدْ ذَف َ‬

‫(‪)73‬‬ ‫آم ُنووا قُووا‬ ‫بَ ْع ٍ‬ ‫ب وَذ َ َخ ْ َن امنْفُ ْ اميثَاقا غَ اليظا ) ‪ ،‬ويقرر ماؤولية املال األسرية ‪( ،‬يَاذَي ُّ َهوا ال َّو اي َ َ‬ ‫اس وَاحلْ ا َجارَةُ أَ ل َْي َها َمالئافَ ٌة اغ ٌ‬ ‫او َن َّ َ‬ ‫الظ اش َدادٌ ق ي َ ْع ُ‬ ‫ذَنفُ َافُ ْ وَذ َ ْ اليفُ ْ نَارا وَقُو ُد َ ا الن َّ ُ‬ ‫اهلل َما ذ َ َمور َ ُ ْ‬

‫وَيَف َْعلُو َن َما يُؤ ْ َمرُو َن) (‪ ،)74‬ك لك يلفأ القران الفرمي إلى اشاا التربية األسرية بانصوالح اقجتمواأي‬

‫والوضع الطبيعي لألسرة كخلية في جا اعتمع(‪ )75‬ويتمثل ذلك في قوله شعالى (وَال َّ اي َ يَقُ ولُوو َن‬ ‫ْني وَا ْج َعلْ َنا لال ُْمتَّ اقني َ اإ َماما) (‪. )76‬‬ ‫رَب َّ َنا َ ْ‬ ‫ب َل َنا ام ْ ذَزْوَا اج َنا وَذُرِّيَّاش ا َنا قُرَّةَ ذَأ ُ ٍ‬ ‫وقد جاش انسالم إلى مجتمع شعتبر القبيلة ذساسه وقاأدشه‪ ،‬ويجب ألى األسورة ذن شو وا‬ ‫في كيان القبيلة وشناهر فيها‪ ،‬فإذ به يركز ألى األسرة ق القبيلة‪ ،‬ويفال في ذحفام قيام الرابطة‬ ‫الزوجية ذو انتهائها‪ ،‬ويحدد احلقو والواجبات بني الزوجني واألبوي واألبناش وسائر األقارا‪ ،‬ويبني ذحفام‬ ‫(‪ )69‬لقمان أثمان احمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫(‪ )70‬سورة احلجرات‪ /‬اآلية ‪.13‬‬ ‫(‪ )71‬يوسن القرضاوي‪ ،‬األمة بني قرنني‪ ،‬القا رة‪ :‬دار ال رو ‪ ،2001 ،‬ص‪233-231‬‬ ‫(‪ :)72‬سورة الروم‪ /‬اآلية ‪.21‬‬ ‫(‪ :)73‬سورة النااش‪ /‬اآلية ‪.21‬‬ ‫(‪ :)74‬سورة التحرمي‪ /‬اآلية ‪.1‬‬

‫(‪ :)75‬ينظر‪ :‬د‪ .‬محمد فتحي أثمان‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪.138-137‬‬ ‫(‪ :)76‬سورة الفرقان‪ /‬اآلية ‪.74‬‬

‫‪188‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫امليراث والوصية‪ ،‬ويؤكد به ا كله ذن اعتمع انسالمي وحدشه الطبيعية األساسية وي األسورة وذن‬ ‫(‪)77‬‬

‫األسرة في انسالم شتمتع بحماية ال ر والدولة‪.‬‬

‫وم املالَّمات في أل اقجتما اننااني "ذن األسرة لبنة م لبنات األمة‪ ،‬التي شتفون م‬ ‫مجموأة ذسر‪ ،‬يرشبط بعضها ببعب‪ ،‬وم الطبيعي ذن البناش املفون م لبنات‪ ،‬ي خ ما له ه‬ ‫اللبنات م قوة ذو ضعن‪ ،‬ففلما كانأ اللبنات قوية ذات متاسك ومناأة‪ ،‬كانأ األمة املفونة منها‬ ‫ك لك‪ ،‬قوية ذات متاسك ومناأة‪ ،‬وكلما كانأ اللبنات ذات ضعن وانحال كانأ األمة ك لك‪ ،‬ذات‬ ‫(‪)78‬‬

‫ضعن وانحال "‬

‫وإذا كانأ األسرة متثل الوحدة األساس للمجتمع‪ ،‬فإن ما يراد وما يطلب حتقيقه م خال‬ ‫اعتمع سيفون لألسرة فيه النايب األوفى‪ ،‬وذلك ألنها الركيزة التي شال م خاللها إلى جميع‬ ‫شرائح اعتمع‪ :‬الفبير والاغير‪ ،‬ال كر واألنثى‪ ،‬العامل وال ي ق يجد أمال‪ ،‬األمي واملتعل ‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫وشتمثل ذ مية األسرة بالوظائن املناطة بها والتي هعل ماؤوليتها شاملة نحو اجليل‬ ‫الناشئ أنها حي‬

‫"شعد األسرة م ذ‬

‫املؤساات التربوية في اعتمع بل وذقدمها‪ ،‬و ي‬

‫املؤساة التي لها مااس مباشر باألفراد من وقدشه وشن ئته " م مختلن النواحي‪ ،‬وله ا‬ ‫الابب شتركز ماؤولية األسرة وذدوار ا م خال حتقيق األ داا واملقاصد التي شرأأ مؤساة‬ ‫األسرة ووجدت م ذجلها‪.‬‬

‫(‪)79‬‬

‫وقد ضم انسالم حق التزوج للرجل واملرذة في الا املناسبة وذكد وجوا رضا الطرفني‬ ‫رضاش كامال نبرام أقد الزواج(‪ ،)80‬وقد ح انسالم ألى الزواج ويار الابيل إليه وأقد الزواج في‬ ‫انسالم أقد رضائي يقوم ألى انيجاا والقبو دون شفليات ذو طقوس ولف ينبغي إأالن الزواج‬ ‫وإشهاره‪.‬‬

‫(‪)81‬‬

‫ذما العنار األكثر ذ مية في األسرة و ي املرذة فقد قرر انسالم لها احلق في املهر مع‬ ‫اش َ‬ ‫ص ُدقَاش ا اه َّ‬ ‫التوجه إلى أدم الغلو فيه حتى ق يقن أقبة في طريق الزواج وقيام األسرة (وَآشُوا النِّ َا َ‬ ‫(‪)82‬‬ ‫حلَة فَإ ا ْن طا ْ​ْب َ َلفُ ْ أَ ْ َشيْ ٍش امنْ ُه نَفْاا َففُلُو ُه َ انيئا َم اريئا) ‪( ،‬ف َ​َما ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫اس َت ْم َت ْع ُت ْ باها امنْ ُه َّ فَآشُو ُ َّ‬ ‫فيما) (‪،)83‬‬ ‫يضةا اإ َّن َّ َ‬ ‫اض ْي ُت ْ باها ام ْ ب َ ْع اد الْفَ ار َ‬ ‫ذ ُ ُجور َ ُ َّ َف ار َ‬ ‫اهلل كَا َن أَ اليما َح ا‬ ‫يما شَر َ َ‬ ‫يضة وَق ُج َن َ‬ ‫اح أَ ل َْيفُ ْ فا َ‬ ‫(‪ :)77‬ينظر‪ :‬د‪ .‬محمد فتحي أثمان‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪.138‬‬ ‫(‪ :)78‬ينظر‪ :‬ال يخ العالمة محمود شلتوت‪ :‬انسالم أقيدة وشريعة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ال رو ‪ ،‬القا رة‪ ،1888،‬ص‪.141‬‬ ‫(‪ ) 79‬ينظر‪ :‬ذ‪.‬د‪ .‬محمد أبد الاميع أثمان‪ ،‬األسرة محورة التربية‪ ،‬ضم كتاا انياافو (مبادئ شربية األسرة)‪ ،‬الدار‬ ‫البيضاش‪ ،2001.‬ص‪،11‬‬ ‫(‪ ) 80‬لغرض اقطال ألى ذ اآلثار املترشبة ألى إبرام أقد الزواج في ال ريعة انسالمية‪ :‬ينظر‪ :‬د‪ .‬ماطفى إبرا ي‬ ‫الزملي‪ ،‬حقو انناان وضماناشها في ال ريعة والقانون‪ ،‬مطابع جامعة اربيل‪ ،،‬اربيل ط‪ ، 2011 ،2‬ص ‪.80-11‬‬ ‫(‪ )81‬ينظر‪ :‬د‪ .‬محمد فتحي أثمان‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪.138‬‬ ‫(‪ )82‬سورة النااش‪ /‬اآلية ‪.4‬‬ ‫(‪ )83‬سورة النااش‪ /‬اآلية ‪.24‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪189‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫وشنفرد ال ريعة انسالمية ب نها جعلأ التزوج واجبا اجتماأيا شنهب به الدولة إذا شع ر ألى األفراد‬ ‫امى‬ ‫ذن يقوموا به استجابة ألمر اهلل شعالى املوجه إلى جميع املالمني لقوله شعالى‪(:‬وَذَن ا‬ ‫ف ُحوا األَي َ َ‬ ‫اس ٌع أَ الي ٌ ) (‪.)84‬‬ ‫اهلل و َ ا‬ ‫الا ا ا‬ ‫احلني َ ام ْ اأ َباداكُ ْ وَ اإ َمائافُ ْ اإ ْن يَفُونُوا فُقَ ر َ َاش ي ُ ْغ ان اه ْ َّ ُ‬ ‫َض ال اه وَ َّ ُ‬ ‫اهلل ام ْ ف ْ‬ ‫امنْفُ ْ وَ َّ‬ ‫الفر الثاني‬ ‫مقاصد حماية األسرة في التاور انسالمي‬ ‫إن فلافة انسالم في حماية األسرة شنطلق م مقاصد ذساسية ذ مها(‪-:)85‬‬ ‫ذوق‪ :‬حتقيق الاف النفاي لألسرة (للزوج والزوجة) لقوله سبحانه‪( :‬وَ ام ْ آيَاشاها ذ َ ْن َخلَوق َ َلفُو ِّمو ْ‬ ‫افُ ُنوا اإل َْي َها وَ َج َعلَ بَ ْي َنفُ َّم َودَّة وَر َ ْح َمة) (‪ .)86‬وإن خلو األسرة م أنار (الاف )‬ ‫ذَنفُ اافُ ْ ذَزْوَاجا لِّ َت ْ‬

‫يعد م ذكبر األسباا التي شعان بوجود شلك األسرة‪ ،‬األمر ال ي يؤدي إلى خلخلة اعتمع ب سره‪.‬‬

‫ويتحقق األم والاف النفاي م خال الدور التفواملي التفواألي بوني الوزوجني وذفوراد‬ ‫األسرة ال ي ين‬

‫في جو م املودة والرحمة‪.‬‬

‫اس اشَّقُ وا ْ‬ ‫ثانيا‪ :‬اﶈافظة ألى مقاد ال ار بإيجاد النال ورأايته‪ :‬يقو سبحانه وشعالى‪(:‬يَا ذَي ُّ َها الن َّ ُ‬

‫رَبَّفُ ُ ال َّ اي َخلَقَ فُ ِّم نَّف ٍْس وَا اح َد ٍة وَ َخ َلق َ امنْ َها زَو ْ َج َها وَبَ َّ امنْ ُه َما را َجاق كَثايرا وَن ا َاواش)(‪ ،)87‬فال ريوة‬ ‫نتاج له ه العالقة التي ذشارت إليها اآلية وربطأ بتقول اهلل‪ ،‬وذكرت ذن الزوجني (واألسرة) همعهما‬ ‫وحدة من‬

‫(خ َلق َ امنْ َها زَو ْ َج َها)‪ .‬إن األسرة ي الطريق الطبيعي والالي واملوافق‬ ‫ة لقوله سبحانه‪َ :‬‬

‫للفطرة ال ي شن‬

‫منه ال رية‪ ،‬واألسرة ي قاأودة احليواة الب ورية وبواسوطتها يتحقوق مقاود‬

‫"احلفاظ ألى النو اننااني وصيانته م اقنقراض"‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬شه يب الغريزة وشنظي الطاقة اجلناية‪ :‬إن حاجة الرجل إلى املرذة‪ ،‬وحاجة املورذة إلوى الرجول‬ ‫حاجة فطرية خلقها اهلل سبحانه في شفوي انناان‪ .‬وقود ذرشد الرسو صولى اهلل أليه وسول‬ ‫ال باا إلى ضرورة املاارأة بالزواج‪ ،‬فإن ل يتيار لهو ذلوك فعلويه بالاوويام ألنوه يضوعن‬ ‫واشةَ َفل َْي َتوزَو َّ ْج فَإانَّو ُه‬ ‫اا‪َ ،‬م ا ْ‬ ‫اسو َت َطا َ امونْفُ ُ الْ َب َ‬ ‫الغريزة‪ ،‬قا أليه الاالة والاالم‪" :‬يَا َم ْع َ ر َ ال َّ َب ا‬ ‫اش" ‪.‬‬ ‫ا ُ لالْفَ ر ْ اج‪ ،‬وَ َم ْ َل ْ ي َ ْ‬ ‫ا َتطا ْع ف َ​َعل َْيها ب ا َّ‬ ‫ا ار وَذ َ ْح َ‬ ‫ب لالْ َب َ‬ ‫الاوْ ام فَإان َّ ُه َل ُه او َج ٌ‬ ‫ذَغَ ُّ‬

‫رابعا‪ :‬حفظ األنااا‪ :‬و ا شابع حلفظ النال‪ ،‬و و م اآلثار املباشرة للزواج حيو إن القاأودة فوي‬ ‫الناب املعتبر شرأا إمنا شثبأ للناب الراجع للزواج ال رأي املعروا‪.‬‬

‫(‪ )84‬سورة النور‪ /‬اآلية ‪.32‬‬ ‫(‪ ) 85‬ينظر‪ :‬د‪ .‬أبد الواحد محمد الفار‪ ،‬قانون حقو انناان في الففر الوضعي وال ريعة انسالمية‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪.318-317 ،1881 ،‬‬ ‫(‪ )86‬سورة الروم‪ /‬اآلية ‪.21‬‬ ‫(‪ )87‬سورة النااش ‪/‬اآلية ‪.1‬‬ ‫‪190‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫خاماا‪ :‬القيام بالتربية‪ :‬يُجمع ألماش التربية واقجتما ألوى ذن األسورة متثول املؤساوة التربويوة‬

‫األولى واألساس لتعلي وشربية الناشئة حي "يبدذ فيها ‪ -‬ذي في األسرة ‪ -‬حياشه من وقدشه‪ ،‬و ي ‪-‬‬ ‫ذي األسرة ‪ -‬األداة األساس في أملية التطبيع اقجتماأي ذلك ذن في األسورة شبودذ أمليوات حتويول‬ ‫الوليد الفائ البيولوجي الاغير‪ ،‬ليابح أضوا في اجلماأة انناوانية‪ ،‬فهوي التوي شووفر أمليوة‬ ‫(‪)88‬‬

‫التفاأل اقجتماأي األولى الضروري للتفين مع ظروا احلياة احملتلفة"‬

‫وقد شباينأ اآلراش حو اأتماد ال ريعة انسالمية كمرجعية حلقوو األسورة فهنواك اهواه‬ ‫يرفب ففرة استبعاد ال ريعة م املرجعية‪ ،‬كما يرفب جعول الففور الغربوي مرجعيوة للت وريع‬ ‫والففر في قضايا املرذة واألسرة واألحوا ال خاية أموما‪ ،‬مع اقختالا في طريقوة التعامول موع‬ ‫الففر انسالمي في‬

‫ا ال‬

‫ن‪ .‬و ناك فئوة ذخورل شعوارض جعول ال وريعة مرجعيوة لت وريعات‬

‫(‪)89‬‬

‫األسرة‪.‬‬

‫الفر الثال‬ ‫مظا ر اخلاوصية في إطار اخلطاا انسالمي‬ ‫كما سبق وذن ذكرنا ذن ناك م يربط بني طرح ماطلح اخلاوصية في إطار ذدبيات حقو‬ ‫انناان باحلدي‬

‫أ حقو انناان في انسالم‪ ،‬وال ي جاش نتيجة لاعود التيارات انسالمية‬

‫وظهور احلركات انسالمية ووصو بعضها إلى الالطة كتجربة الثورة انسالمية في إيران ‪ ،‬كانأ‬ ‫ه التطورات قد ذكدت ذ مية اقستقال أ الغرا والدأوة إلى اﶈافظة ألى اخلاوصية والتميز‬ ‫وذلك م منطلق كون منظومة احلق في انسالم ملزمة باأتبار ذن مادر ا إ إلهي وبالتالي ي‬ ‫شفالين ولياأ مجرد حقو انطالقا م اقستخالا انلهي لإلناان في األرض في مواجهة مقولة‬ ‫القانون الطبيعي التي ش سس أليها انأالن العاملي‪.‬‬

‫(‪)90‬‬

‫كما ذن مناصري اخلاوصية في إطار احلقو األسرية ينطلقون م وجهة نظر شرل ذن الوثائق‬ ‫الدولية اخلاصة بحقو انناان ي وثائق معبرة أ ثوابأ الثقافة األوربية وشراأي خاوصيتها‬ ‫و ي ثوابأ شختلن قليال ذو كثيرا أ ثوابأ الثقافات األخرل‪ ،‬وم‬ ‫العاملي حلقو األسرة ويقدم ؤقش بدائل مناسبة أ‬

‫نا بدذ ؤقش ينتقدون الطرح‬

‫ا الطرح فعلى صعيد اعتمعات التي شدي‬

‫بانسالم مت شقدمي مجموأة م لوائح حلقو انناان في انسالم ذو م وجهة نظر شراأي اخلاوصية‬

‫(‪ ) 88‬ينظر‪ :‬ذ‪.‬د‪ .‬محمود محمد أبد اهلل كاناوي‪ ،‬ذسس التربية انسالمية ودور األسرة في ش صيلها‪ ،‬ضم كتاا‬ ‫انيايافو‪2001 ،‬م‪ .‬ص‪،238‬‬ ‫(‪ ) 89‬ينظر‪ :‬سعاد الناصر‪" :‬قضية املرذة"‪ ،‬و و م سلالة إصدارات "كتاا األمة"‪ ،‬مطابع دار القل ‪ ،‬بيروت‪،2001 ،‬‬ ‫ص‪.112‬‬ ‫(‪ )90‬ينظر‪ :‬محمد فائق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.8‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪191‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫املتالة بالقي والثوابأ ال رأية انسالمية وكان م بينها انأالنات اآلشية (‪:)91‬‬ ‫‪ .1‬إأالن حقو انناان وواجباشه في انسالم الاادر أ رابطة العال انسالمي أام ‪.1878‬‬ ‫‪ .2‬البيان انسالمي العاملي حلقو انناان في انسالم الاادر أ اعلس انسالمي األوربي في لندن‬ ‫أام ‪.1880‬‬ ‫‪ .3‬البيان العاملي حلقو انناان في انسالم الاادر أ اعلس نفاه أام ‪.1881‬‬ ‫‪ .4‬م رو وثيقة حقو انناان في انسالم ال ي قدم إلى مؤمتر القمة ملنظمة املؤمتر انسالمي‬ ‫في الطائن في كانون الثاني ‪.1881‬‬ ‫‪ .1‬م رو حقو انناان في انسالم ال ي قدم إلى املؤمتر اخلامس في طهران في كانون األو‬ ‫‪.1888‬‬ ‫وميف القو ب ن التعارض بني اخلاوصية والعامليوة وو لويس مجورد خالفوات مفتعلوة ذو‬ ‫صراأات يت استغاللها سياسيا ذو ذيدلوجيا بل ي بالفعل قضايا يبدوا فيهوا نوو مو التعوارض‬ ‫الفعلي ال ي قد يتاع وقد يضيق بني مرجعيات مختلفة(‪.)92‬‬ ‫وم مظا ر التعارض بني الطرح العاملي لإلأالن العاملي حلقو انناان والطرح ال ي يراأوي‬ ‫اخلاوصية وال ي ميثله انأالن انسالمي حلقو انناان ميف مالحظة مجموأة م التقاطعات ما‬ ‫بني منظومة كونية (أاملية) ميثلها األو دون مراأاة خلاوصيات املنظومات األخورل وبوني منظوموة‬ ‫حتقق اخلاوصية املطلوبة كونها شراأي حتقيق اقناجام مع املتطلبات الدينية والقيمية واألخالقية‬ ‫ون كر ألى سبيل املثا بعب التطبيقات ملا شقدم‪:‬‬ ‫‪ .1‬ورد في انأالن العاملي حلقو انناان في املادة الثانية ذنه‪( :‬لفل إناان احلق دون متييز خاوصوا‬ ‫م حي القومية ذو اللون ذو اللغة ذو الدي ذو اقأتقاد الاياسي‪ ....‬فوي التمتوع بواحلقو واحلريوات‬ ‫امل كورة في‬

‫ا انأالن)‪.‬‬

‫ويقابلها في انأالن انسالمي حلقو انناان مادة ورد فيها ‪ (:‬جميع الناس متااويني في ذصول‬ ‫الفرامة انناانية‪ ،‬وفي ذصل التفلين واملاؤولية دون متييز بينه بابب العر ذو اللون ذو انقلي‬ ‫ذو اجلنس ذو اقنتماش الاياسي ذو الوضع اقجتماأي ذو غير ذلك م اقأتبارات)‪ .‬حي ياوتثنى و ا‬ ‫انأالن (الدي ) م‬

‫ه اقأتبارات انطالقا م النزأة العاملية والفونية لإلسالم نفاه م حي انه‬

‫دي و و متم جلميع األديان الاماوية ومفمل لها‪.‬‬

‫)‪ (91‬ينظر‪ :‬محمد أابد اجلابري‪ ،‬الدميقراطية وحقو انناان‪ ،‬سلالة الثقافة القومية‪ ،)21( ،‬قضايا الففر العربوي‪ ،‬مركوز دراسوات الوحودة‬ ‫العربية‪ ،‬بيروت‪ ،1884 ،‬ص ‪.188‬‬

‫(‪ )92‬ينظر‪ :‬دليل مرجعي في حقو انناان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬ ‫‪192‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫‪ .2‬وفي موضو الزواج يرد في نص املادة (‪ )11‬م انأالن العاملي حلقو انناان النص األشوي‪( :‬لفول‬ ‫رجل وامرذة بالغني احلق في الزواج وش فيل العائلة دومنا حتديد أرقي ذو قومي م حي اجلناوية ذو‬ ‫الدي )‪ .‬ذما انأالن انسالمي حلقو انناان فتنص املوادة اخلاماوة منوه ألوى موا يو شي‪ ( :‬للرجوا‬ ‫والنااش احلق في الزواج وق حتو دون متتعه به ا احلق قيود من ؤ ا العور ذو اللوون ذو اجلناوية)‪،‬‬ ‫وذلك دون ذكر الدي قن الدي انسالمي يضيع قيودا واضحة ألى زواج امل وركات موا لو ياولم‬ ‫ت َحتَّى يُؤ ْ ام َّ وَأل َ َم ٌة ُّمؤ ْ ام َن ٌة َخ ْير ٌ ِّم ُّم ْ اركَ ٍة وَلَوْ ذ َ ْأ َج َبوتْ فُ ْ وَق َ‬ ‫ف ُحوا ْ ا ْمل ُ ْ اركَا ا‬ ‫لقوله شعالى‪(:‬وَق َ شَن ا‬ ‫ك يَودْأُ و َن اإلَوى‬ ‫ف ُحوا ْ ا ملْ ُ ا ار اك ني َ َحتَّى يُؤ ْ ام ُنوا ْ وَل َ​َعبْ ٌد ُّمؤ ْ ام ٌ َخ ْير ٌ ِّم ُّم ْ ار ٍك وَلَوْ ذ َ ْأ َجو َب فُ ْ ذُوْلَوو ائ َ‬ ‫شُن ا‬ ‫النَّار و ُّ‬ ‫اس ل َ​َعل َُّه ْ ي َ َت َكَّرُو َن) (‪ ،)93‬كما يحورم ألوى‬ ‫اهلل يَدْأُ َو اإلَى اجلْ َن َّ اة وَا ملْ َ ْغ افر َ اة باإاذ ْن ا اه وَي ُ َب ِّني ُ آيَاشاها لالن َّ ا‬ ‫ا َ‬ ‫املالمة الزواج م غير املال ‪.‬‬

‫وش سياا ألى ما شقودم طرحوأ اململفوة العربيوة الاوعودية أوام ‪ 1870‬حتفظوا ألوى املوادة‬ ‫الاادسة أ رة م انأالن وبررت ذلك بقولها‪ (:‬إن منطق انسالم في ذلك ق ينطلق م حي انوه‬ ‫"قيد حلرية الزواج بابب الدي " وإمنا ينطلق م حي " وجوا صيانة األسرة مو اقنحوال باوبب‬ ‫اقختالا في الدي أند احترام الزوج ‪ -‬وجب أقيدشه‪ -‬ملقدسات زوجته)‪ ،‬قن املرذة ي احد أناوري‬ ‫األسرة األكثر حااسية‪ ،‬و ا ما يؤكد احترام انسالم لهو ه القاأودة والتزاموه بهوا موع الوديانات‬ ‫األخرل بتحرميه ألى الرجل املال التزوج م امرذة ق يحترم دينها ذو شقاليد ا وق يعترا بها‪ ،‬وذلوك‬ ‫للابب نفاه ال ي حرم فيه انسالم ألى املرذة املالمة الزواج م غير املال وذلك لتفادي شعرض‬ ‫(‪)94‬‬

‫األسرة للخاام واقنحال والطال ال ي و في نظر انسالم م ابغب احلال أند اهلل‪.‬‬

‫‪ .3‬وم مظا ر التعارض الواضحة ك لك ما يتعلق االة حرية شغيير املعتقد‪ ،‬إذ شونص املوادة (‪)18‬‬ ‫م انأالن العاملي حلقو انناان ألى ‪ (:‬لفلل فرد احلق في التمتع بحرية الففور والوجودان والودي‬ ‫و ا احلق ي مل حرية شغيير الدي ذو العقيدة)‪ ،‬في حني شنص املادة (‪ )22‬م انأالن انسالمي حلقو‬ ‫انناان ألى ما ي شي‪( :‬لفل إناان احلق في حرية التعبير والورذي بفول وسويلة وفوي حودود املبوادئ‬ ‫ال رأية)‪،‬‬

‫ه املبادئ شقوم ألى ذساس م األمور بواملعروا والنهوي أو املنفور‪ ،‬ثو ذن ال وريعة‬

‫انسالمية شقن ذمام شغيير الدي موقفا يرشبط ب حفام خاصة بالردة واقرشداد أ دي انسالم وال ي‬ ‫وضع له انسالم حدا م احلدود ال رأية‪.‬‬ ‫‪.4‬وم القضايا التي شطرح شعارضا بني انأالنني موضو حق التربية والتعلي ‪ ،‬و و حوق يعتورا بوه‬ ‫انأالن العاملي حلقو انناان مثلما يعترا به انأالن انسالمي حلقو انناوان إق ذن األو يجعول‬ ‫(‪ )93‬سورة البقرة‪ /‬اآلية ‪.221‬‬ ‫(‪ :) 94‬محمد أبد املتوكل‪ ،‬انسالم وحقو انناان‪ ،‬مجلة املاتقبل العربي‪ ،‬الانة (‪ ،)18‬العدد ‪ ،211‬شباط‪،1887‬‬ ‫بيروت‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪193‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫األولوية للوالدي فيما يخص نو التعلي والتربية املقدمة لألبناش (م‪ )21‬في حني شقابول و ه املوادة‬ ‫في انأالن انسالمي حلقو انناان ألى حق (اآلباش) في اختيار نو التربية التي يريدونها ألبنائه ‪.‬‬ ‫و ف ا يالحظ بان املرجعية التي شدافع أ اخلاوصية شدخل في أملية شنافس نثبوات قودرشها‬ ‫وشفوقها في مجا التعامل مع حقو انناان‪ ،‬لتمارس نو م اقجتهاد والت ويول واقسوتلهام مو‬ ‫التراث الففري والقيمي اخلاص بها‪ ،‬و ي في الوقأ نفاه مدأوة إلى حتاني نفاها والودفا أو‬ ‫ذاشها هاه حقو بال حدود وبال قيود‪ ،‬فيت‬

‫ناك أملية فرز ومتحيص لتلك احلقو الفونية لتحقيوق‬

‫األصالة وشرسيخ اخلاوصية املن ودة(‪.)95‬‬ ‫ويبدوا ذن املدارس احلقوقية املدافعوة أو اخلاوصوية شاوتعمل معيواري ب ويش مو املرونوة‬ ‫املطلوبة لتحقيق التناسب‪ ،‬فعندما يتعلق األمر واكبة القي احلقوقية الفونية شتجاوز املنظوموة‬ ‫اخلاصة اقختالفات بني املدارس الففرية والثقافية وشباي العاور ‪ ،‬ذما أندما يتعلوق األمور بقضوايا‬ ‫كبرل شتال بالهوية اقجتماأية والثقافية والففرية ملنظومة معينة كالقضايا املتاولة باألسورة‬ ‫واملرذة والطفل فان منظومة اخلاوصوية مطالبوة باسوتخدام كول موا متلفوه مو ذدوات ووسوائل‬ ‫للحفاظ ألى خاوصيتها‪.‬‬

‫(‪)96‬‬

‫وإذا ذردنا ذن نضع شقييما أاما للمواثيق وانأالنات الدولية املعنية بحقو األسرة‪ ،‬فان مثل و ا‬ ‫التقيي قد ينطوي ألى مقدار كبير م التعقيد وقد ياعب الوصو إلى التقيي املطلووا لعودة‬ ‫ذسباا منها‪:‬‬ ‫‪.1‬‬

‫إن‬

‫ه املواثيق وانأالنات أاجلأ جزئيات كبيرة ومفرطة في التنو والتعدد والتعقيود‪،‬‬

‫بال فل ال ي ق ميف م خالله ذن نضع قواأد معيارية محددة شالح للمقارنة فيموا‬ ‫بينها و بني الوثائق وانأالنات التي جاشت لتراأي بعب اخلاوصويات وحاولوأ شخطوي‬ ‫أيوا الطرح العاملي‪ ،‬كما ذن مدار اخلاوصية يختلن مو مجتموع آلخور ومو نظوام‬ ‫اجتماأي وذخالقي آلخر وم مدرسة ففرية وفلافية ألخرل‪ ،‬وم حضوارة ألخورل‪ ،‬مموا‬ ‫يزيد م م فالت الوصو لتقيي منطقي موا بوني منهجوني متبواينني فوي املعاجلوة‬ ‫والتنظي ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫إن األمناط الاائدة في خطاا الوثائق الدولية ذات النزأة العاملية وان كانأ محل انتقاد‬ ‫البعب واأتراض اآلخري ألى طبيعة التعامل واملعاجلة للموضوأات املتالة بحقوو‬ ‫األسرة‪ ،‬إق ذنه في الوقأ نفاه ق ميف التالي ب نها ق متثل شيئا مهموا فوي مجوا‬ ‫شطوير احلماية الدولية لألسرة‪ ،‬فمما قشك فيه ذن ثمة قواأد قانونية دوليوة منظموة‬

‫(‪ :)95‬ينظر‪ :‬دليل مرجعي في حقو انناان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬ ‫(‪ :)96‬ينظر‪ :‬دليل مرجعي في حقو انناان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬ ‫‪194‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫حلماية احلقو األسرية شف ن أ نظرة واأية ومدركة أل مية‬

‫ه احلقو ومتجهوة‬

‫نحو رأايتها وأدم التفريط فيها‪ .‬وبالتالي ليس م اننااا ذن جنرد اجلهود الدولية م‬ ‫اجلوانب التي شنطوي ألى مقدار مه ومتميز م التنظي اجليد لتلك احلقوو ‪ ،‬فيجوب‬ ‫اقأتراا بحقيقية ذن اعتمع الدولي سا‬

‫في إقرار قواأد ذساسية شاه في حفو‬

‫ذوضا األسرة بوصفها العام وحماية مفوناشها في مااحات معينة وا يناوج موع‬ ‫احلدود الدنيا األساسية املطلوبة في مجا احلماية‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫إن الوثائق انقليمية وب فل خاص الوثائق التي حتاو ذن شراأوي اخلاوصوية الثقافيوة‬ ‫واقجتماأية للمجتمعات‪ ،‬ي اآلخرة ل شطرح بوديال كافيوا ومثاليوا صواحلا لتنظوي‬ ‫احلقو محل احلماية‪ ،‬بل إنها حاولأ ذن شردد الفثير م الناووص العامليوة موع إدخوا‬ ‫بعب التعديالت البايطة ذو إدخا ذو شثبيأ فقرات معينوة حتواو ذن شتميوز بهوا أو‬ ‫الوثائق الدولية ذات الطابع العاملي‪.‬‬

‫‪.4‬‬

‫إن ذزمة الوثائق املعنية بحماية احلقو األسورية فوي إطوار يراأوي اخلاوصوية‪ ،‬ذزمتهوا‬ ‫احلقيقية ي غياا املنهجية الواضحة التي يجب ذن شفون حاضورة‪ ،‬و ه املنهجيوة ق‬ ‫ميف إنتاجها ب فل مفاجئ ودون ذن يفون ناك حتضير وشرشيوب مناسوب لهوا ودون ذن‬ ‫يت شوفير الظروا املناسبة ننتاجها‪ ،‬والتي شاه في إقرار نظوام مناسوب للحمايوة‪،‬‬ ‫فيه م األصالة والثبات ما ميف الدو األطراا – التي شاه في إقراره‪ -‬ألى ذن شفوون‬ ‫قادرة ألوى شطبيقهوا والتماوك بهوا وإقرار وا كبوديل أو القواأود التوي ق شراأوي‬ ‫اخلاوصيات املطلوبة‪.‬‬ ‫املطلب الثال‬ ‫آليات حتقيق اخلاوصية في شؤون األسرة‬ ‫ليس للعاملية معنى‪ ،‬إق إذا شوصلنا إلى وضع شاور نظرية حلقو انناان بال وفل الو ي ق‬

‫شظهر معه‬

‫ه األخيرة كنتاج شقليد للغرا‪ ،‬بل شعبير أ التقواش كول الثقافوات‪ .‬وحتوى يوت‬

‫و ا‬

‫اقلتقاش احلضاري فالبد م شوافر شرطني‪:‬‬ ‫‪ .1‬ذق شدأي ذية ثقافة امتالكها الطبيعي ذو النظري ولوحد ا‪ ،‬املؤ الت الففرية‬ ‫التي هعل منها ثقافة أاملية‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪195‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫‪ .2‬ذن ق يؤدي األخ بعني اقأتبار له ا التنو الثقافي‪ ،‬إلى إأطاش قيمة ذكبر للخاوصويات‪ ،‬مموا قود‬ ‫يحو دون شبني شاور موحد ملفا ي حقو انناوان‪ ،‬مفوا ي شبقوى صواحلة لفول الثقافوات‬ ‫(‪.)97‬‬

‫واحلضارات األخرل‬

‫مما ق شك فيه ذن اشفاقيوة منا ضوة كافوة ذشوفا التمييوز ضود املورذة شعتبور مو ذ و‬ ‫اقشفاقيات الدولية التي ذجنزشها األمم املتحدة بعد اشفاقيات ال رأة الدولية حلقو انناان‪ ،‬ومما يزيود‬ ‫م ذ ميتها دخولها دائرة اقلتزامات القانونية األمر الو ي يضوفي ألوى ناوصوها قيموة قانونيوة‬ ‫خاصة وم ث شتحمل الدو احمللة ب حفامها املاؤولية الدولية‪ )98(.‬ونعتقود ذن و ا الورذي وذمثالوه‬ ‫يزيد م خطورة املوقن لفون‬

‫ه اقشفاقية لها ذبعاد ا املباشرة ألى األسرة م خال األحفام التي‬

‫ذوردشها والتي متثل في جزش منها خروجا غير م لوا أ ذمناط التعامل املعتاد مع دائرة احلقو الدولية‬ ‫املقررة لألسرة‪ ،‬فم ناحية شعترا بحقو مطلقة ق يحود ا حود وق يقيود ا قيود إلوى احلود الو ي‬ ‫يخ ى معه ذن يقود األمر إلى الغلو وأدم اقناجام في معاجلة احلقو التي جاشت و ه اقشفاقيوة‬ ‫ملعاجلتها‪ ،‬مما يقدح كثيرا في اعاقت املتالة باخلاوصية القيمية والدينية واقجتماأية لل وعوا‬ ‫احملتلفة التي يطلب منها ذن شطبق ذحفامها وك ن دو العال وشعوبها بنمط واحد وذمنووذج واحود‬ ‫وإطار مت ابه في منظومة القي واألخال ‪.‬‬ ‫ويرل جانب م الفقه ذن اقشفاقيات الدولية حلقو انناان ومو بينهوا اشفاقيوة منا ضوة‬ ‫كافة ذشفا التمييز ضد املرذة‪ ،‬شالح مادرا للقواأد القانونية العامة ومو ثو ق شفوون ملزموة‬ ‫لألطراا التي وقعتها ذو صدقأ أليها فحاب‪ ،‬بل متتد طبيعتها انلزاميوة إلوى بواقي الودو غيور‬ ‫األأضاش في شلك اقشفاقيات(‪ .)99‬و ا الرذي مييل إلى شفيين اقلتزاموات القانونيوة الدوليوة املرشبطوة‬ ‫بقانون حقو انناان باأتبار ا قواأد قانونية آمرة ق يجوز مخالفتهوا وق يجووز اقشفوا ألوى موا‬ ‫يخالفها‪ ،‬ألنها شنظ موضوأات ي ألى ماتول أا م األ ميوة و وي موضووأات شورشبط بهوا‬ ‫املالحة الدولية للمجتمع الدولي ب سره‪.‬‬ ‫وي ب فريق آخر إلى القو ب ن ذساس القوة انلزامية قشفاقيات حقوو انناوان بالناوبة‬ ‫للدو غير األأضاش إمنا يفم في نص املادة (‪ )11‬و(‪ )11‬م ميثا األمم املتحودة‪ ،‬حيو إن شلوك الودو‬ ‫شاشت ذو ل ش‬

‫شعيش فوي ظول نظوام قوانوني دولوي يقووم ألوى معوايير للاولوك وقوي أليوا‬

‫ماتهدفة شرشبط بواقع اعتمع اننااني وشاايره فوي شطووره‪ .‬وإأمواق للموادشني الاوابقتني يعود‬ ‫(‪ )97‬ينظر‪ :‬د‪ .‬محمد شنطاوي‪ ،‬حقو انناان وإشفالية اخلاوصية الثقافية‪ ،‬شؤون اجتماأية‪ ،‬العدد‪ ،72‬ربيع‪،2002‬‬ ‫الانة‪ ،18‬ص‪.111-110‬‬ ‫(‪ )98‬ينظر‪ :‬د‪ .‬أبد العا الديربي‪ ،‬حقو انناان – اقلتزامات الناشئة أ املواثيق الدولية‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،‬ط‪ ،1‬املركز‬ ‫القومي لإلصدارات القانونية‪ ،‬القا رة‪ ،2011 ،‬ص ‪.201‬‬ ‫(‪ )99‬ينظر‪ :‬د‪ .‬أبد الواحد الفار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬ ‫‪196‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫احترام حقو انناان جزشا م القوي التوي شاوعى األمم املتحودة إلوى احترامهوا ووفقوا ملوا شوورده‬ ‫اقشفاقيات الدولية املعنية(‪.)100‬‬ ‫ورغبة م األمم املتحدة في دفع اق تمام الدولي بحقو انناان إلى األموام وأودم التخووا‬ ‫منها‪ ،‬فقد ذباحأ املنظمة الدولية استخدام الدو األطراا في اشفاقية دولية شعالج قضوايا حقوو‬ ‫انناان حق التحفظ(‪ )101‬مع انقرار بوجود بعب اقستثناشات(‪ )102‬التي شورد ألوى الوبعب منهوا (‪،)103‬‬ ‫ويفون التحفظ ألى الناوص التي هد الدولة نفاها غير قادرة ألى شنفي اقلتزامات الدولية التي‬ ‫شفرضها شلك اقشفاقيات‪ ،‬وشرغب رغ ذلك في التاديق أليها‪ ،‬فيفون التحفظ حال مناسبا في مثل‬ ‫(‪)104‬‬

‫ه احلاقت‪.‬‬

‫وألى سبيل املثا سمحأ اشفاقيوة منا ضوة كافوة ذشوفا التمييوز ضود املورذة بإبوداش‬ ‫التحفظات ألى ناوصها في حاقت معينة وب روط معينة‪ ،‬حي يتلقى األمني العام لألمم املتحدة‬ ‫نص التحفظات التي شبديها الدو وقأ التاديق ذو اقنضمام ويقوم بتعميمها ألى جميوع الودو ‪،‬‬ ‫وي ترط ذن ق يفون التحفظ منافيا ملوضو اقشفاقية وغرضها مع إمفانية سحب‬

‫ا التحفظ في‬

‫(‪ ) 100‬ينظر‪ :‬محمد الغمرل‪ ،‬واقع املرذة املارية في ضوش اشفاقية القضاش ألى جميع ذشفا التمييز ضد املرذة‪ ،‬مركز‬ ‫قضايا املرذة املارية‪ ،‬ط‪ ،1‬القا رة‪ ،2003 ،‬ص‪.33‬‬ ‫(‪ )101‬وقد أرفأ اشفاقية فينا لقانون املعا دات التحفظ ب نه‪ " :‬إأالن م جانب واحد ذيا كانأ صيغته ذو شاميته‬ ‫يادر أ الدولة أند شوقيعها ذو شاديقها ذو قبولها ذو انضمامها إلى املعا دة‪ ،‬وشهدا به استبعاد ذو شعديل األثر‬ ‫القانوني ألحفام معينة في املعا دة م حي سريانها ألى ه الدولة"‪.‬‬ ‫ينظر‪ :‬نص الفقرة (د) م املادة الثانية م اشفاقية فينا لقانون املعا دات لانة ‪.1818‬‬ ‫(‪ ) 102‬م ذمثلة املعا دات التي شنص ألى أدم جواز التحفظ أليها بافة أامة‪ ،‬اشفاقية قانون البحار لعام ‪1882‬‬ ‫حي ناأ املادة (‪ ) 308‬ألى انه‪ (:‬ق يجوز إيراد حتفظات ألى ه اقشفاقية)‪ ،‬كما ذشارت إلى ا املوضو املادة (‪)18‬‬ ‫م اشفاقية فينا لقانون املعا دات لعام ‪.1818‬‬ ‫ينظر‪ :‬د‪ .‬أاام العطية‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬ط‪ ،7‬املفتبة القانونية‪ ،‬بغداد‪ ،2008 ،‬ص ‪.143‬‬ ‫(‪ ) 103‬أرفأ الفقرة (د) م املادة الثانية م اشفاقية فينا لقانون املعا دات لانة ‪ 1818‬التحفظ ب نه‪ ( :‬إأالن م‬ ‫جانب واحد ذيا كانأ صيغته ذو شاميته يادر أ الدولة أند شوقيعها ذو شاديقها ذو قبولها ذو انضمامها إلى‬ ‫معا دة‪ ،‬وشهدا به استبعاد ذو شعديل األثر القانوني ألحفام معينة في املعا دة م حي سريانها ألى ه الدولة)‪.‬‬ ‫(‪)104‬ينظر‪ :‬محمد الغمرل‪ ،‬املرجع ذأاله‪ ،‬ص ‪.31-31‬‬ ‫ولعل م ذ دوافع التحفظات ألى معا دات حقو انناان ي مخالفة بعب بنود املعا دة لألمور التالية ‪-1 :‬‬ ‫العقيدة الدينية للدو ‪ ،‬و ا ما يالحظ غالبا في حتفظات الدو انسالمية‪ -‬ذو بعب الدو املايحية كالفاشيفان‬ ‫وذيرلندا‪ -‬والتي شرل فيها مخالفة صريحة ألحفام ال ريعة انسالمية مثال بعب بنود إأالن حقو انناان فيما‬ ‫يتعلق باحلرية اجلناية ‪ ،‬ذو حق انجهاض ذو ال وذ اجلناي ‪ -2 .‬املاالح احليوية للدولة ‪ ،‬حي ذن كل دو العال‬ ‫شرفب التوقيع ألى معا دة شخل ااحلها ذو ق شعود بفائدة أليها سواش في الوقأ الرا ذو ماتقبال‪ ،‬ومهما كان‬ ‫نو املالحة سياسية ذو اقتاادية ذو أافرية ذو استراشيجية ‪ -3 .‬القوانني الداخلية للبالد ‪ ،‬حي ذن بعب‬ ‫املعا دات واقشفاقيات الدولية ذات ش ثير ألى ال ؤون الداخلية‪ ،‬ذو ذن التوقيع أليها ياتلزم س ش ريعات داخلية‬ ‫شناج مع اقلتزامات التي وأدت الدولة بها ‪ ،‬مثال احلد م التالح النووي ذو فتح البالد ذمام التفتيش ذو انشراا‬ ‫الدولي ألى املفاأالت النووية ‪ ،‬ذو قضية منع أمل األطفا دون س معينة‪ ،‬ذو منح فئة معينة م ال عب ‪ ،‬أرقية‬ ‫ذو م بية ذو دينية ‪ ،‬وضعية خاصة ‪ ،‬ذو الاماح باحلريات الاياسية جلميع ذفراد ال عب في حني ق يرغب النظام‬ ‫احلاك ب لك ‪.‬‬ ‫ينظر‪ :‬جعفر أبد الرزا ‪ ،‬انسالم واقشفاقيات الدولية‪ ،‬مجلة (قضايا إسالمية معاصرة)‪ /‬العدد األو (‪ ،)1888‬ص‪.217‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪197‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫ذي وقأ‪ ،‬بتوجيه إشعار به ا املعنى إلى األمني العام ال ي يقوم بدوره ألى الفور بإبالغ الدو األخورل‬ ‫به ويابح‬

‫ا انشعار ناف ا م شاريخ شلقيه‪.‬‬

‫وقد جاشت التحفظات ألى‬

‫(‪)105‬‬

‫ه املعا دة م قبل الدو ب يش م ال مو واقشاا لدرجة‬

‫ذفرغأ شلك الناوص املتحفظ أليها م محتوا ا‪ ،‬فم إجمالي أدد الدو األطراا فوي املعا ودة‬ ‫ذوردت ‪ 40‬دولة منها ‪ 101‬حتفظات ألى ناوصوها‪ ،‬معظمهوا متعارضوة موع الهودا والغايوة مو‬ ‫اقشفاقية‪ ،‬األمر ال ي دفع بلجنة القضاش ألى التمييز ضد املرذة فوي شوصويتها رقو ‪ 4‬فوي اجللاوة‬ ‫الاادسة أام ‪ 1887‬لإلأراا أ قلقها إزاش أدد التحفظات الفبير ال ي يبدو أدم شواؤمه مع غايات‬ ‫املعا دة وذ دافها‪ ،‬كما حثأ اللجنة الدو األأضاش ألى إأادة النظر فيما ذبدشه م حتفظات بغية‬ ‫إلغائها‪ ،‬ث طالبأ في شوصيتها الع ري باجللاة احلادية أ رة أام ‪ 1882‬بإأادة النظر فوي و ه‬ ‫(‪)106‬‬

‫التحفظات ألى ذساس شنفي كافة معا دات حقو انناان‪.‬‬

‫وقد جل ت العديد م املؤمترات الدولية التي شناولأ في مناق اشها ماائل شورشبط باألسورة‪،‬‬ ‫إلى إأادة النظر في الفثير م املالحظات التي شبنتها الدو ألى مقرراشها وألى سوبيل املثوا فوي‬ ‫املؤمتر العاملي الرابع املعني باملرذة واملنعقد في بفني أوام ‪ 1881‬والو ي شوزام انعقواده موع الو كرل‬ ‫اخلماني لقيام األمم املتحدة‪.‬‬ ‫وهدر انشارة إلى ذن التحفظ ألوى معا ودات حقوو انناوان ب وفل أوام ق يوزا ميثول‬ ‫موضوأا مثيرا للجد الفقهي‪ ،‬وق يزا يحظوى با تموام متزايود مو قبول الهيئوات واملؤساوات‬ ‫الدولية احلقوقية املهتمة بالدفا أ حقو انناان‪ ،‬فإذا كانأ ناك مبررات حقيقية شدفع بعوب‬ ‫الدو إلى التحفظ ألى بعب الناوص ألسباا مقنعة ومبررة حلاجة شلك الدولوة إلوى املزيود مو‬ ‫الوقأ م اجل إأادة شنظي ش ريعاشها الداخلية ذو شهيئة البيئة املناسبة لتطبيق بعب الناوص‪،‬‬ ‫ذو قن شلك الدو شرل في‬

‫ه القواأد ما ميس بايادشها الت وريعية ذو بحقوو رأايا وا ذو ذي رؤيوة‬

‫ذخرل شبرر استبعاد شطبيق شلك الناوص ب فل مؤقأ ذو دائ ‪ ،‬إلى ذن شتوفر الظروا املناسبة التوي‬ ‫شفون فيها شلك الدو ذكثر قدرة ألى إأادة النظر في جانب مه مو حتفظاشهوا وقبولهوا اقلتوزام‬ ‫(‪ )105‬ينظر‪ :‬نص املادة (‪ )28‬م اشفاقية منا ضة التمييز ضد املرذة‪.‬‬ ‫(‪ )106‬ينظر‪ :‬محمد الغمرل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.204‬‬ ‫وفي الواقع إن التحفظ ألى معا دات حقو انناان ق يقتار ألى دو العال الثال ‪ ،‬حي يرل البعب ذن ناك‬ ‫كثرة حتفظات الدو الغربية ذات الدميقراطيات العريقة ألى معا دات حقو انناان‪ .‬فقد قدمأ الدو الغربية ‪47‬‬ ‫حتفظا ألى (معا دة القضاش ألى جميع ذشفا التمييز العناري) دون ذن يثير ذلك انتقادا لها باأتبار ذنها شرفع لواش‬ ‫احترام حقو انناان ومنع وهرمي التمييز العناري‪ ،‬بل ألى العفس يجري شبرير التحفظات ب نها حق م رو‬ ‫شتضمنه اقشفاقيات نفاها‪ ،‬إضافة إلى مخالفة بعب مواد ا لت ريعاشها الداخلية ‪.‬‬ ‫ينظر‪ :‬جعفر أبد الرزا ‪ ،‬التحفظات الغربية ألى معا دات حقو انناان‪ ،‬دراسة من ورة ألى ال بفة الدولية‬ ‫للمعلومات ألى الرابط اآلشي‪:‬‬ ‫‪http://salahabdelrazak.com/article.php‬‬ ‫شاريخ ذخر زيارة‪2013/11/20 :‬‬ ‫‪198‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫بتلك القواأد ألنها وفرت البيئة املناسبة لتطبيقها‪ ،‬وبطبيعة احلا فان‬

‫ا األمر قد يناوج موع‬

‫الناوص التي ق شتقاطع مع اخلاوصيات الثقافية واقجتماأية ل عوا شلك الودو ‪ ،‬وفوي جميوع‬ ‫األحوا يجب ذن ق شوظن شلك التحفظات ذو هير بال فل ال ي شفون وسويلة لتهورا الدولوة مو‬ ‫التزاماشها الدولية ذو التحايل ألى اقشفاقيات الدولية ذو ذن يت استغاللها ب فل ق يتفق مع الغاية‬ ‫التي اقر ألجلها موضو التحفظ‪.‬‬ ‫وخالصة القو إن آليات احلفاظ ألى اخلاوصية الثقافية ميف ذن شتبلور بعدة صور منها ذن‬ ‫يت إقرار نظ خاصة للحماية شراأي اخلاوصيات الثقافية للمجتمع‪ ،‬وذن يت احلرص ألوى انفوادة‬ ‫م موضو التحفظ ألى املعا دات في انطار ال ي يفاب الدو فرصة لإلفادة مو اعواقت التوي‬ ‫شناج مع خاوصيات مجتمعاشها وشبنيها واسوتبعاد موا يتعوارض معهوا‪ ،‬ولعول اآلليوة األكثور‬ ‫فاألية برذينا ي زيادة ماا مة دو العال الثال في مجا إنتاج القواأد الدولية للحماية‪ ،‬وذلك‬ ‫م خال امل اركة الفاألة في إطار اجلمعية العامة لألمم املتحودة والوكواقت الدوليوة املتخااوة‬ ‫للدفا أ وجهات نظر ا التي شت سس ألى ضرورة احترام خاوصياشها واحترامها فوي ذي ماوعى‬ ‫ياتهدا حماية األسرة وصيانة حقوقها‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪199‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫اخلامتة‬ ‫إن موضو شنظي احلماية الدولية لألسرة ينطوي ألى كثير مو امل وفالت التوي شطورح فوي‬ ‫انطاري النظري والعملي في ذات الوقأ‪ ،‬وبعد‬

‫ا اقستعراض ملظا ر الاورا موا بوني فلاوفات‬

‫أاملية لتنظي األسرة وذخرل شراأي اخلاوصيات اقجتماأية والثقافية والففريوة والقيميوة لفول‬ ‫مجتمع م اعتمعات‪،‬‬

‫ا األمر شرشبط به مجموأة م النتائج اجلو رية وما يرشبط بها م شوصيات‬

‫شاه في إيجاد حلو مناسبة لها و ي كما ي شي‪:‬‬ ‫النتائج‪:‬‬ ‫‪ .1‬إن الغاية األساسية م صياغة قواأد احلماية املقررة لألسورة وو صويانتها مو كول مظوا ر‬ ‫اقأتداش ألى احلقو املقررة لااحلها واقرشقاش بهوا وانسوهام فوي احلفواظ ألوى متاسوفها ورأايوة‬ ‫مفوناشها‪،‬‬

‫ه الغاية شقتضي ذن شناهر اجلهود الدولية العاملية وانقليمية مو ذجول إنتواج منواذج‬

‫جديدة م قواأد احلماية الدولية شففل حتقيق املتطلبات األساسية للوصو إلى التنظي القانوني‬ ‫املناسب له ه احلقو ‪ ،‬وان ذي شقاطع ذو أدم اناجام في مجا املعاجلة والتنظي سيقود حتما إلى‬ ‫انضرار بحقو األسرة والتفريط باملاالﺢ اﶈمية‪،‬‬

‫ه املاوالﺢ ينبغوي ذن شراأوى فوي ذي مجهوود‬

‫ش ريعي (دولي ذو وطني)‪.‬‬ ‫‪ .2‬إن اجلهود الرامية إلى شبني قواأد قانونية شراأي اخلاوصية اقجتماأية والثقافية لألسرة‪،‬‬

‫ه‬

‫اجلهوود رغو ذنهووا قوودمأ شاووورا معينووا يحوواو ذن يؤكوود ألووى إأمووا اخلاوصوويات األساسووية‬ ‫للمجتمعات‪ ،‬إق ذن واقع التعامل مع‬ ‫التخبط وأدم الوضوح ول شف‬

‫ا املوضو جاش في بعوب اعواقت مربفوا وفيوه الفثيور مو‬

‫ناك منهجية واضحة وثابتة شلتزمها األطراا املدافعة أ مراأاة‬

‫اخلاوصية‪ ،‬مما انعفس ألى الوثائق التي مت شبنيها في‬

‫ا اعا والتي خلأ في كثيور مو جوانبهوا‬

‫م األصالة في الطرح والوضوح في املعاجلة‪ ،‬بل كانأ املاالة مرشبطة حاولة وضع حلو ضويقة‬ ‫ومتعثرة ق شراأي طبيعة التطورات اقجتماأية واققتاادية للمجتمعات انناانية‪.‬‬ ‫‪ .3‬إن الوثائق الدولية ذات النزأة العاملية في التعامل مع قضايا األسرة ي اآلخرة جواشت لتحمول‬ ‫بني طياشها العديد م الناوص التي شتقاطع مع غايات احلماية وذ دافها األساسية‪ ،‬وذخو ت شلوك‬ ‫الناوص شتبنى مفا ي ونظما اجتماأية غير منضبطة ومفرطة في التعامل مع األسرة عطيات‬ ‫مادية بحتة‪ ،‬شخلو م ذي نظرة شركز ألى القي والوشائج اقجتماأية والنظ األخالقية‪ ،‬األمر ال ي‬

‫‪200‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫افرز وقدة مظا ر منحرفة حتاب خط ب نها ذنظمة حماية‪ ،‬إق ذنها في حقيقتهوا ذنظموة شففيوك‬ ‫وهزئة لألسرة والوصو بها إلى اقنهيار والت ظي‪.‬‬ ‫‪ .4‬إن شنظي احلماية الدولية لألسرة قد مر راحل مختلفة م التطور‪ ،‬وقد اأتمد‬

‫ا التنظوي‬

‫ألى سلالة م الوثائق الدولية املنظمة لقواأد قانونية دولية شعالج جوانب مختلفة م احلماية‬ ‫املتاورة لألسرة باأتباره مفونا ماتهدفا باحلماية أبر شلك القواأد‪ ،‬و ا التطور ارشوبط بعوامول‬ ‫مختلفة يقن في مقدمتها شنامي القوانون الودولي حلقوو انناوان وشفامول موضووأاشه‪ ،‬وشزايود‬ ‫اق تمام الدولي بقضايا حقو انناان إلى احلد ال ي وصل معه اعتمع الدولي إلوى شودويل قضوايا‬ ‫حقو انناان وإخراج موضو حقو انناان م دائرة املاائل التي شعود مو صومي اقختاواص‬ ‫الداخلي للدولة‪.‬‬ ‫‪ .1‬إن اجلهود الدولية الرامية إلى حماية حقو األسرة م شتى مظا ر اقأتداش أليها ذو انسواشة‬ ‫إليها انطلقأ م ذسوس قانونيوة ماوتمدة مو خلفيوات اجتماأيوة وففريوة وقيميوة متباينوة‬ ‫ومختلفة وقد طغأ ألى الفثير م ناوص احلماية فلافات امل ب الرذسمالي والففر احلور فوي‬ ‫إطار منوذج قد يتناسب حلل م فالت مجتمعات بعينها ولف م دون ذن يفوون نواك ذي إمفانيوة‬ ‫لتعمي‬

‫ه الناوص والقو باالحيتها للتطبيق بالنابة عتمعات ذخرل‪.‬‬

‫‪ .1‬إن العاملية قد ذدمجأ معها بعب مظا ر العوملة وذخ ت األمم املتحدة في ذأقاا التاوعينيات‬ ‫شرأى مؤمترات أاملية حلقو انناان خاص بعضها ملناق ة قضايا األسرة وم فالشها ومفوناشها‬ ‫وب فل خاص املرذة والطفل‪ ،‬وقد انتهأ شلك املؤمترات إلى صياغة وثائق دولية جاشت ألوى ماوتول‬ ‫أا م املغاقة في الطرح ال ي يفرس منوذجا واحدا لقواأد قانونية صيغأ لتطبق ألى دو العال‬ ‫ب سر ا مع ذنها شفتقر إلى اباط مقومات شطبيقها في ذفق أاملي لفونهوا لو شورا اخلاوصويات‬ ‫واقختالفات اجلو رية ألى املاتويات الثقافية واقجتماأية بني مجتمعات الدو ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬

‫إن مؤيدي التنظي العاملي حلقو األسرة رغ وجا ة املبررات التي يقدمونها م خال ربطه‬

‫بني حقو األسرة والتطور احلاصل في مجا شنظي حقو انناان واأتبار‬

‫العاملية وسيلة للحد‬

‫م خر ذحفام احلماية خ ية استغال اخلاوصيات كاتار قنتهاك احلقو ‪ ،‬واقستدق ب ن اعتمع‬ ‫الدولي قد غادر موضو مناق ة أاملية حقو انناان م اللحظة التي ذقر فيهوا انأوالن العواملي‬ ‫حلقو انناان وما شاله م وثائق دولية ذخرل‪،‬‬

‫ه املبررات ورغ ذنها حتظى بت ييد الفثيري إق ذنها ق‬

‫ميف ذن شاتخدم كوسيلة لتجريد الدو م حقها في احلفاظ ألوى البنواش اقجتمواأي والثقوافي‬ ‫واألخالقي عتمعاشها بال فل ال ي يناج مع منظوموة القوي والتقاليود واألأوراا ومنظوموة‬ ‫الدي ‪ ،‬خاصة في اعتمعات التي ل شتخل أ املعطيات الاابقة وق شزا شعمول مو ذجول احلفواظ‬ ‫ألى الهوية اخلاصة بها خ ية ذن شختر ويايبها مو التففوك واقنحوراا موا ذصواا اعتمعوات‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪201‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫الغربية بابب سيادة منظومة م القي التي ق شراأي حماية األسرة بال فل األمثل و وا يففول‬ ‫حتاينها ذخالقيا وثقافيا وإبعاد ا أ ذي مظهر م مظا ر التففك ذو التهميش‪ ،‬وإق فوان احلمايوة‬ ‫ستفون شفلية والغايات األساسية م احلماية ل شتحقق‪.‬‬ ‫‪ .8‬إن انسالم قد وضع لألسرة منظومة حمائية متفاملة حتيط بها م كل جانب وشاتمر معهوا‬ ‫في كل الظروا وشنبثق م الفطرة انناانية الاليمة وم شعظي ملفانة األسرة وحرص حقيقوي‬ ‫ألى احلفاظ أليها وصونها م ذي مظهر م مظا ر اقأتداش أليها‪ ،‬وانسالم يضوع آليوات وقائيوة‬ ‫واليات أالجية حلماية األسرة‪ ،‬و ه اآلليات ذكثر جناأة وذكثر فاألية م ذي آلية ش ريعية وطنية ذو‬ ‫دولية شوصل إليها اعتمع الدولي حتمل شعار حماية األسورة‪ ،‬وبهو ا التاوور يطورح انسوالم ألوى‬ ‫اجلميع خاوصياشه التي ياتطيع ذن يواجه بها ذي حتود حقيقوي يواجوه األسورة ذو ذي مفوون آخور‬ ‫يعترا له بحق م احلقو ‪.‬‬ ‫‪ .8‬إن اخلاوصية التي ينادي بها الفثيرون في مجا شنظي احلماية القانونية اخلاصة باألسرة وموا‬ ‫يندرج في إطار ا م مفونات‪،‬‬

‫ه اخلاوصية يجب ذن شفون حقيقية في مجا التعبير أو قوي‬

‫وخاائص ثقافية نابعة م املوروث احلضاري واقجتماأي والديني للمجتمع ا يففل متاسك األسرة‬ ‫وصيانتها واحلفاظ أليها م ذي مخاطر قد شهدد ا‪.‬‬ ‫‪ .10‬إن املرذة وحقوقها كانوأ محوور خالفوات كبيورة بوني ذناوار العامليوة ومعارضويها وبوني دأواة‬ ‫اخلاوصية ومنفريها‪ ،‬وقد نالأ قضايا املرذة في إطار احلدي أ حقو األسرة مااحات واسعة م‬ ‫اخلالا في األوساط الدولية احملتلفة فما بني الدأوة إلى التالي بالنموذج املقرر في إطار اقشفاقيات‬ ‫الدولية‪ ،‬وب فل خاص اشفاقية منا ضة التمييز ضود املورذة‪ .‬وموا بوني منفور ب وفل كلوي لهو ه‬ ‫اقشفاقية ومثيالشها ومعارض ألحفامها‪ ،‬ويقن بني الطورفني اهواه ثالو شووفيقي يوؤم بإمفانيوة‬ ‫اأتماد اخلطاا العاملي في إطار يحافظ ألى اخلاوصية الثقافية واقجتماأية بحيو يحقوق و ا‬ ‫الوضع مزايا حتافظ ألى مقاصد العاملية ومتطلبات إأما اخلاوصية بال فل ال ي يففل لألسرة‬ ‫وللمرذة ك حد أناصر ا حماية قانونية ذفضل‪.‬‬ ‫‪ .11‬إن ماؤولية شامني احلماية الدولية لألسرة ق شقع ألى أاشق املنظمات الدوليوة العامليوة بول إن‬ ‫املنظمات الدولية انقليمية ميف ذن متارس دور وا فوي مجوا كفالوة احلمايوة القانونيوة املناسوبة‬ ‫لألسرة‪ ،‬خاصة ذن‬

‫ه املنظمات ميف ذن شاه في صياغة قواأد قانونية شنظ جوانب مختلفوة‬

‫للحماية شتناسب مع ذوضا وظروا وقي وشقاليد اعتمعات للدو األأضواش فيهوا‪ ،‬فتفوون نواك‬ ‫مااحة ذوسع لتلك املنظمات في مراأاة اخلاوصية وإأمالها ذكثر مما لو شرك األمر ملنظموة دوليوة‬ ‫أاملية‪.‬‬

‫‪202‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫‪ .12‬ق ميف إغفا الدور ال ي متارسه املنظمات الدولية غيور احلفوميوة فوي مجوا شعزيوز احلمايوة‬ ‫القانونية لألسرة م خال آلياشها التي متتاز بالقدرة ألى الوصو إلوى الفئوات امل ومولة باحلمايوة‬ ‫وبطريقة شتناسب مع ظروا شلك الفئات وذوضاأها‪ ،‬وبالتالي ستفون اقدر ألى مراأواة اخلاوصوية‬ ‫م املنظمات الدولية احلفومية التي شخضع نجراشات وآليات ذكثر شعقيدا قد ق شامح لها باقشاا‬ ‫املباشر مع الفئات محل احلماية والوقوا ألى ذوضاأه والت كد م التزام األطراا املوكل إليها ذمر‬ ‫حمايتها ب داش شلك اقلتزامات وأدم وجود انتهاكات ذو خروقات لها‪.‬‬ ‫التوصيات‪:‬‬ ‫‪ .1‬ألى املؤساات احلقوقية الوطنية وانقليميوة والدوليوة ذن شاوه معوا فوي دأو اعهوودات‬ ‫الرامية إلى إقرار نظو دوليوة حلقوو األسورة حتوافظ ألوى انطوار العواملي لتلوك احلقوو وشرأوى‬ ‫اخلاوصيات الثقافية بال وفل ميفو مو خاللوه شوظيون شلوك اخلاوصويات والتنوو احلضواري‬ ‫للمجتمعات في إطار يدأ أاملية شلك احلقو ‪.‬‬ ‫‪ .2‬يجب شعميق احلوار ما بني الدو كافة لفونها متثل مدنيات وحضوارات مختلفوة ومتباينوة فوي‬ ‫فلافاشها وقيمها وثقافاشها‪ ،‬وان شفون ناك مؤمترات أاملية لتعزيز ففرة إقرار قواأد قانونية دولية‬ ‫أامة حتمي احلقو األسرية وحتافظ أليها‪ ،‬موع الاوماح للونظ انقليميوة املعبورة أو ثقافوات‬ ‫اجتماأية وثقافية معينة ذن شتولى بنفاها معاجلة اجلزئيات في ضوش انطوار العوام الو ي شرسومه‬ ‫الوثائق العاملية‪ ،‬بحي يفون ناك إحالة في املوضوأات اخلالفيوة إلوى الونظ انقليميوة لتتوولى‬ ‫حامها في إطار منظومة القي والتقاليد التي شناج معها وشتفق مع منطلقاشها‪.‬‬ ‫‪ .3‬إن الدو التي حترص ألى احترام منظومة القي اقجتماأية والثقافيوة والدينيوة اخلاصوة بهوا‬ ‫مطالبة بالدفا أ اخلاوصية التوي شففول إيجواد ذوضوا منضوبطة للحمايوة شراأوي بالدرجوة‬ ‫األساس مالحة الفئة محل احلماية‪ .‬وفي الوقأ نفاوه شراأوي حتقيوق اقناوجام والتوافوق موع‬ ‫املتطلبات األخالقية والثقافية و ا يحافظ ألى الهوية املميزة لفول مجتموع مو اعتمعوات‪ .‬ومموا‬ ‫قشك فيه ذن‬ ‫ملثل‬

‫ا التنو يزيد م الثراش في مجا منظومة احلقو األسرية التي وي ميودان ذمثول‬

‫ا النو م احلقو التي لها طابعها املميوز و ويتهوا اخلاصوة املاوتمدة مو قوي وشقاليود‬

‫وثقافات اعتمع ال ي شنتمي إليه‪.‬‬ ‫‪ .4‬إن التحفظ ألى اقشفاقيات الدولية التي شتضم بعب األحفوام التوي ق شراأوي اخلاوصويات‬ ‫اقجتماأية ذو الثقافية لدولة م الدو ‪ ،‬ميف ذن يفون األسلوا األكثر فاألية في استبعاد شطبيوق‬ ‫بعب الناوص التي شعتقد الدولة ذنها شخر منظومة القوي اقجتماأيوة فيهوا‪ ،‬وبالتوالي ميفو‬ ‫الدخو في اقلتزامات التي شقرر ا شلك اقشفاقيات م دون ذن يفون نواك شعوارض موع مقتضويات‬ ‫اخلاوصية التي يراد مراأاشها‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪203‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫‪ .1‬إن مرجعية ال ريعة انسالمية الغراش يجب ذن شفون املؤشر األو نحو التقاش التنظي العواملي‬ ‫حلق معني م حقو األسرة مع التاورات ال ورأية لهو ه احلقوو ‪ ،‬فوإذا كانوأ شلوك املعاجلوات ق‬ ‫شتضم ما يتعارض مع ال ريعة انسالمية فان شلك احلقو شفون محل احترام ويجب العمل ألوى‬ ‫شطبيقها وبخالفه يجب إ دار ذي حق ق يناج مع انسالم ألنوه يتنوافى موع الفطورة انناوانية‬ ‫الاليمة ومع معطيات احلق ال ي ياتحق احلماية والرأاية واقأتبار‪.‬‬

‫‪204‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫املراجع‬ ‫ القران الفرمي‪.‬‬‫ذوق‪ :‬املعاج وكتب اللغة ‪:‬‬ ‫‪ .1‬ذبو أبد الرحم اخلليل ب ذحمد الفرا يدي‪ ،‬العني‪،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1‬دار الهال ‪ ،‬حتقيق د‪ .‬مهدي احملزومي‬ ‫ود‪ .‬إبرا ي الاامرائي‪ ،‬بيروت‪.1888،‬‬ ‫‪ .2‬الاحاح‪ :‬في اللغة والعلوم (حتديد صحاح العالمة اجلو ري‪ ،‬واملاطلحات العلمية والفنية‬ ‫باعامع‪ ،‬واجلامعات العربية) إأداد وشانين ندمي مرأ لي‪ ،‬وذسامة مرأ لي‪ ،20/1 ،‬ط‪ -‬دار احلضارة‬ ‫العربية‪ ،‬بيروت‪1874 ،‬م‪.‬‬ ‫محمد ب ذبي بفر الرّازي‪ ،‬مختار الاحاح‪ ،‬ج‪ ،300/1‬ط‪ .2‬حتقيق‪ :‬محمود خاطر‪ .‬مفتبة لبنان‪،‬‬ ‫‪.3‬‬ ‫ّ‬ ‫بيروت‪ 1411 ،‬و‪1881-‬م‬

‫‪ .4‬محمد ب مفرم ب منظور األنااري ‪ ،‬لاان العرا‪ ،‬ج‪ ،8‬ط‪ .1‬دار صادر ‪ ،‬بيروت‪.2003 ،‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الفتب في اللغة العربية‪- :‬‬ ‫‪.1‬‬

‫شقرير املنظمات الدولية غر احلفومية أ ذأما مؤمتر فينا لعام ‪ ،1883‬مركز األ رام‬

‫للدراسات انستراشيجية‪ ،‬القا رة ‪.1884 ،‬‬ ‫‪.2‬‬

‫د‪ .‬ذمير موسى بو خميس‪ ،‬حقو انناان مدخل إلى وأي حقوقي‪ ،‬سلالة الثقافة القومية‪،‬‬

‫رق الالاة (‪ ،)24‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪.1884 ،‬‬ ‫‪.3‬‬

‫د‪.‬جعفر أبد الاالم ‪ ،‬القانون الدولي حلقو انناان ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬دار الفتاا املاوري ودار‬

‫الفتاا اللبناني‪ ،‬بيروت ‪. 1888 ،‬‬ ‫‪.4‬‬

‫د‪ .‬رياض أزيز ادي‪ ،‬العال الثال وحقو انناان‪ ،‬بغداد‪ :‬دار ال ؤون الثقافية العامة‪.2001،‬‬

‫‪.1‬‬

‫سامي أوض ال يب ذبو ساحلية‪ ،‬حقو انناان املتناز أليهوا بوني الغورا وانسوالم‪ ،‬بحو‬ ‫من ور في كتاا حقو انناان العربي ‪ ،‬سلالة كتب املاوتقبل العربوي(‪ ،)17‬مركوز دراسوات‬

‫الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪.1888،‬‬ ‫‪.1‬‬

‫سعاد الناصر‪" ،‬قضية املرذة"‪ ،‬و و م سلالة إصدارات "كتاا األمة"‪ ،‬مطابع دار القل ‪،‬‬

‫بيروت‪.2001 ،‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪205‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫‪.7‬‬

‫د‪ .‬شرين أتل و د‪ .‬محمد ما ر أبد الواحد‪ ،‬اشفاقيات القانون الدولي اننااني‪ ،‬الناوص‬

‫الرسمية لالشفاقيات والدو املادقة واملوقعة‪ ،‬بعثة اللجنة الدولية للاليب األحمر في القا رة‪،‬‬ ‫ط‪ ،2‬القا رة‪.2002 ،‬‬ ‫‪.8‬‬

‫ّانية‪ ،‬بتحقيق‪ :‬أبد‬ ‫شيمية‪ ،‬الفتاول الفبرل‪ ،‬مفتبة اب‬ ‫شيخ انسالم اب‬ ‫شيمية‪ ،‬الطبعة الث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪.8‬‬

‫ال يخ العالمة محمود شلتوت‪ :‬انسالم أقيدة وشريعة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ال رو ‪ ،‬القا رة‪.1888،‬‬

‫محمد املنجدي‪ ،‬القا رة‪.1888،‬‬ ‫الرحم ب‬ ‫ّ‬

‫‪ .10‬د‪ .‬أبد العا الديربي‪ ،‬حقو انناان – اقلتزامات الناشئة أ املواثيق الدولية‪ -‬دراسة مقارنة‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬املركز القومي لإلصدارات القانونية‪ ،‬القا رة‪.2011 ،‬‬ ‫‪ .11‬د‪.‬أبد العزيز مخيمر‪ ،‬حماية الطفولة في القانون الدولي وال ريعة انسالمية‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪ ،‬القا رة‪.1881 ،‬‬ ‫‪ .12‬د‪.‬أبد الفرمي ألوان خضير‪ ،‬الوسيط في القانون الدولي العام‪ ،‬الفتاا الثال ‪ ،‬حقو انناان‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬مفتبة دار الثقافة للن ر والتوزيع‪ ،‬أمان‪.1887 ،‬‬ ‫‪ .13‬أبد اهلل أبد الدائ ‪ ،‬اقحتفاش بانأالن العاملي حلقو انناان وسط الظالم العاملي‪ ،‬بح‬ ‫من ور ضم سلالة كتب املاتقبل العربي‪ ،‬كتاا حقو انناان العربي‪ ،‬رق الالالة ‪،17‬‬ ‫مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬ط‪ ،1‬بيروت‪.1888 ،‬‬ ‫‪ .14‬د‪ .‬أبد اعيد أباس ‪ ،‬القانون الدولي العام ‪ ،‬مطبعة النجاح ‪ ،‬بغداد ‪.1847 ،‬‬ ‫‪ .11‬د‪ .‬أبد الواحد الفار‪ ،‬قانون حقو انناان في الففر الوضعي وال ريعة انسالمية‪ ،‬دار‬ ‫النهضة العربية‪ ،‬القا رة‪.1881 ،‬‬ ‫‪ .11‬د‪.‬أزيز القاضي‪ ،‬شفاير مقررات املنظمات الدولية‪ ،‬دار الطبعة العاملية‪ ،‬ط‪ ،1‬القا رة‪.1812 ،‬‬ ‫‪ .17‬د‪.‬أاام العطية‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬ط‪ ،7‬املفتبة القانونية‪ ،‬بغداد‪.2008 ،‬‬ ‫‪ .18‬د‪.‬غاان اجلندي‪ ،‬القانون الدولي حلقو انناان‪ ،‬مطبعة التوفيق‪ ،‬أمان‪.1888 ،‬‬ ‫‪ .18‬د‪.‬ماجد ال ربيني‪ ،‬اشفاقية القضاش ألى جميع ذشفا التمييز العناري ضد املرذة‪ ،‬قيادات‬ ‫املرذة وحتديات املاتقبل ‪ ،‬وزارة ال باا املارية‪ ،‬القا رة‪.2004 ،‬‬ ‫‪ .20‬محمد الغمري‪ ،‬واقع املرذة املارية في ضوش اشفاقية القضاش ألى جميع ذشفا التمييز ضد‬ ‫املرذة‪ ،‬مركز قضايا املرذة املارية‪ ،‬ط‪ ،1‬القا رة‪.2003 ،‬‬ ‫‪ .21‬د‪ .‬محمد شرين بايوني ود‪ .‬محمد الاعيد الدقا ود‪ .‬أبد العظي وزير ‪ ،‬حقو انناان‪،‬‬ ‫ج‪ ،2‬دراسات حو الوثائق العاملية وانقليمية‪ ،‬دار العل للمالئني‪ ،‬بيروت‪.1888 ،‬‬ ‫‪ .22‬محمد أابد اجلابري‪ ،‬الدميقراطية وحقو انناان‪ ،‬سلالة الثقافة القومية‪ ،)21( ،‬قضايا‬ ‫الففر العربي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪.1884 ،‬‬ ‫‪206‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫‪ .23‬محمد أابد اجلابري‪ ،‬شفوي العقل العربي‪.‬املركز الثقافي العربي‪ .‬الطبعة الثانية‪ ،‬الدار‬ ‫البيضاش‪.1887 ،‬‬ ‫‪ .24‬د‪ .‬محمد أبد الاميع أثمان‪ ،‬األسرة محورة التربية‪ ،‬ضم كتاا انياافو (مبادئ شربية‬ ‫األسرة)‪ ،‬الدار البيضاش‪.2001.‬‬ ‫‪ .21‬محمد أمارة‪ ،‬ماتقبلنا بني العاملية انسالمية والعوملة الغربية‪ ،‬القا رة‪ :‬نهضة مار‪،‬‬ ‫‪.2001‬‬ ‫‪ .21‬د‪ .‬محمد فتحي أثمان‪ ،‬حقو انناان بني ال ريعة انسالمية والففر القانوني الغربي‪،‬‬ ‫مطابع اب األثير‪ ،‬جامعة املوصل‪.2004 ،‬‬ ‫‪ .27‬د‪ .‬محمد مناور الااوي ‪ ،‬ذحفام القانون الدولي العام في مجا مفافحة اجلرائ الدولية‬ ‫للمخدرات وإبادة األجناس واختطاا الطائرات وجرائ‬

‫ذخرل ‪ ،‬دار املطبوأوات اجلامعية ‪،‬‬

‫انسفندرية ‪.1884 ،‬‬ ‫‪ .28‬محمد نور فرحان ‪ ،‬مبادئ حقو انناان ‪:‬العاملية واخلاوصية‪ ،‬اعلة العربية حلقو انناان‪،‬‬ ‫العدد العاشر‪.1884 ،‬‬ ‫‪ .28‬د‪.‬محمد يوسن ألوان ‪ ،‬حقو انناان في ظل القوانني واملواثيق الدولية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مطبوأات‬ ‫وحدة الت لين والترجمة والن ر ‪ ،‬الفويأ ‪.1888 ،‬‬ ‫‪ .30‬د‪.‬محمد يونس يحيى الاائغ‪ ،‬الدميقراطية وحقو انناان‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اب األثير للطباأة‬ ‫والن ر‪ /‬جامعة املوصل‪.2012 ،‬‬ ‫‪ .31‬محمود محمد أبد اهلل كاناوي‪ ،‬ذسس التربية انسالمية ودور األسرة في ش صيلها‪ ،‬ضم‬ ‫كتاا انيايافو‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‪.238‬‬ ‫‪ .32‬د‪ .‬ماطفى إبرا ي الزملي‪ ،‬حقو انناان وضماناشها في ال ريعة والقانون‪ ،‬مطابع جامعة‬ ‫اربيل‪ ،‬اربيل‪ ،‬ط‪. 2011 ،2‬‬ ‫‪ .33‬د‪.‬وسام نعمأ إبرا ي ‪ ،‬النظرية العامة للت ريع في القانون الدولي العام‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اجلامعة‬ ‫اجلديدة‪ ،‬انسفندرية‪.2013 ،‬‬ ‫‪ .34‬د‪ .‬يوسن القرضاوي‪ ،‬األمة بني قرنني‪ ،‬القا رة‪ :‬دار ال رو ‪.2001 ،‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪207‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

‫ثانيا ‪:‬الدوريات‪-:‬‬ ‫‪ .1‬جعفر أبد الرزا ‪ ،‬انسالم واقشفاقيات الدولية‪ ،‬مجلة (قضايا إسوالمية معاصورة)‪ /‬العودد األو‬ ‫(‪.)1888‬‬ ‫‪ .2‬د‪ .‬حفمأ شبر ‪ ،‬القواأد اآلمرة في القانون الدولي العام (دراسة مقارنة ) مجلة القانون املقارن‬ ‫العراقية‪ ،‬العدد (‪.1878 ، )10‬‬ ‫‪ .3‬د‪ .‬سامي أوض ال يب ذبو ساحلية‪ ،‬حقو انناان املتناز أليها بني الغرا وانسالم‪ ،‬مجلة‬ ‫املاتقبل العربي‪ ،‬الانة (‪ ،)11‬العدد(‪ )114‬ش ري األو ‪ ، 1882،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪ .4‬الايد ياني‪ :‬في مفهوم العوملة‪ .‬املاتقبل العربي‪ .‬أدد ‪ 128‬ذكتوبر ‪ ،1888‬مركز دراسات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪.1888 ،‬‬ ‫‪ .1‬د‪ .‬أبد اخلالق أبد اهلل‪ :‬العوملة ج ور ا وكيفية التعامل معها‪ .‬أال الففر‪ ،‬اعلد ‪ 28‬العدد‬ ‫الثاني‪ ،1888.‬بيروت‪.‬‬ ‫‪ .1‬د‪ .‬أز الدي فودة‪ ،‬الضمانات الدولية حلقو انناان ‪ ،‬اعلة املارية للقانون الودولي‪ ،‬شاودر أو‬ ‫اجلمعية املارية للقانون الدولي‪ ،‬اعلد (‪ ،)20‬القا رة‪.1814 ،‬‬ ‫‪ .7‬مجلة اننااني‪ ،‬اللجنة الدولية للاليب األحمر‪ ،‬العدد ‪ ،24‬جنين‪ ،‬ربيع ‪.2003‬‬ ‫‪ .8‬محمد شنطاوي‪ ،‬حقو انناان وإشفالية اخلاوصية الثقافية‪ ،‬شؤون اجتماأية‪ ،‬العدد‪،72‬‬ ‫ربيع‪ ،2002‬الانة‪.18‬‬ ‫‪ .8‬د‪ .‬محمد أبد املتوكل‪ ،‬انسالم وحقو انناان‪ ،‬مجلة املاتقبل العربي‪ ،‬الانة (‪ ،)18‬العدد‬ ‫‪ ،211‬شباط‪ ،1887‬بيروت‪.‬‬ ‫‪ .10‬محمد فائق‪ ،‬حقو انناان بني اخلاوصية والعاملية‪ ،‬مجلة املاتقبل العربي‪ ،‬الانة (‪،)22‬‬ ‫العدد ‪ 241‬متوز ‪ ،1888‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬الرسائل واألطاريح‪:‬‬ ‫‪ .1‬نغ اسحق زيا‪ ،‬دراسة في القانون الدولي اننااني والقانون الدولي حلقو انناان‪ ،‬ذطروحة‬ ‫دكتوراه‪ ،‬كلية القانون‪/‬جامعة املوصل‪.2004 ،‬‬ ‫‪ .2‬لقمان أثمان ذحمد‪ ،‬حقو انناان بني اخلاوصية والعاملية‪ -‬اخلطاا انسالمي ذمنوذجا‪ ،‬رسالة‬ ‫ماجاتير‪ ،‬كلية القانون‪ /‬جامعة املوصل‪.2003 ،‬‬ ‫رابعا ‪ :‬الوثائق واقشفاقيات الدولية‪:‬‬ ‫‪ .1‬اقشفاقية األمريفية حلقو انناان‪.‬‬ ‫‪ .2‬اشفاقية األمم املتحدة حلقو الطفل‪.1880 ،‬‬

‫‪208‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫د‪ .‬وسام نعمأ الاعدي‬

‫‪ .3‬اشفاقية فينا لقانون املعا دات لانة ‪1818‬‬ ‫‪ .4‬اشفاقية قانون البحار لعام ‪.1882‬‬ ‫‪ .1‬اشفاقية منا ضة التمييز ضد املرذة‪.‬‬ ‫‪ .1‬انأالن العاملي حلقو انناان الاادر أ اجلمعية العامة لألمم املتحدة في ‪ 10‬ش ري األو‬ ‫‪.1848‬‬ ‫‪ .7‬امليثا انفريقي حلقو انناان‪.‬‬ ‫‪ .8‬امليثا العربي حلقو انناان‪.‬‬ ‫‪ .8‬ميثا منظمة األمم املتحدة لعام ‪.1841‬‬ ‫خاماا ‪ :‬املاادر م ال بفة الدولية للمعلومات‪:‬‬ ‫‪ .1‬جعفر أبد الرزا ‪ ،‬التحفظات الغربية ألى معا دات حقو انناان‪ ،‬دراسة من ورة ألى‬ ‫ال بفة الدولية للمعلومات ألى الرابط األشي‪:‬‬ ‫‪http://salahabdelrazak.com/article.php‬‬ ‫شاريخ ذخر زيارة‪2013/11/20 :‬‬ ‫‪ .2‬سامي امللولي‪ ،‬ماالة اخلاوصية والفونية‪ ،‬دراسة من ورة ألى موقع طريق النجاح ألى‬ ‫الرابط األشي‪:‬‬ ‫‪http://tareekelnajeh.blogspot.com/2012/03/blog-post_08.html‬‬ ‫شاريخ الزيارة‪2013/3/11:‬‬ ‫‪ .3‬أبد النبي العفري‪ ،‬حقو األسرة في مواثيق األمم املتحدة‪ ،‬دراسة من ورة ألى موقع ذمان‬ ‫للتربية ألى حقو انناان‪ ،‬ألى الرابط األشي‪:‬‬ ‫‪http://www.amanjordan.org/aman_studies/wmview.php?ArtID=84‬‬ ‫شاريخ الزيارة‪2013/3/14 :‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪Martti Koskenniemi, International Legislation Today: Limits and Possibilities ,‬‬

‫‪Wisconsin International Law Journal, Vol. 23, No. 1, 2004.‬‬ ‫بح من ور ألى ال بفة الدولية للمعلومات ألى موقع املفتبة اقفتراضية العراقية‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪209‬‬


‫شنظي احلماية الدولية حلقو األسوورة بني اخلاوصية والعاملية‬

:‫ الفتب األجنبية‬: ‫سادسا‬ 1. Akehurst, A Modern Introduction to International Law, Tomas press, 3rd edition, London, 1988. 2. Georg Schwarzenberger, Power Politics, A study of World Society ,3rd ed, New York, 1964. 3. Basic Facts about the United Nations , department of public information, New York, 1999,p189.

‫م‬2013 ‫ يوليو‬- ‫هـ‬1435 ‫ ربيع األول‬:‫ العدد الثاني‬- ‫السنة األولى‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

210


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي‬ ‫ثنائيات قواعد األصول وفروع المعامالت‬ ‫عند القرافي‬

‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫محاضر بکلية املتطلبات اجلامعية واإلرشاد األكادميي‬ ‫جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪211‬‬


‫ملخص البحث‬ ‫لفت نظري قبل سنوات وأنا أطالع كتاب الفروق للقرافي أنه وضع األصول والفقه وقواعدهما في‬ ‫شكل ثنائيات متقابالت وأنه ال يكاد يذكر أي مسألة إال وقسمها إلى طرفني وواسطة فقلت لعل األمر‬ ‫مجرد صدفة أو خاصة من خصائص كتاب الفروق‪ ،‬ثم ملا طالعت شرح تنقيح الفصول وأطرافا من‬ ‫كتاب الذخيرة له بعد سنني تأكدت أن األمر أجل وأشمل مما توهمت‪ ،‬وأن تلك ذلك التقابل والتقسيم‬ ‫منهجية شاملة كاملة ال لكتب الشهاب القرافي وحسب ولكن خملتلف أبواب العلوم واملعارف‬ ‫الطبيعية واللغوية واألصولية والفقهية‪ ،‬فقررت بعد االستخارة واالستعانة باهلل سبحانه أن أطرق‬ ‫هذا الباب مستأذنا من رب هذا املنهج ومهتديا بطريقته وأسلوبه على فهم وإفهام هذه النظرية‪.‬‬ ‫وهذه النظرية التي يكفيني شرفا أن جمعت أطرافها رأت أن التقابل والتداخل سمة من سمات نظم‬ ‫الكون التي فطره اهلل عليها في الطبيعة واللغات ومناهج التفكير عند البشر‪ ،‬ومن ثم فهي صفة‬ ‫للشريعة اإلسالمية في كل أبوابها من العقائد إلى األصول إلى األخالق إلى الشعائر‪ ،‬وهي حالة تصير‬ ‫مبوجبها األحكام الشرعية بني طرفني متناقضني أو متضادين أو مختلفني بينهما منطقة جتمع بعض‬ ‫خصائص الطرفني فيجعلها ذلك مناطا للمدح أو سببا لالختالف‪.‬‬ ‫وقسمت البحث إلى ستة فصول حتت كل فصل مباحث ومطالب وفقرات وفروع حسب املوضوع‪:‬‬ ‫واملنظر‪ :‬وفيه عرفت بالنظرية وبالشهاب القرافي‪.‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬التقابل والتداخل‪ ..‬النظرية‬ ‫ّ‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬جذور النظرية‪ :‬وتتبعت فيه األصول الشرعية والعقلية والطبيعية للنظرية‪.‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬وخصصته للتقابل والتداخل في العقليات والطبيعيات عند الشهاب القرافي‪.‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬تكلمت فيه عن التقابل والتداخل في املباحث اللغوية عند الشهاب القرافي‪.‬‬ ‫الفصل اخلامس‪ :‬وفيه احلديث عن التقابل والتداخل في أصول الفقه عند الشهاب القرافي‪.‬‬ ‫الفصل السادس‪ :‬وخصصته للتقابل والتداخل في فروع الفقه عند الشهاب القرافي‪.‬‬ ‫وقبل هذه الفصول مقدمة للتشويق بالنظرية وبيان منهجها‪ ،‬وبعدها خامتة خرجت بها قليال عن‬ ‫سيرة الباحثني وجعلتها على شكل مبحث ختامي جمعت فيه أهم ثمرات هذه النظرية‪.‬‬ ‫ولعل أهم تلك الثمرات أنها تفسر لنا بسهولة ويسر سبب اتفاق علماء اإلسالم‪ ،‬على مر العصور‪،‬‬ ‫وتختصر أسباب اختالفهم في سبب واضح جامع مانع ال يكاد يخرج عنه شيء من مسائل اخلالف‪،‬‬ ‫كما أنها تعتبر آلية لبيان مواقع علماء اإلسالم وأتباعه وقربهم أو بعدهم من الطرف أو من املركز‪ ،‬أو‬ ‫بعبارة أخرى بني اإلفراط والتفريط‪ ،‬الذين وقعت فيهما كل الفرق التي حادت عن الصواب قدميا وحديثا‬ ‫واجتهت في منهجها إلى الفكر اإلطالقي الذي ال يعتبر الثنائيات‪.‬‬

‫‪212‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة‬ ‫لفت نظري قبل أعوام وأنا أطالع كتاب الفروق لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي رحمه اهلل‬ ‫أنه وضع األصول والفقه وقواعدهما في شكل ثنائيات متقابالت‪ ،‬وأنه ال يكاد يذكر أي مسألة إال‬ ‫وقسمها إلى طرفني وواسطة‪ ،‬فقلت لعل األمر مجرد صدفة أو خاصة من خصائص كتاب الفروق‪،‬‬ ‫ثم ملا طالعت شرح تنقيﺢ الفصول وأطرافا من نفائس األصول في شرح اﶈصول وأبوابا من الذخيرة‬ ‫بعد أعوام أخر تأكدت أن األمر أجل وأشمل مما توهمت‪ ،‬وأن ذلك التقابل والتقسيم منهجية شاملة‬ ‫كاملة ال لكتب الشهاب القرافي وحسب ولكن جملتلف أبواب العلوم واملعارف الطبيعية واللغوية‬ ‫واألصولية والفقهية‪ ،‬فقررت بعد االستخارة واالستعانة باهلل سبحانه أن أطرق هذا الباب مستأذنا‬ ‫من رب هذا املنهج ومهتديا بطريقته وأسلوبه على فهم وإفهام هذه النظرية التي تقوم على أن‬ ‫التقابل والتداخل سمة من سمات نظم الكون التي فطره اهلل عليها في الطبيعة واللغات‬ ‫ومناهج التفكير عند البشر‪ ،‬ومن ثم فهي صفة للشريعة اإلسالمية في كل أبوابها من العقائد‬ ‫إلى األصول إلى األخالق إلى الشعائر‪ ،‬وهي حالة تصير مبوجبها األحكام الشرعية أو العقلية أو‬ ‫العادية بني طرفني متناقضني أو متضادين أو مختلفني بينهما منطقة جتمع بعض خصائص‬ ‫الطرفني فيجعلها ذلك مناطا للمدح أو سببا لالختالف‪.‬‬ ‫ومع كثرة ما ألف من الكتب في العصر احلديث حول النظريات العامة للشريعة اإلسالمية‪ ،‬فإني‬ ‫أرى أن من أحسنها وأقربها وشيجة بهذه النظرية رسالتان قيمتان أوالهما للدكتور أحمد الريسوني‬ ‫بعنوان‪ :‬نظرية التقريب والتغليب‪ ،‬وهذه ميكن أن تعتبر النظرية املقابلة لنظرية التقابل والتداخل‬ ‫من بعض الوجوه‪ ،‬فلمبدعها مني شكر ودعاء وثناء ألن نظريته من الكتب التي هدتني للتفكير في‬ ‫هذا املوضوع‪ .‬وأخراهما بعنوان‪ :‬التداخل بني األحكام في الفقه اإلسالمي للدكتور خالد بن سعد‬ ‫اخلشالن‪ ،‬وهي وإن تشابهت مع ما نحن فيه في العنوان فإنها تختلف عنه في املضمون‪ ،‬ألنه نظر‬ ‫للتداخل من جهة شمول األحكام واألفعال لغيرها واالستغناء ببعضها عن بعض‪ ،‬ونحن ندرس‬ ‫التقابل قبل التداخل ونعرفه بتعريف آخر غير الذي عرفه به وننظر إليه من وجه غير الذي نظر هو‬ ‫منه‪.‬‬ ‫وقد ساقتني األقدار سوقا ألغوص في هذا البحر بل هذه األبحر املتالطمة التي ال ساحل لها في‬ ‫لغة القرافي وفقه القرافي وقواعد القرافي‪ ،‬وال أراني إال مكرها بعوامل منها جدة املوضوع وأهميته‬ ‫في معرفة أصول الشرع وفهم جزئياته‪ ،‬واخترت دراسة النظرية من خالل النموذج رمبا عجزا عن‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪213‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫مواجهة املوضوع وحدي‪ ،‬ورمبا ثقة بأن األول لم يترك لآلخر إال القليل وأن كتابات األقدمني حتتاج إلى‬ ‫بعض التحديث في هذا العصر احلديث‪.‬‬ ‫واخترت اإلمام القرافي ألسباب أعرف بعضها وأعجز عن بعض ألني ال أعرف بالضبط متى بدأت‬ ‫قصتي مع الشهاب القرافي؛ أما الذي أعرفه فهو أن اإلمام القرافي هو واضع أسس هذه النظرية‬ ‫التي بني أيدينا وأكثر الفقهاء توسعا في تطبيقها في األصول والفروع‪ ،‬وأما الذي أعجز عنه فهو‬ ‫أني ملا قرأت أول ما قرأت للشهاب القرافي أحسست مبيل عقلي وقلبي وروحي إليه وإلى كل ما‬ ‫سطره في كتبه‪ ،‬ووصل بي األمر أني لم أملك دمعتي يوما وأنا أقرأ عن يوم وفاته وثناء العلماء‬ ‫عليه‪ ،‬في ذلك اليوم العصيب الذي فقدت فيه األمة ركنا من أركان العلوم‪.‬‬ ‫ومن أعظم الصعوبات التي اعترضت طريقي موسوعية الشهاب القرافي‪ ،‬فإنه تارة يبحر بي في‬ ‫غوامض املنطلق وطلسمات علم الكالم‪ ،‬ويتحول تارة إلى اللغوي النحوي الذي ال يبارى‪ ،‬فإذا به‬ ‫يجول ويصول في علم األصول‪ ،‬ثم ال يلبث أن يصير فقيها إماما قاضيا بني الناس في الفروع‪ .‬وهذه‬ ‫صعوبة فيها فائدة ومتعة ولكن األشد منها أن كثيرا مما حقق من كتب القرافي بحاجة إلى إعادة‬ ‫حتقيق فنجده مليئا بالسقوط واحلذف واألخطاء العلمية واللغوية فيجد الباحث نفسه وهو يقرأ‬ ‫هذا الكتاب أو ذاك مضطرا أن يقرأ قراءة اﶈقق املصحح ال قراءة الباحث اﺠﻤﻟرد‪ ،‬فأضاف األمر مشقة‬ ‫إلى مشقة فهم كالم اإلمام القرافي املتشعب الدقيق‪ ،‬وجعل الباحث يتتبع املسائل بعني على‬ ‫االستنتاج وعني أخرى على تصحيح األخطاء‪.‬‬ ‫وأسأل اهلل أن يعينني أن أقدم هذه النظرية كاملة متماسكة بالطريقة التي تنفع الناس ومتكث‬ ‫في األرض وترضي اهلل ورسوله وأولي العلم والشهاب القرافي نفسه لو عرضت عليه‪ .‬وقد حاولت‬ ‫ذلك مبتدئا بتتبع كل ما كتبه الشهاب القرافي في املعارف اجملتلفة التي ألف فيها من العلوم‬ ‫الطبيعية والعقلية واللغوية والشرعية‪ ،‬واستخالص كل ما بنيت عليه النظرية من أصول وهي‬ ‫كثيرة‪ ،‬وما بني عليها من فروع‪ ،‬وهي أكثر‪ ،‬وركزت على آراء القرافي واستنتاجاته وعلى ما كان له‬ ‫فيه دور من تغيير أو تعديل ولو بالتقسيم أو الترجيح أو االستشكال‪.‬‬ ‫واعتمدت اعتمادا أوليا على كتب الشهاب القرافي املطبوعة واملنشورة وعلى األصول واملصادر التي‬ ‫يعتقد أو يظن أن القرافي تأثر بها أو تأثرت به مباشرة او بالواسطة‪ ،‬وإن أخذت من غيرها فمن أجل‬ ‫التوضيح واختصار طريق أطراف املواضيع ليس إال‪ .‬ولم أشأ أن أدلس تدليس بعض الباحثني اجلدد‬ ‫بتكثير املراجع‪ ،‬ولم أعد إلى كتاب إال عن ضرورة أو حاجة أو فائدة علمية‪.‬‬ ‫وحاولت قدر اإلمكان جتاوز نقول اإلمام القرافي عن سابقيه‪ ،‬واختصار األقاويل واآلراء الفقهية التي ال‬ ‫متس صلب القضية التي نحن بصددها‪ ،‬وركزت على املنهجية الفقهية بدال من تشعبات املسائل‬

‫‪214‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫وتباين اآلراء فيها‪ ،‬وحجتي في ذلك أن النظرية موضوعها املناهج واألصول التي تنظر في األدلة‬ ‫اإلجمالية‪ ،‬وليست نظرية الفقه الذي ينظر في األحكام والقضايا واملسائل على سبيل التفصيل‪.‬‬ ‫وقسمت البحث إلى خمسة فصول حتت كل فصل مباحث ومطالب حسب املوضوع‪:‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬حقيقة التقابل والتداخل‪ ..‬عرفت فيه بالنظرية ومفرداتها لغة وفي االصطالحات‬ ‫العامة واخلاصة‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬التقابل والتداخل في القرآن والسنة‪ ،‬وفيه تتبعت األصول التي بنيت عليها النظرية‬ ‫وأدلتها وشواهدها من الوحيني‪.‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اجلذور األصولية والفقهية للتقابل والتداخل‪ ،‬ومررت فيه على أهم األصول املبنية‬ ‫على مبدأ التقابل أو املتأثرة بها وذكرت مناذج من العلماء الذين ظهرت مالمح النظرية في‬ ‫مؤلفاتهم بوضوح قبل القرافي‪.‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬التقابل والتداخل في األصول‪ ،‬وفيه احلديث عن التقابل والتداخل في أصول الفقه‬ ‫وقواعده عند الشهاب القرافي‪.‬‬ ‫الفصل اخلامس‪ :‬التقابل والتداخل في الفروع‪ ،‬وخصصته للتقابل والتداخل في أبواب الفقه عند‬ ‫الشهاب القرافي‪ ،‬واقتصرت هنا على املعامالت ال الختصاص النظرية بها وإمنا مراعاة لطبيعة‬ ‫البحث‪.‬‬ ‫وقبل هذه الفصول مقدمة للتشويق بالنظرية وبيان منهجها‪ ،‬وبعدها خامتة أسأل اهلل حسنها‬ ‫خرجت فيها قليال عن سنة الباحثني وجعلتها على شكل مبحث ختامي ذكرت فيه أهم ثمرات هذه‬ ‫النظرية‪ .‬ولعل أهمها أنها تفسر لنا بسهولة ويسر سبب اتفاق علماء اإلسالم‪ ،‬على مر العصور‪،‬‬ ‫وتختصر أسباب اختالفهم في سبب واضح جامع مانع ال يكاد يخرج عنه شيء من مسائل اخلالف‪،‬‬ ‫كما أنها تعتبر آلية لبيان مواقع علماء اإلسالم وأتباعه وقربهم أو بعدهم من الطرف أو من املركز‪ ،‬أو‬ ‫بعبارة أخرى بني اإلفراط والتفريط‪ ،‬الذين وقعت فيهما كل الفرق التي حادت عن الصواب قدميا‬ ‫وحديثا واجتهت في منهجها إلى الفكر اإلطالقي الذي ال يعتبر الثنائيات‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للنواحي الفنية في البحث فقد خرجت اآليات اكتفيت بترقيم األحاديث‪ ،‬واستغنيت‬ ‫بذكر املعلومات الكافية عن املرجع في قائمة املصادر واملراجع عن ذكرها عند املرة األولى كما يفعل‬ ‫كثير من الباحثني وال مشاحة في االصطالح‪.‬‬ ‫وليعذرني القارئ إن اكتفيت بذكر املعلومات الكاملة للمرجع آخرا ال أوال‪ ،‬وليتجاوز لي عن ذكر‬ ‫مصادر لم أحل إليها بشكل مباشر ولكني استفدت منها أميا استفادة في اﶈتوى وفي املنهجية‪.‬‬ ‫ومبا أن األحاديث املذكورة في البحث تدور بني الصحة والشهرة اكتفيت بتخريج األحاديث بأرقامها‬ ‫من املكتبة الشاملة استغناء عن التطويل‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪215‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫الفصل األول‪ :‬حقيقة التقابل والتداخل‬ ‫مصطلح التقابل والتداخل بهذا التركيب لم أجده عند أحد من الباحثني من قبل وإن وجد طرفاه‬ ‫مفردين‪ ،‬ولذلك كان ال بد من معرفة هذين املتعاطفني الذي قامت عليهما النظرية مفردين لغة‬ ‫واصطالحا ثم معرفة املقصود بهما مركبني في هذه الدراسة‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التقابل لغة واصطالحا‬ ‫ال تختلف الداللة اللغوية للتقابل كثيرا عن الداللة االصطالحية إال في بعض القيود التي يضيفها‬ ‫كل معرف ليظهر انتقال هذه املفردة أو تلك من مجالها اللغوي املطلق إلى مجالها االصطالحي‬ ‫املقيد‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬التقابل لغة‬ ‫ميكن النظر في األصل اللغوي للتقابل من ناحيتني اثنتني؛ األولى هي اجلذر واألصل‪ ،‬وهو من (ق ب ل)‬ ‫والثانية من حيث الوزن والصيغة وهي التفاعل‪.‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬اجلذر اللغوي للتقابل‬ ‫كلمه كلها على مواجهة الشيء للشيء‬ ‫قال ابن فارس‪ :‬القاف والباء والالم أصل واحد صحيح تدل ُ‬

‫ويتفرع بعد ذلك‪ 1،‬للمعاني اﳊقيقية واﺠﻤﻟازية حسب املقام واملقال‪ ،‬ولكن تفريعاته تظل في إطار‬ ‫الداللة األصلية‪ ،‬ألن هذه الكلمة أصل واحد ال اشتراك فيه وال اختالف‪ ،‬وكان من أثر ذلك أن أصبحت‬ ‫مشتقاته كلها تدل داللة واحدة‪ .‬ومن تفريعاته الداللية أنه يطلق على املواجهة املادية نحو قعدت‬ ‫قبالة الكعبة‪ ،‬ومنه تسميتهم ما أقبلت به من غزلها حني تفتله‪ ،‬قبيال‪ ،‬ونحو قولهم لقيته قبال‬ ‫مثلثة أي مواجهة وعيانا‪ .‬ومن اﺠﻤﻟاز تسميتهم الكفيل والعريف قبيال وقولهم لي ق َبلك حق‪ ،‬ومنه‬ ‫املثل‪ :‬فالن "ما يعرف قبيال من دبير"‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬داللة صيغة تفاعل‬ ‫صيغة التقابل في هذا العنوان على وزن (التفاعل) وهو مصدر من تقابل على وزن (تفاعل) وهي وزن‬ ‫صرفي له معان معروفة جمعها الناظم بقوله‪:‬‬ ‫تفاعل اشرَك بها وطاوعنّ وقد * تُبني عكس الذي بفاعل نزال‬ ‫تعاللت هند أو معنى اﺠﻤﻟرد أو * إهماله فتعالى اﷲ جال عال‬

‫‪ -1‬مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪ ،‬مادة (قبل)‬ ‫‪ -2‬أساس البالغة‪ ،‬الزمخشري‪ ،‬مادة (قبل)‬

‫‪216‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫وبيانه أن صيغة تفاعل تأتي للمشاركة نحو تقاتل زيد وعمر‪ ،‬وتشترك معها في ذلك فاعل نحو‬ ‫قاتل‪ ،‬وتأتي للمطاوعة أي املوافقة نحو باعدته فتباعد‪ ،‬وتأتي للداللة على إظهار الفاعل غير ما به‬ ‫كما مثل الناظم‪ :‬تعاللﺖ هند‪ ،‬أي أظهرت العلة وما هي بها‪ ،‬وتأتي مبعنى اﺠﻤﻟرد نحو تعالى اﷲ أي‬ ‫عال‪ ،‬ويدل عليه إتيان مصدر اﺠﻤﻟرد بعدها نحو‪ :‬تعالى اﷲ علوا‪.‬‬ ‫ومن البني أن أقرب املعاني إلى بحثنا املعنى األول وهو املشاركة‪ ،‬وتكون في الفاعلية لفظا‪ ،‬وفيها‬ ‫وفي املفعولية معنى‪ ،‬كتخاصم زيد وعمرو‪ 3،‬فقد اشترك زيد وعمر في هذا املثال في الفاعلية لفظا‬ ‫ومعنى ألنهما فاعالن للخصومة فكانا فاعلني معنى‪ ،‬ومعربان بالرفع إعراب الفاعل فكانا فاعلني‬ ‫لفظا‪ ،‬واشتركا في املفعولية معنى فقط ألن كال االثنني وقع عليه اخلصام‪ ،‬ولكن املفعول ال يكون‬ ‫مرفوعا فلم يكن االشتراك حاصال في املفعولية لفظا‪ .‬ومعنى املشاركة موجود في الواقع بني كل‬ ‫متقابلني ألن التقابل واملقابلة مبعنى املواجهة‪ ،‬واملواجهة ال ميكن أن تتصور إال بني طرفني فأكثر‪ ،‬وكل‬ ‫منهما فاعل لها لكونه مقابِال (بالكسر) للطرف الثاني‪ ،‬ومفعول به ألنه مقابَل (بالفتح) بالطرف‬

‫اآلخر‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التقابل اصطالحا‬ ‫استخدم مصطلح التقابل واملقابلة القريب منه في علوم ومعارف مختلفة منها ما يقترب من‬ ‫التماثل مع مصطلح التقابل في هذه الدراسة‪ ،‬ومنها ما يتوافق معه ومنها ما يتداخل معه ومنها‬ ‫ما يتباين معه‪ ،‬ولذا نقسم هذه الفقرة إلى فرعني؛ األول عن التقابل واملصطلحات القريبة منه في‬ ‫املعارف اجملتلفة‪ ،‬والثاني عن التقابل في اصطالح هذه الدراسة‪.‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬التقابل واملقابلة في اصطالحات الفنون‬

‫‪4‬‬

‫استخدم التقابل في أبواب فروع معرفية كثيرة منها ما يلي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬التقابل عند املنجمني‪:‬‬ ‫املقابلة والتقابل عند املنجمني هي كون الكوكبني بحيث يكون البعد بينهما بقدر نصف فلك‬ ‫البروج ‪،‬ككون الزهرة في أول درجة احلمل‪ ،‬واملريخ في أول درجة امليزان‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬التقابل عند احلسابيني‪:‬‬ ‫وفي اﺠﻤﻟال احلسابي ﳒد املقابلة والتقابل يستخدمان مبعنى إسقاﻁ األجناﺱ املشتركة في كل واحد‬ ‫من املتعادلني أي املتساويني‪ ،‬مثاله شيء وعشرة أعداد يعدل مائة؛ فاجلنس املشترك في الطرفني‬

‫‪ -3‬طرة احلسن بن زين الشنقيطي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪763‬‬ ‫‪ -4‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬ج‪( ،2‬تقابل)‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪217‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫املتعادلني‪ ،‬والعشرة التي هي من جنس العدد توجد في كل واحد من شيء وعشرة ومائة فإذا‬ ‫أسقطناها من الطرفني بقي شيء معادال لتسعني‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬التقابل عند أهل البديع‪:‬‬ ‫واستخدم أهل البديع مصطلح املقابلة القريب من التقابل‪ ،‬ومعناه عندهم‪ :‬أن يؤتى مبعنيني‬ ‫متوافقني أو معان متوافقة ثم مبا يقابل ذلك على الترتيب‪ ،‬وقسموها إلى نظيري ونقيضي وخالفي‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬التقابل عند املناطقة‪:‬‬ ‫والتقابل عند أهل املنطق نوع من العالقة بني القضايا‪ ،‬ومعناه أن كل قضية موجبة أو سالبة تشتق‬ ‫منها قضية أخرى مخالفة لها في الكيف (اإليجاب والسلب) أو الكم (الكلية واجلزئية)‪ 5‬هذا وجه‬ ‫من وجوه التقابل املنطقي مبني على صياغة القضية ومقابلتها‪ .‬وهناك نوع آخر منه مبني على‬ ‫العالقة بني داللة القضية ويقع في حال التناقض وهو الذي تكذب فيه إحدى القضيتني بصدق‬ ‫األخرى‪ ،‬فيقع بينهما تقابل نقيضي متعاكس ال واسطة فيه كالتقابل بني النفي واإلثبات‪ .‬ويقع‬ ‫التقابل أيضا في حال التضاد ويعني في هذه احلالة أن كذب إحدى القضيتني املتقابلتني يستلزم‬ ‫صدق األخرى‪ ،‬لكن صدق إحدى القضيتني ال يستلزم صدق األخرى‪ ،‬لوجود احتماالت أخرى غير ذينك‬ ‫الضدين‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫خامسا‪ :‬التقابل عند املتكلمني‪:‬‬ ‫والتقابل واملقابلة عند احلكماء والفالسفة وتقرب منهم آراء الطبيعيني يعني‪ :‬كون شيئني في‬ ‫طرفني معينني يقتضي أحدهما وجود اآلخر‪ 7.‬وهذا تعريف غير جامع ألنه ال يشمل كل أنواع التقابل‬ ‫التي ال تناقض فيها وال تنافي مثل السواد مثال فإنه ال يستلزم وجود البياض لوجود وسائط كثيرة‬ ‫أخر‪ .‬وعرفه بعضهم بأنه امتناع اجتماع شيئني في موضوع واحد من جهة واحدة‪ 8.‬وهذا تعريف‬ ‫للتقابل باالمتناع وفيه بعد ألن االمتناع معنى ذهني فكيف يعبر عن حقيقة املعرّف؟‬ ‫وأسلم التعاريف في نظري القول إن املتقابلني هما‪ :‬املعنيان املتنافران اللذان ال يجتمعان في محل‬ ‫واحد من جهة واحدة في زمان واحد كاإلنسان والالإنسان واألعمى والبصير واألبوة والبنوة والسواد‬ ‫والبياض‪ 9.‬وهذا التعريف عم باملثال جميع أنواع التقابل التي يتصورها العقل‪ ،‬إذ من املعروف بديهة‬ ‫أن املتماثلني من جميع الوجوه ال يتصور بينهما تقابل لتعذر تصور ذلك فيهما‪ ،‬فبقي من العالقات‬ ‫العقلية التناقض والتضاد وبعض أنواع التالزم‪ ،‬وبناء عليها ينقسم التقابل إلى ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫‪ -5‬ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة‪ ،‬ص ‪157‬‬ ‫‪ -6‬ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة‪ ،‬ص ‪131‬‬ ‫‪ -7‬التقريب حلد املنطق‪ ،‬ص ‪32‬‬ ‫‪ -8‬التقريب حلد املنطق‪ ،‬ص ‪32‬‬ ‫‪ -9‬معجم مصطلح األصول‪( ،‬املتقابالن)‬

‫‪218‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫األول‪ :‬تقابل النقيضني أو املتنافيني وهما أمران وجودي وعدمي‪ ،‬وهما ال يجتمعان وال يرتفعان ببديهة‬ ‫العقل وال واسطة بينهما نحو إنسان وال إنسان وسواد وال سواد‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫والثاني‪ :‬تقابل الضدين‪ :‬وهما الوجوديان املتعاقبان على موضوع واحد وال يتصور اجتماعهما فيه وال‬ ‫يتوقف تعقل أحدهما على تعقل اآلخر مثل احلرارة والبرودة والفضيلة والرذيلة‪ 11.‬والفرق بينهما أن‬ ‫الضدين بينهما وسائط كاحلمرة والصفرة واخلضرة التي بني السواد والبياض‪ ،‬وكحال االعتدال بني‬ ‫الشح والبخل‪ ،‬وأما املتنافيان فليس بينهما وسائط كاحلياة واملوت‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫والثالث‪ :‬تقابل املتضايفني وهما الوجوديان اللذان يعقالن معا وال يجتمعان في موضوع واحد من‬ ‫جهة واحدة ويجوز أن يرتفعا نحو األب واالبن والفوق والتحت‪ 13‬والعالقة بينهما عالقة تالزم لكن‬ ‫تالزم األبوة والبنوة مختلف عن تالزم الفوق والتحت‪.‬‬ ‫ومن املؤلفني من قسم التقابل إلى قسمني‪ :‬تقابل في الطبع وتقابل في القول؛ فالذي في القول هو‬ ‫اإليجاب والسلب‪ ،‬والذي في الطبع ينقسم إلى ثالثة أقسام‪ :‬األول‪ :‬مقابلة األضداد واملتنافيات‪،‬‬ ‫والثاني‪ :‬مقابلة املضاف‪ ،‬والثالث‪ :‬مقابلة القنية والعدم كالبصر وعدمه الذي هو العمى فإن أحد‬ ‫هذين يدور على اآلخر وال يدور اآلخر عليه‪ 14.‬واحلق أن هذا ليس انقساما للتقابل وإمنا هو خلط بني‬ ‫العلوم واملصطلحات‪ ،‬فالتقابل في القول هو التقابل عن املناطقة الذين ينظرون في معاني‬ ‫املقدمات وأشكالها‪ ،‬والتقابل في الطبع هو التقابل عند املتكلمني وينضاف إليهم الطبيعيون مع‬ ‫فرق بسيط وهو أن حديث املتكلمني عن الفرضيات العقلية وحديث الطبيعيني عن اﶈسوسات‬ ‫اخلارجية‪ ،‬ولذا جند املتكلمني يأتون بفرضيات عقلية ويلتقون مع الطبيعيني في املثال‪.‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬التقابل في اصطالح هذه الدراسة‬ ‫والتقابل في اصطالح هذه الدراسة مبني على املعاني اللغوية وأقرب االصطالحات إليه هو اصطالح‬ ‫املتكلمني السابق‪ ،‬وميكن تعريفه بأنه اتصاف أمرين أو أمور بصفتني أو صفات تقتضي كل منها‬ ‫حكما غير حكم األخرى حقيقة أو في نظر الناظر‪ .‬وأرى هذا التعريف مانعا ألنه أخرج املتماثلني‬ ‫الذين ال يختلفان في أي صفة ويتحدان من جميع الوجوه ألنهما ال يتصور بينهما تقابل‪ ،‬وأخرج أيضا‬ ‫جميع اجملتلفات في الصفات التي ال تترتب عليها أحكام أصال‪ ،‬كالطول والقصر في البشر مثال‪،‬‬ ‫وتلك التي تترتب عليها أحكام هي عني األحكام املنوطة بالصفات املقابلة‪ .‬وأراه أيضا جامعا لكل‬ ‫‪ -10‬معجم مصطلح األصول‪( ،‬تقابل)‬ ‫‪ - 11‬معجم مصطلح األصول‪( ،‬تقابل)‬ ‫‪ -12‬التقريب حلد املنطق‪37 ،‬ص ‪31-‬‬ ‫‪ -13‬معجم مصطلح األصول‪( ،‬تقابل)‬ ‫‪ -14‬التقريب حلد املنطق‪ ،‬ص ‪32-31‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪219‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫ألوان التقابل ألنه لم يشترط أن يكون املتقابالن ضدين وال نقيضني واكتفى مبجرد االختالف بني‬ ‫الشيئني الذي ميكن مبوجبه أن يقتضي أحد اجملتلفني حكما غير حكم اآلخر‪.‬‬ ‫وال شك أن النقيضني بينهما أعلى درجات التباين ألن الزم احلكم على أحدهما باإلثبات هو احلكم‬ ‫على اآلخر بالنفي‪ ،‬كالتقابل بني النفي واإلثبات واملشروعية وعدم املشروعية‪ ،‬فكان التقابل بينهما‬ ‫بينا صريحا والتداخل بينهما ال يقع إال على سبيل الفرض أو الوهم‪ .‬يليه التقابل بني الضدين وهو‬ ‫األكثر بل هو املوجود في الشريعة ألن األحكام الشرعية كلها أضداد وليس فيها شيء نقيض شيء‬ ‫ورفعها كلها ممكن‪ 15‬دون إشكال عقلي‪ ،‬ويتصور ذلك بوضوح قبل ورود الشرائع‪ .‬والتقابل بني‬ ‫الضدين أقل ظهورا من التقابل بني النقيضني إلمكان ارتفاعهما معا‪ ،‬إال أنهما مع ذلك بينهما بون‬ ‫يدركه العقل كالفرق بني الوجوب واحلرمة‪ ،‬ويدركه احلس كالفرق بني السواد والبياض‪ .‬ومع التقابل‬ ‫بني الضدين أو قبله يأتي التقابل بني املتضايفني أو اإلضافيني كالعلو والسفل‪ ،‬ويقرب منه في باب‬ ‫الشرائع باب املصالح واملفاسد‪ .‬والتباين في هذا الباب جلي ألن زيادة أي من املتضايفني تساوي نقصا‬ ‫في مقابله‪ ،‬إال أنها ال تصل إلى درجة التباين والتناقض إلمكان االلتباس والتوسط بني الطرفني‪ .‬ثم‬ ‫بعد ذلك يأتي التقابل بني اجملتلفني حتى ولو كان ذلك االختالف يسيرا‪ ،‬والشرط الوحيد لهذا النوع‬ ‫هو أن ذلك االختالف صالح ألن يناط بها حكم غير احلكم الذي أنيط مبقابله‪ .‬وميكن أن يخرج كثير‬ ‫من أحكام الوضع على هذا الباب ألن أكثرها ظواهر وأحداث واقعية ال جتمع بينها أي نسبة من‬ ‫النسب الثالث السابقة وإن كان بينها اختالف من وجه أو وجوه قد تقتضي حكما غير الذي نيط‬ ‫بالصفات املوجودة في مقابلها‪.‬‬ ‫واكتفيت في التعريف بقيد اقتضاء احلكم دون وجوده ألن اﶈل املوصوف قد ال يكون محكوما عليه‬ ‫بالفعل‪ ،‬ولم أقيد احلكم بكونه شرعيا وال عقليا وال عرفيا ألن النظرية متتد إلى أبواب كثيرة من‬ ‫املعارف الطبيعية واللغوية والشرعية‪ ،‬وأضفت قيد (أو أمور) ألن املتقابالت أحيانا تكون أكثر من‬ ‫اثنتني في املتضادات واجملتلفات‪ ،‬وأحكام الشرع من األول وقد تتنازع كلها حكما واحدا في وقت‬ ‫واحد‪ ،‬وأحكام الوضع أقرب للثاني وهي أكثر تنوعا وأشد اختالفا‪ .‬وأضفت قيدا أخيرا احتياطا‬ ‫اكتفيت فيه بأن يكون ذلك التقابل واقعا في الذهن حتى ولو لم يكن واقعا في احلقيقة‪ ،‬ألننا‬ ‫نالحظ أحيانا وهما أو ظنا في اتصاف موصوف بوصف يقتضي حكما دون أن يكون ذلك الوصف‬ ‫موجودا حقيقة في ذلك الشيء‪ ،‬ولم أقل اﺠﻤﻟتهد وإﳕا قلت الناظر توسعة للباب أمام أهل‬ ‫االختصاص في املعارف الشرعية حتى ولو لم يحصلوا رتبة االجتهاد‪ ،‬وعلى النظار في املسائل في‬ ‫العلوم األخرى الذين ال يوصفون أصال بأنهم مجتهدون إال على سبيل التجوز‪.‬‬

‫‪15‬نفائس األصول ج‪ 1‬ص ‪713‬‬

‫‪220‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫املبحث الثاني‪ :‬التداخل لغة واصطالحا‬ ‫التداخل في باب اللغة يحتاج إلى بيان أيضا‪ ،‬وهو إلى البيان االصطالحي أحوج لكثرة تداوله‬ ‫واختالف أصحاب الفنون في حقيقته وفي حكمه‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬التداخل لغة‪:‬‬ ‫والنظر أيضا في التداخل سيكون من ناحيتني اثنتني؛ األولى هي اجلذر واألصل‪ ،‬وهو من مادة (د خ ل)‬ ‫والثانية من حيث الوزن والصيغة وهي التفاعل‪.‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬جذر كلمة (د خ ل)‪:‬‬ ‫قال ابن فارس‪ :‬الدال واخلاء والالم أصل مطرد منقاس وهو الولوج‪ 16،‬سواء كان ماديا أو معنويا‪ ،‬فاألول‬ ‫كقول العرب فالن دخيل في بني فالن إذا انتسب إليهم وليس منهم‪ ،‬ودوخل الدرع أي ركب بعض‬ ‫حلق بعضه مع بعض‪ ،‬وسقى الرجل إبله دخاال وهو أن يدخل بعيرا قد شرب بني بعيرين ناهلني‪.‬‬ ‫والثاني كقولهم فالن يداخل فالنا في أموره كلها‪ ،‬ومنه اشتق املعنى اﺠﻤﻟازي الدال على الصالح‬ ‫وضده نحو فالن خبيث الدخلة وعفيف الدخلة‪ ،‬وفيه دخل أي عيب ألن ذلك مما ال يعرفه إال القريب‬ ‫املداخل‪ 17.‬ومبا أن هذا التداخل والولوج يؤدي إلى التباس أحيانا في التصور وإلى التباس آخر في‬ ‫احلكم أطلق التداخل على تشابه األمور والتباسها ودخول بعضها في بعض بحيث ال تتبني‬ ‫حقيقتها أو حكمها‪ ،‬وهذا مجاز من باب تسمية الشيء باسم سببه‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬داللة صيغة تفاعل‬ ‫وأما الناحية الثانية وهي داللة الصيغة فيقال فيها ما تقدم في التقابل مثال مبثل؛ إذ ال فرق بني‬ ‫الكلمتني من حيث الصيغة وال من حيث الدالالت العامة للصيغ‪ .‬ومن الواضح املبني أن التقابل‬ ‫والتداخل الذين نبحث فيهما ما هما إال نوع من املواجهة املعنوية بني طرفني‪ ،‬يصحبها نوع آخر من‬ ‫الولوج والتشابه والتشابك في طرف ثالث يجمع بعضا من صفات الطرفني‪ ،‬وهذا يعني أن املعنى‬ ‫اللغوي منطبق على االثنني متام االنطباق ولكن مع قيود وشروط وضوابط من املألوف أن يضيفها كل‬ ‫اصطالح إلى املعاني اللغوية اﺠﻤﻟردة‪.‬‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬التداخل في االصطالح‬ ‫أطلق مصطلح التداخل في علوم كثيرة للداللة على املقصود به في ذلك العلم‪ ،‬نورد بعضها ثم‬ ‫نبني املقصود بالتداخل في هذه الدراسة بعد ذلك‪.‬‬

‫‪ -16‬مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪ ،‬مادة (دخل)‬ ‫‪ -17‬أساس البالغة‪ ،‬الزمخشري‪ ،‬مادة (دخل)‬ ‫‪ -18‬املوسوعة الكويتية‪ ،‬ط‪ .‬وزارة األوقاف‪ ،‬الكويت‪ ،‬ج‪( ،11‬تداخل)‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪221‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫الفرع األول‪ :‬التداخل واملداخلة في اصطالحات الفنون‬ ‫تدوول مصطلح التداخل واملداخلة في علوم كثيرة منها ما يلي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬التداخل عند املنطقيني‪:‬‬ ‫هو أن تكون إحدى القضيتني داخلة في األخرى باعتبار أن إحداهما كلية واألخرى جزئية وهما‬ ‫متفقتان في الكيف (اإليجاب والسلب) نحو‪ :‬كل اإلنسان حيوان وبعض اإلنسان حيوان‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫ثانيا‪ :‬التداخل عند املتكلمني‪:‬‬ ‫عرف التداخل عند املتكلمني بتعاريف كثيرة منها تعريفه بأنه أن ينفذ أحد الشيئني في اآلخر‬ ‫ويالقيه بحيث يصير جوهرهما واحدا‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫أو أن يتداخل اجلسمان فيكونان جميعا في مكان‬

‫واحد‪21.‬وبعبارة أخرى مشابهة هو دخول شيء في شيء آخر بال زيادة حجم وال مقدار‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫وبشكل‬

‫أوضح وتعريف أصح هو أن يشغل حيز أحد اجلسمني حيز اآلخر وأن يكون أحد الشيئني في اآلخر‪.‬‬

‫‪23‬‬

‫والتداخل بهذا املعنى محل جدل كالمي فقد قال النظام إن كل شيء قد يداخل ضده وخالفه‪،‬‬ ‫والضد هو املمانع املفاسد لغيره مثل احلالوة واملرارة‪ ،‬واخلالف مثل احلالوة والبرودة‪ ،‬وزعم أن اخلفيف‬ ‫يداخل الثقيل‪ ،‬وأن اللون يداخل الطعم والرائحة‪ 24،‬وهذا القول مبني على أن األلوان والطعوم‬ ‫أجسام‪ 25.‬ومنهم من منع املداخلة وقال ليس في العالم شيء كامن في شيء وال ميكن أن يكون‬ ‫كذلك‪ ،‬ومنهم من فصل فأجاز املداخلة في الكوامن مثل الزيت في الزيتون‪ ،‬ومنعه في غيرها مثل‬ ‫النار واحلجر‪ ،‬ومنهم من جعل النار كامنة أيضا في احلجر فلم يصح املثال‪ ،‬ومن امللحدين من جعل‬ ‫األلوان والطعوم واألراييح كامنة في األرض واملاء والهواء ثم يظهرن في الثمار وغيرها باالنتقال‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫وهذا اخلالف ال ينبني عليه كبير أثر وهو ناشئ عن تداخل العلوم في العصور املتقدمة‪ ،‬فقد كان‬ ‫كثير من مباحث العلوم الطبيعية والفيزيائية خاصة يبحث في كتب علم الكالم‪ ،‬ورمبا يكون قد‬ ‫حسم كما حسم الكثير من اخلالفات مع اكتشاف حقيقة األشياء وحركتها وانتقالها ومكانها‬ ‫والعوامل املؤثرة فيها‪.‬‬

‫‪ -19‬ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة‪ ،‬ص ‪137‬‬ ‫‪ -20‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬ج‪( ،1‬تداخل)‬ ‫‪ -21‬الفصل في امللل واألهواء والنحل‪ ،‬بن حزم‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪187‬‬ ‫‪ -22‬التعريفات‪ ،‬الشريف اجلرجاني‪ ،‬ص ‪ 77‬واملوسوعة الكويتية‪ ،‬ج‪( ،11‬تداخل)‬ ‫‪ -23‬مقاالت اإلسالميني‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪251‬‬ ‫‪ -24‬مقاالت اإلسالميني‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪257‬‬ ‫‪ -25‬الفصل في امللل واألهواء والنحل‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪187‬‬ ‫‪ - 26‬مقاالت اإلسالميني‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪251‬‬

‫‪222‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫ثالثا‪ :‬التداخل عند احلسابيني‪:‬‬ ‫عرف التداخل عند احلسابيني بأنه كون العددين بحيث يفني أحدهما اآلخر‪ 27.‬واملقصود بأحدهما‬ ‫األصغر كما هو واضح من تعريف بعض احلسابيني للتداخل بأنه أن يعد أقل العددين األكثر أي يفنيه‬ ‫مثل ثالثة وتسعة‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التداخل في اصطالح هذه الدراسة‬ ‫أشمل تعريف وجدته للتداخل وأقربه إلى موضوعنا هو تعريف صاحب كشاف اصطالحات الفنون‬ ‫للتداخل بأنه‪ :‬كون الشيئني بحيث يصدق أحدهما على بعض ما يصدق عليه اآلخر سواء كان‬ ‫بينهما عموم وخصوص مطلق أو من وجه‪ 29.‬وهو من التعاريف القليلة التي شملت كل أنواع‬ ‫التداخل ألنه عبر بالشيء والشيء‪ ،‬ليشمل العقلي واﶈسوﺱ وغيرهما‪ ،‬وبني أنه ال يشترﻁ أن يكون‬ ‫التداخل كامال بحيث يصبح حيز أحد الشيئني حيز اآلخر بل يكفي فيه العموم واخلصوص الوجهي‬ ‫بحيث يشتركان في حيز ما ولو استقل كل منهما بحيز يخصه غير حيز اآلخر‪ ،‬وهذا هو عني الفكرة‬ ‫التي بنيت عليها هذه النظرية‪.‬‬ ‫وميكن أيضا أن أعرف التداخل بشكل يقربه أكثر إلى املوضوع ويدنيه من الدراسات الشرعية‪ ،‬وهو‬ ‫أنه على سبيل اإليجاز‪( :‬تردد الشيء بني متقابلني أو أكثر) وقد سبق تعريف املتقابلني‪ ،‬وأضفنا هنا‪ :‬أو‬ ‫أكثر‪ ،‬ألن التقابل ومن بعده التداخل قد يقع بني أكثر من طرفني‪ ،‬إال أن الغالب فيه أال يعدوهما‪ ،‬وال‬ ‫تزيد القواعد واملسائل التي وقع فيها التردد بني ثالثة أطراف أو أربعة عن أصابع اليدين‪ .‬وميكن تعريف‬ ‫التداخل بشكل أكثر تفصيال بأنه (تردد الشيء بني أمرين أو أمور اتصف كل منهما أو منها بصفة أو‬ ‫صفات تقتضي غير حكم األخرى حقيقة أو في نظر الناظر‪ ).‬والشق األخير من التعريف سبق بيانه‬ ‫ألنه إعادة ملا قيل في تعريف التقابل‪ ،‬وال جديد في هذا التعريف إال التردد هو وقوع الشيء بني طرفني‬ ‫مع متيزه عنهما واتصافه بصفات مشتركة معهما تقتضي إحلاقه بهما كل من وجه‪ ،‬أو بأحدهما‬ ‫عند إمكان الترجيح بينهما‪.‬‬ ‫واإلمام القرافي يأخذنا معه إلى إثبات التداخل في كل مجاالت املعرفة وفي كل باب من أبوابها وفي‬ ‫كل فصل من فصولها كما سنرى فيما بعد‪ ،‬إال أنه يلفت االنتباه بنفيه البات للتداخل في بعض‬ ‫األحيان‪ ،‬وهو أمر قد يظن أنه تناقض إال أنه ليس كذلك‪ .‬وتوضيحه أن التقابل أنواع بعضها يتصور‬ ‫فيه التداخل وبعضها ال يتصور فيه؛ أما الذي ال ميكن وقوع التداخل وال إثبات الواسطة فيه فهو‬ ‫‪ -27‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬ج‪( ،1‬تداخل)‬ ‫‪ -28‬املوسوعة الكويتية‪ ،‬ج‪( ،11‬تداخل)‬ ‫‪ -29‬التعريفات‪ ،‬الشريف اجلرجاني‪ ،‬ص ‪ 77‬وكشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬ج‪( ،1‬تداخل)‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪223‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫التقابل املبني على التنافي إذ ال واسطة بني النفي واإلثبات‪ .‬وهذا ما يفسر لنا حكم الشهاب‬ ‫القرافي باستحالة التداخل في أبواب العقائد‪ ،‬والرد على كل خصم أثبت واسطة بني طرفي النفي‬ ‫واإلثبات أو ما ميكن أن يؤول على أنه نفي أو إثبات‪ .‬ففي رده على ادعاء النصارى التداخل بني الالهوت‬ ‫والناسوت‪ ،‬وأن اجلميع أصبح إلها واحدا‪ ،‬أي طبيعة واحدة أو أقنوما واحدا أو جوهران وأقنوما واحدا أو‬ ‫جوهران وأقنومان‪ ،‬قال إن كل هذه االحتماالت باطلة ألنه يلزم منها إما الفصل بني الالهوت‬ ‫والناسوت أو اعتقاد قسم ثالث ال هو بالالهوت وال هو بالناسوت‪ .‬وأبطل االحتمال األول بأنه الالهوت‬ ‫هو اإلله ال غيره‪ ،‬والثاني بأن الناسوت يستحيل كونه اإلله‪ ،‬وأبطل الثالث بأن االثنني نقيضان‬ ‫والنقيضان مينع التداخل بينهما كاحلركة والسكون‪ ،‬وإمنا ميكن بني الضدين واجملتلفني وميكن تصوره‬ ‫بني املتماثلني وإن لم يترتب عليه أثر‪ 30.‬وفي رده على يعقوب البراذعي النصراني القائل باحتاد األب‬ ‫واالبن قال إن أردت أن يرجع االثنان واحدا فمحال‪ ،‬وإن أردت االختالط كما يتوهم املتوهم اختالط‬ ‫األجسام فهو محال أيضا إذ االختالط ال يتصور إال في األجسام وإمنا هي مجاورة‪ ،‬وكل اسم يختص‬ ‫بحيزه وإذا استحال في األجسام فهو في املعاني واخلواص أولى‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫فالتداخل إذن متصور عقال و ثابت واقعا بني املتضادات مثل األلوان فدرجاتها ما هي إال تداخل متدرج‬ ‫أللوان متضادة ميكن أن يصنع منها اإلنسان عشرات آالف األلوان‪ ،‬وفي الشرع تتداخل أحكام‬ ‫الشريعة وتتدرج من أكبر الكبائر إلى الكراهة إلى خالف األولى وتصعد إلى الندب ثم إلى الوجوب‪،‬‬ ‫وذلك راجع لتدرج املصلحة واملفسدة التي قامت عليها مقاصد الشرع‪ .‬وواقع أيضا بني املتضايفني‬ ‫وميزتهما أنهما دائما اثنان كالعلو والنزول والسرعة والبطء واجلهل والعلم‪ ،‬ويقع بينهما التداخل‬ ‫بأن يقع الفاعل أو املفعول بينهما بحيث يشكل إضافته إلى أحدهما دون اآلخر‪ .‬ويقع أكثر بني‬ ‫اجملتلفات كاالختالف بني النبات واجلماد والنبات واحليوان‪ ،‬فالنبات رغم مخالفته لالثنني جتمعه‬ ‫باالثنني أوجه شبه قد تترتب عليها أحكام عقلية وعادية وشرعية‪.‬‬ ‫وأما التداخل والتوسط بني املثلني فمستحيل ألن العقل إن فرضهما مثلني من جميع الوجوه‬ ‫استحال تغايرهما وتداخلهما‪ ،‬وإن لم يفرضهما كذلك أو اختلفا من وجه أيا كان حتى ولو كان‬ ‫مجرد الظرف الزماني أو املكاني فحكمهما إذ ذاك حكم اجملتلفني بشرط أن يصلح كل منهما أن‬ ‫يحكم عليه بغير ما حكم به على اآلخر‪ .‬وأبعد منه في التصور وأصعب على احلكم التداخل بني‬ ‫النقيضني ألن حقيقة التناقض ترجع أصولها إلى النفي واإلثبات‪ .‬وال نستغرب إذا رأينا أن أصول‬

‫‪ -30‬األجوبة الفاخرة‪ ،‬ص ‪121-123‬‬ ‫‪ -31‬أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية‪ ،‬القرافي‪ ،‬ص‪ 15‬ونسبه على صفحة الغالف ﶈمد بن صفي الدين احلنفي مع تاريﺦ ميالد ووفاة‬ ‫القرافي‪ ،‬ونسبه في الصفحات الداخلية للقرافي وترجم له من غير أن يذكر شيئا عن نسبة الكتاب إليه‪ ،‬وفي النفس منها شيء‪ ،‬فأسلوب‬ ‫الرسالة ال يضاهي أسلوب القرافي املعهود‪.‬‬

‫‪224‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫العقيدة ال فروعها ليس فيها إال إميان أو كفر وقبول أو رفض‪ ،‬ألن اإلميان والقبول إثبات والكفر‬ ‫والرفض نفي‪ ،‬وال واسطة بني النفي واإلثبات فال واسطة بني اإلميان والكفر‪.‬‬ ‫اخلالصة‬ ‫انطالقا من التعاريف السابقة لغوة واصطالحا‪ ،‬وبعد أن عرفنا التقابل والتداخل مفردين ميكن أن‬ ‫نعرفهما مركبني بأن املقصود بهما هنا هو أن يتصف موصوفان أو أكثر بصفات يقتضي كل منها‬ ‫حكما غير حكم األخرى‪ ،‬ويتردد موصوف آخر بينهما أو بينها بأن يوجد فيه من األوصاف ما يجمعه‬ ‫بالطرفني أو باألطراف‪ ،‬في احلكم أو في الصفة أو في الصورة‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪225‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫الفصل الثاني‪ :‬التقابل والتداخل في القرآن والسنة‬ ‫إن لهذه النظرية أصوال في الوحيني يعسر حصرها ولذا نكتفي منها مبا فيه معنى التأصيل وقوة‬ ‫الدليل‪.‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬التقابل والتداخل في القرآن الكرمي‬ ‫وصف اهلل سبحانه القرآن الكرمي بأنه مثاني‪ ،‬وفسرت بأن أساليبه "تارة تكون بذكر الشيء وضده ‪،‬‬ ‫كذكر املؤمنني ثم الكافرين ‪ ،‬وكصفة اجلنة ثم صفة النار ‪ ،‬وما أشبه هذا‪ 32".‬ومن أبلغ الكتب تعبيرا‬ ‫عن تلكم الصفة دراسة بعنوان التقابل في القرآن الكرمي ـ دراسة حتليلية لآليات املتقابلة العناصر‪،‬‬ ‫لألستاذ محمد األمني جابي‪ ،‬انتقد فيها على سابقيه اقتضابهم في املوضوع‪ ،‬واشتراطهم الترتيب‬ ‫مع أنه ليس بشرط عنده‪ 33،‬حتى إنه جعل التقابل واقعا بني بعض آيات القرآن في سور مختلفة‪،‬‬ ‫مثل قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السالم‪( :‬رب إني أسكنت من ذريتي)‪ 34‬وقوله سبحانه‪( :‬وإذ‬ ‫جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا)‪ 35‬وقوله جل وعال‪( :‬فليعبدوا رب هذا البيت)‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫كما انتقد اقتصار أكثر األقدمني على التقابل املضاد‪ 37،‬وبني ان ثمة عناصر في اآلية القرآنية تتقابل‬ ‫دون وجود أساس قائم على التضاد والتوافق‪ ،‬فالشمس والقمر على سبيل املثال ميكن اجلمع بينهما‬ ‫في عالقة تقابلية على أساس أنهما من النيرات‪ ،‬كما ميكن اجلمع بني النجم والشجر على أساس‬ ‫أنهما من النبات‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫وانتقد اقتصارهم على التقابل بني األلفاظ‪ 39،‬مع أن التقابل واقع في القرآن بني األلفاظ واأللفاظ‪،‬‬ ‫وبني العبارتني واللفظني‪ ،‬وبني اللفظني والعبارتني‪ ،‬وبني عبارات وعبارات‪ ،‬وبني لفظة واحدة وعدة‬ ‫عبارات متوافقة أو مختلفة‪ ،‬وضرب لذلك أمثلة كثيرة تبني أن ذلك التقابل منهج قرآني كامل‪ ،‬وأنه‬ ‫أوسع مما رآه كثير من البالغيني‪.‬‬

‫‪ - 32‬تفسير ابن كثير‪ ،‬ط‪ .‬دار طيبة‪ ،2 ،‬ج ‪ 3‬ص ‪17‬‬ ‫‪ - 33‬التقابل في القرآن الكرمي‪ ،‬محمد األمني جابي‪ ،‬ص ‪75‬‬ ‫‪ - 34‬جزء من اآلية ‪ 73‬من سورة إبراهيم‬ ‫‪ - 35‬جزء من اآلية ‪ 125‬من سورة البقرة‬ ‫‪ -36‬التقابل في القرآن الكرمي‪ ،‬ص ‪215‬‬ ‫‪ -37‬التقابل في القرآن الكرمي‪ ،‬ص ‪17‬‬ ‫‪ -38‬التقابل في القرآن الكرمي‪ ،‬ص ‪15‬‬ ‫‪ - 39‬التقابل في القرآن الكرمي ‪ ،‬ص ‪75‬‬

‫‪226‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫وقد تتبعت آيات القرآن فوجدت أحكامه على الناس وعلى األشياء ملتزمة صراحة أو ضمنا‬ ‫بالتقسيم الثالثي الذي يقابل بني املتقابلني ويفصل بينهما مبنطقة وسط فيها تداخل بني االثنني‪.‬‬ ‫وهي حقيقة تتجاوز مرحلة الصدفة إلى مرحلة السنة القرآنية السائرة‪ ،‬وحتى ال يقال إن في األمر‬ ‫تكلفا لم أورد من األمثلة إال أوضحها ولم أختر منها إال تلك التي جاءت في آية واحدة أو في آيات‬ ‫متتالية في سياق موحد‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬حكم القرآن على الناس وأحوالهم‬ ‫ال يكاد القرآن الكرمي يذكر الناس إال وقسمهم إلى ثالثة أصناف تعريضا أو تصريحا‪ ،‬وأول ما يتلقانا‬ ‫به القرآن الكرمي في سورتي الفاحتة والبقرة هو بيان أنواع الناس لكن باعتبارين مختلفني‪ ،‬يجمع‬ ‫بينهما عرض األنواع بطريقة فريدة فيها تقابل وتداخل بينان‪ .‬فباعتبار العلم والعمل تقسمهم‬ ‫سورة الفاحتة محيطة باالحتماالت العقلية إلى أصحاب الصراط املستقيم املهتدين الذي جمعوا‬ ‫بني العلم والعمل‪ ،‬وعكسهم الذي جمعوا بني اجلهل بالعلم وضياع العمل‪ ،‬وهؤالء لم يذكروا‬ ‫تصريحا إال أن حالهم بني من املفهوم‪ ،‬وبينهم أصحاب الكتاب اجمللطون ومن دخل مدخلهم وهم‬ ‫صنفان؛ صنف عرفوا العلم وضيعوا العمل‪ ،‬وصنف آخر حاولوا إحسان العمل فضلوا بسبب اجلهل‪.‬‬ ‫روى ابن كثير بإسناده عن عدي ابن حامت قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬إن املغضوب‬ ‫عليهم اليهود وإن الضالني النصارى"‪ 40‬غير أن الصفتني ليستا خاصتني باليهود والنصارى وال‬ ‫تنحصر صفات الفريقني في الصفتني‪ ،‬وكل ضال فهو مغضوب عليه وكل مغضوب عليه فهو ضال‪،‬‬ ‫إال أن القرآن الكرمي خص كال منهما بوصف ألن أخص صفات اليهود الغضب عليهم‪ ،‬وأخص صفات‬ ‫نصارى الضالل‪ ،‬فوقع نوع من التقابل راجعا إلى حقيقة سبب الغضب وسبب الضالل‪ ،‬فالغضب‬ ‫سببه راجع لعدم اإلميان وعدم العمل مع وجود العلم‪ ،‬وسبب الضالل هو عدم العلم‪ ،‬وإذا انعدم‬ ‫العلم انعدم العمل بالتبع‪" 41 .‬وتأمل سرا بديعا في ذكر السبب واجلزاء للطوائف الثالثة بأوجز لفظ‬ ‫وأخصره فاإلنعام يتضمن الهداية والعلم واجلزاء احلسن‪ ،‬والغضب يستلزم اجلزاء وسبب اجلزاء‪،‬‬ ‫والضالل مستلزم للغضب والعقاب‪".‬‬

‫‪42‬‬

‫وعلى أساس الظاهر والباطن تقسم سورة البقرة الناس إلى مؤمنني تطابق باطنهم باإلميان (الذين‬ ‫يومنون بالغيب)‪ 43‬وظاهرهم بالعمل الصالح (ويقيمون الصالة)‪ 44‬ومن بعدهم الكافرون الذين توافق‬ ‫باطنهم بالكفر وظاهرهم بالعمل الطالح (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ال‬ ‫‪ - 40‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪225‬‬ ‫‪ -41‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪225‬‬ ‫‪ - 42‬مدارج السالكني‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬ص ‪ 27‬بتصرف يسير‬ ‫‪ - 43‬سورة البقرة آية ‪7‬‬ ‫‪ - 44‬سورة البقرة آية ‪7‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪227‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬ ‫يؤمنون)‪ 45‬ومن بعدهم تأتي السورة على املنافقني وهم الذي اختلف ظاهرهم عن باطنهم فخلطوا‬ ‫بني اخلداع الظاهر والكفر في الباطن (ومن الناس من يقول آمنا باهلل وباليوم اآلخر وما هم مبؤمنني)‬

‫‪46‬‬

‫وقد تكرر هذا التقسيم في القرآن الكرمي عشرات املرات وتكرر وصف أصحاب كل صنف وذكر‬ ‫جزائهم وعاقبتهم‪.‬‬ ‫كما قسم اهلل تعالى الناس باعتبارات أخر تقسيمات ثالثية شبيهة بهذه مثل‪ :‬فريق املقربني‪ ،‬الذين‬ ‫وصفوا في آيات أخر بالسابقني‪ ،‬قال تعالى‪( :‬والسابقون السابقون أولئك املقربون)‪ 47‬وفريق أصحاب‬ ‫اليمني الذين قال فيهم سبحانه‪( :‬وأصحاب اليمني ما أصحاب اليمني)‪ 48‬وأخيرا أصحاب الشمال‬ ‫الذين قال جل جالله عنهم‪( :‬وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال)‪ .49..‬ويقرب من هذا التقسيم وإن‬ ‫كان يختلف عنه تقسيم الناجني يوم القيامة إلى طبقات ثالث في قوله سبحانه‪( :‬فمنهم ظالم‬ ‫لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق باخليرات بإذن اهلل‪.50)..‬‬ ‫والقرآن الكرمي أحيانا يذكر الطرفني ويترك الواسطة للسياق مثل قوله سبحانه‪( :‬وسيجنبها‬ ‫األتقى)‪ 51‬و(ال يصالها إال األشقى)‪ 52‬وبني هذين وسائط ال تعد وال حتصى يظل اإلنسان بينها خائفا‬ ‫راجيا على الدوام‪ .‬وأحيانا يذكر القرآن الكرمي الواسطة التي فيها تداخل ويترك املتقابلني للفهم‬ ‫والسياق وذلك مثل قوله سبحانه‪( :‬وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عمال صاحلا وآخر سيئا عسى‬ ‫اهلل أن يتوب عليهم)‪ 53‬ومن البني من املفهوم ومن السياق السابق أن هناك أهل الصالح املطلق‬ ‫وأهل الفساد املطلق‪ ،‬وهؤالء الذين خلطوا أسباب الصالح وضده مرحلة متداخلة بني الطرفني بني‬ ‫اهلل سبحانه أن رحمته بهم سبقت غضبه عليهم فتاب عليهم وهو الغفور الرحيم‪.‬‬ ‫كما وصف اهلل سبحانه املكلفني واستجابتهم للدين في أكثر من آية نورد منها على سبيل املثال‬ ‫ال احلصر قوله تعالى‪( :‬إمنا يستجيب الذين يسمعون واملوتى يبعثهم اهلل ثم إليه يرجعون)‪ 54‬فقد‬ ‫قابل القرآن الكرمي في هذه اآلية بني املستجيبني وغير املستجيبني الذين شبه تقابلهم باملقابلة بني‬ ‫األحياء واألموات‪ .‬ذلك أن "الناس يواجهون هذا احلق الذي جاءهم به الرسول من عند اهلل وهم‬ ‫فريقان‪ :‬فريق حي‪ ،‬أجهزة االستقبال الفطرية فيه حية‪ ،‬عاملة‪ ،‬مفتوحة‪ ،‬وفريق ميت‪ ،‬معطل‬ ‫‪ - 45‬سورة البقرة آية ‪6‬‬ ‫‪ - 46‬سورة البقرة آية ‪8‬‬ ‫‪ - 47‬سورة الواقعة اآليتان ‪11-17‬‬ ‫‪ - 48‬سورة الواقعة اآلية ‪23‬‬ ‫‪ - 49‬سورة الواقعة اآلية ‪71‬‬ ‫‪ - 50‬سورة فاطر اآلية ‪72‬‬ ‫‪ - 51‬سورة الليل اآلية ‪13‬‬ ‫‪ - 52‬سورة الليل اآلية ‪15‬‬ ‫‪ - 53‬سورة التوبة اآلية ‪172‬‬ ‫‪ - 54‬سورة األنعام اآلية ‪76‬‬

‫‪228‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫الفطرة‪ ،‬ال يسمع وال يستقبل‪ ،‬ومن ثم ال يتأثر وال يستجيب"‪.‬‬

‫‪55‬‬

‫ثم عقب على ذكر هؤالء بالدواب‪،‬‬

‫(وما من دابة في األرض وال طائر يطير بجناحيه إال أمم أمثالكم)‪ 56‬ليشير إلى الواسطة وهي قسم‬ ‫آخر من أنواع االستجابة‪ ،‬ال هو استجابة احلياة الكاملة لعدم العقل عند الدواب‪ ،‬وال هو عدم‬ ‫استجابة املوت اخلالص‪ ،‬ألنها من جهة أخرى ترى وتبصر‪.‬‬ ‫وفي أحوال الناس يقول سبحانه‪( :‬ضرب اهلل مثال للذين كفروا امرأت نوح‪ ...‬إلى آخر السورة)‪ 57‬فقد‬ ‫ذكرت اآليات ثالثة أصناف من النساء اثنان متقابالن وواحد مرحلة فاصلة بني االثنتني؛ فذكر املرأة‬ ‫الكافرة التي لها وصلة بالرجل الصالح‪ ،‬وهي امرأة نوح‪ ،‬واملرأة الصاحلة التي لها وصلة بالرجل‬ ‫الكافر‪ ،‬وهي امرأة فرعون‪ ،‬واملرأة العزب التي ال وصلة بينها وبني أحد‪ ،‬وهي مرمي البتول عليها السالم‪،‬‬ ‫فاألولى ال تنفعها وصلتها وسببها‪ ،‬والثانية ال تضرها وصلتها وسببها‪ ،‬والثالثة ال يضرها عدم‬ ‫الوصلة شيئا‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫وفي العالقات بني الناس وما يحدث بينهم من خالف وشقاق وود وصفح جند آيات القرآن قد تتبعت‬ ‫ما يجري بني الناس من طرفه إلى طرفه في قول سبحانه‪( :‬وجزاء سيئة سيئة مثلها‪ 59)...‬إلى قوله‬ ‫سبحانه‪( :‬إمنا السبيل على الذين يظلمون الناس‪ 60)..‬فحصل طرفان هما الظلم وهو املبني بقوله‬ ‫تعالى‪( :‬إمنا السبيل على الذين يظلمون الناس)‪ 61‬ويقابله العفو املذكور في قوله سبحانه‪( :‬فمن‬ ‫عفا وأصلح فأجره على اهلل)‪ 62‬ويتوسط بينهما االنتصار بالعدل‪ ،‬الذي هو ليس بعفو تام ولكنه ال‬ ‫ظلم فيه ألنه ال يتجاوز حد املماثلة‪.‬‬ ‫وفي خلق الناس أشار القرآن الكرمي في سورة النساء إلى األصول في قوله تعالى‪( :‬يا أيها الناس اتقوا‬ ‫ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة‪ 63)..‬وإلى الفروع في قوله سبحانه (وبث منهما رجاال كثيرا‬ ‫ونساء)‪ 64‬وإلى ما بينهما من أزواج وأرحام في قوله سبحانه (واتقوا اهلل الذي تساءلون به واألرحام)‬

‫‪65‬‬

‫وقوله تعالى‪( :‬فانكحوا ما طاب لكم من النساء)‪ 66.‬ومن التطابقات الفريدة أن ذينك الطرفني وتلك‬ ‫الواسطة هي التي نزه اهلل تعالى نفسه عنها ونزهه عنها املوحدون في سورة اإلخالص‪ ،‬فقال‬ ‫‪ - 55‬في ظالل القرآن ج‪ 7‬ص ‪( 27‬املوسوعة الشاملة)‬ ‫‪ - 56‬سورة املائدة اآلية ‪78‬‬ ‫‪ - 57‬سورة التحرمي اآليات ‪12-1‬‬ ‫‪ -58‬إعالم املوقعني‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪181‬‬ ‫‪ - 59‬سورة الشورى اآلية ‪77‬‬ ‫‪ - 60‬سورة الشورى اآلية ‪72‬‬ ‫‪ - 61‬سورة الشورى اآلية ‪72‬‬ ‫‪ - 62‬سورة الشورى اآلية ‪77‬‬ ‫‪ - 63‬سورة النساء اآلية ‪1‬‬ ‫‪ - 64‬سورة النساء اآلية ‪1‬‬ ‫‪ - 65‬سورة النساء اآلية ‪1‬‬ ‫‪ - 66‬سورة النساء اآلية ‪7‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪229‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬ ‫تعالى‪( :‬لم يلد)‪ 67‬فنفى الفروع‪ ،‬وقال جل جالله‪( :‬ولم يولد)‪ 68‬فنفى األصول‪ ،‬وقال تنزهت أسماؤه‬ ‫(ولم يكن له كفؤا أحد)‪ 69‬فنفى ما بني هاتني‪.‬‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬حكم القرآن على األشياء وأحوالها‬ ‫وفي حكم القرآن الكرمي على األشياء اقتضاء أو تخييرا أو وضعا جنده يذكر الطرفني واملرحلة‬ ‫الفاصلة بينهما بوضوح غالبا‪ ،‬وباإلشارة أحيانا‪ ،‬واملرحلة الفاصلة أحيانا تكون متعلق اإلباحة‪،‬‬ ‫وأحيانا تكون مكان اشتباه واختالف‪ ،‬فمثال ملا ذكر اهلل سبحانه املباحات الطيبات في سورة البقرة‪،‬‬ ‫(يا أيها الناس كلوا مما في األرض حالال طيبا)‪ 70‬قابلها باﶈرمات‪( ،‬إمنا حرم عليكم امليتة‪ 71)..‬وذكر‬ ‫بعدهما الضرورات التي اجتمع فيها سببا اإلباحة الطارئة وأصل التحرمي املعلل‪( ،‬فمن اضطر غير باغ‬ ‫وال عاد فال إثم عليه)‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫وفي األوضاع جند سورة الطالق وهي تبني أسباب العدد وأنواعها ذكرت ذوات األقراء (فطلقوهن‬ ‫لعدتهن وأحصوا العدة)‪ 73‬وهن املذكورات في قوله سبحانه في سورة البقرة‪( :‬واملطلقات يتربصن‬ ‫بأنفسهن ثالثة قروء)‪ 74‬ثم ذكرت سورة الطالق النساء احلوامل وهؤالء انقطاع أقرائهن انقطاع‬ ‫موقت فجعلت عدتهن بالوضع كما بينت اآلية‪( :‬وأوالت األحمال أجلهن أن يضعن حملهن)‪ 75‬ثم‬ ‫ذكرت بعد ذلك اليائسات من األقراء يأسا دائما في قوله تعالى‪( :‬والالئي يﺌسن من اﶈيﺾ من‬ ‫نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثالثة أشهر‪ 76.)..‬وفي عدة احلامل خالف معروف فقيل بالوضع اعتبارا‬ ‫بآية سورة الطالق ألنها املتأخرة نزوال‪ ،‬وقيل ال حتل إال باألشهر وقيل ال حتل إال بالطهر من النفاس‬ ‫وقيل تعتد بأبعد األجلني مراعاة لظاهر اآليتني‪ 77.‬وسبب هذا اخلالف تداخل األوضاع واألسباب‪ ،‬ألن‬ ‫احلامل اجتمع لها سببان للخروج من العدة فيبقى اخلالف في أيهما أولى باملراعاة‪ ،‬ولو لم يكن لها‬ ‫غير سبب واحد ملا وقع اخلالف‪ .‬قال ابن العربي مشيرا إلى ذلك بعدما فسر اآليات املتعلقة بالعدد‬ ‫وأسبابها وأنواعها‪" :‬وفيها تفاصيل عظيمة باختالف األسباب وتعارضها واختالف أحوال النساء‬ ‫والتدخل الطارئ عليها والعوارض الالحقة عليها"‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫‪ - 67‬سورة اإلخالص اآلية ‪7‬‬ ‫‪ - 68‬سورة اإلخالص اآلية ‪7‬‬ ‫‪ - 69‬سورة اإلخالص اآلية ‪7‬‬ ‫‪ - 70‬سورة البقرة اآلية ‪168‬‬ ‫‪ - 71‬سورة البقرة اآلية ‪137‬‬ ‫‪ - 72‬سورة البقرة اآلية ‪137‬‬ ‫‪ -73‬سورة الطالق اآلية ‪1‬‬ ‫‪ - 74‬سورة الطالق اآلية ‪228‬‬ ‫‪ - 75‬سورة الطالق اآلية ‪7‬‬ ‫‪ - 76‬سورة الطالق اآلية ‪7‬‬ ‫‪ -77‬أحكام القرآن‪ ،‬ابن العربي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪287‬‬ ‫‪ -78‬أحكام القرآن‪ ،‬ابن العربي‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪237‬‬

‫‪230‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫ومن أوضح األمثلة في هذا السياق وأجالها تقسيمه سبحانه األعمال واملسؤولية عنها في‬ ‫خواتيم سورة البقرة‪ ،‬إلى ثالثة أقسام مير عليها القارئ بسهولة ويسر دون أن يحس انقطاعا في‬ ‫الكالم وال حاجة للترقيم‪ .‬وذلك أن األعمال واألفعال منها ما يعتبر اإلنسان مسؤوال عنه مسؤولية‬ ‫كاملة وهو الذي بينه سبحانه بقوله‪( :‬لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)‪ 79‬ومنها ما هو خارج عن‬ ‫إطار املسؤولية بفضل اهلل ورحمته وهو املقصود بقوله جل وعال‪( :‬ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها)‬

‫‪80‬‬

‫ومنها ما يتردد بني االثنني‪ ،‬فهو في قدرة اإلنسان وكسبه ولكن اهلل عفا عنه تغليبا جلانب الرحمة‬ ‫وهو محل النسيان واخلطأ واملشقة‪ ،‬وهو املبني في قوله تبارك‪( :‬ربنا ال تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)‪.‬‬

‫‪81‬‬

‫وفيهما تفاصيل فقهية ليس هذا مجال بسطها‪.‬‬ ‫وكثيرا ما يردد املفسرون والبالغيون استﺨدام القرآن السم اجلاللة ولضمير املتكلم اﺠﻤﻟموع ولضمير‬ ‫املتكلم املفرد في قصة اخلضر مع موسى عليهما السالم‪( ،‬فأردت‪ ،‬فأردنا‪ ،‬فأراد ربك) كثيرا ما يذكرون‬ ‫أن املسألة مسألة أدب مع اهلل وهي كذلك‪ ،‬إال أنها مع ذلك األدب حقيقة شرعية مقاصدية تنظر‬ ‫في حقيقة الواقع ومتيز بني أنواع األفعال‪ .‬فالذي يتراءى للمرء بادئ بدء أن القضية األولى وهي خرق‬ ‫السفينة فساد وإفساد محض‪ ،‬وهو ما ال يرضاه اهلل سبحانه وال يريده‪ ،‬فنسبها اخلضر عليه‬ ‫السالم لنفسه‪ ،‬وأما الثانية وهي قتل الولد وإبدال أهله خيرا منه‪ ،‬فقد بني القرآن أن لها ظاهرا وهو‬ ‫القتل‪ ،‬وباطنا وهو اخلشية على أهله منه وإبدالهم خيرا منه وهو خير ال يكون إال من اهلل وال يقدر‬ ‫عليه غيره سبحانه‪ ،‬فنسب اإلرادة هنا لنفسه مراعاة لوجه الفعل الظاهر وهو القتل‪ ،‬ونسبها لربه‬ ‫سبحانه مراعاة لهبة اهلل تعالى ألهل الغالم العوض وهو أمر خارج عن قدرة اإلنسان‪ ،‬وأما الثالثة‬ ‫فمن البني الواضح أنها خير محض فهي إقامة جدار آيل للسقوط وحفظ للكنز على الغالمني حتى‬ ‫يبلغا أشدهما فنسب اخلضر عليه السالم األمر كله للباري سبحانه أدبا منه ومعرفة بحقائق‬ ‫األمور‪.‬‬ ‫ومن أسلوب التقابل والتداخل البني عرض القصص القرآني في شكل ثنائيات متقابلة ووسائط‬ ‫متداخلة‪ ،‬فانظر كيف قابل القرآن الكرمي بني املغرب واملشرق في قوله سبحانه عن ذي القرنني‪( :‬حتى‬ ‫إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب)‪ 82‬وقوله تعالى‪( :‬حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على‬ ‫قوم)‪ 83‬ثم قابل بني الظلم والعجز في قوله سبحانه عن أصحاب املغرب‪( :‬قال أما من ظلم فسوف‬

‫‪ - 79‬سورة البقرة اآلية ‪286‬‬ ‫‪ - 80‬سورة البقرة اآلية ‪286‬‬ ‫‪ - 81‬سورة البقرة اآلية ‪286‬‬ ‫‪ - 82‬سورة الكهف اآلية ‪86‬‬ ‫‪ - 83‬سورة الكهف اآلية ‪17‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪231‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬ ‫نعذبه)‪ 84‬وبني العدم والعجز في قوله تعالى عن أصحاب املشرق‪( :‬وجدها تطلع على قوم لم جنعل‬ ‫لهم من دونها سترا)‪ 85،‬وبينهما قصة املشتكني من يأجوج ومأجوج بني السدين الذين ملكوا‬ ‫األشياء وعجزوا عن الفعل والتصرف‪ ،‬فقال لهم ذو القرنني ما ذكره القرآن‪( :‬آتوني‪ ..‬آتوني)‪ .‬ومن‬ ‫العجيب كثرة ترداد كلمة (بني) في نقل القرآن الكرمي لقصة هؤالء ووصفه حلالهم مما يدل على‬ ‫اعتبار تلك البينية بني املشرق وبني السدين وبني القدرة والعجز‪.‬‬ ‫إن ظاهرة التقابل والتداخل في القرآن الكرمي ليس مجرد تقابل لفظي أو مسألة بيان أو بديع‪ ،‬وإمنا‬ ‫هي مسألة قانون أو سنة قرآنية سائرة‪ ،‬عدها الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني مظهرا من‬ ‫مظاهر إعجاز القرآن الكرمي فقال معلقا على آيات عتاب األنفال البديع (ما كان لنبي أن يكون له‬ ‫أسرى‪ ..‬غفور رحيم)‪ 86‬قال‪" :‬في هذه اآليات ظاهرة عجيبة هي اجلمع بني متقابالت ال جتتمع في نفس‬ ‫بشر على هذا الوجه؛ فصدرها استنكار للفعل‪ ،‬وعقب هذا االستنكار عتاب قاس مر وتخويف من‬ ‫العذاب‪ ،‬وفي إثر هذا االستنكار والعتاب والتخويف إذن باألكل ووصف له بالطيب واحلل وبشارة‬ ‫باملغفرة والرحمة‪ ..‬فال جرم أن هذه الظاهرة تأبى إال أن تكون دليل إعجاز‪".‬‬

‫‪87‬‬

‫وكأني بإمامنا القرافي وهو يتلو آيات القرآن ويتدبر معانيه ويتأمل في مقاصده ويستقرئ أساليبه‬ ‫ويستنبط منه األحكام‪ ..‬كأني به وقد تأثر عن شعور أو ال شعور بذلك األسلوب القرآني اﶈكم‬ ‫فجاءت نظريته تلك في الواقع املشاهد وفي الشرع احلنيف‪ .‬ومن ذلك وقوفه مع آيات القرآن وهي‬ ‫جتمع مجامع األخالق وتبني التوسط فيها واالعتدال بني طرفي اإلفراط والتفريط بتقسيم بعض‬ ‫األخالق إلى طرفني مذمومني وواسطة محمودة مثل قوله تعالى‪( :‬والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم‬ ‫يقتروا وكان بني ذلك قواما) وقوله سبحانه‪( :‬وال جتعل يدك مغلولة إلى عنقك وال تبسطها كل‬ ‫البسط فتقعد ملوما محسورا)‪ 88.‬وهذه املسألة وقف عندها القرافي كثيرا ونقل فيها النقول‬ ‫املتعددة‪ :‬قال‪ :‬دخل عمر بن عبد العزيز على عبد امللك بن مروان فقال له‪ :‬كيف نفقتك على عيالك؟‬ ‫قال‪ :‬حسنة بني سيئتني يا أمير املؤمنني يشير إلى قوله سبحانه‪( :‬والذين إذا أنفقوا‪ )..‬قال القرافي‬ ‫معقبا‪ :‬واعتبرت جميع األشياء كلها من هذا الباب؛ فالغضب ينبغي أن يكون كذلك‪ ،‬وكذلك احللم‬ ‫والشدة واللني‪ ،‬واحلب والبغض‪ ،‬والزهد والسخاء‪ ،‬وجميع هذه احلقائق ينبغي لإلنسان فيها أال يفرط‬

‫‪ - 84‬سورة الكهف اآلية ‪83‬‬ ‫‪ - 85‬سورة الكهف اآلية ‪17‬‬ ‫‪ - 86‬سورة األنفال اآليات ‪61-63‬‬ ‫‪ -87‬مناهل العرفان في علوم القرآن‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪237-232‬‬ ‫‪ - 88‬سورة اإلسراء اآلية ‪21‬‬

‫‪232‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬ ‫وال يفرط‪ 89.‬ويدل على أن هذا التوسط ليس في باب األخالق فقط تعبير القرافي باألشياء التي‬ ‫تشمل جميع املدلوالت وتشمل املعاني والذوات‪.‬‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬التقابل والتداخل في السنة املطهرة‬ ‫يعتبر حديث احلالل واحلرام والشبهات أصال من أصول الدين وأساسا من أسس هذه النظرية‪ ،‬فقد ورد‬ ‫في الصحيحني بأسانيد عدة في أبواب مختلفة‪ ،‬منها رواية البخاري حتت باب من استبرأ لدينه‪ ،‬عن‬ ‫ام بَ نني ٌ وَبَ ْي َن ُه َما‬ ‫صل هى ه ُ‬ ‫ت ر َ ُسولَ ه ِ‬ ‫اهلل َ‬ ‫ال ُّن ْع َما َن ب ْ َن ب َ ِشي ٍر قال‪َ :‬س ِم ْع ُ‬ ‫اهلل عَ لَيْهِ وَ َسل َهم يَقُ ولُ احلْ َ َاللُ بَ نني ٌ وَاحلْ َر َ ُ‬ ‫اس ف َ​َمنْ اتهقَ ى املْ ُ َ‬ ‫ُم َ‬ ‫اس َتبْرَأ َ لِ ِدي ِنهِ وَ ِعر ْ ِضهِ وَ َمنْ وَق َ َع فِي‬ ‫شب ه َها ِ‬ ‫ت ْ‬ ‫شبه َها ٌت َال ي َ ْعل َُم َها كَثِير ٌ ِمنْ الن ه ِ‬ ‫ُّ‬ ‫اهلل فِي أَر ْ ِضهِ‬ ‫الش ُب َها ِ‬ ‫وش ُ‬ ‫ت كَر َ ٍاع يَرْعَ ى َحوْلَ احلْ ِ َمى ي ُ ِ‬ ‫ك ِح ًمى أ َ َال ِإنه ِح َمى ه ِ‬ ‫ك أَنْ ي ُ َوا ِق َع ُه أ َ َال وَ ِإنه لِكُلن َم ِل ٍ‬ ‫َس َد اجلْ َ َس ُد كُ ُّل ُه أ َ َال‬ ‫َم َحارِ ُم ُه أ َ َال وَ ِإ هن فِي اجلْ َ َس ِد ُم ْ‬ ‫صل َ‬ ‫ت َ‬ ‫ض َغ ًة ِإذَا َ‬ ‫َس َد ْت ف َ‬ ‫صل َ​َح اجلْ َ َس ُد كُ ُّل ُه و َ ِإذَا ف َ‬ ‫َح ْ‬ ‫ي الْقَ ل ُْب‪ 90.‬وحتت باب احلالل بني واحلرا م بني وبينهما مشبهات عنه أيضا قال قال رسول اهلل‬ ‫وَ ِه َ‬ ‫ام بَ نني ٌ وَبَ ْي َن ُه َما أ ُ ُمور ٌ ُم ْ‬ ‫ش َت ِب َه ٌة ف َ​َمن ْ تَر َ َ‬ ‫ك َما ُشبن َه عَ ل َْيهِ ِمن ْ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬احلْ َ َاللُ بَ نني ٌ وَاحلْ َر َ ُ‬ ‫ك وَ َمنْ ا ْج َترَأ َ عَ لَى َما ي َ ُ‬ ‫اصي‬ ‫اس َت َبا َن أَتْر َ َ‬ ‫ك فِيهِ ِمنْ اإلْ ِث ِْم أَو ْ َش َ‬ ‫ش ُّ‬ ‫اإلْ ِث ِْم كَا َن ِملَا ْ‬ ‫ك أ َ ْن ي ُ َوا ِق َع َما ْ‬ ‫اس َت َبا َن وَاملْ َ َع ِ‬ ‫ك أ َ ْن ي ُ َوا ِق َع ُه‪ 91.‬وعلق اإلمام البخاري على الروايتني فقال‪ :‬بَاب‬ ‫وش ُ‬ ‫اهلل َمنْ يَرْتَ ْع َحوْلَ احلْ ِ َمى ي ُ ِ‬ ‫ِح َمى ه ِ‬

‫ْسي ِر املْ ُ َ‬ ‫ك ِإلَى َما َال‬ ‫سا ُن ب ْ ُن أَبِي ِ‬ ‫شبه َها ِ‬ ‫ت َش ْي ًئا أ َ ْه َو َن ِمنْ ال َْور َ ِع َد ْع َما ي َ ِري ُب َ‬ ‫تَف ِ‬ ‫ت وَقَالَ َح ه‬ ‫ان َما رَأَي ْ ُ‬ ‫س َن ٍ‬ ‫ك‪ .‬وهذه التبويبات الثالث تظهر األطراف الثالث وسبل التعامل معها‪ ،‬ففي األول واألخير بوب‬ ‫ي َ ِري ُب َ‬

‫بطرف الشبهات وحده‪ ،‬أي االستبراء للدين وهو الورع‪ ،‬وفي الثاني بوب باألطراف الثالثة؛ احلالل واحلرام‬

‫واملشبهات‪.‬‬ ‫ان ب ْ ِن ب َ ِشي ٍر قَالَ‬ ‫وخرج مسلم في باب أخذ احلالل وترك الشبهات عَ ن ْ ه‬ ‫الش ْع ِبين أيضا عَ ن ْ ال ُّن ْع َم ِ‬ ‫صلهى ه ُ‬ ‫ت ر َ ُسولَ ه ِ‬ ‫اهلل عَ ل َْيهِ وَ َسل َهم يَقُ ولُ وَأ َ ْه َوى ال ُّن ْع َما ُن بِإ ِ ْ‬ ‫اهلل َ‬ ‫ص َب َع ْيهِ ِإلَى أُذُن َ ْيهِ ِإنه‬ ‫َس ِم ْع ُت ُه يَقُ ولُ َس ِم ْع ُ‬

‫اس َتبْرَأ َ‬ ‫ام بَ نني ٌ وَبَ ْي َن ُه َما ُم ْ‬ ‫اس ف َ​َمنْ اتهقَ ى ُّ‬ ‫الش ُب َها ِ‬ ‫ت ْ‬ ‫ات َال ي َ ْعل َُم ُهن ه كَثِير ٌ ِمنْ الن ه ِ‬ ‫ش َت ِب َه ٌ‬ ‫احلْ َ َاللَ بَ نني ٌ وَ ِإ هن احلْ َر َ َ‬ ‫لِ ِدي ِنهِ وَ ِعر ْ ِضهِ وَ َمن ْ وَق َ َع فِي ُّ‬ ‫ك أ َ ْن ي َرْتَ َع فِيهِ أ َ َال‬ ‫الش ُب َها ِ‬ ‫وش ُ‬ ‫اعي يَرْعَ ى َحوْلَ احلْ ِ َمى ي ُ ِ‬ ‫ت وَق َ َع فِي احلْ َر َ ِام كَالر ه ِ‬ ‫صل َ​َح اجلْ َ َس ُد كُ ُّل ُه‬ ‫اهلل َم َحارِ ُم ُه أ َ َال وَ ِإنه فِي اجلْ َ َس ِد ُم ْ‬ ‫ح َمى ه ِ‬ ‫صل َ‬ ‫ت َ‬ ‫ض َغ ًة ِإذَا َ‬ ‫وَ ِإنه لِكُلن َم ِل ٍ‬ ‫ك ِح ًمى أ َ َال وَ ِإنه ِ‬ ‫َح ْ‬ ‫ي الْقَ ل ُْب‪ 92.‬فهذا احلديث بطرقه ورواياته من جوامع كلمه صلى‬ ‫َس َد ْت ف َ‬ ‫وَ ِإذَا ف َ‬ ‫َس َد اجلْ َ َس ُد كُ ُّل ُه أ َ َال وَ ِه َ‬ ‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬وعليه بني عليه فقه الشبهات والورع على تشعبه واستنبط منه العلماء‬

‫‪ -89‬نفائس األصول‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص‪2315‬‬ ‫‪ -90‬صحيح البخاري‪ ،‬رقم ‪ ،57‬ج‪ ،1‬ص ‪( 17‬الشاملة)‬ ‫‪ -91‬صحيح البخاري‪ ،‬رقم ‪ ،1117‬ج‪ ،3‬ص ‪( 272‬الشاملة)‬ ‫‪ -92‬صحيح مسلم‪ ،‬رقم ‪ ،2116‬ج‪ ،8‬ص ‪( 217‬الشاملة)‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪233‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫أنواعها وأسبابها‪ ،‬مثل اإلمام الغزالي الذي تأثر به القرافي بدون شك وخاصة بكتابه البديع إحياء‬ ‫علوم الدين‪.‬‬ ‫فسر اإلمام الغزالي احلالل واحلرام البينني انطالقا من هذا احلديث ووضح األقسام الثالثة التي ذكرها‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬احلرام اﶈﺾ وهو ما حرم لصفة في عينه كاخلمر واخلنزير‪ ،‬وما حرم خللل في جهة إثبات اليد‬ ‫عليه‪ 93‬ويشترط في هذه الصفة وذلك السبب الداعي للتحرمي أال يشك فيها‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬احلالل املشروع‪ ،‬وهو الذي خال في ذاته وأسبابه عن دواعي التحرمي اآلنفة الذكر‪ ،‬ويلتحق‬ ‫بالطرفني ما حتقق أمره ولكن يحتمل تغيره ولم يكن لذلك االحتمال سبب‪ ،‬كاحتمال كون املصيد‬ ‫أفلت من صياد‪ ،‬وكاحتمال موت املورث الذي ثبت استمرار حياته‪ 94.‬وهذا التفسير جنده تقريبا عند‬ ‫اإلمام القرافي مع تعديل في العبارة وإضافة أحكام الرخص إليه‪ ،‬وذلك في القاعدة التي قعدها‬ ‫خلروج اﶈرم من دائرة احلرمة إلى نطاق احللية‪ ،‬وخروج احلالل من نطاق احللية إلى حمى التحرمي وهي أن‬ ‫"كل محرم لوصفه ال يحل إال بسببه كامليتة مع الضرورة‪ ،‬وكل ما حل بوصفه ال يحرم إال بسببه"‬

‫‪95‬‬

‫وفي شرحه لهذه القاعدة بني أن ذلك اخلروج مؤقت ومسبب بأسباب قد تتداخل وتتعارض أيضا‬ ‫فيشتد االلتباس بني احلرام واحلالل في األشياء كالضبع من جهة أن له نابا‪ ،‬وأنها كانت تباع في احلرم‬ ‫من غير نكير‪ ،‬وفي األسباب كالعقود اجملتلف فيها‪ ،‬وفي األدلة عند التعارض‪ ،‬وكل ذلك موجب من‬ ‫موجبات الورع"‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫واحلالل البني واحلرام البني أمرهما واضح وال نزاع فيه ألن الزهد في اﶈرمات واجب‪ ،‬وفي الواجبات حرام‪،‬‬ ‫وفي املندوبات مكروه‪ ،‬وفي املباحات مندوب‪ .‬قال القرافي‪ :‬واختلف الفقهاء في أول العصر الذي‬ ‫أدركته هل يدخل الزهد في املباح‪ ،‬والكل على صواب‪ ،‬وطريق اجلمع أن املباح ال زهد فيه من حيث ذاته‬ ‫أو من حيث هو هو‪ ،‬وأما من حيث باعتبار املآل‪ 97‬ففيه الورع والزهد ألن االستكثار من املباح يوقع في‬ ‫الشبهات والبطر وهي إما من املكروهات أو اﶈرمات‪ 98،‬وأما مواضع النظر واخلالف ففي حاالت تداخل‬ ‫األحكام وأسباب األحكام‪ ،‬وهو باب الشبهات واملشتبهات‪.‬‬ ‫وقد بني الغزالي حقيقة املشتبه ـ وهو القسم الثالث ـ وأسباب االشتباه بيانا ال يشك في أن‬ ‫القرافي تأثر به‪ ،‬ومن تلك األسباب اختالط احلالل باحلرام ولها حاالت فيها هي أيضا تقابل وتداخل‪:‬‬ ‫أوالها‪ :‬أن يختلط مبحصور كامرأة من عشر نسوة فهذه شبهة يجب اجتنابها باإلجماع‪.‬‬ ‫‪ -93‬إحياء علوم الدين‪ ،‬اإلمام الغزالي‪ ،‬م‪ ،2‬ج‪ ،5‬ص ‪28-23‬‬ ‫‪ -94‬إحياء علوم الدين‪ ،‬اإلمام الغزالي‪ ،‬م‪ ،2‬ج‪ ،5‬ص ‪78-73‬‬ ‫‪ -95‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪722‬‬ ‫‪ -96‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪722‬‬ ‫‪ -97‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪163‬‬ ‫‪ -98‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪276-275‬‬

‫‪234‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫والثانية‪ :‬أن يختلط حرام محصور بحالل غير محصور كرضيعة بنسوة بلد كبير فال يلزم االجتناب‪.‬‬ ‫والثالثة‪ :‬أن يختلط حرام ال يحصر بحالل ال يحصر كاألموال في زماننا‪ ،‬والذي اختاره الغزالي أنه ال‬ ‫يحرم إال ما ظهر سبب لتحرميه‪.‬‬

‫‪99‬‬

‫ومبنى الضابط السابق هو القلة والكثرة وليس لها ضابط محصور ولذلك جلأ اإلمام الغزالي إلى‬ ‫قاعدة التقابل والتداخل مرة أخرى ليبني أن للقلة والكثرة طرفني واضحني متقابلني ال مرية فيهما‪،‬‬ ‫وبينهما وسط متردد متداخل يقع فيه االختالف ويدخل فيه الورع لتردده بني القلة والكثرة‪ .‬وبيان‬ ‫ذلك أن كل عدد لو اجتمع على صعيد واحد لعسر على الناظر عددهم كاأللف واأللفني فهو كثير‬ ‫غير محصور عنده‪ ،‬وما سهل كالعشرة والعشرين فهو قليل محصور‪ ،‬وبني الطرفني أوساط‬ ‫متشابهة تلحق بأحد الطرفني بالظن‪ ،‬وما وقع الشك فيه استفتي فيه القلب‪ 100.‬وقد انتقد اإلمام‬ ‫الغزالي على كثير من الفقهاء غفلتهم عن هذا التقسيم الثالثي وظنهم أن النادر واألكثر قسمان‬ ‫متقابالن وينسون الوسط بينهما وأكد أن األقسام ثالثة‪ :‬قليل وهو النادر‪ ،‬وكثير‪ ،‬وأكثر‪.‬‬

‫‪101‬‬

‫وبني الغزالي ومن بعده القرافي املوقف من املشتبهات إال أن رأي الغزالي وتقسيمه كان أقرب إلى‬ ‫األخالق‪ ،‬ورأي القرافي وتقسيمه كان أقرب إلى األحكام‪ ،‬وكالهما يدعو للورع عن الشبهات‬ ‫واملشتبهات‪ .‬والورع عرفه القرافي بأنه ترك ما ال بأس به حذرا مما به بأس‪ ،‬وعممه حتى أدخل فيه‬ ‫اخلروج من خالف العلماء‪ ،‬ولكن بشرطني أولهما اإلمكان‪ ،‬ألن اخلالف قد ميكن اخلروج منه وقد يتعذر‬ ‫وقد يستحيل‪ ،‬فإذا اختلفوا في الوجوب والتحرمي فال ورع‪ ،‬أو الندب والكراهة فال ورع لتساوي اإلقدام‬ ‫واإلحجام‪.‬‬

‫‪102‬‬

‫والشرط الثاني هو تقارب أدلة اجملتلفني‬

‫‪103‬‬

‫ألن من اخلالف ما هو ضعيف ومنه ما ال‬

‫اعتبار له في الشرع‪.‬‬ ‫وقد قسم القرافي الورع تبعا لتقابل أحكام الشرع إلى سبعة أقسام‪:‬‬

‫‪104‬‬

‫‪1‬ـ أن يتردد الفعل بني املباح واحلرام فالورع الترك‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يتردد بني املباح والواجب فالورع الفعل بشرط اعتقاد الوجوب‪.‬‬ ‫‪7‬ـ أن يتردد بني املندوب واحلرام فالورع الترك‪.‬‬ ‫‪7‬ـ أن يتردد بني املكروه والواجب فالورع الفعل‪.‬‬ ‫‪5‬ـ أن يتردد بني املشروع والواجب‪ ،‬فالورع الفعل‪ ،‬مثل البسملة في الصالة‪ ،‬والفاحتة في صالة اجلنازة‪.‬‬ ‫‪6‬ـ أن يتردد بني احلرام والواجب‪ ،‬وال ورع هنا إال أن نقول بتقدمي درء املفاسد‪ ،‬قال‪ :‬وهو األنظر‪.‬‬ ‫‪ -99‬إحياء علوم الدين‪ ،‬اإلمام الغزالي‪ ،‬م‪ ،2‬ج‪ ،5‬ص ‪76-77‬‬ ‫‪ -100‬إحياء علوم الدين‪ ،‬اإلمام الغزالي‪ ،‬م‪ ،2‬ج‪ ،5‬ص ‪76‬‬ ‫‪ -101‬إحياء علوم الدين‪ ،‬اإلمام الغزالي‪ ،‬م‪ ،2‬ج‪ ،5‬ص ‪78‬‬ ‫‪ -102‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪276‬‬ ‫‪ -103‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪276‬‬ ‫‪ -104‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪167،167‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪235‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫‪3‬ـ أن يتردد بني املندوب واملكروه‪ ،‬ال ورع هنا وهو مثل سابقه‪.‬‬ ‫ومن اإلشكاالت التي تعارض القاعدة السابقة أن الفعل إذا دار بني الوجوب والندب فُعل‪ ،‬ولو طبقنا‬ ‫هذا األصل على يوم الشك لكان الورع صومه ألنه في الظاهر متردد بني الوجوب بأن يكون من‬ ‫رمضان‪ ،‬والندب بأن يكون صيام يوم تطوعا هلل‪ ،‬بينما حكم الشرع والفقه فيه أنه يحرم صومه!‬ ‫وقد أجاب القرافي عن هذا اإلشكال بأن صوم يوم الشك في احلقيقة دائر بني التحرمي والندب‪ ،‬ألنه إن‬ ‫كان لرمضان فشرطه النية اجلازمة‪ ،‬وهي غير محققة فيكون حراما‪ ،‬أو لشعبان فهو مستحب‪،‬‬

‫‪105‬‬

‫والفعل إذا دار بني احلرمة والندب قدم التحرمي لقوته كما سبق‪.‬‬ ‫وميكن اختصار هذه األقسام بالقول إن الفعل إذا تردد بني اثنني من أحكام الشرع رجح أقواهما‪ ،‬وإذا‬ ‫تردد بني متساويني‪ ،‬يكمن أن نحكم بالتساوي أو نقول بتقدمي درء املفاسد على جلب املصالح‪.‬‬ ‫وال تخفى استفادة القرافي في التقسيم السابق من تقسيم اإلمام الغزالي الورع أربعة أقسام‬ ‫ميكن اعتبارها طرفني وواسطتني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬ورع العدول وهو الذي تسقط العدالة به‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬وورع الصاحلني وهو االمتناع عما يتطرق إليه احتمال التحرمي‪.‬‬ ‫والثالﺚ‪ :‬الورع عما يخاف منه األداء ﶈرم‪.‬‬ ‫والرابع واألخير ترك ما ال بأس به أصال مخافة أن يتناول لغير اهلل‪ 106‬وال يخفى ما بني هذه األقسام‬ ‫من التقابل والتداخل‪.‬‬ ‫ودرجات الورع مبنية على درجة الكراهة‪ ،‬والكراهة مبنية على قوة الشبهة وضعفها‪ ،‬والشبهات قد‬ ‫تشتد فتشتد الكراهة ويتأكد الورع‪ ،‬وقد تتوسط مثل امتناع بشر بن احلارث عن ماء نهر احتفره‬ ‫الظلمة‪ ،‬وقد تخف فيؤدي الورع فيها للوسواس كاالمتناع عن حالل وصل على يد شخص كان قد‬ ‫عصا اهلل معصية ال عالقة لها بذلك احلالل‪.‬‬

‫‪107‬‬

‫وينتج عن ذلك أن املوقف من الشبهات له ثالث‬

‫درجات اثنتان منهما متقابلتان والثالثة مترددة بني الطرفني؛ أوالها تقرب من احلرام والورع فيها مهم‪،‬‬ ‫واألخيرة تنتهي إلى نوع من املبالغة تلحق بورع املوسوسني‪ ،‬وبينهما أوساط نازعة للطرفني‪.‬‬

‫‪108‬‬

‫واملوقف العدل من جميع الشبهات هو عدم التفريط املؤدي إلى الوقوع في احلرام‪ ،‬وعدم اإلفراط‬ ‫الداعي إلى الوسواس وإلى حترمي احلالل‪ ،‬وما من طرف من أطراف الشبهات إال وفيه غلو وإسراف كما‬ ‫ذكر حجة اإلسالم الغزالي‪.‬‬

‫‪109‬‬

‫‪ -105‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪572-571‬‬ ‫‪ -106‬إحياء علوم الدين‪ ،‬اإلمام الغزالي‪ ،‬م‪ ،2‬ج‪ ،5‬ص ‪71-77‬‬ ‫‪ -107‬إحياء علوم الدين‪ ،‬اإلمام الغزالي‪ ،‬م‪ ،2‬ج‪ ،5‬ص ‪61‬‬ ‫‪ -108‬إحياء علوم الدين‪ ،‬اإلمام الغزالي‪ ،‬م‪ ،2‬ج‪ ،5‬ص ‪51‬‬ ‫‪ -109‬إحياء علوم الدين‪ ،‬اإلمام الغزالي‪ ،‬م‪ ،2‬ج‪ ،5‬ص ‪61‬‬

‫‪236‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫وليست قضية التقابل مقتصرة على هذا احلديث العظيم بل إن أسلوب التقابل بني األطراف‬ ‫والتداخل في موضوع وسط بينهما أسلوب نبوي بليغ تكرر في عدة أحاديث وخاصة تلك التي‬ ‫امر الشعبي قال سمعت‬ ‫تضرب األمثال بقصد اإليضاح‪ .‬ومنها احلديث الذي رواه البخاري عن عَ ِ‬ ‫اهلل‬ ‫صلهى ه ُ‬ ‫ي هُ‬ ‫اهلل عَ ل َْيهِ وَ َسل َهم قَالَ َمثَلُ الْقَ ائِ ِم عَ لَى ُح ُدودِ ه ِ‬ ‫اهلل عَ نْ ُه َما عَ نْ الن ه ِبين َ‬ ‫ال ُّن ْع َما َن ب ْ َن ب َ ِشي ٍر ر َ ِض َ‬ ‫م أ َ ْسفَ ل َ​َها َفكَا َن‬ ‫يها كَ َمث َِل قَوْ ٍم ْ‬ ‫م أَع َْال َها وَبَ ْع ُ‬ ‫اب بَ ْع ُ‬ ‫وَال َْوا ِق ِع فِ َ‬ ‫اس َت َه ُموا عَ لَى َس ِفي َن ٍة َفأ َ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ض ُه ْ‬ ‫ض ُه ْ‬ ‫م‬ ‫م فَقَ الُوا لَوْ أَنها َخرَق ْ َنا فِي ن َ ِ‬ ‫ال ه ِذي َن فِي أ َ ْسفَ ِل َها ِإذَا ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫يب َنا َخرْقًا وَ َل ْ‬ ‫اس َتقَ وْا ِمنْ املَْا ِء َمرُّوا عَ لَى َمنْ فَوْق َ ُه ْ‬

‫يعا‪ .‬ومن‬ ‫م َجنَوْا وَ َجن َوْا َج ِم ً‬ ‫م وَ َما أَرَا ُدوا َه َلكُوا َج ِم ً‬ ‫نُؤْذِ َمن ْ فَوْق َ َنا فَإ ِ ْن يَتْرُكُ ُ‬ ‫يه ْ‬ ‫وه ْ‬ ‫يعا وَ ِإ ْن أ َ َخذ ُوا عَ لَى أَي ْ ِد ِ‬

‫املوافقات العجيبة أن التابعي اجلليل الشعبي والصحابي األجل النعمان بن بشير هما راويا حديث‬

‫الشبهات الذي يشترك مع هذا احلديث شبها في التقسيم واألسلوب‪.‬‬ ‫اهلل‬ ‫اهلل عَ ل َْي ِه وَ َسل َهم قَالَ َمثَلُ َما بَ َعثَ ِني ه ُ‬ ‫صل هى ه ُ‬ ‫وأخرج البخاري في صحيحه عَ نْ أَبِي ُم َ‬ ‫وسى عَ نْ الن ه ِبين َ‬ ‫ت الْك َ​َأل َ‬ ‫بِهِ ِمنْ ال ُْه َدى وَال ِْعل ِْم كَ َمث َِل الْغ َْي ِ‬ ‫اب أَر ْ ً‬ ‫ث الْكَثِي ِر أ َ َ‬ ‫ضا َفكَا َن ِمنْ َها ن َ ِقيه ٌة ق َ ِبل ْ‬ ‫اء َفأ َن ْ َب َت ْ‬ ‫ص َ‬ ‫َت املْ َ َ‬ ‫وَال ُْع ْ‬ ‫اس ف َ‬ ‫َش ِربُوا وَ َسقَ وْا وَزَرَعُ وا‬ ‫اء َفنَفَ َع ه ُ‬ ‫اهلل ب ِ َها الن ه َ‬ ‫ت ِمن ْ َها أ َ َجادِ ُب أ َ ْم َسك ْ‬ ‫ش َب الْكَثِير َ وَكَان َ ْ‬ ‫َت املْ َ َ‬ ‫اهلل‬ ‫ت كَ َأل ً َفذَلِ َ‬ ‫يعا ٌن َال ُمت ْ ِس ُ‬ ‫ين ه ِ‬ ‫ي ِق َ‬ ‫وَأ َ َ‬ ‫صاب َ ْ‬ ‫ك َما ًء و َ َال تُنْ ِب ُ‬ ‫ك َمثَلُ َمن ْ َفقُ َه فِي دِ ِ‬ ‫ت ِمنْ َها َطائِفَ ًة أ ُ ْخرَى ِإ همنَا ِه َ‬ ‫سل ُْت‬ ‫اهلل ال ه ِذي أُر ْ ِ‬ ‫وَنَفَ َع ُه َما بَ َعثَ ِني ه ُ‬ ‫َم يَر ْ َف ْع بِذَلِ َ‬ ‫َم يَقْ َبلْ ُه َدى ه ِ‬ ‫ك رَأ ْ ًسا وَل ْ‬ ‫اهلل بِهِ ف َ​َع ِل َم وَعَ ل َهم وَ َمثَلُ َمنْ ل ْ‬ ‫س َت ِوي‬ ‫بِهِ‪ .‬قَالَ أَبُو عَ بْد ه ِ‬ ‫ْص ُف املْ ُ ْ‬ ‫اء وَ ه‬ ‫الصف َ‬ ‫اهلل قَالَ ِإ ْس َحاقُ وَكَا َن ِمنْ َها َطائِفَ ٌة قَيهل ْ‬ ‫اء قَا ٌع ي َ ْعلُو ُه املْ َ ُ‬ ‫َت املْ َ َ‬ ‫‪110‬‬

‫ِمنْ األْ َر ْ ِض‪.‬‬ ‫والواسطة‪ ،‬ففي الطرف األول يقع العلماء العاملون الذي قبلوا الدين وعلموه للناس‪ ،‬وفي املقابل‬

‫وهذا احلديث أصل في مواقف الناس وتقبلهم للدين‪ ،‬وأصل في قاعدة الطرفني‬

‫املضاد تقع القيعان التي لم تقبل الدين ولم تفهمه ولم حتفظه‪ ،‬وبينهما األجادب التي أمسكت‬ ‫املاء وحفظت العلم ففيها شبه من األولني من جهة النفع‪ ،‬وفيها شبه من اآلخرين بعدم النبات‬ ‫وعدم فهم النور الذي نزل على محمد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬ ‫وسى األْ َ ْش َع ِرين قوله‪ :‬قَالَ‬ ‫ومن املوافقات أيضا أن يروي البخاري ومسلم في صحيحيهما عَ ن ْ أَبِي ُم َ‬ ‫ب و َ َط ْع ُم َها‬ ‫صل هى ه ُ‬ ‫ر َ ُسولُ ه ِ‬ ‫اهلل عَ ل َْيهِ و َ َسل َهم َمثَلُ املُْؤ ْ ِم ِن ال ه ِذي يَقْرَأ ُ الْقُ رْآ َن كَ َمث َِل األْ ُتْر ُ هجةِ رِ ُ‬ ‫اهلل َ‬ ‫يح َها َط ني ٌ‬ ‫يح ل َ​َها وَ َط ْع ُم َها ُحل ٌْو وَ َمثَلُ ا ْمل ُ َنافِ ِق ال ه ِذي يَقْرَأ ُ‬ ‫ب وَ َمثَلُ ا ْملُؤ ْ ِم ِن ال ه ِذي َال يَقْرَأ ُ الْقُ رْآ َن كَ َمث َِل الته ْمر َ ِة َال رِ َ‬ ‫َط ني ٌ‬ ‫س‬ ‫الْقُ رْآ َن َمثَلُ الرهي ْ َحانَةِ رِ ُ‬ ‫يح َها َط ني ٌ‬ ‫ب وَ َط ْع ُم َها ُمر ٌّ و َ َمثَلُ املْ ُ َنافِ ِق ال ه ِذي َال يَقْ رَأ ُ الْقُ رْآ َن كَ َمث َِل احلْ َنْ َظ َلةِ لَيْ َ‬ ‫يح و َ َط ْع ُم َها ُمر ٌّ ‪ 111.‬وهذا احلديث يشترك مع سابقه في منط التقسيم‪.‬‬ ‫ل َ​َها رِ ٌ‬ ‫اهلل عَ ل َْيهِ و َ َسله َم‬ ‫صلهى ه ُ‬ ‫وحديث مسلم عَ نْ ُحذ َيْفَ َة قَالَ كُنها ِعنْ َد عُ َمر َ فَقَ الَ أَيُّك ُْم َس ِم َع ر َ ُسولَ ه ِ‬ ‫اهلل َ‬ ‫ُم تَ ْع ُنو َن فِتْ َن َة الر ه ُج ِل فِي أ َ ْه ِلهِ و َ َجارِ ِه ق َالُوا أ َ َجلْ قَالَ‬ ‫يَذْكُر ُ الْ ِف َ​َت َ فَقَ الَ قَوْ ٌم ن َ ْ‬ ‫حنُ َس ِم ْع َناهُ فَقَ الَ ل َ​َعلهك ْ‬ ‫‪ -110‬صحيح البخاري‪ ،‬رقم ‪ ،33‬ج‪ ،1‬ص ‪( 171‬الشاملة)‬ ‫‪ -111‬صحيح البخاري‪ ،‬رقم ‪ ،5773‬ج‪ 78 ،13‬وصحيح مسلم رقم ‪ ،1728‬ج‪ ،7‬ص ‪(213‬الشاملة)‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪237‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬ ‫صل هى ه ُ‬ ‫تِل َ‬ ‫الص َدق َ ُة وَ َل ِ‬ ‫ُم َس ِم َع الن ه ِبيه َ‬ ‫الص َالةُ وَ ن‬ ‫ام وَ ه‬ ‫ْك تُكَفنر ُ َها ه‬ ‫الص َي ُ‬ ‫كنْ أَيُّك ْ‬ ‫اهلل عَ ل َْيهِ و َ َسله َم يَذْكُر ُ الْ ِف َ​َت َ‬ ‫ت‬ ‫هلل أَبُو َ‬ ‫ت ِهِ‬ ‫وج َموْ َج الْ َب ْ‬ ‫الهتِي َمت ُ ُ‬ ‫ك قَالَ ُحذ َيْفَ ُة َس ِم ْع ُ‬ ‫ح ِر قَالَ ُحذ َيْفَ ُة َفأ َ ْسك َ​َت الْقَ وْ ُم فَقُ ل ُْت أَنَا ق َالَ أَن ْ َ‬ ‫ب‬ ‫ُوب كَاحلْ َ ِ‬ ‫صلهى ه ُ‬ ‫ر َ ُسولَ ه ِ‬ ‫اهلل َ‬ ‫اهلل عَ لَيْهِ وَ َسل َهم يَقُ ولُ تُ ْعر َ ُ‬ ‫صي ِر عُ ودًا عُ ودًا َفأ َ ُّي قَلْ ٍ‬ ‫ض الْ ِف َ​َت ُ عَ لَى الْقُ ل ِ‬ ‫ني عَ لَى‬ ‫اء َحتهى تَ ِ‬ ‫ت فِيهِ نُك ْ َت ٌة بَ ْي َ‬ ‫ب أَنْكَر َ َها ن ُ ِ‬ ‫أ ُ ْش ِربَ َها ن ُ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ت فِيهِ نُك ْ َت ٌة َسوْ َد ُاء وَأ َ ُّي قَلْ ٍ‬ ‫ك َ‬ ‫ض ُ‬ ‫صير َ عَ لَى قَلْ َب ْ ِ‬ ‫خ ًيا َال‬ ‫ض وَاآلْ َخر ُ أ َ ْس َودُ ُمرْبَادًّا كَال ْكُوزِ ُم َج ن‬ ‫الصفَ ا ف َ​َال تَ ُ‬ ‫ت ه‬ ‫ض ِمث ِْل ه‬ ‫ات وَاألْ َر ْ ُ‬ ‫ام ْ‬ ‫الس َماوَ ُ‬ ‫ضرُّهُ فِتْ َن ٌة َما دَ َ‬ ‫أَب ْ َي َ‬ ‫كر ُ ُمنْكَرًا ِإاله َما أ ُ ْش ِر َب ِمنْ َه َواهُ‪.‬‬ ‫ي َ ْع ِر ُف َم ْعرُوفًا وَ َال يُنْ ِ‬ ‫تشترك في هذا التقسيم الذي ميكن أن يعتبر أصال من أصول هذه النظرية‪.‬‬ ‫‪112‬‬

‫وهذا غيض من فيض من األحاديث التي‬

‫‪ -112‬صحيح مسلم‪ ،‬رقم ‪ ،273‬ج‪ ،1‬ص ‪( 771‬الشاملة)‬

‫‪238‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫الفصل الثالث‪ :‬اجلذور األصولية والفقهية لنظرية‬ ‫التقابل والتداخل‬ ‫إن نظرية التقابل والتداخل ضاربة بجذورها في عمق علوم الشريعة أصولها وفروعها‪ ،‬بل إن في‬ ‫أصول الفقه وفي الفقه أبوابا وطرقا راجعة بجملتها إلى هذا األصل الكبير‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬اجلذور األصولية لنظرية التقابل والتداخل‬ ‫تظهر أصول النظرية من خالل املالمح العامة ألصول الفقه‪( ،‬الفقرة األولى) وتتبني بوضوح أكثر في‬ ‫أبواب محددة ذات صلة وطيدة بالباب أهمها أصول اإلمام مالك رحمه اهلل (الفقرة الثانية) وقياس‬ ‫غلبة األشباه (الفقرة الثالثة)‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬مالمح التقابل والتداخل في أصول الفقه‬ ‫إن الناظر في أصول الفقه وأبوابه اجملتلفة يجد أكثرها قائما على متقابالت متعلقة باأللفاظ‬ ‫سنبني طرفا منها فيما بعد‪ ،‬وأكثر منها وضوحا التقابل الراجع ألحكام الشرع نفسها فإنها من‬ ‫أساسها مبنية بطريقة جتعلها متقابلة فيما بينها متداخلة في كثير من األحيان‪ ،‬وقد أكد بعض‬ ‫الباحثني أن أحكام الشرع وإن كانت خمسة فإنها ميكن إرجاعها إلى اثنني لوجود "تقابل منطقي‬ ‫بني الواجب واحلرام‪ ،‬وبني احلالل واحلرام‪ ،‬وبني احلالل والواجب‪".‬‬

‫‪113‬‬

‫وجعل املازري القسمة النوعية‬

‫ألحكام الشرع إلى خمسة في الظاهر هي الوجوب والندب واحلظر والكراهة واإلباحة‪ ،‬راجعة إلى‬ ‫ثالثة في احلقيقة؛ فالوجوب والندب مأمور بهما واحلظر والكراهة منهي عنهما فصار من هذه اجلهة‬ ‫قسمني ويكون املباح قسما ثالثا‪.‬‬

‫‪114‬‬

‫وقد نبه اإلمام الغزالي بوضوح وفي وقت مبكر إلى انقسام أحكام الشرع إلى تعبد محض ال مدخل‬ ‫للحظوظ فيه كرمي اجلمرات‪ ،‬وما يقصد منه حظ معقول كقضاء ديون اآلميني ورد الغصوب فال‬ ‫جرم يعتبر فيه فعله ونيته‪ ،‬فهذان قسمان ال تركيب فيهما‪ ،‬والقسم الثالث هو املركب الذي يقصد‬ ‫منه األمران جميعا وهو حظ العباد وامتحان املكلف‪ ،‬فإن ورد الشرع به وجب اجلمع بني املعنيني وال‬

‫‪ -113‬الرسالة الرمزية في أصول الفقه‪ ،‬عادل فاخوري‪ ،‬ص ‪ 17‬وما بعدها‪ ،‬نقال عن‪ :‬التجديد في أصول الفقه‪ ،‬ص‪711‬‬ ‫‪ -114‬إيضاح اﶈصول من برهان األصول‪ ،‬ص ‪276‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪239‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬ ‫ينبغي أن ينسى أدقهما وهو التعبد‪ 115.‬ومع أن هذا التقسيم معروف إال أنه يالحظ تشابه بينه وبني‬ ‫ما ذكره القرافي في هذا الباب في الصياغة واملعنى واألمثلة واآلثار املترتبة على هذا التقسيم‪.‬‬ ‫وعند النظر في أبواب الرواية وهي أصل الشرع جند أن أئمة األصوليني مثل اإلمامني الغزالي واآلمدي‬ ‫اختصرا أقوال اﶈدثني في صحة األسانيد وﺿعفها إلى ما يحصل عنها من مراتب العلم‪ ،‬فقسموا‬ ‫اآلحاد إلى ما يعلم صدقه‪ ،‬وإلى ما يعلم كذبه‪ ،‬وإلى ما يتردد فيه‪ ،‬وسمى اآلمدي الثالث مبا ال يعلم‬ ‫صدقه وال كذبه؛ وكل ذلك إما أن يكون بالعقل؛ كالقول بأن الواحد نصف االثنني أو ليس نصف‬ ‫االثنني‪ ،‬وإما أن يكون راجعا للسمع‪ ،‬كقول املؤمن‪ :‬اجلنة حق والنار حق ونفي الكافر لهما‪ .‬وقد يعلم‬ ‫كذب اخلبر بطريق آخر غير السمع والعقل املقطوعني وهي أن يكون اخلبر يرد آحادا وشذوذا فيما‬ ‫نعلمه أنه من حقه أن يشيع ويذيع ويتواتر كاملعجزات الكبرى اخلارقة‪ 116.‬وقد انتقد الغزالي إدخال‬ ‫العقل واحلس في أسباب العلم بالصدق والكذب ألنهما خارجيان وال صلة لهما بباب اخلبر ألن صدق‬ ‫اخلبر وكذبه حينها معلوم من العقل أو احلس ال من اخلبر‪.‬‬

‫‪117‬‬

‫وإذا كان احلكم عقال محضا أو سمعا محضا صحيحا قل أو انعدم اخلالف فيه‪ ،‬التفاق العقالء على‬ ‫األول‪ ،‬ولتسليم املؤمنني بالثاني‪ ،‬وسبب االختالف اجلوهري ناجت عن التردد بني العقل والسمع‪ ،‬وما‬ ‫اختلف العلماء فيما اختلفوا فيه من الروايات تصحيحا وتضعيفا إال ألن الرواية مركبة من السمع‬ ‫والعقل‪ ،‬وما تردد العلماء في تضعيف األخبار وإن تعددت أسباب التردد إال ألن األخبار منها ما يقطع‬ ‫بصدقه‪ ،‬ومنها ما يقطع بكذبه‪ ،‬ومنها ما يجوز عليه األمران‪.‬‬

‫‪118‬‬

‫ومن املرجح أن العلم بتواتر اخلبر ال ينضبط بعدد وإمنا يخضع ملبدأ قوة اإلقناع واستحالة الكذب‬ ‫واخلطأ‪ ،‬وقضية اإلميان بتواتر اخلبر وصدقه راجعة للترجيح العقلي‪ ،‬والترجيح العقلي متدرج نظرا‬ ‫لعوامل متعلقة بالقائل وأخرى متعلقة بالسامع وثالثة خارجة عنهما؛ والعاقل إذا سمع خبرا‬ ‫يقوى ظنه‪ ،‬ويضعف احتمال الكذب عند عدم وجود أغراض حاملة عليه‪ ،‬ويرجح الكذب عند وجود‬ ‫تلك األغراض‪ ،‬ولهذا رد الشرع شهادة العدل فيما بدت فيه له أغراض ظاهرة‪ 119.‬قال املازري‪ :‬وهكذا‬ ‫حال الكثرة فمنها ما يحيل العقل معه الكذب ويوجب الصدق ومنه ما هو دون ذلك‪ 120.‬فاملدرك إذن‬ ‫في األخذ باألخبار هو حصول اليقني أو الظن الراجح بها‪ ،‬وعدم األخذ ببعضها راجع إلى حصول‬

‫‪ -115‬إحياء علوم الدين‪ ،‬اإلمام الغزالي‪ ،‬م‪ ،1‬ج‪ ،2‬ص ‪117‬‬ ‫‪ -116‬إيضاﺡ اﶈصول من برهان األصول‪ ،‬ص ‪527‬‬ ‫‪ -117‬املنخول من تعليقات األصول‪ ،‬ص ‪ 275‬اإلحكام‪ ،‬اآلمدي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪18‬‬ ‫‪ -118‬إيضاﺡ اﶈصول من برهان األصول‪ ،‬ص ‪772‬‬ ‫‪ -119‬إيضاﺡ اﶈصول من برهان األصول‪ ،‬ص ‪777‬‬ ‫‪ -120‬إيضاﺡ اﶈصول من برهان األصول‪ ،‬ص ‪777‬‬

‫‪240‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫يقني أو ظن مقابل‪ ،‬وجميع األخبار اجملتلف فيها من اآلحاد واملراسيل تدور نكتتها حول مسألة واحدة‬ ‫عليها مدار ما يقبل أو يرد من األخبار‪ ،‬هي حصول الثقة أو انخرامها‪.‬‬

‫‪121‬‬

‫ومبا أن املقاصد واملصالح واملفاسد إضافية فقد نتج عن تلكم النسبية نسبية أخرى في قواعد‬ ‫الشرع نبه عليها اإلمام اجلويني بقوله إن "قواعد الشريعة متقابلة بني النفي واإلثبات‪ ،‬واألمر‬ ‫والنهي‪ ،‬واإلطالق واإلباحة واحلظر‪ ،‬وال يتقابل قط أصالن ويتطرق الضبط إلى أحدهما وتنتفي النهاية‬ ‫عن مقابله ومناقضه‪".‬‬

‫‪122‬‬

‫وأكد الشاطبي أن وضع الشرائع إمنا هو ملصالح العباد‪ ،‬وأن "مقاصد‬

‫الشريعة تلخص في جلب املصالح ودرء املفاسد"‬

‫‪123‬‬

‫ومن هنا كان احلكم الشرعي قائما على ثنائية‬

‫أخرى هي ثنائية املصلحة اﶈضة أو الراجحة فيجب الفعل أو يندب‪ ،‬أو املفسدة اﳋالصة أو الراجحة‬ ‫فيحرم الفعل أو يكره‪ ،‬واملنطقة املترددة بينهما التي تتداخل فيها االثنتان فيقع االختالف والتردد‬ ‫والتوقف بني العلماء نتيجة لذلك‪ ،‬ولذا اتفقوا على أن هناك مصالح معتبرة شرعا وأخرى ملغاة‬ ‫وثالثة اختلفوا في حتديدها وفي حكمها إلى عدة مذاهب‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫وهذه الثنائيات املتقابلة املتداخلة‪،‬‬

‫تكملها ثنائيات أخر مثل كون املصالح دنيوية وأخروية‪ ،‬وهل هي متعلقة باملعامالت فيكون األصل‬ ‫فيها التعليل‪ ،‬أو متعلقة بالعبادات فيكون األصل فيها التعبد وعدم التعليل‪.‬‬

‫‪125‬‬

‫ومن أسباب اختالف أصحاب املذاهب وجود مدرستني متثالن موقفني اجتهاديني في التعامل مع الرواة‬ ‫والروايات األولى متثل طرفا "يتوسع في اعتبار احلديث‪ ،‬فيعمل باملراسيل والبالغات واملنقطع‬ ‫والضعيف أحيانا مقدما ذلك في الرتبة على معقول النص املدرك باالجتهاد"‪ 126‬والثانية متثل طرفا‬ ‫آخر يتوسع في الرأي ويقدمه على كل دليل نصي محتمل‪ ،‬ومن هنا تدرجت املذاهب في األصول من‬ ‫الظاهرية إلى الشافعية إلى املالكية واحلنابلة إلى احلنفية‪ 127.‬وكل هذه املذاهب وغيرها إمنا تفرعت‬ ‫عن مناهج متدرجة للتفكير كانت موجودة عند الصحابة والتابعني وإن نسبت إلى أصحاب‬ ‫املذاهب املشهورة‪ ،‬هي اجتاه أهل احلديث‪ ،‬ومنهج أهل الرأي‪ ،‬ثم قامت مدرسة توفيقية بينهما مثلها‬ ‫اإلمامان مالك والشافعي‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫وأستطيع ان أجزم من خالل دراسة نشأة املذاهب الفقهية أنها ال تعدو أن تكون طريقة في التعامل‬ ‫مع ثنائية العقل والنص‪ ،‬ألن مدارك األحكام الشرعية ال تعدو أن تكون عقال محضا أو سمعا‬ ‫‪ -121‬إيضاﺡ اﶈصول من برهان األصول‪ ،‬ص ‪527-511‬‬ ‫‪ -122‬الغياثي‪ ،‬اجلويني‪ ،‬ص‪777‬‬ ‫‪ -123‬نظرية املقاصد عن اإلمام الشاطبي‪ ،‬ط‪ 2‬ص ‪277‬‬ ‫‪ -124‬املستصفى‪ ،‬الغزالي‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪627‬‬ ‫‪ -125‬نظرية املقاصد عن اإلمام الشاطبي‪ ،‬ص ‪183-185‬‬ ‫‪ -126‬صناعة الفتوى‪ ،‬ص‪177‬‬ ‫‪ -127‬أمالي الدالالت‪ ،‬ص‪6‬‬ ‫‪ -128‬إسالم بال مذاهب‪ ،‬ص‪717-712‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪241‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬ ‫محضا أو مدركا مشتركا بينهما‪ 129.‬وقد وضع املازري رحمه اهلل ضابطا دقيقا ملا ال يكون إال عقال‬ ‫محضا وما ال يكون إال سمعا محضا‪ ،‬والضابط هو أن "كل معلوم ال يصح العلم بالسمع إال بعد‬ ‫تقدمه فإنه ال مجال للسمع فيه‪ ،‬وكل معلوم ال يصح أن يعلم إال بعد العلم بثبوت القول الصدق‬ ‫فال مجال للعقل فيه"‪ 130‬وهذان الطرفان ميثالن أقل القليل من األحكام الشرعية ألن أغلبها يتوارد‬ ‫فيه العقل والسمع فيقع االختالف‪.‬‬ ‫وهذه الثنائيات أجابتنا عن أسئلة حول املذاهب حيرت الباحثني‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬إنشاء مذهب جديد‪ ،‬وأرى أنه ليس باإلمكان إنشاء مذهب جديد ما دام املذهب عبارة عن‬ ‫منهج في التفكير اإلسالمي ال بد أن يقوم على األثر أو على الرأي أو على التوفيق بينهما‪ ،‬وكل من‬ ‫ادعى اخلروج عن املذاهب فإنه ال محالة واقع في طريق أحد املذاهب‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬أن أئمة أهل السنة كثيرون‪ 131،‬ومع ذلك نرى بقاء مذاهب دون غيرها‪ ،‬وتفسير ذلك أن االنتقاء‬ ‫اإللهي الطبيعي شاء أن يبقي من كل منهجية في التفكير منوذجا ميثلها بني الناس‪ ،‬ولذلك نرى‬ ‫املذاهب ذات املنهجية الواحدة أو املتقاربة يبقى منها واحد‪ ،‬واملناهج املتباينة أو اجملتلفة اختالفا بينا‬ ‫تبقى في واقع الفقه واالجتهاد‪.‬‬ ‫إن مبدأ التقابل الثنائي مبدأ راسخ في عقول علماء اإلسالم وفي نصوص الشريعة وأصول الفقه‪،‬‬ ‫وليس مبستغرب أن جند فيلسوفا مثل غوتييه يقول عن العقل اإلسالمي إنه "العقل املولع بالفصل‬ ‫(‪ )...‬وهي سمة إسالمية خالصة‪ ..‬إن وضع الشيء بإزاء نقيضه هو الصفة التي تتلخص فيها جميع‬ ‫األشياء في العالم العربي وخاصة املسلم؛ مبا في ذلك الدين والتاريخ‪ 132".‬وليس غريبا أن جند جهابذة‬ ‫أفذاذا مثل الشيخ عبد اهلل دراز يقول في كتابه الفريد دستور األخالق في القرآن إن "سلم القيم‬ ‫سلم ثالثي‪ ،‬يتقارب فيه الطرفان املتناقضان بواسطة حد وسط يربطهما دون أن ينقطع‬ ‫استمرارهما؛ فبني القيمة ونقيض القيمة يقحم القرآن الالقيمة‪ ،‬إذ يوجد بني املفروﺽ واﶈرم مكان‬ ‫للمباح"‬

‫‪133‬‬

‫ولكن الغريب أن جند من يعتبر هذا التقابل خلال ويدعو لفكه وتخليص أصول الفقه‬

‫منه‪ ،‬وهو ما أرى أنه ليس باإلمكان‪ ،‬ألن الداعي نفسه وهو محمد باقر الصدر جاء بتقابل آخر من نوع‬ ‫آخر؛ فقد دعا إلى تعديل التصنيف الثنائي للمسائل األصولية‪ ،‬مثل مباحث األلفاظ واألدلة‬ ‫العقلية‪ ،‬ليصبح مباحث األدلة‪ ،‬ومباحث األصول العملية‪ ،‬وتقسيم مباحث األدلة إلى الدليل‬

‫‪ -129‬إيضاح اﶈصول من برهان األصول‪ ،‬ص ‪172-171‬‬ ‫‪ -130‬إيضاح اﶈصول من برهان األصول‪ ،‬ص ‪117‬‬ ‫‪ -131‬إسالم بال مذاهب‪ ،‬ص‪716‬‬ ‫‪ -132‬مقدمة في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬غوتييه‪ ،‬عن دستور األخالق في القرآن للشيخ عبد اهلل دراز ص‪17‬‬ ‫‪ - 133‬دستور األخالق في القرآن‪ ،‬ص‪17‬‬

‫‪242‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫الشرعي والدليل العقلي"‬

‫‪134‬‬

‫ورمبا كان وراء قصده من ذلك إظهار االنسجام بني الوحي والعقل‬

‫وإعطاء املتعلم صورة ومثال يتحدان فيه‪.‬‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬أصول مذهب اإلمام مالك‬ ‫يعتبر الشيخ حسن املشاط من أدق من تتبع أدلة اإلمام مالك‪ ،‬وقد أوصلها إلى أربعة وعشرين هي‪:‬‬ ‫نص الكتاب وظاهره ودليله ومفهومه وتنبيهه على العلة‪ ،‬ومثل هذه اخلمسة من السنة‪ ،‬ثم‬ ‫اإلجماع و القياس وعمل أهل املدينة وقول الصحابي واالستحسان وسد الذرائع ومراعاة اخلالف تارة‬ ‫وتارة‪ ،‬ثم االستدالل واملصالح املرسلة وتصديق العموم والبراءة األصلية والعوائد واألخذ باألخف‪.‬‬

‫‪135‬‬

‫وقبله بني اإلمام القرافي أدلة اﺠﻤﻟتهدين على العموم وأوصلها إلى تسعة عشر ذكر منها إجماع أهل‬ ‫املدينة ولم يذكر مراعاة اخلالف‪.‬‬

‫‪136‬‬

‫وخالصة أدلة اإلمام مالك مثل أدلة غيره من األئمة رحمهم اهلل أن منها ما يرجع للنقل ومنها ما‬ ‫يرجع للعقل‪ ،‬إال أن اإلمام مالكا رحمه اهلل هدي إلى سواء السبيل وجنح في التوفيق بني العقل‬ ‫والنقل دون ميل أو شطط‪ ،‬وامتاز بأصول ميكن أن نعتبرها جامعة بني العقل والنقل أو مترددة‬ ‫بينهما مثل عمل أهل املدينة ومراعاة اخلالف‪ ،‬وهذان األصالن هما األلصق مبوضوعنا وهما اللذان‬ ‫يظن أن لهما أثرا كبيرا في بناء نظرية التقابل والتداخل عند الشهاب القرافي‪.‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬عمل أهل املدينة‬ ‫ميكن اعتبار عمل أهل املدينة واسطة عقد العقل والنقل‪ ،‬ومجمع البحرين بني الرواية واإلجماع‪،‬‬ ‫ولذلك اختلفت اآلراء في اعتباره أصال عقليا أو نقليا‪ ،‬كما اختلفت في تسميته عمال أو إجماعا‪،‬‬ ‫مثله في ذلك مثل التواتر الذي هو مركب من دليل النقل وهو بني‪ ،‬ومن العقل الدال على صدق‬ ‫اجلماعة واستحالة تواطؤها على الكذب‪.‬‬ ‫وسبب اخلالف في حجية عمل أهل املدينة تردده بني النقل واالجتهاد وتوسطه بني الطرفني وشبهه‬ ‫بالناحيتني‪ ،‬فهو من وجه يعتمد آراء أهل العلم باملدينة فيكون أقرب لالجتهاد‪ ،‬فيقول املعترضون إن‬ ‫اجتهاد اﺠﻤﻟتهد ليس بحجة على آخر‪ ،‬وهو من وجه آخر أقرب للرواية ل ُبعد احتمال تغيير العلماء في‬ ‫الدين بعد فترة وجيزة من انتقاله صلى اهلل عليه وسلم إلى الرفيق األعلى‪ ،‬في مهبط الوحي‪،‬‬ ‫ومأوى اإلميان‪ ،‬ومأرز اإلسالم ومقام الرسول صلى اهلل عليه وصحابته األكرمني‪ .‬وهو في احلقيقة‬ ‫أقرب للرواية منه للدليل العقلي االجتهادي وإن اجتمعت فيه الشائبتان‪ ،‬ولهذا نرى أن استدالل‬ ‫‪ -134‬التجديد في أصول الفقه‪ ،‬جميلة بوخامت‪ ،‬ص‪717‬‬ ‫‪ -135‬اجلواهر الثمينة في بيان أدلة عالم املدينة‪ ،‬ص ‪116‬‬ ‫‪ -136‬انظر شرح تنقيح الفصول‪ ،‬ص ‪777‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪243‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫املالكية بالعمل مبني على شبهه بالرواية املتواترة‪ ،‬ويؤيد ذلك أن اإلمام مالكا رحمه اهلل كان يعتبر‬ ‫عمل أهل املدينة وقول الصحابي من شعب السنة‪،‬‬

‫‪137‬‬

‫وأن الذين تتبعوا أدلة اإلمام مالك مثل‬

‫الدكتور عبد الرحمن الشعالن عدوه ضمن أصول اإلمام مالك النقلية‪.‬‬

‫‪138‬‬

‫ومن األئمة من خالف اإلمام مالكا في عمل أهل املدينة ألنه متردد أيضا بني أن يكون إجماعا فال‬ ‫يكون حجة على املسلمني‪ ،‬ألن بعض األمة ليس بحجة على بعض‪ ،‬واملعصوم هو إجماع األمة‬ ‫جميعها ال بعضها‪ ،‬وبني أن يكون رواية أو شبيها بالرواية فيكون حجة على اجلميع التصال السند‬ ‫مبا يشبه التواتر عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬وإذا غلبنا جانب الرواية في العمل يبقى بعد‬ ‫ذلك تردد آخر في العمل كان من أسباب اخلالف فيه وهو وقوع شهرة عمل أهل املدينة بني شيوع‬ ‫املتواتر وفردية اآلحاد‪.‬‬ ‫وبداية التوافق في هذا املقام هو التأكيد على أن عمل أهل املدينة ليس إجماعا‪ ،‬ألن اإلمام مالكا لم‬ ‫يشترط فيه اإلجماع‪ ،‬ولم يسمه باإلجماع‪ 139،‬وأما تسمية بعض األصوليني له بذلك فإمنا هي من‬ ‫باب التجوز أو من باب التشنيع على القائلني به وتسهيل الرد عليهم‪ .‬وبعد نفي ادعاء اإلجماع يبقى‬ ‫تردد العمل بني الرواية بشقيها املتواتر واآلحاد‪ ،‬وبني االجتهاد‪ ،‬وأرى أنه ميكن إحلاقه بالقسم الثالث‬ ‫الذي جعله القرافي بني املتواتر واآلحاد‪ ،‬وميكن التفصيل فيه وإضافة بعض مقتضياته العملية‬ ‫املشتهرة للتواتر‪ ،‬وإضافة بعض مقتضياته إلى اآلحاد‪ ،‬وإضافة بعضه اآلخر إلى االجتهاد‪ ،‬وهو‬ ‫واألقرب‪.‬‬ ‫ومن تعاريف عمل أهل املدينة التي لم تهمل أيا من اجلانبني الباديني فيه‪ ،‬وهما جانب الرواية وجانب‬ ‫االجتهاد؛ تعريف الدكتور نور سيف له بأنه‪ :‬ما نقله أهل املدينة من سنن نقال مستمرا من زمن‬ ‫النبي صلى اهلل عليه وسلم أو ما كان رأيا واستدالال لهم‪ ،‬وفصل في النوعني اصطالحا ومتثيال‪.‬‬

‫‪140‬‬

‫وتعريف الدكتور الشعالن بعد أن انتقد أغلب التعاريف السابقة له بأنه‪ :‬ما اتفق عليه العلماء‬ ‫والفضالء باملدينة كلهم أو أكثرهم في زمن مخصوص سواء أكان سنده نقال أم اجتهادا‪.‬‬

‫‪141‬‬

‫ونستنبط من التعريفني أن عمل أهل املدينة نوعان‪ ،‬يلزم التفريق بينهما‪:‬‬ ‫األول‪ :‬هو عمل أهل املدينة النقلي‪ ،‬وهذا القسم ملحق بالتواتر وال ينبغي أن يخالف فيه مخالف‪،‬‬ ‫وهذا أظهر ما يظهر في العبادات املبنية على التوقيف مثل ما رواه اإلمام مالك عن بن شهاب أنه‬ ‫كان يقول ‪:‬من أدرك من صالة اجلمعة ركعة فليصل إليها أخرى‪ .‬قال ابن شهاب وهي السنة‪ .‬قال‬ ‫‪ -137‬مراعاة اخلالف في املذهب املالكي ‪ ،‬ص ‪37‬‬ ‫‪ -138‬أصول فقه اإلمام مالك النقلية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪1773‬‬ ‫‪ -139‬أصول فقه اإلمام مالك النقلية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ،1757‬وعمل أهل املدينة‪ ، ،‬د‪ .‬أحمد نور سيف‪ ،‬ص ‪ 768‬وما تالها‬ ‫‪ -140‬عمل أهل املدينة بني مصطلحات مالك وآراء األصوليني‪ ،‬ص‪ 173‬و ‪175‬‬ ‫‪ -141‬أصول فقه اإلمام مالك النقلية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪1772‬‬

‫‪244‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫مالك وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا وذلك أن رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم قال من أدرك‬ ‫من الصالة ركعة فقد أدرك الصالة‪.‬‬

‫‪142‬‬

‫والثاني‪ :‬هو العمل االجتهادي وهذا هو محل اخلالف بني اإلمام مالك وجمهور العلماء‪ 143.‬ومثاله قول‬ ‫مالك رحمه اهلل‪ :‬وإن تزوجت (امرأة املفقود) بعد انقضاء عدتها فدخل بها زوجها أو لم يدخل بها فال‬ ‫سبيل لزوجها األول إليها‪ 144.‬ومبا أن األئمة يخالفون مالكا رحمه اهلل في هذا األصل فقد خالفوه في‬ ‫كل ما بني عليه إال إذا ثبت لديهم بأدلة وبراهني غير العمل‪.‬‬ ‫ومن املؤكد أن اإلمام القرافي رحمه اهلل قد تأثر بأصول اإلمام مالك عموما في تعامله مع العقل‬ ‫والنقل وكيفية اجلمع بينهما‪ ،‬وتأثر بعمل أهل املدينة تأثرا خاصا بحكم موقعه بني الطرفني؛ العقل‬ ‫والنقل وتردده بني أن يكون إجماعا أو شبه إجماع وبني أن يكون رواية أو شبه رواية‪ ،‬وتأثر به مرة أخرى‬ ‫من حيث اﶈتوى ألن من ميزة عمل أهل املدنية أن يراعي التداخل والتشابه بني املتقابالت‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫على سبيل املثال حكم املستحاضة من حيث االغتسال والوضوء‪ ،‬فإنها أشبهت احلائض من وجه‪،‬‬ ‫وأشبهت أصحاب األحداث الصغرى من وجه‪ ،‬فاعتمد فيها مالك على ما رواه عن هشام بن عروة عن‬ ‫أبيه عن عائشة زوج النبي صلى اهلل عليه وسلم أنها قالت‪ :‬قالت فاطمة بنت أبي حبيش‪ :‬يا رسول‬ ‫اهلل إني ال أطهر‪ ،‬فقال لها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬إمنا ذلك عرق وليس باحليضة‪ ،‬فإذا‬ ‫أقبلت احليضة فاتركي الصالة‪ ،‬فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي"‪ 145‬واعتمد اإلمام مالك‬ ‫في تفسير هذا احلديث على عمل أهل املدينة وقال‪ :‬األمر عندنا في املستحاضة على حديث هشام‬ ‫بن عروة عن أبيه وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك‪.‬‬

‫‪146‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مراعاة اخلالف‬ ‫يقترب أصل مراعاة اخلالف عند مالك من موضوع التقابل والتداخل لدرجة ميكن أن نعتبره من أهم‬ ‫أصوله النظرية‪ .‬ومراعاة اخلالف أصل أصيل من أصول اإلمام مالك رحمه اهلل ينبني عليه كثير من‬ ‫آرائه وفتاويه‪ ،‬ولذا عده عادون من أصوله‪ ،‬وسكت عنه عادون‪ ،‬وال أرى سكوتهم نفيا لألصل وإمنا‬ ‫إلشكال في تسميته أو تصوره‪ ،‬وعده آخرون بشرط كون اخلالف قوي املأخذ ألنهم ملا تتبعوا آراء‬ ‫اإلمام مالك وجدوا أنه تارة يراعي اخلالف وتارة ال يعتبره‪ ،‬وجمعوا بني املوقفني بأن مالكا لم يكن‬

‫‪ - 142‬موطأ اإلمام مالك‪ ،‬رواية يحيى بن يحيى الليثي‪ ،‬رقم ‪ ،278‬ج‪ ،1‬ص ‪175‬‬ ‫‪ -143‬أصول فقه اإلمام مالك النقلية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪1757-1757‬‬ ‫‪ -144‬موطأ اإلمام مالك‪ ،‬رواية يحيى بن يحيى الليثي‪ ،‬رقم ‪ ،1115‬ج‪ ،2‬ص ‪( 535‬الشاملة)‬ ‫‪ -145‬موطأ اإلمام مالك‪ ،‬رواية يحيى بن يحيى الليثي‪ ،‬رقم ‪ ،175‬ج‪ ،1‬ص ‪( 61‬الشاملة)‬ ‫‪ -146‬موطأ اإلمام مالك‪ ،‬رواية يحيى بن يحيى الليثي‪ ،‬رقم ‪ ،171‬ج‪ ،1‬ص ‪( 61‬الشاملة)‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪245‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬ ‫يراعي من اخلالف إال ما قوي مأخذه‪ 147‬أو ترجح عنده‪ ،‬وأما ما لم يقو مأخذه أو لم يترجح عنده فإنه‬ ‫لم يراعه‪.‬‬

‫‪148‬‬

‫ورغم هذا اخلالف النظري فقد خرّج أتباع اإلمام مالك على مراعاة اخلالف عشرات الفروع في‬ ‫العبادات‪ ،‬مثل اإلعادة في الوقت دون احلكم ببطالن الصالة إذا صلى املرء خلف املبتدع‪ .‬وفي الزواج‬ ‫مثل ترتيب بعض اآلثار على النكاح بغير ولي‪ ،‬وعليه بني الضابط‪ :‬كل نكاح فاسد اختلف فيه فإنه‬ ‫يثبت به امليراث‪.‬‬

‫‪149‬‬

‫وفي البيوع كاحلكم بتصحيح اجتماع بيع وصرف في أكثر من دينار بشرط‬

‫الفوت‪ ،‬وكل ذلك كما يقول املالكية إمنا جاء مراعاة خلالف أصحاب املذاهب األخرى‪.‬‬

‫‪150‬‬

‫وقد وقع إشكال في تصور حقيقة مراعاة اخلالف دعا اإلمام الشاطبي ـ وهو من هو في أصول‬ ‫الشريعة وفروعها ـ إلى أن يستكتب علماء عصره في بيان حقيقة مراعاة اخلالف‪ ،‬وعالم يبنى‪ ،‬ألن‬ ‫الدليل هو املتبع ومتى رجح وجب العمل به‪ ،‬ومراعاة اخلالف ظاهرها إهمال الراجح وإعمال املرجوح أو‬ ‫اجلمع بني املتنافيني؟! وتلقى أجوبة منها األقرب ومنها األبعد ومنها اجلواب الذي تلقاه من القباب‬ ‫وهو أن اجلمع املمنوع هو منع التنزيه ال منع التحرمي‪ ،‬أو أن الراجح يتحول مرجوحا بعد الوقوع ألدلة‬ ‫أخرى خارجية‪.‬‬

‫‪151‬‬

‫واحلﻖ أن مراعاة اخلالف هي في حقيقة األمر مراعاة لدليل اﺨﻤﻟالف ال لرأيه اﺠﻤﻟرد بدليل تعريفها بأنها‬ ‫"إعمال دليل في الزم مدلوله الذي أعمل في نقيضه دليل آخر"‪ 152‬وال غضاضة أن يرجح الدليل من‬ ‫وجه ويرجح ضده أو نقيضه من وجه آخر‪ ،‬وليس من املستحيل عقال وال شرعا أن يجتمع النقيضان‬ ‫إذا كان ذلك من جهتني مختلفتني أو في زمانني منفصلني‪.‬‬ ‫ومراعاة اخلالف أيضا مراعاة للمصلحة التي بنى عليها املفتي فتواه ال اعتبارا ﺠﻤﻟرد قوله‪ ،‬وال أدل على‬ ‫ذلك من اشتراطهم الوقوع فتكون مراعاة اخلالف أيضا مراعاة للمشقة في رفع أمر واقع وجتاهله‬ ‫وعدم اعتباره‪ 153.‬وبهذا تكون داللة مصطلح مراعاة اخلالف أعم بكثير من االسم الدال عليها‪ ،‬فهي‬ ‫وجه من وجوه التراجيح بني األدلة‪ ،‬وباب من أبواب باالستصالح ومراعاة احلاجات‪ ،‬ومدرك من مدركات‬ ‫االستحسان‪.‬‬

‫‪154‬‬

‫‪ -147‬مراعاة اخلالف في املذهب املالكي وعالقتها ببعض أصول املذهب وقواعده‪ ،‬ص ‪35‬و‪38‬‬ ‫‪ -148‬االعتصام‪ ،‬الشاطبي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪735‬‬ ‫‪ -149‬املوافقات للشاطبي‪،‬ج‪ ،5‬ص ‪173‬‬ ‫‪ -150‬مراعاة اخلالف في املذهب املالكي وعالقتها ببعض أصول املذهب وقواعده‪ ،‬ص ‪ 768‬وما بعدها‬ ‫‪ -151‬االعتصام‪ ،‬الشاطبي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ 736‬واملوافقات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪178‬‬ ‫‪ -152‬نسب محمد األمني الشيخ هذا التعريف البن عرفة ولم أمتكن من االطالع عليه فيه‪ ،‬مراعاة اخلالف في املذهب املالكي وعالقتها‬ ‫ببعض أصول املذهب وقواعده‪ ،‬ص‪11‬‬ ‫‪ -153‬االعتصام للشاطبي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ 736‬مراعاة اخلالف في املذهب املالكي وعالقتها ببعض أصول املذهب وقواعده‪ ،‬ص‪11‬‬ ‫‪ -154‬االعتصام‪ ،‬الشاطبي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪735‬‬

‫‪246‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫وهي أيضا مراعاة للتداخل واالشتباه الذي هو واقع بني األدلة في ذهن اﺠﻤﻟتهد وبني القضايا في‬ ‫الواقع‪ ،‬فيراعي مالك التمحض فيعطيه حكما محضا‪ ،‬ونقطة التداخل فيعطيها حكما جامعا بني‬ ‫األصول‪ .‬وال أظن أن اإلمام مالك وهو إمام اﺠﻤﻟتهدين كان ينتظر رأي مجتهد آخر ليبني عليه اجتهاده‬ ‫إذ في ذلك نوع من تقليد اﺠﻤﻟتهد لﻐيره وهو من اﶈظورات األصولية‪ ،‬ورﲟا يﺆدي إلى نوع من التلفيق‬ ‫بني اآلراء واملذاهب‪ .‬ومما يدل على ذلك أن بعض القضايا التي يقال إن مالكا أفتى فيها مراعاة للخالف‬ ‫من اﶈتمل جدا أنه أفتى فيها قبل غيره‪ ،‬ومن االستحالة ﲟكان تأكيد تواريخ الفتاوى حتى نعرف من‬ ‫الذي راعى ومن الذي سبق؟‬ ‫وقد بنى اإلمام مالك رحمه اهلل كثيرا من فقهه على التوسط واجلمع بني األدلة ومراعاة املتقابالت‪،‬‬ ‫وذلك مثل اجلمع بني قضاء األقوال وبناء األفعال بالنسبة للمسبوق في الصالة‪ ،‬قال الشيخ خليل‪:‬‬ ‫"وقضى القول وبنى الفعل" أي يفعل الفعل كفعل الباني املصلي وحده‪.‬‬

‫‪155‬‬

‫فليس األمر مجرد‬

‫مراعاة ألقوال املذاهب القائلة بأن ما أدركه اإلمام أول أو آخر صالته‪ ،‬بل مراعاة لروايتي احلديث‪( :‬وما‬ ‫فاتكم فأمتوا)‪ 156‬ورواية (وما فاتكم فاقضوا)‪ 157‬ومراعاة أيضا للواقع الذي فيه تداخل بني آخر صالة‬ ‫اإلمام وأول صالة املأموم‪ ،‬وال خيار إال بترجيح أحدهما على اآلخر أو اجلمع بينهما حتى ولو لم يرد‬ ‫خالف في املسألة‪ ،‬أو ورد ولكن قدرنا فتوى اإلمام مالك فيها قبل غيره‪.‬‬ ‫الفقرة الثالثة‪ :‬غلبة األشباه‬ ‫أقرب أبواب أصول الفقه إلى هذه النظرية هو قياس الشبه‪ ،‬وقد اختلف األصوليون في تفسيره‬ ‫وتعريفه اختالفا كثيرا‪ ،‬ومن التعاريف ما يرجعه إلى شبه واحد وهذا يخرجه عن دائرة البحث هنا‪،‬‬ ‫ألن احلكم إذ ذاك يكون مبنيا على شبه أو أشباه بطرف واحد‪ ،‬ومنها ما يرجعه إلى أشباه متعددة‬ ‫وهذا يقربه إلى موضوعنا ويجعل قياس الشبه نوعا من أنواع التداخل ألن فيه ترددا بني أكثر من‬ ‫طرف‪ .‬ومن أكثر تعاريف قياس الشبه صلة بباب التقابل أنه "تردد الفرع بني أصلني حاظر ومبيح‬ ‫ويكون شبهه بأحدهما أكثر‪".‬‬

‫‪158‬‬

‫غير أن صياغة هذا التعريف ال تخلو من مالحظات أهمها‪:‬‬ ‫ـ أنه اقتصر على أصلني واألصول قد تكون أكثر من ذلك‪.‬‬ ‫ـ أنه اقتصر في األحكام على احلظر واإلباحة‪ ،‬والتردد احتماالته أكثر من ذلك‪ ،‬مثل التردد بني احلظر‬ ‫والكراهة‪ ،‬والوجوب والندب‪ ،‬والكراهة والندب‪ ،‬بل قد يكون التردد بني أحكام الشرع اخلمسة في وقت‬ ‫واحد‪.‬‬ ‫‪ -155‬حاشية الدسوقي على شرح مختصر خليل‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪( 776‬الشاملة)‬ ‫‪ -156‬صحيح البخاري‪ ،‬رقم ‪ ،511‬ج‪ ،7‬ص ‪( 17‬الشاملة) وصحيح مسلم رقم ‪ ،177‬ج‪( 261 ،7‬الشاملة)‬ ‫‪ -157‬سنن النسائي‪ ،‬رقم ‪ ،852‬ج‪( 786 ،7‬الشاملة)‬ ‫‪ -158‬روضة الناظر‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪226-225‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪247‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫ـ أنه حكم على املتردد باإلحلاق الكلي بأحد األصلني وهذا قد يكون‪ ،‬إال أنه في بعض األحيان ال يلحق‬ ‫بأي منها بإطالق بل يلحق بأحدها من وجه ويلحق باآلخر من وجه آخر غيره‪.‬‬ ‫وأقرب أنواع قياس الشبه إلى هذه النظرية هو القياس املسمى بقياس غلبة األشباه‪ ،‬والصحيح أنه‬ ‫ليس قسيما لقياس الشبه ألنه ال يخرج عن احتمالني‪ ،‬فإما أن يكون جزءا منه بناء على قول من‬ ‫جعله شامال ألنواع األشباه سواء كانت بطرف واحد أو بأطراف متعددة‪ ،‬وإما أن يكون هو هو‬ ‫فينطبق على قياس غلبة األشباه تعريف قياس الشبه السابق‪ ،‬وذلك بناء على تعريف من ميز‬ ‫االثنني بخاصية وجود أكثر من شبه بأكثر من طرف‪.‬‬

‫‪159‬‬

‫ويدل على األخير تعريف قياس غلبة األشباه تعريفا ال يخرج قيد أمنلة عن تعريف قياس الشبه‬ ‫السابق‪ ،‬وهو أنه‪" :‬ما اجتمع فيه مناطان مختلفان حلكمني ال على سبيل الكمال لكن أحدهما‬ ‫أغلب من اآلخر فاحلكم به حكم باألشبه‪ ،‬ومثاله اللعان املتردد بني الشهادة واليمني‪ 160.‬وتعريفه بأنه‬ ‫"إحلاق فرع متردد بني أصلني بأحدهما الغالب شبهه به في احلكم والصفة على شبهه باآلخر‬ ‫فيهما‪".‬‬

‫‪161‬‬

‫ويالحظ على هذين التعريفني ما لوحظ في سابقهما‪ ،‬وأن هذا املعرف ليس من قياس الشبه‬ ‫اجملتلف فيه‪ ،‬ألنك إذا غلبت أحد املناطني فقد ظهرت لك املصلحة املالزمة له وأصبح احلكم به‬ ‫واجبا‪ ،‬وكأن األمر ال يعدو أن يكون ترجيحا ألحد املناطني على اآلخر وهذا ال يخرجه عن قياس‬ ‫العلة‪،‬‬

‫‪162‬‬

‫كما أن هذا التعريف مثل سابقيه ال ينطبق على املعرف إال عند ترجيح أحد الشبهني‪ ،‬أما‬

‫حالتا التردد والتوقف‪ ،‬أو مراعاتهما معا بوجه ما فال ينطبق عليهما التعريفان‪.‬‬ ‫وهذه األحوال هي التي نبه عليها أبو احلسني البصري عند ما قال إن من شرط قياس غلبة األشباه أن‬ ‫يعارض الشب َه شبهٌ يساويه في القوة ويخفى فضل قوة أحدهما على اآلخر‪ 163.‬وهذا هو األقرب إلى‬ ‫الفقه واألقرب إلى هذه النظرية محل البحث ألنه في حال ترجح أحد األشباه وإلغاء اآلخر ال تنازع وال‬ ‫خالف‪.‬‬ ‫وليس الفصل في غلبة األشباه باألمر الهني‪ ،‬فهي من جهة حصرها معضلة‪ ،‬ألنها قد تتعدد وما‬ ‫من شيئني في الدنيا إال وبينهما أشباه تكثر وتقل وتزيد وتنقص وتعرف وتغيب عن املالحظة‪،‬‬ ‫فيختلف اﺠﻤﻟتهدون والعلماء وكل يقيس بناء على ما الحظ ورأى‪ .‬وقد أشار ابن قدامة إلى إشكال‬ ‫العدد عندما قال في هذا النوع من القياس‪" :‬كأن يشبه املبيح في ثالثة أوصاف ويشبه احلاظر في‬ ‫‪ -159‬مذكرة أصول الفقه‪ ،‬الشنقيطي‪ ،‬ص ‪712‬‬ ‫‪ -160‬قياس الشبه عند األصوليني‪ ،‬اﺠﻤﻟلة العلمية ﳉامعة امللك فيصل )العلوﻡ اإلنسانية( اﺠﻤﻟلد الرابع‪ ،‬العدد الثاني‪ ،2777-1727 ،‬ص ‪6‬‬ ‫‪ -161‬نشر البنود على مراقي السعود‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪138‬‬ ‫‪ -162‬قياس الشبه عند األصوليني‪ ،‬ص ‪6‬‬ ‫‪ -163‬املعتمد‪ ،‬أبو احلسني البصري‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪877‬‬

‫‪248‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬ ‫أربعة فنلحقه بأشبههما‪ 164".‬وهي من جهة نوعها مشكلة ألن األشباه أوصاف واألوصاف واألشباه‬ ‫منها القريب ومنها البعيد ومنها املتوسط فيختلف العلماء تبعا الختالف درجات األشباه‪.‬‬ ‫واحلكم في األشباه أن تراعى كلها إن أمكن ذلك مثلما يجمع بني األدلة ويعمل بها جمعاء ‪ ،‬وذلك‬ ‫بأن يش ّبه محل احلكم بأحد الشبهني بأحد األصلني وبالشبه اآلخر يش ّبه باألصل اآلخر‪ ،‬وذلك إذا تردد‬ ‫املشبه بني أصلني‪،‬‬

‫‪165‬‬

‫وأما إن رجع املشبه إلى أصل واحد فقد يكون الفرع اثنني وقد يكون واحدا فإن‬

‫كانا اثنني فانه يكون كل واحد منهما يشبه األصل بأحد الشبهني دون اآلخر كاألرز واجلص أحدهما‬ ‫يشبه البر من حيث كان مكيال‪ ،‬واآلخر يشبهه من حيث كان مأكوال‪ ،‬وأما إذا كان الفرع واحدا‬ ‫فكاألرز املشبه للبر من حيث كان مأكوال ومن حيث كان مكيال ومن حيث كان مقتاتا فيقع النظر‬ ‫في أي هذه الوجوه هي علة احلكم فما لم تدل عليه أمارة قضي بفساده وما تساوى في داللة‬ ‫األمارات عليه عدل فيه إلى الترجيح‪ 166 ،‬وهو ممكن في أغلب الصور‪ ،‬ولو تعذر ترجيح أحد الشبهني‬ ‫في بعضها فلن يتعذر ترجيح القول القائل مبراعاتهما كما "ذهب ذاهبون إلى أن ما جتاذبه أصالن‬ ‫وتعارض في إحلاقه بأحدهما نظر النظار فمن متكن من توفير شبهي األصلني كان مسلكه مرجحا‪،‬‬ ‫ومثلوا لذلك بالقول في ميني اللجاج والغضب فإنها بني النذر الذي يوجب الوفاء وبني اليمني التي‬ ‫توجب الكفارة‪ ،‬فمن خير بني الوفاء والكفارة كان مسلكه مرجحا من جهة توفير شبهي‬ ‫األصلني"‪.‬‬

‫‪167‬‬

‫أما أن تصل األشباه واألمارات إلى درجة التعادل فهي مسألة في غاية الندرة وفيها تفصيل؛ وهو أن‬ ‫ذلك ميتنع في األدلة العقلية ألنه يلزم منه حصول النقيضني مثل حدوث العالم وعدم حدوثه‬

‫‪168‬‬

‫وأما في األمارات الظنية‪ ،‬وهي التي نحن فيها في هذا البحث؛ فذهب أحمد بن حنبل والكرخي إلى‬ ‫املنع من تعادل األمارات‪ ،‬وذهب اجلمهور‪ 169‬ومنهم القاضي أبو بكر واجلبائي إلى جوازه‪ ،‬قال اآلمدي‪:‬‬ ‫وهو اجملتار بدليل أن ذلك ال تلزم عنه استحالة عقلية‪.‬‬

‫‪170‬‬

‫ويبقى بعد القول بجواز التعادل السؤال عن طريقة التعامل مع هذه احلالة وكيف يجب أن يكون‬ ‫احلكم مع األمارتني املتعادلتني‪ ،‬هل يعمل بهما أو بواحدة منهما أو ال يعمل بأي منهما؟ وكل ذلك‬ ‫محال أو يؤدي إلى محال‪ .‬واجلواب مبنع احلصر فيما ذكر‪ ،‬إذ قد ميكن قسم رابع وهو العمل‬ ‫مبجموعهما بأن يكونا كالدليل الواحد ومقتضاهما الوقف أو التخيير‪ .‬ولم يصرح اآلمدي في عرضه‬ ‫‪ -164‬روضة الناظر‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪226‬‬ ‫‪ -165‬املعتمد‪ ،‬أبو احلسني البصري‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪218‬‬ ‫‪ -166‬املعتمد‪ ،‬أبو احلسني البصري‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪218‬‬ ‫‪ -167‬البرهان‪ ،‬اجلويني‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ 1233‬مسألة ‪1782‬‬ ‫‪ -168‬اإلحكام‪ ،‬اآلمدي‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪ 278‬وما تالها‬ ‫‪ -169‬مختصر ابن احلاجب مع بيانه‪ ،‬ج‪721 ،7‬‬ ‫‪ -170‬اإلحكام‪ ،‬اآلمدي‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪ 278‬وما تالها‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪249‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫للمسألة بالعمل بكل من األمارتني من وجه على سبيل اجلمع إال أنه أشار إليه عندما ذكر أن ذلك ال‬ ‫يستحيل إال إذا كان اﶈكوم عليه واحدا‪.‬‬

‫‪171‬‬

‫قال صاحب نظم في مراقي السعود مبينا الناحيتني للشبه وملخصا أحكام غلبة األشباه‪:‬‬

‫‪172‬‬

‫والشبه واملستلزم املناسبا * مثل الوضو يستلزم التقربا‬ ‫مع اعتبار جنسه القريب * في مثله للحكم ال الغريب‬ ‫صالحه لم يدر دون الشرع * ولم ينط مناسب بالسمع‬ ‫وحيثما أمكن قيس العلة * فتركه باالتفاق أثبت‬ ‫إال ففي قبوله تردد * غلبة األشباه هو األجود‬ ‫في احلكم والصفة ثم احلكم * فصفة فقط لدى ذي العلم‬ ‫وابن علية يرى للصوري * كالقيس للخيل على احلمير‬ ‫وال شك أن قياس الشبه املبني على تعدد األمارات وهو قياس غلبة األشباه من أقوى‪ 173‬أو هو أقوى‬ ‫القياسات املبنية على الشبه‪،‬‬

‫‪174‬‬

‫إال أن ذلك لم يحل دون اخلالف فيه‪ ،‬وأكثر األصوليني وجمهور‬

‫املالكية والشافعية واحلنابلة على قبوله ألنه يثير ظنا للحكم‪ 175،‬إال أنهم شرطوا العتباره شروطا‬ ‫منها ما يبعده عن قاعدة التقابل وهو تعذر قياس العلة‪ ،‬ومنها ما يقربه إلى أصلنا وهو أن يجذب‬ ‫الفرع أصالن فأكثر‪.‬‬

‫‪176‬‬

‫وهو رواية عن أحمد‪.‬‬

‫وقيل إن قياس غلبة األشباه باطل بكل أشكاله وذهب إليه معظم احلنفية‬

‫‪177‬‬

‫ومبا أن لهذا النوع من القياس أنواعا كثيرة جند منها ما اتفق عليه األئمة القائلون بقياس الشبه‪،‬‬ ‫وجند منها ما اختلفوا فيه‪ ،‬تبعا لنوع الشبه وهل هو في احلكم والصفة واخلاصية والصورة وما يظن‬ ‫أنه علة للحكم من املشابهة‪ 178،‬كما اختلفوا أيضا في الترجيح بني األشباه إن تعددت‪ ،‬والراجح أنه‬ ‫يقدم احلكم ثم الصفة وقيل ال فرق بينهما‪ ،‬وقيل يعتبر أكثرها دون تفصيل‪.‬‬

‫‪179‬‬

‫ويالحظ أن قياس غلبة األشباه قياس شافعي بامتياز‪ ،‬فالذي سماه باسمه هو اإلمام الشافعي‪،‬‬

‫‪180‬‬

‫وقد قال اإلمام الغزالي بعد أن عرض تقسيم األعمال إلى حق محض هلل وحق محض لآلدمي‬ ‫‪ -171‬اإلحكام‪ ،‬اآلمدي‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪ 278‬وما تالها‬ ‫‪ -172‬نشر البنود على مراقي السعود‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪138-137‬‬ ‫‪ -173‬مذكرة اصول الفقه‪ ،‬الشنقيطي‪ ،‬ص ‪712‬‬ ‫‪ -174‬نشر البنود‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪138‬‬ ‫‪ -175‬مذكرة أصول الفقه‪ ،‬الشنقيطي‪ ،‬ص ‪ 717‬وقياس الشبه عند األصوليني‪ ،‬ص ‪16‬‬ ‫‪ -176‬قياس الشبه عند األصوليني‪ ،‬ص ‪71-78‬‬ ‫‪ -177‬قياس الشبه عند األصوليني‪ ،‬ص ‪13‬‬ ‫‪ -178‬قياس الشبه عند األصوليني‪ ،‬ص ‪77‬‬ ‫‪ -179‬قياس الشبه عند األصوليني‪ ،‬ص ‪72-71‬‬ ‫‪ -180‬اﶈصول‪ ،‬الرازي‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪272‬‬

‫‪250‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬ ‫ومركب بينهما‪ ،‬قال‪ :‬ولم ينتبه له غير الشافعي‪ 181.‬كما أن أكثر األصوليني ذكرا له هم الشافعية‪،‬‬ ‫وأكثر الفقهاء اعتمادا عليه هم فقهاء املذهب الشافعي‪ ،‬ولذا جند الكثير من أمثلته أمثلة مبنية‬ ‫على الفقه الشافعي مثل احلكم بطهارة املذي تشبيها باملني أو بنجاسته تشبيها له‬ ‫بالبول‪182،‬ومثل استثناء حتية املسجد من النهي عن النفل في أوقات النهي‪ ،‬بناء على أن النهي عن‬ ‫الصالة في األوقات املنهي عنها‪ ،‬يحتمل معنيني‪ :‬أحدهما‪ :‬أن تكون الصلوات كلها فرضها ونفلها‪،‬‬ ‫واآلخر‪ :‬أن يكون أراد بعض الصالة دون بعض‪ .‬فوجدنا الصالة تتفرق بوجهني‪ :‬أحدهما‪ :‬ما وجب منها‬ ‫فلم يكن ملسلم تركه في وقته ولو تركه كان عليه قضاؤه‪ .‬واآلخر ما تقرب إلى اهلل بالتنفل فيه وقد‬ ‫كان للمتنفل تركه بال قضاء‪183.‬ورمبا كان اهتمام القرافي اجلم به وتفريعه الكثير عليه مظهرا من‬ ‫مظاهر تأثره مبذهب شيخه اجلليل العز بن عبد السالم رحمه اهلل‪.‬‬ ‫ومع ذلك فقد وجد هذا املعنى عند أصوليي املذاهب األخرى مستخدمني املصطلح نفسه أحيانا‪،‬‬ ‫ومستخدمني مصطلحات تؤدي معنى غلبة األشباه وإن سموه باسم غير اسمه‪ ،‬ومن ذلك تعريف‬ ‫اجلصاص االستحسان بأنه ترك القياس إلى ما هو أولى منه‪ ،‬وبيانه أنه على وجهني‪ ،‬أولهما مطابق‬ ‫لقياس غلبة األشباه وهو‪ :‬أن يكون فرع يتجاذبه أصالن يأخذ الشبه من كل واحد منهما‪ ،‬فيجب‬ ‫إحلاقه بأحدهما دون اآلخر لداللة توجبه‪ ،‬وثانيهما خارج عن موضوع األشباه وهو‪ :‬تخصيص احلكم‬ ‫مع وجود العلة وذلك قد يكون بالنص أو األثر أو اإلجماع أو بقياس آخر أو بعمل آخر‪.‬‬

‫‪184‬‬

‫وقد استدل القائلون بقياس الشبه وغلبة األشباه بأدلة نصية ال حتمل إال شبها واحدا مبشبه واحد‬ ‫باستثناء أحاديث القيافة مثل حديث سهل بن سعد وفيه قول النبي صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬فإن‬ ‫جاءت به أسحم أدعج العينني عظيم االليتني خدلج الساقني فال أحسب عوميرا إال قد صدق عليها‪،‬‬ ‫وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فال أحسب عوميرا إال قد كذب عليها‪).‬‬

‫‪185‬‬

‫ومنها حديث عائشة رضي اهلل عنها أن عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد أن ابن وليدة زمعة‬ ‫مني فاقبضه إليك فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقام عبد بن زمعة فقال‪ :‬أخي وابن وليدة أبي‬ ‫ولد على فراشه فتساوقا للنبي صلى اهلل عليه وسلم فقال‪( :‬هو لك يا عبد بن زمعة‪ .‬الولد للفراش‬ ‫وللعاهر احلجر) ثم قال لسودة بنت زمعة‪( :‬واحتجبي منه) ملا رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى‬ ‫لقي اهلل‪.‬‬

‫‪186‬‬

‫‪ -181‬إحياء علوم الدين‪ ،‬اإلمام الغزالي‪ ،‬م‪ ،1‬ج‪ ،2‬ص ‪117‬‬ ‫‪ -182‬نزهة اخلاطر العاطر شرح روضة الناظر‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪226‬‬ ‫‪ -183‬الرسالة‪ ،‬اإلمام الشافعي‪ ،‬ط‪ .‬املنتدى اإلسالمي‪ ،‬الشارقة‪ ،2711 ،1 ،‬ص ‪183-186‬‬ ‫‪ - 184‬أصول اجلصاص‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪ ،277‬عن‪ :‬منهج التعليل باحلكمة وأثره في التشريع اإلسالمي‪ ،‬ص ‪751‬‬ ‫‪ -185‬صحيح البخاري‪ ،‬رقم ‪ ،7736‬ج‪ ،17‬ص ‪( 712‬الشاملة)‬ ‫‪ -186‬صحيح البخاري‪ ،‬رقم ‪ ،1112‬ج‪ ،3‬ص ‪( 275‬الشاملة)‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪251‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫فقد بني النبي صلى اهلل عليه وسلم في هذين احلديثني أن النظر في األشباه أمر سائغ ومعتبر‪ ،‬وأن‬ ‫األحكام تبنى عليها ما لم يدفعها ما هو أقوى منها‪ ،‬ولذا اعتبر الشبه في قضية االحتجاب ولم‬ ‫يعتبره في النسب وفي احلد‪ 187.‬وهذا من أقوى الردود على نفاة القياس الذين تعلقوا بتعارض العلل‬ ‫واألقيسة‪ ،‬مثل منع الكالم في األذان قياسا على الصالة مع جوازه بال طهارة خالفا لها‪ ،‬ومثل اخلالف‬ ‫في زكاة مال الصغير الختالف األقيسة‪ 188..‬واجلواب أن األقيسة تختلف كما تختلف كل األدلة ولها‬ ‫مرجحات كثيرة معروفة‪ ،‬إال أن األمر هنا أدق من الترجيح وهو اجلمع بني هذه األقيسة بإعطاء كل‬ ‫منها ما يستحق‪.‬‬ ‫وموقع قياس الشبه في هذه النظرية ال يخلو من طرافة ألنه هو نفسه تنطبق عليه نظرية‬ ‫التداخل وتقابل األشباه‪ ،‬قال الشنقيطي معلقا على تعريف قياس الشبه السابق‪" :‬هذا املسلك‬ ‫من مسالك العلة هو أصعبها وأدقها فهما كما صرح به األصوليون وحدوه بحدود مختلفة غالبها‬ ‫يرجع إلى أن الوصف في قياس الشبه مرتبة بني الطردي واملناسب‪ ،‬فمن حيث إنه لم تتحقق فيه‬ ‫املناسبة أشبه الطردي‪ ،‬ومن حيث إنه لم يتحقق فيه انتفاؤها أشبه املناسب ولذا سمي شبها"‬

‫‪189‬‬

‫وذلك أن األوصاف تنقسم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫ـ قسم يعلم اشتماله على املناسبة كاإلسكار‪ ،‬وقياسه هو قياس العلة‪.‬‬ ‫ـ وقسم ال تتوهم فيه مناسبة كالطول والقصر‪.‬‬ ‫وقسم بني القسمني األولني وهو ما يتوهم اشتماله على املصلحة ويظن أنه مظنتها من غير اطالع‬ ‫على عني املصلحة مع عهدنا اعتبار الشرع له في بعض األحكام‪ ،‬كاجلمع بني مسح الرأس ومسح‬ ‫اخلف في نفي التكرار بجامع كونه مسحا‪ ،‬واجلمع بينه وبني األعضاء املغسولة في التكرار بكونه‬ ‫عضوا من أعضاء الوضوء كالوجه‪.‬‬

‫‪190‬‬

‫بل إن األشباه ودرجاتها أيضا تتجاذبها األصول‪ ،‬ونقل الزركشي عن بعض أصوليي الشافعية أن‬ ‫قياس الشبه ينقسم إل قياس حتقيق يكون الشبه في أحكامه‪ ،‬وقياس تقريب يكون الشبه في‬ ‫أوصافه‪ ،‬وجعل األشباه ثالثة تنطبق عليها نظرية التقابل والتداخل وهي‪:‬‬

‫‪191‬‬

‫ـ ما حكم فيه بالتحرمي وله وصفان‪.‬‬ ‫ـ وما حكم فيه بالتحليل وله وصف واحد‪.‬‬

‫‪ -187‬قياس الشبه عند األصوليني‪ ،‬ص ‪77‬‬ ‫‪ -188‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪ 1713‬وما تالها‬ ‫‪ -189‬مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر‪ ،‬ص ‪712‬‬ ‫‪ -190‬مذكرة أصول الفقه‪ ،‬الشنقيطي‪ ،‬ص ‪717‬‬ ‫‪ -191‬البحر اﶈيﻂ‪ ،‬الزركشي‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪72‬‬

‫‪252‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫ـ وواسطة بينهما لم يحكم فيه بشيء‪ ،‬فإن تردد بينهما كان رده إلى أشبههما أولى من رده إلى‬ ‫أبعدهما‪.‬‬ ‫وقد أثمر هذا النوع من القياس قواعد فقهية منها املتفق عليه ومنها اجملتلف فيه‪ ،‬مثل قواعد‬ ‫تعارض األصلني وتعارض الظاهرين وتعارض الظاهر مع األصل وأي ذلك يقدم؟ ومثل قاعدة‪" :‬إذا‬ ‫تعارض أصالن عمل باألرجح منهما"‪ ،‬ومثل قاعدة‪" :‬إذا تعارض أصالن أخذنا باألحوط منهما"‪ 192،‬وهي‬ ‫قواعد ال تختلف في أساسها عن قياس غلبة األشباه‪ ،‬ومما يدل على ذلك أن األدلة التي يستدل بها‬ ‫املستدلون على غلبة األشباه هي األدلة نفسها التي يستدل بها املستدلون على قواعد تعارض‬ ‫األصل والظاهر‪ ،‬مثل قوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬الولد للفراش وللعاهر احلجر واحتجبي منه يا‬ ‫سودة)‪.‬‬

‫‪193‬‬

‫ومما يؤكد اهتمام املذهب الشافعي وأئمته بقياس غلبة األشباه وما أشبهه‪ ،‬أن هذه القواعد املبنية‬ ‫عليه منها ما ينسب إلى أئمة الشافعية مثل قولهم‪ :‬إذا تعارض أصالن جرى فيهما قوالن غالبا أو‬ ‫وجهان‪،‬‬

‫‪194‬‬

‫والقوالن في حال االختالف احلقيقي‪ ،‬والوجهان يكونان في حال االختالف الظاهري الذي‬

‫ميكن معه إعمال األصلني كما سلف‪ .‬وقاعدة ذلك أن "األصلني إذا تعارضا في لوازمهما فقد يعطى‬ ‫كل أصل حكمه وإن تناقضا‪ ،‬وقد يعبر عن ذلك بأن اختالف اللوازم قد ال يؤثر في اختالف امللزومات"‬

‫‪195‬‬

‫وبعبارة أخرى‪ :‬قد يتعارض أصالن وال يتقدم أحدهما على اآلخر بل يعمل بكل منهما‪ 196،‬وهذا عني‬ ‫التداخل‪.‬‬ ‫وعلى هذا القياس وهذه القواعد بنى بعﺾ اﶈققني جميع مسائل االتفاق واﳋالف دون استثناء؛ فقد‬ ‫أرجع اإلمام الشاطبي األحكام كلها وأفعال املكلف إلى هذه قاعدة التقابل والتضاد‪ ،‬والتداخل‬ ‫والتشابه‪ ،‬ألن األحكام إما أن يظهر فيها قصد الشارع في النفي أو اإلثبات‪ ،‬فإن ظهر فبها ونعمت‪،‬‬ ‫وإن لم يظهر فهو املتشابه‪ ،‬أو ظهر لكن لم يرجح أحد طرفيه في نظر اﺠﻤﻟتهد أو املكلف فهو أيضا‬ ‫راجع للتشابه‪.‬‬

‫‪197‬‬

‫واملتشابه عنده مركب من تعارض النفي واإلثبات‪ ،‬إذ لو لم يتعارضا لكان من‬

‫الواضحات‪ ،‬والواضح بإطالق لم يتعارض فيه نفي وإثبات‪ ،‬واإلضافي مذبذب بني الطرفني‬ ‫الواضحني‪.‬‬

‫‪198‬‬

‫‪ -192‬األصل والظاهر في القواعد الفقهية‪ ،‬ص ‪751‬‬ ‫‪ -193‬األصل والظاهر في القواعد الفقهية‪ ،‬ص ‪761‬‬ ‫‪ -194‬األصل والظاهر في القواعد الفقهية‪ ،‬ص ‪777‬‬ ‫‪ -195‬األصل والظاهر في القواعد الفقهية‪ ،‬ص ‪775‬‬ ‫‪ -196‬األصل والظاهر في القواعد الفقهية‪ ،‬ص ‪757‬‬ ‫‪ -197‬املوافقات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪115‬‬ ‫‪ -198‬املوافقات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪116‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪253‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫وقد انتقد الشاطبي تقسيم القرافي البدعة أقساما حسب حكم الشرع إلى الواجب كتدوين‬ ‫القرﺁن‪ ،‬و اﶈرم كاملكوﺱ‪ ،‬واملندوب كصالﺓ التراويح‪ ،‬و املكروه كتخصيﺺ األيام الفاضلة بالعبادات‪ ،‬و‬ ‫املباح كاتخاذ املناخل‪ ،‬ولم يوافقه في قوله عن البدعة إنها "إن نظر إليها من حيث اجلملة بالنظر‬ ‫إلى كونها بدعة مع قطع النظر عما يتقاضاها كرهت‪ ،‬فإن اخلير كله في االتباع والشر كله في‬ ‫االبتداع"‪.‬‬

‫‪199‬‬

‫قال الشاطبي إن "هذا التقسيم أمر مخترع ال يدل عليه دليل شرعي‪ ،‬بل هو في نفسه متدافع‪ ،‬ألن‬ ‫من حقيقة البدعة أال يدل عليها دليل شرعي؛ ال من نصوص الشرع وال من قواعده‪ 200".‬ثم اعتذر‬ ‫لشيخ القرافي ابن عبد السالم بأنه يسمي املصالح املرسلة بدعا‪ ،‬ولم يعتذر للقرافي ألنه إما أن‬ ‫يكون قلد شيخه من غير تبصر‪ ،‬وإما أن يكون خالفه وخالف غيره فيكون تسيمه في مواجهة‬ ‫اإلجماع‪.‬‬

‫‪201‬‬

‫ورغم ذلك فإن الشاطبي قد بنى مذهبه في السنة والبدعة على أصل التقابل والتداخل‪ ،‬فقسم‬ ‫البدعة‪ 202‬إلى بدعة حقيقية وهي التي لم يدل عليها دليل شرعي‪ ،‬ال من كتاب وال سنة وال إجماع‬ ‫وال استدالل معتبر عند أهل العلم في اجلملة وال في التفصيل‪ .‬وبدعة إضافية وهي التي لها‬ ‫شائبتان إحداهما لها من األدلة متعلق‪ ،‬فال تكون من تلك اجلهة بدعة‪ ،‬واألخرى ليس لها متعلق إال‬ ‫مثل ما للبدعة احلقيقية‪ .‬وهذا تطبيق عملي لنظرية التقابل ألن البدعة احلقيقية تقابلها السنة‬ ‫احلقيقية إال أنه لم يذكرها لوضوحها‪ ،‬وألن الكالم في االعتصام كان عن البدعة أكثر من غيرها‪،‬‬ ‫والطرف الوسط هو الذي فيه شائبتان وهو الذي قد يقع اخلالف فيه كما خالف الشاطبي القرافي‬ ‫بسبب االختالف في االصطالح أو بسبب التردد وتعدد األشباه وتوارد الشوائب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫"محال االجتهاد املعتبر‬ ‫وجعل اإلمام الشاطبي االجتهاد كله راجعا إلى التداخل بني طرفني‪ ،‬فقال إن‬ ‫هي ما ترددت بني طرفني وضح في كل منهما قصد الشارع في االثبات في أحدهما والنفي في اآلخر‪،‬‬ ‫فلم تنصرف البتة إلى طرف النفي وال إلى طرف اإلثبات‪ 203.‬وحصر أسباب اخلالف في الشريعة في‬ ‫التداخل بني ناحيتني‪ ،‬وجعل "الشريعة راجعة إلى قول واحد‪ ،‬واالختالف في مسائلها راجعا لدورانها‬ ‫بني طرفني واضحني يتعارضان في أنظار اﺠﻤﻟتهدين‪ ،‬أو إلى خفاﺀ بعﺾ األدلة وعدم االطالع عليه‪،‬‬

‫‪ -199‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪153،158‬‬ ‫‪ -200‬االعتصام‪ ،‬القرافي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪178‬‬ ‫‪ -201‬االعتصام‪ ،‬القرافي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪178‬‬ ‫‪ -202‬االعتصام‪ ،‬الشاطبي‪ ،‬ج‪ ، ،2‬ص‪217‬‬ ‫‪ -203‬املوافقات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪117‬‬

‫‪254‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫والثاني ليس خالفا في احلقيقة إذ لو فرضنا اطالع اﺠﻤﻟتهد على ما خفي عليه لرجع عن قوله‪ ،‬فليس‬ ‫االختالف في احلقيقة إال في الطريق املؤدي إلى مقصود الشارع الذي هو واحد"‪.‬‬

‫‪204‬‬

‫بل إنه عمم األمر في كل أبواب املعرفة فقال‪" :‬ولعلك ال جتد خالفا بني العلماء بل خالفا واقعا بني‬ ‫العقالء معتدا به في العقليات أو في النقليات ال مبنيا على الظن وال على القطع إال دائرا بني‬ ‫طرفني ال يختلف فيهما أصحاب االختالف في الواسطة املترددة بينهما فاعتبره جتده كذلك إن شاء‬ ‫اهلل"‪.‬‬

‫‪205‬‬

‫وأكد الطوفي هذا املعنى فقال‪" :‬واعلم أنك إذا تفقدت مواقع اخلالف من األحكام الشرعية وجدتها‬ ‫نازعة إلى الشبه بهذا التفسير‪ ،‬فإن غالب مسائل اخلالف جتدها واسطة بني طرفني تنزع إلى كل‬ ‫واحد منهما بضرب من الشبه فيجذبه أقوى الشبهني إليه‪ ،‬فإن وقع في ذلك نزاع فليس في هذه‬ ‫القاعدة بل في أي الطرفني أشبه حتى يلحق به"‪.‬‬

‫‪206‬‬

‫ومثل الشاطبي لهذا املعنى بأمثلة واعتمد قواعد عهدناها عند القرافي مثل النهي عن بيع الغرر‬ ‫وبيانه بأن العلماء أجمعوا على منع بيع األجنة والطير في الهواء‪ ،‬وعلى جواز بيع اجلبة التي حشوها‬ ‫مغيب عن األبصار‪ ،‬ولو بيع حشوها منفردا ملا جاز‪ ،‬فهذان طرفان في اعتبار الغرر وعدم اعتباره‪،‬‬ ‫لكثرته في األول وقلته مع عدم االنفكاك عنه في الثاني‪ .‬فكل مسألة وقع اخلالف فيها في باب‬ ‫الغرر فهي متوسطة بني الطرفني آخذة بشبه من كل واحدة منهما؛ فمن أجاز مال إلى جانب‬ ‫اليسارة‪ ،‬ومن منع مال إلى اجلنب اآلخر‪.‬‬

‫‪207‬‬

‫ومثّل مبسألة زكاة احللي‪ ،‬وذلك أنهم أجمعوا على عدم الزكاة في العروض‪ ،‬وعلى وجوب الزكاة في‬ ‫النقدين فصار احللي املباح االستعمال دائرا بني الطرفني‪ .‬وبقبول رواية العدل وشهادته‪ ،‬وعلى عدم‬ ‫قبول ذلك من الفاسق‪ ،‬وصار اﺠﻤﻟهول احلال دائرا بينهما فوقع اخلالف فيه‪ .‬وبقولهم الواجد للماء قبل‬ ‫الشروع يتوضأ‪ ،‬وبعد الصالة ال جتب اإلعادة‪ ،‬وما بينهما متردد فيه لتوسطه بني األمرين‪ .‬ومثل بثمرة‬ ‫الشجر فإنها إذا لم تظهر فهي تابعة لألصل‪ ،‬وغير تابعة له إذا جذت‪ ،‬ويختلف فيها إذا كانت‬ ‫ظاهرة‪.‬‬ ‫ومن أمثلة التردد دون تصريح بالطرفني سؤاله عن املبتدع مبا يتضمن كفرا من غير إقرار بالكفر هل‬ ‫يحمل على اإلميان أو الردة لتردده بينهما؟ ومنه أيضا في مسائل االعتقاد اتفاق أرباب النحل على أن‬

‫‪ -204‬املوافقات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪211-218‬‬ ‫‪ -205‬املوافقات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪127‬‬ ‫‪ -206‬نزهة اخلاطر العاطر‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪226‬‬ ‫‪ -207‬املوافقات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪118-113‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪255‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫الباري سبحانه موصوف بالكمال منزه عن النقائص واختالفهم في إضافة أمر إليه بناء على‬ ‫أنهاكمال وعدم إضافتها بناء على أنها نقائص‪.‬‬

‫‪208‬‬

‫ووجدنا هذا املعنى أيضا عند ابن القيم وإن بشكل أقل ظهورا‪ ،‬ومن ذلك تقسيمه احلقوق إلى نوعني‬ ‫دون ذكر للثالث‪ ،‬وهي حق اهلل وحق اآلدمي‪،‬‬

‫‪209‬‬

‫وذكر الواسطة في مسائل بعضها مذكور عند‬

‫القرافي بحروفه مثل أصل استصحاب الوصف املثبت للحكم الشرعي كحكم الطهارة وبقاء امللك‬ ‫حتى يثبت خالفهما‪ ،‬وقال كما قال القرافي "ولم يتنازع الفقهاء في هذا النوع وإمنا تنازعوا في بعض‬ ‫أحكامه لتجاذب املسألة أصلني متعارضني‪ ،‬ومن ذلك اخلالف في الشك في احلدث هل ينقض أم ال‬ ‫فاخلالف فيه ليس خالفا في أصل القاعدة وإمنا هو راجع لتنازع أصلني هما‪ :‬بقاء الصالة في الذمة‪،‬‬ ‫وبقاء الطهارة‪ ،‬فمالك غلب األصل األول والشافعي غلب األصل الثاني‪ ،‬فلو قيل‪ :‬ال نخرجه من‬ ‫الطهارة بالشك‪ ،‬قال مالك‪ :‬وال ندخله في الصالة بالشك‪.‬‬

‫‪210‬‬

‫وقد ظهر التقابل والتوسط في كثير من تقاسيم ابن القيم رحمه اهلل كتقسيمه الرأي إلى ثالثة‬ ‫أقسام وهي‪ :‬الرأي الباطل بال ريب‪ ،‬والرأي الصحيح املقبول‪ ،‬ورأي هو موضع االشتباه‪ ،‬وبني أن الثالثة‬ ‫ليست وليدة عصره بل أشار إليها السلف وتعاملوا معها جمعاء‪.‬‬

‫‪211‬‬

‫وقسم العلماء أيضا في التعامل مع هذه الثنائية الكبرى ثنائية النص واملعنى إلى طرفني ووسط‪،‬‬ ‫أحدهما ينفي العلل واملعاني واألوصاف املؤثرة‪ ،‬والثاني يجمع بني الشيئني اللذين فرق بينهما بأدنى‬ ‫جامع من شبه أو طرد أو وصف يتخيلونه علة‪ ،‬إال أنه جعل أرباب املذاهب املعتبرة من أهل الوسط‪،‬‬ ‫وحكم على أهل الظاهر وأصحاب الرأي بأنهم مفرطون‪ 212‬بسكون الفاء‪ .‬ومما يلفت النظر أن موقع‬ ‫التداخل قد يكون محل املدح والثناء كما في اجلمع بني النص والرأي‪ ،‬ويكون الطرفان املتقابالن محل‬ ‫ذم أو منع كما في األخذ بأحدهما دون اآلخر‪ ،‬وقد يكون محل التداخل مكان اشتباه أو تردد كما في‬ ‫الرأي الذي لم يتبني أمره‪ ،‬ويكون أحد املتقابلني هو محل احلمد وضده محل الذم كما في الرأي‬ ‫الصحيح وغير الصحيح‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬اجلذور التقعيدية للتقابل والتداخل‬ ‫لو لم يفخر الشهاب القرافي نفسه مبالزمته للعز بن عبد السالم لنم التوافق املنهجي والفكري‬ ‫لإلمامني عن تأثر وتأثير ترك آثارا كبيرة في فقههما‪ ،‬رمبا يكون هو الذي حدا بالدكتور أحمد‬ ‫‪ -208‬املوافقات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪ 118‬وما تالها‬ ‫‪ -209‬إعالم املوقعني‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪178‬‬ ‫‪ -210‬إعالم املوقعني‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪777‬‬ ‫‪ -211‬إعالم املوقعني‪،‬ج‪ ،1‬ص ‪63‬‬ ‫‪ -212‬إعالم املوقعني‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ 277‬و‪222‬‬

‫‪256‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫الريسوني في كتابه القيم عن املقاصد عند اإلمام الشاطبي أن يخصص فصال لتطور املقاصد عند‬ ‫األصوليني جعل فيه مباحث لكل من أئمة األصول املشتهرين مثل الباقالني واجلويني وابن احلاجب‪،‬‬ ‫وجعل العز ابن عبد السالم والقرافي في مبحث واحد نقل فيه نقوال كلها عن ابن عبد السالم‪،‬‬ ‫ووصف القرافي بأنه وارث علمه وفكره وال يكاد يخرج عن منهجه في باب املقاصد واملصالح وإن‬ ‫فاقه ضبطا وحتريرا وتنظيما‪.‬‬

‫‪213‬‬

‫وقد تتبعنا قواعد التقابل والتدخل التي اعتمدها القرافي وطبقها في فقهه فوجدنا كثيرا منها‬ ‫عن شيخه العز ابن عبد السالم‪ ،‬مع حترير منه أحيانا في القاعدة وتعديل دائم في التطبيقات‬ ‫الفقهية نظرا الختالف املذهب بني اإلمامني‪ ،‬ومع متيز لغوي ومنطقي ال يبارى فيه اإلمام القرافي‪.‬‬ ‫ومن األقوال والقواعد املرتبطة بهذا البحث والتي جندها أو ما يقرب منها عند اإلمامني‪ ،‬قواعد‬ ‫املصالح وقواعد األحكام‪ ،‬واستنتجت هذا التقسيم من اسم كتاب العز بن عبد السالم الشهير ‪:‬‬ ‫قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬واعتمدت هنا على كتابيه القواعد الكبرى والقواعد الصغرى‪،‬‬ ‫وسأعود إلى قواعد القرافي املشابهة في الفصول الالحقة إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬قواعد املصالح‬ ‫تكررت في كتب العز بن عبد السالم رحمه اهلل قواعد متعلقة باملصالح ودرجاتها وتقسيماتها‬ ‫مرتبطة مببدأ التقابل والتداخل‪ ،‬وهي قواعد جلها أو كلها موجود عند القرافي بطريقة أو بأخرى‬ ‫ومنها‪ :‬القطع بقلة املصالح اﶈﻀة واملفاسد اﶈﻀة‪ 214،‬لكن ذلك في اخلارج ال في حكم الشرع‪ .‬ولم‬ ‫مينعه احلكم بقلة املصالح واملفاسد اﶈﻀة من تقسيمهما إلى خالصتني وراجحتني ومساويتني‪،‬‬

‫‪215‬‬

‫والقسم األول الذي تتمحض فيه املصلحة أو املفسدة هو األقل في الواقع‪ ،‬وأندر منه القسم الثالث‬ ‫الذي يحكم فيه العقل بتساوي املصلحة واملفسدة‪ ،‬ويبقى أغلب األعمال واألشياء دائرا بني املصالح‬ ‫واملفاسد الراجحة واملرجوحة‪.‬‬ ‫ونظر مرة أخرى للمصالح واملفاسد من زاوية التقابل بني الزمان حاضره ومستقبله‪ ،‬ودمج مع الزمن‬ ‫تقابال آخر بني الناجز واملتوقع وهو قريب من عنصر الزمن‪ ،‬وبناء على األمرين نوع املصالح واملفاسد‬ ‫إلى أخروية متوقعة احلصول‪ ،‬ألنها ال تكون إال كذلك‪ ،‬وإلى دنيوية ناجزة أو متوقعة‪ ،‬لقبولها‬ ‫لالحتمالني‪ ،‬وإلى ما فيه مصلحتان أو مفسدتان‬

‫‪216‬‬

‫إحداهما عاجلة وأخرى آجلة كالصدقات‪،‬‬

‫‪217‬‬

‫فيقع التداخل‪.‬‬ ‫‪ - 213‬نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطبي‪ ،‬د‪ .‬أحمد الريسوني ‪ ،‬ص ‪52-57‬‬ ‫‪ - 214‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬العز بن عبد السالم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪11‬‬ ‫‪ -215‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪71-77‬‬ ‫‪ -216‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪61‬‬ ‫‪ -217‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪67-51‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪257‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫وبني أن درجات األعمال تتفاوت بحسب رتب املصالح واملفاسد‪،‬‬ ‫األكبر ومنها املتوسط بينهما‬

‫‪219‬‬

‫‪218‬‬

‫واملفاسد منها الكبير ومنها‬

‫كما هو معروف من تراتب األحكام الشرعية‪ ،‬وعليه فإن من‬

‫املصالح ما هو واجب ومنها ما هو مستحب ومنها ما يباح ومنها ما يختلف فيه‪ 220،‬وبنى العز بن‬ ‫عبد السالم على ذلك ضابط الكبيرة بأنها ما يشعر بتهاون مرتكبها في دينه إشعار أصغر الكبائر‬ ‫املنصوص عليها بذلك‪ ،‬وقال إنه لم يقف عليه عند أحد‪ 221،‬وذلك يؤكد أن القرافي أخذه منه‪ ،‬وبناء‬ ‫عليه تنقسم الذنوب إلى ما علم كونه كبيرة وإلى ما علم كونه صغيرة وإلى متردد بينهما‪،‬‬ ‫وحكمه أن تعرض مفسدته على مفاسد الصغائر والكبائر فأيهما ساوته أحلقت به‪ 222.‬وطبق قاعدة‬ ‫املفاسد وتدرجها على اجلهل ورأى أن منه ما جتب إزالته‪ ،‬ومنه ما ال جتب إزالته‪ ،‬ومنه اجملتلف فيه‪،‬‬

‫‪223‬‬

‫وهي قاعدة سيأتي بيانها عند القرافي في باب العقائد والعلم باهلل سبحانه‪.‬‬ ‫وليس ذلك الضابط خاصا بالكبائر بل جاء بضابط آخر مقابل له للمصالح والفضائل‪ ،‬ومن خالله‬ ‫قسم املصالح إلى الفاضل واألفضل واملتوسط بينهما‪ 224،‬مثلما قسم املفاسد إلى الكبير واألكبر‬ ‫واملتوسط بينهما‪ ،‬وطبق ذلك أيضا على العلم والعرفان فقسمه إلى ما يجب حتصيله وإلى ما ال‬ ‫يجب حتصيله وإلى مختلف فيه‪ 225،‬وهذا املثال ما هو إال نظر للوجه املقابل للكالم عن اجلهل وإزالته‪.‬‬ ‫وفي األخالق قال ابن عبد السالم إن االقتصاد في جلب املصالح واخليور رتبة بني رتبتني ومنزلة بني‬ ‫منزلتني ال يجوز التقصير في جلبها وال اإلسراف فيه‪ 226،‬وكلها قواعد تظهر أن املصالح واملفاسد‬ ‫متقابلة وقد تتداخل‪ ،‬وأن املصالح وحدها واملفاسد وحدها متداخلة وقد تتقابل‪.‬‬ ‫كما قسم املفاسد التي اصطلح عليها بالذرائع إلى ما يجب درؤه في كل شريعة‪ ،‬وما تختلف فيه‬ ‫الشرائع‪ ،‬وما يدرؤه الشرع كراهة له‪ 227.‬ومبا أن من أسباب درء الشرع للمفاسد العموم نظر أيضا‬ ‫للمشاق من حيث عمومها وخصوصها فقسمها إلى مشقة عامة مؤثرة‪ ،‬ومشقة خاصة‪ ،‬ومشقة‬ ‫بني املشقتني‪ 228،‬ويالحظ هنا أنه ربط التأثير بالعموم بناء على رأي الشافعية في اعتبار العموم في‬ ‫املصلحة‪ .‬ونظر للمشاق أيضا من حيث لزومها نظرة قابل فيها بني االنفكاك وعدمه‪ ،‬وبني الفداحة‬

‫‪ -218‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪21‬‬ ‫‪ -219‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪38‬‬ ‫‪ -220‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪173‬‬ ‫‪ -221‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪77‬‬ ‫‪ - 222‬القواعد الصغرى‪ ،‬العز بن عبد السالم‪ ،‬ص ‪36‬‬ ‫‪ -223‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪81‬‬ ‫‪ -224‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪35‬‬ ‫‪ -225‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪17‬‬ ‫‪ -226‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪777‬‬ ‫‪ -227‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪61-67‬‬ ‫‪ -228‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪111‬‬

‫‪258‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫واخلفة في املشقة فقسمها إلى مشاق ال تنفك عنها العبادات‪ ،‬وأخرى تنفك عنها‪ ،‬وقسم األخيرة‬ ‫إلى فادحة وخفيفة ومتوسطة‪ 229،‬ثم قال‪ :‬وهذه ال وجه لضبطها إال بالتقريب‪.‬‬

‫‪230‬‬

‫وضرب مثال لتلك املشاق جمع فيه بني األصلني السابقني وهما الفداحة واالنفكاك بالغرر فقسمه‬ ‫بناء على أنواع املشقة إلى ما يعسر اجتنابه فيعفى عنه‪ ،‬وما ال يعسر فال يعفى عنه‪ ،‬ومتردد بني‬ ‫االثنني‬

‫‪231‬‬

‫فيقع فيه االختالف للتردد والتداخل بني األصلني‪ ،‬وهذا التقسيم جنده بحروفه عند‬

‫الشهاب القرافي كما سيأتي بعد إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬قواعد األحكام‬ ‫وأكثر قواعد األحكام عند العز بن عبد السالم مبني على مبدأ التقابل والتداخل‪ ،‬وجند أغلبها أيضا‬ ‫عند القرافي‪ ،‬وفي جميع العلوم واألبواب من أصول العقيدة واألصول إلى تفاريع املسائل الفقهية‪،‬‬ ‫ففي باب العقائد يحكي العز بن عبد السالم اتفاق املسلمني على أنه سبحانه متصف بالكمال‬ ‫منزه عن النقائص‪ ،‬ويبني اختالفهم في بعض الصفات هل إثباتها نقص وهل نفيها كمال‪ 232،‬دون أن‬ ‫يكون ذلك تشكيك وال نفي ألصل الكمال‪ .‬وهذه القاعدة من أمهات القواعد التي تفسر لنا اخلالفات‬ ‫العقدية بني الفرق‪ ،‬وهي باب من أبواب التماس أحسن اجملارج لكثير من آرائها االعتقادية‪.‬‬ ‫وفي باب أصول الفقه قسم األحكام إلى ما يقترن بأسبابه‪ ،‬وما تتقدم أحكامه على أسبابه‪ ،‬وما‬ ‫اختلف في وقت ترتب أحكامه على أسبابه‪ 233،‬وبني العالقة بني النواهي والفساد‪ ،‬فقسم النهي إلى‬ ‫ما هو راجع إلى ركن فيقتضي الفساد كالنهي عن صوم يوم العيدين‪ ،‬وإلى ما هو بسبب اقتران‬ ‫مفسدة كالبيع وقت النداء وإلى ما هو متردد بينهما كصوم يوم الشك‪ 234.‬وهذه من القواعد التي‬ ‫يتفق األصوليون والفقهاء على أصلها‪ ،‬ويختلفون في تنزيلها على األحكام اختالفا كثيرا‪ ،‬لعدم‬ ‫وجود ضابط دقيق ملا هو داخل في املاهية وملا هو خارج عنها‪.‬‬ ‫وفي باب الواليات والقضاء والعدالة وما يتعلق بها قسم الواليات إلى ما تشترط فيه العدالة‪،‬‬ ‫لكونها ضرورة فيه‪ ،‬وإلى ما ال تشترط فيه العدالة لعدم ارتباطها بها أو لوجود ما يعوض عنها‪،‬‬ ‫وإلى مختلف فيه‪،‬‬

‫‪235‬‬

‫لتردده بني النوعني‪ .‬وقسم الظنون إلى ما هو في أعلى الرتب فتبنى عليه‬

‫األحكام ‪ ،‬وإلى ما هو في أدناها فال يعتد به‪ ،‬وإلى ظنون متوسطات‪ 236،‬يقع فيها التردد واالختالف‪،‬‬ ‫‪ -229‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪17-17‬‬ ‫‪ -230‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪27‬‬ ‫‪ -231‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪16-15‬‬ ‫‪ -232‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪773‬‬ ‫‪ -233‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪131‬‬ ‫‪ -234‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪77-72‬‬ ‫‪ -235‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪171‬‬ ‫‪ -236‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪75‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪259‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫وبناء على تفاوت الظنون تتفاوت التهم اجمللة بها إلى قوية كحكم احلاكم لنفسه‪ ،‬وضعيفة‬ ‫كشهادة األخ ألخيه عند الشافعية‪ ،‬وتهم مختلف فيها وهي أيضا درجات ثالث‪.‬‬

‫‪237‬‬

‫وفي باب احلدود والكفارات واجلبر قسم التعويضات كما قسمها القرافي إلى جوابر وزواجر ومتردد‬ ‫بينهما‪ 238،‬لوجود معنى اجلبر والزجر فيه‪ .‬وفصل املباشرة التي هي سبب من أسباب الضمان إلى‬ ‫قوية وضعيفة ومتوسطة‪،‬‬

‫‪239‬‬

‫وهذه قواعد وضوابط تبني أن أحكام الشرع وأحكام الوضع كلها‬

‫مبنية على التداخل والتقابل‪.‬‬ ‫ومن مسائل الفقه املرتبطة بهذا املعنى تنويع احلقوق إلى املتفاوت كتقدمي الفرائض على النوافل‪،‬‬ ‫واملتساوي كقضاء أيام من رمضانني‪ ،‬واجملتلف فيه كمن عنده ثوب وهو في مكان جنس هل يلبسه أو‬ ‫يفترشه‪ 240.‬وحكم معاملة من اختلط ماله احلرام باحلالل‪ ،‬وبيانه أن من غلب احلرام على ماله بحيث‬ ‫يندر اخلالص منه لم جتز معاملته‪ ،‬ومن غلب على ماله احلالل جازت معاملته‪ ،‬وبني هاتني الرتبتني‬ ‫مراتب محرمة ومكروهة ومباحة وضابطها أن الكراهة تشتد بكثرة احلرام وتخف بكثرة احلالل‪،‬‬

‫‪241‬‬

‫كما سبق بيانه عند اإلمام الغزالي‪.‬‬ ‫وقسم األعمال إلى ما يجهر به كاألذان‪ ،‬وإلى ما يسر به كأذكار الصالة‪ ،‬وإلى ما يخفى تارة ويظهر‬ ‫أخرى كالصدقات‪ 242،‬وجعل الرياء نوعني رياء اإلخالص بعبادة غير اهلل‪ ،‬ورياء شرك‪ 243،‬وهو اإلشراك‬ ‫في القصد هلل ولغيره‪ ،‬ولم يذكر طرف اإلميان اخلالص املقابل للرياء اخلالص لوضوحه وخلروجه عن‬ ‫حقيقة الرياء‪.‬‬ ‫وقسم التصرفات أيضا إلى ما يتميز بصورته‪ ،‬وما ال يتميز‪ 244،‬وينبني على ذلك ما جتب فيه النية‬ ‫وهو ما تردد بني احتمالني ولم ويتميز بصورته‪ ،‬وما ال جتب فيه وهو على العكس من ذلك‪ 245،‬ولم‬ ‫يذكر املتردد بينهما وقد بينه القرافي كما سيأتي بعد‪ .‬وجعل الطاعات من حيث احتياجها لتجديد‬ ‫النية إلى ثالثة أقسام مبنية على الوصل والفصل‪ :‬أولها أن تكون طاعة متحدة وهي التي يفسد‬ ‫أولها بفساد آخرها فال يجوز تفريق النية على أبعاضها‪ ،‬والثاني أن تكون طاعة متعددة كالزكوات‬ ‫وقراءة القرآن فهذا القسم يجوز أن يفرد أبعاضه بالنية وأن يجمعها في نية‪ ،‬والثالث ما اختلف في‬

‫‪ -237‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪61‬‬ ‫‪ -238‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪267‬‬ ‫‪ -239‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪265‬‬ ‫‪ -240‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ 277‬وما تالها‬ ‫‪ -241‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪113‬‬ ‫‪ -242‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪215‬‬ ‫‪ -243‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪276‬‬ ‫‪ -244‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪253‬‬ ‫‪ -245‬القواعد الصغرى‪ ،‬ص ‪171‬‬

‫‪260‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬ ‫احتاده كالوضوء والغسل‪ 246.‬وأما من حيث التداخل مبعنى إغناء بعضها عن بعض فقسمها إلى ما‬ ‫يقبل التداخل كالعمرة مع احلج‪ ،‬وما ال يقبل التداخل كالصلوات‪ ،‬وما اختلف فيه كالكفارات‪.‬‬

‫‪247‬‬

‫كما قسم األعمال تقسيما ال يخلوا من مقابلة وتداخل فقسمها إلى وسائل ومقاصد ووسائل‬ ‫مقاصد‪ 248،‬ونظر إليها من جهة ذي احلق فقسمها إلى حقوق اهلل وحقوق العباد وحقوق مركبة من‬ ‫احلقني‪ 249،‬وقسمها من جهة أخرى إلى عبادات محضة وعبادات متعلقة مبصالح الدنيا واآلخرة وإلى‬ ‫ما يغلب عليه ومصالح الدنيا كالزكوات وإلى ما يغلب عليه مصالح اآلخرة كالصلوات‪ ،‬ونالحظ أن‬ ‫العز بن عبد السالم جعل اجلميع ضمن مسمى العبادات‪ 250‬وذلك يقلل من قوة التقابل‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬اجلذور الفقهية لنظرية التقابل والتداخل‬ ‫لو تأملنا الفقه اإلسالمي لوجدناه أيضا قائما على ثنائيات كلية عامة مثل تقسيمه إلى عبادات‬ ‫ومعامالت‪ ،‬وثنائيات أخرى جزئية تفصيلية متقابلة يقع بينها جميعا أنواع ال حتصى واحتماالت‬ ‫كثيرة من التداخل‪ ،‬إال أن من األئمة من اشتهر شهرة فريدة باعتماد هذه النظرية‪ ،‬ومنهم من لم‬ ‫تظهر في فقهه إال قليال‪ ،‬وكلما كنا أقرب لكتب تأصيل اخلالف برزت هذه النظرية ولذلك اخترنا‬ ‫ثالثة مناذج ميكن أن نعتبرها جذورا سابقة على اإلمام القرافي للنظرية‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬فقه التقابل والتداخل لدى القاضي عبد الوهاب‬ ‫استخدم القاضي عبد الوهاب قاعدة التقابل والتداخل كثيرا‪ ،‬خاصة في كتبه التي تعرض مسائل‬ ‫اخلالف وأسبابه وأدلة اجملتلفني‪ ،‬وقد أبدع فيها ضوابط كثيرة متفرعة عن مبدأ التقابل بعضها جنده‬ ‫عند الشهاب القرافي بصيغته أو بغيرها أحيانا‪ ،‬وذلك مثل قوله‪" :‬كل أمر فرق بني قليله وكثيره‬ ‫واحتيج إلى فاصل بينهما لم يرد الشرع به فالرجوع فيه للعرف"‪ 251.‬ومثل قوله إن "شبهة كل أصل‬ ‫مردودة إلى صحيحه مثل القراض‪ ،‬وفيه عن مالك روايتان فقيل للعامل قراض املثل وقيل له أجر‬ ‫املثل‪ 252".‬و كذلك "الكرائم ال تؤخذ إال عن رضا أرباب األموال واللوائم ال تؤخذ نظرا للمساكني‪ ،‬ألن‬ ‫الزكاة موضوعة على العدل بني القراء وأرباب األموال‪.‬‬

‫‪253‬‬

‫‪ -246‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪726‬‬ ‫‪ -247‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪763‬‬ ‫‪ -248‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪161‬‬ ‫‪ -249‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪211‬‬ ‫‪ -250‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪177‬‬ ‫‪ -251‬أعمال ندوة القاضي عبد الوهاب‪ ،‬التقعيد الفقهي عند القاضي عبد الوهاب‪ ،‬الناجي األمني‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪275‬‬ ‫‪ -252‬التقعيد الفقهي عند القاضي عبد الوهاب‪ ،‬الناجي األمني‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪ 261‬أعمال ندوة القاضي عبد الوهاب‪،‬‬ ‫‪ -253‬أعمال ندوة القاضي عبد الوهاب‪ ،‬التقعيد الفقهي عند القاضي عبد الوهاب‪ ،‬الناجي األمني‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪276‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪261‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫ونرى القاضي أحيانا نراه يرجح بني اخلالفات بهذه الضوابط مثل ترجيحه أن اسم الشفق الذي أنيط‬ ‫مبغيبه دخول وقت العشاء متردد بني البياض واحلمرة ولكن حمله على احلمرة أولى ألن "االسم‬ ‫ينطلق على أمرين فيجب حمله على أسبقهما" واحلمرة هي السابقة‪.‬‬

‫‪254‬‬

‫وفي بعض األحيان مير على القاعدة ضمنا دون أن يصرح بها متماسكة كقوله‪ :‬ال جتوز شهادة‬ ‫الوالدين للمولودين وال املولودين آلبائهم الذكور أو اإلناث قربوا أو بعدوا من الطرفني للتهمة‪ ،‬وال‬ ‫تقبل شهادة أحد الزوجني لآلخر‪ ،‬لقوة التهمة كاألب واالبن‬

‫‪255‬‬

‫وهذه القاعدة حررها القرافي وبني‬

‫أنها ينبني عليها فقه الشهادات‪.‬‬ ‫وقد أكثر القاضي من التطبيقات الفقهية للنظرية وبنى عليها الكثير من اختالفات العلماء‬ ‫الفقهية العملية‪ ،‬غير أن أكثر تلك األشباه التي ذكرها ينظر فيها إلى شبه واحد بطرف واحد‬ ‫فيخرج عن دائرة البحث هنا‪ ،‬وبعضها ينظر فيها إلى أشباه يرجح بينها كثيرا إذا كانت بني املذهب‬ ‫املالكي وغيره‪ ،‬ويسكت عنها أحيانا إذا كانت تشكل روايات داخل املذهب‪ .‬وقد استنتج بعض‬ ‫الباحثني من ذلك أن قياس الشبه عند القاضي عبد الوهاب كثير جدا ويظهر أنه األكثر عددا بني‬ ‫األقيسة‪ 256‬في مختلف أبواب الفقه عنده رحمه اهلل‪.‬‬ ‫ومن أمثلته في باب الطهارة قوله في التسمية في الوضوء إنها غير واجبة‪ ،‬واستدل بأدلة منها أنه‬ ‫عبادة ليس في آخرها نطق فلم جتب فيها التسمية كالصوم عكسه الصالة‪،‬‬

‫‪257‬‬

‫وكأن الوضوء‬

‫يتنازعه شبهان شبه بالصوم وشبه بالصالة وجعله لألول أقرب‪.‬‬ ‫ومن ذلك نقله روايتني عن مالك في إيصال املاء للبشرة حتت اللحية‪ ،‬وعلل ذلك بالتردد بني أن يكون‬ ‫من حيز الباطن فلم يجب‪ ،‬وبني أن يكون ليس بباطن ألنه ليس كذلك في أصل اخللقة بل بحائل فلم‬ ‫يكن كالباطن األصلي‪ .‬وشبيه به عدم وجوب غسل ما خلف العذار في الوضوء‪ ،‬خالفا ألبي حنيفة‬ ‫في إيجاب غسله ألنه من الوجه عنده وألنه ال تقع به املواجهة عندنا‪ ،‬ونحوه في شعر العارضني‬ ‫اخلفيف وما شابهه‪ .‬واألصل في كل ذلك واحد هل يعتبر ذلك من الظاهر أو الباطن‪.‬‬

‫‪258‬‬

‫ومنه تردد املسح بالرأس بني التثليث عند الشافعي تشبيها باملغسوالت وبني اإلفراد تشبيها‬ ‫باملمسوحات عند املالكية‪.‬‬

‫‪259‬‬

‫ومن ذلك تشبيه النوم حال الركوع بحال السجود فينتقض به‬

‫الوضوء عند مالك أو تشبيهه بحال اجللوس فال ينتقض به الوضوء‪ ،‬ولكل منهما شبه من وجه‪،‬‬

‫‪ -254‬أعمال ندوة القاضي عبد الوهاب‪ ،‬القواعد املستخرجة من املعونة‪ ،‬عبد اهلل الهاللي‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪215‬‬ ‫‪ -255‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،2 ،‬ص ‪137-132‬‬ ‫‪ -256‬أعمال ندوة القاضي عبد الوهاب‪ ،‬القياس عند القاضي عبد الوهاب‪ ،‬أحمد يوسف الزمزمي‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪537‬‬ ‫‪ -257‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪116‬‬ ‫‪ -258‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪118‬‬ ‫‪ -259‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪111‬‬

‫‪262‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬ ‫فلمالك أنه أشد نوما من الساجد‪ ،‬والبن حبيب أنه حال يقل الثبوت معها‪ 260.‬ومنه احلكم بنجاسة‬ ‫املني تشبيها له باملذي والبول في نقض الطهارة وبدم احليض في الداللة على البلوغ وألنه يجري‬ ‫مجرى النجس ولو لم يكن جنسا لوجب أن ينجس لذلك‪ 261،‬ولم يفصل في الشبه املقابل ألنه خالف‬ ‫املذهب‪.‬‬ ‫ومن تطبيقاته في الصالة قوله‪ :‬ليس في الصالة تكبير واجب إال تكبير اإلحرام خالفا البن حنبل في‬ ‫قوله إن باقي التكبيرات واجب ألن كل نطق في الصالة غير القرآن لم يتكرر وجوبه كالسالم‪ 262.‬وهذا‬ ‫التعليل ال يخلو من مصادرة ألنه هو عني محل النزاع‪ .‬ومما يؤخذ على القاضي رحمه اهلل عدم‬ ‫استدالله للمذاهب األخرى في بعض األحيان‪ ،‬وكان ميكن أن يستدل لإلمام أحمد بتشبيه التكبير‬ ‫بتكبير اإلحرام في اللفظ وفي بداية األركان‪.‬‬ ‫ومن مسائل اخلالف املبنية على توارد األشباه خالفهم في التبسم في الصالة هل يسجد له قبل‬ ‫السالم أو بعده؟ فقال ابن عبد احلكم‪ :‬بعد السالم ألنه زيادة‪ ،‬وقال أشهب يسجد قبل السالم ألنه‬ ‫نقص في اخلشوع‪ .‬قال القاضي‪ :‬وقول ابن عبد احلكم أصح ألن االعتبار بنقص األفعال واألقوال دون‬ ‫االعتدال‪.‬‬

‫‪263‬‬

‫ومن ترجيحاته ألحد املتقابلني ملوافقته لراجح مذهب مالك قوله إن ما أدركه (املسبوق) مع اإلمام‬ ‫هو آخر صالته وما يقضيه أولها‪ .‬قال‪ :‬هذا هو املشهور وهو قول أبي حنيفة‪ ،‬وروى ابن نافع عن مالك‬ ‫أن ما أدرك أول صالته وما يقضي آخرها وهو قول الشافعي‪.‬‬

‫‪264‬‬

‫وفي أحكام اجلهاد واجلنائز نقل التردد في حكم من مات بعد أن أثخن باجلراح هل يعتبر شهيدا‬ ‫فتطبق عليه أحكامه أم ال فتطبق عليه أحكام غيره في الصالة والغسل والكفن؟ واجلواب أنه إن‬ ‫كان في غمرة اجلراح إلى أن مات فإنه ال يغسل وال يصلى عليه وإن بقي يومني أو ثالثة وأكل وشرب‬ ‫فهو كسائر املوتى‪ ،‬وقال الشافعي إن مات قبل تقضي احلرب فهو شهيد وإن مات بعد تقضي احلرب‬ ‫فهو كغيره من املوتى‪ 265‬وسبب اخلالف هنا تردده بني شهيد املعترك حلصول السبب به‪ ،‬وبني امليت‬ ‫حتف أنفه لشبهه به من وجه آخر‪ ،‬فبقي النظر في العالمات التي تقربه لهذا أو ذاك‪.‬‬

‫‪ -260‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪177‬‬ ‫‪ -261‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪287‬‬ ‫‪ -262‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪277‬‬ ‫‪ -263‬املعونة‪ ،‬نقال عن أعمال ندوة القاضي عبد الوهاب‪ ،‬منهج االستدالل والنقد عند القاضي عبد الوهاب‪ ،‬محمد جميل مبارك‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‬ ‫‪266‬‬ ‫‪ -264‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪266‬‬ ‫‪ -265‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪758‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪263‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫وفي باب الزكاة حكى اخلالف في الشاة املأخوذة عن التسع من اإلبل هل هي عن جميعها أو هي عن‬ ‫اخلمس‪ ،‬واألربعة عفو؟ قال‪ :‬وظاهر املذهب أن الزيادة عفو‪ 266‬ولم يصرح بالشبهني املسببني للخالف‬ ‫لكنهما بينان وذلك أن األربع بعد اخلمس أشبهت األربع التي قبلها ألنها ال فريضة فيها‪ ،‬وأشبهت‬ ‫التي بعدها ألن فيها الزكاة‪ .‬ومثل االختالف في الندرة بال تعب وكلفة فقيل فيها الزكاة‪ ،‬وقيل فيها‬ ‫اخلمس‪ ،‬ووجه األول تشبيهه باملعدن الذي فيه كلفة‪ ،‬ووجه اآلخر أنه مستفاد من األرض جتب في‬ ‫نوعه الزكاة فال أثر لكثرة املؤونة وقلتها‪ ،‬أصله الزرع‪.‬‬

‫‪267‬‬

‫وفي مسائل البيوع الراجعة إلى التقابل بني العلم واجلهالة الراجعني للظهور والكمون قال‪ :‬يجوز‬ ‫بيع اجلوز واللوز والباقالء في قشره األعلى خالفا للشافعي ألنه كامن مأكول في أكمام من أصل‬ ‫اخللقة فجاز بيعه كالرمان واملوز‪ ،‬وهذه كلها أشباه‪ ،‬وعلله أيضا باحلاجة إلى بيعه كذلك ألن نزع‬ ‫قشرته فيه فساده وبيعه رطبا فيه مشقة‪.‬‬

‫‪268‬‬

‫ومن أصرح ما ذكره في الباب قوله إن سبيل العارية سبيل الرهن فيضمن ما يغاب منها‪ ،‬وقال أبو‬ ‫حنيفة‪ :‬يضمن على كل وجه‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ال يضمن على وجه‪ .‬قال القاضي‪ :‬فدليلنا أنها أخذت‬ ‫شبها من األمانة ألن املالك بذل للمستعير منفعتها من غير عوض‪ ،‬وأخذت شبها من املضمون ألنه‬ ‫قبضها ملنفعة نفسه على التجريد‪ ،‬فجاز أن يتعلق بها الضمان فوجب أن يكون حكمها مترددا بني‬ ‫األمرين‪.‬‬

‫‪269‬‬

‫وفي باب النكاح ولواحقه مثل رجﺢ جواز اخللع على الغرر واﺠﻤﻟهول كما هو مذهب مالك‪ ،‬خالفا‬ ‫للشافعي‪ ،‬وعلل ذلك بأن اخللع طريقه الهبة والصلة بخالف عقود املعاوضات‪ 270.‬ومنه قوله‪ :‬إذا‬ ‫أسقطت املطلقة علقة او مضغة انقضت عدتها‪ .‬وقال أبو حنيفة ال تنقضي إال إن ظهر شيء من‬ ‫خلقته‪ .‬قال‪ :‬فدليلنا أنه أول خلق اآلدمي مستحيل من النطفة فوجب إذا ألقته أن تنقضي عدتها‬ ‫كما لو بان فيه تخطيط‪ ،‬وألنه ينطلق عليه اسم احلمل واإلسقاط فوجب أن تنقضي به العدة‬ ‫كالولد‪.‬‬

‫‪271‬‬

‫وقسم أنواع اجلنايات كما قسمها املالكية‪ ،‬وملا وصل إلى شبه العمد الذي هو موطن التداخل قال‬ ‫إن منهم من أثبته ومنهم من نفاه‪ ،‬وله شبهان؛ شبهه بالعمد أنه قصد القاتل للضرب مبا ال يقتل‬ ‫مثله غالبا‪ ،‬وشبهه باخلطأ أنه لم يقصد القتل فوجب أن يثبت له حكم منفرد عن حكم‬

‫‪ -266‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪735‬‬ ‫‪ -267‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪771‬‬ ‫‪ -268‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،2 ،‬ص ‪575‬‬ ‫‪ -269‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،2 ،‬ص ‪622‬‬ ‫‪ -270‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،2 ،‬ص ‪377-372‬‬ ‫‪ -271‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،2 ،‬ص ‪313‬‬

‫‪264‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫يخصهما‪.‬‬

‫‪272‬‬

‫ونقل اخلالف في حد القذف هل هو من حقوق اهلل أو من حقوق اآلدميني؟ وأجاب‪:‬‬

‫والصحيح أنه من حقوق اآلدميني بدليل أنه يورث عن املقذوف وحقوق اهلل ال تورث‪ ،‬وألنه ال يستحق‬ ‫إال باملطالبة كسائر حقوق اآلدميني‪ 273.‬وقد يكون إلرثه مدرك آخر وهو أن الورثة يلحقه األذى بقذف‬ ‫مورثهم‪.‬‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬فقه التقابل والتداخل لدى ابن رشد اجلد‬ ‫املقدمات املمهدات البن رشد اجلد من املصادر اﶈققة للقرافي‪ ،‬وقد ﻇهرت النظرية بجالء في كثير‬ ‫من تقسيماته‪ ،‬التي تكرر جلها عند الشهاب القرافي‪ ،‬ومن تلكم التقسيمات املبنية صراحة أو‬ ‫ضمنا على طرفي التقابل وما يقع بينهما من تداخل‪ ،‬تقسيمات عامة مثل تقسيم العبادات إلى ما‬ ‫يتوجه للقلوب وما يتوجه لألبدان وما تشترك فيه القلوب واألبدان‪.‬‬

‫‪274‬‬

‫وتقسيمات خاصة في‬

‫مختلف أبواب الفقه‪.‬‬ ‫ففي الطهارة قسم املاء إلى ماء طاهر مطهر‪ ،‬وال طاهر وال مطهر‪ ،‬وطاهر ال مطهر‪ 275،‬وهو تقسيم‬ ‫معروف متداول إال أن تنسيقه وعباراته تشابهت مع ما أورده القرافي في الذخيرة‪ .‬وقسم العادمني‬ ‫للماء إلى ثالثة‪ ،‬أحدها أن يعلم أو يظن انه ال يقدر على املاء في الوقت فيتيمم أول الوقت‪ ،‬والثاني أن‬ ‫يشك فيصلي وسط الوقت‪ ،‬والثالث أن يعلم أنه ال يقدر على املاء آخر الوقت فيؤخر‪ 276.‬وهذا معروف‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫وفي الزكاة قسم األموال من حيث القصد منها إلى ثالثة أقسام‪ :‬قسم األغلب فيه إمنا يراد للفضل‬ ‫والنماء فتجب فيه الزكاة‪ ،‬وقسم األغلب فيه إمنا يراد لالقتناء فال جتب فيه‪ ،‬وقسم يراد للوجهني‪،‬‬ ‫فيرجع فيه للنية أو للظاهر وذلك مثل احللي فإنه إذا كان المرأة فال زكاة فيه‪ 277.‬ويالحظ هنا أنه لم‬ ‫يذكر التردد بني االثنني بل جمع بينهما بأن املال يراد لالثنني معا‪.‬‬ ‫وفي باب النكاح رجح أن الظهار ليس بطالق إال أنه يضارع الطالق في بعض الوجوه واليمني في‬ ‫بعض الوجوه‪ ،‬فيضارع الطالق في أنه يقع بيمني وبغير ميني وفي أن االستثناء غير عامل فيه‪ ،‬ويضارع‬ ‫اليمني في سقوطه بالكفارة قبل الوطء وفي لزومها بعده‪ 278.‬وهذا مثال على التداخل بني العقود‬ ‫وترجيح باألشباه عند التردد‪ .‬كما قسم اإليالء من حيث ابداء زمانه ثالثة أقسام‪ :‬قسم يكون فيه‬ ‫موليا من يوم حلف‪ ،‬وقسم ال يكون موليا إال من يوم ترفعه امرأته إلى السلطان‪ ،‬وقسم اختلف‬ ‫‪ -272‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،2 ،‬ص ‪827‬‬ ‫‪ -273‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،2 ،‬ص ‪833‬‬ ‫‪ -274‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ابن رشد‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪67‬‬ ‫‪ -275‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪86‬‬ ‫‪ -276‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪121‬‬ ‫‪ -277‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪285-287‬‬ ‫‪ -278‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪611‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪265‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫فيه‪ ،‬فاألول هو الذي يحلف على ترك الوطء‪ ،‬والثاني هو الذي يحلف بطالق امرأته أن يفعل فعال‪،‬‬ ‫والثالث هو اإليالء الذي يدخل على الظهار‬

‫‪279‬‬

‫وهي من املسائل التي تتداخل فيها أبواب الفقه‬

‫فيختلف فيها العلماء‪.‬‬ ‫وفي البيوع فصل في الغرر وأنواعه بقوله‪ :‬ال يصح البيع إال أن يكون ساملا من الغرر الكثير‪ ،‬أما الغرر‬ ‫اليسير الذي ال تنفك منه البيوع فهو مستخف مستجاز فيها‪ ،‬وإمنا يقع االختالف بني العلماء في‬ ‫فساد بعض أعيان العقود الختالفهم فيما فيه من الغرر هل هو من الكثير أو من اليسير‪ 280.‬وجعل‬ ‫النقصان احلاصل بتغير املبيع ثالثة أوجه اثنان منها متقابالن‪ ،‬أحدها أن يكون يسيرا‪ ،‬والثاني أن يكون‬ ‫كثيرا وال يذهب بجل املبيع ويتلف أكثر منافعه‪ ،‬والثالث أن يذهب جله ويتلف أكثر منافعه وعليها‬ ‫تترتب أحكام اخليار والفوت‪ 281،‬وهو موطن التداخل‪ .‬وهذا التقسيم موجود بتفاصيله عند القرافي‬ ‫كما سياتي إن شاء اهلل‪ .‬وقد قسم ابن رشد العيوب التي تلحق باملبيع إلى ثالثة‪ :‬قدمي يعلم قدمه‬ ‫عند البائع فيجب الرد به‪ ،‬وعيب يعلم حدوثه عند املشتري فال حجة للمبتاع فيه على البائع‪ ،‬وعيب‬ ‫مشكوك فيه فليس على البائع فيه إال اليمني‪.‬‬

‫‪282‬‬

‫ومما اختص به ابن رشد أنه يجعل أحيانا املتردد مكروها وكأنه يلحقه بباب الشبهات‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫تقسيمه اإلجارة إلى جائزة ومحرمة ومكروهة‪ ،‬وقال إن املكروهة ما تتعارض األدلة في صحة عقده‬ ‫مع السالمة من اجلهل والغرر كاإلجارة على الصالة واحلج وإجارة املسلم نفسه للذمي‪ ،‬أو فيما فيه‬ ‫قدر متردد فيه من اجلهل والغرر‪.‬‬

‫‪283‬‬

‫وخلص باب تضمني الصناع على مذهب مالك بأن قابض مال غيره بإذن املالك له على غير وجه امللك‬ ‫ال يخلو من ثالثة أحوال‪ :‬أن يقبض ملنفعة نفسه خاصة‪ ،‬أو يقبض ملنفعة غيره خاصة‪ ،‬أو يقبض‬ ‫ملنفعتهما جميعا؛ فاألول ضامن‪ ،‬والثاني ال ضمان عليه‪ ،‬والثالث تغلب فيه منفعة صاحب املال‬ ‫ويصدق القابض في دعوى التلف‪.‬‬

‫‪284‬‬

‫ويالحظ أن القسم الذي يسميه القرافي مترددا يجعله ابن‬

‫رشد مشتركا مثل املسألة السابقة‪.‬‬ ‫وطبق النظرية في باب األقضية والبينات فقسم الشهود ثالثة أقسام‪ ،‬اثنان منها متقابالن‬ ‫متضادان وبينهما وسط متردد‪ ،‬أولها‪ :‬املعروف بالعدالة‪ ،‬وثانيها املعروف بضدها‪ ،‬والثالث هو مجهول‬ ‫احلال‪ .‬وخرج ابن رشد من اخلالف في هل األصل في الناﺱ اجلرحة أو العدالة بقوله إن اﺠﻤﻟهول ال يحمل‬

‫‪ -279‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪628‬‬ ‫‪ -280‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪37‬‬ ‫‪ -281‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪175‬‬ ‫‪ -282‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪112‬‬ ‫‪ -283‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪137‬‬ ‫‪ -284‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪276‬‬

‫‪266‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫على جرحة وال عدالة‪.‬‬

‫‪285‬‬

‫وقسم التهم وما يعتبر منها وما ال يعتبر من خالل تنويع إقرار الزوج‬

‫بالزوجية في املرض إلى حاالت ثالث حسب قوة التهمة وضعفها‪ ،‬أوالها أن يعلم منه ميل إليها‬ ‫وصبابة بها‪ ،‬والثانية أن يعلم منه الشنآن والبغض لها‪ ،‬والثالثة أن يجهل مذهبه وحاله‪ ،‬فاألول ال‬ ‫يجوز إال بإذن الورثة‪ ،‬والثاني جائز على الورثة‪ ،‬والثالث إذا ورث كاللة ال يجوز وإن كان له أوالد‬ ‫فقوالن‪.‬‬

‫‪286‬‬

‫وقريبة من هذه املسألة مسألة تقسيم أحوال السفه والرشد وهي كما هي عند‬

‫القرافي‪ ،‬وهي‪ :‬أن يغلب السفه فيحكم به وإن ظهر الرشد‪ ،‬أو يغلب الرشد فيحكم به وإن ظهر‬ ‫السفه‪ ،‬والثالثة والرابعة أن يظهر أحدهما مع احتمال ضده فيحكم باألظهر ما لم يتبني ضده وفي‬ ‫املسألة تفريعات متشعبة‪ 287.‬وتتفرع عنها مسألة بلوغ الصغير فهو إما أن يبلغ معلوم الرشد أو‬ ‫معلوم السفه‪ ،‬وهذان الطرفان واضح احلكمني‪ ،‬وإن بلغ مجهول احلال فمحل خالف‪.‬‬

‫‪288‬‬

‫وفي أبواب الوقف والهبات بني أن األلفاظ منها الصريح ومنها املتردد مثل لفظ الصدقة فيمكن أن‬ ‫ينصرف للحبس بقرينة‪ ،‬ولفظ الصدقة في باب احلبس له حاالت‪ :‬األولى أن تكون على معينني فهي‬ ‫ملك تام‪ ،‬والثانية أن تكون على مجهولني غير معينني مثل املساكني فإنها تباع ويتصدق عليهم بها‬ ‫ما أمكن إال أن يقول يسكنونها فتوقف‪ ،‬والثالثة أن تكون على محصورين غير معينني مثل هذه‬ ‫الدار صدقة على فالن وعقبه‪ ،‬اختلف هل ترجع بانقراضهم مرجع األحباس أم ال‪.‬‬

‫‪289‬‬

‫وهذه من‬

‫التقسيمات التي ذكرها أعادها القرافي مع تعديل بسيط‪ .‬ومن اعتبار الظواهر املتقابلة عند ابن‬ ‫رشد تفصيله في اختالف الواهب واملوهوب له في نوع الهبة وهل هي للثواب أم ال بقوله إن الهبة‬ ‫لها حاالت‪ :‬أن يعرف أن الواهب إمنا أراد الثواب‪ ،‬أو يرى أنه لم يرده‪ ،‬أو ال يتبني مراده‪ ،‬واألوالن واضحان‬ ‫بينان‪ ،‬والثالث رجح إن القول فيه قول الواهب؛ قيل بيمني وقيل بغيرها‪.‬‬

‫‪290‬‬

‫وفي باب الغصب والضمان قسم غلة املغصوب إلى غلة متولدة عنه على هيئته كالولد‪ ،‬وغلة‬ ‫متولدة عنه على غير خلقته كالثمر‪ ،‬وغلة غير متولدة عنه كاألكرية وفي كلها خالف‪ 291‬وسيأتي‬ ‫تفصيل هذا التقسيم عند بيان القرافي لهذه املسألة إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫وفي باب الصلح بني أن وجوهه ثالثة؛ وجه يفسخ الصلح فيه باتفاق نحو الصلح على حرام‪ ،‬ووجه‬ ‫يفسخ فيه على اختالف وذلك إذا كان العقد حراما في حق أحد املتصاحلني دون صاحبه مثل أن‬ ‫يدعي عليه عشرة دنانير فيصاحله عنها بدراهم إلى أجل؛ فقد أمضاه أصبغ واملشهور أنه يفسخ‪،‬‬ ‫‪ -285‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪285‬‬ ‫‪ -286‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪721‬‬ ‫‪ -287‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪776‬‬ ‫‪ -288‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪778‬‬ ‫‪ -289‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪778‬‬ ‫‪ -290‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪771‬‬ ‫‪ -291‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪716‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪267‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫وأما الثالث فال يفسخ باتفاق‬

‫‪292‬‬

‫وهو الصلح الصحيح السالم من متحض أسباب التحرمي ومن‬

‫مداخلة احلرام للحالل‪.‬‬ ‫وفي باب التركات واملواريث بني مسألة من مشكالت التداخل املشكل الراجع للواقع وهي قوله إن‬ ‫اخلنثى يورث نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى على اختالف في ذلك‪،‬‬

‫‪293‬‬

‫ألن اهلل جعل البشر‬

‫ذكرانا وإناثا‪ ،‬فإذا وقع تداخل يؤدي لاللتباس وتعذر الترجيح روعي الشبهان وأنيط احلكمان‪.‬‬ ‫وفي باب اجلنايات بني هو وغيره أن القتل له ثالث حاالت؛ األولى‪ :‬أال يعمد للضرب وال للقتل فهو اخلطأ‬ ‫بإجماع‪ ،‬والثانية‪ :‬أن يعمد للضرب وال يعمد للقتل فهذا له أوجه حاصلها أنه يراعى فيها الظاهر‬ ‫والغالب واإلذن الشرعي‪ ،‬والثالثة‪ :‬أن يعمد للقتل فإن كان للغيلة منع العفو وإن كان للعداوة‬ ‫فأولياء الدم باخليار‪ 294.‬ويتفرع عن أنواع القتل الديات وهي عند مالك ثالث‪ :‬دية اخلطأ ودية العمد إذا‬ ‫قبلت ودية التغليظ‪ ،‬فاألولى مخمسة‪ ،‬والثانية ليست مبؤقتة‪ ،‬والثالثة مثلثة‪ 295.‬وكلتا القضيتني‬ ‫اجلناية والدية فيها طرفان وواسطة‪.‬‬ ‫الفقرة الثالثة‪ :‬فقه التقابل والتداخل لدى ابن رشد احلفيد‬ ‫من املصادر اﶈتملة للشهاب القرافي وإن لم يصرﺡ بها كتاب بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد البن‬ ‫رشد احلفيد‪ ،‬وهو أيضا من املصادر التي برزت فيها سمتا التقابل والتداخل‪ ،‬والثاني أكثر ظهورا فيه‬ ‫من األول‪ ،‬واألول يظهر أكثر ما يظهر باإلشارة بالالزم أو بالتضمن‪ ،‬إذ ال ميكن وجود تداخل إال وفيه‬ ‫إشارة إلى نوع من التقابل‪ .‬ولعل سبب ذلك أن كتاب بداية اﺠﻤﻟتهد يهتم باخلالف بني األئمة وأسبابه‬ ‫ومنها ظاهرة التداخل‪ ،‬ولذا جنده علل عشرات املسائل في مختلف األبواب بسبب سماه أحيانا مبا‬ ‫سماه به القرافي وهو تعدد الشوائب‪ ،‬وسما أحيانا أخر بتعارض األشباه‪،‬‬

‫‪296‬‬

‫وقد أورد ابن رشد بعض هذه املسائل املتعلقة بنظرية التقابل والتداخل على شكل تعليالت‬ ‫للخالف أقرب لألصول منها للفروع‪ ،‬كتعليله خالف ابن عباس بقوله إن لبنتي الصلب النصف‬ ‫خالفا للجمهور في أن للبنتني الثلثان‪ ،‬بتردد مفهوم قوله تعالى‪( :‬فوق اثنتني) هل حكم االثنتني‬ ‫املسكوت عنه يلحق بحكم الثالثة أو بحكم الواحدة‪ ،‬بينما جند أنه ذكر أكثر املسائل املتعلقة بهذه‬ ‫النظرية على شكل تعليالت ألسباب خالف األئمة في مسائل فقهية محددة‪ .‬ونحن هنا ذاكرون‬ ‫منها أمثلة في أبواب الفقه اجملتلفة موجزة وأغلبها موجود عند الشهاب القرافي‪.‬‬ ‫‪ -292‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪511‬‬ ‫‪ -293‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪178‬‬ ‫‪ -294‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪285‬‬ ‫‪ -295‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪217‬‬ ‫‪ -296‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪ 277‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪776‬‬

‫‪268‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫في باب الطهارة بني أن العلماء متفقون على اشتراط النية في العبادة واختلفوا في اشتراط النية‬ ‫في الوضوء‪ ،‬وسبب اختالفهم تردد الوضوء بني أن يكون عبادة محضة أي غير معقولة املعنى‪ ،‬وبني أن‬ ‫يكون عبادة معقولة املعنى كغسل النجاسة‪ 297.‬ولهذا السبب نفسه اختلفوا في غسل الكافر‬ ‫غسل اجلنازة‪ ،‬فكان مالك يقول ال يغسل املسلم والده الكافر‪ ،‬وقال الشافعي ال باس بغسل املسلم‬ ‫قرابته من املشركني‪.‬‬

‫‪298‬‬

‫ومن مسائل الطهارة تعليل اختالفهم في جتديد املاء لألذنني بتردد األذنني بني أن يكونا عضوا مفردا‬ ‫بذاته من أعضاء الوضوء‪ ،‬أو يكونا جزءا من الرأس‪ 299‬فعلى االستقالل يترجح االستقالل وعلى التبع‬ ‫يترجح التبع‪ .‬ومن ذلك اختالفهم في املاء الذي خالطه زعفران ونحوه من األشياء الطاهرة التي‬ ‫تنفك منه غالبا متى غيرت أحد أوصافه‪ ،‬وسبب اختالفهم خفاء تناول اسم املاء املطلق له‪ 300.‬وعلل‬ ‫اشتراط املالكية والشافعية للوضوء في الطواف بشبهه بالصالة‪ ،‬وعدم اشتراط ابي حنيفة له‬ ‫الطهارة عدم ذلك‪ ،‬فيتردد الطواف بني أن يلحق حكمه بحكم الصالة أو ال يلحق‪.‬‬

‫‪301‬‬

‫وبني أن األئمة اختلفوا في بعض أجزاء ما تفقوا على أنه ميتة‪ ،‬وذلك أنهم اتفقوا على أن اللحم من‬ ‫امليتة ميتة‪ ،‬واختلفوا في العظام والشعر فذهب الشافعي إلى أنها ميتة‪ ،‬خالفا ألبي حنيفة‪ ،‬وذهب‬ ‫مالك إلى أن العظم ميتة دون الشعر‪ .‬وسبب اختالفهم اختالفهم فيما ينطلق اسم احلياة‪ ،‬فمن‬ ‫قال إنه النمو جعل اجلميع ميتة‪ ،‬ومن قال إنه احلس أخرج الشعر‪ .‬قال‪ :‬واألمر مختلف فيه بني‬ ‫األطباء‪ 302.‬وجعل اخلالف في طهارة املني راجعا لتردده بني أن يشبه باألحداث اخلارجة من البدن وبني‬ ‫ان يشبه بالفضالت الطاهرة كاللنب‪.‬‬

‫‪303‬‬

‫وفي التكليف بالصالة وغيرها قال ابن رشد‪ :‬اختلفوا في املغمي عليه فمنهم من أوجب عليه‬ ‫القضاء ومنهم من لم يوجبه عليه ومنهم من أوجب عليه اخلمس فما دونها‪ ،‬والسبب تردده بني‬ ‫النائم واﺠﻤﻟنون‪.‬‬

‫‪304‬‬

‫وكما اختلفوا في املغمي عليه اختلفوا أيضا في السكران واجلمهور على وقوع‬

‫طالﻕ السكران‪ ،‬وقال بعض أصحاب أبي حنيفة ال يقع‪ .‬وسبب اخلالف تشبيهه باﺠﻤﻟنون وعدمه‪ 305.‬وال‬ ‫يبعد من هذا اختالفهم في دية ما جناه الصبي واﺠﻤﻟنون على من جتب؟ فقال مالك وأبو حنيفة على‬

‫‪ -297‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪18‬‬ ‫‪ -298‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪187‬‬ ‫‪ -299‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪22‬‬ ‫‪ -300‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪71‬‬ ‫‪ -301‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪71‬‬ ‫‪ -302‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪68‬‬ ‫‪ -303‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪31‬‬ ‫‪ -304‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪178‬‬ ‫‪ -305‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪723‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪269‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫العاقلة‪ ،‬وقال الشافعي عمد الصبي في ماله‪ ،‬وسبب اختالفهم تردد فعل الصبي بني العامد‬ ‫واجملطئ‪.‬‬

‫‪306‬‬

‫وفي باب الزكاة علل االختالف في كثير من فروع الزكاة بالنظر للزكاة هل هي عبادة أو حق مرتب في‬ ‫املال للمساكني‪ ،‬ومن ذلك اختالفهم في وجوب الزكاة على املالكني الذين تستغرق الديون أموالهم‪،‬‬ ‫فقيل ال زكاة حتى تخرج الديون بناء على أن الزكاة حق للمساكني وحق الدائن ثبت قبل حقهم‪،‬‬ ‫وقال أبو حنيفة‪ :‬الدين ال مينع زكاة احلبوب ومينع ما سواها‪ ،‬وقال مالك الدين مينع زكاة الناض‬ ‫فقط‪.‬‬

‫‪307‬‬

‫ومن مسائل الزكاة املبنية على تصور طبيعة احلق فيها قوله‪ :‬إذا ذهب بعض املال بعد‬

‫الوجوب وقبل إخراج الزكاة هل يزكي الكل أو ما بقي؟ والسبب اختالفهم في تشبيه الزكاة بالديون‬ ‫الثابتة في الذمة وتشبيهها باحلقوق التي تتعلق بعني املال‪ 308‬فعلى األول يلزم إخراج البدل وعلى‬ ‫الثاني تسقط بهالﻙ اﶈل‪ .‬وبسبب التعبد والتعليل في الزكاة اختلفوا في إجزاء القيمة في الزكاة‪،‬‬ ‫فقال مالك والشافعي ال يجوز نظرا للتعبد‪ ،‬وقال أبو حنيفة باجلواز واإلجزاء نظرا للتعليل‪ 309.‬وبذلك‬ ‫علل أيضا اخلالف في جواز إخراج الزكاة قبل احلول؛ فإن مالكا منع ذلك مراعاة للتعبد‪ ،‬وجوزه أبو‬ ‫حنيفة والشافعي مراعاة للتعليل أيضا‪.‬‬

‫‪310‬‬

‫وفي زكاة املعدن قال إن الشافعي راعى احلول مع النصاب‪ ،‬وراعى مالك النصاب دون احلول‪ ،‬لتردده بني‬ ‫ما تخرجه األرض مما جتب فبه الزكاة وبني التبر والفضة املقتنيني‪ 311‬وهذه كلها أنواع من األشباه أدى‬ ‫تعارضها لالختالف‪ ،‬كما أدى تعارضها الختالف األئمة في حول الربح؛ فالشافعي يعتبره من يوم‬ ‫استفيد‪ ،‬وقال مالك حوله حول األصل‪ ،‬وفرق قوم بني أن يكون أصل املال نصابا فيزكي مع رأس املال‬ ‫أوال فال يزكيه‪ ،‬وسبب اختالفهم تردد الربح بني أن يكون حكمه حكم املال املستفاد أو حكم‬ ‫األصل‪.‬‬

‫‪312‬‬

‫وفي باب الصيام قال‪ :‬اختلفوا في تعدد كفارة من وطئ في يوم من رمضان ولم يكفر حتى وطئ في‬ ‫يوم ثان‪ ،‬فقال مالك والشافعي عليه لكل يوم كفارة‪ ،‬وقال أبو حنيفة عليه كفارة واحدة‪ .‬وسبب‬ ‫اخلالف تشبيه الكفارة باحلدود فتتداخل وعدم تشبيهها بها فال تتداخل‪ 313.‬قال‪ :‬وأما من أفطر مبا هو‬

‫‪ -306‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪637‬‬ ‫‪ -307‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪111‬‬ ‫‪ -308‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪271‬‬ ‫‪ -309‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪215‬‬ ‫‪ -310‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪211‬‬ ‫‪ -311‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪216‬‬ ‫‪ -312‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪213-216‬‬ ‫‪ -313‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪272‬‬

‫‪270‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫مختلف فيه كاحلجامة وبلع احلصاة فقيل يكفر وقيل ال يكفر‪ ،‬وسبب هذا اخلالف أن املفطر بشيء‬ ‫فيه اختالف فيه شبه من غير املفطر ومن املفطر‪ ،‬وهذان الشبهان هما اللذان أوجبا فيه اخلالف‪.‬‬

‫‪314‬‬

‫وفي باب اجلهاد فسر اختالف العلماء في النساء هل يسهم لهن في الغنيمة إن قاتلن‪ ،‬فسره‬ ‫بترددهن بني شبه الرجال املقاتلني فيسهم لهن ملشاركتهن في القتال‪ ،‬وشبه غيرهم بسبب‬ ‫بقائهن على صفاتهن وضعفهن وعدم اعتياد مشاركتهن في القتال‪ 315‬فال يسهم لهن‪.‬‬ ‫وفي كتاب اليمني قال‪ :‬اختلفوا في األميان التي ليست أقساما هل فيها كفارة أم ال‪ ،‬فذهب مالك أال‬ ‫كفارة‪ ،‬وذهب الشافعي وأحمد إلى وجوبها‪ ،‬وسبب اخلالف ترددها بني اليمني والنذر‪ 316.‬ومن املعلوم أن‬ ‫اليمني يكفر وأن النذر يوفى به لكن ال كفارة فيه‪ .‬ومن مسائل اليمني العائدة إلى تردد األشباه أنهم‬ ‫اختلفوا إذا حلف على شيء واحد بعينه مرارا؛ فقال قوم في كل كفارة ميني إال أن يريد التأكيد‪ ،‬وقال‬ ‫مالك كفارة واحدة إال أن يريد التغليظ‪ ،‬وسبب اخلالف هل املوجب للتعدد هو تعدد األميان باجلنس أو‬ ‫بالعدد‪.‬‬

‫‪317‬‬

‫وفي باب النكاح وتوابعه قال‪ :‬منع قوم تأجيل الصداق وأجازه آخرون‪ ،‬واستحب مالك أن يقدم منه‬ ‫شيئا إذا أراد الدخول‪ ،‬وسبب اختالفهم هل يشبه النكاح البيع فيسلم ما يشبه الثمن متى تراضى‬ ‫املتعاقدان‪ ،‬أو يشبه العبادة فيكون مؤقتا ومينع التأجيل؛‬

‫‪318‬‬

‫كما اختلف العلماء في تقدير أقل‬

‫الصداق على أقوال‪ ،‬وسبب اخلالف تردده بني أن يكون عوضا من األعواض يرضى فيه بالقليل والكثير‪،‬‬ ‫وبني أن يكون عبادة فال يصح فيه أقل مما ثبت‪ 319.‬وألجل تردد النكاح بني البيع والهبة اختلفوا في‬ ‫نكاح املريض فأجازه أبو حنيفة والشافعي ومنعه مالك في املشهور‪ 320،‬وهذا من التقابل والتداخل‬ ‫بني العقود‪.‬‬ ‫وبسبب التردد بني العبادة والعادة اختلفوا هل للمخالع نكاح اجملالعة في عدتها برضاها‪ ،‬فاتفق‬ ‫اجلمهور على أن له ذلك‪ ،‬وقالت فرقة ال يتزوجها هو وال غيره في العدة‪ ،‬ألن املنع من النكاح في العدة‬ ‫ميكن أن يكون عبادة فال يقدم عليه ولو أمن اختالط األنساب بأن كان الزوج واحدا‪ ،‬وميكن أن يكون‬ ‫معلال فيجوز اإلقدام عليه ما دام الزوج هو هو وال بينونة‪ 321.‬وبهذا يحصل في النكاح ثالثة أشباه‪:‬‬

‫‪ -314‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪277‬‬ ‫‪ -315‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪773‬‬ ‫‪ -316‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪727‬‬ ‫‪ -317‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪723‬‬ ‫‪ -318‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪786‬‬ ‫‪ -319‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ‪787‬‬ ‫‪ -320‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪772‬‬ ‫‪ -321‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪727‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪271‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫البيع واإلحسان والتعبد‪ ،‬وهي من احلالت القليلة التي يكون فيها التقابل والتداخل بني أطراف ثالثة‬ ‫كلها أصول‪.‬‬ ‫قال ابن رشد مبينا أحكام التداخل وأطرافه‪ :‬إذا ظاهر من امرأة واحدة في عدة مجالس هل عليه‬ ‫كفارة واحدة أو يكفر بعدد املواضع؟ والسبب في هذا اخلالف أن الظهار الواحد باحلقيقة هو الذي‬ ‫يكون بلفظ واحد من امرأة واحدة في وقت واحد‪ ،‬واملتعدد بال خالف هو الذي يكون بلفظني من‬ ‫امرأتني في وقتني‪ ،‬فإن كرر اللفظ من امرأة واحدة فهل يوجب تعدد اللفظ تعدد الظهار أم ال؟‬ ‫وكذلك إن كان اللفظ واحدا واملظاهر منها أكثر من واحدة؟ وذلك أن هذه مبنزلة املتوسطات بني‬ ‫ذينك الطرفني‪.‬‬

‫‪322‬‬

‫وهذا من أصرح املواضع وأشملها ألطراف معادلة التقابل والتداخل في بداية‬

‫اﺠﻤﻟتهد‪.‬‬ ‫ومن التداخل املوجب للتردد في احلدود اخلالف في طبيعة حد القذف هل هو حق هلل أو حق لآلدميني‪،‬‬ ‫وبناء على تصويره اختلفوا في سقوطه بعفو املقذوف‪ ،‬فقال أبو حنيفة ال يسقط تغليبا حلق اهلل‪،‬‬ ‫وقال الشافعي يسقط احلد بالعفو تغليبا حلق العبد‪ ،‬وفرق قوم بني بلوغه اإلمام وعدمه‪ ،‬واختلف‬ ‫قول مالك في املسألة‪.‬‬

‫‪323‬‬

‫وفي البيوع وأشباهها اختلفوا في بيع أشياء مثل لنب االدمية؛ فمالك والشافعي يجوزانه وأبو‬ ‫حنيفة ال يجوزه‪ ،‬وسبب اخلالف تعارض أقيسة الشبه‪ 324‬فاللنب هنا يشبه املال املتقوم لقصد الناس‬ ‫إليه‪ ،‬ويشبه غيره بحكم ندرته وتفاهته‪ .‬كما اختلفوا في مسائل كثيرة من البيوع للخالف في‬ ‫الغرر الذي فيها ودرجته؛ فمنع الشافعي بيع الغائب للغرر واجلهالة‪ ،‬وال خالف عن مالك أن الصفة‬ ‫تنوب مناب املعاينة‪ .‬وسبب اخلالف هل نقصان العلم املتعلق بالصفة عن العلم املتعلق باحلس هو‬ ‫جهل مؤثر في بيع الشيء فيكون من الغرر الكثير أم ليس مبؤثر وأنه من الغرر اليسير املعفو عنه‪.‬‬

‫‪325‬‬

‫وقد اختلف العلماء في فروع كثيرة في الوديعة نحو دفعها إلى غير اليد التي دفعتها إليه‪ ،‬فإن أنكر‬ ‫القابض القبض فال يصدق املستودع في الدفع إال ببينة‪ ،‬وقال أبو حنيفة القول قول املستودع مع‬ ‫ميينه‪ ،‬والسبب في هذا االختالف هل األمانة تقوي دعوى املدعي حتى يكون القول قوله مع ميينه‪ ،‬أو‬ ‫ينظر إلى أن أمانته أضعف فال يبرأ إال ببينة‪ 326.‬ومن تطبيقات القاعدة قوله إن العارية عقد جائز‬ ‫عند أبي حنيفة والشافعي‪ ،‬وأما عند مالك فليس له استرجاعها قبل االنتفاع‪ ،‬وإن شرط مدة لزمته‬

‫‪ -322‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪771‬‬ ‫‪ -323‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪617‬‬ ‫‪ -324‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪767‬‬ ‫‪ -325‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪787‬‬ ‫‪ -326‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ص ‪517‬‬

‫‪272‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫وإن لم يشترط لزمته املدة بالعرف‪ ،‬وسبب اخلالف ما يوجد فيها من شبه العقود الالزمة وغير‬ ‫الالزمة‪.‬‬

‫‪327‬‬

‫واجلامع بني كل تلك املسائل أن التقابل والتداخل والتردد بني النقائض واألضداد واجملتلفات سبب من‬ ‫أسباب االتفاق‪ ،‬وأن تعارض األشباه وتعددها سبب من أسباب اخلالف‪ ،‬وباب واسع نستطيع من خالله‬ ‫أن نفسر الكثير من االختالفات احلقيقية والصورية بني الفقهاء‪ ،‬وقد كانت مؤلفات القاضي عبد‬ ‫الوهاب وابني رشد اجلد احلفيد في اخلالف خير شاهد على ذلك‪.‬‬

‫‪ -327‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬ﺹ ‪516‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪273‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫الفصل الرابع‪:‬‬ ‫التقابل والتداخل في أصول الفقه عند الشهاب‬ ‫القرافي‬ ‫أغلب مباحث أصول الفقه مبنية على ثنائيات متقابلة زادها القرافي تقابال وبني مواطن التشابه‬ ‫وأضاف إليها اختيارات وترجيحات وتقسيمات ال جندها عند غيره‪ ،‬وقد تتبعت تلكم الثنائيات ثم‬ ‫اكتفيت منها هنا مبثالني أو ثالثة خشية اإلطالة اململة واكتفاء مبا يقرر القاعدة‪.‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬التقابل والتداخل في األحكام‬ ‫أحكام الشرع تنقسم إلى أحكام شرعية معروف أنها خمسة مبنية على أوضاع ال تنحصر يذكر‬ ‫األصوليون بعضها ويتركون بعضا‪ ،‬وأحكام الشرع أضداد متقابلة‪ ،‬وقد تتداخل‪ ،‬وأحكام الوضع‬ ‫تتقابل ألنها مختلفة وقد يقع بينها تداخل‪ ،‬كما أن أحكام الشرع قد تتداخل مع أحكام الوضع‬ ‫ولكل ذلك أحكام تخصه‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬التقابل والتداخل في أحكام الشرع‬ ‫أحكام الشرع ال تسلم من تقابل بني طرفيها الوجوب واحلرمة وبينهما ثالثة أطراف هي الندب‬ ‫والكراهة واإلباحة تتداخل فيها أشباه الطرفني؛ فتلحق أحيانا بهذا وأحيانا بذاك وأحيانا بغيرهما‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬التقابل والتداخل بني التحرمي واإلباحة‬ ‫أحكام الشرع قيل إنها خمسة وهي معروفة‪ ،‬الوجوب والندب والتحرمي والكراهة واإلباحة‪ ،‬وقيل‬ ‫أربعة أي دون املباح‪ ،‬وميكن أن يستنتج من بعض تقسيمات القرافي أن األحكام ثالثة حيث قال‪:‬‬ ‫"الشريعة ثالثة أقسام‪ :‬مأمورات ومنهيات ومباحات"‪ 328‬ونقل عن بعض األصوليني أن األحكام اثنان‪:‬‬ ‫التحرمي واإلباحة‪ 329،‬وقد فسر اإلباحة هنا بتفسيرين‪ :‬أحدهما‪ :‬جواز اإلقدام حتى يندرج حتته الوجوب‪،‬‬ ‫قال في النفائس‪ :‬وهذا تفسير املتقدمني والثابت في موارد السنة‪ 330،‬وهذا القول منه تأكيد حلقيقة‬ ‫التقابل بني هذه األحكام التي جعلها في النهاية اثنان فتكون األحكام طرفني متقابلني‪ .‬وأما على‬

‫‪ -328‬نفائس األصول ج‪ 7‬ص‪1618‬‬ ‫‪ -329‬شرح التنقيح ص‪61‬‬ ‫‪ -330‬نفائس األصول ج‪ 1‬ص‪277‬‬

‫‪274‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫التفسير الثاني وهو تفسير املتأخرين أن املباح يعني استواء الطرفني‬

‫‪331‬‬

‫فهو قريب من منطقة‬

‫التداخل‪ ،‬ولهذا اختلف فيه هل هو من الشرع أم ال‪ ،‬وسبب اخلالف في ذلك اخلالف في تفسير املباح؛‬ ‫فمن فسره بنفي احلرج جعله خارجا ألنه سابق على الشرع‪ ،‬ومن فسره باإلعالم بنفي احلرج جعله‬ ‫الحقا بالشرع‪،‬‬

‫‪332‬‬

‫قال في النفائس‪ :‬وهو املشهور‪.‬‬

‫‪333‬‬

‫وعلى كل فاملباح موقع تداخل متردد بني أن‬

‫يكون من الشرع وبني أال يكون منه‪ ،‬لشبهه باألحكام الشرعية من وجه‪ ،‬وشبهه بغيرها من وجه‬ ‫آخر‪ ،‬واملكروه متردد بني احلرمة واإلباحة‪ ،‬واملندوب متردد أيضا بني الوجوب واإلباحة كذلك‪.‬‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬التقابل والتداخل بني الوجوب واملنع‬ ‫مع أن التقابل بني الوجوب واإلباحة ﳑكن فإنه أﻇهر منه التقابل بني الواجب واﶈرم‪ ،‬وإذا تقابال تكون‬ ‫اإلباحة موقعا فاصال بينهما‪ ،‬ومن قواعد الشهاب القرافي التقابلية أن الشرع يحتاط في اخلروج من‬ ‫احلرمة إلى اإلباحة أكثر من اخلروج من اإلباحة إلى التحرمي‪ ،‬ولذا أو قع املالكية الطالق بالكنايات وإن‬ ‫بعدت ألنه خروج من احلل فيكفي فيه أدنى سبب‪ ،‬ولم يجروا النكاح بكل لفظ بل مبا فيه قرب‬ ‫مقصود النكاح ألنه خروج من احلرمة إلى احلل‪ ،‬وجوزوا البيع بجملة الصيغ واألفعال الدالة على‬ ‫الرضا ألن األصل في السلع اإلباحة فهو خروج من احلل إلى احلل‪.‬‬

‫‪334‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬التقابل والتداخل في أحكام الوضع‬ ‫األوضاع التي بنيت عليها األحكام مثل األسباب والشروط واملوانع والعلل واحلكم واملقاصد تتقابل‬ ‫حسب أنواعها وتتداخل أيضا بأن تتعدد على مورد واحد‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬التقابل والتداخل بني املصالح واملفاسد‬ ‫األوامر تبع للمصالح كما أن النواهي تبع للمفاسد‪ ،‬واملصلحة إن كانت في أدنى الرتب كان املرتب‬ ‫عليها الندب‪ ،‬وإن كانت في أعلى الرتب كان املرتب عليها الوجوب‪ ،‬ثم إن املصلحة تترقى ويرتقي‬ ‫الندب بارتقائها حتى يكون في أعلى مراتب الندب‪ ،‬ويلي أعلى مراتب الندب الوجوب‪ ،‬وكذلك‬ ‫املفسدة فإن الكراهة ترتقي بارتقاء املفسدة حتى تكون أعلى مراتب املكروه‪ ،‬ويلي أعلى درجات‬ ‫املكروه أدنى مراتب التحرمي‪.‬‬

‫‪335‬‬

‫ودأب الشرع أن يحكم على كل ما عظمت مصلحته بالوجوب‪ ،‬وعلى كل ما عظمت مفسدته‬ ‫بالتحرمي‪ ،‬وبني هذين وسائط يحكم عليها بالندب أو بالكراهة‪ ،‬غير أن الشرع قد يراعي األحوال‬ ‫فيقصر بعض املصالح العظيمة على الندب‪ ،‬وبعض املفاسد الكبيرة على الكراهة إذا كان احلكم‬ ‫‪ -331‬شرح التنقيح ص ‪172‬‬ ‫‪ -332‬شرح التنقيح ص‪61‬‬ ‫‪ -333‬نفائس األصول ج‪ 1‬ص‪ 277-271‬وج ‪ 7‬ص ‪1518‬‬ ‫‪ -334‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪718‬‬ ‫‪ -335‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪15‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪275‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫عليهما بالوجوب أو بالتحرمي يفضي إلى عنت أو مشقة‪ ،‬ومن ذلك السواك مثال فقد وصل إلى حد‬ ‫يجعله صاحلا لإليجاب‪ ،‬ولكن ترك اإليجاب رفقا بالناس‪ ،‬وقد ساوى كثير من املندوبات كثيرا من‬ ‫الواجبات في املصلحة وال يجب ذلك الفعل رفقا بالعباد‪.‬‬

‫‪336‬‬

‫واملصالح كما هو معروف تنقسم إلى مصالح ضرورية ومصالح حاجية وأخرى حتسينة‪ ،‬وزاد القرافي‬ ‫قسما رابعا هو املستغنى عنه‪ 337،‬ليكتمل طرفا التقابل في املصالح املعتبرة شرعا‪ .‬وبعد تقسيم‬ ‫املصالح إلى الدرجات الثالث بني مواطن التداخل بينها قائال‪ :‬وتقع أوصاف بني هذه املراتب الثالث‬ ‫كقطع األيدي باليد الواحدة‪ ،‬فإن شرعيته ضرورية حلفظ األطراف‪ ،‬وإن أمكن أن يقال ليس كذلك ألنه‬ ‫يحتاج اجلاني فيه إلى االستعانة بالغير وقد يتعذر‪ .‬وقد يجتمع نوعان من هذه املصالح في وصف‬ ‫واحد لكن باعتبارات أو محال أو متعلقات مختلفة‪ ،‬وذلك مثل النفقة على النفس فإنها ضرورية‪،‬‬ ‫وعلى الزوجات حاجية‪ ،‬وعلى األقارب حتسينية‪ ،‬ومثل العدالة فهي في الشهادة ضرورية وفي اإلمامة‬ ‫على اخلالف حاجية وفي النكاح تتمة‪.‬‬

‫‪338‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التقابل والتداخل بني املناسب وامللغي‬ ‫املناسب ينقسم من حيث نوعه كما هو معلوم إلى ضروري وحاجي وحتسيني‪ 339،‬وينقسم من حيث‬ ‫اعتبار الشارع إلى ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫األول‪ :‬ما اعتبره الشرع؛ والعتباره حاالت ألن املعتبر منه قد يكون نوعا في نوع‪ ،‬أو جنسا في جنس‪ ،‬أو‬ ‫أحدهما في اآلخر‪ ،‬ويرجح ما ظهر تأثير نوعه في نوع احلكم‪ 340‬قال‪ :‬وهذا هو القياس‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬ما ألغاه الشرع كمنع زراعة العنب خوف أن تصنع خمرا‪.‬‬

‫‪341‬‬

‫‪342‬‬

‫والثالث‪ :‬ما جهل حاله‪ ،‬وهي عبارة نادرة ال جندها عند غيره‪ ،‬قال‪ :‬والذي جهل حاله هو املصلحة‬ ‫املرسلة‪.‬‬

‫‪343‬‬

‫وهذه التقسيمات هي خالصة نظرات األصوليني في الباب‪ ،‬ولكن الشهاب القرافي أضاف إليها‬ ‫ملسته التقابلية املنطقية فبني أن األخص دائما مقدم‪ ،‬فكما أن النوع في النوع أخص اجلميع‬ ‫فاجلنس في اجلنس أعم اجلميع‪ ،‬واملنقول أي النوع في اجلنس واجلنس في النوع متساويان متعارضان‬

‫‪ -336‬نفائس األصول ج‪ 7‬ص ‪1213‬‬ ‫‪ -337‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪73‬‬ ‫‪ -338‬شرح التنقيح ص‪771‬‬ ‫‪ -339‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪178 ،121-123‬‬ ‫‪ -340‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪178 ،121-123‬‬ ‫‪ -341‬شرح التنقيح ص ‪772‬‬ ‫‪ -342‬شرح التنقيح ص ‪772‬‬ ‫‪ -343‬شرح التنقيح ص‪751‬‬

‫‪276‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬ ‫إال أنهما مقدمان على اجلنس في اجلنس لوجود اخلصوص فيهما على اجلملة‪ 344.‬وبني أن األجناس‬ ‫عالية وسافلة ومتوسطة‪ ،‬وكلما قرب كان أرجح وأولى باالعتبار‪.‬‬

‫‪345‬‬

‫واخلالف في مواطن (العلل) وما يعتبر منها وما ال يعتبر راجع إلى تعامل الصحابة مع املصالح‪،‬‬ ‫وتعاملهم معها نظر إليه القرافي من زاوية الطرفني املتفق عليهما والواسطة املترددة املتداخلة‪،‬‬ ‫فاملصالح منها مارده الصحابة رضوان اهلل عليهم فرددناه‪ ،‬ومنها ما أعملوه فأعملناه‪ ،‬ومنها ما لم‬ ‫يتعرضوا له فنعرض عنه‪ ،‬أو نقول‪ :‬الصحابة علم من سيرتهم اتباع اجملايل‪ 346‬فنعمله‪ .‬والظاهر أنه‬ ‫ال يدخل املصالح املرسلة في القسم الثالث مع أن ظاهر تقسيمه أنها ما سكت عنه الشارع‪،‬‬ ‫ولكن يبدو أنه هنا يرى أن الصحابة أعملوها فكانت في هذا التقسيم من القسم الثاني ال من‬ ‫الثالث‪ ،‬والدليل على ذلك متثيله بقياس الشبة والطرد ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪347‬‬

‫ومن اهتمامه مبواطن التداخل رده قول الرازي‪ :‬الوصف الواحد ال يناسب املتنافيني‪ ،‬وتعقبه القرافي‬ ‫مبسألة جمع الفرق‪ ،‬وهو ترتيب النقيضني على مناسبة وصف‪ ،‬ومثلوه بأن صون مال اﶈﺠور عليه‬ ‫يقتضي رد تصرفاته حفاظا على ماله‪ ،‬وتنفيذ وصاياه مطلوب صونا ملاله على مصاحله األخروية‪،‬‬ ‫وهما ضدان‪ ،‬فصار صون املال يناسب التنفيذ وعدمه باعتبار حالني‪ 348.‬وميكن أن يقال إن هذا حكم‬ ‫واحد ال حكمان‪.‬‬ ‫والذرائع في حقيقتها ما هي إال نوع من جلب املصالح أو درء املفاسد لكن ما مييزها أنها آجلة‬ ‫متوقعة بخالف غيرها من املصالح‪ ،‬وقد قسمها أيضا إلى ثالثة أقسام؛ اثنان منها متقابالن متفق‬ ‫على حكمهما بالفتح أو بالسد‪ ،‬والثالث محل تردد واختالف؛‪ 349‬فالقسم األول هو ما أجمعت األمة‬ ‫على سده‪ ،‬كحفر اآلبار في طرق املسلمني‪ ،‬والقسم الثاني هو الذي أجمعت األمة على عدم منعه‬ ‫وسده كزراعة العنب خوف أن تصنع خمرا واﺠﻤﻟاورة في البيوﺕ احتياطا من الفساد‪ ،‬والقسم الثالث‬ ‫اختلف فيه العلماء هل يسد أم ال ومثل له ببيوع اآلجال عند املالكية‪ ،‬وبالنظر للنساء‪ 350،‬وال أراه‬ ‫يقصد إال النظر إلى ما يباح النظر إليه ولم يؤمر بستره‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬التقابل والتداخل بني أحكام الشرع وأحكام الوضع‬ ‫احلكم الشرعي يشمل خطاب الوضع وخطاب التكليف‪ ،‬إال أن كثيرا من املعرفني ال يشير إلى أحكام‬ ‫الوضع في تعريف احلكم‪ ،‬وقد ادعى القرافي متيزه بذلك فعرف احلكم بأنه‪ :‬كالم اهلل القدمي املتعلق‬ ‫‪ -344‬شرح التنقيح ص‪751‬‬ ‫‪ -345‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪178 ،121-123‬‬ ‫‪ -346‬نفائس األصول‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪7573‬‬ ‫‪ -347‬نفائس األصول‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪7573‬‬ ‫‪ -348‬نفائس األصول‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪75177-7511‬‬ ‫‪ -349‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ، 78‬شرح التنقيح ص‪775‬‬ ‫‪ -350‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪222‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪277‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬ ‫بأفعال املكلفني على وجه االقتضاء أو التخيير أو ما يتبعه هذا التعلق وجودا وعدما‪ 351،‬قال‪ :‬ولم أر‬ ‫أحدا ركب احلد هذا التركيب‪".‬‬

‫‪352‬‬

‫وتقسيم احلكم الشرعي إلى تكليفي ووضعي أمر متفق عليه‪ ،‬واحلكم فيه سهل حالة انفراد‬ ‫خطاب الوضع كأوقات الصلوات‪ ،‬ونفى القرافي إمكان تصور انفراد التكليف‪ 353‬غير أنه ذكره ومثل‬ ‫له فرضا بصالة الظهر‪،‬‬

‫‪354‬‬

‫وقد يكون األمر تناقضا أو رجوعا عن أحد الرأيني‪ ،‬واألقرب أن يقال إنه‬

‫يقصد باألول الفرض الذهني‪ ،‬ويقصد بالثاني وقوعه في الشرع‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬التقابل والتداخل بني حكم الشرع وحكم الوضع‬ ‫ال لبس في أمر حكم الوضع إذا انفرد‪ ،‬وال في حكم الشرع على فرض انفراده وأمرهما إذا ذاك بني‪،‬‬ ‫وإمنا اخلالف واإلشكال واللبس فيما اجتمعا فيه فكان حكم شرع بحكم التكليف مبقتضاه‪ ،‬وحكم‬ ‫وضع من جهة جعله سببا أو شرطا لغيره مثل الوضوء‪،‬‬

‫‪355‬‬

‫وأشد منه التباسا ما تردد وتشابه‬

‫بينهما فاختلف العلماء هل يلحق بالوضع أو بالتكليف‪ ،‬أو هل يغلب فيه حكم التكليف أو يغلب‬ ‫فيه حكم الوضع‪ ،‬أو يراعيان فيه هذا من وجه وهذا من وجه؟‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬ما يتداخل فيه خطاب التكليف وخطاب الوضع ويغلب التكليف‬ ‫آمن القرافي بالتداخل بني أحكام التكليف وأحكام الوضع لدرجة يكاد بها أن ينفي وجود أحكام‬ ‫الوضع أصال‪ ،‬ويرجعها إلى أحكام التكليف‪ ،‬فقال إن أكثر األوضاع راجع ألحكام الشرع اخلمسة؛‬ ‫فالطهارة عنده راجعة لإلباحة‪ ،‬والنجاسة راجعة للتحرمي واحلدث راجع للتحرمي‪ ،‬وامللك راجع لإلباحة‪،‬‬ ‫وفساد العقد راجع للتحرمي والطالق راجع للتحرمي‪ ،‬واجلنابة راجعة للتحرمي وصحة العقود راجعة‬ ‫لإلباحة‪ ،‬وامللك قال مرة إنه مشكل‪ 356‬ومرة رجح أنه أقرب للتكليف؛ ووجهه بأنه إباحة خاصة في‬ ‫تصرفات خاصة وأخذ العوض عن ذلك اململوك على وجه خاص‪.‬‬

‫‪357‬‬

‫وهذه األحكام املذكورة جميعا‬

‫تضاف إليها العصمة في الدماء واألموال‪ ،‬وإن كانت ال تسمى بحرام وال مباح فهي في املعنى راجعة‬ ‫إليهما‪ ،‬وقد تداخل فيها حكم التكليف وحكم الوضع ولكن غلب التكليف عند الشهاب القرافي‪،‬‬ ‫واستدل على ذلك بأن لها ألفاظا تخصها‪358،‬ولو لم تغلب فيها شائبة التعبد لتركها الشرع‬ ‫لتقدير املكلفني‪ .‬ومما اجتمع فيه حكم الوضع وحكم التكليف ولكن غلب التكليف النذور‪،‬‬ ‫‪ -351‬نفائس األصول ج‪ 1‬ص ‪228‬‬ ‫‪ -352‬شرح التنقيح ص ‪61-68‬‬ ‫‪ -353‬شرح التقيح ص ‪38‬‬ ‫‪ -354‬نفائس األصول ج‪228 1‬‬ ‫‪ -355‬شرح التقيح ص ‪38‬‬ ‫‪ -356‬ويالحظ في األحكام املذكورة عدم الترتيب ولكن هكذا رتبها اإلمام في كتاب األمنية‪ ،‬ص ‪ 118‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ -357‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ 117،117‬ونفائس األصول ج‪ 1‬ص‪228‬‬ ‫‪ -358‬نفائس األصول ج‪ 1‬ص‪228‬‬

‫‪278‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬ ‫واستدل على ذلك باشتراط النية فيها‪ 359‬مع أنها في األصل أسباب وضعها الشارع يترتب عليها‬ ‫إلزام املكلف نفسه بفعل مشروع‪.‬‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬التقابل والتداخل في مصادر األحكام‬ ‫مصادر األحكام املسماة باألدلة في كتب أصول الفقه تنقسم إلى قسمني؛ قسم نقلي وهو القرآن‬ ‫والسنة وما يلحق بهما‪ ،‬وأدلة فرعية وهي القياس وما يلحق به من أدلة فرعية متعددة‪ ،‬وأنواعها‬ ‫وأحكامها مبنية على قاعدة التقابل والتداخل‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬التقابل والتداخل في علم الرواية‬ ‫األدلة عقلية كانت أو نقلية تقوم على أصل الرواية الصحيحة عن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬وللرواية قواعد إذا تأملناها وجدناها قائمة على هذا املبدأ‪ ،‬فقد قسم اﶈدثون الرواة إلى‬ ‫ضابط تقبل روايته‪ ،‬وفاقد للصفة فال تقبل روايته‪ ،‬ومتردد بينهما مثل من طرأ عليه عدم الضبط‬ ‫وهو اجملتلط وهو إلى الثاني أقرب ولذلك أحلق به‪ ،‬إال أن هذا املتردد متردد من وجه آخر وهو أنه قد يعلم‬ ‫أن ما رواه سمع منه قبل اختالطه فيقبل‪ ،‬أو يعلم أن سمع منه بعد اختالطه فيرد وال يقبل‪ ،‬أو‬ ‫يشكل فال يدرى هل أخذ عنه قبل االختالط أو بعده وهنا يرجح الرد أيضا‪.‬‬

‫‪360‬‬

‫وفي باب العدالة ﳒد اﶈدثني اختلفوا في رواية املبتدع فمنهم من ردها مطلقا‪ ،‬ومنهم من قبلها‬ ‫بشرط عدم استحالله الكذب‪ ،‬ومنهم من اشترط عدم دعوته إلى بدعته‪ ،‬ومنهم من اشترط أال‬ ‫يكون احلديث املروي مؤيدا لبدعته‪ ،‬ووجه ابن رجب هذه األقوال فقسم البدع إلى غليظة كالتجهم‬ ‫ترد بها الرواية مطلقا‪ ،‬ومتوسطة كالقدر فترد رواية الداعي لها‪ ،‬وخفيفة كاإلرجاء تقبل معها‬ ‫الرواية مطلقا أو ترد رواية الداعية‪.‬‬ ‫ولو تأملنا ألفاظ التعديل واجلرح‬

‫‪361‬‬

‫‪362‬‬

‫وطبقات املعدلني واﺠﻤﻟروحني لوجدناها قائمة على التقابل بني‬

‫أقصى طرفي التعديل وهو ما كان فيه مبالغة في الثقة أو الضبط‪ ،‬وأدنى طرفي التجريح وهو ما‬ ‫كانت فيه مبالغة في ضدهما‪ ،‬وبينهما وسائط تختلف من اصطالح إلى اصطالح ومن مؤلف إلى‬ ‫آخر‪ ،‬و"تقوم تلك التقسيمات كلها على أصل واحد هو االعتماد على ثبوت ركني العدالة والضبط‬ ‫في مرتبة الثقة وهي الرتبة األولى‪ ..‬وبعدها ما ثبت فيه التعديل بوصف العدالة وسكت فيه عن‬ ‫الضبط في (صدوق) و (البأس به) ثم ما قرب من التجريح‪ ،‬ثم التجريح غير الشديد الذي يعتبر به‪ ،‬ثم‬

‫‪ -359‬الذخيرة ج‪ ،7‬ص ‪57‬‬ ‫‪ -360‬علم اجلرح والتعديل‪ ،‬يوسف مرعشلي‪ ،‬ص ‪127-111‬‬ ‫‪ -361‬انظر لتفصيل آراء اﶈدثني في املسألة‪ :‬علم اجلرح والتعديل‪ ،‬ص ‪178-173‬‬ ‫‪ -362‬قدمت التعديل في العبارة ترجيحا للغة على االصطالح‪ ،‬ومن عادة العرب أن تبدأ باإليجاب قبل السلب‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪279‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫التجريح الشديد في الضبط أو العدالة وهو (ال يعتبر به) ثم التجريح األشد في الوصف الصريح‬ ‫بالكذب"‪.‬‬

‫‪363‬‬

‫وال أدل على التقابل من كون الدكتور يوسف مرعشلي بعد كالمه السابق عاد واختصر مراتب‬ ‫التعديل واجلرح في أربع؛ اثنتان للتعديل وهما من يحتج به وهو الثقة فما فوق‪ ،‬والثانية من يكتب‬ ‫حديثه وينظر فيه أو يعتبر به وهو الصدوق فما دون‪ ،‬واثنتان للجرح وهما‪ :‬من يعتبر به وهو مرتبة‬ ‫(ضعيف) فما فوق مثل (لني) والثانية‪ :‬من ال يعتبر به مثل (ضعيف جدا) ونحوها إلى أسوأ املراتب‪.‬‬

‫‪364‬‬

‫وبإمكان الناظر أن يجعل هذه األربع ثالثا ألن أدنى مراتب التعديل تتالقى وتتداخل مع أقوى مراتب‬ ‫اﺠﻤﻟروحني‪ ،‬وكالهما يكتب حديثه لالعتبار‪.‬‬ ‫ومع أن اﶈدثني عددوا طبقات الرواة وفصلوا فيها حتى أوصلها بعضهم إلى اثنتي عشرة طبقة‬ ‫فإنهم اكتفوا بجعل احلديث ثالثة أقسام؛ صحيح وهو ما اتفق أهل العلم على صحته‪ ،‬وضعيف‬ ‫وهو ما اتفقوا على ضعفه‪ ،‬وحسن‪ ،‬واختلفوا في حتديده إال أن خالصة أقوالهم فيه أنه متردد بني‬ ‫أمارات الصحة التامة وبعض أمارات الضعف اجلزئية فبقي موضع تشابه وتداخل ولكنه للصحة‬ ‫أقرب فأحلق باملقبول فصارت القسمة ثالثية مبنية على التقابل والتداخل‪.‬‬

‫‪365‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التقابل والتداخل بني قبول الرواية وردها‬ ‫قبول الرواية وردها مبني على طرفني متقابلني وواسطة أو وسائط مترددة بينهما‪ ،‬فالطرف األول من‬ ‫تقبل روايته اتفاقا ممن اشتهروا بالعدالة والضبط ولواحقهما‪ ،‬والطرف الثاني من ترد روايته اتفاقا‬ ‫مثل الكافر‪ ،‬فإن روايته مردودة عند أهل العلم‪ .‬ونسب القرافي قبولها إلى أبي حنيفة في الوصية‬ ‫وفيما بني الكفار فقبل شهادة بعضهم لبعض‪ ،‬إال أن القرافي ذكر الرواية في أول الكالم وضرب املثل‬ ‫بالشهادة‪ ،‬وبينهما فرق كبير عنده وعند غيره‪ .‬وتتردد بني هذين الطرفني وسائط كثيرة كانت مثار‬ ‫جدل ومحل خالف بني األئمة حلوزها شبهني أو أشباها من األصلني املقبول واملردود‪.‬‬ ‫ومن اجملتلف في روايتهم املبتدعة فقد قبل الشافعي رواية أرباب األهواء إال اخلطابية لتجويزهم‬ ‫الكذب‪ 366،‬وتبعه البخاري في ذلك فقبل رواية عمرو بن عبيد‪ ،‬وذلك نظرا إلى أنهم من أهل القبلة‪،‬‬ ‫وردها غيرهم ألنهم إما كفرة أو فسقة‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ 367.‬ومن الذين اختلف العلماء في روايتهم‬ ‫كذلك الفاسق املتأول‪ 368،‬ومن كان فسقه مظنونا ال مقطوعا به‪ ،‬إال أن القرافي قال إن رواية هذا‬

‫‪ -363‬علم اجلرح والتعديل‪ ،‬ص ‪157‬‬ ‫‪ -364‬علم اجلرح والتعديل ص ‪167‬‬ ‫‪ -365‬منهج دراسة األسانيد واحلكم عليها‪ ،‬ص ‪15‬‬ ‫‪ -366‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪127‬‬ ‫‪ -367‬شرح التنقيح ‪722-721‬‬ ‫‪ -368‬شرح التنقيح ص‪727‬‬

‫‪280‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫األخير تقبل باتفاق‪.‬‬

‫‪369‬‬

‫ومن اجملتلف فيهم من فعل فعال مختلفا في حترميه غير مقلد ألحد؛ فهل‬

‫نؤثمه ونرد روايته بناء على القول بالتحرمي أو ال نؤثمه ونقبلها بناء على القول بالتحليل‪ ،‬مع أنه‬ ‫ليست إضافته ألحد املذهبني أولى من اآلخر ولم يسألنا عن مذهبنا‪ .‬قال القرافي‪ :‬ولم أر ألحد من‬ ‫أصحابنا فيه نقال‪ ،‬وكان العز بن عبد السالم يؤثمه على اإلقدام على فعل ال يعرف حكم اهلل فيه‪.‬‬

‫‪370‬‬

‫وهنا نبه القرافي تنبيها دقيقا يوازن بني جرم العالم وجرم اجلاهل‪ ،‬واختار فضل العالم حتى ولو‬ ‫عصا‪ ،‬ألن من علم وعمل أطاع اهلل طاعتني‪ ،‬ومن لم يعلم ولم يعمل عصى اهلل معصيتني‪ ،‬وهذا‬ ‫ضدان متقابالن في احلقيقة واحلكم‪ ،‬ومن علم ولم يعمل فقد أطاع اهلل طاعة وعصاه معصية‪،‬‬ ‫ففي هذه املقام يكون العالم خيرا من اجلاهل‪ ،‬واملقام الذي يكون فيه اجلاهل خيرا من العالم إمنا‬ ‫يكون في حال من شرب خمرا يعلمه وشربه آخر يجهله‪ 371‬أي اجلهل باحلقيقة ال باحلكم‪.‬‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬التقابل والتداخل بني التواتر واآلحاد‬ ‫انتقد الشهاب القرافي على الرازي أكثر من مرة تقسيمه النقل إلى متواتر وآحاد فقال إن القسمة‬ ‫ليست حاصرة‪ ،‬وعرف القرافي املتواتر بأنه إخبار أقوام عن أمر محسوس يستحيل تواطؤهم على‬ ‫الكذب عادة‪ ،‬واآلحاد بأنه ما أفاد ظنا‪ ،‬وأضاف القسم الثالث وهو ما ليس مبتواتر وال آحاد‪ ،‬وهو خبر‬ ‫املفرد إذا احتفت به القرائن كإخباره صلى اهلل عليه وسلم مشافهة‪.‬‬ ‫علمت له اسما في االصطالح‪،‬‬

‫‪373‬‬

‫‪372‬‬

‫قال‪ :‬وهذا القسم ما‬

‫وهو واسطة مترددة بني الطرفني؛ فليس تواترا الشتراطنا في‬

‫التواتر العدد‪ ،‬وليس آحادا الشتراطنا في اآلحاد الظن‪ 374‬وهو يفيد العلم العتضاده بالقرائن‪ .‬وقد‬ ‫سبق القرافي قوم لهذا املعنى وهو وجود واسطة بني التواتر واآلحاد‪ ،‬لكن الواسطة عندهم‬ ‫املستفيض‪،‬‬

‫‪375‬‬

‫والواسطة عنده خبر آحاد احتفت به قرائن الصدق دون أن يفرق بني نوعي العلم‬

‫احلاصل عن تلك القرائن هل هو ضروري أو نظري‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬التقابل والتداخل بني األدلة‬ ‫أدلة األحكام سواء كانت نصوصا كالقرآن والسنة‪ ،‬أو راجعة لهما كاإلجماع‪ ،‬أو عقلية كالقياس أو‬ ‫راجعة إليه كاالستصحاب جميعها ال يخلو من تقابل وتداخل بني أصوله وتفاصيله‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬التقابل والتداخل بني العقل والنقل‬ ‫‪ -369‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪127‬‬ ‫‪ -370‬شرح التنقيح ص‪788‬‬ ‫‪ -371‬شرح التنقيح ص‪717‬‬ ‫‪ -372‬وج‪ 7‬ص‪ 1887‬نفائس األصول ج‪ 2‬ص‪578‬‬ ‫‪ -373‬شرح التنقيح ‪717-717‬‬ ‫‪ -374‬نفائس األصول ج‪ ،3‬ص ‪7767-7762‬‬ ‫‪ -375‬نفائس األصول‪ ،‬ح‪ 3‬ص‪7117‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪281‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫جرت عادة املؤلفني ببيان مكانة كل علم يؤلفون فيه في املقدمات‪ ،‬وعلى نهجهم سار الشهاب‬ ‫القرافي فبني أن سر شرف علم أصول الفقه هو اشتماله على املعقول واملنقول‪" ،‬فهو جامع أشتات‬ ‫الفضائل والواسطة في حتصيل لباب الرسائل‪ ،‬ليس هو من العلوم التي هي رواية صرفة ال حظ‬ ‫لشرف النفوس فيها‪ ،‬وال من املعقول الصرف الذي لم يحض الشرع على معانيه بل جمع بني‬ ‫الشرفني واستولى على الطرفني"‪.‬‬

‫‪376‬‬

‫وهنا امتدح الشهاب الواسطة وأثنى عليها كما أثنى على‬

‫الوسائط في مجال األخالق‪ ،‬وصرح بأن العقل والنقل طرفني‪.‬‬ ‫لكن التداخل بني العقل والنقل ليس دائما مظهرا من مظاهر الكمال كما حصل في علم أصول‬ ‫الفقه‪ ،‬بل قد يكون سببا من أسباب االختالف‪ ،‬وقد أشار القرافي إلى أن كثيرا من اختالفات‬ ‫األصوليني راجع لتفاوت درجات الظنون‪ ،‬احلاصلة من جهة النص واحلاصلة من جهة العقل‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫مثال اختالف العلماء في جواز تخصيص القرآن بخبر اآلحاد‪ ،‬فجوزه اجلمهور‪ ،‬واشترط البعض كون‬ ‫العموم خص من قبل بدليل متواتر‪ ،‬وقيل إن كان اجملصص متصال وإال فال‪ .‬ومدار آراء الفريقني في‬ ‫التخصيص وعدمه على القوة والضعف في داللة النقل وداللة العقل؛ غير أن هناك من الحظ‬ ‫الضعف في الصيغة من جهة القطع والظن‪ ،‬وهناك من راعى جهة االتصال واالنفصال‪ 377.‬وما قيل‬ ‫في التخصيص باآلحاد شبيه مبا قيل في تخصيص املتواتر بالقياس غير أن هناك من توقف فيه‪.‬‬

‫‪378‬‬

‫وقد اختلف األصوليون والفقهاء في االستدالل باالستحسان‪ ،‬واختلفوا بعد ذلك في تعريفه‬ ‫وحقيقته‪ ،‬والقرافي كثيرا ما يحاول حترير محال النزاع بناء على قاعدة التقابل والتداخل‪ ،‬وانطالقا‬ ‫منها بني أن االستحسان إن عرف كما يعرفه بعض القائلني به بأنه القول بأقوى الدليلني فهو حجة‬ ‫إجماعا‪ ،‬ولكن الواقع يبني أن هذا املعنى ليس هو املقصود‪ ،‬وأن االستحسان ليس كذلك بدليل‬ ‫اشتهار االختالف فيه منذ عصر اإلمام الشافعي إلى ما بعده‪ ،‬وإن عرف كما يعرفه منكروه بأنه‬ ‫القول بغير مستند واحلكم بغير دليل فهو حينئذ اتباع للهوى فيكون حراما إجماعا‪ ،‬وليس األمر‬ ‫كذلك بدليل إثبات األئمة له في القدمي وفي احلديث‪ .‬وقد انتقد هذين الطرفني وسكت عن تعريف‬ ‫أبي احلسني البصري لالستحسان بأنه ترك وجه من وجوه االجتهاد غير شامل شمول األلفاظ لوجه‬ ‫أقوى منه‪ 379،‬وكأنه يرى فيه القول الوسط الفصل بني اعتبار الدالئل النصية وتقدمي بعضها على‬ ‫بعض بالنظر العقلي فحصل الدمج والتداخل بني االثنني‪ ،‬وميكن أن يعتبر هذا النظر أصال فيما‬ ‫يعتبر وما يلغى من النظر في األدلة‪ ،‬فكلما كان مستندا لألدلة قريبا منها فهو مقبول اتفاقا‪،‬‬ ‫وكلما قرب من طرف التشهي واتباع الهوى فهو مردود‪ ،‬وما تردد بني االثنني يقع فيه االختالف‪.‬‬ ‫‪ -376‬نفائس األصول في شرح اﶈصول‪ ،‬للقرافي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪17‬‬ ‫‪ -377‬العقد املنظوم‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪713‬‬ ‫‪ -378‬العقد املنظوم‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪721-728‬‬ ‫‪ -379‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪155‬‬

‫‪282‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تداخل األحكام واألخبار‬ ‫ينقسم الكالم باعتبارات كثيرة إلى أنواع أكثر‪ ،‬مثل اخلبر واإلنشاء واألمر والنهي واالستخبار‪،‬‬ ‫وانطالقا من اختالف تلك األقسام استخلص أئمة مثل ابن العربي وغيره اآليات التي حتمل أحكاما‬ ‫شرعية وجعلوها أصول كتب التفسير التي حتمل غالبا أسماء أحكام القرآن‪ ،‬إال أن القرافي انتقد‬ ‫حصر من حصر آيات األحكام في خمسمائة أو نحوها‪ ،‬وانتقد من حصر أحاديث األحكام في عدد‬ ‫محدود‪ ،‬ألن أنواع الكالم وسياقاته ودالالته تتداخل تداخال كثيرا‪ ،‬واختار أنه ما من آية في كتاب اهلل‬ ‫إال وفيها حكم شرعي‪.‬‬

‫‪380‬‬

‫وهو محق في ذلك ألنه لو لم يكن في اآلية إال طريقة حكمها على‬

‫األشياء ووصفها لكان في ذلك وجه من وجوه احلكم الشرعي‪.‬‬

‫‪ -380‬نفائس األصول‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪7716‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪283‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫الفصل اخلامس‪:‬‬ ‫التقابل والتداخل في فقه املعامالت عند القرافي‬ ‫حاولت استقراء مواطن االتفاق واالختالف في الفروع عند الشهاب القرافي فوجدت أنها مبنية في‬ ‫أغلبها على قاعدة التقابل والتداخل‪ ،‬والتقابل األشهر الذي يحكم جميع الفروع هو تقسيم الفقه‬ ‫إلى عبادات ومعامالت وإن كان بينهما تداخل وتشابه كبير يصعب معه تبيان الطرفني أحيانا‪ ،‬ولذا‬ ‫جند مصطلحات الفقهاء تختلف في التبويب تبعا لهذا التردد‪ ،‬وقد أشار القرافي إلى ذلك عندما‬ ‫رجح اختيار مالك وأصحابه بجعل اجلهاد في املصنفات مع العبادات‪ ،‬مخالفا اصطالح الشافعية‬ ‫بجعله مع اجلنايات نظرا ألنه عقوبة على الكفر‪.‬‬

‫‪381‬‬

‫ويتشابه هذا التقسيم مع تقسيم القرافي للتكاليف ـ وليس بدعا في ذلك ـ انطالقا من قاعدة‬ ‫التقابل والتداخل إلى ثالثة أقسام‪ 382:‬حق هلل فقط كوجوب اإلميان وحترمي الكفر‪ ،‬وحق للعباد فقط‪،‬‬ ‫كالديون واألثمان‪ ،‬وقسم اختلف فيه هل يغلب فيه حق اهلل أو حق العبد كحد القذف‪ .‬هذا ونبه‬ ‫القرافي إلى شدة التداخل بني االثنني وبني أنه ما من حق للعباد إال وفيه حق هلل‪ ،‬فالكالم ليس في‬ ‫وجود الشائبتني بل في تغليب إحداهما على األخرى‪ ،‬وإمنا يعرف ما غلب فيه حق العبد باإلسقاط‪،‬‬ ‫فما ترك للمكلف حق إسقاطه فهو املقصود بحقه وإن كان فيه حق هلل‪ ،‬وما منع املكلف من‬ ‫إسقاطه فهو حقوق اهلل تعالى التي ال تسقط باالتفاق وال بالرضا‪ 383.‬وفصل القسم األخير إلى‬ ‫قسمني في الذخيرة فجعله نوعني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن يكون حقا هلل وللعباد والغالب مصلحة العباد‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬أن يكون حقا هلل تعالى وللرسول وللعباد كاألذان والصالة‪ .‬وقد جعل هذا التداخل بني‬ ‫املستحقني سببا في التفضيل وبه كانت الصالة أفضل األعمال الشتمالها على حقوق اجلميع من‬ ‫عبادة هلل ودعاء للمؤمنني وصالة على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪384‬‬

‫وهذا التقسيم األخير مجرد تفصيل وبيان للقسم الذي تداخلت فيه احلقوق وإمنا بينه القرافي‬ ‫ليرتب عليه ما يجوز إسقاطه من املكلف وما ال يجوز‪ ،‬وما يغلب فيه حق اهلل حق الغير فال يسقط‪،‬‬ ‫‪ -381‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪787‬‬ ‫‪ -382‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪32‬‬ ‫‪ - ،383‬القرافي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ 161‬الفروق‬ ‫‪ -384‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪8-3‬‬

‫‪284‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬ ‫وما يغلب فيه حق الفاعل فيعطى اإلذن في إسقاطه‪ 385.‬وتفصيل ذلك أن حق اهلل اخلالص كاإلميان ال‬ ‫خيرة للمكلف فيه وليس له إسقاطه ال كال وال جزءا‪ ،‬وحق العباد لهم احلق في إسقاطه كالدين‬ ‫وغيره من احلقوق املالية‪ ،‬واحلق الذي هو هلل وتغلب فيه مصلحة العباد كالزكاة أقرب لألول وفي‬ ‫إسقاط بعض فروعه خالف كالقيمة بدل العني مثال‪ ،‬وصرح القرافي بأن هذا القسم الذي مثل له‬ ‫بالزكاة تغلب عليه مصلحة العباد وغلب فيه جانب التعبد‪ ،‬وتوجيه ذلك أنه رجح حق اهلل فيها‬ ‫ألنه أقوى على حق العباد مع أنه أظهر‪ ،‬فحق اهلل في الزكاة أقوى وحق العباد فيها أغلب‪ .‬والقسم‬ ‫الرابع الذي هو حق هلل ولرسوله وللعباد كاألذان‪ ،‬فهذا يتعذر إسقاطه ال بسبب منعه وإمنا بسبب‬ ‫عدم تعني صاحب احلق‪ .‬وميكن أن يقال على التقسيم الثالثي اجملتصر إن حق اهلل ممنوع اإلسقاط من‬ ‫قبل املكلف‪ ،‬وحق العبد له فيه ذلك باتفاق‪ ،‬والذي اجتمعا فيه منه ما يرجح فيه حق اهلل ومنه ما‬ ‫يرجح فيه حق العبد‪ ،‬ومنه ما يختلف فيه هل يغلب حق اهلل أو حق العبد؟ وعلى كال اجلوابني‬ ‫فأيهما غلب روعي حكمه‪.‬‬

‫‪386‬‬

‫وقد اختلف الفقهاء في فروع كثيرة بسبب ترددها بني احلقني وأيهما يغلب فيها‪ ،‬ومن ذلك حد‬ ‫القذف فقيل إنه حق هلل فال يجوز إسقاطه‪ ،‬وقيل حق للعبد له العفو عنه‪ ،‬وفرق القرافي في شرح‬ ‫التنقيح بني حالني للقذف؛ فقبل وصوله لإلمام يغلب حق العبد وبعد وصوله له يغلب حق اهلل‬ ‫تعالى لوصوله لنائبه‪ 387.‬ومنها اخلالف في جواز البيع على البراءة فقد أجازه األحناف بناء على أن‬ ‫ذلك حق للبائع‪ ،‬ومنعه غيرهم ألن املنع من هذا النوع من البيع غرر مينع حلق هلل‪ ،‬ولو أسقطه‬ ‫املكلف‪ 388‬لم يؤثر فيه ذلك‪ .‬ومنه احلرابة فإن فيها حق اهلل وحق اآلدمي ولكن حق اآلدمي فيها لغير‬ ‫معني وهو عموم املسلمني فتعذر إسقاطها‪ ،‬ومع ذلك غلب قبل القدرة حق اهلل ترغيبا في التوبة‪،‬‬

‫‪389‬‬

‫فأسقط احلد مبجرد الرجوع سواء رضي صاحب احلق أم لم يرض ما دام ذلك قبل القدرة على اﶈارب‪.‬‬ ‫ومنه تزكية الشهود فإنها عند احلنفية حق للخصم‪ ،‬فإن طلبها وجبت وإال فال‪ ،‬وهي عند اجلمهور‬ ‫حق هلل‪ 390.‬ومنه غسل اجلمعة فهو مشروع للنظافة إال أن فيه شائبة التعبد‪ 391‬فغلبت فيه على‬ ‫الراجح‪ .‬ومنه بعض أنواع القسم (بفتح القاف وسكون السني) فتارة مينع بحق اهلل تعالى كالغرر‬ ‫بالقرعة في اجملتلفات‪ ،‬أو الربا كقسم الثمار بشرط التأخير إلى الطيب‪ ،‬وتارة مينع بحق اآلدمي‬

‫‪ -385‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪212‬‬ ‫‪ -386‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪17‬‬ ‫‪ -387‬شرح التنقيح ص ‪11‬‬ ‫‪ -388‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪17‬‬ ‫‪ -389‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ 12‬ص ‪176‬‬ ‫‪ -390‬نفائس األصول‪ ،‬ح‪ ،3‬ص ‪7177‬‬ ‫‪ -391‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪778‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪285‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫كقسم الثوب واملصراعني‪ ،‬ولذلك يجوز بالتراضي‪ ،‬وهناك ما يختلف في قسمه مثل ما يؤدي إلى‬ ‫عدم االنتفاع أو الفائدة في العني املقسومة‪.‬‬

‫‪392‬‬

‫هذه ثنائيات كبرى حتكم أبواب الفقه جمعاء‪ ،‬وعند النظر في التفصيل والتفريع جند أن الثنائيات‬ ‫أكثر وأدق‪ ،‬وما من باب من أبواب الفقه إال وحتكمه ثنائيات متفق على أطرافها ومختلف في‬ ‫أوساطها غالبا بناها القرافي على سنة التقابل والتداخل بني األحكام واألوضاع اجملتلفة‪.‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬أهم التقابالت التي حتكم أبواب املعامالت عامة‬ ‫أبواب املعامالت مبنية على قواعد جامعة أسسها الشهاب القرافي على أصله في التقابل بني‬ ‫النقيضني أو الضدين أو اجملتلفني مع بيان موطن التردد بينهما الذي غالبا ما يكون مثار خالف‪ ،‬وبعد‬ ‫االستقراء الذي أظنه تاما اكتفيت هنا بضرب األمثلة على ببعض املتقابالت‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬التقابل والتداخل بني التعبد والتعليل‬ ‫األصل في العقود أنها قائمة على الرضا‪ ،‬لكن ما من عقد معاملة إال وفيه شائبة عبادة‪ ،‬ولذلك نرى‬ ‫الشارع حلكمته قد يحجر على املتراضني في بعض األمر حماية ملصاحلهم العاجلة واآلجلة‪ ،‬فحقوق‬ ‫العبد قد يحجر اهلل تعالى عليه فيها لنفاستها فيصيرها حقا هلل كبيع الربا‪ ،‬فإنه ال يجوز وإن‬ ‫رضي به املتبايعان‪.‬‬

‫‪393‬‬

‫وﳑا حجر اهلل فيه على العباد أصول اﶈرمات كاجلهالة والغرر‪ ،‬وقد نسب القرافي لﻺمام مالك‬ ‫تفصيال فيهما يجعل التصرفات من حيث اإلذن في اجلهالة والغرر ومنعهما ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫األول‪ :‬هو املشتمل على املعاوضة كالبيع واإلجارة‬

‫‪395‬‬

‫‪394‬‬

‫وأحيانا يصفه بأنه معاوضة صرفة‪ ،‬يجتنب‬

‫فيها من اجلهالة والغرر غير ما دعت الضرورة إليه عادة‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬إحسان صرف‪ ،‬ويكتفي أحيانا بوصفه بانه غير مشتمل على املعاوضة‬ ‫يقصد به تنمية املال كالصدقة والهبة واإلبراء والوصية‪،‬‬

‫‪397‬‬

‫‪396‬‬

‫وهو الذي ال‬

‫وهذا القسم ال يضران فيه تسهيال له‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬واسطة بني االثنني مثل النكاح‪ ،‬فإنه تشترط فيه املالية وهي غير مقصوده بل القصد منه‬ ‫املواصلة واملكارمة‪ 398،‬فلوجود الشبهتني أجاز مالك فيه الغرر اليسير مراعاة لوجه اإلحسان‪ ،‬ومنع‬ ‫الغرر البني مراعاة للمالية في عقد الزواج‪.‬‬ ‫‪ -392‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪111‬‬ ‫‪ -393‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪771‬‬ ‫‪ -394‬الفروق‪ ،‬القرافي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،132‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪757‬‬ ‫‪ -395‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪233-231،236‬‬ ‫‪ -396‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪233-231،236‬‬ ‫‪ -397‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪233-231،236‬‬ ‫‪ -398‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪233-231،236‬‬

‫‪286‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫ومما يتوسط بني طرفي املعاوضة واإلحسان هبة الثواب فإنها شبيهة بالنكاح من جهة أن‬ ‫مقصودها املكارمة والوداد فلم تتمحض للمعاوضة واملكايسة‪ ،‬فلذلك جاز فيها يسير اجلهالة‬ ‫والغرر كذلك‪ .‬ويعرف ما هو هبة للثواب مما هو هبة محضة من التصريح أو من العرف والعادة أو من‬ ‫الظاهر؛ والظاهر والعرف يقضيان بأن هبة األدنى لألعلى هبة عوض‪ ،‬وأن هبة األعلى لألدنى للتبرع‬ ‫بشهادة العرف‪ ،‬فكانت بذلك هبة الفقير للغني هبة ثواب‪ ،‬والظاهر في هبة الغني للفقير عدم‬ ‫الثواب‪ ،‬وأما هبة الغني لغني فهي هبة ثواب‪ ،‬واختلف الفقهاء في هبة الفقير للفقير على‬ ‫قولني‪.‬‬

‫‪399‬‬

‫وبناء على تقسيم التصرفات إلى معاوضة وإحسان قسم الفقهاء تصرفات اﶈجور عليه من حيث‬ ‫اإلمضاء وعدمه إلى ثالثة أقسام؛ فأجازوا ما هو معاوضة ونظر‪ ،‬ومنعوا التبرعات ألنها خالف النظر‬ ‫غالبا‪ ،‬واختلف قول مالك في رهنه وقضائه لدينه فأمضاه مرة ورده مرة أخرى لتردده بني األمرين‪.‬‬

‫‪400‬‬

‫وفي قسمة أخرى شبيهة بالسابقة جعل القرافي العقود أربعة أقسام‪:‬‬ ‫أولها‪ :‬املشتمل على املعاوضة كالبيع واإلجارة‪.‬‬ ‫وثانيها‪ :‬غير املشتمل علي املعاوضة كالهبة والوصية‪.‬‬ ‫وثالثها‪ :‬املشتمل عليها على طريق التبع ملقصد آخر‪.‬‬ ‫ورابعها‪ :‬أن تكون املعاوضة غير مقصودة أصال في ذلك التصرف كالطالق‪.‬‬ ‫ورتب على هذه القسمة ما يجوز فيه الغرر وما ال يجوز مع تفصيل أوسع قليال؛ فمنع الغرر في األول‪،‬‬ ‫وجوزه في الثاني‪ ،‬ومنع في الثالث ما عظم منه دون ما قل‪ ،‬وجوز في الرابع من الغرر أكثر من الذي‬ ‫قبله‪ 401.‬ونتيجة التقسيمني واحدة ولكن األخير أدق‪.‬‬ ‫وربط القرافي بني ما يجوز من أنواع اجلهالة والغرر وبني قاعدة املشقة‪ ،‬فشبه إحداهما باألخرى‬ ‫فقال‪" :‬كما أن اجلهاالت ثالثة أقسام فكذلك الغرر واملشقة"‬

‫‪402‬‬

‫ولعل الصحيح‪" :‬كما أن الغرر‬

‫واجلهالة ثالثة أقسام فكذلك املشقة‪ ،‬ألنه ذكر اجلهالة والغرر قبل وهما قرينان عادة وشرعا‪ ،‬وأقسام‬ ‫املشقة كما سلف هي‪403 :‬مشقة ال يخلو عنها الفعل فهي غير معتبرة‪ ،‬ومشقة فادحة يخلو‬ ‫عنها الفعل فهي معتبرة‪ ،‬ومشقة بني هاتني وقع فيها اخلالف‪ .‬ووجه ربط مسائل اجلهالة والغرر‬ ‫بقاعدة املشقة أن منهما ما ال يخلو منه متعاقد عليه ويتعذر أو يتعسر االنفكاك عنه‪ ،‬ومنهما ما‬

‫‪ -399‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪233-231،236‬‬ ‫‪ -400‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪161-168‬‬ ‫‪ -401‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪77‬‬ ‫‪ -402‬الفروق‪ ،‬القرافي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪132‬‬ ‫‪ -403‬الفروق‪ ،‬القرافي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪132‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪287‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫هو طارئ مؤثر ميكن جتنبه‪ ،‬وبينهما أنواع من اجلهاالت والغرر اختلف العلماء في بعضها مطلقا وفي‬ ‫بعضها في أنواع معينة من العقود لترددها بني املعتبر وغير املعتبر‪.‬‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬التقابل والتداخل بني األلفاظ واملعاني‬ ‫األصل التوافق بني ألفاظ العقود ومقاصدها‪ ،‬وإذا لم يوجد ما يدل على التعاقد لفظا وال معنى فال‬ ‫خالف في عدم انعقاد العقد‪ ،‬وإذا اختلفت األلفاظ واملعاني يختلف الفقهاء في بعض األحكام‪،‬‬ ‫وفصل القرافي في ذلك حسب نوع العقد وبني أن القاعدة اتباع املعاني في العقود واملعاوضات‪،‬‬ ‫واتباع األلفاظ في الشروط والوصايا‪ .‬وربط األمر مببدأ املشاحة واملسامحة‪ ،‬فما كان من العقود‬ ‫مبنيا على املشاحة يراعى فيه اللفظ بقدر اإلمكان‪ ،‬وما كان منها مبنيا على املساحة تسوهل فيه‪،‬‬ ‫ومبا أن الوقف مثال من باب اإلصداق واإلرفاد ال من باب املعاوضات‪ ،‬فإنه ال ينقص من املستأجر للصالة‬ ‫إذا أخل بإحداها‪ 404،‬حتى ولو كان حضورها كلها من مقتضيات ألفاظ العقد‪.‬‬ ‫الفقرة الثالثة‪ :‬التقابل والتداخل بني الالزم وغيره‬ ‫العقود الناقلة لألمالك ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫األول‪ :‬ما شرع لدفع احلاجات فشرع الزما مبجرده من غير اتصال قبض وال غيره اتفاقا‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬ما شرع معروفا عند املمات وهو الوصية فشرع الرجوع فيه ترغيبا فيه‪.‬‬ ‫اآلخر‪ :‬ما اختلف فيه هل يلحق باألول أم بالثاني وهو الهبة والصدقة والهدية والعمرى والعارية‬ ‫والوقف‪ ،‬فإذا ال حظنا خلوها عن العوض واحلاجات ينبغي أن تلحق بالوصية‪ ،‬وإذا الحظنا كونها في‬ ‫احلياة التي هي مظنة املكافأة فينبغي أن تلحق بالبيع‪ ،‬أو نالحظ الشبهني فنوجبها بالعقد‬ ‫ونبطلها بعدم القبض‪.‬‬

‫‪405‬‬

‫ويتفرع عن هذا املعنى ما يلزم ويجب الوفاء به من الشروط وما ال يلزم وال يجب الوفاء به أو يخل‬ ‫بأصل العقد‪ ،‬وقاعدة ذلك عند القرافي أن ننظر للشرط هل هو مناف أو موافق للعقد؟ وبناء على‬ ‫ذلك النظر قسم الشروط إلى ثالثة أقسام مبنية على قاعدة التقابل والتداخل‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬ما يقتضيه العقد‪ ،‬وهذا النوع ال يؤثر ذكره كاشتراط اإلنفاق عند عقد النكاح‪،‬‬ ‫وكذلك ال يؤثر عدم ذكره ألنه من لوازم العقد‪.‬‬ ‫والقسم الثاني‪ :‬ما يناقض العقد كعدم القسمة في النكاح فيمنع ويفسخ النكاح قبل البناء وفي‬ ‫فسخه بعده خالف‪.‬‬ ‫والقسم الثالث‪ :‬ما ال تعلق له بالعقد كشرط عدم إخراج املرأة من بلدها فهو محل خالف‪.‬‬

‫‪406‬‬

‫‪ -404‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪776‬‬ ‫‪ -405‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪277‬‬ ‫‪ -406‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪775‬‬

‫‪288‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫وكثير من اختالف الفقهاء ليس خالفا في هذا التقسيم وإمنا في تنزيله‪ ،‬فما يراه بعض الفقهاء‬ ‫خارجا عن العقد مثل عدم خروجها من بيت أهلها قد يراه فقيه آخر من مستلزمات العقد‪ ،‬وما يراه‬ ‫بعضهم منافيا يراه آخر ون غير مناف‪ ،‬وهذا رمبا يعود بنا مرة أخرى إلى قاعدة ما هو من لوازم العقد‬ ‫وما هو مخل به وما هو ركنه وما هو خارج عنه‪.‬‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬التقابل والتداخل في باب النكاح وما يترتب عليه‬ ‫أركان عقد النكاح وشروطه وأحكامه‪ ،‬ولواحقه وما يترتب عليه كلها مبنية على قاعدة التقابل‬ ‫والتداخل‪ ،‬ومن فروعها‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬التقابل والتداخل بني املعاوضة واملكارمة في النكاح‬ ‫ميكن تفسير اختالف الفقهاء واتفاقهم في كثير من الفروع املتعلقة بالنكاح بتردد النكاح بني أن‬ ‫يكون عقد مكارمة فيتجاوز فيه عن كثير من القيود والشروط‪ ،‬أو عقد معاوضة فتتحرى فيه‬ ‫الشروط والقيود والضوابط‪ ،‬ومن املعروف أن الشيء الواحد باالعتبار الواحد ال يناسب املتنافيني‪،‬‬ ‫فلذلك ال يجتمع النكاح والبيع لتضادهما في املكايسة واملسامحة‪ ،‬ومثله العقود التي يجمعها‬ ‫(جص مشنق) وهي اجلعالة والصرف واملساقاة والشركة والقراض‪ ،‬لتضاد أحكامها‪.‬‬

‫‪407‬‬

‫وبسبب وجود الشبهني خرج النكاح عن التبرعات في بعض الفروع‪ ،‬وخرج أيضا عن املعاوضات في‬ ‫بعض الفروع‪ ،‬واختلف الفقهاء في بعض الفروع للخالف في أي الشبهني املغلب؟ ومن الفروع‬ ‫املبنية على تغليب أحد الشبهني مسألة ثبوت النكاح‪ ،‬فمن غلب شبهه بعقود املعاوضة‬ ‫كالشافعي وأبي حنيفة جعل حكمه حكم األموال في القضاء فأثبته بشهادة رجل وامرأتني‪،‬‬ ‫وجعله املالكية من أحكام األنفس فلذلك ال يثبت عندهم إال بشهادة رجلني‪ 408.‬ومن تلك املسائل‬ ‫اجملتلف فيها وقت ومحل وجوب الصداق؛ فمن الحظ شبه النكاح بعقود املعاوضة أوجب جميع‬ ‫الصداق بالعقد ألن األصل في العقود لزومها عن التراضي‪ ،‬ومن الحظ أن العوض في النكاح إمنا هو‬ ‫شرط في اإلباحة ال مقابل العضو قال‪ :‬ال يتقرر شيء إال عند الدخول أو املوت‪.‬‬

‫‪409‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التقابل والتداخل بني الصريح وغيره من األلفاظ‬ ‫ينبني كثير من أحكام الزواج والطالق على الصريح الذي يترتب عليه أثره دون حاجة إلى نية وال إلى‬ ‫بيان‪ ،‬وغير صريح وهو الذي يحتاج للنية والبيان‪ ،‬وبينهما وسائط ومترددات كثيرة مشتركة ومجازية‬ ‫وعامة ومطلقة‪ .‬وعرف القرافي الصريح عموما في كل األبواب بأنه ما دل على الشيء بالوضع‬ ‫‪ -407‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪712‬‬ ‫‪ -408‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪717‬‬ ‫‪ -409‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪738‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪289‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬ ‫اللغوي أو الشرعي‪410،‬وهنا فسر الوضع بأنه قد يكون لغويا وقد يكون شرعيا‪ .‬وفي إطالق الوضع‬ ‫على املصطلحات الشرعية نوع مجاز ألن الشرع لم يضع اللغة وإمنا نقل بعض األلفاظ والدالالت‪.‬‬ ‫وعرف الصريح تعريفا آخر مقتصرا على الوضع دون بيانه بالشرعي وال بالوضعي فقال إن الصريح‬ ‫في كل باب هو ما يتعني له وضعا‪.‬‬

‫‪411‬‬

‫وانطالقا من هذا األصل فإن ألفاظ الطالق تنقسم إلى قسمني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬الصريح‪ ،‬وفي حتديده أقوال؛ فقيل إنه لفظ طالق فقط‪ ،‬وقيل وما اشتهر معه‪ 412.‬ويرى اإلمام‬ ‫القرافي أن الطالق ال صريح له‪ ،‬وأن العرب لم تضع له أصال‪ ،‬وأن ليس في لغة العرب على اإلطالق ما‬ ‫يقتضي إزالة عصمة أحد عن امرأته‪ ،‬وأن داللة الطالق على فك العصمة داللة عرفية منقولة ال‬ ‫حقيقة لغوية‪ ،‬ومن ثم فإنها تخضع العتبارات األعراف وتغير األزمان‪ 413،‬ومع ذلك فقد مثل بلفظ‬ ‫الطالق للصريح في قوله إن الصريح ما وضع للمعنى لغة كالطالق في إزالة العصمة‪ ،‬أو عرفا‬ ‫كاحلرام فيها‪.‬‬

‫‪414‬‬

‫وذلك رمبا يكون منه مراعاة لالصطالح السائر عند العلماء‪ ،‬أو ألن اخلالف في‬

‫تسميته صريحا وغير صريحا أقرب للخالفات اللفظية ألن احلكم في نهاية األمر واحد‪ .‬ويلحق‬ ‫بالصريح سواء كانت صراحته من اللغة على رأي اجلمهور أو من العرف على رأي القرافي ـ املنقول؛‬ ‫وضابطه أن يصير اللفظ يفهم منه املعنى بغير قرينة وهو عنده من الصريح بل عني الصريح‪.‬‬ ‫وحكم الصريح وما أحلق به في كل باب أنه ال ينتقل آلخر بالنية‪.‬‬

‫‪415‬‬

‫‪416‬‬

‫اآلخر‪ :‬الكناية‪ ،‬وهي ما يحتمل املراد مع غيره‪ 417،‬أوهي كل لفظ صح استعماله مجازا‪ 418،‬أو هي‬ ‫اللفظ الدال بطريق االحتمال واﺠﻤﻟاز كالذهاب في الطالق‪ 419،‬وشرطها وجود القرينة‪ .‬والقرينة أنواع‬ ‫ودرجات‪ ،‬فمنها القريب جدا نحو داللة خلية وبرية على الطالق‪ ،‬ومنها ما فيه مجاز بعيد كقول‬ ‫القائل‪ :‬تزوجت بنت األمير ويقصد بذلك رؤية والد عاقد األنكحة باملدينة‪ ،‬ومنها ما ليس فيه عالقة‬ ‫البتة ال قريبة وال بعيدة فليس بصريح وال كناية نحو‪ :‬اسقني املاء‪ .‬فاللفظ قد يكون صريحا وقد‬ ‫يكون كناية وقد يعرى عنهما‪،‬‬

‫‪420‬‬

‫وقد يتردد بينهما‪.‬‬

‫‪421‬‬

‫‪ -410‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪171‬‬ ‫‪ -411‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ 12‬ص ‪17‬‬ ‫‪ -412‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪171‬‬ ‫‪ -413‬االستغناء‪ ،‬ص ‪373‬‬ ‫‪ -414‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪213‬‬ ‫‪ -415‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪158‬‬ ‫‪ -416‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪171‬‬ ‫‪ -417‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ 12‬ص ‪17‬‬ ‫‪ -418‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪171‬‬ ‫‪ -419‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪213‬‬ ‫‪ -420‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪157،151،152‬‬ ‫‪ -421‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪213‬‬

‫‪290‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫ومما متتاز به الكناية أنها تؤثر فيها النية تعميما وتخصصا‪ ،‬ولكن القرافي جعل تخصيص النية‬ ‫صاحلا في بعض األحيان دون بعض‪ ،‬ذلك أن النية مع اللفظ لها حاالت‪:‬‬

‫‪422‬‬

‫األولى‪ :‬أن جتتمع مع اللفظ وتتحد داللتاهما فال خالف‪ ،‬كما إذا حلف ال يلبس ثوبا ونوى العموم‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬أن يسكت الالفظ (ويقصد بالسكوت هنا سكوت النية والقصد) عن غير امللفوظ كمثل من‬ ‫حلف ال يلبس كتانا ونسي غيره‪ ،‬فإنه يحنث في اجلميع‪ ،‬وعلل ذلك بكون النية هنا لم تتعرض‬ ‫للمسكوت عنه بإدخال وال إخراج فبقي على أصله في داللة اللفظ‪.‬‬ ‫واآلخرة‪ :‬أن يقول‪ :‬ال ألبس كتانا‪ ،‬وقال نويت إخراج غيره فهذا ال يحنث إال بامللفوظ‪ .‬فصارت النية‬ ‫ثالثة أنواع‪ ،‬مؤكدة‪ ،‬ومخصصة‪ ،‬ومترددة بينهما‪ ،‬ولها تطبيقات في اليمني والطالق وغيرهما‪.‬‬ ‫وبقرب العالقة وبعدها فسر القرافي قوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ثالث هزلهن جد) فحمله على ما‬ ‫فيه عالقة ظاهرة‪ ،‬وقال إنه ليس على إطالقه‪ ،‬ألن مستعمل اللفظ له حاالت‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬أن يستعمله فيما وضع له فيلزم الظاهر والباطن فتوى وقضاء‪.‬‬ ‫والثانية‪ :‬أن يستعمله في غير ما وضع له مجازا فهذا ال يلزم في الفتوى ويلزم في القضاء إال أن يدل‬ ‫دليل على إرادته اﺠﻤﻟاز‪.‬‬ ‫واآلخرة‪ :‬أن يطلق اللفظ وال يستعمله املتكلم في شيء‪ ،‬فهذا هو الهزل‪ ،‬وال يلزم في الفتوى على‬ ‫املشهور‪.‬‬

‫‪423‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬التقابل والتداخل في املعاوضات والتبرعات‬ ‫لتشعب املواضيع وكثرتها نكتفي بأهم املتقابالت التي حتكم باب البيع نفسه‪ ،‬ونلحق به أهم‬ ‫املتقابالت التي حتكم عقود املعاوضة األخرى ثم التي حتكم التبرعات وأشباه العقود‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬التقابل والتداخل في البيوع واملعاوضات‬ ‫البيع يطلق باملعنى العام على جميع العقود‪ ،‬ولكننا في هذا املبحث نقصد به العقد اخلاص‬ ‫املعروف دون العقود املشابهة له‪.‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬التقابل والتداخل بني األمالك‬ ‫ينتقل املبيع من ملك البائع إلى ملك املشتري عند متام العقد‪ ،‬وال شك أن أحكام امللك وما يترتب‬ ‫عليه ثابتة للبائع قبل البيع وللمشتري بعد متام جميع مراحل التعاقد‪ ،‬وبني ملك املشتري التام‬ ‫‪ -422‬شرح التنقيح ص‪ ، 116‬اإلحكام في متييز الفتاوى عن األحكام‪ ،‬ص ‪223‬‬ ‫‪ -423‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪777‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪291‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫وملك البائع التام مرحلة انتقال قد تكون معنوية وقد تكون حسية اختلف فيها الفقهاء هل‬ ‫تضاف إلى ملك البائع أم إلى ملك املشتري‪ ،‬وقد أدت إلى كثير من االختالف الفقهي في مسائل‬ ‫منها اخلالف في ملك األوقاف هل هو للواقف أو للموقوف عليه أو ليس ألي منهما‪ 424،‬ومنها اخلالف‬ ‫في ملك العني زمان اخليار هل هو للبائع بقاء على األصل‪ ،‬أو للمشتري لتمام التعاقد‪ ،‬واختار القرافي‬ ‫أنه للبائع ألن العقد ليس بناقل حتى يتصل به اإلمضاء‪ 425،‬وينبني عليه أيضا اخلالف في الشفعة‬ ‫زمن اخليار‪.‬‬

‫‪426‬‬

‫ومما اختلف فيه الفقهاء مرحلة االنتقال احلسي للمبيع إلى ملك البائع أو إلى ملك املشتري‪ ،‬وهي‬ ‫مرحلة التسليم والكيل ونحوه هل تضاف مللك البائع أو يحكم بانتقال املبيع إلى ملك املشتري؟‬ ‫وظاهر قول مالك أن هذه املرحلة تضاف للبائع بدليل قول مالك بلزوم أجرة الكيل عليه لوجوب‬ ‫التوفية‪ ،‬ونهج أبو حنيفة في هذه املسألة نهجا توفيقيا وسطا فجعل أجرة ملء املكيال على البائع‬ ‫وتفريغه على املشتري‪ ،‬وميكن أن يشبه به التفريغ والتحميل في هذا العصر‪ .‬ويتخرج علي هذا‬ ‫األصل الضمان إذا تلف املبيع خالل إحدى املرحلتني هل يكون ضمانه من البائع أو من املشتري‪ 427،‬فإذا‬ ‫قلنا بلزوم التوفية والكيل على البائع يكون الضمان منه ألن ذلك قرينة عدم خروجه من ملكه‪ ،‬وإذا‬ ‫نظرنا إلى مذهب أبي حنيفة يكون ضمان ما تلف خالل الكيل على البائع ألنه منه وعليه‪ ،‬وضمان‬ ‫ما تلف خالل التفريغ على املشتري ألنه دخل ملكه‪ .‬ومن املراحل الشبيهة التي يتداخل فيها ملك‬ ‫طرفني مرحلة ما بني املوت والقسم‪ ،‬فإذا ترك امليت ماال ودينا فقيل هو على ملكه حتى يوفي الدين‪،‬‬ ‫وقيل على ملك الوارث‪ ،‬وهذا من التقديرات‪.‬‬

‫‪428‬‬

‫وبسبب تداخل األمالك اختلف في الغالت فيما إذا كان البيع بيع خيار أو هناك خالف بني املشتري‬ ‫والبائع‪ ،‬ففي هذه املرحلة ملن تكون؟ وقسمها القرافي إلى ثالثة أقسام؛ قسمان متفق عليهما‬ ‫وواحد مختلف فيه‪ ،‬فحكم بأن احلائز فله االنتفاع بالدار واحلائط زمن اجملاصمة‪ ،‬وليس له لبس الثوب‬ ‫ألن اللباس ينقصه‪ ،‬واختلف إذا علم بالعيب في سفره فركب فهل يكون رضا بالعيب‪ 429.‬والفرع‬ ‫الثالث ليس هذا محله فاالختالف في مسألة الركوب في السفر راجع ملا يعتبر رضا باملبيع باخليار‬ ‫وما ال يعتبر كذلك‪ ،‬ولكنه يشير من خالله إلى أن ما يتردد فيه العلماء هل هو رضا أم ال‪ ،‬ومن ثم‬ ‫يترددون في مثله هل يجوز خالل النزاع أم ال؟‬

‫‪ -424‬الفروق‪ ،‬ج‪111،112 ،7‬‬ ‫‪ -425‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪71‬‬ ‫‪ -426‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪771-778‬‬ ‫‪ -427‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪125‬‬ ‫‪ -428‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪221‬‬ ‫‪ -429‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪31‬‬

‫‪292‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫ومن العقود التي تتداخل فيها األمالك وتتردد الرهن‪ ،‬ولذلك اختلف الفقهاء في منافع املرهون‪،‬‬ ‫فذهب أبو حنيفة إلى أنها عطل‪ ،‬وقيل للمرتهن بدليل احلديث‪( :‬الرهن يركب بنفقته ويحلب‬ ‫بنفقته) وقيل للراهن بدليل رواية مالك في املوطأ‪( :‬ال يغلق الرهن من صاحبه) زاد الدارقطني‪( :‬له‬ ‫غنمه وعليه غرمه)‪ .‬وحمل القرافي احلديث األول على أنه كان عادة أو اتفاقا‪ ،‬ونقل اتفاق الفقهاء‬ ‫على األخذ مبرسل اإلمام مالك هنا‪.‬‬

‫‪430‬‬

‫وقد يقع التردد في ملك الغلة بسبب قوة االستتباع وضعفها في العقود‪ ،‬والعقود من هذه الناحية‬ ‫ثالثة أقسام؛ فمنها ما ينتقل فيه امللك فيقوى االستتباع (الغلة)‪ ،‬وثم عقود ال تستتبع لعدم نقل‬ ‫امللك كاإلجارة واجلعالة والقراض‪ ،‬والرهن مختلف في غلته لكن قياسه على األخير أولى‪ 431.‬وسبب‬ ‫اخلالف أن الرهن وبيع اخليار واملبيع وقت التسليم‪ ،‬كلها مراحل يتداخل فيها امللك فيقع اخلالف في‬ ‫الغلة والضمان‪ .‬وأكثر مسائل الرهن ترجع لتصوره‪ ،‬فهو عند املالكية محبوس بالدين‪ ،‬فيكون‬ ‫االختصاص قائما مقام ملك العني‪ ،‬وعند الشافعي يصير مملوكا له ببيعه في دينه عند األجل‪،‬‬ ‫ولهذا لم يشترط استدامة القبض فيه خالفا للمالكية‪.‬‬

‫‪432‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التقابل والتداخل بني ما يرد به وما ال يرد به من العيوب‬ ‫العيوب في املبيع تتردد بني الكثير املؤثر في األغراض فيؤثر في العقد‪ ،‬واليسير القليل الذي ال يؤثر‬ ‫في األغراض تأثيرا مذكورا فال يؤثر في العقد‪ ،‬ومن هنا قسم القرافي عيوب الدار إلى ثالثة أنواع‬ ‫مبنية على درجة التأثير في مقاصد املبيع؛ أولها‪ :‬العيب الذي ال ترد به وال يرجع بقيمته ليسارته‪،‬‬ ‫وثانيها‪ :‬العيب الذي ترد به‪ ،‬وثالثها‪ :‬عيب ال ترد به ويرجع بقيمته كصدع في حائط‪ 433.‬فاألول مقابل‬ ‫للثاني حقيقة وحكما‪ ،‬والثالث متردد بينهما فروعيت قيمته دون حقيقته‪ .‬ومما يرجع للتغير بالقلة‬ ‫والكثرة النقص في الطعام‪ ،‬وهو ثالثة أقسام كذلك‪ :‬فما ال بد منه عادة ال قيام به‪ ،‬وما ال عادة فيه‬ ‫وهو يسير فللمبتاع أخذ السالم بحصته وللبائع إلزامه ذلك لعدم اختالل املقصود من العقد‪.‬‬ ‫وفي حتديد درجات النقص اختالف كثير سببه االختالف في حتديد القليل والكثير والوسط‪ ،‬واملؤثر‬ ‫وغير املؤثر في املقاصد واملتردد بينهما‪ ،‬والقابل للجبر وغير القابل له واملتردد بينهما كذلك‪ .‬وقد قرب‬ ‫اليسير في الكمية بنحو ‪ 17‬من مائة‪ ،‬والكثير بنحو ‪ 27‬من مائة فأكثر‪،‬‬

‫‪434‬‬

‫وسكت عن املتردد‬

‫‪ -430‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪36‬‬ ‫‪ -431‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪87‬‬ ‫‪ -432‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪127‬‬ ‫‪ -433‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪56-55‬‬ ‫‪ -434‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪111‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪293‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫بينهما‪ ،‬وظاهره أنه ما فوق عشرة ودون عشرين من مائة‪ .‬وضبط الكثير في الصفة باجملل بالعني‬ ‫املبيع إخالال بينا يفيت املقاصد منها‪ ،‬وسكت عن غيره وهو معلوم من املفهوم‪.‬‬

‫‪435‬‬

‫وقد اجتمع في عيب املبيع ما يسمى جمع الفرق ألنه ترتب عليه حكمان متعارضان‪ ،‬فالعيب القدمي‬ ‫سبب من أسباب رد املبيع‪ ،‬والعيب الطارئ على املبيع عند املشتري مينع الرد‪ ،‬وقد ضبط القرافي‬ ‫درجات التغير الطارئ مبثل ما ضبط به درجات العيب القدمي‪ ،‬وجعله أيضا ثالثة أضرب‪ :‬ضرب يفيت‬ ‫املقصود من العني فيمنع الرد ألنه صير العني كاملعدومة‪ ،‬وضرب ال بال له ال مينع الرد ووجوده‬ ‫كعدمه‪ ،‬والضرب الثالث‪ :‬تغير له بال وال يخل باملقصود‪ ،‬فيخير بني التمسك وأخذ أرش العيب‬ ‫القدمي‪ ،‬أو الرد وما نقصه العيب احلادث إال أن يرضي البائع بأخذه معيبا‪.‬‬

‫‪436‬‬

‫ومن مسائل العيوب املبنية على الرضا أيضا التقابل بني ما يدل على الرضا أو عدم الرضا باملبيع بيع‬ ‫خيار وما يتردد بني االثنني‪ ،‬والتقابل أوضح في األلفاظ‪ ،‬والتداخل أظهر في التصرفات‪ ،‬وإذا كان املبيع‬ ‫معيبا فقد يظهر من املشتري ما يدل على الرضا به على عيبه من قول أو فعل‪ ،‬وهناك ما ال يدل‬ ‫على الرضا من قول أو فعل أو سكوت‪ ،‬فإن تردد التصرف بني الرضا وعدمه‪ ،‬قال القرافي‪ :‬لم يقض‬ ‫عليه به ألن األصل بقاء حقه‪.‬‬

‫‪437‬‬

‫وبناء على األصل السابق انقسم ما يقطع اخليار من املتبايعني ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫األول‪ :‬ما يدل على الرضا بالنص على األخذ أو الترك أو ما يدل عليهما‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬ما ال داللة فيه فال يعد رضا اتفاقا‪.‬‬ ‫والثالث‪ :‬ما هو مختلف فيه كالرهن واإلجارة‪ ،‬فهل يدل رهن املبيع باخليار أو إجارته على إمضائه؟‬ ‫خالف‪.‬‬

‫‪438‬‬

‫وسبب هذا اخلالف أن التصرفات قد حتمل على الرضا وقد ال حتمل عليه‪ ،‬وقد تدل على الرجوع وقد ال‬ ‫تدل عليه‪ ،‬ومن هنا قسمها القرافي إلى ثالثة أقسام مبينا أن منها ما يدل على الرجوع‪ ،‬ومنها ما ال‬ ‫يدل عليه‪ ،‬ومنها ما هو متردد‪ ،‬فاألول نحو ما إذا أوصى بدين فاقتضاه فأنفقه‪ ،‬والثاني نحو ما إذا‬ ‫أوصى بزرع فحصده‪ ،‬والثالث نحو لت السويق وصبغ الثوب؛ وفي احلال األخيرة يكون البيعان شريكني‬ ‫بقدر الصبغ واللت‪.‬‬

‫‪439‬‬

‫‪ -435‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪111‬‬ ‫‪ -436‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪173-176‬‬ ‫‪ -437‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪177‬‬ ‫‪ -438‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪77‬‬ ‫‪ -439‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪173‬‬

‫‪294‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫الفرع الثالث‪ :‬التقابل والتداخل بني العقود‬ ‫العقود متمايزة متباينة ولكل منها أحكامه‪ ،‬إال أنها قد تشتبه وتتداخل‪ ،‬ومن تداخلها تردد بعض‬ ‫التصرفات بني نوعني أو أكثر من األنواع‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬ ‫‪1‬ـ تردد بعض العقود بني اجلعالة واإلجارة‪ :‬كالطبيب على البرء‪ ،‬وتعليم القرآن‪ ،‬واستخراج املياه من‬ ‫اآلبار والعيون‪ ،‬واملغارسة‪ ،‬وكراء السفن‪ ،‬والبالغ‪ 440.‬ومن املركب من اجلعالة واإلجارة مغارسة األرض‬ ‫على جزء منها؛ وشبهها باإلجارة في لزوم العقد‪ ،‬وشبهها باجلعالة في بطالن حق املغارس إذا بطل‬ ‫الغرس‪.‬‬

‫‪441‬‬

‫‪2‬ـ تردد املزارعة بني أن تكون عقدا مستقال أو شركة فيشترط في املتعاقدين فيها أهلية الشركة‪.‬‬ ‫‪7‬ـ املغارسة مركبة من الشركة واإلجارة‪ ،‬ولذا يشترط في عاقديها أهلية الشركة وأهلية اإلجارة‪.‬‬

‫‪442‬‬

‫‪443‬‬

‫‪7‬ـ القسمة أشبه بالبيع عند املالكية اتفاقا في بعض أنواعها وعلى املشهور في أنواع أخر‪ ،‬وال ميكن‬ ‫أن يق ال إنها بيع مطلقا فإن عني ما أخذ له فيه حصة قبل القسم وهي اآلن باقية فلم يعاوض‬ ‫فيها‪ ،‬وقال سحنون وابن حنبل هي متييز حق‪.‬‬

‫‪444‬‬

‫‪5‬ـ الشركة في املال بيع؛ لبيع كل واحد منهما نصف متاعه بنصف متاع صاحبه لكنه بيع ال‬ ‫مناجزة فيه‪ 445،‬وفيها معنى الوكالة ولذا يشترط في الشريكني أهلية التوكيل والتوكل فإن كل‬ ‫واحد منهما يتصرف لنفسه ولصاحبه بإذنه‪.‬‬

‫‪446‬‬

‫‪6‬ـ وبسبب تداخل العقود اختلف في بعض املسائل مثل العقود املستثنيات من أصول إذا فسدت‬ ‫هل ترد إلى صحيح نفسها كفاسد البيع‪ ،‬أو إلى صحيح أصلها وهذا كفاسد املساقاة والقراض‬ ‫واجلعالة‪ ،‬قوالن‪ 447‬فعلى األول يلزم في القراض الفاسد قراض املثل‪ ،‬وعلى الثاني أجرة املثل‪.‬‬

‫‪448‬‬

‫‪ 3‬ـ اختلف في املزارعة هل تلزم أم ال لشبهها بالشركة وباإلجارة؛ فمن غلب الشركة منع لزومها‪،‬‬ ‫ومن غلب اإلجارة ألزمها‪ .‬قال القرافي بعد ذلك‪ :‬انظر هذا االختالف الشديد؛ أحدهم يحكي اللزوم‬ ‫مطلقا‪ ،‬واآلخر يحكي اجلواز مطلقا‪ ،‬واآلخر يفصل‪ ،‬ومقتضى التفصيل إما اعتبار اخللط فيقال‬ ‫باللزوم بعده‪ ،‬أو حتمل أحدهما ما ال ميكن أن يتحمله وحده فيحكم باللزوم كذلك‪.‬‬

‫‪449‬‬

‫‪ -440‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ 6‬ص ‪22‬‬ ‫‪ -441‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪178‬‬ ‫‪ -442‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪125‬‬ ‫‪ -443‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪178‬‬ ‫‪ -444‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪118-113‬‬ ‫‪ -445‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪21‬‬ ‫‪ -446‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪27‬‬ ‫‪ -447‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ 6‬ص ‪17‬‬ ‫‪ -448‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪75‬‬ ‫‪ -449‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪51‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪295‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫‪8‬ـ الوكالة بغير أجرة ترددت بني ثالثة عقود ومن ثم اختلف في لزومها أيضا؛ فقيل تلزم مطلقا‪،‬‬ ‫وقيل من جانب املوكل بناء على لزوم الهبة وإن لم تقبض‪ .‬وأما الوكالة باألجرة فهي الزمة للطرفني‪،‬‬ ‫وإن كانت على سبيل اجلعالة ففي اللزوم ثالثة أقوال؛ فقيل الزمة من الطرفني‪ ،‬وقيل بعكسه‪ ،‬وقيل‬ ‫بلزومها من اجلاعل فقط‪.‬‬

‫‪450‬‬

‫‪1‬ـ وقد جمعت املقاصة في السلم املتاركة واملعاوضة واحلوالة‪ ،‬فاختلف في جوازها ولزومها أيضا؛‬ ‫فاجلواز تغليبا للمتاركة‪ ،‬واملنع تغليبا للمعاوضة واحلوالة‪ .‬وميكن أن يرجح أحد األشباه بناء على‬ ‫أصول مال بالنظر في شبهة التحايل على الربا وعدمها؛ فمتى قويت التهمة ترتب املنع‪ ،‬ومتى‬ ‫فقدت ترتب اجلواز‪ ،‬وإن ضعفت التهمة فقوالن للخالف في اعتبار التهمة وفي درجاتها وتأثيرها على‬ ‫العقود‪.‬‬

‫‪451‬‬

‫‪ 17‬ـ العرية دائرة بني القرض ألنها معروف وبني البيع ألنها معاوضة‪ ،‬ويتخرج على هذا بيع الثمر الذي‬ ‫اشتري به العرية قبل قبضه‪ ،452‬ألنه إذا كان معروفا جاز وإال فال‪.‬‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬التقابل والتداخل في التبرعات‬ ‫أبواب التبرعات كالهبة والصدقة والوقف ال تسلم من مالمح لنظرية التقابل والتداخل في صيغها‬ ‫وفي لزومها وفي آثارها وما يترتب عليها‪.‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬التقابل والتداخل بني االتصال واالنقطاع‬ ‫قسم القرافي الوقف من حيث االتصال وعدمه إلى منقطع األول وإلى منقطع اآلخر وإلى منقطع‬ ‫الطرفني وإلى منقطع الوسط والطرفني؛ فاألول كالوقف على نفسه‪ ،‬والثاني على أوالده ثم على‬ ‫معصية‪ ،‬والثالث على نفسه ثم على أوالده ثم على ميت‪ ،‬والرابع على أوالده ثم على معصية ثم‬ ‫الفقراء‪ ،‬واخلامﺲ على نفسه ثم على أوالده ثم على اﶈاربني في جهة معينة ثم على مدرسة‬ ‫معينة ثم على الكنيسة‪( .‬ويظهر سقوط قسم وهو منقطع الوسط والطرف)‪.‬‬ ‫ورتب على هذا التقسيم حكمني‪ ،‬األول اكتفى فيه بظاهر مذهب مالك قائال‪ :‬وظاهر مذهبنا أن‬ ‫الوقف يبطل فيما مينع أو يتعذر‪ ،‬واملتعذر يسقط لعدم إمكانه مثل وقفه على نفسه‪ ،‬واملمنوع‬ ‫ساقط ألن املعدوم شرعا كاملعدوم حسا‪ .‬واحلكم الثاني نقل فيه اخلالف في مثل هذه احلاالت بشكل‬ ‫عام هل يراعى فيها االبتداء أو االنتهاء أو الوسط؛‪ 453‬فيتحصل في املسألة أربعة أقوال‪:‬‬ ‫األول‪ :‬إسقاط الساقط وإمضاء الصحيح‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬اعتبار األول فإذا كان ساقطا بطل اجلميع‪ ،‬وإن كان صحيحا صح الصحيح املمكن‪.‬‬ ‫‪ -450‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪1‬‬ ‫‪ -451‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪211‬‬ ‫‪ -452‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪275‬‬ ‫‪ -453‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪771‬‬

‫‪296‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫والثالث‪ :‬اعتبار اآلخر‪.‬‬ ‫والرابع اعتبار الوسط‪ ،‬وفي حتديده نظر ألن األوساط على هذا قد تتعدد‪.‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬التقابل والتداخل بني اﶈصورين وغير اﶈصورين‬ ‫قال القرافي‪ :‬احلبس إن كان على معني يرجع بعد موت اﶈبس عليه على أقرب الناﺱ باﶈبس‪ ،‬وإن كان‬ ‫على مجهولني غير معينني وال محصورين نحو‪ :‬املساكني‪ ،‬فوقف محرم اتفاقا‪ ،‬وإن كان على‬ ‫محصورين غير معينني‪ ،‬نحو ولد فالن أو عقبه فحبس محرم اتفاقا ويرجع بعد انقراضهم حبسا‬ ‫على أقرب الناﺱ باﶈبس إال أن يقول‪ :‬حياتهم‪.‬‬

‫‪454‬‬

‫ومسألة عدم احلصر في احلبس أيسر منها في الوصية‪ ،‬ألن احلبس منافع والوصية قد تكون أعيانا‪،‬‬ ‫فإذا أوصى املوصي لغير معينني وقع في املسألة تردد نقل القرافي فيه عن بعض القرويني تفصيال‬ ‫بأنه إذا أوصى لبني فالن (وهذا مثال على عدم التعيني) فعلى ثالثة أوجه؛ إن لم ينضبطوا لكثرتهم‬ ‫فلمن حصر اتفاقا‪ ،‬أو معروفني فيقسم بالسواء بينهم‪ ،‬أو ينحصروا بعد مشقة فهو موضع‬ ‫خالف‪ 455‬فرجعت املسألة إلى قاعدة اإلمكان واملشقة‪.‬‬ ‫ومن الفروع املبنية على إمكان احلصر وعدمه مسألة الشهادة على النفي‪ ،‬والذائع عند الفقهاء أنها‬ ‫غير مقبولة‪ ،‬غير أن القرافي قسمها تقسيما ثالثيا‪ 456‬قال إنه مجمع عليه‪:‬‬

‫‪457‬‬

‫األول‪ :‬أن تكون الشهادة معلومة نحو العرب لم تنصب الفاعل‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬أن تكون ظنية عن استقراء صحيح نحو ليس في كالم العرب اسم آخره واو قبلها ضمة‪.‬‬ ‫والثالث‪ :‬أن تكون شائعة غير منحصرة نحو لم يطلق زيد امرأته في هذه السنة‪ ،‬أو لم يدخل بيت‬ ‫فالن في عمره من غير دليل فهذا هو املردود واألوالن مقبوالن‪.‬‬

‫‪458‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬التقابل والتداخل بني ألفاظ التبرع‬ ‫التبرع أنواع كثيرة لكل منها لفظ أو ألفاظ صريحة فيه‪ ،‬مثل الوقف والهدية وغيرهما‪ ،‬وهناك‬ ‫ألفاظ مترددة بني أكثر من نوع من أنواع التطوع فتراعى فيها املقاصد والظواهر‪ ،‬ومنها لفظ‬ ‫الصدقة فإن في تفسير داللتها ثالث حاالت إذا لم يوجد ما يبني املراد‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬أن تكون على معني فهي متلك اتفاقا‪ ،‬مبعنى أنها ال تنصرف للحبس ألن التعيني قرينة امللك‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬أن تكون على غير معينني وال محصورين‪ ،‬فإنها تباع ويتصدق بها عليهم إال أن يقول عن الدار‬ ‫مثال‪ :‬يسكنونها أو يستغلونها فتكون حبسا‪ ،‬ألن ذلك قرينة احلبس‪.‬‬ ‫‪ -454‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪713‬‬ ‫‪ -455‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪18‬‬ ‫‪ -456‬نفائس الصول ج‪ 7‬ص‪1732‬‬ ‫‪ -457‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪21‬‬ ‫‪ -458‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪21‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪297‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫الثالثة‪ :‬أن تكون على محصورين غير معينني فهل تكون آلخرهم ملكا أو ترجع مرجع األحباس؟‬

‫‪459‬‬

‫وال يخفى أن الشهاب القرافي يرى أن لفظ صدقة محتمل للملك وللوقف‪ ،‬وأنه ال ينصرف إلى هذا‬ ‫أو ذلك إال بقرينة حالية أو مقالية‪ ،‬ومن الترجيح بالقرائن اللفظية املفسرة ترجيحه الوقف بقول‬ ‫اﶈبﺲ في الدار‪ :‬يسكنونها‪ ،‬ومن الترجيح بالقرائن اﳊالية ترجيحه الوقف باالستمرار ألنه األصل‬ ‫فيه‪ ،‬وترجيحه الصدقة باالنقطاع ألنه الظاهر فيها‪.‬‬ ‫الفرع الرابع‪ :‬التقابل والتداخل بني ما ينتقل للورثة وما ال ينتقل‬ ‫اختلف الفقهاء هل ينتقل حق قبول الوصية للورثة إذا مات املوصى له قبل القبول أم ال؟ وهذه من‬ ‫مسائل القرافي التي يسأل فيها سؤاال خاصا ويجيب عنه بقاعدة عامة‪ ،‬غالبا ما يكون بني طرفيها‬ ‫تقابل وبينهما واسطة هي محل التردد واخلالف‪ ،‬فقال إن الوارث ينتقل له ما كان ماال أو متعلقا‬ ‫باملال أو فيه ضرر عليه كاألعيان اململوكة والشفعة وحد القذف‪ ،‬وقد ذكر أيضا وجها آخر النتقال‬ ‫القصاص والقذف للورثة غير هذه القاعدة وهو أن ضررهما متعد للوارث فانتقال إليه‪ 460.‬وال ينتقل‬ ‫إلى الوارث ما هو متعلق بجسم املورث كالوصية له بغذائه‪ ،‬وال ما يتعلق مبالذ نفسه كالنكاح‪ ،‬وال‬ ‫بفعله (ولعلها بعقله) كاخليار الذي اشترط من متبايعني غيره ألن جسمه ونفسه وعقله ال‬ ‫تورث‪.‬‬

‫‪461‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬التقابل والتداخل في أبواب الضمان والقضاء‬ ‫فروع الضمان من أكثر أبواب الفقه تداخال وال يفك هذا التداخل‪ ،‬إال القضاء الذي مييز املسائل‬ ‫بعضها عن بعض ويحكم في أطرافها املتقابلة وفروعها املتداخلة‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬التقابل والتداخل في باب الضمان‬ ‫مسائل الضمان متشعبة لم يختص بها بابها في الفقه‪ ،‬وإمنا دخلت في مختلف األبواب كالبيوع‬ ‫والرهن وغيرهما من األبواب‪.‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬التقابل والتداخل بني أسباب الضمان‬ ‫قاعدة الضمان اجلامعة لفروعه الفقهية بينها القرافي بذكر أسبابه وهي ثالثة‪. :‬‬

‫‪462‬‬

‫‪1‬ـ اإلتالف‪.‬‬ ‫‪2‬ـ التسبب‪.‬‬ ‫‪7‬ـ اليد غير املؤمتنة‪.‬‬ ‫‪ -459‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪718‬‬ ‫‪ -460‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ 12‬ص ‪117‬‬ ‫‪ -461‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪55‬‬ ‫‪ -462‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪713‬‬

‫‪298‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫وقد بني حكم بعض حاالت التداخل بني هذه األسباب املتقابلة‪ ،‬وجعل األصل تغليب املباشرة على‬ ‫التسبب لقوتها في نفسها وضعفه في ذاته‪ ،‬وقد يقدم التسبب على املباشرة إذا كانت مغمورة‬ ‫كتقدمي السم إلنسان فأكله‪ 463.‬وهذا ما يبني أن ترجيح أحد السببني على اآلخر ال يرجع لقوته أو‬ ‫ضعفه في ذاته فقط‪ ،‬وإمنا قد يرجع أيضا إلى قوته في أثره وصلته باألثر‪.‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬التقابل والتداخل بني األيدي‬ ‫تقدم قبلُ أن من أسباب الضمان وضع اليد غير املؤمتنة‪ ،‬وفي املقابل فإن األصل اليد املؤمتنة أال‬ ‫تضمن‪ ،‬والفقه يفترض في بعض األيدي األمانة فال يضمن أصحابها كأيدي أصحاب الودائع‬ ‫والقراض واملساقاة‬

‫‪464‬‬

‫وكاللقطة والوديعة‪،‬‬

‫ضامنة كالسراق والغصاب‪،‬‬

‫‪466‬‬

‫‪465‬‬

‫ويفترض في بعضها عكس ذلك فتكون يدا عادية‬

‫وقد تتداخل الصفتان واليدان مثل يد األجير الذي يؤثر بصنعته‪،‬‬

‫واألجير على حمل الطعام الذي تتوق النفس لتناوله فضمنهما مالك خالفا للشافعي‪.‬‬

‫‪467‬‬

‫ولهذا السبب اختلف الفقهاء في الضمان إذا هلك املبيع خالل فترة اخليار بأمر سماوي؛ وذلك‬ ‫الجتماع شائبة األمانة مع غيرها‪ ،‬واملقصود بغيرها اليد غير املؤمتنة وهي من أسباب الضمان‪.‬‬

‫‪468‬‬

‫واختلف أيضا في تضمني املستعير‪ ،‬ومنشأ اخلالف النظر في خلوص املنفعة له فيضمن‪ ،‬أو إلى أنه‬ ‫قبض بإذن املالك من غير عوض فال يضمن‪ ،‬أو مالحظة شبه األصلني‪ 469،‬فاليد في العارية يد أمانة‬ ‫من جهة اإلذن وعدم العوض‪ ،‬ويد ضمان من جهة أنه قبض لنفسه‪ ،‬بخالف الوديعة‪ ،‬ففارق الغاصب‬ ‫باإلذن‪ ،‬والبيع الفاسد واملستام بالعوض‪ ،‬والوديعة بأنه ينتفع‪ ،‬فقويت شائبة الضمان فيما يغاب‬ ‫عليه‪ ،‬وشائبة األمانة بظهور العني‪.‬‬

‫‪470‬‬

‫ومن مسائل تداخل األيدي املشهورة ما إذا ضاع أحد ثوبني وهو في أحدهما أمني وفي اآلخر مشتر‬ ‫باخليار‪ ،‬فإنه يضمن نصف ثمنه لدورانه بني املبيع وغيره‪ ،‬وله أخذ الثاني ورده لدورانه بني املبيع‬ ‫وغيره‪ 471.‬وكذلك إذا اشترى ثوبا من ثوبني من جنس واحد والثمن واحد فهلك أحدهما بيد املبتاع في‬ ‫فترة اخليار أو دخله عيب فهو بينهما وعليه نصف ثمن كل ثوب الختالط األمانة‪ 472‬بغيرها‪.‬‬

‫‪ -463‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪713‬‬ ‫‪ -464‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪113،118‬‬ ‫‪ - ،465‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ 178‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪175‬‬ ‫‪ -466‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪113،118‬‬ ‫‪ -467‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪113،118‬‬ ‫‪ -468‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪77‬‬ ‫‪ -469‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪277‬‬ ‫‪ -470‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪272‬‬ ‫‪ -471‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪73-76‬‬ ‫‪ -472‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪73‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪299‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫وهذه املسائل وغيرها جتمعها قاعدة املقبوضات‪ ،‬فإن منها ما هو أمانة محضة‪ ،‬وضابطه هو ما‬ ‫كانت املنفعة فيه للمالك كالوديعة أو جل النفع كالقراض‪ ،‬ومنها ما هو مضمون ال أمانة فيه‬ ‫وضابطه أنه ما كان النفع فيه للقابض كاملبيع أو تعديا كالغصب‪ ،‬ومنها ما هو متردد بني القسمني‬ ‫كالرهن فنفع الراهن الصبر ألجله‪ ،‬ونفع املرتهن التوثق‪ ،‬وشبه الضمان أقوى‪ ،‬ونحن (املالكية) جنعل‬ ‫كونه مغيبا عليه مرجحا للضمان لكونه مظنة التهمة‪.‬‬

‫‪473‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬التقابل والتداخل بني ما يضمن و ما ال يضمن‬ ‫قال القرافي‪ :‬الضمان يتعلق باألموال ألنها متعلق األغراض‪ ،‬وما ال مالية فيه ال حرمة له وال ضمان‪،‬‬ ‫وهناك أمور مترددة بني املالية وعدمها‪ ،‬منها‪ :‬إذا غصب خمرا ملسلم فخللها‪ ،‬أو عصيرا فصار خمرا‪،‬‬ ‫أو خمرا لذمي‪ ،‬أو آالت للمالهي‪ 474..‬وهذا يتخرج على ما يصح بيعه وما ال يصح وقد تقدمت‪.‬‬ ‫والنقص الذي يوجب الضمان ثالثة أقسام‪ 475:‬فتارة تذهب العني بالكلية فله طلب الضمان اتفاقا‪،‬‬ ‫وتارة يكون النقص يسيرا فليس له إلزام القيمة اتفاقا‪ ،‬وتارة يكون الذاهب مخال باملقصود (كذنب‬ ‫بغلة القاضي) فهو محل اخلالف‪ .‬قال اللخمي التعدي في مذهب مالك أربعة أقسام‪ 476:‬يسير ال‬ ‫يبطل الغرض املقصود‪ ،‬ويسير يبطله‪ ،‬وكثير ال يبطل املقصود‪ ،‬وكثير يبطله‪ ،‬ففي األول والثالث ال‬ ‫يضمن قيمة العني‪ ،‬ويخير في الرابع‪ ،‬وأما الثاني فيضمنه مالك وقيل بعدم الضمان‪.‬‬ ‫وفي هذا التقسيم الرباعي بيان للتقابل والتداخل في ثالث حاالت‪ :‬األولى‪ :‬أن اليسير غير اجملل‬ ‫باملقصود ال ضمان للقيمة به‪ ،‬والثانية‪ :‬أن الكثير اجملل باملقصود محل التخيير بني القيمة وجبر‬ ‫الضرر‪ ،‬وأما الثالثة ففيما إذا تعارضت الكثرة واإلخالل‪ ،‬فهنا يقع النظر واالختالف‪ ،‬وذلك في حالتني‪:‬‬ ‫أن يكون كثيرا غير مخل وهنا حكم بعدم الضمان في مذهب مالك‪ ،‬أو قليال مخال‪ ،‬فيضمن في‬ ‫مذهبه أيضا‪ .‬وقد يخرج هذا على التعارض بني الظاهر واملقصد أيضا‪ ،‬وقد رجح مالك في هذه‬ ‫املسألة النظر للثاني على األول‪.‬‬ ‫ومن املسلم أن العني ترد من الغاصب‪ ،‬إال أن منها ما عرف زوال عينه فقيمته على الغاصب‪ ،‬ومنها‬ ‫ما بقيت عينه فيأخذه املغصوب منه‪ ،‬ومنها ما يتردد بني االثنني كاخلشبة في البناء واللوح في‬ ‫السفينة‪ ،‬فهل تنتقل بالبناء عن حكم العينية إلى أن صارت وصفا للبناء فتكون تبعا فال ترد‪ ،‬أو هي‬ ‫باقية فترد إلى مالكها احلق‪.‬‬

‫‪477‬‬

‫‪ -473‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪117-112‬‬ ‫‪ -474‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪235‬‬ ‫‪ -475‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪77‬‬ ‫‪ -476‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪77‬‬ ‫‪ -477‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪723‬‬

‫‪300‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫وأصل باب الضمان احلديث "اخلراج بالضمان" إال أن القرافي قال إنه ليس على ظاهره‪ ،‬ألن ظاهره أن‬ ‫الغاصب يأخذ الغلة لضمانه وليس كذلك ألن العني ال تضمن إال إذا هلكت أو تغيرت‪ ،‬وهذا أحد‬ ‫أسباب اخلالف في غلة العقار املغصوب فإنه ملا كان توقع التغير في العقار أبعد لم تكن الغلة‬ ‫للغاصب لضعف السبب‪ 478.‬ويفهم من هذا أن من األعيان ما هو مستبعد التغير‪ ،‬ومنها ما متوقع‬ ‫التغير‪ ،‬ومنها ما هو متردد بينهما‪ ،‬وكلما زاد احتمال التغير الذي هو سبب الضمان زاد احتمال‬ ‫ضمان الغاصب‪ .‬وهناك تردد آخر بني كون الغصب منصبا على الغلة أم ال‪ ،‬وهو أمر مرتبط أيضا‬ ‫بقرب الصلة وبعدها‪.‬‬ ‫وقد ضبط القرافي اخلالف في الغلة الناجتة عن املغصوب بأن قسمها ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫القسم األول هو الغلة املتولدة عن املغصوب على هيئته كالولد‪.‬‬ ‫والقسم الثاني هو املتولد على غير خلقته كالصوف‪.‬‬ ‫والقسم الثالث هو املتولد على غير خلقته كاألجرة‪( ،‬ولعل الصواب‪ :‬عن غير خلقته كاألجرة)‪.‬‬ ‫فاألول يرده الغاصب اتفاقا مع األمهات‪ ،‬والثاني في رده قوالن‪ ،‬والثالث فيه خمسة أقوال؛ قيل‬ ‫للغاصب‪ ،‬وقيل لصاحب املال إن اكترى أو انتفع ال إن عطل‪ ،‬وقيل بالفرق بني الكراء واالنتفاع‪ ،‬وقيل‬ ‫بالفرق بني احليوان واألصول‪ 479.‬ومرد ذلك اخلالف إلى النظر في قرب صلة الغلة باملغلول وبعدها عنه‪.‬‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬التقابل والتداخل في باب القضاء والدعاوى والبينات‬ ‫تشعبت املسائل في هذه الباب وتعددت وقد حاول القرافي ضبط أغلبها بقاعدة التقابل والتداخل‬ ‫التي تبني أنواع الدعاوى والبينات واألحكام‪.‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬التقابل والتداخل في الشبهات والتهم‬ ‫الدعاوى قائمة على تفاوت درجات العلم ومراتب الظنون‪ ،‬وبناء على ذلك قسمها القرافي ثالثة‬ ‫أقسام‪ :‬فمنها ما تصدقه العادة فهو مقبول‪ ،‬ومنها ما تكذبه العادة فال يسمع‪ ،‬ومنها لم تقض‬ ‫العادة بصدقه وال كذبه كدعوى املعاملة‪ 480‬فهو محل نظر واختالف‪.‬‬ ‫وانطالقا من هذا املعنى نظر اإلمام مالك في حال املتهم حتى ال يدعي الفسقة على الصاحلني‪،‬‬ ‫وانطالقا منه فرق القرافي في مراحل طرق التعامل مع املتهمني‪ ،‬فقال إن املتهم املبرز بالعدالة يترك‪،‬‬ ‫واملتهم املعروف بالسرقة يهدد ويحلف‪ ،‬واملتهم املتوسط يحلف فقط‪ 481‬ويلحﻖ به اﺠﻤﻟهول احلال‪.‬‬ ‫وكذلك قال فيمن اتهم بشرب اخلمر فاستنكه فأشكلت الرائحة على اإلمام هل هي خمر أم ال؟‬ ‫وأجاب أيضا بأن ذلك يختلف باختالف أحوال املتهمني؛ فإن كان املتهم حسن احلال ترك اإلمام‪ ،‬وإن‬ ‫‪ -478‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪718‬‬ ‫‪ -479‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪717‬‬ ‫‪ -480‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪3‬‬ ‫‪ -481‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ 12‬ص ‪187‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪301‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫كان سيء احلال استقرأه بعض املفصل فإن اعتدلت قراءته تركه وإال حده‪ ،‬وإن شك في حاله حد أو‬ ‫أدب‪ 482،‬واشار بـ (أو) للخالف والتردد بني إقامة احلد واالكتفاء بالتأديب‪.‬‬ ‫وينبني على تقسيم الدعاوى السابق ما يُلزم فيه باحللف من الدعاوى وما ال يلزم فيه باحللف؛‬ ‫فالدعاوى التي يصدقها العرف يلزم فيها بالقسم اتفاقا‪ ،‬والتي شهد بعدم صدقها ال يلزم باحللف‬ ‫فيها إال أن تثبت اخللطة‪ ،‬وقال الشافعي وأبو حنيفة يحلف على كل حال‪.‬‬

‫‪483‬‬

‫ولم يذكر القسم‬

‫الثالث‪ ،‬والظاهر أنه بعكس األول فال يلزم فيه باحللف‪ .‬وهذا إمنا يتصور في اليمني الدفعية أو املردودة‬ ‫على املدعى عليه‪ ،‬ألن املدعي ال يتصور فيه اإللزام باحللف ألنه املطالب بحقه وله التنازل عنه‪.‬‬ ‫وبناء على تصديق العرف للدعوى وتكذيبه لها قسم القرافي أيضا التهم اجمللة بالقضاء إلى ثالثة‬ ‫أنواع مبنية على التقابل والتداخل‪:‬‬

‫‪484‬‬

‫األولى‪ :‬تهمة في أعلى رتب التهمة‪ ،‬وهذه معتبرة إجماعا مثل قضاء القاضي لنفسه‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬تهمة تقع في مرتبة أدنى التهم فاعتبارها مردود إجماعا مثل قضاء القاضي جليرانه وأهل‬ ‫صقعه وقبيلته‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬التهم املتوسطات فيختلف فيها هل تلحق باألول أو بالثاني‪.‬‬ ‫ومن اجملتلف فيه بسبب التداخل ما إذا اجتمع في القضية حق اهلل تعالى وحق القاضي‪ ،‬وحكم هذا‬ ‫القسم أن القاضي ال يحكم مباله ألن قضاء القاضي لنفسه تقوى فيه التهمة فيمنع باتفاق‬ ‫العلماء‪ ،‬وهل يحكم باآلخر؟ خالف‪ 485.‬ويبقى اإلشكال في حال عدم إمكان االنفكاك بني ما هو حق‬ ‫هلل وما هو حق للقاضي نفسه أيهما يغلب؟‬ ‫وما قيل في القضاء يقال في الشهادات ولكن االحتياط للتهم في باب الشهادات أشد‪ ،‬ولذا يرد من‬ ‫الشهود ما يقبل في القضاء‪ ،‬والتهم التي ترد بها الشهادات ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪486‬‬

‫‪1‬ـ قسم مجمع على اعتباره لقوته كشهادة اإلنسان لنفسه‪.‬‬ ‫‪2‬ـ وقسم مجمع على إلغائه خلفته كشهادته لرجل من قبيلته‪.‬‬ ‫‪7‬ـ وقسم مختلف فيها كشهادته ألخيه أو صديقه املالطف أو على عدوه‪.‬‬ ‫وأصل هذا املعنى قوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ال تقبل شهادة خصم وال ظنني) واخلصومة مظنة‬ ‫التهمة والتهمة ثالثة أقسام‪ :‬تهمة ملغاة إجماعا‪ ،‬وتهمة معتبرة إجماعا‪ ،‬وتهمة مختلف فيها‬ ‫هل تلحق باألولى لقصورها عن الثانية‪ ،‬أو بالثانية الرتفاعها عن األولى؟ قال القرافي‪ :‬وهذه القاعدة‬ ‫‪ -482‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ 12‬ص ‪277‬‬ ‫‪ -483‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ 87‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪75‬‬ ‫‪ -484‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ 77‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪171‬‬ ‫‪ -485‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪111‬‬ ‫‪ -486‬الفروق‪ ،‬ج‪68 ،7‬‬

‫‪302‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫منشأ اخلالف في جميع موانع الشهادة‪،‬‬

‫‪487‬‬

‫كالقرابة؛ وأجمل القرافي أقوال األئمة فيها بقوله‪:‬‬

‫وافقنا األئمة في عمودي النسب علوا وسفال‪ ،‬وخالفونا في األخ‪ ،‬وخالفنا بعضهم في الزوج‪.‬‬

‫‪488‬‬

‫ومن مواطن التردد املوجب لالختالف تردد شهادة العدل الظنني بني القبول والرد لوقوعها بني ظاهرين‬ ‫؛ األول عدالة العدل وهذا يقتضي أنه ال يشهد إال مبا علم‪ ،‬والثاني كونه ظنينا واألصل في املظان‬ ‫اتباع العموم دون مراعاة اخلصوص‪ 489،‬ولم يرجح القرافي بني اخليارين وأرى أن ذلك تابعا للنظر وغلبة‬ ‫الظنون‪.‬‬ ‫وقد توسع بعض العلماء وخاصة احلنفية على سبيل االستثناء من النصوص الشرعية في قاعدة‬ ‫درء احلدود بالشبهات ودرأوها بأدنى شبهة في فهم الشرع أو في تطبيق احلكم‪ .‬والشبهات التي تدرأ‬ ‫بها احلدود مأخوذة من االشتباه وهو تعارض موجبني أحدهما يقتضي وجوب احلد واآلخر يقتضي‬ ‫عدمه‪،‬‬

‫‪490‬‬

‫وال يعمل بجميع أنواعها بل منها القوي ومنها الضعيف‪ ،‬ومنها املعتبر شرعا ومنها‬

‫امللغي شرعا‪ ،‬ومنها الدارئ للحد ومنها غيره‪ ،‬فهي أيضا عند القرافي ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫‪1‬ـ قسم في غاية القوة وقد اتفق الفقهاء على اعتباره‪.‬‬ ‫‪2‬ـ وقسم في غاية الضعف اتفق الفقهاء على إلغائه‪.‬‬ ‫‪7‬ـ وقسم متردد بني القوة والضعف اختلف في إحلاقه بأي القسمني‪ 491،‬وليس اخلالف في أصله بل‬ ‫اخلالف في نسبته إلى أحد الطرفني‪.‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬التقابل والتداخل بني املدعي واملدعى عليه‬ ‫يقال إن من ميز املدعي من املدعى عليه فقد أحكم باب القضاء ألن جل أحكامه يترتب على ذلك‬ ‫التمييز‪ ،‬وقد ضبط الشهاب القرافي املدعى عليه بأنه كل من عضد قولَه عرف أو أصل‪ ،‬واملدعي بأنه‬ ‫كل من خالف قولُه أصال أو عرفا‪ ،‬سواء كان طالبا أو مطلوبا؛ فاملودع الذي قبض الوديعة ببينة ال‬ ‫يقبل قوله في الرد إال ببينة‪ ،‬فإن ادعى الرد بغيرها فهو مدع وإن كان مطلوبا منه ال طالب‪ ،‬وقد عبر‬ ‫عن هذه القاعدة بصيغة أخرى أخصر وهي أن املدعى عليه هو أقوى املتداعيني سببا‪.‬‬

‫‪492‬‬

‫ويترجح قول أحد املتداعيني بالعوائد‪ ،‬وما يشبه‪ ،‬وظواهر األحوال وهي غير منحصرة‪ ،‬فمن رجح‬ ‫بواحدة أو أكثر منها فهو املدعى عليه‪،‬‬

‫‪493‬‬

‫وإن تعارضت نظر في رجحان بعضها على بعض عددا‬

‫ومعنى‪ ،‬وذلك من مواطن التداخل الغامضة التي يحتاج فيها القاضي للنظر ببصيرة في كل حالة‬ ‫‪ -487‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪267‬‬ ‫‪ -488‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪265‬‬ ‫‪ -489‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪238‬‬ ‫‪ -490‬نفائس األصول‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪7333‬‬ ‫‪ -491‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ 12‬ص ‪158‬‬ ‫‪ -492‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪721‬‬ ‫‪ -493‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪8‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪303‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫على حدة‪ ،‬حتى يعرف األقوى واألضعف سببا من الطرفني‪ ،‬وليس ذلك باألمر اليسير ألن الطرفني قد‬ ‫يتعلق كل منهما بسبب أو أسباب أو بظاهر أو ظواهر‪ ،‬فيقع التردد والنظر ورمبا التعادل في األمارات‪.‬‬ ‫ومما يزيد األمر صعوبة أن الظاهر الواحد له مراحل ودرجات يقدم بعضها على بعض فوضع اليد‬ ‫الذي هو أظهر الظواهر ليس درجة واحدة بل فيه نسبية عريضة تتدرج من اليد القريبة إلى البعيدة‬ ‫مرورا باملتوسطة؛ فأبلغ أنواع وضع اليد ثياب اإلنسان التي عليه لقربها منه وصلتها به‪ ،‬ويليها‬ ‫البساط الذي هو جالس عليه والدابة التي يركبها ثم التي يسوقها ثم الدار التي هو ساكنها‪ ،‬وكل‬ ‫ذلك درجات متفاوتة‪ ،‬قد تتعارض‪ ،‬وإذا حصل ذلك فاحلكم أن تقدم أقوى اليدين على أضعفهما إن‬ ‫أمكن ذلك‪.‬‬

‫‪494‬‬

‫ومن الفروع املبنية على قاعدة متييز املدعي من املدعى عليه‪ ،‬مسائل اختالف البائع واملشتري في‬ ‫املبيع وفي تسليمه وفي عيوبه وهي كثيرة؛ وعند اختالفهما في ذلك قيل يصدق البائع بعد أن‬ ‫يتحالفا ألن جانبه أقوى‪ ،‬ووجه قوته أن املبيع يعود إليه فهو كصاحب اليد‪ ،‬وقال ابن القاسم‪ :‬يبدأ‬ ‫باملبتاع ألن الثمن من جهته وهو أقوى‪ ،‬وقيل يتقارعان ألنهما سواء وكالهما يحامي عما تقرر ملكه‬ ‫عليه من الثمن واملثمن‪ ،‬وإذا نكال يتخرج فيه قول بالرد إلى الوسط‪ 495،‬وهو إنسان عني التداخل‪.‬‬ ‫وإذا استطعنا بإحدى الوسائل السابقة متييز صاحب السبب القوي من صاحب السبب الضعيف‬ ‫فإن صاحب السبب القوي هو املدعى عليه وصاحب السبب الضعيف هو املدعي كما ذكر‪ ،‬وإذا‬ ‫حصل التكافؤ بني االثنني فإما أن نعتبر حجة املتداعيني كأنها لم تكن ونلغيها بشكل كامل‪ ،‬كما‬ ‫إذا تداعيا ما ليس بأيدي أي منهما أصال‪ ،‬وهنا ميكن لإلمام قسمته بينهما بعد أميانهما‪ ،‬وإما أن‬ ‫نُنظرهما كما قال مالك إنهما يتركان حتى يأتي أحدهما ببينة أعدل إال أن يطول‬ ‫فيقسم‪496‬بينهما‪ ،‬وإما أن نراعي اليدين أو البينتني؛ هذه من وجه وتلك من وجه‪ ،‬ألن إعمال كل‬ ‫واحدة من وجه أولى من االثنتني‪.‬‬

‫‪497‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬من تشترط فيهم العدالة ومن ال تشترط‬ ‫ومن نوادر القرافي أنه أحيانا يقعد للمسألة الواحدة من عدة أوجه كلها مبنية على التقابل‬ ‫والتداخل‪ ،‬ومن ذلك بيانه من تشترط فيهم العدالة ومن ال تشترط بناء على ثالثة أسس تقابلها‬ ‫أضدادها‪ ،‬هي عموم الوالية وخصوصها‪ ،‬واالعتماد على القول وعدمه‪ ،‬ووجود الدافع إلى الكذب‬ ‫وانعدامه‪ ،‬ونتيجة النظرات الثالث واحدة‪.‬‬

‫‪ -494‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪75‬‬ ‫‪ -495‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪777‬‬ ‫‪ -496‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪138‬‬ ‫‪ -497‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪27-27‬‬

‫‪304‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫بناء على املقياس األول قسم القرافي أصحاب الواليات إلى ثالثة‪:‬‬

‫‪498‬‬

‫أوال‪ :‬األئمة وهؤالء تشترط فيهم العدالة وعلله بعموم تصرفهم‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬القضاة وهؤالء تصرفهم أخص من األئمة وأعم من األوصياء‪ ،‬ولذلك اختلف في اشترط‬ ‫عدالتهم‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬األوصياء‪ ،‬وهؤالء تصرفهم مخصوص وعدالتهم مختلف في اشتراطها‪ ،‬ورجح عدم اشتراطها‬ ‫لقيام الدافع الفطري مقامها‪.‬‬ ‫ففي هذا التقسيم جند أنه نظر للعموم واخلصوص‪ ،‬فاشترط العدالة في الوالية العامة لعمومها‬ ‫وشمولها جملتلف مصالح الناس‪ ،‬وبني عدم اشتراط كثير من الفقهاء العدالة في بعض الواليات‪،‬‬ ‫وعلل ذلك بخصوصها وكونها ال تتضمن إال بعض مصالح بعض الناس كاألوصياء‪ ،‬وبني هاتني‬ ‫املرتبتني من العموم واخلصوص القضاة لعموم تصرفهم من وجه وخصوصه من وجه‪ 499،‬ونتيجة‬ ‫لذلك جعل العدالة في الوالة العامني ضرورية‪ ،‬وفي القضاة ونحوهم حاجية‪ ،‬وفي األوصياء ونحوهم‬ ‫تتمة‪.‬‬

‫‪500‬‬

‫ونظر من جهة أخرى في هذه املسألة إلى االعتماد على القول وعدمه نظرة تقابل وتداخل‪ ،‬وبني أن‬ ‫من يعتمد على قولهم كالشهود واملؤذنني تشرط فيهم العدالة‪ ،‬ومن ال يشترط االعتماد على قوله‬ ‫كقارئ األذكار والقرآن‪ ،‬يصح منه الفعل برا ً كان أو فاجرا‪ ،‬ومن الناس من هو مختلف فيه كاإلمام‬ ‫(إمام الصالة) فاشترط مالك فيه العدالة ولم يشترطها الشافعي‪ .‬قال القرافي‪ :‬ومنشأ اخلالف‬ ‫ارتباط صالة اإلمام باملأموم عند مالك خالفا للشافعي‪.‬‬

‫‪501‬‬

‫وفرع مرة ثالثة على أساس الدافعية للكذب وضعفها وتوسطها‪ ،‬وبناء على ذلك قسم الناس‬ ‫وأحوالهم في هذا املقام أيضا ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪502‬‬

‫األول‪ :‬ما كان الكذب فيه على خالف الطبع فيقبل قول القائل فيه دون اشتراط للعدالة اتفاقا‪ ،‬مثل‬ ‫إقرار اإلنسان على نفسه‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬ما لم يكن كذلك كشهادته وواليته على البعيد فتشترط فيها العدالة‪ ،‬ألن الطبع ال مينع‬ ‫من الكذب واالدعاء على الغير‪.‬‬

‫‪ -498‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪73‬‬ ‫‪ -499‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪73‬‬ ‫‪ -500‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪77‬‬ ‫‪ -501‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪73‬‬ ‫‪ -502‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪73‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪305‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫الثالث‪ :‬ما هو متردد بني هذين كالوالية على القريب على اختالف درجات القرابة‪ ،‬وقد رجح القرافي‬ ‫إحلاقها باألول ألن الطبع يقربها من النفس‪ ،‬ولذا لم يشترط مالك عدالة الولي في النكاح ألن خوفه‬ ‫من العار يقوم مقام العدالة‪ ،‬وقيل ال بد من العدالة لئال يوالي أهل شيعته‪.‬‬

‫‪503‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬التقابل والتداخل في العقوبات والكفارات‬ ‫العقوبات والكفارات متقابلة‪ ،‬وكثيرا ما تتداخل فيما بينها كما تتداخل أنواعها اجملتلفة مع األنواع‬ ‫األخر‪.‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬التقابل والتداخل بني الزواجر واجلوابر‬ ‫قال القرافي‪ :‬أنواع التأديب ثالثة‪:‬‬

‫‪504‬‬

‫األول‪ :‬الزواجر كاحلدود والتعازير‪ ،‬والثاني‪ :‬اجلوابر وهي املشروعة‬

‫الستدراك املصالح الفائتة كتعويض الضرر‪ ،‬واختلف في بعض الكفارات هل هي زواجر ملشاقها‪ ،‬أو‬ ‫جوابر ألنها عبادات ال تصلح إال بنية‪ ،‬وألن التقرب إلى اهلل تعالى ليس من الزواجر‪ .‬وقد توجد الزواجر‬ ‫بال جوابر كاحلدود‪ ،‬واجلوابر بال زجر كتضمني الصبي واﺠﻤﻟنون‪ ،‬وقد جتتمعان نحو كفارة اليمني وتضمني‬ ‫الغاصب‪ ..‬قال القرافي‪ :‬فعلى هذه القاعدة تتخرج فروع اجلنايات في الضمانات فتأملها واستعملها‬ ‫في مواردها حتكم الضمان بفضل اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪505‬‬

‫والتأديبات قد تكون زواجر محضة وقد تكون جوابر محضة وقد تتداخل وتتردد بينهما‪ ،‬ومما يتردد بني‬ ‫الزجر واجلبر عقوبة شارب يسير النبيذ متأوال‪ ،‬ولتردده اختلف الفقهاء في عدالته وسبب عقوبته؛‬ ‫فقال الشافعي أحده وأقبل شهادته‪ ،‬أما األول فلدرء املفسدة‪ ،‬وأما الثاني فألنه إما مجتهد أو مقلد‬ ‫وكالهما غير آثم‪ ،‬وقال مالك‪ :‬أحده وال أقبل شهادته‪ ،‬أما حده فللمفسدة واملعصية‪ ،‬وأما رد شهادته‬ ‫فلفسقه‪ 506،‬فجعل اإلمام مالك عقوبته املادية باجللد واملعنوية برد الشهادة زجرا له ولغيره وجبرا‬ ‫لفسقه وانتهاكه احلرمة‪ ،‬وجعل اإلمام الشافعي عقوبته زجرا ال غير ألنه عنده لم يرتكب جرما‬ ‫يجب جبره ألن التأويل أسقط عنه حكم الفسق‪ ،‬وميكن أن يحمل عليه قول مالك بحد الكافر إذا‬ ‫سرق مع أنه ال معصية عليه لعدم خطابه بالفروع على املشهور‪ ،‬ألن التأديبات تتبع املفاسد ال‬ ‫املعاصي‪.‬‬

‫‪507‬‬

‫ومتتاز الزواجر بأنها ال تكون إال عقوبات غالبا ما تكون بدنية‪ ،‬بينما تتنوع اجلوابر إلى أنواع؛ فإن منها‬ ‫ما هو بدني‪ ،‬ومنها ما هو مالي‪ ،‬وقد يتداخالن إذا تداخلت أسبابهما؛ فالصالة ال جتبر إال بعمل بدني‪،‬‬

‫‪ -503‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪73‬‬ ‫‪ -504‬الفروق‪ ،‬القرافي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،223‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪772-771‬‬ ‫‪ -505‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،12‬ص ‪267‬‬ ‫‪ -506‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪228‬‬ ‫‪ -507‬نفائس األصول ج‪ 7‬ص‪1657‬‬

‫‪306‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫وال ﲡبر األموال إال باألموال‪ ،‬ويجبر احلج والعمرة والصيد )من اﶈرم إذا كان مملوكا للغير( بالبدني‬ ‫واملالي معا ومتفرقني‪ ،‬والصوم بالبدني واملالي‪.‬‬

‫‪508‬‬

‫ويظهر مما سبق أن هناك طرفني وواسطة في التأديبات‪ ،‬فمنها ما هو تبع املعاصي فال يعاقب إال‬ ‫بوجودها‪ ،‬وهذا النوع أقرب خلطاب التكليف‪ ،‬ومنها ما يتبع املفاسد فيتبعها ولو دون تكليف‬ ‫وخطاب آمر ألنه أقرب خلطاب الوضع‪ ،‬ومنها ما يتردد بني االثنني مثل تأديب الكافر ولذا اختلف في‬ ‫عقوبته هل هي للزجر أو للجبر؟ وهي لألول أقرب‪ ،‬وال يحتمل غيرها إذا قلنا بعدم مخاطبة الكفار‬ ‫بفروع الشريعة‪ ،‬وكذلك تأديب املتأول‪ ،‬فاجلبر في عقابه واضح‪ ،‬والزجر ينبني على القول بعدم‬ ‫إسقاط التأول لإلثم‪.‬‬ ‫وهذا من املواضع الكثيرة في الفقه التي يتداخل فيها منع اإلقدام على اﶈرم مع التأول املوجب‬ ‫للعذر؛ وأكثر الفقهاء يجعلونه عذرا في العقائد والبغي وكذلك كان ينبغي أن يكون األمر في‬ ‫مسألة شرب احلنفي يسير النبيذ‪ .‬والغريب أن مالكا خالف قاعدته مبراعاة اخلالف في هذه املسألة‬ ‫وحل محله الشافعي في ذلك‪ .‬وميكن تخريج هذه املسألة على النظر لألشربة وللتقابل والتداخل‬ ‫بني حقائقها وأنواعها اجملتلفة؛ فإن منها ما هو غير مسكر حالل إجماعا‪ ،‬وهناك ما هو مسكر حرام‬ ‫إجماعا‪ ،‬وهناك املسكر كثيره دون قليله وهو الذي وقع فيه اخلالف‪.‬‬ ‫ومبا أن األطفال غير مكلفني بالوجوب والتحرمي اتفاقا فإن تأديبهم إما أن يكون ندبا أو يكون‬ ‫استصالحا‪،‬‬

‫‪509‬‬

‫وال ميكن أن يكون زجرا شرعيا لعدم اخلطاب التكليفي في حقهم‪ ،‬ووجه الندب أن‬

‫األطفال ميكن خطابهم بغير الوجوب والتحرمي من األحكام فيكون على سبيل اإلرشاد‪ ،‬ووجه‬ ‫االستصالح أن تأديبهم قد يكون من باب اجلوابر وأحكام الوضع التي ال يشترط فيها ما يشترط في‬ ‫خطاب التكليف‪.‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬التقابل والتداخل بني املباشرة والتسبب‬ ‫اجلناية قد تكون باملباشرة وهي ما يترتب عليه زهوق الروح بغير واسطة كحز الرقبة‪ ،‬وقد تقع‬ ‫بالتسبب‪ ،‬كحفر بئر حيث ال يؤذن له بقصد اإلهالك‪ ،‬وقد يجتمع السبب واملباشرة ولهما ثالث‬ ‫حاالت متقابلة متداخلة أيضا‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬أن يغلب السبب‪ ،‬وهذا هو األصل إن لم تكن املباشرة عدوانا كتقدمي املسموم‪.‬‬ ‫والثانية‪ :‬تغليب املباشرة كحافر بئر لنفع نفسه فأردى فيه رجل رجال‪.‬‬

‫‪ -508‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،223‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪ ،772‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪281‬‬ ‫‪ -509‬نفائس األصول ج‪ 7‬ص ‪1636‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪307‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫والثالثة‪ :‬اعتدال التسبب واملباشرة وهنا يقتص منهما‪ ،‬كاإلكراه‪ ،‬وأمر من تتعذر مخالفته‪ ،‬وقيل‬ ‫القصاص من املباشر فقط‪ ،‬وقيل من اآلمر‪ 510.‬وميكن أن يخرج على هذا طاعة األوامر العسكرية في‬ ‫العصر احلديث‪.‬‬ ‫مبحث ختامي‪ :‬آثار التقابل والتداخل‬ ‫لم أشأ أن أجعل هذا فصال مستقال حتى ال يتكرر مع ما هو مفرق في فصول البحث السابقة‪،‬‬ ‫ولذلك سأكتفي بنماذج على تسع فوائد عظمى من فوائد الدنيا والدين مترتبة على هذه النظرية‪،‬‬ ‫هي‪ :‬التفسير‪ ،‬والتعريف‪ ،‬والتحرير‪ ،‬واالتفاق واالختالف‪ ،‬واملدح والقدح‪ ،‬واالستشكال والتوقف‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬التفسير‬ ‫انطالقا من نظرية التقابل والتداخل وضع الشهاب القرافي قواعد تفسيرية ميكن أن تعتبر أصال‬ ‫يبنى عليه تفسير عشرات النصوص في القرآن والسنة‪ ،‬ومن ذلك قاعدة مقابلة اجلمع باجلمع في‬ ‫اللغة‪ 511‬وهي أنواع ضرب لها األمثلة من القرآن الكرمي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أحيانا توزع على األفراد نحو‪( :‬فرهن مقبوضة)‪ ،512‬أي من كل واحد رهن‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أحيانا ال توزع‪ ،‬بل لكل فرد جمع نحو قولنا‪ :‬جلد القذف ثمانون‪ ،‬يثبت أحد اجلمعني لكل فرد من‬ ‫اآلخر‪.‬‬ ‫‪7‬ـ تارة يثبت اجلميع للجميع وال يحكم على األفراد‪ ،‬نحو قولنا‪ :‬احلدود للجنايات‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ وتارة يرد اللفظ محتمال للتوزيع وعدمه‪ ،‬نحو‪( :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصلحت كانت لهم جنت‬ ‫الفردوس)‪.‬‬

‫‪513‬‬

‫قال‪ :‬وبهذا يبطل تخيل من اعتقد أن قول تعالى‪( :‬والذي يرمون اﶈصنت)‪ 514‬يقتضي أن قذف اجلماعة‬ ‫له حد واحد‪ ،‬ففي اآلية تقابل اجلمع‪ :‬الذين‪ ،‬مع اجلمع‪ :‬اﶈصنات‪ ،‬ويحتمل أن يكون اجلميع للجميع‪ ،‬أو‬ ‫الواحد للجميع‪ ،‬أو اجلميع للواحد‪.‬‬

‫‪515‬‬

‫ومن قواعده التفسيرية قوله إن التأويل في الفروع واألصول مجمع عليه حتى قال به الظاهرية‪ ،‬وإن‬ ‫التأويل اجملتلف فيه إمنا هو في العقائد‪ ،‬وفيه ثالثة مذاهب بناها على تقابل األطراف والتوسط بينها‪:‬‬ ‫األول‪ :‬إجراء النصوص على ظاهرها وهذا رأي املشبهة‪.‬‬

‫‪ -510‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،12‬ص ‪ 282‬وما بعدها‬ ‫‪ -511‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،172 ،7‬نفائس األصول‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ،7137‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ 12‬ص ‪176‬‬ ‫‪ - 512‬سورة البقرة اآلية ‪287‬‬ ‫‪ - 513‬سورة الكهف اآلية ‪173‬‬ ‫‪ - 514‬سورة النور اآلية ‪7‬‬ ‫‪ -515‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ 12‬ص ‪176‬‬

‫‪308‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫الثاني‪ :‬صرفها عن ظاهرها دون تعني مجازها‪ ،‬قال‪ :‬وهو مذهب السلف‪.‬‬ ‫الثالﺚ‪ :‬تعيني اﺠﻤﻟاز وهو مذهب األشعرية‪.‬‬

‫‪516‬‬

‫ومن اختياراته التفسيرية املبنية على أساس التقابل والتوسط قوله إن الكاللة من اإلكليل‪ ،‬ولذلك‬ ‫يقول العلماء‪ :‬االبن وإن سفل‪ ،‬واألب وإن عال‪ ،‬وإخوته حوله مثل األجنحة‪ ،‬فإذا لم يكن له أبناء حتته‬ ‫وال آباء فوقه بقي في الوسط وإخوته حوله عن ميينه وشماله فأشبه اإلكليل‪ 517،‬وهذا املعنى جنده‬ ‫في قول ابن عبد البر إن الكاللة هم املتكللون من الورثة برحم امليت ممن لم يلد امليت وال ولده امليت‬ ‫وذلك أنهم حوالي امليت وليسوا بآبائه وال أبنائه الذي خرج منهم وخرجوا منه‪ ،‬فهم اإلخوة لألب‬ ‫واألم ولألم ثم بعدهم سائر العصبة يجرون مجراهم‪.‬‬

‫‪518‬‬

‫ومن النكت اللغوية التفسيرية قوله في اآلية الكرمية‪( :‬قل ال أجد فيما أوحي إلي‪ 519)...‬أنه اجتمع‬ ‫في اآلية أمران كل واحد منهما يقتضي أن اآلخر مجاز‪ ،‬ألن (ال) للمستقبل‪ ،‬و(فيما أوحي إلي)‬ ‫للماضي‪ ،‬فيتعني إما صرف (ال) لـ(أوحي) أو (أوحي) لـ(ال)‪ ،‬أو يقال‪ :‬ال يتعني ذلك بل يبقى كل واحد‬ ‫على بابه وتكون ال لنفي الوجدان في املستقبل‪ ،‬وأوحي ملا تقدم وحيه‪.‬‬

‫‪520‬‬

‫ومنها حتريره بعض مسلمات التفسير مثل استفادة كون أقل احلمل ستة أشهر من اآلية‪( :‬والوالدات‬ ‫يرضعن أوالدهن حولني كاملني)‪ 521‬ومن قوله تعالى‪( :‬وحمله وفصاله ثالثون شهرا)‪ 522‬قال‪ :‬إال أن هذا‬ ‫التفسير ال يسلم إال إذا كان النصان أمرين نحو‪ :‬أعط زيدا أو عمرا الدار أعط زيدا ثلثها‪ ،‬أو خبرين‬ ‫نحو‪ :‬الدار لزيد وعمرو ولزيد ثلثها‪ ،‬أما إذا كان أحدهما أمرا واآلخر خبرا كما في هذا املثال فال يتجه‪،‬‬ ‫ألن األمر قد يكون شيئا وال يفعل كله واخلبر يتبع الواقع طاعة كان أو معصية‪ ،‬وهنا يجوز أن يكون‬ ‫الرضاع الواقع أحدا وعشرين شهرا وال يكون األمر وقع مقتضاه‪.‬‬

‫‪523‬‬

‫وفسر جميع آيات االستثناء في القرآن وبني مواطن االنقطاع واالتصال والتردد بينهما في آيات مثل‬ ‫(ال يذوقون فيها املوت إال املوتة األولى)‬

‫‪524‬‬

‫فهناﻙ تعارﺽ بني القول باﺠﻤﻟاز األخﺺ واالنقطاع في‬

‫االستثناء‪ ،‬والقول باﺠﻤﻟاز األعم واالتصال‪ ،‬فعلى األول نفسر يذوقون بيكابدون‪ ،‬وعلى الثاني نفسرها‬ ‫ﲟطلﻖ العلم‪ ،‬وكالهما راجﺢ من وجه مرجوﺡ من آخر؛ فاألول راجﺢ من جهة خصوص اﺠﻤﻟاز‪ ،‬مرجوﺡ‬ ‫من جهة االنقطاع في االستثناء‪ ،‬والثاني مرجوﺡ من جهة العموم في اﺠﻤﻟاز‪ ،‬راجﺢ من جهة االتصال‬ ‫‪ -516‬نفائس األصول‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪2287‬‬ ‫‪ -517‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪77‬‬ ‫‪ - 518‬مختصر التمهيد‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪216‬‬ ‫‪ - 519‬سورة األنعام اآلية ‪175‬‬ ‫‪ -520‬االستغناء‪ ،‬ص ‪712‬‬ ‫‪ - 521‬سورة البقرة اآلية ‪277‬‬ ‫‪ - 522‬سورة األحقاف اآلية ‪15‬‬ ‫‪ -523‬نفائس األصول ج‪ 7‬ص‪1778-1773‬‬ ‫‪ - 524‬سورة الدخان اآلية ‪56‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪309‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬ ‫في االستثناء‪ 525.‬قال‪ :‬وهذا األمر ينطبق على كل استثناء في القرآن بني طرفيه عموم أو خصوص‬ ‫وجهي أو ميكن تفسير طرفيه بتفسيرين أحدهما يعم فيه املستثنى املشتثنى منه وفي اآلخر ال‬ ‫يشمله‪ ،‬نحو قوله تعالى‪( :‬فسجد املالئكة كلهم أجمعون إال إبليس)‬

‫‪526‬‬

‫وقوله سبحانه‪( :‬ال‬

‫‪528 527‬‬

‫يسمعون فيها لغوا إال سالما )‪.‬‬

‫ومن تفصيالته التفسيرية اللغوية أن االستثناء بعد جمل في القرآن قد يعود على الكل نحو‪( :‬كيف‬ ‫يهدي اهلل‪ ..‬إال الذين تابوا)‪ 529‬وقد يعود على البعض نحو‪( :‬فاسر باهلك‪ ..‬إال امرأتك)‪ 530‬بالنصب من‬ ‫اجلملة األولى ألنها موجبة وبالرفع من الثانية ألنها منفية‪ ،‬وقوله‪( :‬إال من اغترف غرفة)‪ 531‬يتعني‬ ‫‪533 532‬‬

‫عوده على اجلملة األولى دون الثانية‪ ،‬ومما يلتبس‪( :‬والذين ال يدعون مع اهلل إلها آخر‪ ..‬إال من تاب‪) ..‬‬ ‫وجعل االستثناء في كتاب االستغناء من هذا الوجه أربعة أقسام‪:‬‬

‫‪534‬‬

‫األول‪ :‬يتعني فيه العود على الكل نحو‪( :‬كيف يهدي اهلل قوما كفروا‪.)..‬‬

‫‪535‬‬

‫والثاني‪ :‬تتعني فيه اجلملة األولى نحو‪( :‬ال يتخذ املؤمنون الكافرين أولياء‪)..‬‬

‫‪536‬‬

‫والثالث‪ :‬يتعني فيه العود على األخيرة نحو (الذين يأكلون الربا ال يقومون إال كما يقوم الذي يتخبطه‬ ‫الشيطان من املس‪)..‬‬

‫‪537‬‬

‫والرابع‪ :‬متردد بني األولى واألخيرة نحو (فاسر بأهلك)‪ 538‬فعلى النصب مستثناة من اجلملة األولى‬ ‫ألنها موجبة‪ ،‬وعلى الرفع مستثناة من الثانية ألنها منفية وتكون قد خرجت معهم ثم رجعت ثم‬ ‫هلكت‪.‬‬ ‫وله حتريرات هامة مبنية على هذه النظرية في شرح معاني بعض األحاديث‪ ،‬مثل‪" :‬قضى رسول اهلل‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم بالشاهد واليمني" قال‪ :‬الراجح أنه حكم مبعنى الفتيا ال مبعنى فصل‬ ‫اخلصومات‪ ،‬وكذلك "قضى بالشفعة للجار" إال أن هذين ال يدالن على العموم لترددهما بينه العموم‬

‫‪ -525‬نفائس األصول ج‪ 5‬ص‪2731-2738‬‬ ‫‪ - 526‬سورة ص اآليات ‪37-32‬‬ ‫‪ - 527‬سورة مرمي اآلية ‪62‬‬ ‫‪ -528‬نفائس األصول ج‪ 5‬ص ‪2787‬‬ ‫‪ - 529‬سورة آل عمران اآليات ‪17-86‬‬ ‫‪ - 530‬سورة هود اآلية ‪81‬‬ ‫‪ - 531‬سورة البقرة اآلية ‪271‬‬ ‫‪ - 532‬سورة الفرقان اآليات ‪37-68‬‬ ‫‪ -533‬نفائس األصول ج‪ 5‬ص‪2127‬‬ ‫‪ -534‬االستغناء‪ ،‬ص ‪631‬‬ ‫‪ - 535‬سورة آل عمران اآليات ‪17-86‬‬ ‫‪ - 536‬سورة آل عمران اآلية ‪28‬‬ ‫‪ - 537‬سورة البقرة اآلية ‪235‬‬ ‫‪ - 538‬سورة هود اآلية ‪81‬‬

‫‪310‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫(الفتوى) واخلصوص (احلكم) أما حيث ال تردد نحو ""نهى صلى اهلل عليه وسلم عن بيع احلصاة‬ ‫وحبل احلبلة" ونحو ذلك فالتردد بعيد فيدل على العموم‪.‬‬

‫‪539‬‬

‫ومنها ترجيحه مذهب مالك بكون معنى احلديث‪( :‬أكل كل ذي ناب من السباع) أي مأكوله‪ ،‬فيكون‬ ‫ذو الناب فاعال‪ ،‬ويكون النهي عن مأكول السبع ويكون احلديث مثل اآلية (وما أكل السبع) وذلك ألن‬ ‫املصدر إذا دار بني أن يكون مضافا للفاعل أو للمفعول يرجح األول‪ ،‬كقولنا أعجبني إكرام موسى‬ ‫عيسى‪ ،‬فاألول فاعل والثاني مفعول‪.‬‬

‫‪540‬‬

‫ثانيا‪ :‬التعريف‬ ‫وتظهر سمة التقابل في أكثر تعاريفه وبيانه للمصطلحات بل أحيانا يعرفها بقسمة ثالثية مثل‬ ‫تعريفة لإلرادة بأنها الصفة اجملصصة ألحد طرفي املمكن مبا هو جائز عليه من وجود أو عدم أو هيئة‬ ‫دون هيئة أو حالة دون حالة أو زمان دون زمان‪ ..‬وجميع ما ميكن أن يتصف به املمكن بدال عن خالفه أو‬ ‫ضده أو نقيضه أو مثله‪541.‬ويشبهه تعريف النية بأنها إرادة تتعلق بإمالة الفعل إلى بعض ما يقبله‬ ‫ال بنفس الفعل من حيث هو‪ ،‬فهناك فرق بني قصد الصالة‪ ،‬وبني كون الصالة فرضا أو نفال‪ ،‬فاألول‬ ‫إرادة والثاني نية‪ 542.‬وكذلك القصد فهو عنده اإلرادة الكائنة بني جهتني كمن يقصد احلج من مصر‬ ‫أو من غيرها‪.‬‬

‫‪543‬‬

‫واالختيار عنده هو اإلرادة بني شيئني فصاعدا‪.‬‬

‫‪544‬‬

‫ويجمع بني كل هذه التعاريف‬

‫واملصطلحات سمة التقابل‪ ،‬ولم يشر إلى التداخل هنا ألنه في باب التعريف الذي يهدف للتصور‬ ‫النظري‪ ،‬ولكنه يبني ما ميكن أن يقع من تداخل في اخلارج وما يترتب عليه من أحكام من خالل‬ ‫األمثلة الشرعية التي ساقها في كتابه النية‪.‬‬ ‫وفي هذا املسار عرف احلسد بأنه متني زوال النعمة عن الغير وإن لم تصل إليك وهو شره‪ ،‬أو متني زوال‬ ‫النعمة عنه واتصالها بك وهو أخف احلسدين‪ ،‬والغبطة متني مثل ما لغيرك ال عينه وال إثم فيه‪.‬‬

‫‪545‬‬

‫وهنا نالحظ قوة الذم في طرف وتوسطه في الوسط واحلمد في الطرف الثاني‪ .‬وعرف الرياء بأنه‬ ‫إيقاع القربة يقصد بها الناس‪ ،‬ومن هنا فال رياء في غير قربة كالتجمل واللباس‪ ،‬وإرادة غير الناس‬ ‫بالقربة ليس رياء كمن حج ليتجر‪ ،‬أو غزا ليغنم‪ .‬ويوضح ذلك تقسيمه الرياء قسمني‪ :‬رياء إخالص‬ ‫وهو أن ال يفعل العبادة إال للناس‪ ،‬ورياء شرك‪ ،‬وهو أن يفعلها هلل وللناس‪.‬‬

‫‪546‬‬

‫‪ -539‬نفائس األصول ج‪ 7‬ص‪1181-1187‬‬ ‫‪ -540‬االستغناء‪ ،‬ص ‪717‬‬ ‫‪ -541‬األمنية في إدراك النية‪ ،‬ص ‪113‬‬ ‫‪ -542‬األمنية في إدراك النية‪ ،‬ص ‪111‬‬ ‫‪ -543‬األمنية في إدراك النية‪ ،‬ص ‪121‬‬ ‫‪ -544‬األمنية في إدراك النية‪ ،‬ص ‪121‬‬ ‫‪ -545‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪257-271‬‬ ‫‪ -546‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪251‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪311‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫ثالثا‪ :‬االتفاق واالختالف‬ ‫هذه النظرية تنبني على قاعدة هي أساس فقه اإلمام القرافي‪ ،‬وهي أن الفرع متى اختص بأصل‬ ‫واحد أجري عليه من غير خالف‪ ،‬ومتى دار بني أصلني أو أصول يقع اخلالف فيه لتغليب بعض العلماء‬ ‫بعض تلك األصول أو تغليب غيره أصال آخر‪ 547‬وذلك كتردد هالل رمضان بني الشهادة والرواية‪ ،‬وكتردد‬ ‫العقود الفاسدة في األبواب املستثناة كالقراض واملساقاة هل ترد إلى (نوعها) فيجب قراض املثل‪ ،‬أو‬ ‫إلى أصلها فتجب أجرة املثل‪ ،‬وتردد ما توسط غرره وجهالته هل يلحق باألعلى أو باألدنى‪ ،‬وكذلك‬ ‫التهم في الشهادة منها ما أجمع على أنه قادح ومنها ما هو بخالف ذلك‪ ،‬وتردد الثلث بني القلة‬ ‫والكثرة‪ ،‬وعمال في القراض بني أن يكونوا شركاء أو أ جراء؟‬

‫‪548‬‬

‫وفي هذه احلاالت وأشباهها يختلف تعامل الفقهاء مع املسائل فمنهم من يرجح أحد الطرفني وهذا‬ ‫هو احلكم إذا كان الطرفان نقيضني كاالختالف في احتياج إزالة النجاسة لنية‪ ،‬ألن سبب اخلالف هل‬ ‫هي أمر فتحتاج لنية أو نهي فال حتتاج لها؟‪ 549‬وال واسطة بني إثبات النية ونفيها‪ ،‬ولذا رجح القرافي‬ ‫أن النجاسة نهي شرعي قدمي ومعناها حترمي اهلل على عباده مالبستها في صلواتهم وأغذيتهم‪.‬‬

‫‪550‬‬

‫ومنهم من يراعي االعتبارين إن أمكن ذلك كما إذا كان املتقابالن ضدين او خالفني أو نقيضني‬ ‫مختلفي التعلقات‪ ،‬وما أحسن تعبير القرافي عندما قال في عمال القراض هل هم شركاء أم أجراء‬ ‫إن "ابن القاسم صعب عليه اطراح أحدهما بالكلية فرأى أن العمل بكل واحد منهما من وجه أولى‪،‬‬ ‫فمتى كان كل من العامل ورب املال مخاطبا بوجوب الزكاة منفردا فيما ينويه وجبت عليهما‪ ،‬وإن لم‬ ‫يكن فيهما مخاطب بوجوب الزكاة سقطت عنهما‪ ،‬وإن كان أحدهما مخاطبا بوجوب الزكاة وحده‬ ‫فمتى سقطت عن أحدهما سقطت عن العامل في الربح‪ ،‬أما إن سقطت عنه فتغليبا حلال‬ ‫الشركة وشائبتها‪ ،‬وأما إن سقطت عن رب املال فتسقط أيضا عن العامل في حصته من الربح‬ ‫تغليبا لشائبة اإلجارة‪ ،‬واألجير إذا قبض أجرته استأنف احلول‪ .‬وغلب أشهب شائبة الشركة فأوجب‬ ‫الزكاة تبعا للمال ورب املال"‪.‬‬

‫‪551‬‬

‫رابعا‪ :‬التحرير‬ ‫كثير من القواعد واألحكام يرد في كتب الفقه عاما أو مجمال‪ ،‬وقد اختص القرافي بتقسيماته التي‬ ‫حتدد مواطن احلكم املتفق عليها ومواطن االختالف‪ ،‬فكثيرا ما جند مثال أن العبادات تفتقر للنية‪،‬‬ ‫ولكن القرافي قسم األفعال إلى أقسام‪:‬‬ ‫‪ -547‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪25‬‬ ‫‪ -548‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪117‬‬ ‫‪ -549‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪117‬‬ ‫‪ -550‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪167‬‬ ‫‪ -551‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪112‬‬

‫‪312‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫‪1‬ـ ما كان متعينا فال يحتاج لنية كاإلميان‪ ،‬وال يؤثر في بعضه الرفض‪ ،‬وذلك مثل الطهارة واحلج‬ ‫لتعينهما باألعضاء واملكان‪ ،‬بخالف الصالة والصوم‪.‬‬

‫‪552‬‬

‫‪2‬ـ ما ليس متعينا فيحتاج لنية ومتييز مثل الصلوات‪ ،‬وغيرها من العبادات واألعمال التي حتتمل‬ ‫أكثر من وجه كما سبق‪.‬‬ ‫‪7‬ـ وهناك قسم مختلف فيه كالطهارة والصيام‪.‬‬ ‫وصورة التيمم أقرب للوجه األول ولكنه جعل من الثاني لتعظيم العبادة‪ ،‬وألنه شبيه بالعبث‬ ‫بخروجه عن منط العبادات فافتقر للنية‪.‬‬

‫‪553‬‬

‫ومن حتريراته قوله الرضا بالقضاء واجب وثابت‪ ،‬وفرق القرافي بني الرضا بالقضاء وبني الرضا‬ ‫باملقضي‪ ،‬فاألول واجب والثاني جائز‪ 554.‬ومن املسلمات الشرعية التي حررها أن الرياء مبطل للعبادة‬ ‫إجماعا‪ ،‬ولكنه فصل هذا املعنى مفرقا بني شمول الرياء للعبادة وعدمه‪ ،‬ومفصال أيضا في أنواع‬ ‫العبادات؛ فإن شمل بعضها وهي مما يتوقف أولها على آخرها كالصالة وقع للعلماء تردد‪ ،‬ومتى عرض‬ ‫قبل العبادة أمر بدفع الرياء وعمل العبادة‪ ،‬فإن تعذر والقربة مندوبة تعني الترك لتقدﱘ اﶈرم على‬ ‫املندوب‪.‬‬

‫‪555‬‬

‫ومنه حتريره للمعاني الشرعية بيانه ضابط املستثنى في قوله تعالى‪( :‬إال ما ظهر منها) فقد‬ ‫اختلف فيه اختالف كثير‪ ،‬وضبطه القرافي مبا يتعذر التحرز من إبدائه مما ال يؤدي لفتنة بخالف ضده‪،‬‬ ‫"فهذا هو الزينة الظاهرة‪ ،‬وأما الباطنة كاخللخال واألقراط في اآلذان ونحو ذلك مما ال يظهر غالبا فال‬ ‫يحل للمرأة أن تبديه إال ملن ذكره اهلل تعالى"‪ 556.‬ونستنتج من هذا أن للمأذون في إبدائه ضابطني‬ ‫هما‪ :‬تعذر التحرز من إبدائه‪ ،‬وكونه ال يؤدي لفتنة غالبا‪ ،‬ثم يختلف الفقهاء في إنزال الضابطني‬ ‫على هذا الشيء أو ذاك‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬املدح والقدح‬ ‫التقابل والتداخل كالهما قد يكون مناطا للمدح والثناء على أمر أو فعل‪ ،‬والغالب في األخالق وما‬ ‫تبنى عليه وما يبنى عليها أن يكون محل التوسط والتداخل هو األشبه واألكمل‪ ،‬ولذا امتدح‬ ‫القرافي كما امتدح غيره التوسط بني اإلفراط والتفريط في السلوك وفي اخللق‪ ،‬وأثنى على أواسط‬ ‫األرض وذم سكان أطرافها‪ .‬وقد يكون التداخل مناط قدح أو ذم إذا كان بني حالل أو حرام ومن هنا جاء‬ ‫أصل الورع عن الشبهات التي هي في الواقع محل تداخل بني احلالل واحلرام إما في األدلة وإما في‬ ‫‪ -552‬الفروق‪ ،‬القرافي‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪257‬‬ ‫‪ -553‬الفروق‪ ،‬القرافي‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪ ، 277-272‬األمنية في إدراك النية‪ ،‬ص ‪173‬‬ ‫‪ -554‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪252‬‬ ‫‪ -555‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪251‬‬ ‫‪ -556‬االستغناء‪ ،‬ص ‪721-728‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪313‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫األوضاع‪ .‬والغالب في مسائل الفقه الفرعية أن يكون أحد الطرفني هو الكامل الواضح البني إذا كان‬ ‫دليله واضحا وحكمه بينا ومناطه معروفا ال لبس فيه وال غموض‪.‬‬ ‫سادسا‪ :‬االستشكال والتوقف‬ ‫استشكل القرافي مسائل وتوقف في أخرى لترددها بني متقابلني لدرجة يستحيل معها اجلمع‬ ‫ويصعب معها الترجيح‪ ،‬ومنها ما هو لغوي مثل االستثناء في قوله تعالى‪( :‬إال ما يتلى عليكم) هل‬ ‫هو متصل أو منقطع؟ وذلك ألن اآلية جمعت جنس بهيمة األنعام وغيره فأيهما يغلب؟ فهل يحكم‬ ‫في االستثناء باالتصال واالنقطاع جميعا لوجود الشيئني؟ أو متتنع املسألة؟ أو يقال إنه ليس كالما‬ ‫عربيا‪ ،‬وهو بعيد‪557.‬وينبني على ذلك اإلعراب ألن حاالته تختلف في االتصال واالنقطاع‪ .‬قال‪ :‬لم أر‬ ‫فيه نقال‪ .‬وهذا االستشكال ينطبق على احلاالت التي يكون فيها املستثنى واملستثنى منه بينهما‬ ‫عموم وخصوص وجهي كاحليوان واألبيض‪ .‬قال‪ :‬فهذا مشكل جدا‪.‬‬

‫‪558‬‬

‫ويقرب منه االستثناء من‬

‫اللفظ املشترك نحو (فاسر بأهلك‪ ..‬إال امرأتك) فإنه يحتمل الزوجة خاصة وعموم األهل غيرها‪.‬‬

‫‪559‬‬

‫ومن ذلك سؤال وصفه بالغريب سأله وتوقف في جوابه‪ :‬وهو أننا إذا قلنا له علي عشرة إال ثالثة إال‬ ‫اثنني؛ فقولنا إال اثنني يحتمل عوده على أصل االستثناء ويحتمل عوده على الثالثة ويحتمل عوده‬ ‫على العشرة والثالثة بناء على جواز عود االستثناء على اجلمل اجملتلفة‪ ،‬وعلى هذا التقدير يجتمع‬ ‫على املستثنى ناصبان؛ األول ألنه من موجب‪ ،‬والثاني ألنه بدل‪ ،‬وعلى الثاني يجب أن يكون مجرورا أو‬ ‫مرفوعا إذا كان املبدل منه مجرورا أو مرفوعا‪ ،‬فأيهما يغلب؟ هل يقال‪ :‬هذه املسألة ممنوعة لغة؟ أو‬ ‫يغلب الرفع ألنه األصل؟ أو النصب ألنه أقوى؟ هذا كله للنظر فيه مجال ولم أجد فيه نقال‪.‬‬

‫‪560‬‬

‫ومن املواضع الدقيقة النظر في االستثناء هل نفي الشيء يقتضي نفي متعلقاته‪ ،‬وهل يلزم من‬ ‫نفي الكون في الظروف أو األحوال نفي تلك الظروف واألحوال أو ال؟ قال القر افي‪ :‬هذا موضع نظر‬ ‫وينبني عليه حكم االستثناء واجلملة موجبة أو منفية؛ هل يترجح في املستثنى منه النصب على‬ ‫االستثناء أو يترجح اإلتباع؟ والذي ينقدح في نفسي على نوع من اخلفاء أنه ليس نفيا للتوابع‬ ‫ويؤنسه النهي نحو (وال تقتلوا النفس) فكل نفس منهي عن قتلها وأحوال تلك النفوس ليست‬ ‫منهيا عنها والنهي والنفي من باب واحد‪.‬‬

‫‪561‬‬

‫ومنها استشكاالته ما هو متعلق باالعتقاد كتحرير أسباب الكفر وقد قال القرافي إن هذا اﺠﻤﻟال‬ ‫"صعب التحرير‪ ..‬والتعرض إلى احلد الذي ميتاز به أعلى رتب الكبائر من أدنى رتب الكفر عسير جدا‪،‬‬ ‫‪ -557‬االستغناء‪ ،‬ص ‪577-572‬‬ ‫‪ -558‬االستغناء‪ ،‬ص ‪161-168‬‬ ‫‪ -559‬االستغناء‪ ،‬ص ‪575‬‬ ‫‪ -560‬االستغناء‪ ،‬ص ‪168-163‬‬ ‫‪ -561‬االستغناء‪ ،‬ص ‪277-272‬‬

‫‪314‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫والطريق اﶈصل لذلك أن يكثر من حفظ فتاوي املقتدﻯ بهم من العلماء في ذلك‪ ..‬فيلحق بعد‬ ‫إمعان النظر وجودة الفكر كل جنس بجنسه‪ ،‬فإن أشكل عليه األمر أو وقعت املشابهة بني أصلني‬ ‫مختلفني أو لم يكن له أهلية النظر وجب عليه التوقف وال يفتي بشيء‪ ..‬أما عبارة جامعة مانعة‬ ‫لهذا املعنى فهي من املتعذرات‪ 562".‬ومن أسباب الكفر التي استشكلها السجود للصنم على وجه‬ ‫التعظيم له فإنه كفر‪ ،‬ولو وقع مثل ذلك في حق الولد مع والده تعظيما له وتذلال‪ ،‬أو في حق أولياء‬ ‫العلماء لم يكن كفرا‪ ،‬والفرق عسير‪ ،‬قال القرافي‪ :‬وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد السالم‬ ‫يستشكل هذا املقام ويعظم اإلشكال فيه‪.‬‬

‫‪563‬‬

‫ومن املسائل األصولية الشهيرة هل النهي يقتضي الفساد وفي املسألة أقوال ثالثها النظر إلى‬ ‫النهي هل هو عائد إلى جزء املاهية الداخل فيها أو هو عائد إلى ما هو خارج عنها‪ ،‬ورجحه القرافي‪،‬‬ ‫غير أن استشكل حتديد اخلارج من الداخل وبني أنه ال يتحقق وال يتعني إال بأحد طريقني ‪:‬‬

‫‪564‬‬

‫األول‪ :‬أن يعلم أن واضع اللفظ وضعه كذلك‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬الفرض العقلي للداخل واخلارج‪.‬‬ ‫قال‪ :‬أما إذا لم يوجد فرض عقلي وال وضع لغوي فيسد باب معرفة الداخل واخلارج‪.‬‬ ‫وال شك أن األمر األول من الصعوبة مبكان‪ ،‬وأن الثاني ال يحسم خالفا الحتمال اختالف الفرض بني‬ ‫أصحاب اآلراء اجملتلفني‪.‬‬ ‫ومن مباحثه األصولية املزدوجة إعراضه عن كل ما قيل في تعريف الرخصة مثل تعريفها بأنها جواز‬ ‫اإلقدام على الفعل مع اشتهار املانع منه شرعا‪ ،‬واستشكاله التعريف بسبب العقود التي هي‬ ‫رخصة مثل اإلجارة والقراض‪،‬‬

‫‪565‬‬

‫فإنها ينطبق عليها التعريف وليست برخص‪ .‬وبعد نقد تعاريف‬

‫الرخصة أقر بأنه "عاجز عن ضبط الرخصة بحد جامع مانع‪ ،‬أما جزئيات الرخصة من غير حتديد فال‬ ‫عسر فيه"‪ 566،‬وإذا تعذر ضبط الرخصة تعذر ضبط ما يقابلها وهو العزمية‪.‬‬ ‫ومن استشكاالته ما هو في القواعد مثل قاعدة أن األصل اعتبار الغالب وإلغاء النادر‪ ،‬واستثناءاتها‬ ‫التي قد يعتبر فيها الشرع النادر ويلغي الغالب وقد يلغيهما‪ ،‬وضرب لذلك أربعني مثاال أغلبها في‬ ‫الشهادات‪ ،‬ثم قال‪ :‬فما الضابط فيما يعتبر وما يلغى؟ وأجاب بأن الفرق في ذلك املقام ال يتيسر على‬ ‫املبتدئني وال على ضعفة الفقهاء‪ ،‬وإذا وقع لك غالب ال تدري هل هو من قبيل ما ألغي أو من قبيل ما‬

‫‪ -562‬الفروق‪ ،‬ج‪118 ،7‬ـ‪111‬‬ ‫‪ -563‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪172‬‬ ‫‪ -564‬شرح تنقيح الفصول‪ ،‬ص ‪27-11‬‬ ‫‪ -565‬شرح التنقيح ص‪87‬‬ ‫‪ -566‬شرح التقيح ص‪87‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪315‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫اعتبر فالطريق في ذلك أن تستقرئ موارد النصوص والفتاوى استقراء حسنا مع أنك واسع احلفظ‬ ‫جيد الفهم فإذا لم يتحقق لك إلغاؤه فاعلم أنه معتبر‪.‬‬

‫‪567‬‬

‫وفي النهاية أوصي نفسي وأوصي الباحثني بضرورة تعميق هذه النظرية في مختلف املعارف‬ ‫ا إلسالمية‪ ،‬فرغم ما بذلته من جهد في هذا املوضوع فإني لم أزد على أن اكتشفت أنه أوسع‬ ‫وأشمل مما كنت أتصور وأصعب ما حز في نفسي أنني لم أستطع أن أنهيه‪ ،‬فكلما قرأت آيات من‬ ‫القرآن أو نظرت في خلق اهلل أجد وجها جديدا من التقابل لم أكن قد انتبهت له كمن قبل‪.‬‬ ‫فحقيقة التقابل والتداخل واقعة في العلوم الكونية والعقلية‪ ،‬وهي في الفلسفة وعلوم اللغة‬ ‫شائعة‪ ،‬ولكنها بالفكر والفقه اإلسالميني أكثر ارتباطا من أي فكر آخر‪ .‬ولعل اهلل أن ييسر لي‬ ‫ولغيري من الباحثني تعميق هذه النظرية في الباحث املتنوعة‪.‬‬ ‫احلمد هلل الذي بنعمته وجالله تتم الصاحلات‪ ،‬وصلى اهلل على سيد اخللق أجمعني سيدنا محمد‬ ‫النبي األمني وعلى آله وصحبه أجمعني‪ ،‬ورضي اهلل عن علماء املسلمني‪ ،‬ورحم والدينا ورحمنا‬ ‫معهم رحمة تصلح لنا بها الدنيا وننجو بها يوم الدين‪.‬‬

‫‪ -567‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪171‬ـ‪176‬‬

‫‪316‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫املراجع‬ ‫‪ .1‬األجوبة الفاخرة عن األسئلة الفاجرة‪ ،‬للقرافي‪ ،‬حتقيق‪ :‬مجدي محمد الشهاوي‪ ،‬ط‪ .‬عالم‬ ‫الكتب‪2775 ،1 ،‬‬ ‫‪ .2‬اإلحكام في متييز الفتاوى عن األحكام وتصرفات القاضي واإلمام‪ ،‬للقرافي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد‬ ‫الفتاح أبو غدة‪ ،‬ط‪ .‬مكتب املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ودار البشائر‪ ،‬بيروت‪1115 ،2 ،‬‬ ‫‪ .7‬االعتصام‪ ،‬الشاطبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬أحمد عبد الشافي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪1188 ،1 ،‬بيروت‬ ‫‪ .7‬البحر اﶈيﻂ‪ ،‬الزرﻛشي‪ ،‬ط‪ .‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬الكويﺖ‪ ،‬ت‪ :‬عبد الستار أبو‬ ‫غدة‪1112 ،2 ،‬‬ ‫‪ .5‬البرهان‪ ،‬اجلويني‪ ،‬ت‪ :‬عبد العظيم الديب‪ ،‬ط‪ .‬وزارة الشؤون الدينية‪ ،‬قطر‪1711 ،1 ،‬هـ‬ ‫‪ .6‬التجديد في أصول الفقه‪ ،‬د‪ .‬جميلة بوخامت‪ ،‬دار الفاروق‪ ،‬مصر‬ ‫‪ .3‬اجلواهر الثمينة في بيان أدلة عالم املدينة‪ ،‬حسن املشاط‪ ،‬ت‪ :‬عبد الوهاب أبو سليمان‪ ،‬ط‪.‬‬ ‫دار الغرب اإلسالمي‪1117 ،2 ،‬‬ ‫‪ .8‬التعريفات‪ ،‬الشريف اجلرجاني‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪1118 ،1 ،‬‬ ‫‪ .1‬التقريب حلد املنطق‪ ،‬ابن حزم‪ ،‬ت‪ :‬أحمد فريد املزيدي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‬ ‫‪ .17‬التقريب واإلرشاد‪ ،‬للقاضي أبي بكر الباقالني‪ ،‬ت‪ :‬عبد احلميد أبو زنيد‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬ ‫‪1117 ،1‬‬ ‫‪ .11‬أحكام القرآن‪ ،‬ابن العربي‪ ،‬ت‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‬ ‫‪ .12‬اإلحكام‪ ،‬اآلمدي‪ ،‬تعليق عبد الزاق عفيفي‪ ،‬ط‪ .‬دار الصميعي‪.‬‬ ‫‪ .17‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬ابن حزم‪ ،‬ت‪ :‬محمد أحمد عبد العزيز‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة عاطف‪.‬‬ ‫‪ .17‬إحياء علوم الدين‪ ،‬اإلمام الغزالي‪ ،‬ط‪ .‬دائرة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬دبي‪.‬‬ ‫‪ .15‬أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية‪ ،‬القرافي‪ ،‬ت‪ :‬عبد الرحمن دمشقية‪ ،‬ط‪ ،1188 ،1‬دون‬ ‫دار نشر‬ ‫‪ .16‬أعمال ندوة القاضي عبد الوهاب‪ ،‬التقعيد الفقهي عند القاضي عبد الوهاب‪ ،‬ط‪ .‬دار‬ ‫البحوث‪ ،‬دبي‪2777 ،‬‬ ‫‪ .13‬العقد املنظوم في اخلصوص والعموم‪ ،‬للقرافي‪ ،‬حتقيق‪ :‬أحمد اخلتم عبد اهلل‪ ،‬ط‪ .‬املكتبة‬ ‫املكية ودار الكتبي‪1111 ،1 ،‬‬ ‫‪ .18‬األمنية في إدراك النية‪ ،‬للقرافي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬مساعد بن قاسم الفالح‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة احلرمني‪،1 ،‬‬ ‫الرياض‪1188 ،‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪317‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫‪ .11‬اإلمام القرافي حلقة وصل بني املشرق واملغرب‪ ،‬د‪ .‬الصغير بن عبد السالم الوكيلي‪ ،‬ط‪ .‬وزارة‬ ‫األوقاف‪ ،‬املغرب‪1116 ،‬‬ ‫‪ .27‬أساس البالغة‪ ،‬الزمخشري‪.‬‬ ‫‪ .21‬االستبصار فيما تدركه األبصار‪ ،‬حتقيق جالل اجلهاني‪ ،‬مصفوفة بشكل جيد غير مطبوع‬ ‫من نسختني خطيتني‪ ،‬األولى باألسكوريال ضمن مجموع رقم ‪ ،373‬والثانية بدار الكتب‬ ‫املصرية رقم ‪87‬‬ ‫‪ .22‬إسالم بال مذاهب‪ ،‬د‪ .‬مصطفى الشكعة‪ ،‬ط‪ .‬الدار املصرية اللبنانية‪ ،‬ط‪2778 ،11‬‬ ‫‪ .27‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬القاضي عبد الوهاب البغدادي‪ ،‬ت‪ :‬احلبيب بن طاهر‪ ،‬ط‪.‬‬ ‫دار ابن حزم‪1111 ،1 ،‬‬ ‫‪ .27‬األصل والظاهر في القواعد الفقهية‪ ،‬د‪ .‬أحمد بن عبد الرحمن الرشيد‪ ،‬ط‪ .‬جامعة اإلمام‪،‬‬ ‫السعودية‪2778 ،1 ،‬‬ ‫‪ .25‬أصول اجلصاص‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪ ،277‬عن‪ :‬منهج التعليل باحلكمة وأثره في التشريع اإلسالمي‪ ،‬رائد‬ ‫نصري جميل‪ ،‬ط‪ .‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،1 ،‬فرجينيا‪2773 ،‬‬ ‫‪ .26‬أصول فقه اإلمام مالك النقلية‪ ،‬ط‪ .‬اإلدارة العامة للثقافة والنشر‪ ،‬السعودية‪2777 ،‬‬ ‫‪ .23‬أصول الفقه عند ابن الفرس‪ ،‬د‪ .‬محمد أبياط‪ ،‬ط‪ .‬الشركة اجلزائرية اللبنانية ودار بن حزم‪،‬‬ ‫اجلزائر – بيروت‪2776 ،1 ،‬‬ ‫‪ .28‬إعالم املوقعني‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬ت‪ :‬طه عبد الرؤوف‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬مصر‬ ‫‪ .21‬أمالي الدالالت ‪ ،‬عبد اهلل بن بية‪ ،‬ط‪ .‬دار املنهاج‪2773 ،‬‬ ‫‪ .77‬إيﻀاﺡ اﶈصول من برهان األصول‪ ،‬املازري‪ ،‬ت‪ :‬عمار الطالبي‪ ،‬ط‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‬ ‫‪ .71‬اﶈصول‪ ،‬الرازي‪ ،‬ت‪ :‬طه جابر العلواني‪ ،‬ط‪ .‬مﺆسسة الرسالة‪.‬‬ ‫‪ .72‬اخلصائص في اللغة العربية‪ ،‬للقرافي‪ ،‬حتقيق د‪ .‬ناجي محمدو حني عبد اجلليل‪ ،‬مجلة كلية‬ ‫اللغة العربية جامعة الزقازيق‪ ،‬العدد ‪ ،21‬وقد حصلت على البحث مصورا من موقع األلوكة‬ ‫اإللكتروني‪.‬‬ ‫‪ .77‬الدليل الشافي على املنهل الصافي‪ ،‬البن تغرى بردى‪ ،‬ت‪ :‬فهيم محمد شلتوت‪ ،‬ط‪ .‬دار‬ ‫الكتب والوثائق القومية‪ ،‬مصر‪1118 ،2 ،‬‬ ‫‪ .77‬الديباج املذهب‪ ،‬ابن فرحون‪ ،‬ت‪ :‬مأمون اجلنان‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1116 ،1 ،‬‬ ‫‪ .75‬الذخيرة‪ ،‬القرافي‪ ،‬ت‪ :‬محمد حجي وآخرين‪ ،‬ط‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،7 ،‬تونس‪.‬‬ ‫‪ .76‬الرسالة‪ ،‬اإلمام الشافعي‪ ،‬ط‪ .‬املنتدى اإلسالمي‪ ،‬الشارقة‪.2711 ،1 ،‬‬ ‫‪ .73‬املستصفى‪ ،‬اإلمام الغزالي‪ ،‬ت‪ :‬محمد يوسف جنم‪ ،‬ط‪ .‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪2717 ،2 ،‬‬ ‫‪318‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫‪ .78‬املعتمد‪ ،‬أبو احلسني البصري‪ ،‬ت‪ :‬محمد حميد اهلل وآخرون‪ ،‬ط‪ .‬املعهد الفرنسي بدمشق‪،‬‬ ‫‪1165‬‬ ‫‪ .71‬االستغناء في أحكام االستثناء‪ ،‬حتقيق د‪ .‬طه محسن‪ ،‬ط‪ .‬وزارة األوقاف والشؤون الدينية‬ ‫ومطبعة اإلرشاد‪ ،‬العراق‪1182 ،‬‬ ‫‪ .77‬الغياثي‪ ،‬اجلويني‪ ،‬ت‪ :‬عبد العظيم الديب‪ ،‬ط‪ .‬الشؤون الدينية‪ ،‬قطر‪1777 ،‬‬ ‫‪ .71‬الفروق‪ ،‬القرافي‪ ،‬ت‪ :‬عبد احلميد هنداوي‪ ،‬ط‪ .‬املكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪.2711 ،‬‬ ‫‪ .72‬الفصل في امللل واألهواء والنحل‪ ،‬على بن حزم‪ ،‬ت‪ :‬محمد إبراهيم نصر وعبد الرحمن‬ ‫عميرة‪ ،‬ط‪ .‬دار اجليل‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪ .77‬في ظالل القرآن ج‪( 7‬الشاملة)‬ ‫‪ .77‬التقابل في القرآن الكرمي ـ دراسة حتليلية لآليات املتقابلة العناصر‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد األمني‬ ‫جابي‪ ،‬ط‪ .‬مركز جمعة املاجد للثقافة والتراث‪ ،1 ،‬دبي‪2712 ،‬‬ ‫‪ .75‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ابن رشد‪ ،‬ت‪ :‬محمد حجي‪ ،‬ط‪ .‬دار الغربي اإلسالمي ودار إحياء التراث‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬قطر‪1188 ،1 ،‬‬ ‫‪ .76‬القواعد الصغرى‪ ،‬العز بن عبد السالم‪ ،‬ت‪ :‬إياد الطباع‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬سورية لبنان‪1116 ،1 ،‬‬ ‫‪ .73‬القواعد الفقهية املستخرجة من الذخيرة‪ ،‬للباحثة صفية حسني‪ ،‬رسالة ماجستير‪،‬‬ ‫جامعة اجلزائر‪2772 ،‬‬ ‫‪ .78‬القواعد الثالثون في اللغة العربية‪ ،‬للقرافي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عثمان محمود الصيني‪ ،‬مجلة‬ ‫جامعة أم القرى‪ ،‬العدد ‪ ،15‬سنة ‪،1713‬‬ ‫‪ .71‬امللل والنحل‪ ،‬عبد الكرمي الشهرستاني‪ ،‬ت‪ :‬أمير علي مهنا وعلي حسن فاعور‪ ،‬ط‪ .‬دار‬ ‫املعرفة‪ ،‬بيروت‪1117 ،‬‬ ‫‪ .57‬املنخول من تعليقات األصول‪ ،‬الغزالي‪ ،‬ت‪ :‬محمد حسن هيتو‪ ،‬دون دار نشر مع حفظ حقوق‬ ‫النشر للمحقق‬ ‫‪ .51‬املنهج األصولي عند اإلمام القرافي‪ ،‬د‪ .‬بسام إسماعيل محمد ملكاوي‪ ،‬رسالة دكتوراه‪،‬‬ ‫اجلامعة األردنية‪2777 ،‬‬ ‫‪ .52‬املوسوعة الكويتية‪ ،‬ط‪ .‬وزارة األوقاف‪ ،‬الكويت‪.‬‬ ‫‪ .57‬املوافقات للشاطبي‪ ،‬ت‪ :‬أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان‪ ،‬ط‪ .‬دار ابن عفان‪.‬‬ ‫‪ .57‬الوافي بالوفيات‪ ،‬الصفدي‪ ،‬ت‪ :‬أحمد األرناؤوط‪ ،‬وتركي مصطفى‪ ،‬ط‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬ ‫بيروت‪،2777 ،1 ،‬‬ ‫‪ .55‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬ت‪ :‬مصطفى السيد محمد وآخرين‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة قرطبة‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪319‬‬


‫التقابل والتداخل في الفقه اإلسالمي ثنائيات قواعد األصول وفروع املعامالت عند القرافي‬

‫‪ .56‬تهذيب األخالق‪ ،‬أبو علي أحمد الرازي املعروف مبسكويه‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬نواف اجلراح‪ ،‬ط‪ .‬دار صادر‪،‬‬ ‫بيروت‪2776 ،1 ،‬‬ ‫‪ .53‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬أبو الوليد ابن رشد‪ ،‬ت‪ :‬عبد الرزاق املهدي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتاب‬ ‫العربي‪ ،‬بيروت‪2776 ،‬‬ ‫‪ .58‬حاشية الدسوقي على شرح مختصر خليل‪.‬‬ ‫‪ .51‬حسن اﶈاضرة‪ ،‬السيوطي‪ ،‬ت‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬ط‪ .‬دار إحياء الكتب العربية‪،1 ،‬‬ ‫‪1163‬‬ ‫‪ .67‬دستور األخالق في القرآن‪ ،‬عبد اهلل دراز‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الصبور شاهني‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة‬ ‫‪ .61‬روضة الناظر‪ ،‬موفق الدين ابن قدامة املقدسي‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬املدينة املنورة‬ ‫‪ .62‬سنن النسائي (الشاملة)‬ ‫‪ .67‬شرح تنقيح الفصول في اختصار اﶈصول‪ ،‬القرافي‪ ،‬ط‪ .‬املكتبة العصرية‪ ،1 ،‬بيروت‪2711 ،‬‬ ‫‪ .67‬شرح حدود بن عرفة (الهداية الكافية الشافية) ألبي عبد اهلل الرصاع‪ ،‬ط‪ .‬دار الغرب‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ت‪ .‬حمد أبو األجفان والطاهر املعموري‪ ،‬ط‪1117 ،1‬‬ ‫‪ .65‬صحيح البخاري (الشاملة)‬ ‫‪ .66‬صحيح مسلم (الشاملة)‬ ‫‪ .63‬صناعة الفتوى‪ ،‬عبد اهلل بن بية‪ ،‬ط‪ .‬دار املنهاج‪2773 ،‬‬ ‫‪ .68‬ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة‪ ،‬عبد الرحمن حبنكة امليداني‪ ،‬ط‪ .‬دار القلم‪،7 ،‬‬ ‫‪1117‬‬ ‫‪ .61‬طرة احلسن بن زين الشنقيطي وتوشيحه لالمية األفعال البن مالك‪ ،‬ت‪ :‬عبد احلميد‬ ‫األنصاري‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‬ ‫‪ .37‬علم اجلرح والتعديل‪ ،‬د‪ .‬يوسف مرعشلي‪ ،‬ط‪ .‬دار املعرفة‪ ،1 ،‬لبنان‪2771 ،‬‬ ‫‪ .31‬علم األخالق اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬مقداد ياجلن‪ ،‬ط‪ .‬دار عالم الكتب‪ ،‬الرياض‪2711 ،7 ،‬‬ ‫‪ .32‬عمل أهل املدينة بني مصطلحات مالك وآراء األصوليني‪ ،‬د‪ .‬أحمد نور سيف‪ ،‬ط‪ .‬دار البحوث‪،‬‬ ‫دبي‪2777 ،2 ،‬‬ ‫‪ .37‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬العز بن عبد السالم‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬نزيه حماد‪ ،‬ود‪ .‬عثمان ضيمرية‪،‬‬ ‫ط‪ .‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪2777 ،1 ،‬‬ ‫‪ .37‬قياﺱ الشبه عند األصوليني‪ ،‬عبداهلل محمد نوري الديرشوي‪ ،‬اﺠﻤﻟلة العلمية جلامعة امللك‬ ‫فيصل (العلوم اإلنسانية) اﺠﻤﻟلد الرابﻊ‪ ،‬العدد الثاني‪2777-1727 ،‬‬ ‫‪ .35‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬محمد علي التهانوي‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬علي دحروج‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة لبنان‬ ‫‪320‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫ناشرون‪1116 ،1 ،‬‬ ‫‪ .36‬محك النظر‪ ،‬الغزالي‪ ،‬ت‪ :‬أحمد فريد املزيدي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪ .33‬مختصر التمهيد البن عبد البر‪ ،‬عبد العزيز القرشي‪ ،‬ط‪ .‬دار عالم الكتب‪ ،‬الرياض‪2775 ،1 ،‬‬ ‫‪ .38‬مختصر ابن احلاجب مع بيانه‪ ،‬محمود األصبهاني‪ ،‬ت‪ :‬مظهر بقا‪ ،‬ط‪ .‬دار املدني‪.1186 ،1 ،‬‬ ‫‪ .31‬مدارج السالكني‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬ت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪1111 ،1 ،‬‬ ‫‪ .87‬مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر‪ ،‬محمد األمني الشنقيطي‪ ،‬ط‪ .‬دار علم الفوائد‪،1 ،‬‬ ‫‪1726‬‬ ‫‪ .81‬مراجعات في الفكر اإلسالمي‪ ،‬عبد اﺠﻤﻟيد النجار‪ ،‬ط‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪2778 ،1 ،‬‬ ‫‪ .82‬مراعاة اخلالف في املذهب املالكي ‪ ،‬محمد األمني الشيخ‪ ،‬ط‪ .‬دار البحوث‪ ،‬دبي‪2772 ،‬‬ ‫‪ .87‬معجم مصطلح األصول‪ ،‬هيثم هالل‪ ،‬ط‪ .‬ار اجليل‪ ،‬بيروت‪2777 ،1 ،‬‬ ‫‪ .87‬مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪.‬‬ ‫‪ .85‬مقاالت اإلسالميني‪ ،‬أبو احلسن األشعري‪ ،‬ط‪ .‬املكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪2771 ،‬‬ ‫‪ .86‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬دراسة‪ ،‬على عبد الواحد وافي‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة األسرة‪ ،2 ،‬مصر‪2776 ،‬‬ ‫‪ .83‬منهج دراسة األسانيد واحلكم عليها‪ ،‬د‪ .‬وليد العاني‪ ،‬ط‪ .‬دار النفائس‪ ،2 ،‬األردن‪،1111 ،‬‬ ‫‪ .88‬مناهل العرفان في علوم القرآن‪ ،‬محمد عبد العظيم الزرقاني‪ ،‬ط‪ .‬دار املعرفة‪ ،2 ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪،2775‬‬ ‫‪ .81‬موطأ اإلمام مالك‪ ،‬رواية يحيى بن يحيى الليثي‪( ،‬الشاملة)‬ ‫‪ .17‬نزهة اخلاطر العاطر شرح روضة الناظر‪ ،‬عبد القادر الدمشقي‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة العلوم واحلكم‪،‬‬ ‫املدينة املنورة‬ ‫‪ .11‬نشر البنود على مراقي السعود‪ ،‬سيدي عبد اهلل بن احلاج إبراهيم العلوي‪ ،‬ت‪ :‬عدنان عبد‬ ‫اهلل زهار‪ ،‬ط‪ .‬املكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪2711 ،1 ،‬‬ ‫‪ .12‬نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطبي‪ ،‬د‪ .‬أحمد الريسوني‪ ،‬ط‪ .‬املعهد العاملي للفكر‬ ‫اإلسالمي‪1112 ،2 ،‬‬ ‫‪ .17‬نفائس األصول في شرح اﶈصول‪ ،‬للقرافي‪ ،‬ﲢقيﻖ‪ :‬عادل أحمد عبد املوجود‪ ،‬وعلي محمد‬ ‫معوض‪ ،‬ط‪ .‬املكتبة العصرية‪ ،7 ،‬لبنان‪2777 ،‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪321‬‬


‫‪322‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫دور األمم المتحدة في تعزيز‬ ‫حقوق كبار السن‬

‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬ ‫جامعة املوصل‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪323‬‬


‫ملخص البحث‬ ‫يعد املسنون من أهم الشرائح االجتماعية التي يتألف منها أي مجتمع إنساني على‬ ‫وجه األرض؛ نظرا ملا متلكه من خبرات وطاقات خالقة جتعلها متثل حلقة وصل بني األجيال‬ ‫وركيزة أساسية في بنية اجملتمع‪ .‬ونتيجة للظروف واألوضاع الصعبة التي يعانيها‬ ‫ويعيشها نسبة كبيرة منهم وعلى كافة املستويات االقتصادية واالجتماعية والصحية‬ ‫واألسرية صبت األمم املتحدة اهتمامها مؤخرا على حقوق هذه الفئة السكانية حيث‬ ‫أخذت على عاتقها زمام املبادرة مبحاولة صياغة وإقرار قواعد قانونية منظمة حلقوقهم‬ ‫تندرج في إطار وثائق دولية خاصة؛ فأصدرت اإلعالنات وأقرت املبادئ ووضعت األهداف‬ ‫اخلاصة بهم‪ ،‬كما عقدت املؤمترات الدولية اخملتلفة لتناقش من خاللها أوضاع املسنني‬ ‫ولتقرر االستراتيجيات واخلطط املناسبة للنهوض بواقعهم‪ ،‬ولضمان متتعهم بحقوقهم‪،‬‬ ‫وجعله منهجا تسير عليه جميع األطراف الفاعلة في سياق سياستها واستراتيجيتها‬ ‫بهذا اخلصوص ألجل خلق ظروف أفضل لهم وتكوين بيئات مالئمة حتفظ حقوقهم وتعزز‬ ‫مشاركتهم البناءة وجتعل بالتالي من الشيخوخة منتجة فاعلة ومؤثرة في مجتمعاتها‪,‬‬ ‫ليطرح التساؤل حول مدى الدور التعزيزي الذي مارسته املنظمة في هذا امليدان وهل حقق‬ ‫التأثير والتغير الذي تسعى إليه في حياة املسنني؟ خصوصا مع ارتفاع نسبة أعدادهم‬ ‫بشكل غير مسبوق في اآلونة األخيرة‪ ،‬ثم ماهي األدوار املستقبلية املنتظرة منها في هذا‬ ‫الشأن؟ سواء أكان على املستوى الدولي آو الوطني وخاصة بعد تعاظم حجم التحديات‬ ‫واملعوقات املطروحة ألسباب عديدة تأتي في مقدمتها األزمات املالية العاملية‪ ،‬وضعف‬ ‫االهتمام مبشاكل كبار السن ناهيك عن النظرة االجتماعية السيئة جتاههم في بعض‬ ‫اجملتمعات وغيرها‪...‬‬

‫‪324‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫املقدمة‪:‬‬ ‫يؤلف املسنون فئة كبيرة من فئات اجملتمع‪ ،‬وأدى الكثير منهم خدمات كبيرة وجليلة في فترات‬ ‫شبابهم وكهولتهم‪ ،‬وهم يشكلون مركزا ً ومحورا ً لألسرة التي تلتف حولها األجيال املتوالية لتنهل من‬ ‫خبرتها وتستفيد من جتاربها اخلالقة في سبيل بناء أوطانها ورقيها‪ ،‬ومن أجل ذلك عنى اجملتمعع العدولي‬ ‫بكافة أطرافه خصوصا الدول واملنظمات الدولية بإقرار وتعزيز حقوق هذه الشعريحة املهمعة واملهملعة‬ ‫داخل اجملتمعات انطالقا من السعي نحو إشاعة وترسيخ حقوق اإلنسان تنفيذا ً اللتزاماتها العواردة فعي‬ ‫الصكوك واملواثيق الدولية ذات الصلة باملوضوع‪.‬‬ ‫وقد درج الباحثون على اعتبار كبار السن من فئات اجلماعات الضعيفة أو املستضعفة التي لم‬ ‫تلق املستوى الكافي من الرعاية واالهتمام‪ ،‬وعانت لفترات طويلة من االنتهاك الواسع حلقوقهعا‪ ،‬ولهعذا‬ ‫فقد تصاعدت الدعوات وتواترت اجلهود احلثيثة الرامية للنهوض بواقعها وتقنيني حقوقها وضمان توفير‬ ‫االحترام املطلوب لها‪ ،‬حيث أخعذت األ املتحعدة علعى عاتقهعا التحعرك نحعو تعزيعز العتفهم العدولي‬ ‫لالحتياجات األساسية الالزمة لرفاه هذه الفئة ومواجهة التحديات التعي تواجههعا‪ ،‬واملتمثلعة بعالفقر‬ ‫والظروف املعاشية غير الالئقة التي تعيش في كنفهعا وفقعدانها حلقوقهعا االقتصعادية واالجتماعيعة‬ ‫والصحية وغيرها‪ ،‬فضال عن ما تعانيه من متييز وعنف وسعوء معاملعة خاصعة فعي رعل ارتفعاع أععداد‬ ‫املسنني بشكل غير مسبوق في التركيبة السكانية للعالم‪.‬‬ ‫إزاء كل ذلك سلطت األ املتحدة الضوء على مشاكل كبار السن وما يجب أن يتمتعوا به معن‬ ‫حقوق وما يتطلب توفيره من رعاية خاصة لهم‪ ،‬فعقدت املؤمترات اخلاصة بالشيخوخة من أجل مناقشة‬ ‫قضايا هذه الشريحة‪ ،‬ومت اعتماد خطط العمل لوضع اآلليات املناسبة ملواجهات التحديات التعي تقعف‬ ‫في طريقها‪ ،‬وأقرت املبادئ واإلعالنات التي صاغت من خاللها الكثير معن حقوقهعا‪ ،‬ووضععت خطعوات‬ ‫التنفيذ اخلاصة بها لتتالءم مع أوضاع البلدان املعنية ومتطلباتها الراهنة خصوصا النامية منها‪.‬‬ ‫كما لم يقتصر اهتمام املنظمة باملوضوع على ذلك فحسب‪ ،‬بعل كرسعت املناسعبات اخلاصعة‬ ‫بهم ألجل التذكير بظروف حياتهم واالعتراف بدورهم في بناء اجملتمعات‪ ،‬وعملت املنظمعة علعى طعر‬ ‫مشاكل املسنني في املؤمترات الدولية حلقوق االنسان التي أقامتها أو متت برعايتهعا‪ ،‬لتحتعل حقعوقهم‬ ‫وتعزيزها على املستوى الدولي والوطني حيزا كبيرا من برامج العمل الصادرة عنها‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى سعت األ املتحدة عبر أجهزتها والهيئات املشكلة معن قبلهعا علعى تفعيعل‬ ‫حقوق كبار السن بأشكال مختلفة‪ ،‬كتدبير املعوارد املاليعة‪ ،‬وإجعراء البحعوو‪ ،‬ووضعع اآلليعات املناسعبة‬ ‫للتنفيذ وتقييم االداء‪ ،‬وبطبيعة احلال كان للوكاالت املتخصصة واملنظمات غير احلكومية نصيبها فعي‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪325‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫حتمل عبء املهمة واملشاركة في النشا امحمموم واملكثف في هعذا امليعدان‪ ،‬معولعة كثيعرا علعى دورهعا‬ ‫ونشاطاتها في إطار وثائقها ذات الشأن باملسنني وذلك ضمن إطار صلتها وتعاونها مع املنظمة األم‪.‬‬ ‫وبالرغم مما تقدمت اإلشارة إليه آنفا حول الدور الذي مارسته وال تزال تقوم به األ املتحدة فعي‬ ‫مج ال إقرار وتعزيز وحماية حقوق كبار السن‪ ،‬يبدو الطريق أمامهعا طعويال فعي هعذا امليعدان وينتظرهعا‬ ‫الكثير من العمل جلعل كبار السن قوة فاعلة مؤثرة في تشكيل مستقبل بلدانها وتنميته عبر متتعها‬ ‫بحقوقها والتغلب على حتدياتها وتطوير واقعها‪ ،‬ال ألجل حتسني وضعها وأحعوال أسعرها فحسعب‪ ،‬بعل‬ ‫أيضا حتسني مجتمعاتها وتقدمها لضمان جعل فرص املشاركة والبناء متاحة جلميع األعمار‪.‬‬ ‫مشكلة البحث‪:‬‬ ‫تكمن أبرز املشكالت التي سيتم معاجلتها في البحث في ما يلي‪:‬‬ ‫‪ .1‬االفتقار إلى نصوص قانونية ملزمة منظمة معنية بشكل مباشر بحقوق كبار السن‪ ،‬حيث إن‬ ‫أغلب الوثائق ذات الصلة حتمل الطبيعة اإلطارية واإلرشادية‪.‬‬ ‫‪ .2‬ضعف وبدائية اآلليات املشكلة من قبل األ املتحدة في مجال املتابعة واإلشراف على تطبيعق‬ ‫البرامج وتفعيل النصوص والسياسات املوضوعة لتعزيز حقوق كبار السن‪ ،‬حيث تبقى الكثير‬ ‫من نصوصها نظرية متثل أوضاعا ً مثالية بعيدة عن الواقع العملي الذي يعيش فيعه املسعنون‪،‬‬ ‫ناهيك عن تقصيرها في جانب احلماية‪.‬‬ ‫‪ .3‬عدم تناسق السياسات الدولية والوطنية املتخذة من قبل الدول في هذا امليعدان معع البعرامج‬ ‫واالستراتيجيات املوضوعة من األ املتحدة‪ ،‬واقتصار اجلهود املبذولعة علعى املنظمعة فعي رعل‬ ‫غياب املشاركة الفاعلة ألطراف أخعرى مثعل املنظمعات الدوليعة واحلكومعات واألفعراد ألسعباب‬ ‫مختلفة‪.‬‬ ‫أهمية البحث‪:‬‬ ‫تنطلق أهمية البحث في هذا املوضوع من‪:‬‬ ‫‪.1‬‬

‫التأكيد على أن تعزيز حقوق كبار السن ال يقتصر فقط على وضع املبادئ وصعياغة النصعوص‪،‬‬ ‫بل يتطلب اعتماد منظومة متكاملة معن اخلطعط والسعياقات الشعمولية والدائمعة تضعمن‬ ‫مشاركة جميع األطراف املهتمة وجعل املقررات املتخذة في هذا الصدد منهجا ً تسير عليه في‬ ‫سياساتها واستراتيجياتها‪.‬‬

‫‪.2‬‬

‫الكشف عن اجلهود املبذولة من قبل األ املتحدة واملنظمات الفاعلعة فعي هعذا امليعدان‪ ،‬خللعق‬ ‫رروف أفضل وتكوين بيئات مالئمة حتفظ للمسنني حقوقهم وتعزز مشاركتهم البنعاءة فعي‬ ‫األسرة واجملتمع‪.‬‬

‫‪.3‬‬

‫الكشف عن املشاكل التي تواجه كبار السن‪ ،‬وإرهار أبرز العقبات والتحديات التي تقعف فعي‬ ‫طريق حماية حقوقهم وتبديد اخملاوف التي تشاع عن زيادة أعداد املسنني وارتفاع مععدل عمعر‬

‫‪326‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫اإلنسان‪ ،‬كذلك التأكيد على تدعيم دورهم القيادي في إمناء أوطانهم واحلفاظ على مكعانتهم‬ ‫في أسرهم ألجل خلق مجتمع يستوعب جميع األعمار‪.‬‬ ‫نطاق البحث‪:‬‬ ‫يتحدد نطاق البحعث بدراسعة املواثيعق الدوليعة ذات الصعلة‪ ،‬ومراجععة مقعررات األ املتحعدة‬ ‫واملنظمات املعنية وتتبع خطط العمل املعتمدة في املؤمترات الدولية‪ ،‬فضال عن االسعتعانة بالدراسعات‬ ‫وكتب اخملتصني في علم النفس واالجتماع‪.‬‬ ‫منهج البحث‪:‬‬ ‫سنتبع في بحثنا املنهج التحليلي التأصيلي لالتفاقيات العامة واخلاصعة حلقعوق كبعار السعن‬ ‫وأيضا املواثيق الدولية اخلاصة بهم خصوصا تلك الصادرة عن األ املتحدة من قرارات وإعالنعات وخطعط‬ ‫عمل وغيرها للوق وف على مداها ونطاق دورها التعزيزي حلقوق هذه الشريحة االجتماعية وآفاق احلمايعة‬ ‫الدولية التي من املمكن أن توفرها في املستقبل‪.‬‬ ‫هيكلية البحث‪ :‬ستكون خطة البحث على النحو التالي ‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬املشكالت التي يتعرض لها كبار السن والتطور التاريخي حلقوقهم‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬مفهوم كبار السن‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬التطور التاريخي حلقوق كبار السن‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬أبرز املشاكل التي تعترض حقوق كبار السن‪.‬‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬النظام القانوني حلقوق كبار السن‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬حقوق كبار السن في نصوص اتفاقيات حقوق اإلنسان العامة واخلاصة‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬مبادئ األ املتحدة لكبار السن لسنة ‪ 1991‬وإعالنها العاملي للشيخوخة لسنة ‪.1992‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬األهداف العاملية للشيخوخة لسنة ‪ 1992‬وإعالن مدريد السياسي لسنة ‪.2002‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬آليات األ املتحدة لتعزيز حقوق كبار السن‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬املناسبات اخلاصة بكبار السن املعلنة من قبل األ املتحدة‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬جهود األ املتحدة لتعزيز حقوق كبار السن في املؤمترات الدولية حلقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬اآلليات املوضوعة مبوجب مؤمتري الشيخوخة لعام ‪ 1992‬وعام ‪.2002‬‬ ‫اخلامتة‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪327‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫املبحث األول‬ ‫التطور التاريخي حلقوق كبار السن واملشكالت التي تعترضهم‬ ‫استغرق اجملتمع الدولي في صياغته حلقوق كبار السن مراحل زمنية طويلة نسبيا تركزت على‬ ‫نحو خاص في العقدين اآلخرين من القرن العشرين وال تزال في تطور دائم ومستمر‪ ،‬كما تظهر مع‬ ‫تقدم اإلنسان في العمر ووصوله إلى مرحلة الشيخوخة العديد من املشاكل والتحديات التي تتطلب‬ ‫املواجهة واحلل عبر إقرار احلقوق التي تكفل احلياة الكرمية والهانئة لها‪ ،‬ووضع ما يكفي من الضمانات‬ ‫إلدامة تطبيقها على الصعيد العملي‪ .‬وعليه سنتعرض في هذا املبحث للتطور التاريخي حلقوق كبار‬ ‫السن‪ ،‬كما نعرض ألبرز املشكالت التي تواجههم‪ ،‬إال إننا قبل ذلك سنعرج على التعريف مبصطلح كبار‬ ‫السن‪.‬‬

‫املطلب األول‬ ‫مفهوم كبار السن‬ ‫خلت االتفاقيات الدولية من تعريف محدد ومقبول لكبار السن‪ ،‬مما يقتضي الرجوع إلى مصادر‬ ‫علم النفس واالجتماع والطب في حتديد مفهوم هذه الشريحة من شرائح اجملتمع(‪.)1‬‬ ‫يعرف الباحثون في علم النفس كبار السن استنادا ً إلى املعيار العمري وهو الشائع ويشمل‬ ‫الشخص الذي بلغ من العمر الستني عاما فأكثر(‪ )2‬وهناك من يرفع مستوى العععمر الذي يبدأ به كبر‬ ‫السن إلى (‪ )56‬سنة (‪.)3‬‬

‫)‪ -)1‬من الناحية اللغوية ومن خالل الرجوع إلى املعاجم املتخصصة إان مصطلح كبير السن يتألف من مقطععني الكبعر‬ ‫(بالكسر) ويعني العظمة ويقال كبر أي عظم‪ ،‬والكبير في صفات اهلل تعالى‪ :‬العظيم اجلليل‪ .‬أما السن فهو معن العمعر‪،‬‬ ‫وأسن الرجل‪ :‬أي كبر‪ ،‬وكبير السن أي من طعن فيه‪ ،‬للمزيد ينظر‪:‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬اجمللعد ‪ ،7‬الطبععة الرابععة‪ ،‬دار‬ ‫صادر للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،2006 ،‬ص‪279‬؛ ينظر‪ :‬ابعن منظعور‪ ،‬املصعدر نفسعه‪ ،‬اجمللعد ‪ ،13‬ص‪11‬؛ ينظعر‪ :‬لعويس‬ ‫معلوف‪ ،‬املنجد في اللغة واألعالم‪ ،‬الطبعة الثانية والعشرين‪ ،‬دار املشرق‪ ،‬بيروت‪ ،1973،‬ص‪ .363‬أما الشعيخوخة (الشعيخ)‬ ‫فيراد بها‪ :‬من تقدم في السن ورهر عليه الشيب واجلمع أشياخ وشيوخ ومشايخ ومشيحة‪....‬الخ‪ ،‬ويلقب به كبير القعوم‬ ‫والعالم واألستاذ وغيره‪ ،‬للمزيد ينظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬اجمللد ‪ ،9‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪173‬؛ ينظعر‪ :‬علعي بعن هاديعة‪،‬‬ ‫بلحسن البليش‪ ،‬اجليالني بن احلاج يحى‪ ،‬القاموس اجلديد للطالب‪ ،‬تقعد محمعود املسععدي‪ ،‬الطبععة الثانيعة‪ ،‬الشعركة‬ ‫التونسية للنشر والتوزيع والشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،1990 ،‬ص‪.640 – 639‬‬ ‫(‪ -)2‬ينظر‪ :‬د‪ .‬محمد علي خلف‪ ،‬محسن مجيد املنصوري‪ ،‬هدى كارم معلة‪ ،‬دراسة الوسائل واألساليب الكفيلة بإضعفاء‬ ‫جو املتعة والسرور على حياة املسنني في القطر العراقي‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،‬مركز البحوو التربوية والنفسية ‪ -‬قسم البحوو‬ ‫النفسية‪ ،‬بغداد‪ ،1991 ،‬ص‪11‬؛ ينظر‪:‬‬ ‫‪Elderly People, Know Your Rights Series, National Human Rights Commission, New Delhi, India, 2011,p.1.‬‬ ‫‪328‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫ويزيد رأى آخر على ذلك باإلشارة إلى املتاعب الصحية التي يتعرض لها أفراد هذه الفئة‪ ،‬حيث‬ ‫يعرَف كبير السن أو املسن بأنه الفرد الذي جتاوز عمر الستني سنة فأكثر‪ ،‬يصاحبها تعرضه لبعض‬ ‫املشاكل الصحية أو االجتماعية أو النفسية أو العقلية والتي يطلق عليها أجماال بأمراض الشيخوخة‬ ‫كاإلحساس بالتعب واإلجهاد في احلركة ونقص القدرة على العمل واإلنتاج مما يزيد لديه احلاجة‬ ‫للمساعدة واإلشراف على حالته(‪.)4‬‬ ‫وكثيرا ً ما يقع اخللط بني مصطلحي كبار السن والشيخوخة اللذين اعتاد الباحثون على‬ ‫اعتبارهما مصطلحني مترادفني‪ ،‬فالشيخوخة هي مرحلة عمرية مير بها اإلنسان تتمثل بتغيرات معينة‬ ‫تصيب أنسجة اجلسم وورائف أعضائه حتدو في أعمار معينة متفاوتة ( قد تبدأ منذ سن اخلمسني أو‬ ‫أكثر) وتتضمن هذه التغيرات انحالل العضالت واخلاليا الذهنية وهشاشة متزايدة في العظام وارتفاع‬ ‫في معدل اإلصابة باألمراض‪ ،‬كالسرطان‪ ،‬وااللتهاب الرئوي وغيرها فضال ً عن بعض املشكالت النفسية‬ ‫واالجتماعية التي تصاحب هذه املرحلة(‪.)5‬‬ ‫ويتضح الفرق بني مصطلح الشيخوخة وكبار السن من املراد بهما‪ ،‬حيث يراد باألول مرحلة من‬ ‫مراحل حياة اإلنسان كالطفولة والصبا والشباب والكهولة انتها ًء بالشيخوخة مبا لها من مظاهر‬ ‫متيزها عن غيرها تبدأ حسب السائد منذ سن‪ 56-50‬حتى نهاية العمر‪ ،‬أما كبار السن واملسنون‬ ‫فتشمل األشخاص الذين بلغوا السن الذي تبدأ به مرحلة الشيخوخة أي أن التركيز هنا على احلالة‬ ‫الشخصية وليس املرحلة العمرية‪ ،‬وإن كان مصطلح كبار السن اشمل‪ ،‬إال إننا نرى أن هناك فرقا آخر‬ ‫مفاده أنه ليس كل من بلغ سن الستني من العمر دخل ضمن مرحلة الشيخوخة (هذا طبعا باستبعاد‬ ‫املعيار العمري) ألن هناك من األشخاص من يصل إلى هذا العمر ويتخطاه بدون أن تظهر عليه عالمات‬ ‫الشيخوخة‪ ،‬ويعود ذلك إلى االختالف في قابليات األفراد ومدى تأثرهم ببعض الظروف البيئية‬ ‫والعضوية والنفسية واالجتماعية والعقلية‪ ،‬ونعتقد من جانبنا بأن مصطلح كبار السن أوسع نطاقا‬ ‫ويوحي بإمكانية مراعاة الفروق بني األشخاص الداخلني في نطاقه واالستفادة من اجلانب اإليجابي في‬ ‫حياتهم‪.‬‬

‫ويط ر العلماء معايير أخرى لتحديد املقصود بكبار السن خاصة بهم تتناول كبر السن كظاهرة اجتماعية تقعوم علعى‬ ‫معايير عقلية أو مجتمعية أو صعحية ال يتسعع اجملعال لعذكرها‪ ،‬للمزيعد ينظعر‪ :‬د‪ .‬مسعارع حسعن العراوي‪ ،‬سعيكولوجية‬ ‫الشيخوخة وموقف اإلسالم من كبار السن‪ ،‬مديرية دار الكتب للطباعة والنشر‪ ،‬بغداد‪ ،1999 ،‬ص ‪.27‬‬ ‫(‪ -(3‬ينظر‪ :‬د‪ .‬احمد علي إسماعيل‪ ،‬أسس علعم السعكان وتطبيقاتعه اجلغرافيعة‪ ،‬الطبععة الثامنعة‪ ،‬دار الثقافعة للنشعر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،1997 ،‬ص ‪.145‬‬ ‫(‪ -(4‬ينظر‪ :‬فيصل محمد خير الزراد‪ ،‬الرعايعة األسعرية للمسعنني فعي دولعة اإلمعارات العربيعة املتحعدة ( دراسعة نفسعية‬ ‫اجتماعية ميدانية في أمارة أبو ربي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سلسلة دراسعات إسعتراتيجية‪ ،‬سلسعلة رقعم ‪ ،90‬مركعز اإلمعارات‬ ‫للدراسات والبحوو اإلستراتيجية‪ ،‬أبو ربي‪ ،2003 ،‬ص ‪.23 -22‬‬ ‫(‪ -)5‬ينظر‪ :‬محمد شفيق غربال ومجموعة باحثني‪ ،‬املوسوعة العربية امليسرة‪ ،‬دار نهضة لبنان‪ ،‬لبنان‪ ،1990 ،‬ص ‪.1104‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪329‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫أما على صعيد األ املتحدة‪ ،‬فقد خلت وثائقها من تعريف جامع لكبار السن أو الشيخوخة‬ ‫سوى ما جاء بشكل عرضي وسريع في معرض بيان املصطلحات املستخدمة لوصف كبار السن من‬ ‫قبل اللجنة املعنية باحلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية التابعة للمجلس االقتصادي‬ ‫واالجتماعي باعتبار كبار السن تشمل طائفة األفراد البالغني من العمر ‪ 50‬سنة فأكثر‪ ،‬مستندةً إلى‬ ‫املمارسات املتبعة من قبل بعض اإلدارات املعنية بذلك في املنظمة‪ ،‬في حني تعترف اللجنة بان اإلدارات‬ ‫التابعة ملنظمة االحتاد األوربي تعتمد سن ‪ 56‬سنة فصاعدا‪ ،‬لكونه السن األكثر شيوعا للتقاعد‪ ،‬مع‬ ‫تزايد االجتاه نحو تأخيره(‪ .)6‬فعلى أية حال اعتبرت املنظمة من خالل بعض مرجعياتها سن ‪ 50‬عاما بدء‬ ‫مرحلة كبر السن للرجال‪ ،‬يقابله سن ‪ 66‬عاما للنساء(‪ )7‬ويعود اخلالف بني األمرين إلى أن البلوغ‬ ‫والشيخوخة عند األنثى تكون أسرع من الرجل ومرد ذلك إلى الطبيعة الفسيولوجية للمرأة‪ ،‬وتزاحم‬ ‫الورائف واملسؤوليات امللقاة على عاتقها كالوالدة واألمور احلياتية األخرى‪ .‬ويبدو أن املنظمة لم تتخلص‬ ‫من اخللط بني مصطلح الشيخوخة وكبار السن‪ ،‬حيث تستخدم في بعض وثائقها مصطلح كبار‬ ‫السن كما في مبادئها املعلنة بشان املوضوع عام ‪ ،1991‬في حني استخدمت في وثائق أخرى مصطلح‬ ‫الشيخوخة على سبيل املثال‪ ،‬إعالنها بهذا الشأن لعام ‪ 1992‬وإن كان املصطلح األخير يشيع‬ ‫استعماله بكثرة في عناوين البرامج واخلطط املوضوعة من قبلها عبر األجهزة والهيئات املشكلة لهذا‬ ‫الغرض‪ ،‬بينما يستخدم مصطلح كبار السن أو املسنني عند الولوج في تفاصيل هذه اخلطط‬ ‫واالستراتيجيات واإلشارة إلى حقوقهم‪.‬‬ ‫وعلى كل حال حسمت املنظمة اخلالف حول املوضوع بتقريرها في الفقرة ‪ 14‬من قرار اجلمعية‬ ‫العامة رقم ‪ 141/60‬لسنة ‪ 1996‬استخدام تعبير كبار السن عوضا ً عن املسنني متاشيا مع التسمية‬

‫(‪ -)6‬ينظر‪ :‬املالحظة العامة رقم ‪ ) 1996(5‬الصادرة عن اللجنة املعنية باحلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية التابععة‬ ‫للمجلس االقتصادي واالجتماعي لأل املتحدة بشعان تنفيعذ العهعد العدولي اخلعاص بعاحلقوق االقتصعادية واالجتماعيعة‬ ‫والثقافية لسنة ‪ ،1955‬اجمللس االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬الوثيقة (‪ ،)E/C.12/1995/16/Rev.1‬املؤرخة في ‪ 6‬كعانون األول ‪،1996‬‬ ‫ص‪ .3‬كما أشارت الوثيقة إلعى تعداول مصعطلحات أخعرى باإلضعافة إلعى مصعطلح املسعنني والشعيخوخة كمصعطلح‬ ‫األشخاص األكبر سنا وفئة العمر الثالثة وفئة العمر الرابعة ليقصد باألخيرة األشخاص الطعاعنني بالسعن العذين يزيعد‬ ‫عمرهم عن ‪ 90‬سنة‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.3‬‬ ‫(‪ -(7‬ينظر‪ :‬فيصل محمد خير الزراد‪ ،‬الرعاية األسرية للمسعنني‪ ،...‬املصعدر السعابق‪ ،‬ص ‪ .22‬وهعذا معا سعار عليعه املشعرع‬ ‫العراقي حيث حدد نظام دور رعاية املسنني رقم ‪ 4‬لسنة ‪ 1996‬وتعديلعه سعن األشعخاص العذين يحعق لهعم دخعول العدار‬ ‫وقبولهم فيه بإكمال الستني من العمر بالنسبة للذكور واخلامسة واخلمسني بالنسبة إلناو ورل ذات العمعر امحمعدد فعي‬ ‫التعديل األول للنظام عام ‪ ،2010‬ينظر‪ :‬نص الفقرة ب من املادة ‪ 4‬لنظام دور رعاية املسنني رقعم ‪ 4‬الصعادر فعي ‪،1996/3/13‬‬ ‫املنشور في جريدة الوقائع العراقية‪ ،‬عدد ‪ ،3039‬بتاريخ ‪ ،1996/3/26‬ص ‪143‬؛ ينظر‪ :‬التعديل األول لنظام دور رعايعة املسعنني‬ ‫رقم ‪ 6‬لسنة ‪ ،2010‬جريدة الوقائع العراقية‪ ،‬عدد ‪ ،4166‬بتاريخ ‪ ،2010/5/21‬ص ‪.3‬‬ ‫‪330‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫التي اعتمدها إعالن مبادئ األ املتحدة لعام‪ 1991‬وقررت استخدام كبار السن في جميع املناسبات‬ ‫اخلاصة بهم(‪.)8‬‬ ‫وفي النهاية نحاول صياغة تعريف قانوني لكبار السن‪ ،‬باعتبارهم األشخاص الذين بلغو سن‬ ‫الستني سنة فأكثر‪ ،‬التي يزداد فيها تعرضهم ملشاكل صحية واجتماعية ونفسية واقتصادية‬ ‫يحتاجون معها ضمان متتعهم ببعض احلقوق العامة ذات األهمية اخلاصة‪ ،‬وإقرار حقوق جديدة لهم‬ ‫تتناسب مع احتياجاتهم‪ ،‬وما يستلزم ذلك من توفير احلماية القانونية الوطنية والدولية من انتهاكها‪.‬‬ ‫ونرى مع اقتناعنا وتفضيلنا ملصطلح كبار السن على غيره من املصطلحات املشابهة إال إننا‬ ‫سنستخدم املصطلحات األخرى جريا على ما سارت عليه املراجع الدولية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬ ‫التطور التاريخي حلقوق كبار السن‬ ‫ابتدأت مسيرة اهتمام األ املتحدة بحقوق كبار السن منذ بداية فترة السبعينيات من القرن‬ ‫املنصرم تقريبا‪ ،‬وكانت البداية عام‪ 1959‬حني أجلت اجلمعية العامة النظر في املوضوع في دورتها ‪24‬‬ ‫لتلك السنة معتذرة بازدحام جدول أعمالها(‪ ،)9‬وعند العام‪ 1971‬طلبت املنظمة من الوكاالت‬ ‫املتخصصة اقترا مبادئ توجيهية ميكن االهتداء بها عند وضع واتخاذ التدابير املتصلة بحقوق املسنني‬ ‫طالبة من احلكومات توفير املعلومات الالزمة لذلك‬

‫( ‪)10‬‬

‫انطالقا ً من إعالن التقدم واإلمناء في امليدان‬

‫االجتماعي لسنة ‪ 1959‬الذي شدد على واجب حماية حقوق املسنني وضمان رعايتهم عبر مواد عديدة‬ ‫وردت فيه مشيرة لبعض حقوقهم وضرورة احترامها ومتتعهم بها(‪ ،)11‬ووجهت في العام ‪ 1977‬احلكومات‬ ‫إلى النظر في استصواب عقد جمعية عاملية للمسنني‪ ،‬وإعالن سنة دولية لهم محددة موعدا ً أقصاه‬ ‫األول من متوز‪ 1979‬لتمكني اخملتصني من تبادل اخلبرات واستطالع احللول ووضع البرامج املناسبة حلل‬

‫(‪ -)8‬ينظر الفقرة ‪ 14‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 141/60‬الصادر فعي ‪ 21‬كعانون األول ‪ ،1996‬الوثيقعة )‪،)A/RES/50/141‬‬ ‫املؤرخة في ‪ 30‬كانون الثاني ‪.1995‬‬ ‫(‪ -)9‬ينظر‪ :‬قرار اجلمعية العامة املرقم ‪( 3699‬الدورة ‪ ،)24‬الصادر في ‪ 15‬كانون األول ‪.1959‬‬ ‫(‪ -)10‬ينظر‪ :‬ديباجة قرار اجلمعية العامة املرقم ‪( 2942‬الدورة ‪ ،)25‬الصادر في ‪ 19‬كانون األول ‪1971‬والفقرة‪ 2-1‬منه‪.‬‬ ‫(‪ -)11‬ينظر‪:‬‬ ‫‪Elderly People, Know Your Rights Series, National Human Rights Commission, Op-Cit, p.21.‬‬ ‫؛ ينظر‪ :‬املادة ‪/11‬ج من إعالن التقدم واإلمناء في امليعدان االجتمعاعي لسعنة ‪ 1959‬الصعادر بقعرار اجلمعيعة العامعة املعرقم‬ ‫‪(2642‬د‪ )24-‬املؤرخ في ‪11‬كانون األول ‪1959‬؛ وكذلك يراجع أيضا الفقرة (أ) من نفس املادة التعي نصعت علعى ضعرورة تعوفير‬ ‫نظام للضمان االجتماعي وخدمات الرعاية االجتماعية جلميع املشمولني بها بسبب املرض أو العجز أو الشيخوخة وأيضعا‬ ‫املادة (‪/ 6‬د) التي نصت على ضمان نيل قطاعات السكان امحمرومة أو احلديعة الفعرص املتكافئعة إلحعراز التقعدم االجتمعاعي‬ ‫واالقتصادي واملادة (‪ ) 1‬التي حظرت التمييز ألي سبب في التمتع بحق احلياة الكرميعة والتعنعم بثمعار التقعدم االجتمعاعي‬ ‫واإلسهام به‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪331‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬ ‫مشاكل كبار السن ومواجهة احتياجاتهم(‪ .)12‬استجابة لذلك وبحلول العام ‪ 1979‬طرحت اجلمعية‬ ‫العامة خطة عمل دولية في سياق قرارها املرقم ‪ 62/33‬لسنة ‪ 1979‬الذي قررت فيه الدعوة لعقد أول‬ ‫جمعية عاملية للشيخوخة‪ ،‬لتكون مبثابة محفل للشروع في برنامج عمل دولي‪ ،‬يستهدف تامني‬ ‫حقوقهم اخملتلفة(‪ ،)13‬ومت اعتماد هذه اخلطة مبوجب قرار اجلمعية العامة رقم‪ 61/37‬لسنة‪ 1992‬بعد عقد‬ ‫أول اجتماع دولي ضم األفراد واحلكومات واملنظمات الدولية احلكومية وغير احلكومية العاملة في هذا‬ ‫اجملال في الفترة من‪ 25‬متوز‪ 5 -‬أب ‪ 1992‬حتت مسمى(اجلمعية العاملية األولى للشيخوخة)‪ ،‬مركزة على‬ ‫املواضيع األساسية املتعلقة بشيخوخة السكان واألفراد ومعتمدة خطة عمل اعتبرت أول وثيقة دولية‬ ‫يسترشد بها عند وضع وصياغة السياسات العامة على املستوى الدولي والوطني فيما يتعلق بحقوق‬ ‫هذه الشريحة من اجملتمع‪.‬‬ ‫وعلى مدار األعوام التي تلت انعقاد اجلمعية العاملية األولى في فينا عام ‪ 1992‬رلت اخلطة‬ ‫التي صاغتها موضع التفكير واألعمال من قبل األطراف املعنية التي سعت إلى صياغتها على شكل‬ ‫مبادئ أطلق عليها مبادئ األ املتحدة لكبار السن املعتمدة مبوجب القرار‪ 91/45‬لسنة ‪ 1991‬مشجعة‬ ‫احلكومات على إدراجها في برامجها الوطنية العاملة في هذا اجملال‪ )14(.‬وقبل ذلك اعتبرت األ املتحدة‬ ‫يوم األول من تشرين األول من كل عام يوما عامليا للمسنني لالحتفال باإاجنازات امحمققة وتسليط األضواء‬ ‫على املشكالت التي تواجه تفعيل حقوقهم وتنشيط دورهم في اجملتمع(‪.)15‬‬ ‫وتأكيدا ً ملا سبق سارعت املنظمة إلى إصدار إعالن دولي للشيخوخة عام ‪ 1992‬مبناسبة الذكرى‬ ‫السنوية العاشرة العتماد خطة العمل الدولية األولى للشيخوخة عام ‪ 1992‬حيث حثت األطراف‬ ‫الفاعلة في اجملتمع الدولي من أجهزة املنظمة ذاتها واحلكومات واملنظمات غير احلكومية واألسر على‬ ‫دعم االستراتيجيات العملية لبلوغ األهداف العاملية في مجال الشيخوخة والعمل على تشجيع تنفيذ‬ ‫خطة العمل الدولية للشيخوخة‪ ،‬ونشر مبادئ األ املتحدة في هذا اخلصوص(‪ .)16‬كما جاء في اإلعالن‬ ‫تخصيص عام ‪ 1999‬سنة دولية مكرسة لكبار السن اعترافا ً باإلجناز البشري امحمقق في سبيل حتقيق‬

‫(‪ -)12‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 2-1‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ ،132/32‬الصادر في ‪ 15‬كعانون األول ‪1977‬؛ وللمزيعد ينظعر‪ :‬د‪.‬غعازي‬ ‫حسن صباريني‪ ،‬الوجيز في حقوق اإلنسان وحرياته األساسية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان–‬ ‫األردن‪ ،1997 ،‬ص‪.217-215‬‬ ‫(‪ -(13‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 2-1‬من قرار اجلمعية العامة املعرقم ‪ 62/33‬الصعادر فعي ‪ 14‬كعانون األول ‪1979‬؛ ينظعر‪ :‬عبعاس سعبتي‪،‬‬ ‫املسنون رعاية أم تنمية طاقاتهم دراسة مكتبية‪ ،‬بحث منشور على االنترنيت على الرابط التالي‪:‬‬ ‫‪http://www.gulfkids.com/vb/showthread.php?t=8759‬‬ ‫(‪ -)14‬ينظر‪ :‬قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 91/45‬الصادر في ‪ 15‬كانون األول ‪.1991‬‬ ‫(‪ -(15‬ينظر‪ :‬الفقرة (‪ )16‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 105/46‬الصادر في ‪ 14‬كانون األول ‪.1990‬‬ ‫(‪ -)16‬ينظر‪ :‬نصوص إعالن األ املتحدة للشيخوخة لعام ‪ 1992‬الصادر بقرار اجلمعية العامعة املعرقم ‪ 6/47‬الصعادر فعي ‪15‬‬ ‫تشرين األول‪.1992‬‬ ‫‪332‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫وتوريف القدرات اخلالقة للمسنني في املشاريع االجتماعية واالقتصادية والثقافية والروحية‪ ،‬فضال ً عن‬ ‫دورهم في تعزيز السلم والتنمية على الصعيد العاملي في القرن املقبل الذي كاد يطرق األبواب آنذاك(‪.)17‬‬ ‫واستكماال للجهود املبذولة وبعد عشرين عاما من انعقاد مؤمتر فينا‪ ،‬دعت اجلمعية العامة‬ ‫لعقد مؤمتر ثان بهذا اخلصوص يكرس الستعراض نتائج املؤمتر األول (اجلمعية العاملية األولى‬ ‫للشيخوخة) والنظر في وضع إستراتيجية طويلة األجل للشيخوخة في سياق تهيئة مجتمع‬ ‫يستوعب جميع األعمار(‪ ،)18‬وتقرر عقد مؤمتر دولي ثان (اجلمعية العاملية الثانية للشيخوخة) في مدريد‬ ‫في الفترة من ‪ 12-9‬نيسان ‪ ،)19(2002‬متخض عنها اعتماد اإلعالن السياسي وخطة العمل الدولية‬ ‫الثانية للشيخوخة(‪ ،)20‬الذين عكسا توافق في اآلراء بشان وضع جدول أعمال معني بالشيخوخة يركز‬ ‫على التنمية والتعاون الدولي وتقد املساعدة في هذا املضمار‪ ،‬كما استرشدت احلكومات بها عند‬ ‫صياغة سياسات وبرامج الشيخوخة مستلهمة بنودها في وضع خطط العمل على املستوى الوطني‬ ‫واإلقليمي(‪.)21‬‬ ‫وال تزال األ املتحدة تعمل في مجال تقرير وتعزيز وحماية حقوق كبار السن على كافة السبل‬ ‫وتبذل اجلهود املضنية في سبيل ذلك ولعل آخرها إعالنها في عام ‪ 2011‬تخصيص يوم ‪ 16‬حزيران يوما ً‬ ‫عامليا ً للتوعية بشان إساءة معاملة املسنني‪ ،‬ودعت جميع األطراف العاملة من دول ومنظمات دولية‬ ‫بأنواعها ومجتمع مدني إلى االحتفال بهذا اليوم(‪.)22‬‬ ‫استنادا ً إلى ما سبق بيانه نرى أن االهتمام والدور الرئيسي في مجال تعزيز حقوق كبار السن‬ ‫اضطلعت به األ املتحدة بالدرجة األساس حيث صبت جهودها في العمل على حتسني أحولهم‬ ‫والتقليل من تأثير التحديات املطروحة التي تقف في وجه طموحاتها وأمانيها في هذا الصدد‪ ،‬ولكن إذا‬ ‫كان للمنظمة السبق في هذا املوضوع فمن الطبيعي أن حتتاج إلى دعم ومشاركة اجلهات األخرى‬ ‫الفاعلة والناشطة كالوكاالت املتخصصة واإلقليمية واملنظمات غير احلكومية وغيرها من الهيئات‬ ‫التي أوكلت إليها مهام وادوار في هذا املضمار كما سنعرض لذلك الحقا‪.‬‬ ‫(‪ -(17‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 3‬من نص إعالن األ املتحدة للشيخوخة لعام ‪.1992‬‬ ‫(‪ -(18‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 17‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 24 /64‬الصادر في ‪ 10‬تشرين الثاني ‪ ،1999‬الوثيقعة (‪،)A/RES/54/24‬‬ ‫املؤرخة في ‪ 2‬شبا ‪.2000‬‬ ‫(‪ -(19‬ينظععر‪ :‬الفقععرة ‪ 1‬مععن قععرار اجلمعيععة العامععة املععرقم ‪ 252/64‬الصععادر فععي ‪ 26‬أيععار ‪ ،2000‬األ املتحععدة‪ ،‬الوثيقععة‬ ‫(‪ ،)A/RES/54/262‬املؤرخة في ‪ 15‬حزيران ‪.2000‬‬ ‫(‪ -)20‬ينظر‪ :‬القرار الصادر من اجلمعية العاملية الثانية للشيخوخة فعي مدريعد للفتعرة ‪ 12-9‬نيسعان ‪ ،2002‬األ املتحعدة‪،‬‬ ‫الوثيقة (‪ ،)A/CONF.197/MC/L.2‬املؤرخة في ‪ 11‬نيسان ‪.2002‬‬ ‫(‪ -(21‬ينظر‪ :‬موقع األ املتحدة الرسمي‪ ،‬صفحة املعلومات األساسية اخلاصة بكبار السن على الرابط التالي ‪:‬‬ ‫‪http://www.un.org/ar/events/olderpersonsday/background.shtml‬‬ ‫(‪ -)22‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 21‬من قرار اجلمعية العامة املعرقم ‪ 127/55‬الصعادر فعي ‪ 19‬كعانون األول ‪ ،2011‬األ املتحعدة‪ ،‬الوثيقعة‬ ‫(‪ ،)A/RES/66/127‬املؤرخة في ‪ 9‬آذار ‪.2012‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪333‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫املطلب الثالث‬ ‫أبرز املشاكل التي تعترض حقوق كبار السن‬ ‫إن تفهم دور األ املتحدة التعزيزي حلقوق كبار السن ال يتم إال من خالل االطالع أوال ً على‬ ‫التحديات واملشاكل التي تقف في طريق أعمال حقوق هذه الفئة من السكان في اجملتمعات اخملتلفة‪،‬‬ ‫التي بذلت املنظمة اجلهود العظيمة نحو إقرارها وإشاعتها لتواجه بذلك التحديات وتضع احللول‬ ‫للمشاكل التي تعرقل تطبيقها‪ ،‬وسنتعرف على أهم مشاكل املسنني ذات الصلة مبضمون حقوقهم‬ ‫مبتعدين قدر اإلمكان على اجلوانب النفسية واالجتماعية والطبية املرتبطة باملوضوع‪ ،‬مع التنويه إلى‬ ‫ان هذه املشاكل ترتبط أساسا بحقوق اإلنسان األساسية التي قد تكفي نصوصها الواردة في املواثيق‬ ‫الدولية لسد احلاجة اليها‪ ،‬إال أن في موضوعنا هذا مكانة خاصة بالنسبة لهذه املرحلة العمرية‪ ،‬حيث‬ ‫تزداد فيها بعض املطالب ذات األهمية البالغة كما سنرى مثال ً عند احلديث عن ضرورة توفير اإلعانات‬ ‫املادية والرعاية الصحية اخلاصة وغيرها من احلقوق ذات األولوية بالنسبة للمسنني التي تتناسب مع‬ ‫االحتياجات املرحلية لهم (باملقارنة مع الفئات العمرية األخرى) وهي عديدة ومتفرعة ولكننا سنعرض‬ ‫ألبرزها وفي مقدمتها‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬عدم التمتع باحلقوق االقتصادية‪ :‬يتعرض كبار السن إلى احلرمان بشكل كبير من فرص احلصول‬ ‫على العمل واإلحالة إلى التقاعد املبكر في سن الستني أو أكثر‪ ،‬مما يؤدي إلى حرمانهم من مصدر الرزق‬ ‫الالزم ملعيشتهم وعرقلة مواصلة نشاطهم االجتماعي‪ ،‬ويجعل املسن يشعر بأنه غير َ ذي نفع وفائدة‪،‬‬ ‫ويحرم بذلك سوق العمل من مصدر مهم يتمثل في اخلبرة والدراية الفعلية باملهام التي كانوا‬ ‫ميارسونها‪ ،‬فضال على أن املعاشات التي يتقاضونها في هذا العمر ال تفي بحاجاتهم في رل األزمات‬ ‫املالية واالرتفاع الكبير في األسعار‪ ،‬وبذلك فهم يفتقرون إلى احلماية املالية كاملعاش التقاعدي املناسب‬ ‫وأوجه الضمان االجتماعي األخرى‪ )23(.‬وتتفاقم املشكلة بشكل اكبر لدى اجملتمعات النامية أو التي في‬ ‫مرحلة االنتقال؛ حيث يتعرض كبار السن إلى فقدان الدعم األسري نتيجة هجرة أفراد العائلة املعيلني‬ ‫من الريف إلى املدن‪ ،‬وفي رل غياب الدعم املالي احلكومي الذي يدفع بالكثير من كبار السن إلى هاوية‬ ‫الفقر ويؤثر ذلك بالتالي على حجم اخلدمات األساسية التي يحصلون عليها خصوصا لدى النساء‬ ‫املسنات(‪.)24‬‬ ‫ثانيا‪ :‬التعرض إلى سوء املعاملة والتمييز‪ :‬تتخذ سوء املعاملة التي يتعرض لها كبار السن أشكاال ً‬ ‫مختلفة تتمثل بسوء املعاملة البدنية كالضرب واللكم (مما يودي إلى حدوو اضطرابات لدى املسن على‬ ‫(‪ -)23‬ينظر‪ :‬د‪ .‬محمد علي خلف وآخرون‪ ،‬دراسة الوسائل واألسعاليب الكفيلعة بإضعفاء جعو املتععة والسعرور علعى حيعاة‬ ‫املسنني‪ ،....‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ ،67‬ص ‪.50‬‬ ‫(‪ -)24‬للمزيد حول ذلك ينظر‪ :‬توصيات خطة العمل الدولية للشيخوخة لعام ‪ 2002‬التي أقرتها اجلمعية العاملية الثانيعة‬ ‫للشيخوخة املعقودة في مدريد للفترة ‪ 12-9‬نيسان ‪ ،2002‬تقريعر اجلمعيعة العامليعة الثانيعة للشعيخوخة‪ ،‬األ املتحعدة‪،‬‬ ‫نيويورك‪ ،2002 ،‬الوثيقة )‪ ،)A/CONF.197/9‬ص ‪ ،11‬ص ‪.16‬‬ ‫‪334‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫نحو يحد من حركته)‪ ،‬وسوء املعاملة النفسية؛ وتتمثل بكل سلوك ينال من كرامة املسن وتقديره‬ ‫كعدم احترام رغباته وخصوصياته وحرمانه من االتصال بذويه ومعارفه‪ ،‬كما قد يالقي كبار السن أمناطا ً‬ ‫من سوء املعاملة املالية (االستغالل املالي) كاالستحواذ على أموالهم أو حرمانهم منها وإجبارهم على‬ ‫بعض التصرفات القانونية التي قد تلحق ضررا ً بهم ككتابة وصية أو تنازل عن املمتلكات فضال عن‬ ‫الغش واالحتيال والتزوير في األوراق الرسمية العائدة لهم(‪.)25‬‬ ‫(‪)26‬‬

‫وقد يلقى كبار السن اإلهمال وسوء املعاملة من جانب أسرهم أو مجتمعاتهم بصور شتى؛‬

‫في املنازل أثناء تلقي الرعاية األسرية‪ ،‬أو املستشفيات عند تلقي الرعاية الصحية وغيرها(‪ ،)27‬وترتفع‬ ‫نسبة تعرض كبار السن إلى التمييز استنادا ً إلى معايير مختلفة كاختالف اجلنس أو العمر أو مستويات‬ ‫التعليم وغيرها‪ ،‬وقد يشكل ذلك –لألسف‪ -‬ممارسات مقبولة لدى بعض املستويات االجتماعية وامحملية‬ ‫والوطنية‪ ،‬وكذلك في قطاع العمل‪ ،‬وتترك في النهاية تأثيرها السلبي واملعكوس على خلق الظروف‬ ‫املناسبة لتحقيق التالحم االجتماعي واشتراك املسنني في تنمية اجملتمع(‪.)28‬‬ ‫ثالثا‪ :‬املشاكل االجتماعية واألسرية‪ :‬يواجه املسنون مجموعة من العقبات االجتماعية تتمثل بشكل‬ ‫أساسي في فقدان دورهم االجتماعي نتيجة لعدم استجابة اجملتمع الحتياجاتهم أو عدم منحهم‬ ‫الفرصة لالشتراك في اتخاذ القرارات الهامة‪ ،‬فيتعرضون إلى ما يطلق عليه (اغتراب املسنني عن اجملتمع)‬ ‫التي جتعل منهم أشخاصا منكمشني في عالقاتهم مع اآلخرين ويقعون فريسة للوحدة والعزلة‬ ‫وفقدان املركز في العالقات االجتماعية عموما ً والعائلية خصوصا ً(‪ .)29‬وتتفاقم املشكلة كثيرا ً في الدول‬ ‫التي تشهد هجرة ألبنائها إلى اخلارج‪ ،‬أو انتقالهم من الريف إلى احلضر حيث يبقى كبار السن دون دعم‬ ‫أسري (خصوصا في اجلانب املادي)‪ ،‬وعند انتقالهم بدورهم إلى املدن والدول التي هاجر إليها ذويهم‪،‬‬

‫(‪ -)25‬ينظر‪ :‬تقرير األمني العام لأل املتحدة املقدم إلى اجلمعية العاملية الثانية للشيخوخة التي عقدت عام ‪ 2002‬بعنعوان‬ ‫( سوء معاملة كبار السن‪ :‬االعتراف بسوء معاملة كبار السن وعالجه في سياق عاملي )‪ ،‬اجمللس االقتصعادي واالجتمعاعي‪،‬‬ ‫الوثيقة (‪ ،)E/CN.5/2002/PC/2‬املؤرخة في ‪ 9‬كانون الثاني ‪ ،2002‬ص ‪5-6‬؛ وملعرفة املزيد عن اساءة معاملة املسنني ينظر‪:‬‬ ‫‪Facts About Law And The Elderly, Division for Media Relations and Public Affairs, American Bar Association,‬‬ ‫‪1998, p.9-14.‬‬ ‫(‪ -)26‬للمزيد ينظر‪ :‬د‪ .‬عبد العزيز بن علي ال غريب ‪ ،‬د‪ .‬ناصعر بعن صعالح الععود‪ ،‬احلمايعة االجتماعيعة لكبعار السعن مركعز‬ ‫الدراسات والبحوو‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،2007 ،‬ص ‪.30‬‬ ‫(‪ -)27‬ينظر‪:‬‬ ‫‪A guide for older people, Your Human Rights, Second edition, 2010, p13-17.‬‬ ‫(‪ -)28‬دعم حقوق كبار السن‪ :‬نحو معاهدة لأل املتحدة تتعلق بحقوق كبار السن‪ ،‬دراسة دولية موضعوعة معن ععدد معن‬ ‫املنظمات الغير حكومية‪ ،‬ترجمة د‪ .‬نبيل محى الدين قرنفل‪ ،‬مركز الدراسات لكبار السن‪ ،‬لبنان‪ ،2011،‬ص ‪.6‬‬ ‫(‪ -)29‬للمزيد أكثر أ‪.‬د‪ .‬مدحت فؤاد فتو حسني‪ ،‬تنظيم مجتمع املسنني‪ ،‬الطبعة الثانيعة دار النهضعة ألعربيعة القعاهرة‪،‬‬ ‫‪ ،1995‬ص ‪61-45‬؛ ينظر‪ :‬عباس سبتي‪ ،‬املسنون رعاية أم تنمية طاقاتهم‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪335‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫يواجهون التهميش واالستبعاد وضعف الرعاية االجتماعية من جانب أفراد األسرة فضال ً عن الفقر‬ ‫وفقدان االستقالل االقتصادي(‪.)30‬‬ ‫رابعا‪ :‬تردي مستوى الرعاية الصحية‪ :‬يصاب اإلنسان مع كبر سنه مبجموعة من األمراض اخملتلفة‪ ،‬تتركز‬ ‫في مجملها باإلمراض الناجتة عن ضعف حيوية اجلسم بشكل عام‪ ،‬والضعف الوريفي لبعض األجهزة‬ ‫مثل أمراض الكبد والقلب والرئة‪...‬الخ‪ ،‬فضال ً عن مجموعة من األمراض العصبية والنفسية التي‬ ‫تنتشر في هذه املرحلة العمرية مما يستدعي توفير الرعاية الصحية املناسبة التي تأخذ اجتاهني يتمثالن‬ ‫باالجتاه العالجي واالجتاه الوقائي(‪ .)31‬عليه قد ال يحصل كبار السن على املستوى الكافي واملناسب من‬ ‫الرعاية الصحية واالجتماعية‪ ،‬وقد يرفض عالجهم أو يحصلون على خدمات غير كافية أو ذات جودة‬ ‫أدنى‪ ،‬مما يلقي التأثير السلبي على حالتهم الصحية بشكل عام(‪ ،)32‬وتتمثل أبرز املشاكل التي تواجه‬ ‫متتع املسنني بحقهم في تلقي العناية الصحية في عدم توفر املراكز املناسبة التي تقدم اخلدمات‬ ‫الصحية املتخصصة‪ ،‬وإغفال إدراج املسنني ضمن سلم أولوياتها‪ ،‬ويزداد األمر سوءا ً مع جتذر بعض‬ ‫األفكار السلبية عن الشيخوخة في بعض اجملتمعات والنظرة إلى املسن رجال ً كان أو امرأةً باعتبارهم‬ ‫قوة غير منتجة وفاعلة‪ ،‬ولذا فهي ال تستحق توفير اخلدمات الصحية لها‪ .‬إضافة إلى ما سبق فإن‬ ‫ضعف تأهيل مقدمي الرعاية أنفسهم تظهر كمشكلة في هذا امليدان سواء أكانوا من أفراد األسرة‬ ‫التي يقع عليها العبء األكبر في تقدميها‪ ،‬أو من املتخصصني أنفسهم حيث تزداد مخاطر التعرض‬ ‫لإليذاء على أيدي مقدمي هذه اخلدمات(‪.)33‬‬ ‫خامسا‪ :‬انخفاض مستوى التعليم والعجز في أوقات النزاعات املسلحة‪ :‬يعاني املسنون خصوصا ً في‬ ‫البلدان النامية من االفتقار إلى املستوى املطلوب من التعليم والثقافة بشكل عام حيث تضم هذه‬ ‫البلدان أعدادا ً كبيرة من األشخاص الذين يصلون إلى سن الشيخوخة‪ ،‬وهم بالكاد يلمون بالقراءة‬ ‫والكتابة مما يترك تأثيرا ً سلبيا ً كبيرا ً عليهم‪ ،‬حيث يحد ذلك من قدرتهم على كسب العيش‪ ،‬ويقلل من‬ ‫طلبهم على اخلدمات الصحية‪ ،‬فيتدنى مستوى متتعهم بالصحة والرفاه االجتماعي فضال ً عن‬

‫(‪ -(30‬توصيات خطة العمل الدولية للشيخوخة لعام ‪ ،2002‬تقريعر اجلمعيعة العامليعة الثانيعة للشعيخوخة‪ ، ....‬الوثيقعة‬ ‫)‪ ،)A/CONF.197/9‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪15-16‬؛ ينظر‪:‬‬ ‫‪Elderly People, Know Your Rights Series, National Human Rights Commission, Op-Cit, p.22.‬‬ ‫(‪ -)31‬ينظر‪ :‬محمد سيد فهمي‪ ،‬رعاية املسنني اجتماعيا‪ ،‬املكتب اجلامعي احلديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1994 ،‬ص ‪.146-144‬‬ ‫(‪ -(32‬دعم حقوق كبار السن‪ : ،‬نحو معاهدة لأل املتحدة تتعلق بحقوق كبار السن‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.5‬‬ ‫(‪ -)33‬دراسة مواضيعية بشان أعمال حق املسنني في الصحة‪ ،‬أعدها املقرر اخلاص املعنعى بحعق كعل إنسعان فعي التمتعع‬ ‫بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية مقدمة من السعيد انانعد غروفعر‪ ،‬مجلعس حقعوق اإلنسعان‪ ،‬اجلمعيعة‬ ‫العامة‪ ،‬األ املتحدة‪ ،‬الوثيقة (‪ ،)A/HRC/18/37‬املؤرخة في ‪ 4‬متوز ‪ ،2011‬ص ‪.19-16‬‬ ‫‪336‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫شعورهم باالغتراب والوحدة والتهميش نتيجة لصعوبة التكيف مع متطلبات التغير التكنولوجي‬ ‫املتنامي(‪.)34‬‬ ‫وتزداد محنة املسنني في أوقات النزاعات املسلحة والكوارو‪ ،‬حيث كثيرا ً ما يتركون في‬ ‫أماكنهم عندما يهرب أفراد األسرة اآلخرون‪ ،‬يضاف إلى ذلك أنه قد يجري جتاهلهم عند تقد املعونات‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وتضيق لديهم فرصة احلصول على الغذاء واملساعدات األخرى‪ ،‬كما قد ال يكون مورفو‬ ‫اإلغاثة مدربني على التعاطي مع احتياجاتهم اخلاصة(‪ .)35‬وحتى في حالة انتقالهم أثناء الصراعات‬ ‫واألزمات‪ ،‬يعاني الكثير منهم من اإلنهاك الشديد جراء مشقة السفر ويقعون بالتالي فريسة‬ ‫للمرض(‪.)36‬‬ ‫يتضح لنا مما سبق أن مشاكل كبار السن التي عرضنا لها تتصل في أغلبها بحقوق اإلنسان‬ ‫بأنواعها املتعددة‪ ،‬إال أنه مع مرحلة الشيخوخة التي مير بها اإلنسان في دورة حياته تكون بعض‬ ‫احتياجاته ذات أهمية بالغة تقتضي توفيرها (قد ال تكفي نصوص قواعد حقوق اإلنسان التي حتتويها‬ ‫الصكوك الدولية العامة ذات الصلة في سد احلاجة إليها)‪ ،‬ورمبا يأتي في مقدمتها التمييز الذي يوجه‬ ‫ضدهم بسبب سنهم‪ ،‬فضال ً عن التهميش وقلة االلتفات حلاجاتهم من جانب اجملتمع واملؤسسات‬ ‫الرسمية‪ .‬ويبدو أن ضعف أحوالهم املعاشية وتردي وضعهم االقتصادي يعود بالدرجة األساس إلى‬ ‫الفقر الذي يرز حتته قسم كبير من املسنني نتيجة لفقدانهم العمل أو عجزهم عن ذلك أو رحيل أو‬ ‫افتقار املعيل خصوصا مع تعارم املشاكل واألزمات املالية التي تعصف باقتصاديات الدول‪ ،‬مما يستلزم‬ ‫معها تكثيف اجلهود على املستوى الوطني والدولي للتصدي لهذه التحديات ووضع احللول العملية‬ ‫للمشاكل املطروحة‪ ،‬وباألخص صياغة اتفاقيات خاصة حلقوق وحريات املسنني تكون ذات طبيعة ملزمة‬ ‫تأخذ بنظر االعتبار االحتياجات اخلاصة لهذه الشريحة االجتماعية ومتطلباتها احلياتية امللحة التي‬ ‫تلقى صور اإلهمال من جانب العديد من اجملتمعات‪.‬‬

‫(‪ -)34‬توصيات العمل املقترحة إلستراتيجية العمل الدوليعة للشعيخوخة لععام ‪ ،2002‬اجمللعس االقتصعادي واالجتمعاعي‪،‬‬ ‫الوثيقة (‪ ،) E/CN.5/2001/PC/L.9‬املؤرخة في ‪ 29‬أب ‪ ،2001‬ص ‪.14‬‬ ‫(‪ -(35‬تقرير األمني العام لأل املتحدة بشان خطة العمل الدوليعة املنقحعة للشعيخوخة (مشعروع أطعار موسعع)‪ ،‬اجمللعس‬ ‫االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬الوثيقة (‪ ،) E/CN.5/2001/PC/2‬املؤرخة في ‪13‬كانون األول ‪ ،2000‬ص ‪.62-61‬‬ ‫(‪ -)36‬دليل التدريب على رصد حقوق اإلنسان‪ ،‬الفصعل احلعادي عشعر‪ :‬رصعد وحمايعة حقعوق اإلنسعان اخلاصعة بالعائعدين‬ ‫واملشردين داخليا‪ ،‬األ املتحدة‪ ،‬جنيف‪ ،‬الوثيقة ( ‪ ،2001 ،)92-1-164137-9‬ص ‪.30‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪337‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫املبحث الثاني‬ ‫النظام القانوني حلقوق كبار السن‬ ‫حتيل أغلب الوثائق الدولية ذات الشأن بحقوق كبار السن إلى اجلهود املضنية التي قامت بها‬ ‫األ املتحدة في العقدين اآلخرين من القرن السابق‪ ،‬مما يحمل على االعتقاد أن االتفاقيات والوثائق التي‬ ‫ت على ذكر حلقوق هذه الفئة‪ ،‬ولكن في احلقيقة احتوت‬ ‫تخص حقوق اإلنسان خارج إطار املنظمة لم تأ ِ‬ ‫الكثير منها على نصوص ذات صلة بحقوق املسنني بشكل أو بآخر‪ ،‬ومع ذلك تبقى الوثائق ذات الصلة‬ ‫املباشرة باملوضوع ‪-‬وكما أسلفنا‪ -‬راجعة في أغلبها إلى جهود املنظمة وحتديدا ً على وجه خاص وبشكل‬ ‫مكثف خالل حقبة التسعينيات وحتى الوقت احلاضر‪ ،‬عليه سنتناول في هذا املبحث النظام القانوني‬ ‫حلقوق كبار السن على الصعيد الدولي ابتدا ًء من اتفاقيات حقوق اإلنسان العامة واخلاصة التي أشارت‬ ‫بشكل مباشر أو غير مباشر إلى حقوقهم في املطلب األول‪ ،‬ومن ثم بيان املبادئ املعلنة من األ املتحدة‬

‫لكبار السن لسنة ‪ 1991‬وإعالنها للشيخوخة لسنة ‪ 1992‬في املطلب الثاني‪ ،‬في حني سنعرض في‬ ‫املطلب الثالث لألهداف العاملية للشيخوخة لسنة ‪ 1992‬وإعالن مدريد السياسي لسنة ‪ 2002‬باعتباره‬ ‫آخر وثيقة شاملة في هذا اإلطار‪.‬‬

‫املطلب األول‬ ‫حقوق كبار السن في نصوص اتفاقيات حقوق اإلنسان العامة واخلاصة‬ ‫ت أغلب اتفاقيات حقوق اإلنسان على ذكر صريح حلقوق عامة أو محددة لكبار السن في‬ ‫لم تأ ِ‬ ‫ثناياها‪ ،‬وإمنا وردت إشارات لذلك ضمنا وبصورة غير مباشرة‪ ،‬وتنطبق هذه البنود على كبار السن بقدر ما‬ ‫تنطبق على سائر األشخاص اآلخرين التي تكفل توفير احلقوق املعينة لهم وحمايتها(‪ ،)37‬وتتصل في‬ ‫معظمها مببادئ رئيسة جاءت بها هذه االتفاقيات كحظر التمييز في التمتع باحلقوق‪ ،‬واملساواة أمام‬ ‫القانون‪ ،‬وحظر التعذيب واملعاملة غير اإلنسانية‪ ،‬أو عند تعرضها لبعض احلقوق امحمددة كالتمتع بأعلى‬ ‫مستوى من الصحة البدنية والعقلية‪ ،‬وحق العمل والتعليم والسكن‪ ،‬أو عند احلديث عن نطاق احلماية‬ ‫الالزمة لهم في بعض الظروف واألوقات كما في اتفاقيات القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬وسنعرض لبعض‬ ‫من هذه النصوص على سبيل املثال ال احلصر‪:‬‬ ‫(‪ -(37‬فعلى سبيل املثال اعترفت اجلمعية العامة في ديباجة قرارها املرقم ‪ 61/37‬الصادر في ‪ 3‬كانون األول ‪(( 1992‬بإميانهعا‬ ‫بأن احلقوق األساسية غير القابلة للتصرف املنصوص عليها في اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان تنطبق متامعا وبعال نقصعان‬ ‫على املتقدمني في السن))‪.‬‬ ‫‪338‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫أوال‪ :‬أشارت املادة ‪ 25‬من العهد الدولي للحقوق املدينة والسياسية لسنة ‪ 1955‬إلى مبدأ املساواة أمام‬ ‫القانون وحظر التمييز(‪ )38‬في التمتع باحلماية القانونية(‪ .)39‬وأيضا ً ميكن لكبار السن االستفادة من جملة‬ ‫احلقوق الواردة في العهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة ‪ 1955‬وبالذات ما‬ ‫يرتبط منها على نحو وثيق بالتحديات التي تواجههم مثل كفالة احلق في فرصة العمل بحرية كاملة‬ ‫في إطار رروف عمل عادلة ومرضية(‪ )40‬واحلق في التمتع بالضمان والتأمينات االجتماعية(‪ ،)41‬واالعتراف‬ ‫بحقهم في مستوى معاشي مناسب لهم وألسرهم(‪ .)42‬والبد من أن التمتع بأعلى مستوى من الصحة‬ ‫اجلسمانية والعقلية والتدابير التي تصون حتقيق ذلك تأتي على طليعة احلقوق التي أقرها العهد وتعتبر‬ ‫ضرورية لهذه الفئة العمرية(‪.)43‬‬ ‫ثانيا‪ :‬أوردت بعض االتفاقيات املعنية بحقوق اإلنسان نصوصا صريحة تشير إلى عنصر السن‪ ،‬وخاصة‬ ‫التي تؤكد منها على حظر التمييز في التمتع باحلقوق الواردة فيها؛ فعلى سبيل املثال تضمنت اتفاقية‬ ‫القضاء على التمييز ضد املرأة لسنة ‪ 1979‬إحالة إلى عنصر الشيخوخة فيما يتعلق بالقضاء على‬ ‫التمييز ضد املسنات في التمتع باحلق في الضمان االجتماعي عند تعدادها للحاالت املشمولة بهذا‬ ‫احلق(‪ .)44‬وكذلك فعلت اتفاقية حماية حقوق جميع العمال املهاجرين وأفراد أسرهم لسنة ‪ 1990‬في‬ ‫املادة ‪ 7‬منها(‪.)45‬‬ ‫وكرست اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة لسنة ‪ 2005‬نصوصا عديدة أكدت فيها على‬ ‫ضمان بعض احلقوق ذات األهمية اخلاصة للمعاقني من املسنني كما جاء مثال في املادة ‪ 26‬منها التي‬ ‫طالبت الدول األطراف بتوفير أعلى مستوى من اخلدمات الصحية دون متييز‪ ،‬وأتت على ذكر فئة كبار‬ ‫السن في الفقرة (ب) منها(‪ ،)46‬وكذلك احلال مع املادة ‪ 29‬التي حتدثت عن توفير املستوى املعاشي الالئق‬

‫(‪ -(38‬ويقصد بحظر التمييز أي اسعتثناء أو تقييعد أو تفضعيل يقعوم علعى أسعاس الععرق أو اللعون أو النسعب أو األصعل‬ ‫القومي‪...‬الخ يهدف أو يؤدي إلى تعطيل أو عرقلة االعتراف أو التمتع أو ممارسة حقوق اإلنسان وحرياته األساسية على قدم‬ ‫املساواة في كافة امليادين السياسية أو االقتصادية أو االجتماعية أو الثقافية أو غيرهعا‪ ،‬ينظعر‪ :‬املعادة ‪/1‬ف‪ 1‬معن اتفاقيعة‬ ‫القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لسنة ‪.1956‬‬ ‫(‪ -(39‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 25‬من العهد الدولي للحقوق املدينة والسياسية لعام ‪ .1955‬وعلى هذا الغعرار نصعت املعادة ‪/2‬ف‪ 1‬معن‬ ‫العهد نفسه إلى تعهد كل دولة باحترام احلقوق الواردة في العهد وكفالة توفيرها جلميع األفراد دون متييز وألي سبب كعان‬ ‫ويقابل ذلك املادة ‪/20‬ف‪ 2‬من العهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لعام ‪.1955‬‬ ‫(‪ -)40‬ينظر‪ :‬املادتني ‪ 5،7‬من العهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لعام ‪.1955‬‬ ‫(‪ -)41‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 9‬من العهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لعام ‪.1955‬‬ ‫(‪ -(42‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 11‬من العهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لعام ‪.1955‬‬ ‫(‪ -(43‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 12‬من العهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لعام ‪1995‬؛ ينظر الدراسة املوضعوعية‬ ‫يشان أعمال حق املسنني في الصحة‪ ،....‬الوثيقة (‪ ،)A/HRC/18/37‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫(‪ -)44‬ينظر‪ :‬املادة ‪/11‬أ‪ -‬هع من اتفاقية القضاء على التمييز ضد املرأة لسنة ‪.1979‬‬ ‫(‪ -)45‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 7‬من اتفاقية حماية حقوق جميع العمال املهاجرين وأفراد أسرهم لسنة ‪.1990‬‬ ‫(‪ -)46‬ينظر‪ :‬املادة ‪/26‬ف (ب) من اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة لسنة ‪.2005‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪339‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬ ‫واحلق في احلماية االجتماعية(‪ .)47‬ومن اجلدير بالذكر أن املعاقني املسنني ميكنهم االستفادة من مواد أخرى‬ ‫أوردتها االتفاقية كاملادة ‪ 13‬التي كفلت للمعاقني إمكانية اللجوء إلى القضاء على قدم املساواة وتوفير‬ ‫التيسيرات اإلجرائية التي تتناسب مع أعمارهم(‪.)48‬‬ ‫ثالثا‪ :‬وعلى صعيد اتفاقيات املنظمات اإلقليمية وردت في ميثاق احلقوق األساسية لالحتاد األوربي لسنة‬ ‫‪ 2000‬نصوص بينة تقر بحقوق كبار السن كما في املادة ‪ 26‬التي نصت على احترام حقهم في احلياة‬ ‫الكرمية واملستقلة واملشاركة في اجلوانب االجتماعية والثقافية(‪ ،)49‬وأيضا ً املادة ‪ 34‬التي أقر فيها االحتاد‬ ‫ملواطنيه احلق في إعانات الضمان االجتماعي ذاكرا ً الشيخوخة من ضمن احلاالت التي تشملها آليات‬ ‫وبرامج احلماية واخلدمات االجتماعية(‪ .)50‬وكحال االتفاقيات الدولية املعنية بحقوق اإلنسان أشار امليثاق‬ ‫إلى مبدأ املساواة أمام القانون(‪ )51‬وعدم التمييز القائم على أي سبب ناصا على عنصر السن من ضمن‬ ‫العناصر األخرى التي يحظر التمييز بسببها(‪ .)52‬كما ذكر امليثاق العربي حلقوق اإلنسان املعتمد لسنة‬ ‫‪( 2004‬النافذ في عام ‪ )2009‬في املادة ‪/33‬ف‪ 2‬الشيخوخة ضمن الفئات التي تكفل الدولة واجملتمع توفير‬ ‫(‪)53‬‬

‫احلماية والرعاية األزمة لها‬

‫وألزمت املادة ‪/41‬ف‪ 5‬الدول األطراف بوضع اآلليات الكفيلة بتحقيق‬

‫التعلم املستمر مدى احلياة لكل مواطنيها وعلى وجه اخلصوص وضع خطة وطنية لتعليم كبار‬ ‫السن(‪.)54‬‬ ‫رابعا‪ :‬وعلى صعيد القانون الدولي اإلنساني راعت اتفاقيعة جنيعف الرابععة بشعان حمايعة األشعخاص‬ ‫املدنيني في وقت احلرب لسنة ‪ 1949‬حالة العجزة لتشمل املسنني وغيرهم‪ ،‬وكرست مواد كثيرة حلماية‬ ‫حقوقهم أو لتوفيرها لهم في أوقات النزاعات املسلحة أو االحتالل؛ فعلى سبيل املثال ذكعرت املعادة ‪15‬‬ ‫العجزة من ضمن طوائف األفراد التي أوردتها لتوفير حماية واحترام خاصني لهم قد يكون منهم من هو‬ ‫من فئة كبار السن‪ ،‬وأوجبت منح التسعهيالت الالزمعة لعنقلهم معن املنعاطق امحماصعرة أو املطوقعة(‪،)55‬‬ ‫(‪ -(47‬ينظر‪ :‬املادة ‪ /29‬فقرة ‪/2‬ب من اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة لسنة ‪.2005‬‬ ‫(‪ -(48‬ينظر‪ :‬املادة ‪/13‬ف ‪ 1‬من اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة لسنة ‪ .2005‬وميكن أن نشعير إلعى أحكعام أخعرى فعي‬ ‫االتفاقية يستطيع املسنون من املعاقني االستفادة منها كاملادة ‪ 12‬التي تعترف بحقهم في املساواة أمام القعانون‪ ،‬واملعادة‬ ‫‪ 19‬التي أقرت له م بالتمتع بالعيش املستقل واالندماج في اجملتمع على قدم املساواة بغيعرهم واملعادة ‪ 20‬اخلاصعة باتخعاذ‬ ‫التدابير الفعالة لضمان حرية التنقل‪ ،‬وأيضا املادة ‪ 25‬اخلاصة بتوفير خدمات التأهيل وإعادة التأهيل‪.‬‬ ‫(‪ -)49‬املادة ‪ 26‬من ميثاق احلقوق األساسية لالحتاد األوربي لسنة ‪.2000‬‬ ‫(‪ -(50‬ينظر املادة ‪/34‬ف ‪ 1‬من ميثاق احلقوق األساسية لالحتاد األوربي لسنة ‪.2000‬‬ ‫(‪ -(51‬املادة ‪ 20‬من ميثاق احلقوق األساسية لالحتاد األوربي لسنة ‪.2000‬‬ ‫(‪ -(52‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 21‬من ميثاق احلقوق األساسية لالحتاد األوربي لسنة ‪ .2000‬وميكننا اإلشارة إلى نصعوص أخعرى فعي هعذا‬ ‫الصدد يسعتطيع كبعار السعن االسعتفادة منهعا كاملعادة (‪ )1/33‬حعول تتمتعع األسعرة باحلمايعة القانونيعة واالقتصعادية‬ ‫واالجتماعية واملادة ‪ 36‬املعنية بحق احلصول على الرعاية الصحية وغيرها‪.‬‬ ‫(‪ -)53‬ينظر‪ :‬املادة ‪/33‬ف‪ 2‬من امليثاق العربي حلقوق اإلنسان لسنة ‪.2004‬‬ ‫(‪ -)54‬ينظر‪ :‬املادة ‪/41‬ف‪ 5‬من امليثاق العربي حلقوق اإلنسان لسنة ‪.2004‬‬ ‫(‪ -(55‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 17-15‬من اتفاقية جنيف الرابعة بشان حماية األشخاص املدنني في وقت احلرب لسنة ‪.1949‬‬ ‫‪340‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬ ‫وحظرت الهجوم على املستشفيات املدنية التي تقدم الرعاية لهم(‪ ،)56‬وألزمت بتوفير احلمايعة ملعورفي‬ ‫هذه املستشفيات املكلفني بالبحث عن العجعزة معن املسعععنني وغيعرهم لغعرض جمعهعم ونقلهعم‬ ‫ومعاجلتهم(‪ )57‬وكذلك تأمعني وحمايعة عمليات نقلهم برا ً وبحرا ً وجعوا ً وحتعر الهجعوم عليهعا(‪ .)58‬هعذا‬ ‫وألزمت االتفاقية أطراف النزاع بتسهيل أعمال البحث التي يقوم بها أفعراد الععائالت املشعتتة بسعبب‬ ‫احلرب لغرض تنظيم االتصال فيما بينهم وجمع شملهم(‪ )59‬مما ميكن معه أن يشمل فئعة كبعار السعن‬ ‫الذين يتركون أو يهمشون عند النزاع ألسباب عديدة منها عدم قدرتهم على الرحيل أو الهرب‪ )60(،‬وذكرت‬ ‫االتفاقية العجزة ضمن فئات املعتقلني املستحقني لإلعانات اخملصصة لهم والتي يجب توزيعها بشكل‬ ‫متساو ودون متييز(‪ ،)61‬وأيضا ً منعت نقلهم من مكان إلى آخر ما دمت الرحلة تعرض صحتهم للخطر‪ ،‬إال‬ ‫ٍ‬

‫إذا كانت سالمتهم حتتم انتقالهم(‪ .)62‬وعلى ذات املنوال أوجبت اتفاقية جنيف الثالثعة ملعاملعة أسعرى‬ ‫احلرب منح تسهيالت خاصة لرعاية العجزة وغيرهم معن أسعرى احلعرب وبوجعه خعاص معن أجعل إععادة‬ ‫تأهيلهم حلني عودتهم إلى أوطانهم(‪.)63‬‬ ‫باالستناد إلى ما تقدم ميكن طر التساؤل التالي ‪ :‬هل تكفي النصوص التي عرضعنا لهعا فعي‬ ‫تعزيز وحماية حقوق كبار السن؟ وهل تعمل الوثائق املذكورة على سد الفجوة والعنقص بحيعث جتععل‬ ‫أحكامها فيما يخص املسنني تفي بالغرض وتغني عن وثائق ومرجعيعات أخعرى خصوصعا إذا علمنعا أن‬ ‫لهذه املرحلة متطلبات خاصة واحتياجات عمرية ذات أهمية بالغة كما مر معنا سابقا عند احلديث عن‬ ‫مشاكل كبار السن؟‪.‬‬ ‫إذا كانت حق وق كبار السن مؤمنة بشكل عام من خالل القواعد الدولية حلقوق اإلنسان والتعي‬ ‫تقوم بحمايتها أيضا ً وفق اآلليات اخملصصة لها‪ ،‬إال أن ذلك ال يعتبر كافيا حيث لعم تشعر الكثيعر منهعا‬ ‫حلقوق كبار السن بشكل مباشر‪ ،‬وهي أن أوردتها في بعض نصوصها إال أنها جاءت بصورة مبعثرة غيعر‬

‫ت املعاهدات اإلقليمية اخلاصة بحقوق اإلنسان على معا يتصعل باملوضعوع بشعكل‬ ‫منهجية‪ ،‬كما لم تأ ِ‬ ‫(‪ -(56‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 19‬من اتفاقية جنيف الرابعة بشان حماية األشخاص املعدنني فعي وقعت احلعرب لسعنة ‪1949‬؛ ينظعر‪ :‬د‪.‬‬ ‫سهيل حسني الفتالوي‪ ،‬مبادئ القانون الدولي االنساني في حماية املدن واملدنيني واالهداف املدنية‪ ،‬مكتبة الفكعر العربعي‬ ‫للنشر والتوزيع‪ ،‬بغداد‪ ،1990 ،‬ص ‪.119-119‬‬ ‫(‪ -)57‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 20‬من اتفاقية جنيف الرابعة بشان حماية األشخاص املدنني في وقت احلرب لسنة ‪.1949‬‬ ‫(‪ -(58‬ينظر‪ :‬املادتني ‪ 21،22‬من اتفاقية جنيف الرابعة بشان حماية األشخاص املدنني في وقت احلرب لسنة ‪.1949‬‬ ‫(‪ -)59‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 25‬من اتفاقية جنيف الرابعة بشان حماية األشخاص املدنني في وقت احلرب لسنة ‪1949‬؛ ينظر‪ :‬د‪ .‬احمد‬ ‫ابو الوفا‪ ،‬النظرية العامة للقانون الدولي االنساني( في القانون الدولي وفي الشريعة االسالمية)‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫دار النهضة العربية‪ ،2005 ،‬ص‪.69‬‬ ‫(‪ -)60‬ينظععر‪ :‬توصععيات العمععل املقترحععة الععواردة فععي إسععتراتيجية العمععل الدوليععة للشععيخوخة لعععام ‪ ،2002‬الوثيقععة‬ ‫(‪ ،2001 ،)E/CN.5/2001/PC/L.9‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬ ‫(‪ -(61‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 99‬من اتفاقية جنيف الرابعة بشان حماية األشخاص املدنيني في وقت احلرب لسنة ‪.1949‬‬ ‫(‪ -)62‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 127‬من اتفاقية جنيف الرابعة بشان حماية األشخاص املدنيني في وقت احلرب لسنة ‪.1949‬‬ ‫(‪ -)63‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 30‬من اتفاقية جنيف الثالثة بشان حماية األشخاص املدنيني في وقت احلرب لسنة ‪.1949‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪341‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫مباشر( باستثناء امليثاق األوربي)‪ ،‬وعلى العموم فإنه مع تضمينها واعترافها بحقوق كبار السعن جعاءت‬ ‫الصياغة في املرجعيات املذكورة وغيرها بشكل ععام ومعرن ولعم تتنعاول هعذه احلقعوق بشعكل شعامل‬ ‫ومفصل(‪.)64‬‬ ‫وعلى أية حال فإنه يحق لكبار السن من حيث األصل االستفادة من االتفاقيات الدولية العامعة‬ ‫حلقوق اإلنسان بجميع نصوصها وأحكامها باعتبارهم من فئات األشخاص املشمولة مبراعاة حقوقهم‪،‬‬ ‫عالوة على ذلك فإننا اشرنا ألمثلة من نصوص في هذه االتفاقيات تنطبق بصعورة صعريحة علعى كبعار‬ ‫السن‪ ،‬أو تشملهم مع فئات أخرى بأحكامها‪ ،‬أو تطبق عليهم استنادا ً إلى مضعمونها لكونهعا حتتعوي‬ ‫على حقوق تعنيهم بشكل مباشر‪ ،‬أو ذات أهمية خاصة لهم‪.‬‬ ‫ولعل أهم ما ميكن أن نسجله في هعذا الصعدد هعو معا مييعز املرجعيعات املعذكورة معن ناحيعة‬ ‫إلزاميتها ووجوب تطبيقها على الدول األطراف التي يجب عليها أن تعمل بأحكامها وتضععها موضعع‬ ‫التنفيذ والتطبيق‪ ،‬على عكس الوثائق الدولية اخلاصة لكبار السن التي سنأتي على ذكرها في املطالب‬ ‫التالية‪ ،‬ذات الطابع اإلطاري وتخلو من صفة اإللزام وان كانت الدول املعنية حتتعرم بنودهعا معن الناحيعة‬ ‫األدبية وتسترشد مبعاييرها وتعمل على تضمينها في تشريعاتها وبرامجها الوطنية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬ ‫مبادئ األ املتحدة لكبار السن لسنة ‪ 1991‬وإعالنها العاملي للشيخوخة لسنة ‪1992‬‬ ‫أخذت األ املتحدة على عاتقها العمل على تقرير وصياغة احلقوق اخلاصة بكبار السن خصوصا‬ ‫خالل العقد األخير من القرن املنصرم‪ ،‬فقامت بإصدار وثائق دولية عديدة كرست وعززت فيها حقوق هذه‬ ‫الشريحة إميانا ً منها بأهمية العمل على رفعع وضععها املعاشعي والسععي نحعو إتاحعة الفرصعة لهعا‬ ‫للمشاركة في تنمية اجملتمع ورقيه باعتبارهعم حلقة وصل بني األجيال السابقة والالحقعة‪ ،‬وسعنتناول‬ ‫ابرز الوثائق املقررة في هذا الصدد في فرعني‪ ،‬نتناول في األول مبادئ األ املتحعدة اخلاصعة بكبعار السعن‬ ‫لسنة ‪ ،1991‬ونتعرض في الفرع الثاني إلعالنها العاملي حول الشيخوخة لعام ‪.1992‬‬

‫الفرع األول‬ ‫مبادئ األ املتحدة لكبار السن لسنة ‪1991‬‬ ‫في خضم استعدادات املنظمة لالحتفال بالذكرى السنوية العاشرة النعقاد اجلمعية العاملية‬ ‫األولى للشيخوخة عام ‪ 1992‬أبدت اجلمعية العامة رغبتها في وضع برنامج عمل يتعلق بالشيخوخة‬ ‫للفترة من سنة ‪ 1992‬وما بعدها‪ ،‬ودعت األطراف الفاعلة إلى النظر في أيجاد طرق مبتكرة وفعالة‬ ‫للتعاون على اختيار األهداف في مجال الشيخوخة وحقوقها خالل عامي‪ 1992 -1991‬حيث أقرت‬ ‫اجلمعية مبادئ أساسية هامة لكبار السن لغرض حث احلكومات على االسترشاد بها وإدماجها في‬ ‫(‪ -)64‬دعم حقوق كبار السن‪ :‬نحو معاهدة لأل املتحدة تتعلق بحقوق كبار السن‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.9 ،7‬‬ ‫‪342‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫برامجها الوطنية إميانا ً منها باحلاجة إلى وجود أساس مشترك وإطار مرجعي من اجل حماية وتعزيز‬ ‫حقوق كبار السن واعترافا ً منها باملساهمة التي ميكن أن يقدمها املسنون في مجتمعاتهم(‪ )65‬خصوصا‬ ‫مع ازدياد أعدادهم واالرتفاع الكبير الذي طرأ على متوسط عمر الفرد‪ ،‬ناهيك عن تصاعد الضغو على‬ ‫احلياة األسرية وامحمنة التي يعانيها كبار السن نتيجة لفقدانهم حقوقهم أو عدم حصولهم عليها‬ ‫بشكل صحيح في البلدان املعنية‪ ،‬خصوصا ً النامية منها‪ ،‬ال بل حتى املتقدمة ألجل (إضفاء احلياة على‬ ‫السنني التي أضيفت إلى احلياة) ليكون األخير شعارا ً ونبراسا ً تسترشد به املنظمة في هذا املضمار(‪.)66‬‬ ‫وتتوزع مبادئ األ املتحدة لكبار السن الثمانية عشر على خمسة أقسام رئيسية ترتبط بشكل‬ ‫وثيق باحلقوق املعترف بها لهم وهي ‪-:‬‬ ‫‪ -1‬مبدأ االستقاللية‪ :‬ويشمل حق كبار السن في احلصول على ما يكفي من الغذاء واملاء واملأوى‬ ‫وامللبس والرعاية الصحية وأن يتوفر لهم دعم أسري ومجتمعي حلقوقهم هذه‪ ،‬مع ضرورة ضمان مصدر‬ ‫للدخل يتمثل في توفير فرص عمل مناسبة لهم‪ ،‬وباختيارهم‪ ،‬وإتاحة امكانية االنسحاب منه‪ ،‬مع تقرير‬ ‫االستفادة من برامج التعليم والتدريب املالئمة والعمل على جعل البيئات التي يعيشون فيها مأمونة‬ ‫وقابلة للتكيف مع ما يفضلونه وتتالءم مع قدراتهم الذاتية(‪.)67‬‬ ‫‪ -2‬مبدأ املشاركة‪ :‬وتعني أن يظل كبار السن مندمجني في اجملتمع‪ ،‬وأن يشاركوا في صوغ وتنفيذ‬ ‫السياسات املؤثرة في رفاههم وان يقدموا لألجيال الشابة معارفهم ومهاراتهم‪ .‬وينبغي متكينهم من‬ ‫خدمة مجتمعاتهم امحملية والتطوع في أعمال تناسب اهتماماتهم وقدراتهم ومتكينهم من تشكيل‬ ‫اجلمعيات اخلاصة بهم(‪.)68‬‬ ‫‪ -3‬مبدأ الرعاية‪ :‬ويهدف هذا القسم من مبادئ املنظمة املعلنة إلى استفادة كبار السن من تدابير‬ ‫الرعاية واحلماية املقدمة لألسرة واجملتمع امحملي ووفقا للقيم الثقافية املرعية في كل مجتمع‪ ،‬ووجوب‬ ‫حصولهم كذلك على الرعاية الصحية املناسبة واخلدمات االجتماعية والقانونية‪ ،‬وأن يتا لهم التمتع‬

‫(‪ -(65‬ينظر‪ :‬ديباجة قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 91/45‬لسنة ‪.1991‬‬ ‫(‪ -(66‬ينظر‪ :‬ديباجة مبادئ األ املتحدة لكبار السن لسنة ‪ 1991‬الصادر بالقرار أعاله‪.‬‬ ‫(‪ -(67‬ينظر‪ :‬البنود ‪ 5 -1‬من مبادئ األ املتحدة لكبار السن لسنة ‪.1991‬‬ ‫(‪ -)68‬ينظر‪ :‬البنود ‪ 9 -7‬من مبادئ األ املتحدة لكبار السن لسنة ‪1991‬؛ وللمزيعد أيضعا ينظعر‪ :‬د‪ .‬نصعر العدين االخضعري‪،‬‬ ‫ميثاق حقوق اإلنسان في الوطن العربي بني منطق تدابير احلماية الفئوية وفكعرة عامليعة التعدابير القانونيعة‪ ،‬ورقعة عمعل‬ ‫مقدمة للمؤمتر األكادميي املتعلق مبيثاق حقوق اإلنسان العربي الذي عقد مبدينة الدار البيضاء في اململكة املغربيعة يعومي‬ ‫‪ 2011/11/4-3‬بعدعم مععن الوكالععة السعويدية للتنميععة والتعععاون العدولي‪ ،‬متععا علععى االنترنيعت علععى الععرابط التععالي ‪:‬‬ ‫‪http://www.aahrn.net/content‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪343‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫بحقوق اإلنسان وحرياته األساسية عند إقامتهم في مأوى أو مرفق للرعاية أو العالج‪ ،‬وبشكل يؤمن‬ ‫حتقيق االحترام الكامل لكرامتهم ومعتقداتهم واحتياجاتهم(‪.)69‬‬ ‫‪ -4‬مبدأ حتقيق الذات‪ :‬يتيح هذا املبدأ متكني كبار السن من التماس فرص التنمية الكاملة‬ ‫إلمكانياتهم من خالل إتاحة االستفادة من موارد اجملتمع التعليمية والثقافية والروحية والترويحية(‪.)70‬‬ ‫‪ -6‬مبدأ الكرامة‪ :‬ويقصد به توفير العيش لكبار السن بأمن وكرامة ودون خضوع ألي استغالل‪ ،‬وأن‬ ‫جتري معاملتهم بصورة منصفة دون متييز وألي سبب بصرف النظر عن مدى مساهمتهم االقتصادية(‪.)71‬‬ ‫ومن اجل حتقيق هذه املبادئ وتنفيذها على الصعيد العملي دعت اجلمعية العامة إلى ضرورة‬ ‫توفير الدعم من قبل األطراف العاملة لتعزيز السياسات والبرامج ذات الصلة في اخلطط‬ ‫واالستراتيجيات اإلمنائية الوطنية والدولية والتماس التعاون الدولي لتمكني بعض البلدان النامية من‬ ‫الوفاء بالتزاماتها حيال ذلك(‪.)72‬‬ ‫وبالرغم من أن املبادئ املذكورة غير ملزمة حيث ال تضع أي التزامات قانونية ملزمة على الدول‬ ‫املعنية(‪ )73‬اال أننا من جانبنا نرى أهمية دورها في الدفع قدما ً نحو إحداو التقدم والرقي في واقع حقوق‬ ‫املسنني على املدى البعيد لتشكل بالتالي طموحا للمنظمة تسعى إلى حتقيقه في املستقبل وإن كان‬ ‫ما نفذ منه على الصعيد العملي يبقى محدودا ً ونسبيا ً حيث يتباين من دولة إلى أخرى استنادا إلى‬ ‫إمكانياتها املادية وبيئة مجتمعاتها ورروفها السياسية واالجتماعية ومستوى وعي أفرادها وتقاليدها‬ ‫وأعرافها االجتماعية‪ .‬ونعتقد أن املستقبل يحمل تباشير خير في هذا املوضوع في رل السعي نحو‬ ‫إشاعة حقوق اإلنسان واهتمام الدول برعاية وحماية حقوق مواطنيها على كافة األعمار‪.‬‬

‫(‪ -(69‬ينظر‪ :‬البنود ‪ 14 -10‬من مبادئ األ املتحدة لكبار السن لسنة ‪1991‬؛ ينظر‪ :‬البنعد (‪ )6‬معن املالحظعة رقعم ‪ 5‬لسعنة‬ ‫‪ 1996‬الصادر عن اللجنة املعنية باحلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬الوثيقعة (‪ ،) E/C.12/1995/16/REV.1‬مصعدر‬ ‫سابق‪ ،‬ص ‪.2‬‬ ‫(‪ -(70‬ينظر‪ :‬البندين ‪ 15 -16‬من مبادئ األ املتحدة لكبار السن لسنة ‪.1991‬‬ ‫(‪ -)71‬ينظر‪ :‬البندين ‪ 19 -17‬من مبادئ األ لكبار السن لسنة ‪.1991‬‬ ‫(‪ -)72‬ينظر‪ :‬املادتني ‪ 13 ،3‬من قرار األ املتحدة رقم ‪ 91/45‬لسنة ‪1991‬؛ ينظر‪ :‬د‪ .‬نصر الدين االخضري‪ ،‬ميثاق حقوق اإلنسان‬ ‫في الوطن العربي‪ ،...‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫(‪ -)73‬ينظر‪:‬‬ ‫‪A guide for older people, Your Human Rights, Op-Cit, p.9.‬‬ ‫‪344‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫الفرع الثاني‬ ‫إعالن األ املتحدة للشيخوخة لسنة ‪1992‬‬ ‫أدركت األ املتحدة بان الشيخوخة متثل حتديا ذا شان للمجتمع الدولي وبالذات للحكومات‬ ‫واملنظمات غير احلكومية واجلماعات اخلاصة الناشطة مما يتطلب إحداو تغيير أساسي في األسلوب‬ ‫والتعامل مع املشكلة بوعي وواقعية لضمان التعامل مع احتياجات املسنني والوفاء بها بشكل أمثل‪،‬‬ ‫عبر وضع السياسات وتصميم البرامج وحث األطراف الدولية والوطنية على العمل اجلاد والسريع‬ ‫التخاذ التدابير وتنفيذ املشاريع وجعل الشيخوخة منتجة‪ .‬عليه وفي رل االحتفاالت مبرور عشرة‬ ‫سنوات على انعقاد اجلمعية العاملية األولى للشيخوخة واعتماد خطتها‪ ،‬عقد مؤمتر دولي في الفترة‬ ‫من ‪ 15-16‬تشرين األول ‪ 1992‬تبادل فيه ممثلو الدول إلقاء كلماتهم حول املناسبة واستعرضوا فيه‬ ‫مشروع اإلعالن(‪ )74‬الذي مت اعتماده بقرار اجلمعية العامة رقم ‪ 6/47‬لسنة ‪.)75(1992‬‬ ‫وتضمن اإلعالن شقني؛ األول موجه نحو اجملتمع الدولي والثاني خصص لدعم املبادرات الوطنية‬ ‫ذات الشأن‪ ،‬وسنعرض لهما على النحو التالي ‪:‬‬ ‫‪ -1‬أبرز ما ورد في اإلعالن على صعيد اجملتمع الدولي‪ ،‬حث املنظمة على نشر مبادئ األ املتحدة السالفة‬ ‫الذكر ودعم اجلهود املتواصلة التي تبذل لدعم السياسات العامة في هذا اخلصوص عن طريق حتسني‬ ‫جمع البيانات والبحث والتدريب والتعاون التقني وتبادل املعلومات املتعلقة باملوضوع‪ ،‬والعمل على‬ ‫تامني معاجلة مسألة الشيخوخة في برامج املنظمة نفسها ودعم الشراكات الواسعة النطاق داخلها‪،‬‬ ‫مبا يشمل احلكومات والوكاالت املتخصصة واملنظمات غير احلكومية العاملة والقطاع اخلاص‪ ،‬وكذلك‬ ‫تشجيع البلدان املانحة واملستفيدة على إدماج املسنني في برامجها اإلمنائية والعمل على تركيز‬ ‫األضواء على املوضوع في املناسبات التي ستستجد في املستقبل ضمن مجاالت حقوق اإلنسان‬ ‫واألسرة والسكان وغيرها‪ ،‬ودفع وسائط اإلعالم على أداء دور رئيسي في خلق الوعي بشيخوخة السكان‬ ‫واملسائل ذات الصلة مبا يشمل االحتفال باليوم العاملي للمسنني في ‪ /1‬تشرين األول ( الذي أكد عليه‬ ‫اإلعالن نفسه في البند (ثالثا) منه )‪ .‬كما حث اإلعالن األطراف املعنية على التعاون في مجال البرامج‬ ‫واملشاريع التي تستهدف بلوغ مرحلة الشيخوخة املعافاة مدى احلياة‪ ،‬وتوليد الدخل املناسب لها‬ ‫وجعلها منتجة‪ ،‬وأخيرا ً توفير ما يلزم من موارد بشرية ومادية ( التي اعترفت املنظمة بحاجتها املاسة‬

‫(‪ -(74‬ينظر‪ :‬محضر االجتماع والكلمات التي ألقيت بهذه املناسبة في الوثيقة (‪ )A/47/PV.39‬الصادرة عن اجلمعية العامة‬ ‫املؤرخة في ‪ 17‬تشرين الثاني ‪.1992‬‬ ‫(‪ -)75‬قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 6/47‬لسنة ‪.1992‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪345‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬ ‫(‪)76‬‬

‫لها)‬

‫لغرض حتقيق األهداف املذكورة ونشر الوعي باعتبار الشيخوخة راهرة دميغرافية واجتماعية‬

‫واقتصادية وثقافية(‪.)77‬‬ ‫‪ -2‬أما أهم ما جاء في الشق اخملصص للمبادرات الوطنية املتعلقة بالشيخوخة وفي سياق الثقافات‬ ‫والظروف املتاحة لكل بلد هو الدعوة إلى توسيع ودعم السياسيات التي تعزز دور احلكومة (وقطاع‬ ‫املتطوعني واجلماعات اخلاصة) واعتبارها جزءا ً من االستراتيجيات اإلمنائية الشاملة‪ ،‬والعمل على جعلها‬ ‫تستجيب لالحتياجات والقدرات اخلاصة للمسنني‪ ،‬وتعزيز النظرة إلى كبار السن على أنهم مساهمون‬ ‫في مجتمعاتهم وليسوا عبئا ً عليها وخلق فرص التعاون بني األجيال املسنة والشابة لتحقيق التوازن‬ ‫بني التقليد والتجديد في أطار التنمية وعلى كافة اجملاالت‪ .‬ويراعى تقد الدعم الكافي للمسنات في‬ ‫مساهماتهن التي تلقى عدم االعتراف بها في األمور التي تخص االقتصاد ورفاه اجملتمع مع تشجيع‬ ‫الرجال من املسنني أيضا ً على تطوير القدرات االجتماعية والثقافية والعاطفية التي رمبا يكونون قد‬ ‫منعوا من تطويرها في سنوات كسبهم للعيش‪ .‬ويقتضي تقد الدعم لألسر في توفير الرعاية‬ ‫وتشجيع جميع أفرادها على التعاون في هذه املبادئ وما يتطلبه ذلك من تعاون السلطات امحملية ودوائر‬ ‫األعمال والرابطات املدنية وجهات أخرى مع كبار السن في استكشاف سبل جديدة للحفاظ على‬ ‫التكامل العمري في األسرة واجملتمع الذي توجد فيه‪ .‬وينبغي مشاركة املسنني في وضع وتنفيذ البرامج‬ ‫اخلاصة ونشر الوعي بذلك في اجملتمعات امحملية وتعزيز مشاركتها مع التركيز على الفرص امللموسة‬ ‫وليس على أهداف مستحبة ال ميكن بلوغها واحلرص على جعل متخذي القرارات والباحثني يضطلعون‬ ‫بدراسات عملية املنحى(‪ .)78‬هذا مع تنمية شعور الدول املعنية باملسؤولية جتاه املشكلة‪ ،‬والعمل على‬ ‫اتخاذ إجراءات ملموسة‪ ،‬ومتابعة تنفيذها سواء أكان على الصعيد الدولي أو الوطني‪ ،‬حيث اعترف‬ ‫املعنيون أن ما حتقق في هذا النطاق لم يكن مثيرا لإلعجاب !! وكان بطيئا للغاية(‪.)79‬‬

‫(‪ -)76‬أعربت اجلمعية العامة في ديباجة قرارها املرقم ‪ 105/46‬عن قلقها املتنعامي معن ضععف املعوارد اخملصصعة لبعرامج‬ ‫املنظمة في هذا الشأن وتناقص التبرعات املقدمة إلى الصندوق االستئماني للشيخوخة ( الذي سنأتي على بيانه الحقا )‬ ‫مما يؤدي إلى إضعاف تنفيذ اخلطط واملشاريع الرامية ضمن خطة العمل الدولية املوضوعة لتحسني أحعوال الشعيخوخة‪،‬‬ ‫ينظر‪ :‬ديباجة قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 105/46‬لسنة ‪.1990‬‬ ‫(‪ -)77‬ينظر‪ :‬البند (‪ )1‬من إعالن األ املتحدة للشيخوخة لعام ‪.1992‬‬ ‫(‪ -)78‬ينظر‪ :‬البند ( ‪ ) 2‬من إعالن األ املتحدة للشيخوخة لعام ‪ .1992‬وأيضا ينظر‪ :‬البند ( ‪ ) 7‬من املالحظة رقعم ‪ 5‬لسعنة‬ ‫‪ 1996‬الصادر عن اللجنة املعنية باحلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافيعة‪ ،‬الوثيقعة (‪ ،)E/C.12/1995/16/REV.1‬مصعدر‬ ‫سابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬ ‫(‪ -)79‬ينظر‪ :‬كلمة السيد (هايس) رئيس جلسة االحتفعال بالعذكرى السعنوية العاشعرة العتمعاد خطعة العمعل الدوليعة‬ ‫للشيخوخة الواردة في الوثيقة(‪ ،)A/47/PV.39‬الصادرة عن اجلمعية العامة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬ ‫‪346‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫املطلب الثالث‬ ‫األهداف العاملية للشيخوخة لسنة ‪ 1992‬وإعالن مدريد السياسي لعام ‪2002‬‬ ‫نتيجة ملا القته اخلطط والسياسات املوضوعة من قبل األ املتحدة من إهمال وسوء تطبيق‬ ‫سعت املنظمة في إطار جهودها الرامية لتحقيق أهدافها بشأن الشيخوخة نحو وضع إستراتيجية‬ ‫عملية شاملة‪ ،‬أطلق عليها األهداف العاملية للشيخوخة لسنة‪ 1992‬وحتى سنة‪ ،2001‬ولم يتوقف‬ ‫نشا املنظمة عند ذلك بل واصلت االهتمام بوضع املشاريع واخلطط واعتماد اإلعالنات والقرارات ذات‬ ‫الصلة‪ ،‬فعند انعقاد اجلمعية العاملية الثانية للشيخوخة في مدريد ‪ 12 -9‬نيسان ‪ 2002‬صعدر عنها‬ ‫إعالن سياسي وخطة عمل ثانية حلقبة أخرى‪ ،‬وتضمن اإلعالن توصيات وتعهدات من الدول املشاركة‬ ‫باتخاذ إجراءات على الصعيد الدولي والوطني في سبيل إحقاق حقوق املسنني وجعل الشيخوخة‬ ‫نشطة‪ .‬وسنعرض في هذا املطلب لألهداف العاملية للشيخوخة في الفرع األول‪ ،‬ونتناول في الفرع‬ ‫الثاني مضامني إعالن مدريد السياسي لسنة ‪.2002‬‬

‫الفرع األول‬ ‫األهداف العاملية للشيخوخة لسنة ‪1992‬‬ ‫بعد جهود مضنية ودعوات متكررة من قبل األ املتحدة لإلسراع في وضع مجموعة من‬ ‫(‪)80‬‬

‫األهداف‬

‫ذات النهج العملي التطبيقي ألجل التماس الفرص من اجل تنفيذ خطة العمل الدولية‬

‫األولى التي أقرت في مؤمتر فينا األول للشيخوخة وبعد جلسات عديدة تقرر اعتماد ثمانية أهداف عاملية‬ ‫للشيخوخة مع حتديد خطوات تنفيذها حتى نهاية سنة ‪ 2001‬كما أحلق بها دليل مقتضب يخص‬ ‫األهداف الوطنية في هذا اجملال تضمن مجموعة من اخليارات تنتقي منها الدول األعضاء الهدف‬ ‫املناسب لها حسب قدراتها ومستوى تقاليدها وقيمها لغرض حتسني أحول كبار السن وحقوقهم‪.‬‬ ‫ويتضمن كل هدف عاملي الغرض منه‪ ،‬وخطوات تنفيذه‪ ،‬والكيانات املعنية بالتنفيذ الوطنية منها‬ ‫والدولية‪ ،‬ومن ثم الكيفية التي يتم بها تعبئة املوارد الالزمة للتنفيذ وآلية التقييم لكل هدف‪ ،‬ونظرا ً‬ ‫التساع املوضوع وصعوبة اإلحاطة به‪ ،‬سنعرض لألهداف والغرض منها وسنترك الفقرات األخرى‬ ‫لالستزادة منها من قبل الباحثني‪ .‬وتتجسد هذه األهداف في ‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقد الدعم إلى الهيئات الوطنية ( احلكومات ) بناء على طلبها لوضع األهداف الوطنية بشان‬ ‫الشيخوخة مبا يشمل توسيع نطاق املبادالت الدولية واملشاريع املشتركة وحتسني نقل املعونة واملهارات‬ ‫والتكنولوجيات فيما يؤمل أن تكون أغلبية الدول املعنية قد حددت األهداف بحلول عام ‪.2002‬‬ ‫‪ -2‬توليد الدعم إلدماج املسنني في اخلطط والبرامج اإلمنائية الوطنية والدولية والعمل على ضمان حصول‬ ‫البلدان املعنية على مشورة اخلبراء واملساعدة من الوكاالت الدولية ذات العالقة‪.‬‬ ‫(‪ -)80‬ينظر‪ :‬البنود ‪ 4 -1‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 91 /45‬لسنة ‪ 1991‬؛ والبنعد ‪ 6-2‬معن قعرار اجلمعيعة العامعة رقعم‬ ‫‪ 94/45‬الصادر في ‪ 15‬كانون األول ‪1991‬؛ والبنود ‪ 5 -3‬من قرارها رقم ‪ 105/46‬لسنة ‪.1990‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪347‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫‪ -3‬تقد الدعم للبرامج اجملتمعية اخلاصة بالرعاية ومشاركة كبار السن فيها عبر دعم اجملتمعات امحملية‬ ‫التي تعتبر جزءا من اآلليات الوطنية املعنية بالشيخوخة‪ ،‬وتطوير اخلدمات والبرامج التي يكون فيها‬ ‫املسنون أصحاب أدوار وقرار ومستفيدين منها على حد سواء‪.‬‬ ‫‪ -4‬حتسني البحوو الشاملة لعدة بلدان وال سيما النامية منها مبا في ذلك حتديد وتشجيع اجلهود الرامية‬ ‫إلى املواءمة بني املصطلحات واملنهجيات املتعلقة بالشيخوخة‪.‬‬ ‫‪ -6‬إدراج بند عن الشيخوخة وما يتصل بها في األحداو واالجتماعات الدولية ذات الصلة لغرض زيادة‬ ‫الوعي بآثار شيخوخة السكان وضرورة توعية األفراد حول إعداد العدة طول احلياة‪ ،‬واالستعداد لفترة‬ ‫الشيخوخة والتأكيد على أهمية األدوار املتنوعة التي ميكن أن يضطلع بها كبار السن في اجملتمع‪.‬‬ ‫‪ -5‬إنشاء شبكة عاملية للمتطوعني من كبار السن‪ ،‬من اجل حتقيق التنمية االجتماعية واالقتصادية‬ ‫بهدف االستعانة بحكمة ومهارات كبار السن املتراكمة وتوجيهها دعما للبرامج املوضوعة من قبل‬ ‫األ املتحدة لرعاية حقوقهم في مجاالت التنمية والبيئة والسلم‪.‬‬ ‫‪ -7‬توثيق التعاون بني املنظمات غير احلكومية املعنية بالشيخوخة وجتميع املوارد املتاحة للوصول إلى‬ ‫األهداف اخملتارة والعمل على دمج االستراتيجيات املستهدفة واملوضوعة من قبلها مبا يحقق ويعزز‬ ‫فعالية التكاليف وإنتاجيتها في أنشطة هذه املنظمات‪.‬‬ ‫‪ -9‬تيسير زيادة التعاون والتفاعل بني األ املتحدة واملنظمات والهيئات احلكومية الدولية بشان‬ ‫االستراتيجيات املستهدفة خصوصا على صعيد الوكاالت املتخصصة(‪.)81‬‬ ‫ويظهر مما سبق التركيز بشكل كبير على حتقيق التعاون الدولي باعتباره أمرا أساسيا لبلوغ‬ ‫األهداف املذكورة واالهتمام مببدأ تفعيل مشاركة كبار السن في مجتمعاتهم‪ ،‬ويوجز تقرير األمني العام‬ ‫األغراض النهائية من هذه األهداف في دعم االستجابات الوطنية لشيخوخة السكان‪ ،‬وضمان وجود‬ ‫مجتمع متكامل عمريا‪ ،‬والعمل على تهيئه بيئه يتا فيها لكبار السن التعبير الكامل عن مواهبهم‬ ‫وتلبية احتياجاتهم‪ ،‬مؤكدا انه عندما يكون املسنون نشطني ويقدمون مساهماتهم للمجتمع فان‬ ‫الفئات العمرية األصغر ستعرف أن مستقبلها سيكون مشرقا‪ ،‬ويرى أنه من املؤمل أن تكون هذه‬ ‫األهداف أداة مفيدة وإيذانا بعصر جديد لكبار السن(‪.)82‬‬ ‫وعلى صعيد األهداف الوطنية التي مت إعدادها ملساعدة الدول األعضاء في وضع األهداف‬ ‫والبرامج اخلاصة بها والتي تنتقي ما يتناسب منها وفق احتياجاتها وقدراتها‪ ،‬حيث تدعو احلكومات‬ ‫بدورها إلى وضع األهداف الوطنية وتعزيز حقوق كبار السن وتنشئ وكالة خاصة للتنفيذ واملراقبة‪ .‬كما‬ ‫(‪ -)81‬للمزيد حول هذه األهداف وخطوات التنفيذ والتقييم ينظر‪ :‬تقرير األمني الععام املعنعون بعع (التنميعة االجتماعيعة ‪:‬‬ ‫املسائل املتعلقة باحلالة االجتماعيعة فعي الععالم وبالشعباب واملسعنني واملععوقني واألسعرة) أهعداف عامليعة فعي مجعال‬ ‫الشيخوخة لسنة ‪ 2001‬إستراتيجية عملية‪ ،‬الصادر بوثيقة اجلمعية العامة (‪ ،)A/47/339‬املؤرخة في ‪ 10‬أيلعول ‪ ،1992‬ص‬ ‫‪.22 -5‬‬ ‫(‪ -(82‬البند (‪ )10‬من املصدر أعاله‪ ،‬ص ‪.6‬‬ ‫‪348‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫تقوم بإبالغ مركز التنمية االجتماعية والشؤون اإلنسانية التابع لأل املتحدة (وهو اجلهاز املسئول عن‬ ‫تنسيق البرامج واملشاريع بشان كبار السن) وسيتولى األخير نشر املعلومات عن وضع األهداف الوطنية‬ ‫وتضمني ذلك في تقاريره املقدمة إلى املنظمة ومنها االستعراضات التي جتري كل أربع سنوات لتقييم‬ ‫تنفيذ خطة العمل الدولية للشيخوخة(‪.)83‬‬ ‫ونظرا لسعة هذه األهداف ذات الطابع التنفيذي سنعرض باختصار ألهمها وكما يأتي ‪:‬‬ ‫‌أ‪ -‬األهداف املتعلقة بالهياكل األساسية الوطنية‪ :‬التي تعتبر الركيزة األساسية لتعزيز حقوق هذه‬ ‫الشريحة‪ ،‬ويتحقق ذلك عبر تعزيز وإنشاء آلية تنسيق وطنية ( هيئة تعينها احلكومات لوضع‬ ‫االستراتيجيات الوطنية)‪ ،‬وتشجيع إنشاء منظمات لكبار السن وتعزيز فعالية أدائها كإنشاء مجلس‬ ‫وطني أو فرق للمتطوعني من املسنني وغيرها‪ ،‬وإدماج مسائل الشيخوخة في خطط التنمية الوطنية‬ ‫بكافة جوانبها‪ ،‬والعمل على إقامة أنشطة وطنية للتعليم والتدريب والبحث في مجال الشيخوخة مبا‬ ‫يشمل وضع قاعدة بيانات خاصة بهم وإصدار دليل وطني للمنظمات املعنية بالشيخوخة ونشر‬ ‫التقارير بشان ذلك‪ ،‬وأخيرا ً إنشاء آليات لدراسة وتعديل التشريعات واملمارسات القائمة بخصوص كبار‬ ‫السن وخاصة فيما يتعلق بأوجه التمييز واإلهمال الذي يالقيه املنسون‪.‬‬ ‫ب‪ -‬األهداف املتعلقة بتحسني الصحة والتغذية‪ :‬عبر شن حملة للتوعية بشان توفير الصحة لفترة‬ ‫‌‬ ‫الشيخوخة مع ضمان إتاحة الرعاية الصحية األولية للمسنني املنزلية واجملتمعية وتوفير التغذية‬ ‫الالزمة ال سيما للمعرضني منهم للمخاطر كضحايا الكوارو والالجئني ووضع برامج للصحة العامة‪.‬‬ ‫ج‪ -‬األهداف املتعلقة بتوفير السكن وبيئة املعيشة‪ :‬بواسطة توفير اخلدمات الصحية واالجتماعية‬ ‫وتقد املساعدة لدعم املسنني حتى يواصلوا العيش في منازلهم أو اختيار سكن بديل‪ ،‬والعمل على‬ ‫إسكانهم في مساكن مهيأة ومناسبة الحتياجاتهم قد تكون خاصة أو عامة مع األخذ بنظر االعتبار‬ ‫أمكانية وصولهم بسهولة إلى أماكن عملهم أو املرافق الترويحية والصحية أو التي تقدم اخلدمات‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫د‪ -‬األهداف األسرية‪ :‬وتتحدد عن طريق تنمية املهارات التي ميكن بها للمسنني واملسنات الوفاء بأدوارهم‬ ‫كرؤساء لألسرة ومستشارين ورعاة عبر التدريب على تقنيات التشاور والوساطة وبث القيم التقليدية‬ ‫وغيرها‪ ،‬وإنشاء أفرقة دعم لألسرة ذات املشاكل واالحتياجات اخلاصة كالتي تتعامل مع حاالت العجز أو‬ ‫العوق‪.‬‬ ‫هع‪ -‬األهداف املتعلقة بالتعليم ووسائط اإلعالم‪ :‬بواسطة شن حمالت لإلعالم والتثقيف‪ ،‬لغرض تعزيز‬ ‫الصورة االيجابية للشيخوخة وإدراج املعلومات بشأنها في املناهج الدراسية وتنظيم الندوات والدورات‬

‫(‪ -)83‬ينظر‪ :‬البند ‪ 13 ،9‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 61/37‬لسنة ‪.1992‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪349‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫الدراسية للتعريف بهذه املرحلة العمرية والعمل على محو أمية كبار السن‪ ،‬وتوفير التعليم املستمر‬ ‫ومنحهم ادوارا رئيسية فيها‪.‬‬ ‫و‪ -‬األهداف املتعلقة بالرعاية االجتماعية‪ :‬وذلك بسن التشريعات التي تضمن تكافؤ الفرص لكبار‬ ‫السن في وصولهم إلى خدمات الرعاية االجتماعية ودعم القائمني على تقد هذه اخلدمات بشتى‬ ‫الوسائل املادية والعلمية واألدبية وضمان مشاركة القطاع اخلاص‪.‬‬ ‫ز‪ -‬األهداف املتعلقة بضمان العمالة‪ :‬بوضع برنامج وطني لتشجيع الشيخوخة املنتجة بواسطة‬ ‫مشاركة كبار السن في اخلدمات واألعمال املدرة للدخل أو حتى الطوعية منها سواء أكانت لصاحلهم‬ ‫أو لصالح أسرهم أو مجتمعاتهم وتوفير الظروف البيئية واالجتماعية واملهنية كالتدريب ومنح‬ ‫املكافآت وتكييف رروف العمل مبا يتالءم مع القدرات البدنية وفسح اخليار لهم لالنسحاب من العمل‬ ‫مبرونة‪ ،‬كما يشمل تامني شبكة للمعاشات التقاعدية وتوجيهها نحو الفئات الفقيرة مع ايالء اهتمام‬ ‫خاص للمعاقني واألرامل والالجئني منهم(‪.)84‬‬ ‫يتضح لنا من خالل عرض األهداف الوطنية املشار إليها اتصالها مبضمون حقوق كبار السن‬ ‫التي تشكل استجابة للتحديات واحلاجات اخلاصة بهذه املرحلة العمرية‪ ،‬كما تبيني لنا أن هذه األهداف‬ ‫تعد ترجمة وتطبيقا عمليا لألهداف العاملية التي عرضنا لها آنفا ً والتي تهدف لتمكني املسنني قدر‬ ‫املستطاع من التمتع في أسرهم ومجتمعاتهم بحياة من االجناز والرفاه تعمها الصحة واألمن والرضى‬ ‫وأن يجدوا التقدير الالزم بوصفهم جزءا ال يتجزء من اجملتمع ورصيدا له وليس عبئا ً عليه‪ .‬ونرى أيضا أن‬ ‫اعتماد وتطبيق هذه األهداف من قبل الدول ذات العالقة سيؤدي إلى استحداو وتطبيق سياسات‬ ‫فاعلة ومؤثرة على األصعدة الدولية والوطنية تتمثل باتخاذ حزمة تدابير ناجعة تعزز حياة املسنني‬ ‫وجتعلها منتجة وذات اثر مسهم في التنمية الشاملة للمجتمعات التي حتتضنها تعمل على‬ ‫التخفيف من أية عواقب سلبية تنتج عن النظرة السلبية إلى الشيخوخة‪.‬‬

‫(‪ -(84‬ينظر‪ :‬الدليل املقتضب لوضع األهداف الوطنية في مجال الشيخوخة‪ ،‬الفقرة رابعا من تقريعر األمعني املعنعون بعع ((‬ ‫التنمية االجتماعية‪ :‬املسائل املتعلقة باحلالة االجتماعية في العالم‪ ) ....‬لسنة ‪ ،1992‬الوثيقة (‪ ،)A/47/339‬مصدر سعابق‪،‬‬ ‫ص ‪.33 -23‬‬ ‫‪350‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫الفرع الثاني‬ ‫إعالن مدريد السياسي للشيخوخة‬ ‫بعد مرور عشرين سنة على انعقاد اجلمعية العاملية األولى للشيخوخة‪ ،‬عقدت األ املتحدة‬ ‫جمعيتها الثانية في مدريد لعام ‪ 2002‬ألجل إقرار خطة عمل حلقبة أخرى تكون مصدر إلهام‬ ‫للسياسات املتعلقة بالشيخوخة وتامني احلقوق الالزمة لكبار السن خاصة في رل ازدياد أعداد كبار‬ ‫السن وارتفاع حدة املشاكل وتأثير األزمات االقتصادية في العالم‪ ،‬وبعد مناقشات مستفيضة أعدت‬ ‫اخلطة وأحلق بها أعالن سمي باإلعالن السياسي للشيخوخة الذي أيدته اجلمعية العامة مبوجب قراراها‬ ‫املرقم ‪ 157/67‬لسنة ‪.)85(2002‬‬ ‫وبدءا قد يثار التساؤل حول الغرض من وسم اإلعالن بأنه إعالن سياسي والقصد الذي أراد‬ ‫واضعوه من هذا املصطلح ؟ لإلجابة على ذلك نرى بان تفحص نصوص اإلعالن تعطي اجلواب على هذا‬ ‫التساؤل حيث لم يحتوي على إقرار لبعض حقوق كبار السن فحسب‪ ،‬وإمنا تضمن التزامات من قبل‬ ‫احلكومات املشاركة باتخاذ إجراءات وتبني سياسات معينة‪ ،‬وإدراج بنود ومقررات لتنفيذ اخلطة واإلعالن‬ ‫معا ً والتوصيات الناجتة عنهما مما يحمل على االعتقاد بان اإلعالن عبارة عن تعهدات من جانب رؤساء‬ ‫الدول واحلكومات التي يهمها األمر بخصوص تعزيز حقوق وأحوال كبار السن‪ ،‬ويظهر هذا جليا من‬ ‫خالل عبارات مواد اإلعالن التي تستخدم ضمير املتكلم بصيغة اجلماعة (نحن ممثلي احلكومات‪ ،‬نكرر‬ ‫تأكيد التزامنا ‪...‬الخ)‪ .‬عليه سنعرض فيما يأتي ملواد اإلعالن اخلاصة بحقوق كبار السن والسبل التي‬ ‫تتعزز من خاللها على الصعيد الوطني والدولي‪.‬‬ ‫‪ -1‬تضمن اإلعالن التأكيد على مبادئ رئيسية تندرج في إطار تعزيز وحماية حقوق اإلنسان بصورة عامة‬ ‫(‪)86‬‬

‫منها توطيد سيادة القانون وتعزيز الدميقراطية وتشجيع املساواة‬

‫والقضاء على جميع أشكال‬

‫التمييز القائم على أساس السن وغيره واإلهمال والعنف وسوء املعاملة وغيرها(‪.)87‬‬ ‫‪ -2‬احتوى اإلعالن على بعض احلقوق التي البد منها لكبار السن وحتمل خصوصية كبيرة لهم منها توفير‬ ‫الرعاية الصحية وإشراكهم في اجملتمع‪ ،‬والدفاع عنهم ومؤازرتهم في حاالت االحتالل والنزاع املسلح‬ ‫وتوفير فرص التعليم والتدريب(‪.)88‬‬ ‫‪ -3‬متيز اإلعالن بالنص على مبادئ جديدة البد منها ألعمال حقوق كبار السن كمبدأ املشاركة الكاملة‬ ‫لهم في جميع جوانب اجملتمع(‪ )89‬وتعزيز التضامن بني األجيال وإقامة الشراكات لغرض تشجيع عالقات‬ ‫(‪ -(85‬ينظر‪ :‬البند ‪ 2‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 157 /67‬الصادر في ‪ 19‬كعانون األول‪ ،2002 /‬الوثيقعة (‪،)A/RES/57/167‬‬ ‫املؤرخة في ‪ 15‬كانون الثاني ‪.2003‬‬ ‫(‪ -(86‬دعى اإلعالن في املادة ‪ 19‬األخيرة جميع الناس في جميع البلدان ومن كافة القطاعات االجتماعية إلى االنضمام إلى‬ ‫اجلهود املتفانية التي تبذل من اجل حتقيق رؤية مشتركة للمساواة بني األشخاص من جميع األعمار‪.‬‬ ‫(‪ -)87‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 6‬من اإلعالن السياسي للشيخوخة لسنة ‪.2002‬‬ ‫(‪ -)88‬ينظر‪ :‬املواد ‪ 14 ،12 ،5‬من اإلعالن السياسي للشيخوخة لسنة ‪.2002‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪351‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬ ‫(‪)90‬‬

‫التجاوب والتآصر بني األجيال‬

‫واالضطالع مببدأ مسؤولية احلكومات بخصوص مراعاة حقوق كبار‬

‫السن وتنفيذ املرجعيات الدولية ذات الصلة(‪ ،)91‬وحتقيق التعاون الدولي بني اجلهات الفاعلة كاحلكومات‬ ‫واملنظمات غير احلكومية والقطاع اخلاص واملتطوعني واألسر وغيرها(‪.)92‬‬ ‫‪ -4‬لم يغفل اإلعالن التأكيد بوضو على الدور الذي متارسه منظومة األ املتحدة في مساعدة احلكومات‬ ‫بناء على طلبها في تنفيذ خطط العمل الدولية للشيخوخة ومتابعتها ورصدها مع مراعاة االختالفات‬ ‫في األوضاع االقتصادية واالجتماعية والدميغرافية القائمة في البلدان واملناطق ذات الصلة(‪.)93‬‬ ‫‪ -6‬بالرغم من اآلمال والتعهدات التي قطعها رؤساء احلكومات والدول املشاركة في جوانب تفعيل وتطوير‬ ‫حقوق املسنني إال انها اعترفت بوجود عقبات كبيرة تعترض سبيلها في هذا امليدان‪ ،‬ال سيما في البلدان‬ ‫النامية واألقل منوا ً والتي متر مبرحلة انتقالية‪ ،‬وأكد املشاركون أن حل هذه املشاكل لدى البلدان املذكورة‬ ‫يكون بإدراج مسائل الشيخوخة في اخلطط اإلمنائية واالستراتيجيات الدولية للقضاء على الفقر على‬ ‫الصعيد الدولي والوطني‪ ،‬حيث التزم املعنيون بإدماجها بصورة فعلية في السياسات واإلجراءات‬ ‫املتخذة وفق أوضاع كل بلد ورروفها(‪.)94‬‬ ‫ويبدو أن ابرز ما توج به اإلعالن هو االلتزام املقطوع من جانب رؤساء الدول واحلكومات على‬ ‫تنفيذ السياسات وخطة العمل املقررة لتشكل أول وثيقة دولية حتمل صبغة إقرارية وتنفيذية فاعلة‬ ‫وواقعية بشكل تستجيب معه حلجم التحديات املطروحة في مجال شيخوخة السكان وحقوقها‬ ‫وبالذات في مرحلة زمنية فاصلة عدت مدخال لقرن جديد يتا فيه وجود مجتمع يضم جميع األعمار‪.‬‬ ‫وقد يطر التساؤل حول مدى كفاية النصوص التي تقدم ذكرها في الوفاء باحتياجات كبار‬ ‫السن اخلاصة بهذه املرحلة العمرية او التي تتوفر في األصل لباقي شرائح اجملتمع ؟ وما هي القيمة‬ ‫القانونية للنصوص التي احتوتها ؟‪.‬‬ ‫(‪ -(89‬تناول أالمني العام للمنظمة السيد كوفي عنان في كلمته التي أدلى بها أثناء انعقاد اجلمعية العاملية الثانيعة فعي‬ ‫مدريد مبدأ مشعاركة املسعنني ومسعاهمتهم للنهعوض بعواقعهم وصعيانة حقعوقهم وبالتفاععل معع اجلهعات األخعرى‬ ‫كاملن ظمات غير احلكومية والقطاع اخلاص وغيرها من اجل أن ال يعيش املسنون كفئعة منفصعلة ععن مجتمععاتهم وان‬ ‫يتحقق هدف األ املتحدة بوجود مجتمع جلميع األعمار مشيرا إلى أن أجيال اليوم ستكون من فئة املسنني في املسعتقبل‬ ‫هذا إذا حالفها احلظ بذلك على حد قوله‪ ،‬للمزيد ينظر كلمة األمني العامة الواردة في البيانات االفتتاحيعة ضعمن املرفعق‬ ‫الثاني لتقرير اجلمعية العاملية الثانية للشيخوخة املعقعودة فعي مدريعد ‪ 12 -9‬نيسعان ‪ ،2002‬الوثيقعة (‪،)A/CONF197/9‬‬ ‫مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.72‬‬ ‫(‪ -)90‬ينظر‪ :‬املواد ‪ 16 ،14 ،12‬من اإلعالن السياسي للشيخوخة لسنة ‪ .2002‬وفي هذا الصدد سلمت األ املتحدة بأهميعة‬ ‫تعزيز الشراكات والتضامن بني األجيال مهيبة بالدول األعضاء تشجيع الفرص املتاحة لتحقيق التفاععل بشعكل طعوعي‬ ‫بناء ومنظم بني الشباب وكبار السن في األسرة وأماكن العمل واجملتمع ككل‪ ،‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 16‬من قرار اجلمعيعة العامعة‬ ‫املرقم ‪ 127/55‬لسنة ‪.2012‬‬ ‫(‪ -(91‬ينظر‪ :‬املواد ‪ 17 ،13 ،3‬من اإلعالن السياسي للشيخوخة لسنة ‪.2002‬‬ ‫(‪ -(92‬ينظر‪ :‬املواد ‪ 17 ،16 ،13 ،4‬من اإلعالن السياسي للشيخوخة لسنة ‪.2002‬‬ ‫(‪ -(93‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 19‬من اإلعالن السياسي للشيخوخة لسنة ‪.2002‬‬ ‫(‪ -)94‬ينظر‪ :‬املادتني ‪ 9 ،7‬من اإلعالن السياسي للشيخوخة لسنة ‪.2002‬‬ ‫‪352‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫لإلجابة على هذا التساؤل نرى ومن خالل ما عرضنا له آنفا أن املبادئ واإلعالنات وخطط العمل‬ ‫تبدو وافية نوعا ما وقد جاءت بشكل يسد احلاجة وتراعي متطلبات وضرورات املسنني من مختلف‬ ‫النواحي‪ ،‬ولكن املشكلة في تقديرنا ال تقتصر على ذلك فحسب وإمنا تكمن بالتفعيل والتطبيق‬ ‫للنصوص وااللتزامات املتولدة عنها على ارض الواقع خصوصا إذا علمنا (وهذا جواب التساؤل الثاني) ان‬ ‫املرجعيات املذكورة جاءت في صيغة إعالنات ومبادئ وهي كما معلوم وفق قواعد القانون الدولي غير‬ ‫ملزمة لألطراف املعنية ذات العالقة وفي مقدمتها الدول‪ ،‬كما أنها ال تعدو قيمتها ان تكون قيمة أدبية‬ ‫اعتبارية ليس إال ‪ ،‬مما يعني هذا انه مع ضرورتها وأهميتها جتعل من قواعد التنظيم الدولي حلقوق‬ ‫اإلنسان اخلاصة بكبار السن تندرج في طور التكوين واإلنشاء‪ ،‬وهي حتتاج وفق نظرنا إلى مراحل زمنية‬ ‫طويلة قادمة حتى تتحول إلى قواعد ملزمة عبر صياغة اتفاقية دولية مقننة وملزمة حلقوق هذه‬ ‫الشريحة بشكل يخرجها من الطبيعة اإلطارية والتوجيهية الراهنة إلى نصوص ملزمة واقعية‬ ‫مفعلة‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪353‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫املبحث الثالث‬ ‫آليات األ املتحدة لتعزيز حقوق كبار السن‬ ‫تعاملت األ املتحدة مع وضع كبار السن بحزمة من اإلجراءات والتدابير اخملتلفة واملتعددة بدءا ً‬ ‫من تقريرها ملناسبات معينة حتتفل بها وحتاول من خاللها لفت النظر إلى هذا الوضع‪ ،‬إلى طر‬ ‫مشاكلهم في املؤمترات الدولية املعنية بحقوق اإلنسان التي جتريها أو تشارك فيها لوضع اخلطوات‬ ‫العملية ومجابهة التحديات املطروحة ووضع احللول لها‪ ،‬أو عبر اآلليات التي وضعتها من خالل األجهزة‬ ‫والهيئات املشكلة لهذا الغرض‪ ،‬والتفاعل مع األطراف الشريكة معها كالوكاالت املتخصصة‬ ‫واملنظمات غير احلكومية وغيرها من املؤسسات العاملة في هذا اجملال‪ .‬عليه سنقسم املبحث إلى‬ ‫ثالثة مطالب‪ ،‬نتعرض في األول للمناسبات التي تخص املسنني املعلنة من األ املتحدة‪ ،‬ونتناول في‬ ‫املطلب الثاني جهود املنظمة على صعيد مؤمترات حقوق اإلنسان الدولية‪ ،‬في حني سنخصص املطلب‬ ‫الثالث لآلليات التي اتخذتها األ املتحدة من خالل خطط الشيخوخة املقررة في مؤمتري الشيخوخة‬ ‫لعام ‪1992‬و‪.2002‬‬

‫املطلب األول‬ ‫املناسبات اخلاصة بكبار السن املعلنة من قبل األ املتحدة‬ ‫خصصت األ املتحدة ‪-‬وهي بصدد اهتمامها بقضايا كبار السن‪ -‬مناسبات معينة لالحتفال‬ ‫باملوضع الذي تبنته وللتوجيه األنظار نحوه من مختلف اجلوانب‪ ،‬وأعلنت عن سلسلة من املناسبات‬ ‫االحتفالية كتخصيصها يوما دوليا لكبار السن وسنة دولية مكرسة لهم وغيرها‪ ،‬وسنتعرض لهذه‬ ‫املناسبات تباعا وكما يأتي‪:‬‬ ‫(‪)95‬‬

‫أوال‪ :‬اليوم الدولي لكبار السن‬

‫شعرت األ املتحدة باحلاجة إلى تخصيص يوم دولي لكبار السن لالحتفاء بهم وبالقدرات‬ ‫واإلمكانيات اخلالقة التي يحملونها‪ ،‬وللفت األنظار نحو التحديات التي تواجههم فحددت يوم األول من‬ ‫تشرين األول من كل عام يوما ً دوليا ً للمسنني(‪ .)96‬ويحتفل سنويا بهذا اليوم في مقر املنظمة وهيئاتها‬ ‫ويوجه فيه األمني العام رسالة بهذا اخلصوص يؤكد فيها عادة على االجنازات التي حققتها املنظمة في‬ ‫(‪ -(95‬كانت التسمية القدمية التي أعلنها القعرار ‪ 105 /46‬لسعنة ‪ 1990‬بعاليوم العدولي للمسعنني أال أن املنظمعة قعررت‬ ‫االستعاضة عنها بتسمية جديدة وهي اليوم الدولي لكبار السن ويشمل ذلك أيضا السنة الدولية اخملصصة لهعم كمعا‬ ‫سيأتي الحقا‪ .‬متاشيا مع ما جاء في مبادئ األ املتحدة املتعلقة بكبار السن ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 14‬معن قعرار اجلمعيعة العامعة‬ ‫املرقم ‪ 141 /60‬لسنة ‪ ،1996‬مما يعكس اعتماد التسمية اجلديدة في وثائق املنظمة بعد هذا التاريخ‪.‬‬ ‫(‪ -)96‬ينظر‪ :‬الفقرة ( ‪ ) 16‬من قرار اجلمعية العامة ‪ 105/46‬لسنة ‪.1990‬‬ ‫‪354‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫مجال حفظ وتعزيز حقوق كبار السن مستعينا ً باألهداف التي تسعى األ املتحدة إلى حتقيقها لهم‬ ‫من خالل وثائقها وخطط العمل التي وضعتها ومشيرا ً إلى اآلمال املعقودة بخصوص املوضوع في‬ ‫املستقبل‪ .‬ففي رسالته األخيرة مبناسبة هذا اليوم لسنة ‪ 2012‬واملعنونة بع ( طول العمر‪ :‬تشكيل‬ ‫املستقبل ) والذي تصادف مع مرور عشر سنوات العتماد خطة عمل مدريد الدولية الثانية للشيخوخة‪،‬‬ ‫اعتبر االمني العام طول العمر والشيخوخة بوجه عام من أعظم التحوالت االجتماعية واالقتصادية‬ ‫والسياسية التي شهدها العالم‪ ،‬والتي ألقت بتأثيراتها على اجملتمع واألسرة والفرد مؤكدا ً على‬ ‫مسؤولية اجملتمع الدولي فرادى وجماعات في إدماج كبار السن في اجملتمع من خالل توفير حقوقهم‬ ‫اخملتلفة واألساسية مذكرا بالعمل على كفالة رفاه كبار السن وكسب مشاركتهم الهادفة في اجملتمع‬ ‫ألجل االستفادة من معارفهم وقدراتهم(‪.)97‬‬

‫ثانيا‪ :‬السنة الدولية لكبار السن‬ ‫قررت األ املتحدة تخصيص سنة دولية لكبار السن‪ ،‬لتكون مناسبة تدفع املعنيني واملهتمني‬ ‫باملوضوع على مستوى املنظمة وخارجها للتصدي للتحديات التي تقف بوجه الشيخوخة وتقدير‬ ‫اإلسهامات التي يقدمها كبار السن جملتمعاتهم(‪ ،)98‬وكانت بداية الدعوة إلى ذلك عام ‪ 1977‬عندما دعت‬ ‫اجلمعية العامة الدول األعضاء إلى حتديد موعد لها في مدة غايتها ‪ 1‬متوز ‪ 1979‬من اجل استرعاء انتباه‬ ‫(‪)99‬‬

‫العالم بأسره إلى املشاكل اخلطيرة التي تواجه هذه الفئة‪ ،‬وطلبت من األمني العام تقد تقرير بذلك‬

‫وحددت عام ‪ 1999‬ليكون السنة الدولية املكرسة لالحتفال بهذه املناسبة اعترافا منها ببلوغ البشرية‬ ‫سن النضج الدميغرافي وما يحمله ذلك من إمكانيات مبشرة بنضج املواقف والقدرات في املشاريع‬ ‫االجتماعية واالقتصادية والثقافية والروحية اخملصصة للمسنني‪ ،‬فضال عن الدور الذي ميكن أن يؤديه‬ ‫االحتفال في تعزيز السلم والتنمية على الصعيد العاملي(‪ .)100‬وبدأ االحتفال بهذه السنة التي كان‬ ‫موضوعها ((مجتمع لكل األعمار)) في ‪ 1‬تشرين األول ‪ 1999‬مع االحتفال باليوم الدولي للمسنني لذلك‬ ‫العام(‪.)101‬‬

‫(‪ -(97‬من رسالة األمني العام لأل املتحدة السيد بان كي مون مبناسبة االحتفال بعاليوم العدولي للمسعنني لسعنة ‪،2012‬‬ ‫منشععور علععى موقععع املنظمععة علععى النععت فععي الصععفحة اخلاصععة لالمععني العععام علععى الععرابط التععالي‪:‬‬ ‫‪http://www.un.org/ar/sg/messages/2012/0ldpersonsday.shtml‬‬ ‫(‪ -(98‬ينظر‪ :‬ديباجة قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 252/64‬لسنة ‪.2000‬‬ ‫(‪ -(99‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 3 ،1‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 133/32‬لسنة ‪.1977‬‬ ‫(‪ -)100‬ينظر‪ :‬البند ‪ 3‬من إعالن األ املتحدة للشيخوخة لسنة ‪.1992‬‬ ‫(‪ -)101‬ينظر‪ :‬البند ‪ 1‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 109 /63‬الصادر فعي ‪ 9‬كعانون األول ‪ ،1999‬الوثيقعة (‪،)A/RES/53/109‬‬ ‫املؤرخة في ‪ 20‬كانون الثاني ‪.1999‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪355‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬ ‫(‪)102‬‬

‫وفي إطار التحضير الحتفال بالسنة‪ ،‬مت وضع إطار مفاهيمي (عملي)‬

‫ونظري كجزء من‬

‫برنامج األعمال التحضيرية لالحتفال‪ ،‬وركز اإلطار على حتقيق الهدف من السنة الدولية وهو الترويج‬ ‫ملبادئ األ املتحدة اخلاصة بكبار السن‪ ،‬ومت وضع أربعة أبعاد لإلطار متثلت بالتركيز على حالة كبار السن‬ ‫وضمان حقوقهم‪ ،‬والعمل على تنمية الفرد مدى احلياة استعدادا للشيخوخة‪ ،‬وبحث العالقة بني‬ ‫األجيال داخل األسرة واجملتمعات امحملية‪ ،‬وتطوير العالقة بني التنمية وشيخوخة السكان(‪ .)103‬وعلى هذا‬ ‫الصعيد مت تشكيل فريق عمل مفتو العضوية‪ ،‬أنشاه اجمللس االقتصادي واالجتماعي ملساعدة جلنة‬ ‫التنمية االجتماعية والذي أصبح بدوره محفال ً ومنبرا ً للتقارير اخلاصة لالحتفال بالسنة(‪ )104‬وأشار اإلطار‬ ‫إلى جملة من النشاطات الوطنية والدولية التي تأتي في سياق التحضير لالحتفال ومبشاركة من جلان‬ ‫وأجهزة األ املتحدة واملنظمات الدولية األخرى‪ ،‬ليكون الهدف منها صوغ رؤية وبرنامج عمل مستدامني‬ ‫من اجل وضع خطة شاملة ( لتقدم العمر) في األجل البعيد(‪ ،)105‬عبر خطوات تتركز على رفع مستوى‬ ‫الوعي خللق مجتمع يستوعب جميع األعمار‪ ،‬وتشجيع التطلع إلى ما بعد االحتفال بالسنة املذكورة‬ ‫من اجل حتديد الرؤى وصياغة اخلطط األساسية لألجل الطويل وتوسيع نطاق تأثير العناصر الفاعلة‬ ‫األخرى غير التقليدية في التطلع نحو النهوض بحقوق كبار السن كدور وسائط اإلعالم والقطاع اخلاص‬ ‫والشباب‪ ،‬كما أكد على حتسني الربط الشبكي (شبكة املعلومات االلكترونية لتحقيق قدر اكبر من‬ ‫متاسك البيانات واألبحاو ونشرها) وصياغة السياسات الهادفة والعملية في هذا اجملال(‪.)106‬‬ ‫ومت االحتفال بالسنة الدولية لكبار السن كما كان مقررا ً لها حيث شجعت األ املتحدة‬ ‫االطراف املعنية على استغالل السنة في زيادة الوعي بالتحدي الذي متثله الشيخوخة للمجتمعات‬ ‫واالنتباه إلى االحتياجات الفردية واالجتماعية لكبار السن‪ ،‬وتقدير املساهمات املقدمة من قبلهم‪،‬‬ ‫ودعت إلى ضرورة احلاجة إلى تغيير املواقف املتخذة جتاههم(‪.)107‬‬

‫(‪ -)102‬الفقرة ‪ 9‬من قرار اجلمعية العامة ‪ 99/49‬الصادر في ‪ 20‬كانون األول ‪ ،1993‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/48/98‬املؤرخعة فعي ‪11‬‬ ‫آذار ‪.1994‬‬ ‫(‪ -(103‬للمزيد ينظر‪ :‬البند ثالثا ( الفقرات ‪ ) 16-9‬ورابعا ( الفقرات ‪ ) 36 -15‬من تقرير األمني العام حعول اإلطعار املفعاهيمي‬ ‫لبرنامج األعمال التحضيرية للسنة الدولية لكبار السن في عام ‪ 1999‬واالحتفعال بهعا‪ ،‬الصعادرة ععن اجلمعيعة العامعة‪،‬‬ ‫الوثيقة (‪ ،)A/50/114‬املؤرخة في ‪ 20‬آذار ‪1996‬؛ وأيضا ينظر‪:‬‬ ‫‪Elderly People, Know Your Rights Series, National Human Rights Commission, Op-Cit, p.21.‬‬ ‫(‪ -(104‬ينظر‪ :‬قرار اجمللس االقتصادي واالجتماعي املرقم ‪ ،1995/243‬قرارات ومقررات اجمللس االقتصادي واالجتمعاعي لسعنة‬ ‫‪ ،1995‬األ املتحدة‪ ،‬نيويورك‪ ،‬الوثيقة (‪ ،1997 ،)E/1996/96‬ص ‪.126‬‬ ‫(‪ -(105‬ينظر‪ :‬البند ثانيا ( الفقرات ‪ ) 33 -5‬من تقرير األمني العام حول اإلطار التنفيذي للسنة الدولية لكبار السعن ‪،1999‬‬ ‫الصادر من اجلمعية العامة‪ ،‬الوثيقة (‪ ،) A/RES/52/328‬املؤرخة في ‪ 19‬أيلول ‪.1997‬‬ ‫(‪ -)106‬للمزيد حول ذلك ينظر‪ :‬البند ثالثا ( الفقرات ‪ ) 93 -34‬من تقرير األمني العام حول اإلطار التنفيذي للسنة الدولية‪،...‬‬ ‫املصدر أعاله‪.‬‬ ‫(‪ -(107‬ينظر‪ :‬الفقرة ( ‪ )3‬من قرار اجلمعية العاملة املرقم ‪ 109/63‬لسنة ‪.1999‬‬ ‫‪356‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫وبعد مشاركة عاملية واسعة من اجملتمع الدولي املتمثل باأل املتحدة وأجهزتها والدول‬ ‫واملنظمات العاملة احلكومية منها وغير احلكومية واملتطوعني(‪ )108‬الحظت املنظمة وبارتيا االحتفال‬ ‫الناجح بالسنة وعقدت العزم على اإلبقاء على الزخم املتولد منها ملعاجلة مختلف اجلوانب اإلمنائية‬ ‫للشيخوخة مع االهتمام بوجه خاص بحالة البلدان النامية(‪.)109‬‬

‫ثالثا‪ :‬اليوم العاملي للتوعية بشأن إساءة معاملة املسنني‬ ‫في بعض األوقات واجملتمعات تكون الشيخوخة سببا يحرم مبوجبها كبار السن من حقوق‬ ‫اإلنسان أو تنتهك تلك احلقوق ويعزى ذلك إلى عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية مختلفة كما مر بنا‬ ‫سابقا(‪.)110‬‬ ‫انطالقا ً من خطورة هذه املشكلة وتأثيراتها النفسية واجلسدية على املسن أعلنت اجلمعية‬ ‫العامة لأل املتحدة مؤخرا يوما عامليا للتوعية بشان إساءة معاملة املسنني وحددت يوم ‪ /16‬حزيران‬ ‫(يونيو) من كل سنة للتوعية بشان املسألة ودعت جميع الدول األعضاء ومؤسسات األ املتحدة‬ ‫واملنظمات واألطراف األخرى العاملة إلى االحتفال بهذا اليوم(‪.)111‬‬ ‫وجرى االحتفال ألول مرة بهذه املناسبة في العام ‪ ،2012‬وقام األمني العام للمنظمة السيد بان‬ ‫كي مون بتوجيه رسالة فيها اعتبر اإلساءة نحو املسنني تعديا ً غير مقبول على الكرامة البشرية‬ ‫وانتهاكا صريحا حلقوق اإلنسان مشيرا ً إلى خطورة وتعقيد املوضوع‪ ،‬لكون اإلساءة مبختلف أشكالها‬ ‫تبقى في أحيان كثيرة طي الكتمان وتفتقر إلى املعاجلة مشددا ً على أهمية االحتفال باملناسبة انطالقا‬ ‫من اعتبار حقوق كبار السن حقوقا ً راسخة مفروضة على سائر بني البشر‪ ،‬مهيبا باحلكومات واألطراف‬ ‫املعنية بوضع االستراتيجيات املناسبة للوقاية من العنف وسوء املعاملة وتنفيذها وسن التشريعات‬ ‫الالزمة لذلك من اجل توفير رروف عيش آمنة والئقة بكبار السن وبالتالي متكينهم من تقد أعظم‬ ‫اإلسهامات املمكنة لديهم(‪.)112‬‬

‫(‪ -(108‬ينظر‪ :‬الفقرات ‪ 17 ،15 ،12 ،9 ،6 ،4‬من القرار نفسه‪.‬‬ ‫(‪ -(109‬ينظر‪ :‬الفقرتني ‪ 2 ،1‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 24/64‬لسنة ‪.1999‬‬ ‫(‪ -(110‬للمزيععد ينظععر‪ :‬تقريععر األمععني العععام لععأل املتحععدة بشععان سععوء معاملععة كبععار السععن لسععنة ‪ ،2002‬الوثيقععة‬ ‫(‪ ،)E/CN.5/2002/PC/2‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ .6-4‬ولالطالع على املزيد في هذا اخلصوص ينظر‪ :‬صفحة احلقائق الرئيسية بشان‬ ‫إساءة معاملة املسنني‪ ،‬متاحة على موقع منظمة األ املتحدة على الصفحة اخلاصة باليوم العاملي للتوعية بشان إساءة‬ ‫معاملة املسنني على الرابط التالي ‪:‬‬ ‫‪http://www.un.org/ar/events/e/derabuse‬‬ ‫(‪ -(111‬البند ‪ 21‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 127/55‬لسنة ‪.2011‬‬ ‫(‪ -)112‬ينظر‪ :‬رسالة األمني العام لأل املتحدة مبناسبة اليوم العاملي للتوعية بسوء معاملة املسنني لسنة ‪ ،2012‬منشورة‬ ‫علعععى موقعععع املنظمعععة فعععي صعععفحة أالمعععني الععععام السعععيد بعععان كعععي معععون علعععى العععرابط التعععالي ‪:‬‬ ‫‪http://www.un.org/sg/messages/2012/elderabuseday.shtml‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪357‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫رابعا‪ :‬السنة الدولية لألسرة‬ ‫تعتبر األسرة الوحدة األساسية والطبيعية ألي مجتمع‪ ،‬ويقتضي أن تتمتع بحماية الدولة‬ ‫على أوسع نطاق ممكن(‪ .)113‬ولدورها الفعال في توفير وصيانة حقوق كبار السن وملكانة املسنني في‬ ‫أسرهم كونهم يشكلون محورها وجوهرها الذي تلتف حوله األجيال املتعاقبة‪ ،‬واعترافا باملساهمات‬ ‫اجلليلة التي يقدمها كبار السن ألسرهم كتربية األحفاد وتقد النصح واإلرشاد وغيرها‪ ،‬سعت األ‬ ‫املتحدة نحو تعزيز أواصر األلفة والتفاهم البناء بني كبار السن وأسرهم من األجيال الالحقة الشابة‬ ‫والصغيرة بهدف حتقيق التالحم بينها في إطار مجتمع لكل األعمار(‪.)114‬‬ ‫انطالقا من ذلك أعلنت املنظمة سنة ‪ 1994‬سن ًة دولية مكرسة لألسرة دعت فيها مختلف‬ ‫األطراف ذات العالقة إلى بذل اجلهود للتحضير لها على الصعيد امحملي واإلقليمي والدولي بغية توفير‬ ‫الوعي بأهمية األسرة ومكانتها كونها اللبنة األساسية للمجتمع كما قدمنا(‪ .)115‬وبعد سلسلة من‬ ‫اجلهود واألعمال التحضيرية واخلطوات التنفيذية التي اتخذتها املنظمة في التحضير لهذه‬ ‫املناسبة(‪ ،)116‬مت بنجا االحتفال بالسنة محققة جملة من االجنازات متثلت بإقرار مبادرات جديدة‬ ‫وأنشطة طويلة األجل دعما لألسرة في كافة أنحاء العالم وعلى مختلف األصعدة مؤكدة على قيمة‬ ‫التعاون الدولي في املسائل األسرية داعية احلكومات إلى مواصلة عملها لبناء مجتمعات متماسكة‬ ‫اسريا ً عبر تعزيز حقوق كل فرد من أفرادها طالبة منها اإلسراع باملصادقة على عدد من االتفاقيات‬ ‫الدولية املعنية بحماية إفرادها ( ومنهم كبار السن ) والعمل على إعداد وثيقة شاملة تتضمن األحكام‬ ‫ذات الصلة باألسرة مستوحاة من املؤمترات العاملية حلقوق اإلنسان التي رعتها األ املتحدة أو متت حتت‬ ‫إشرافها(‪.)117‬‬ ‫وعلى كل حال فان األ املتحدة استغلت املناسبات املذكورة من اجل توجيه األنظار نحو‬ ‫املوضوع لتكون فرصة نحو اتخاذ آليات جديدة وحث األطراف املعنية على بذل اجلهود اإلضافية وأيضا‬ ‫تسليط األضواء على التقدم امحمرز في مجال حقوق املسنني‪.‬‬

‫(‪ -(113‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 1/23‬من العهد الدولي للحقوق املدنية والسياسية لعام ‪.1955‬‬ ‫(‪ -)114‬ينظر‪ :‬توصيات العمل التي وضعتها خطة مدريد للشيخوخة لعام ‪ ،2002‬التوجه األول‪ :‬التنمية في عالم اخذ فعي‬ ‫الشيخوخة؛ القضية اخلامسة‪ :‬التضامن بني األجيال‪ ،‬من إستراتيجية العمل الدولية للشعيخوخة لععام ‪ ،2002‬الوثيقعة‬ ‫(‪ ،)E/CN.5/2002/P4/L.9‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.15-16‬‬ ‫(‪ -)115‬ينظر‪ :‬الفقرات ( ‪ )4 ،2-1‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 92/44‬الصادر في ‪ 9‬كانون األول ‪.1999‬‬ ‫(‪ -)116‬للمزيد ينظر‪ :‬القرارات الصادرة بهذا الصدد عن اجلمعية العامة القعرار ‪ 133/46‬الصعادر فعي ‪ 14‬كعانون األول ‪1990‬؛‬ ‫القرار ‪ 92/45‬الصادر في ‪ 15‬كانون األول ‪1991‬؛ والقرار ‪ 237/47‬الصادر في ‪ 20‬أيلول ‪،1993‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/47/237‬املؤرخعة‬ ‫في ‪ 9‬تشرين األول ‪.1993‬‬ ‫(‪ -(117‬ينظر‪ :‬الفقعرات ( ‪ ) 6 ،2-1‬معن قعرار اجلمعيعة العامعة املعرقم ‪ 142/60‬الصعادر فعي ‪ 21‬كعانون األول ‪ ،1996‬الوثيقعة‬ ‫(‪ ،)A/RES/50/142‬املؤرخة في ‪ 1‬شبا ‪.1995‬‬ ‫‪358‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫املطلب الثاني‬ ‫جهود األ املتحدة لتعزيز حقوق كبار السن في املؤمترات الدولية حلقوق اإلنسان‬ ‫حاولت األ املتحدة تسليط األضواء على حقوق كبار السن في العديد من املؤمترات الدولية‬ ‫املعنية بحقوق اإلنسان بواسطة اعتماد التزامات ومبادئ توجيهية معينة تضمنتها اإلعالنات والوثائق‬ ‫الصادرة عنها والتي شكلت بدورها إطارا ً للسياسيات املتخذة بشان الشيخوخة على الصعيد الدولي‪،‬‬ ‫ومن أهم هذه املؤمترات التي جرت مبشاركة أو إشراف أو رعاية األ املتحدة والتي أيدت حقوق كبار السن‬ ‫(‪)118‬هي ‪:‬‬ ‫أوال ‪ :‬انعقاد املؤمتر العام حلقوق اإلنسان في الفترة ‪ 16 -14‬حزيران في فينا الذي كان مناسبة لتعزيز‬ ‫وحماية حقوق اإلنسان باعتبارها مسالة ذات أهمية خاصة وملحة وال جراء حتليل شامل لنظام حقوق‬ ‫اإلنسان وآليات احلماية املقررة لها (‪.)119‬‬ ‫وفي احلقيقة لعب املؤمتر واإلعالن الصادر عنه دورا كبيرا في تعزيز حقوق كبار السن عبر تأكيده‬ ‫على أهمية االلتزام العام بحقوق اإلنسان كما وردت في الوثائق الدولية ذات الصلة وهذا ما ينطبق على‬ ‫طائفة كبار السن من دون شك‪ ،‬أما على صعيد النصوص ذات الصلة باملسنني الناجتة عن املؤمتر فهي‬ ‫تكاد تنحصر في املادة ‪ 29‬التي أعرب فيها املؤمترون عن شديد قلقهم من استمرار انتهاكات حقوق‬ ‫اإلنسان في جميع أنحاء العالم خصوصا أثناء النزاعات املسلحة والتي متس حقوق السكان املدنيني‬ ‫خصوصا املستضعفني منهم ككبار السن والنساء واألطفال واملعوقني هم الفئات التي تقع ضحية‬ ‫هذه النزاعات في العادة‪ ،‬ولذلك طلب املؤمتر من الدول وأطراف النزاع أن تراعي بدقة قواعد القانون‬ ‫الدولي اإلنساني على النحو الذي أوردته اتفاقيات جنيف لعام ‪ 1949‬وغيرها من القواعد واملبادئ املرعية‬ ‫في هذه األوقات‪ ،‬كما حتفظ املادة املشار إليها للضحايا من املذكورين احلق في تلقي املساعدة من‬ ‫املنظمات اإلنسانية وفق الصكوك املعتمدة والعمل على متكينهم من احلصول عليها(‪.)120‬‬

‫(‪ -)118‬من اجلدير بالذكر أن األ املتحدة أولت للمؤمترات املعنية اهتماما ً بالغا ً في تعزيز حقوق كبار السن حيث كانعت قعد‬ ‫طلبت من الوكاالت املتخصصة والهيئات ذات الصلة إبراز مساهمة املسنني في التنمية االجتماعية واالقتصادية في إطار‬ ‫املناسبات واملؤمترات التي ستعقد في حقبة التسعينات والتي تخص شؤون البيئعة وحقعوق اإلنسعان واألسعرة والسعكان‬ ‫والنهوض باملرأة‪ ،‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 13‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 94/45‬لسنة ‪ .1991‬ومن هذا املنطلق سينصعب تركيزنعا‬ ‫على املؤمترات الدولية التي جرت في تلك الفترة التي واكبت اهتمام املنظمة بحقوق كبار السن دون غيرها نظعرا لوضعو‬ ‫تأثيرها وتناول مقرراتها في الكثير من الوثائق الصادرة آنذاك‪ .‬كما سنؤجل احلديث عن مؤمتري الشيخوخة في فينا لسعنة‬ ‫‪1992‬ومدريد لسنة ‪ 2002‬لكوننا سنأتي عليهما عند احلديث عن اآلليات املعنيعة بتعزيعز حقعوق كبعار السعن املوضعوعة‬ ‫مبوجب خطط العمل املقررة عن هذين املؤمترين في املطلب الثالث‪.‬‬ ‫(‪ -)119‬ينظععر‪ :‬ديباجععة اإلعععالن وبرنععامج عمععل فينععا حلقععوق اإلنسععان لسععنة ‪ 1993‬الصععادر بوثيقععة اجلمعيععة العامععة‬ ‫(‪ ،)A/CONF.157/23‬املؤرخة في ‪ 12‬متوز ‪ ،1993‬ص ‪ .3‬وللمزيد حول اإلعالن وبرنامج العمل ينظر‪:‬د‪ .‬خضر خضر‪ ،‬معدخل إلعى‬ ‫احلريات العامة وحقوق اإلنسان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬املؤسسة احلديثة للكتاب‪ ،‬طرابلس‪ -‬لبنان‪ ،2009 ،‬ص ‪.199 -192‬‬ ‫(‪ -)120‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 29‬من إعالن وبرنامج عمل فينا حلقوق اإلنسان لسنة ‪.1993‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪359‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬ومن املؤمترات الدولية التي جرت برعاية ومشاركة األ املتحدة(‪ )121‬مؤمتر السكان والتنمية الذي‬ ‫عقد في القاهرة للفترة من ‪ 13 -6‬أيلول ‪ 1994‬من اجل اعتماد سياسات على الصعيد االقتصادي‬ ‫واالجتماعي لتعزيز النمو االقتصادي املطرد في إطار تنمية مستدامة جلميع البلدان وحل املشاكل‬ ‫الناجمة عنها على الصعيد العاملي(‪ .)122‬وعلى صعيد دعم حقوق كبار السن تناول املؤمتر راهرة التزايد‬ ‫املطرد ألعداد املسنني وتأثيره على تركيبة اجملتمع نتيجة قلة الوفيات وانخفاض معدالت اخلصوبة‪،‬‬ ‫وبحث في اآلثار االقتصادية واالجتماعية املتولدة عن شيخوخة السكان التي تشكل بدورها فرصة‬ ‫وحتديا للمجتمع في آن واحد(‪ .)123‬وألجل ذلك وضع اجملتمعون أهدافا تتلخص باالتي ‪:‬‬ ‫ العمل على تعزيز االعتماد على الذات لدى كبار السن من خالل آليات مالئمة‪.‬‬‫ وضع نظام للرعاية الصحية وللضمان االقتصادي واالجتماعي عند الشيخوخة وحسب‬‫االقتضاء مع ايالء اهتمام خاص الحتياجات املرأة‪.‬‬ ‫ تقرير نظام للدعم االجتماعي على الصعيد الرسمي وغير الرسمي لتعزيز قدرة األسرة على‬‫تقد الرعاية لكبار السن(‪.)124‬‬ ‫تنفيذا لذلك وضع املشاركون في املؤمتر إجراءات لتحقيق األهداف املبتغاة تتمثل بالطلب من‬ ‫احلكومات بوضع نظام للضمان االجتماعي يكفل االنصاف ويشجع على تعدد األجيال داخل األسرة‪،‬‬ ‫ويسعى نحو تعزيز اعتماد املسنني على أنفسهم وتهيئة الظروف املالئمة ما أمكن لعيشهم حياة‬ ‫صحية آمنة ومنتجة تستغل فيها مهاراتهم وقدراتهم وبشكل يجعلها حتظى بالرعاية واالعتراف‬ ‫والتشجيع(‪.)125‬‬ ‫ثالثا‪ :‬وفي عام ‪ 1996‬عقد في كونبهاكن (الدامنراك) مؤمتر القمة العاملي للتنمية االجتماعية للفترة من‬ ‫‪ 12-5‬آذار تلبية لدعوة األ املتحدة ألجل حتقيق تنمية اجتماعية شاملة وتوفير أسباب الراحة للبشر‬ ‫والعمل على حل املشاكل االجتماعية التي ال يسلم منها أي بلد في العالم(‪ .)126‬وما يخص حقوق كبار‬ ‫السن فقد تعرض لها اجملتمعون في املؤمتر ببنود عديدة وكما يأتي ‪:‬‬ ‫‌أ‪ -‬اعترف املؤمترون في إطار عرضهم للحالة االجتماعية الراهنة لسكان األرض بإمكانية تعرض كبار‬ ‫السن وغيرهم من املستضعفني للضيق واحلرمان‪ ،‬فيؤدي ذلك بهم إلى العزلة والتهميش والعنف‬ ‫(‪ -(121‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 12‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 94/45‬لسنة ‪.1991‬‬ ‫(‪ -(122‬ينظر‪ :‬البند‪ 1/1‬من برنامج عمل مؤمتر القاهرة للسكان والتنميعة لسعنة ‪ 1994‬الصعادر بوثيقعة اجلمعيعة العامعة‬ ‫(‪ ،)A/CONF.171/13‬املؤرخة في ‪ 19‬تشرين األول ‪ ،1994‬ص‪.6‬‬ ‫(‪ -)123‬ينظر‪ :‬البند جيم‪ /‬الفقرة ‪ )15(5‬من برنامج عمل مؤمتر القاهرة للسكان والتنمية لسنة ‪.1994‬‬ ‫(‪ -(124‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 17/5‬من البند جيم من برنامج عمل مؤمتر القاهرة للسكان والتنمية لسنة ‪.1994‬‬ ‫(‪ -)125‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 19/5‬من البند جيم من برنامج عمل مؤمتر القاهرة للسكان والتنمية لسنة ‪.1994‬‬ ‫(‪ -(126‬ينظر‪ :‬البند ‪ 1،2‬من إعالن وبرنامج عمل كوبنهعاكن للتنميعة االجتماعيعة لسعنة ‪1996‬الصعادر بوثيقعة اجلمعيعة‬ ‫العامة (‪،(A/CONF.166/9‬املؤرخة في ‪ 19‬نيسان ‪ ،1996‬ص ‪.6‬‬ ‫‪360‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫ويجعلهم يقعون ضحية لإلقصاء االجتماعي والفقر فينعدم لديهم االطمئنان على مستقبلهم‬ ‫ومستقبل أبنائهم أيضا(‪.)127‬‬ ‫ب‪ -‬وضع املؤمتر إطارا ً للعمل من اجل تبني رؤية للتنمية االجتماعية متعددة اجلوانب تقوم على مبادئ‬ ‫‌‬ ‫حفظ كرامة اإلنسان وحقوقه واملساواة واحترام القيم واألعراف االجتماعية‪ ،‬وجعل متكني املسنني من‬ ‫العيش حياة أفضل اساسا ً للسياسات والتدابير اخملتلفة واملتخذة لتحقيق التقدم االجتماعي والعدالة‬ ‫وحتسني حالة اإلنسان(‪.)128‬‬ ‫ت‪ -‬التزام اجملتمعون بوضع وتنفيذ سياسات تكفل حصول جميع الناس ‪-‬ومنهم املسنون‪ -‬على‬ ‫‌‬ ‫حماية اقتصادية واجتماعية كافية في رروف وحاالت معينة بهدف القضاء على الفقر في العالم‬ ‫واتخاذ ما يلزم لتحقيق ذلك من إجراءات وطنية ودولية(‪.)129‬‬ ‫ أكد املشاركون على حتقيق االندماج االجتماعي بإقامة مجتمعات تتسم باالستقرار واألمن‬‫والعدالة تعزز فيها حقوق اإلنسان مبشاركة امحمرومني واملستضعفني ومساهمتهم لبناء مجتمع‬ ‫متجانس يشجع على احلوار بني األجيال ويكفل احلماية لهم ومنهم كبار السن‪ )130(.‬وفي هذا السياق‬ ‫ينبغي العمل على تقاسم املسؤولية في إعالة أفراد العائلة من املسنني وغيرهم(‪ ،)131‬كما أعلن عن‬ ‫االلتزام بتوفير فرص حصول جميع اإلفراد وبشكل منصف على التعليم وخدمات الرعاية الصحية‬ ‫وبدون أي متييز على أساس السن أو العرق أو اجلنس وغيرها(‪.)132‬‬ ‫رابعا ً‪ :‬وركز املؤمتر العاملي للمرأة املعقود في بيجن (الصني) الذي عقد خالل الفترة من ‪ 16-4‬أيلول ‪1996‬‬ ‫على قضايا املسنات وصدر عن املؤمتر إعالن وبرنامج عمل مت اعتمادهما بقرار اجلمعية العامة املرقم‬ ‫‪ 203/60‬لسنة ‪ ،)133(1996‬حيث اعترف اجملتمعون بتعرض املسنات خلطر الفقر بشكل أكثر من الرجال‬ ‫نتيجة لعدم املساواة والتمييز في تلقي معاشات الضمان االجتماعي فضال عن مواجهتهن للعقبات‬ ‫عند دخولهن مجددا إلى سوق العمل(‪ )134‬بل قد ال تتوفر رعاية مناسبة لهن فيما يخص قضايا الصحة‬

‫(‪ -)127‬ينظر‪ :‬البند ‪ /15‬من إعالن وبرنامج عمل كوبنهاكن للتنمية االجتماعية لسنة ‪.1996‬‬ ‫(‪ -(128‬ينظر‪ :‬البند ‪ ( 26،25‬ف) من إعالن وبرنامج عمل كوبنهاكن للتنمية االجتماعية لسنة ‪1996‬؛ ينظعر‪ :‬البنعد ‪ 19‬معن‬ ‫إستراتيجية العمل الدولية للشيخوخة لعام ‪ ،2002‬الوثيقة (‪ ،)E/CN.5/2001/PC/L.9‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫(‪ -)129‬للمزيد ينظر‪ :‬البند ‪/29‬االلتزام ‪(2‬د) من إعالن وبرنامج عمل كوبنهاكن للتنمية االجتماعية لسنة ‪.1996‬‬ ‫(‪ -)130‬ينظر‪ :‬االلتزام ‪( 4‬د‪، ،‬ك) من البند ‪ 29‬من إعالن وبرنامج عمل كوبنهاكن للتنمية االجتماعية لسنة ‪.1996‬‬ ‫(‪ -)131‬ينظر‪ :‬االلتزام ‪( 6‬ز) من البند ‪ 29‬من إعالن وبرنامج عمل كوبنهاكن للتنمية االجتماعية لسنة ‪.1996‬‬ ‫(‪ -(132‬ينظر‪ :‬االلتزام ‪ 5‬من البند ‪ 29‬من إعالن وبرنامج عمل كوبنهاكن للتنمية االجتماعية لسنة ‪.1996‬‬ ‫(‪ -(133‬الفقرة ‪ 2‬من قرار اجلمعية العامة رقم ‪ 203/60‬الصادر في ‪ 22‬كانون األول ‪ ،1996‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/50/203‬املؤرخة‬ ‫في ‪ 23‬شبا ‪.1995‬‬ ‫(‪-(134‬املادة ‪ 62‬من برنامج (منهاج)عمل بيجن للمرأة لسنة ‪1996‬الصادر بوثيقة اجلمعية العامة (‪،)A/CONF.177/20‬‬ ‫املؤرخة في ‪ 17‬تشرين األول ‪ ،1996‬ص ‪.6‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪361‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬ ‫(‪(135‬‬

‫اجلنسية والرعاية الصحية التي اعترف املؤمترون بعدم العناية بتقدميها في اغلب األحيان‪.‬‬

‫وعلى‬

‫العموم أكد املؤمتر على دور املنظمات الدولية واجلماعات النسائية في دعم العمل نحو تعبئة جميع‬ ‫األطراف املشاركة في العملية اإلمنائية لتحسني برامج مكافحة الفقر املوجه إلى جماعات النساء‬ ‫األشد فقرا ً واألكثر حرمانا ومنهم املسنات وغيرهن(‪.)136‬‬ ‫كما فرض املؤمتر على احلكومات بالتعاون مع األطراف األخرى العاملة في امليدان وضع برامج‬ ‫وتقد خدمات إعالمية للمساعدة على فهم التغيرات املتصلة بتقدم السن والتكييف معها والعناية‬ ‫باالحتياجات الصحية للمسنات عامة‪ .‬هذا مع ضمان أن تشكل املعلومات وعمليات التدريب في مجال‬ ‫الصحة والتغذية جزءا من جميع برامج محو أمية كبار السن واملناهج الدراسية كافة بدءا ً من املرحلة‬ ‫االبتدائية(‪ .)137‬كذلك مت توجيه الدعوة إلى اعتماد وتنفيذ قوانني ملكافحة التمييز القائم على أساس‬ ‫اجلنس في العمل والضمان االجتماعي خصوصا للعامالت املسنات(‪ ،)138‬وتقد الدعم للبرامج التي تعزز‬ ‫االعتماد على النفس جملموعات خاصة من النساء تشمل املسنات وغيرهن(‪.)139‬‬ ‫خامسا ً‪ :‬وفي مؤمتر األ املتحدة للمستوطنات البشرية (املؤئل الثاني) الذي عقد في اسطنبول للفترة‬ ‫(‪)140‬‬

‫‪ 14-3‬حزيران ‪1995‬‬

‫اعترفت املنظمة بحق األشخاص املسنني في عيش حياة مرضية منتجة تتا‬

‫لهم فيها فرصة املشاركة في مجتمعاتهم‪ ،‬واتخاذ القرارات املتعلقة برفاههم وال سيما حاجتهم إلى‬ ‫مأوى(‪ .)141‬مشجعا احلكومات وبدعم من املؤسسات الدولية واإلقليمية على مساندة جهودها الرامية‬ ‫نحو حتديد أمنا استخدام األراضي على نحو مستدام مع ايالء اعتبار خاص لكبار السن وغيرهم(‪،)142‬‬ ‫ويشمل ذاك أيضا املشاريع والبرامج املوجهة ملنع العنف واجلرمية(‪ )143‬كما دعى املؤمتر إلى العمل على‬ ‫حتسني أوضاع املساكن واملوئل للتخفيف من األخطار التي تهدد الصحة والسالمة التي تتعرض لها‬ ‫الفئات الضعيفة ككبار السن(‪ ،)144‬خصوصا ً أنهم األكثر تأثرا من األضرار الناجمة عن التلوو الذي‬ ‫(‪ -(135‬املادة ‪ 96‬من برنامج (منهاج) عمل بيجن للمرأة لسنة ‪.1996‬‬ ‫(‪ -(136‬ينظر‪ :‬املادة ‪/50‬أ من برنامج (منهاج) عمل بيجن للمرأة لسنة ‪.1996‬‬ ‫(‪ -)137‬ينظر‪ :‬املواد ‪/101،105‬ن‪/107 ،‬ي من برنامج (منهاج) عمل بيجن للمرأة لسنة ‪.1996‬‬ ‫(‪ -)138‬املادة ‪/156‬ب‪ ،‬املادة ‪/179‬ج من برنامج (منهاج) عمل بيجن للمرأة لسنة ‪1996‬؛ و للمزيد حول ذلك ينظر‪ :‬تقرير األمني‬ ‫العام لأل املتحدة اخلاص بانعقاد اجلمعية العاملية الثانية للشيخوخة لسنة ‪ ،2000‬الوثيقة (‪ ،)E/CN.5/2001/PC/2‬مصدر‬ ‫سابق‪ ،‬ص‪.24‬‬ ‫(‪ -(139‬ينظر‪ :‬املادة ‪/176‬د من (منهاج) عمل بيجن للمرأة لسنة ‪.1996‬‬ ‫(‪ -)140‬ينظر املادة ‪ 2‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 177/61‬الصعادر فعي ‪ 15‬كعانون األول ‪ ،1995‬الوثيقعة (‪،)A/RES/51/177‬‬ ‫املؤرخة في ‪ 11‬شبا ‪.1997‬‬ ‫(‪ - )141‬املادة ‪ 17‬واملادة‪(/40‬ي‪-‬ل) من جدول أعمال املوئل لسنة ‪1995‬الصعادر بوثيقعة اجلمعيعة العامعة (‪،)A/CONF.165/14‬‬ ‫املؤرخة في ‪ 7‬أب ‪ ،1995‬ص ‪.6‬‬ ‫(‪ -(142‬ينظر‪ :‬املادة ‪ /113‬ل من جدول أعمال املوئل لسنة ‪.1995‬‬ ‫(‪ -(143‬ينظر‪ :‬املادة ‪ /123‬من جدول أعمال املوئل لسنة ‪.1995‬‬ ‫(‪ -(144‬ينظر‪ :‬املادة ‪ / 135‬د من جدول أعمال املوئل لسنة ‪.1995‬‬ ‫‪362‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬ ‫حتدثه وسائط النقل واالتصاالت(‪ ،)145‬وارتباطا ً مبا سبقت اإلشارة إليه وجه املؤمتر اجلهات املعنية التباع‬ ‫نهج متكامل لسياسية النقل في البلدان املعنية تولي االهتمام الحتياجات جميع الفئات السكانية‬ ‫وال سيما الذين يعاق تنقلهم بسبب السن أو العجز وغيره(‪ ،)146‬مع التأكيد على أهمية مشاركة‬ ‫املنظمات غير احلكومية الوطنية في عمليات صنع القرارات املتعلقة ببرامج الرعاية االجتماعية التي‬ ‫تشمل املسنني عبر اجملالس اخلاصة بهم (‪ .)147‬وال يقتصر األمر على ذلك فحسب فقد أشار جدول‬ ‫األعمال اخلاص باملؤمتر إلى ضرورة دفع كبار السن للقيام بدور نشط للمشاركة في األنشطة الثقافية‬ ‫وتعزيز التواصل التاريخي والثقافي باعتبارهم ذاكرة للتراو واملعرفة واملهارات(‪ .)148‬كما ينبغي العمل‬ ‫على كفالة ضمان مشاركتهم في التخطيط حلاالت الكوارو وإدارتها لكونهم من أكثر الفئات املعرضة‬ ‫(‪)149‬‬

‫للمخاطر وآثار هذه الكوارو‬

‫وفي إطار تعزيز تطبيق سياسات وبرامج التدريب والتعليم وتنمية‬

‫املوارد البشرية ركز املؤمتر على ضرورة تدريب املعنيني على مراعاة الفروق بني اجلنسني واحتياجات املسنني‬ ‫وغيرها كعناصر البد منها من اجل تدعيم املؤسسات وبناء القدرات العاملة في هذا اجملال(‪.)150‬‬ ‫وبعد عرضنا ألهم املؤمترات الدولية التي رعتها أو شاركت فيها األ املتحدة وتناولت من خاللها‬ ‫حقوق املسنني من مختلف اجلوانب‪ ،‬نرى أنه ومع وجود اإلعالنات والبرامج الرائعة والدقيقة الصياغة‬ ‫التي حتدد اآلليات وخطوات التنفيذ ملا كان يدور عليه موضوع املؤمتر‪ ،‬إال أن ما نفذ منها لم يرق إلى‬ ‫مستوى الطمو وليس أدل على ذلك من واقع حياة العديد من املسنني املزري في الكثير من الدول وحتى‬ ‫املتقدمة التي قد تدفع بهم إلى اليأس والقنو ال بل االنتحار في بعض األحيان(‪ ،)151‬خصوصا ً إذا علمنا‬ ‫أن املسؤولية األولى في وضع مقررات هذه املؤمترات موضع التطبيق الفعلي تقع على احلكومات بالدرجة‬ ‫األساس وتعتمد هذه بدورها على حجم املوارد واإلمكانيات املتاحة‪ .‬وهكذا فانه على الرغم من‬ ‫التعهدات املتكررة بالعمل على تنفيذ االستراتيجيات املوضوعة تبقى الكثير من حياة املسنني ال‬ ‫(‪ -(145‬ينظر‪ :‬املادة ‪ 147‬من جدول أعمال املوئل لسنة ‪.1995‬‬ ‫(‪ -(146‬ينظر‪ :‬املادة ‪ /161‬أ من جدول أعمال املوئل لسنة ‪.1995‬‬ ‫(‪ -)147‬ينظر‪ :‬املادة ‪ /14‬ب من جدول أعمال املوئل لسنة ‪ . 1995‬وللمزيد ينظر‪ :‬اسعتراتيجيه العمعل الدوليعة للشعيخوخة‬ ‫لعام ‪ ،2002‬الوثيقة (‪ ،)E/CN.5/2001/PC/L9‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫(‪ -)148‬ينظر‪ :‬املادة ‪ /163‬و من جدول أعمال املوئل لسنة ‪.1995‬‬ ‫(‪ -)149‬ينظر‪ :‬املادة ‪ /172‬ب من جدول أعمال املوئل لسنة ‪.1995‬‬ ‫(‪ -)150‬ينظر‪ :‬املادة ‪ /194‬ج (‪ )3-2‬من جدول أعمال املوئل لسنة ‪.1995‬‬ ‫(‪ -(151‬اجتاحت في اآلونة األخيرة موجة من حاالت انتحار كبار السن في العديد من العدول األوربيعة بسعبب أزمعة العديون‬ ‫فيها حيث أقدم مسن يوناني يبلغ من العمر‪ 77‬عاما على قتل نفسه أمام مبنى البرملان في العاصمة أثينعا جعراء تعراكم‬ ‫ديونه وعجزه الوفاء بها‪ ،‬كما ألقت أمرة مسنة تبلغ من العمر‪ 79‬عاما بنفسها من شعرفة شعقتها فعي جزيعرة صعقلية‬ ‫(ايطاليا) ا حتجاجا على خفض معاشها‪ ،‬ويشار في هذا الصدد إلى تكرر مثل هذه احلعاالت التعي يقعوم بهعا كبعار السعن‬ ‫لكونهم أكثر الفئات االجتماعية املتضررة من األزمات املالية التي تضرب الكثير من الدول األوربية‪ ،‬لالطالع على التفاصيل‬ ‫ينظر‪ :‬اخلبر الذي نشرته جريد الزمان بعنوان "مسن يوناني يقتل نفسه أمام البرملان بسبب ديونه"‪ ،‬الطبعة الدولية‪ ،‬تصدر‬ ‫عن مؤسسة الزمان الدولية للصحافة والنشر‪ ،‬لندن‪ ،‬السنة ‪ ،14‬العدد ‪ 5-6 ،4155‬نيسان ‪ ،2012‬ص‪.20‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪363‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫يشهد التغير املطلوب ويبقى الكثير من حقوقهم ناقص أو مهمش ليصنف بالتالي كبار السن بأنهم‬ ‫من أكثر الفئات املستضعفة وامحمرومة في اجملتمع‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬ ‫اآلليات املوضوعة مبوجب مؤمتري الشيخوخة لعام ‪ 1992‬وعام ‪2002‬‬ ‫جنم عن انعقاد مؤمتر الشيخوخة األول (اجلمعية العاملية األولى) للشيخوخة في فينا لعام‬ ‫‪ 1992‬ومبشاركة ‪ 134‬دولة اعتماد خطة عمل دولية عدت مبثابة أول صك دولي من نوعه يسترشد به في‬ ‫عملية صياغة السياسات العامة بشان تعزيز احلقوق املتصلة بالشيخوخة‪ ،‬وتضمنت خطة العمل ‪52‬‬ ‫توصية في سبعة مجاالت تهم األشخاص املسنني وهي الصحة والتغذية‪ ،‬وحماية املستهلكني‬ ‫املسنني‪ ،‬والسكن والبيئة‪ ،‬واألسرة‪ ،‬والرفاهية االجتماعية‪ ،‬وتامني الدخل والبطالة‪ ،‬والتعليم وحثت‬ ‫األطراف املعنية من دول ومنظمات دولية بأنواعها وأفراد وغيرهم على تكثيف نشاطاتها ضمن اجملاالت‬ ‫التي أوصت بها وبشكل يتماشى مع الطفرة الدميغرافية في أعداد املسنني(‪.)152‬‬ ‫وتضمنت خطة العمل الدولية التي تقررت في اجتماع اجلمعية العاملية الثانية للشيخوخة‬ ‫لعام ‪ 2002‬عددا من املواضيع امحمورية التي تدور حول العمل على حتقيق شيخوخة مأمونة وفعالة في‬ ‫مختلف أنشطة اجملتمع مع ضمان حقوقها كافة‪ ،‬وتوفير الفرص املناسبة لتطوير املسنني وحتقيق‬ ‫رفاهيتهم طول احلياة وبشكل متساو ودون متيز مع االعتراف باألهمية البالغة للترابط والتضامن بني‬ ‫األجيال وبناء الشراكات بني اجلهات الفاعلة من حكومات ومجتمع مدني وقطاع خاص ورصد البحوو‬ ‫واخلبرات التي تركز على اآلثار املترتبة على شيخوخة السكان وبالذات في البلدان النامية(‪ .)153‬حتقيقا‬ ‫لذلك وضعت إستراتيجية العمل ثالو توجيهات رئيسية تتلخص بع‪:‬‬ ‫‌أ‪ -‬مشاركة كبار السن في عملية التنمية من اجل االستفادة من مكاسبها‪.‬‬ ‫ب‪ -‬العمل على توفير اخلدمات الصحية والرفاه التام للبالغني سن الشيخوخة‪.‬‬ ‫‌‬ ‫ج‪ -‬كفالة تهيئة بيئة متكينية داعمة خملتلف خدمات الرعاية الشاملة لكبار السن(‪.)154‬‬ ‫وأدركت املنظمة بان تطوير أحوال الشيخوخة يفرض على جميع األطراف املعنية اتخاذ إجراءات‬ ‫فاعلة على جميع املستويات بشان التوجهات الثالثة املذكورة اعترافا منها بان تنفيذها يتوقف على‬ ‫إقامة شراكات حقيقية مؤثرة بني األطراف املعنية ضمن بيئة مؤاتية تستند إلى احترام حقوق اإلنسان‬

‫(‪ -(152‬ينظر‪ :‬تقرير األمني العام لأل املتحدة بشان خطة العمل الدوليعة املنقحعة للشعيخوخة ‪ :‬مشعروع إطعار موسعع‪،‬‬ ‫الوثيقة (‪ ،)E/CN.5/2001/PC/2‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬ ‫(‪ -)153‬ينظر‪ :‬إستراتيجية العمل الدولية للشيخوخة لعام ‪ ،2002‬الوثيقة (‪ ،)E/CN.5/2001/PC/L.9‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.5 -6‬‬ ‫(‪ -(154‬ينظععر‪ :‬خطععة عمععل مدريععد للشععيخوخة لعععام ‪ ،2002‬تقريععر اجلمعيععة العامليععة الثانيععة للشععيخوخة‪ ،‬الوثيقععة‬ ‫(‪ ،)A/CONF.197/9‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫‪364‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫وسيادة القانون وحتقيق الدميقراطية مع التأكيد على أن التعاون الدولي يرتكز بصورة أساسية على‬ ‫اجلهود الوطنية املبذولة في هذا املضمار(‪.)155‬‬ ‫واقتناعا من املنظمة بان ما دار في مؤمتراتها حول الشيخوخة يجب أن يؤدي إلى استحداو‬ ‫وتطبيق سياسات على األصعدة الدولية واإلقليمية والوطنية تهدف إلى تعزيز حقوق املسنني‬ ‫لتمكينهم من التمتع بحياة متلؤها الصحة واألمن والرضى‪ ،‬وإقرارا منها بان نوعية احلياة ليست اقل‬ ‫أهمية من طول العمر فقد سارعت األ املتحدة إلى اتخاذ تدابير سريعة منها ما سبق انعقاد املؤمتر من‬ ‫اجل التحضير له وإجناحه ومنها ما جاء تاليا عليه وكما يأتي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬تدبير املوارد املالية الالزمة من قبل املنظمة لغرض متويل أنشطتها في مجال تقرير ووضع‬ ‫السياسيات والبرامج اخلاصة بكبار السن عبر تأسيس صندوق استئماني لتلقي التبرعات املالية من‬ ‫الدول األعضاء في املنظمة وغيرها من اجلهات األخرى(‪ ،)156‬ومناشدة الدول واملنظمات غير احلكومية‬ ‫بتقد التبرعات السخية وضرورة استخدام موارد الصندوق وتوجيهها نحو تشجيع االهتمام مبيدان‬ ‫الشيخوخة في البلدان النامية(‪ .)157‬حيث دعت املنظمة إلى استخدام موارد الصندوق في صياغة‬ ‫وتنفيذ السياسات والبرامج وحتقيق التعاون التقني وإجراء البحوو املتصلة بالشيخوخة(‪ ،)158‬ومن اجل‬ ‫ذلك عقد اجتماع للشخصيات البارزة في مقر املنظمة بنيويورك يومي‪ 19 -19‬أيلول ‪ )159(1999‬مبشاركة‬ ‫من منظمات غير حكومية وجمعيات دولية معنية باملوضوع‪ ،‬حيث اعترف املشاركون في االجتماع‬ ‫بوجود فجوة بني احتياجات املسنني واملوارد املتاحة للوفاء بها مقرين باحلاجة إلى استراتيجية فعالة‬ ‫(‪ -(155‬ينظر‪ :‬الفقرة ( ‪ ) 9 -7 ،6‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 157 /67‬لسنة ‪.2002‬‬ ‫(‪ -(156‬ينظر‪ :‬الفقرة (‪ )6-4‬من قرار اجلمعية العامة رقم ‪ 129/36‬الصادر في ‪ 11‬كعانون األول ‪ .1990‬ومعن اجلعدير بالعذكر أن‬ ‫الدعم املالي لنشاطات املنظمة في مجال تعزيز حقوق كبار السن ال يقتصر فقط على الصندوق االستئماني املذكور بعل‬ ‫هناك مورد أخرى يستند عليها كصندوق األ املتحدة لألنشطة السكانية‪ ،‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 7‬من القرار ‪.‬‬ ‫(‪ -)157‬ينظر‪ :‬الفقرة (‪ )6-4‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 20/35‬الصادر في ‪ 9‬تشعرين الثعاني ‪1991‬؛ الفقعرة ‪ 11‬معن قعرار‬ ‫اجلمعية املرقم ‪ 29/40‬الصادر في ‪ 29‬تشرين الثاني ‪ .1996‬وشمل ذلك أيضا تشجيع األطراف املذكورة علعى تقعد دعمهعا‬ ‫املالي بخصوص أنشطة ومهام اجلمعية العاملية الثانية املعقودة في مدريعد لسعنة ‪ ،2002‬ينظعر‪ :‬قعرار اجلمعيعة العامعة‬ ‫املرقم ‪ 119/65‬الصادر في ‪ 19‬كانون األول ‪ ،2001‬الوثيقة (‪ )A/RES/56/118‬املؤرخ في ‪ 19‬كانون الثاني ‪2002‬؛ الفقرة ‪ 15‬معن‬ ‫قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 157/67‬لسنة ‪.2002‬‬ ‫(‪ -)158‬ينظر‪ :‬الفقرات (‪ )12-9‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 61/37‬لسنة ‪1992‬؛ والفقرات (‪ )6-4‬من قرار اجلمعيعة املعرقم‬ ‫‪ 26/39‬الصادر في ‪ 23‬تشرين الثاني ‪ . 1994‬وبالرغم معن العدعوات املتكعررة واملناشعدات املسعتمرة معن قبعل األ املتحعدة‬ ‫لألطراف املعنية بتقد التبرعات ومتويل مشاريعها بشان الشعيخوخة فقعد رلعت املنظمعة تشعكو معن تنعاقص معوارد‬ ‫الصندوق وتعرب عن قلقها املتزايد بشان تنفيذ اخلطط والبرامج خصوصا في البلدان النامية‪ ،‬ينظر‪ :‬ديباجة قرار اجلمعية‬ ‫العامة املرقم ‪ 105/46‬لسنة ‪ . 1990‬لذلك طلب اجمللس االقتصادي واالجتمعاعي إلعى االمعني الععام إدراج الصعندوق وعلعى‬ ‫أساس سنوي ضمن البرامج التي يعلن التبرع لها في مؤمترات املنظمة لألنشطة اإلمنائية‪ ،‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 12‬من قرار اجمللس‬ ‫االقتصادي واالجتماعي املرقم ‪ ،1996 /29‬قرارات ومقررات اجمللس االقتصادي واالجتماعي لسعنة ‪ ،1996‬امللحعق رقعم ‪ ،1‬األ‬ ‫املتحدة‪ ،‬نيويورك‪ ،‬الوثيقة (‪ ،1997 ،)E/1985/85‬ص ‪.32‬‬ ‫(‪ -(159‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 20‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 57/44‬الصادر في ‪ 9‬كانون األول ‪.1999‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪365‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫تتأسس على مبدأ املشاركة بني احلكومات واملنظمات غير احلكومية والقطاع اخلاص لسد هذه الثغرة‪،‬‬ ‫ومت االتفاق على إنشاء مؤسسة لهذا الغرض(‪.)160‬‬ ‫ثانيا‪ :‬ساعدت املنظمة الدول املهتمة في النهوض بواقع حقوق كبار السن لديها عبر طرق ووسائل‬ ‫مختلفة منها لفت انتباهها إلى ضرورة استحداو البرامج الالزمة لرفاههم وحمايتهم‪ ،‬ثم إعادة‬ ‫تأهيلهم من جديد مبا يتفق مع احتياجاتهم والعمل على تعزيز إسهاماتهم في اإلمناء االجتماعي‬ ‫واالقتصادي واستخدام كل الوسائل املمكنة للنهوض بتماسك اخللية العائلية وعقد االتفاقيات‬ ‫الثنائية واملتعددة األطراف للتعاون بني الدول املعنية في مجال تعزيز حقوقهم اخملتلفة وعلى وجه‬ ‫اخلصوص كفالة الضمان االجتماعي لهم(‪ .)161‬حتقيقا لذلك ساعدت املنظمة احلكومات في وضع‬ ‫اخلطط لقطاع املسنني في إطار برامجها اإلمنائية الشاملة ووفقا ألولوياتها الوطنية والعمل على‬ ‫(‪)162‬‬

‫تنفيذها‬

‫بواسطة إنشاء جلان وطنية تضطلع باألنشطة واملهام املوكلة لديها وبشكل يتفق مع‬ ‫(‪)163‬‬

‫أعراف وثقافة كل بلد‬

‫وتشجيعها على أن جتسد في تشريعاتها حق كبار السن في الوصول إلى‬

‫اخلدمات االجتماعية واستخدامها على قدم املساواة(‪ ،)164‬كما دعت الدول األعضاء إلى حتديد يوم وطني‬ ‫للشيخوخة يوجه نحو األنشطة التي تقوم بها لصالح كبار السن وتلك التي يضطلع بها املسنون‬ ‫أنفسهم(‪.)165‬‬ ‫ثالثا‪ :‬تشجيع البحث وتبادل املعلومات واخلبرات من اجل حتفيز التقدم في ميدان الشيخوخة والدفع‬ ‫نحو اتخاذ التدابير املالئمة لالستجابة لآلثار االقتصادية واالجتماعية للشيخوخة وتلبية احتياجات‬ ‫(‪)166‬‬

‫كبار السن عبر طرق ووسائل مختلفة منها إنشاء شبكة دولية ملراكز اإلعالم والبحوو والتدريب‬

‫وتشجيعها على القيام بتدريب املورفني العاملني في ميدان الشيخوخة‪ ،‬ال سيما في البلدان‬ ‫(‪)167‬‬

‫النامية‬

‫واحلث على إعداد التقارير عن احلالة والسمات البارزة للشيخوخة على مستوى العالم‬

‫وتوزيعها على وسائط اإلعالم واجلمهور مبا في ذلك الترويج للقواعد واملبادئ التي تخص كبار السن على‬ ‫كافة املستويات امحملية والوطنية واإلقليمية والعاملية(‪ )168‬وإصدار الطوابع البريدية وامليداليات التذكارية‬ ‫(‪ -)160‬للمزيد ي نظر‪ :‬تقرير األمني العام عن اجتماع الشخصيات البارزة جلمع األموال من اجل الشيخوخة املعقعود للفتعرة‬ ‫من ‪ 19-19‬أيلول ‪ ،1999‬اجلمعية العامة‪ ،‬الوثيقة (‪ )A/44/420/ADD.1‬املؤرخة في ‪ 17‬تشرين األول ‪.1999‬‬ ‫(‪ -(161‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 3‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪( 3137‬د‪ )29-‬الصادر في ‪ 14‬كانون األول ‪.1973‬‬ ‫(‪ -(162‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ /4‬أ من القرار أعاله؛ والفقرة (‪ )7 ،1‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 20 /35‬لسنة ‪.1991‬‬ ‫(‪ -)163‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 9‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 129 /36‬لسعنة ‪1990‬؛ وأيضعا ينظعر‪ :‬الفقعرة ‪ 3‬معن قعرار اجلمعيعة‬ ‫العامة املرقم ‪ 61 /42‬الصادر في ‪ 30‬تشرين الثاني ‪.1997‬‬ ‫(‪ -(164‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 9‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 109 /63‬لسنة ‪.1999‬‬ ‫(‪ -(165‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 2‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 20 /35‬لسنة ‪.1991‬‬ ‫(‪ -(166‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 7‬من قرار اجلمعية العامة ‪ 61 /37‬لسنة ‪1992‬؛ والفقرة ‪ 7‬معن قرارهعا املعرقم ‪ 27 /39‬الصعادر فعي ‪22‬‬ ‫تشرين الثاني ‪1993‬؛ والفقرة ‪ 5‬من قرارها املرقم ‪ 26 /39‬لسنة ‪.1994‬‬ ‫(‪ -(167‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 2‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 95 /41‬الصادر ‪ 4‬كانون األول ‪.1995‬‬ ‫(‪ -(168‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 13‬من قرار اجلمعية العامة ‪ 57 /44‬لسنة ‪1999‬؛ والفقرة ‪ 9‬من قرارها املرقم ‪ 94 /45‬لسنة ‪.1991‬‬ ‫‪366‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬ ‫عند االحتفال باملناسبات اخلاصة بكبار السن(‪ )169‬ودفع الصحافة ووسائل ال‘عالم عامة نحو القيام بدور‬ ‫رئيسي في التوعية بشيخوخة السكان والقضايا املتصلة بها كالقضاء على التمييز‪ ،‬وتعزيز التضامن‬ ‫بني األجيال(‪ ،)170‬والنظر في إمكانية تعيني شخصيات بارزة للقيام بدور سفراء للمساعي احلميدة‬ ‫لصالح الشيخوخة(‪ ،)171‬واستحداو دائرة مكونة من خبراء ومستشار إقليمي لشؤون الشيخوخة‬ ‫ملساعدة البلدان النامية حتديدا في زيادة قدرتها على معاجلة شيخوخة سكانها معاجلة فاعلة(‪.)172‬‬ ‫رابعا ً‪ :‬وفي سبيل مراجعة ما مت تنفيذه من برامج وأنشطة ومدى التقدم امحمرز في هذا اجملال وضعت األ‬ ‫املتحدة آلية لتقييم واستعراض اخلطط املوضوعة في بحر مدد معينة (كل أربع سنوات أو ست سنوات)‬ ‫(‪)173‬من اجل حتديد االجتاهات الرئيسية والتدابير امحمددة للعمل في هذا املضمار‪ )174(.‬وحتقيقا لذلك اتخذت‬ ‫املنظمة خطوات فاعلة كتشكيل فريق عمل مخصص للنظر في التقارير املقدمة واقترا تدابير‬ ‫(‪)175‬‬

‫معينة لدعم قضية الشيخوخة‬

‫وإنشاء مصرف للبيانات اخلاصة بالسياسات والبرامج املتعلقة‬

‫باملوضوع بشكل ميكن من تنسيق كافة البيانات التي مت جمعها في االستعراضات وإتاحتها للدول‬ ‫األعضاء على نحو مستمر(‪ ،)176‬والتأكيد على أهمية جمع البيانات واإلحصائيات السكانية املفصلة‬ ‫حسب اجلنس والعمر ووضع قاعدة بيانات يتيسر الوصول إليها عن طريق الشبكة املعلوماتية (‬ ‫االنترنيت ) من اجل االستفادة منها ألغراض وضع السياسات من قبل البلدان ذات العالقة(‪.)177‬‬ ‫خامسا ً‪ :‬عملت املنظمة على تسخير أجهزتها وهيئاتها الفرعية لدعم وتفعيل البرامج واملؤمترات‬ ‫والنشاطات التي قامت بها ومن أهمها‪:‬‬ ‫‌أ‪ -‬اضطالع مركز التنمية االجتماعية والشؤون اإلنسانية التابع لألمانة العامة بدور قيادي ورائد في‬ ‫أعمال التحضير للجمعية العاملية األولى في فينا لسنة ‪ ،1992‬وبالتعاون مع عدد من األجهزة األخرى‬ ‫(‪)178‬‬

‫كالوكاالت املتخصصة واملنظمات ذات العالقة‬

‫ناهيك عن دوره كمركز للتنسيق بشان جهود‬

‫املنظمة فيما يتعلق بالشيخوخة(‪ ،)179‬كما عملت جلنة التنمية االجتماعية وهي إحدى اللجان الفنية‬ ‫(‪ -(169‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 16‬من قرار اجلمعية العامة ‪ 57 /44‬لسنة ‪1999‬؛ والفقعرة ‪ 11 -10‬معن قرارهعا املعرقم ‪ 91 /45‬لسعنة‬ ‫‪.1991‬‬ ‫(‪ -(170‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 4‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 24 /64‬لسنة ‪.1999‬‬ ‫(‪ -(171‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 7‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 94 /45‬لسنة ‪.1991‬‬ ‫(‪ -)172‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 9 -9‬من قرار اجلمعية العامة ‪ 91 /45‬لسنة ‪.1991‬‬ ‫(‪ -)173‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 13‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 61 /37‬لسنة ‪.1992‬‬ ‫(‪ -)174‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 7‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 95 /41‬لسنة ‪.1995‬‬ ‫(‪ -)175‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 5‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 61 /42‬لسنة ‪1997‬؛ والفقرة ‪ 9‬من قرارها املرقم ‪ 95 /47‬الصادر فعي‬ ‫‪ 15‬كانون األول ‪ ،1992‬الوثيقة(‪ ،(A/RES/47/86‬املؤرخة في ‪22‬اذار ‪.1993‬‬ ‫(‪ -)176‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 10‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 95/47‬لسنة ‪.1992‬‬ ‫(‪ -(177‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 3‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 24 /64‬لسنة ‪.1999‬‬ ‫(‪ -)178‬ينظر‪ :‬الفقرة (‪ )1‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 129 /36‬لسنة ‪.1990‬‬ ‫(‪ -(179‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 9‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 61 /37‬لسنة ‪.1992‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪367‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬ ‫(‪)180‬‬

‫(الوريفية) التابعة للمجلس االقتصادي واالجتماعي‬

‫على رصد وتقييم خطة العمل الدولية‬

‫الناجمة عن انعقاد اجلمعية األولى‪ ،‬كما استعرضت تنفيذ اخلطة كل أربع سنوات(‪ )181‬وتنقيحها بغية‬ ‫(‪)182‬‬

‫وضع إستراتيجية جديدة‬

‫للتحضير للجمعية العاملية الثانية لسنة ‪ ،)183(2002‬فضال ً عن رصدها‬

‫ومتابعتها للمؤمترات الدولية ذات الصلة بالشيخوخة(‪.)184‬‬ ‫ولعبت أجهزة أخرى أسستها املنظمة دورا ً بارزا ً في هذا امليدان كصندوق األ املتحدة لألنشطة‬ ‫السكانية الذي قدم الدعم املالي لعقد مؤمترات الشيخوخة وتنفيذ برامج العمل الناجمة عنها‬ ‫(‪)186‬‬

‫وبخاصة في البلدان النامية(‪ ،)185‬وأيضا التعاون مع صندوق األ املتحدة اإلمنائي للمرأة‬

‫بخصوص‬

‫املشاريع التي تخص مصلحة النساء املسنات(‪ )187‬وكذلك صندوق األ املتحدة للسكان الذي عمل على‬ ‫(‪)188‬‬

‫صياغة اخلطط والبرامج الوطنية بشان الشيخوخة‬

‫حيث ساعد على وضع النماذج الدميغرافية‬

‫اخلاصة بالسكان املسنني في العالم واألقاليم واملناطق الوطنية(‪ ،)189‬كما أولت جلنة مركز املرأة التابعة‬ ‫(‪)190‬‬

‫للمجلس االقتصادي واالجتماعي‬

‫اهتماما خاصا للمشاكل التي تواجه املسنات خصوصا الالتي‬

‫يتعرضن للتمييز بسبب اجلنس والسن‪ ،‬وأوصت مبراعاة حالتهن وال سيما الالتي يعشن في املناطق‬ ‫الريفية(‪ ،)191‬فضال ً عن السعي احلثيث الذي قامت به شعبة السياسات االجتماعية والتنمية التابعة‬ ‫إلدارة الشؤون االقتصادية واالجتماعية باألمانة العامة لأل املتحدة في إعداد برنامج دولي خاص‬ ‫بالشيخوخة لوضع خطط العمل املقررة موضع التنفيذ(‪ ،)192‬ناهيك عن الدعوة التي أطلقتها املنظمة‬ ‫(‪ -)180‬للمزيد حول اللجنة وورائفها ينظر‪ :‬د‪ .‬محمد صعالح املسعفر‪ ،‬منظمعة األ املتحعدة خلفيعات النشعأة واملبعادئ‪،‬‬ ‫الطبعة األولى‪ ،‬مكتبة دار الفتح‪ ،‬الدوحة‪ -‬قطر‪ ،1997 ،‬ص ‪.294 -293‬‬ ‫(‪ -)181‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 13‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 61 /37‬لسنة ‪1992‬؛ الفقرة ‪ 14‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪/67‬‬ ‫‪ 157‬لسنة ‪.2002‬‬ ‫(‪ -)182‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 14‬من قرار اجلمعية املرقم ‪ 24 /64‬لسنة ‪.1999‬‬ ‫(‪ -)183‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 5‬من قرار اجلمعية املرقم ‪ 252 /64‬لسنة ‪.2000‬‬ ‫(‪ -)184‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 9‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 134 /69‬الصادر في ‪ 22‬كانون األول ‪ ،2003‬الوثيقة (‪،)A/RES/58/134‬‬ ‫املؤرخة في ‪ 25‬كانون الثاني ‪.2004‬‬ ‫(‪ -)185‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 7‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 129 /36‬لسنة ‪ ،1990‬والفقرة ‪ 12‬من قرارهعا املعرقم ‪ 27 /39‬لسعنة‬ ‫‪.1993‬‬ ‫(‪ -)186‬أنشئ الصندوق مبوجب قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 126 /39‬الصادر في ‪ 14‬كانون األول ‪.1994‬‬ ‫(‪ -(187‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 9‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 29 /40‬لسنة ‪.1996‬‬ ‫(‪ -)188‬لالطالع على دور الصندوق ونشاطه في هذا اجملال ينظر الصفحة اخلاصة به على موقعع األ املتحعدة علعى العرابط‬ ‫‪http://www.un.org/Arabic/esa/ageing/wpf.html‬‬ ‫التالي‪:‬‬ ‫(‪ -)189‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 14‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 57 /44‬لسنة ‪.1999‬‬ ‫(‪ -)190‬للمزيد حول اللجنة ينظر‪ :‬د‪ .‬إبراهيم احمد شلبي‪ ،‬التنظعيم العدولي ( دراسعة فعي النظريعة العامعة واملنظمعات‬ ‫الدولية)‪ ،‬الدار اجلامعية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،1994 ،‬ص ‪.350‬‬ ‫(‪ -)191‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 11‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 93 /43‬الصادر في ‪ 9‬كانون األول ‪1999‬؛ والفقرة ‪ 7‬من قرار اجلمعية‬ ‫العامة املرقم ‪ 160 /69‬الصادر في ‪ 20‬كانون األول ‪ ،2004‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/59/150‬املؤرخة في ‪ 1‬شبا ‪.2006‬‬ ‫(‪ -(192‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 16 ،12‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 157 /67‬لسنة ‪.2002‬‬ ‫‪368‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫لكافة اللجان الفنية التابعة للمجلس االقتصادي واالجتماعي حول إدماج قضايا شيخوخة السكان‬ ‫واألفراد في برامج عملها من اجل تعزيز تنفيذ اخلطط ذات الصلة(‪.)193‬‬ ‫كما شكلت األ املتحدة مؤخرا ً فريقا عامال مفتو العضوية جلميع الدول بهدف حتقيق حماية‬ ‫فعالة حلقوق كبار السن والنظر في اإلطار القانوني القائم حلقوقهم وحتديد الثغرات التي تعترض‬ ‫تطبيقها وأفضل الطرق ملواجهتها‪ ،‬وأيضا مالحظة إمكانية وضع املزيد من الصكوك امللزمة واتخاذ‬ ‫التدابير الالزمة للحماية‪ ،‬ودعت املنظمة جميع األطراف الفاعلة داخلها وخارجها إلى املساهمة بالعمل‬ ‫املوكل للفريق(‪ )194‬وتقرر أن ينظر اعتبارا من سنة ‪ 2013‬في املقترحات املقدمة لوضع صك قانوني دولي‬ ‫حلقوق كبار السن لغرض التعزيز واحلماية باالستناد إلى األعمال واملناهج املتبعة واملعمول بها في‬ ‫اللجان والبرامج املهتمة باملوضوع في األ املتحدة والطلب منه وبأسرع وقت ممكن لتقد مقتر‬ ‫الصك متضمنا العناصر األساسية للتعزيز واحلماية املشار إليها التي تفتقد إليها اآلليات املعتمدة‬ ‫بهذا اخلصوص(‪.)195‬‬ ‫ب‪ -‬كما ساهمت اللجان اإلقليمية التابعة للمجلس االقتصادي واالجتماعي(‪ )196‬بدور نشيط في مجال‬ ‫‌‬ ‫تعزيز حقوق املسنني حيث ترجمت الكثير من أهداف وتوصيات خطط الشيخوخة إلى خطط عمل‬ ‫إقليمية وساعدت املؤسسات الوطنية املعنية في تنفيذ ورصد ما تتخذه من أعمال في هذا اإلطار حيث‬ ‫لقي نشاطها هذا الترحيب من املنظمة(‪ .)197‬وقامت أيضا بالتعريف بنشاطاتها وخططها اخلاصة‬ ‫بالشيخوخة عبر العمل مع الدول ذات العالقة والهيئات املعنية باإلعالم التابعة لألمانة العامة(‪.)198‬‬ ‫كما سعت نحو توسيع دورها وخاصة في املناسبات املتصلة باملوضوع كاالحتفال بالذكرى السنوية‬ ‫العاشرة العتماد خطة عمل مدريد في عام ‪.)199(2012‬‬ ‫(‪ -)193‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 9‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 136 /50‬الصادر في ‪ 15‬كانون األول ‪ ،2006‬الوثيقة (‪،)A/RES/60/135‬‬ ‫املؤرخة في ‪ 2‬شبا ‪.2005‬‬ ‫(‪ -)194‬ينظععر‪ :‬الفقععرات ‪ 30 -29‬مععن قععرار اجلمعيععة العامععة املععرقم ‪ 192 /56‬الصععادر فععي ‪ 21‬كععانون األول ‪،2010‬‬ ‫الوثيقة(‪ ،(A/RES/65/182‬املؤرخة في‪ 4‬شبا ‪.2011‬‬ ‫(‪ -(195‬ينظععر‪ :‬الفقععرة ‪ 2-1‬مععن قععرار اجلمعيععة العامععة املععرقم ‪ 139 /57‬الصععادر فععي ‪ 20‬كععانون األول ‪ ،2012‬الوثيقععة‬ ‫(‪ )A/RES/67/139‬املؤرخة في ‪ 13‬شبا ‪2013‬؛ ينظر‪:‬‬ ‫‪Report on The Rights of Older People, Seanad Public Consultation Committee, Tithe an Oireachtais‬‬ ‫‪Coiste Comhairliúchán Poiblí an tSeanaid Tuarascáil maidir le Cearta Daoine Scothaosta, Houses of the‬‬ ‫‪p.10. Oireachtas, Márta 2012, PR Number (A12/0468),‬‬ ‫(‪ -)196‬لالطالع على املزيد حول نشا وهيئات هذه اللجان ينظر‪ :‬د‪ .‬محمد صالح املسفر‪ ،‬منظمة األ املتحعدة‪ ،....‬مصعدر‬ ‫سابق‪ ،‬ص ‪.299‬‬ ‫(‪ -)197‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 13‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 157 /67‬لسنة ‪2002‬؛ والفقرة ‪ 17‬من قرار اجلمعية العامعة املعرقم‬ ‫‪ 134 /69‬لسنة ‪.2004‬‬ ‫(‪ -)198‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 5‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 161 /53‬الصادر في ‪ 19‬كانون األول ‪ ،2009‬الوثيقة (‪،)A/RES/63/151‬‬ ‫املؤرخة في‪ 11‬شبا ‪.2009‬‬ ‫(‪ -)199‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 29‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 127/55‬لسنة ‪.2011‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪369‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫ج‪ -‬وقامت األ املتحدة بإنشاء مراكز ومعاهد متخصصة بشؤون الشيخوخة في العديد من املناطق‬ ‫اجلغرافية حول العالم من اجل توفير الكوادر املتخصصة واملتدربة لتلبية احتياجات الدول من‬ ‫املتخصصني في هذا اجملال ولوضع خطط العمل وبرامج املنظمة ذات الصلة موضع التنفيذ‪ ،‬فأنشأت‬ ‫املعهد الدولي للشيخوخة في مالطة مبوجب القرار‪ 41‬لسنة ‪ 1997‬الصادر عن اجمللس االقتصادي‬ ‫واالجتماعي(‪ )200‬الذي لقي ترحيبا واسعا من املنظمة ليباشر أعماله رسميا في ‪ 16‬نيسان ‪،)201(1999‬‬ ‫وكذلك أنشأت معهدا تدريبيا آخر ملنطقة أمريكا الالتينية والبحر الكاريبي(‪ )202‬مع األخذ بنظر االعتبار‬ ‫بإمكانية تأسيس معاهد أخرى على هذا الغرار في مناطق مختلفة كاألرجنتني ويوغسالفيا(‪ ،)203‬وأيضا ً‬ ‫أسست املنظمة اجلمعية اإلفريقية لعلم الشيخوخة في داكار(السنغال) ومبساعدة من مكتب األ‬ ‫املتحدة في فينا(‪.)204‬‬ ‫كما أنشأت املنظمة مؤسسة بانيان من اجل تامني ما يلزم من موارد مالية لدعم أنشطتها‬ ‫لتنفيذ خططها املتصلة بكبار السن ومتكينهم من االحتفاظ بأكبر قدر من االستقاللية واملشاركة في‬ ‫اجملتمع ضمن سياق خطة العمل اخلاصة بهم(‪ .)205‬ولهذا الغرض أيضا أنشئت مؤسسة أخرى حتت‬ ‫رعايتها لتشجيع القطاعني العام واخلاص فضال عن املنظمات غير احلكومية لتحقيق التدفق املطلوب‬ ‫واملستمر للموارد نحو دعم البرامج املعينة بالشيخوخة واملقررة من قبلها(‪.(206‬‬ ‫سادسا ً‪ :‬وعلى صعيد العالقة مع الوكاالت املتخصصة فقد مارست العديد منها أدوارا هامة في هذا‬ ‫امليدان‬

‫(‪)207‬‬

‫بالتعاون مع املنظمة األ منذ بدء اهتمامها بحقوق املسنني(‪ ،)208‬ودعتها إلى مواصلة‬

‫(‪ -)200‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 4-3‬من قعرار اجمللعس االقتصعادي واالجتمعاعي رقعم ‪ ،1997 /41‬قعرارات ومقعررات اجمللعس االقتصعادي‬ ‫واالجتماعي لسنة ‪ ،1997‬األ املتحدة‪ ،‬نيويورك‪ ،‬الوثيقة (‪ ،1999 ،)E/1987/87‬ص ‪ .39‬ولالطالع على املهعام واالجنعازات التعي‬ ‫حققها املعهد املذكور ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 9‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 105 /46‬لسنة ‪.1990‬‬ ‫(‪ -)201‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 3‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 61 /42‬لسعنة ‪1997‬؛ والفقعرة ‪ 3‬معن قرارهعا املعرقم ‪ 93 /43‬لسعنة‬ ‫‪.1999‬‬ ‫(‪ -)202‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 16‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 95 /47‬لسنة ‪.1992‬‬ ‫(‪ -)203‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 9‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 105 /46‬لسنة ‪.1990‬‬ ‫(‪ -)204‬الفقرة ‪ 19‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 57 /44‬لسنة ‪.1999‬‬ ‫(‪ -)205‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 11‬من قرار اجلمعية املرقم ‪ 105 /46‬لسنة ‪1990‬؛ والفقرة ‪ 14‬من قرارها املرقم ‪ 94 /45‬لسنة ‪.1991‬‬ ‫(‪ -)206‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 20‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 57 /44‬لسنة ‪ .1999‬ومت اعتماد أنشعاء هعذه املؤسسعة بنعاء علعى‬ ‫اجتماع دولي للشخصيات البارزة عقد في مقر األ املتحدة يومي ‪ 19 -19‬أيلعول ‪ 1999‬لوضعع إسعتراتيجية دوليعة جلمعع‬ ‫األموال الالزمة لتنفيذ السياسات املتعلقة بالسكان املسنني‪ ،‬للمزيد حول ذلك ينظر‪ :‬تقرير األمعني الععام ععن االجتمعاع‬ ‫الذي أرفق به نظام املؤسسة املذكورة الصادر بوثيقة اجلمعية العامعة املرقمعة (‪ ،) A/44/420/Add.1‬مصعدر سعابق‪،1999 ،‬‬ ‫ص‪.1‬‬ ‫(‪ -)207‬فعلى سبيل املثال اهتمت منظمة العمل الدولية ومنذ نشأتها بحماية حقوق املسنني من العمال وحتسني رروف‬ ‫عملهم حيث أصدرت جملة من االتفاقيات والتوصيات التي متس حقوقهم وأوضعاعهم‪ ،‬ونظعرا لكثرتهعا وتععذر التطعرق‬ ‫ملضامينها سنشير إلى عنعاوين هعذه الوثعائق حسعب تسلسعلها الزمنعي ونحيعل للبعاحثني دراسعتها‪ :‬اتفاقيعة تعامني‬ ‫الشيخوخة اإللزامي للمستخدمني في املشاريع الصناعية والتجارية واملهن احلرة والعاملني فعي منعازلهم وخعدم املنعازل‬ ‫لسنة ‪ ،1933‬اتفاقية تامني الشيخوخة اإللزامي للمستخدمني في املشاريع الزراعية لسنة ‪ ،1933‬اتفاقية تعامني العجعز‬ ‫‪370‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫األنشطة املتصلة مبسائل الشيخوخة عن طريق تقد املساعدة إلى املشاريع واخلطط التي تقع في‬ ‫(‪)209‬‬

‫نطاق واليتها‬

‫كما طلبت منها إدراج التحديات التي متثلها الشيخوخة وشواغل السكان املسنني‬

‫بصورة وافية في برامجها ومشاريعها‬

‫(‪)210‬‬

‫وشجعتها على دعم اجلهود الوطنية الرامية إلى توفير‬

‫التمويل ملبادرات البحوو وجمع البيانات املتعلقة باملسألة من اجل فهم هذه التحديات ودعم الفرص‬ ‫املتاحة وتزويد صانعي السياسات مبعلومات أدق وأكثر حتديدا ً عن املوضوع(‪ .)211‬ولقيت جهود الوكاالت‬ ‫املتخصصة الترحيب بها من قبل األ املتحدة خصوصا التي تتصل في ورائفها مع شؤون الشيخوخة‬ ‫بوجه عام كمنظمة الصحة العاملية ومنظمة العمل الدولية واليونسكو وغيرها(‪.)212‬‬ ‫سابعا ً‪ :‬وأخذت املنظمات غير احلكومية التي أصبحت ال حتصى عددا ً على عاتقها وبصورة جدية مناصرة‬ ‫حقوق املسنني والدفاع عنها والدعوة إلى ترسيخها بغرض زيادة الوعي العاملي بحالة من بلغوا مرحلة‬ ‫الشيخوخة‪ ،‬ووجهت األ املتحدة مرارا هذه املنظمات الوطنية منها والدولية إلى ضرورة تنسيق‬ ‫أعمالها لالضطالع بأنشطة حسنة التنسيق لتنفيذ خطط العمل التي شاركت هي نفسها في‬ ‫(‪)213‬‬

‫وضعها‬

‫ودعتها إلى توفير املعلومات والوثائق وإعارتها اخلبراء واإلداريني لتسهيل عملها في هذا‬ ‫(‪)214‬‬

‫امليدان ودعم صندوقها االستئماني مبا يلزم من موارد مالية‬

‫ورحبت مببادراتها املشجعة للقطاع‬

‫اإللزامي للمستخدمني في املشاريع الصناعية والتجارية واملهن احلرة والعاملني في منازلهم وخعدم املنعازل لسعنة ‪،1933‬‬ ‫اتفاقية تامني العجز اإللزامي للمستخدمني في املشاريع الزراعية لسعنة ‪ ،1933‬اتفاقيعة الضعمان االجتمعاعي للبحعارة‬ ‫لسنة ‪ ،1945‬اتفاقية معاشات البحارة لسنة ‪ ، 1945‬اتفاقية املععايير العدنيا للضعمان االجتمعاعي لسعنة ‪ ،1962‬توصعية‬ ‫التمييز في االستخدام واملهنة لسنة ‪ ،1969‬توصية سياسة العمالة لسنة ‪ ،1954‬توصعية إعانعات العجعز والشعيخوخة‬ ‫والورثة لسنة ‪ ،1957‬توصية التوجيه املهني والتدريب املهني فعي تنميعة املعوارد البشعرية لسعنة ‪ ،1976‬توصعية العمعال‬ ‫املسنني لسنة ‪ ،1990‬توصية تكافؤ الفرص واملساواة في املعاملة للعمال من اجلنسني‪ :‬العمعال ذوو املسعؤوليات العائليعة‬ ‫لسنة ‪ ،1991‬توصية بشان أقامة نظام دولي للحفاظ على احلقوق في مجال الضمان االجتماعي لسنة ‪.1993‬‬ ‫(‪ -)208‬وميكن التدليل على ذلك مثال بطلب األ املتحدة من أمينها العام اقترا املبادئ التوجيهية التي يهتعدى بهعا فعي‬ ‫وضع السياسات وصياغة التدابير املتصلة باحتياجات املسنني ودورهم في اجملتمع‪ ،‬وباشرت على الفعور منظمعة الصعحة‬ ‫العاملية كم ثال لذلك بأعداد مذكرة حول املشاكل املتعلقة بصحة كبار السن وكيفية معاجلتها‪ .‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 1‬من قرار‬ ‫اجلمعية العامة املرقم ‪ 2942‬لسنة ‪1971‬؛ والفقرة ‪ 1‬من قرارها املرقم ‪ ( 3137‬د‪ )29 -‬لسنة ‪.1973‬‬ ‫(‪ -)209‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 12‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 61 /42‬لسنة ‪.1997‬‬ ‫(‪ -)210‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 2‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 160 /69‬لسنة ‪.2004‬‬ ‫(‪ -)211‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 7‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 130 /52‬الصادر في ‪ 19‬كانون األول ‪ ،2007‬الوثيقة (‪،)A/RES/62/130‬‬ ‫املؤرخة في ‪ 29‬كانون الثاني ‪.2009‬‬ ‫(‪ -)212‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 9‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 24 /64‬لسنة ‪.1999‬‬ ‫(‪ -)213‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 16‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 61 /37‬لسنة ‪1992‬؛ والفقرة ‪ 14‬معن قرارهعا ‪ 27 /39‬لسعنة ‪1993‬؛‬ ‫والفقرة ‪ 1‬من قرارها املرقم ‪ 136 /50‬لسنة ‪.2006‬‬ ‫(‪ -)214‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 3‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 30 /40‬الصادر في ‪ 29‬تشعرين الثعاني ‪1996‬؛ والفقعرة ‪ 6‬معن قرارهعا‬ ‫املرقم ‪ 160 /69‬لسنة ‪2004‬؛ والفقرة ‪ 11‬من قرارها املرقم ‪ 29 /40‬لسنة ‪1996‬؛ والفقرة ‪ 9‬من قرارهعا املعرقم ‪ 94 /45‬لسعنة‬ ‫‪.1991‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪371‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬ ‫اخلاص على دعم منظومة األ املتحدة من مختلف اجلوانب(‪ ،)215‬كما ساهمت مع أطراف أخرى في إنشاء‬ ‫شبكة تعاون تقني لدعم قيام املسنني بتنفيذ املشاريع التي تتصل بحقوقهم وتعزيزها(‪ ،)216‬وساعدت‬ ‫هذه املنظمات الكثير من األجهزة واملؤسسات العاملة في إطار املنظمة على صياغة وترويج وتنفيذ‬ ‫االستراتيجيات واألهداف ذات الشأن وفي مقدمتها مركز التنمية االجتماعية التابع لألمانة العامة‬ ‫وغيرها‪ )217(.‬وعلى الصعيد الوطني أسهمت املنظمات غير احلكومية في دعم جهود احلكومات لتنفيذ‬ ‫(‪)218‬‬

‫البرامج ومتابعتها وتقييمها‬

‫في إطار اجلهود املبذولة من اجل املساعدة في بناء القدرات فيما‬

‫يتعلق بقضايا الشيخوخة(‪ )219‬وباملقابل حثت األ املتحدة الدول املعنية على إقامة شراكات أقوى مع‬ ‫مؤسسات اجملتمع الدولي التي متثل املنظمات غير احلكومية حيزا كبيرا منها(‪.)220‬‬ ‫في اخلتام نرى أن جهود األ املتحدة في مجال رعاية وتعزيز وحماية حقوق كبار السن سجلت‬ ‫بالرغم من بطئها تطورا هاما ومحموما ً وال سيما في احلقبة التي تلت مؤمترها الثاني لعام ‪ 2002‬حيث‬ ‫بدأت العمل على حتفيز مشاركة جميع مؤسساتها وجلانها وبرامجها والوكاالت املتخصصة‪ ،‬فضال عن‬ ‫املنظمات غير احلكومية في املساهمة حسب إمكانياتها ومجال نشاطها في دعم حقوق املسنني‬ ‫وميكن مالحظة ذلك من خالل الدعوة املوجهة منها إلى أمينها العام الحتاذ التدابير الضرورية من اجل‬ ‫حتسني القدرة املؤسسية للمنظمة لتكون أكثر قدرة على أداء مسؤولياتها في هذا اجملال(‪ ،)221‬ولوحظ‬ ‫التركيز بشدة على دور الدول املعنية حيث صعدت من مطالباتها للحكومات لغرض اعتماد سياسات‬ ‫وآليات على كافة السبل في سبيل حتقيق األهداف املبتغاة من قبل منظومة األ املتحدة(‪ .(222‬وبالرغم‬ ‫من ذلك تبقى الكثير من مشاكل املسنني ال جتد طريقها للحل وتظل احتياجاتهم تواجه الصعوبات‬ ‫والعراقيل خصوصا مع ازدياد حجم التحديات العاملية التي تقف في مواجهة أعمال حقوق اإلنسان‬ ‫بشكل عام واملتمثلة بازدياد املنازعات الدولية والداخلية واستفحال األزمات املالية التي ألقت بتأثيراتها‬ ‫على حجم املوارد املالية اخملصصة لبرامج الشيخوخة‪ ،‬فضال ً عن املعوقات االجتماعية والبيئية‬ ‫والصحية التي مرت معنا خالل الدراسة‪ ،‬مما يتطلب العمل وبسرعة عاجلة نحو إنقاذ حقوق املسنني‬

‫(‪ -(215‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 13‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 61 /42‬لسنة ‪.1997‬‬ ‫(‪ -(216‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 10‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 57 /44‬لسنة ‪.1999‬‬ ‫(‪ -(217‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 14 ،12‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 95 /47‬لسنة ‪.1992‬‬ ‫(‪ -(218‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 5‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 134 /69‬لسنة ‪.2003‬‬ ‫(‪ -(219‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 3‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 142 /51‬الصادر في ‪ 19‬كانون األول ‪ ،2005‬الوثيقعة(‪،)A/RES/61/142‬‬ ‫املؤرخة في ‪ 30‬كانون الثاني‪.2007‬‬ ‫(‪ -)220‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 5‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 130 /52‬لسنة ‪.2007‬‬ ‫(‪ -(221‬ينظر‪ :‬الفقرة ‪ 11‬من قرار اجلمعية العامة املرقم ‪ 157 /67‬لسنة ‪.2002‬‬ ‫(‪ -)222‬ينظععر‪ :‬الفقععرات (‪ )29 ،25 ،24 – 3‬مععن قععرار اجلمعيععة العامععة املععرقم ‪ 143 /57‬الصععادر فععي ‪ 20‬كععانون األول ‪،2012‬‬ ‫الوثيقة(‪ ،(A/RES/67/143‬املؤرخة في ‪ 21‬شبا ‪.2013‬‬ ‫‪372‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫وتفعيلها مبعاجلة األسباب التي حتول دون تطبيقها‪ ،‬ويأتي في مقدمتها وضع وثيقة قانونية ملزمة‬ ‫لكافة األطراف تكون أساسا للعمل ومرجعا لكافة األنشطة املبذولة في هذا امليدان‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪373‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫اخلامتة‪:‬‬ ‫بعد االنتهاء من كتابة البحث توصلنا إلى جملة من النتائج والتوصيات وكما يلي ‪:‬‬ ‫‪ ‬ال تزال أحكام القانون الدولي االتفاقي املنظمة حلقوق كبار السن تعالج في وثائق دولية ذات طبيعة‬ ‫إطارية إرشادية تخلو من عنصر اإللزام الذي يعد الركيزة املهمة في االنتقال بهذه احلقوق إلى‬ ‫ميادين تكفل لها التنفيذ واالحترام‪ ،‬عليه نقتر أن تكون اجلهود الدولية في هذا اجملال متجهة نحو‬ ‫اعتماد آليات ملزمة وقواعد أمرة تكفل احترامها في مواجهة جميع الدول‪.‬‬ ‫‪ ‬إن األ املتحدة برغم مساعيها وجهودها املتميزة في مجال تعزيز حقوق كبار السن‪ ،‬إال أنها لم‬ ‫تتوصل بعد إلى أقرار آليات حمائية مناسبة لها‪ ،‬رغم شمولها أصال بقواعد احلماية املقررة حلقوق‬ ‫اإلنسان بشكل عام‪ ،‬إال أن ذلك ال ينفي ضرورة وجود أدوات حماية تراعي اخلصوصية التي ينفرد بها‬ ‫كبار السن على غرار فئات أخرى مستضعفة وجدت لها آليات خاصة كالطفل واملرأة وغيرها‪.‬‬ ‫‪ ‬متثل األ املتحدة في إطار سعيها لتامني متطلبات تعزيز حقوق كبار السن‪ ،‬املنظمة األكثر فاعلية‬ ‫في هذا امليدان‪ ،‬حيث مثلت جهودها امحمور املركزي للتعامل مع مجاالت التعزيز املناسبة حلقوقهم‪،‬‬ ‫ومع ذلك بقيت هذه املنظمة مؤمنة بان الشكل األمثل للعمل ال يكون إال من خالل إشراك أطراف‬ ‫دولية أخرى كاحلكومات املعنية والوكاالت املتخصصة واملنظمات اإلقليمية وتفعيل دور املنظمات‬ ‫الدولية غير احلكومية وغيرها‪ ،‬حيث اصطدم خطاب األ املتحدة املوجه لها في كثير من األحيان‬ ‫مبشكالت ضعف االهتمام والتذرع مبعوقات مادية ونحوها‪ ،‬لتحد بالتالي من فاعلية مشاركتها‪.‬‬ ‫عليه نرى ضرورة أن تعمل كل األطراف الدولية املعنية سوية مع األ املتحدة وأن تكون هناك‬ ‫شراكات حقيقية وفاعلة خاصة وأن األ املتحدة وفي الكثير من وثائقها أحالت إليها مهام‬ ‫وورائف وعولت على أدوارها بشكل كبير‪.‬‬ ‫‪ ‬رغم كل مظاهر االهتمام الدولي بهذه احلقوق واملساحة الكبيرة من التفاؤل التي حتملها الوثائق‬ ‫الدولية ذات الشأن بتعزيز حقوق كبار السن وما مت إقراره من إستراتيجيات مستقبلية وخطط‬ ‫نظرية واحلديث املستمر عن أوضاع مثالية ينبغي تأمينها لهم‪ ،‬إال أن هذا التفاؤل يصطدم بالواقع‬ ‫العملي ويكشف عن أن هذه الفئات ال تزال تعاني في مختلف أرجاء العالم من اإلهمال وعدم‬ ‫االحترام حلقوقها وهناك تزايد في معاناة هذه الشريحة االجتماعية املهمة ويقف وراء كل ذلك‬ ‫مجموعة من األسباب لعل من أبرزها ضعف االهتمام احلكومي واألزمات املالية اخلانقة والنظرة‬ ‫السلبية إلى هذه الفئات في بعض اجملتمعات‪ ،‬هذه التحديات وغيرها متى ما مت التوصل إلى إيجاد‬ ‫حلول ناجعة لها ستكون الدول قد قطعت شوطا كبيرا في مجال ضمان التعزيز احلقيقي حلقوق‬ ‫كبار السن‪ ،‬وبالتالي فان املسؤولية تقع على عاتق اجلميع في إعادة االعتبار حلقوقها مبا يشمل‬ ‫الدول واملنظمات والقطاع اخلاص وحتى املسنني أنفسهم‪.‬‬

‫‪374‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫املصادر‬ ‫أوال‪ :‬الكتب‬ ‫‪ .1‬د‪ .‬إبراهيم احمد شلبي‪ ،‬التنظيم الدولي ( دراسة في النظرية العامة واملنظمات الدولية)‪ ،‬الدار‬ ‫اجلامعية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.1994 ،‬‬ ‫‪ .2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬اجمللد ‪ ،13‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار صادر للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت – لبنان‪.2006 ،‬‬ ‫‪ .3‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬اجمللد ‪ ،7‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار صادر للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت – لبنان‪.2006 ،‬‬ ‫‪ .4‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬اجمللد ‪ ،9‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار صادر للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت – لبنان‪.2006 ،‬‬ ‫‪ .6‬د‪ .‬احمد ابو الوفا‪ ،‬النظرية العامة للقانون الدولي االنساني( في القانون الدولي وفي الشريعة‬ ‫االسالمية)‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪.2005 ،‬‬ ‫‪ .5‬د‪ .‬احمد علي إسماعيل‪ ،‬أسس علم السكان وتطبيقاته اجلغرافية‪ ،‬الطبعة الثامنة‪ ،‬دار الثقافة‬ ‫للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.1997 ،‬‬ ‫‪ .7‬د‪ .‬خضر خضر‪ ،‬مدخل إلى احلريات العامة وحقوق اإلنسان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬املؤسسة احلديثة‬ ‫للكتاب‪ ،‬طرابلس‪ -‬لبنان‪ ،2009 ،‬ص ‪.199 -192‬‬ ‫‪ .9‬د‪ .‬سهيل حسني الفتالوي‪ ،‬مبادئ القانون الدولي االنساني في حماية املدن واملدنيني واالهداف‬ ‫املدنية‪ ،‬مكتبة الفكر العربي للنشر والتوزيع‪ ،‬بغداد‪.1990 ،‬‬ ‫‪ .9‬د‪ .‬عبد العزيز بن علي الغريب ‪ ،‬د‪ .‬ناصر بن صالح العود‪ ،‬احلماية االجتماعية لكبار السن مركز‬ ‫الدراسات والبحوو‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪.2007 ،‬‬ ‫‪ .10‬علي بن هادية‪ ،‬بلحسن البليش‪ ،‬اجليالني بن احلاج يحى‪ ،‬القاموس اجلديد للطالب‪ ،‬تقد محمود‬ ‫املسعدي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬الشركة التونسية للنشر والتوزيع والشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪.1990‬‬ ‫‪ .11‬د‪.‬غازي حسن صباريني‪ ،‬الوجيز في حقوق اإلنسان وحرياته األساسية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مكتبة دار‬ ‫الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان– األردن‪.1997 ،‬‬ ‫‪ .12‬فيصل محمد خير الزراد‪ ،‬الرعاية األسرية للمسنني في دولة اإلمارات العربية املتحدة ( دراسة‬ ‫نفسية اجتماعية ميدانية في أمارة أبو ربي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سلسلة دراسات إستراتيجية‪،‬‬ ‫سلسلة رقم ‪ ،90‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوو اإلستراتيجية‪ ،‬أبو ربي‪.2003 ،‬‬ ‫‪ .13‬لويس معلوف‪ ،‬املنجد في اللغة واألعالم‪ ،‬الطبعة الثانية والعشرين‪ ،‬دار املشرق‪ ،‬بيروت‪.1973،‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪375‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫‪ .14‬محمد سيد فهمي‪ ،‬رعاية املسنني اجتماعيا‪ ،‬املكتب اجلامعي احلديث‪ ،‬اإلسكندرية‪.1994 ،‬‬ ‫‪ .16‬محمد شفيق غربال ومجموعة باحثني‪ ،‬املوسوعة العربية امليسرة‪ ،‬دار نهضة لبنان‪ ،‬لبنان‪.1990 ،‬‬ ‫‪ .15‬د‪ .‬محمد صالح املسفر‪ ،‬منظمة األ املتحدة خلفيات النشأة واملبادئ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مكتبة دار‬ ‫الفتح‪ ،‬الدوحة‪ -‬قطر‪.1997 ،‬‬ ‫‪ .17‬د‪ .‬محمد علي خلف‪ ،‬محسن مجيد املنصوري‪ ،‬هدى كارم معلة‪ ،‬دراسة الوسائل واألساليب‬ ‫الكفيلة بإضفاء جو املتعة والسرور على حياة املسنني في القطر العراقي‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،‬مركز‬ ‫البحوو التربوية والنفسية ‪ -‬قسم البحوو النفسية‪ ،‬بغداد‪.1991 ،‬‬ ‫‪ .19‬أ‪ .‬د‪ .‬مدحت فؤاد فتو حسني‪ ،‬تنظيم مجتمع املسنني‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫القاهرة‪.1995 ،‬‬ ‫‪ .19‬د‪ .‬مسارع حسن الراوي‪ ،‬سيكولوجية الشيخوخة وموقف اإلسالم من كبار السن‪ ،‬مديرية دار‬ ‫الكتب للطباعة والنشر‪ ،‬بغداد‪.1999 ،‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الدراسات‬ ‫‪ .1‬دليل التدريب على رصد حقوق اإلنسان‪ ،‬الفصل احلادي عشر‪ :‬رصد وحماية حقوق اإلنسان اخلاصة‬ ‫بالعائدين واملشردين داخليا‪ ،‬األ املتحدة‪ ،‬جنيف‪ ،‬الوثيقة ( ‪.2001 ،)92-1-164137-9‬‬ ‫‪ .2‬دعم حقوق كبار السن‪ :‬نحو معاهدة لأل املتحدة تتعلق بحقوق كبار السن‪ ،‬دراسة دولية موضوعة‬ ‫من عدد من املنظمات الغير حكومية‪ ،‬ترجمة د‪ .‬نبيل محى الدين قرنفل‪ ،‬مركز الدراسات لكبار‬ ‫السن‪ ،‬لبنان‪.2011،‬‬ ‫‪ .3‬دراسة مواضيعية بشان أعمال حق املسنني في الصحة‪ ،‬أعدها املقرر اخلاص املعنى بحق كل إنسان‬ ‫في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية مقدمة من السيد اناند غروفر‪،‬‬ ‫مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬اجلمعية العامة‪ ،‬األ املتحدة‪ ،‬الوثيقة (‪ ،) A/HRC/18/37‬املؤرخة في ‪ 4‬متوز‬ ‫‪.2011‬‬ ‫‪ .4‬جريد الزمان‪ ،‬الطبعة الدولية‪ ،‬تصدر عن مؤسسة الزمان الدولية للصحافة والنشر‪ ،‬لندن‪ ،‬السنة‬ ‫‪ ،14‬العدد ‪ 5-6 ،4155‬نيسان ‪.2012‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الوثائق الدولية‬ ‫أوال ‪ ( :‬أ ) قرارات اجلمعية العامة‬ ‫‪ .1‬قرار رقم ‪(2642‬د‪ )24-‬الصادر في‪ 11‬كانون األول ‪.1959‬‬ ‫‪ .2‬قرار رقم ‪( 3699‬الدورة ‪ ،)24‬الصادر في ‪ 15‬كانون األول‪.1959 ،‬‬ ‫‪376‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫‪ .3‬قرار رقم ‪( 2942‬الدورة ‪ ،)25‬الصادر في ‪ 19‬كانون األول‪.1971 ،‬‬ ‫‪ .4‬قرار رقم ‪( 3137‬د‪ )29-‬الصادر في ‪ 14‬كانون األول ‪.1973‬‬ ‫‪ .6‬قرار رقم ‪ ،132/32‬الصادر في ‪ 15‬كانون األول ‪.1977‬‬ ‫‪ .5‬قرار رقم ‪ 62/33‬الصادر في ‪ 14‬كانون األول ‪.1979‬‬ ‫‪ .7‬قرار رقم ‪ 129/36‬الصادر في ‪ 11‬كانون األول ‪.1990‬‬ ‫‪ .9‬قرار رقم ‪ 20/35‬الصادر في ‪ 9‬تشرين الثاني ‪.1991‬‬ ‫‪ .9‬قرار رقم ‪ 61/37‬الصادر في ‪ 3‬كانون األول ‪.1992‬‬ ‫‪ .10‬قرار رقم ‪ 27 /39‬الصادر في ‪ 22‬تشرين الثاني ‪.1993‬‬ ‫‪ .11‬قرار رقم ‪ 26/39‬الصادر في ‪ 23‬تشرين الثاني ‪.1994‬‬ ‫‪ .12‬قرار رقم ‪ 126 /39‬الصادر في ‪ 14‬كانون األول ‪.1994‬‬ ‫‪ .13‬قرار رقم ‪ 29/40‬الصادر في ‪ 29‬تشرين الثاني ‪.1996‬‬ ‫‪ .14‬قرار رقم ‪ 30 /40‬الصادر في ‪ 29‬تشرين الثاني ‪.1996‬‬ ‫‪ .16‬قرار رقم ‪ 95 /41‬الصادر ‪ 4‬كانون األول ‪.1995‬‬ ‫‪ .15‬قرار رقم ‪ 61 /42‬الصادر في ‪ 30‬تشرين الثاني ‪.1997‬‬ ‫‪ .17‬قرار رقم ‪ 93 /43‬الصادر في ‪ 9‬كانون األول ‪.1999‬‬ ‫‪ .19‬قرار رقم ‪ 57/44‬الصادر في ‪ 9‬كانون األول ‪.1999‬‬ ‫‪ .19‬قرار رقم ‪ 92/44‬الصادر في ‪ 9‬كانون األول ‪.1999‬‬ ‫‪ .20‬قرار رقم ‪ 105/46‬الصادر في ‪ 14‬كانون األول ‪.1990‬‬ ‫‪ .21‬قرار رقم ‪ 133/46‬الصادر في ‪ 14‬كانون األول ‪.1990‬‬ ‫‪ .22‬قرار رقم ‪ 91/45‬الصادر في ‪ 15‬كانون األول ‪.1991‬‬ ‫‪ .23‬قرار رقم ‪ 92/45‬الصادر في ‪ 15‬كانون األول ‪.1991‬‬ ‫‪ .24‬قرار رقم ‪ 94/45‬الصادر في ‪ 15‬كانون األول ‪.1991‬‬ ‫‪ .26‬قرار رقم ‪ 6/47‬الصادر في ‪ 15‬تشرين األول‪.1992‬‬ ‫‪ .25‬قرار رقم ‪ 95 /47‬الصادر في ‪ 15‬كانون األول ‪ ،1992‬الوثيقة (‪ ،(A/RES/47/86‬في ‪22‬اذار ‪.1993‬‬ ‫‪ .27‬قرار رقم ‪ 237/47‬الصادر في ‪ 20‬أيلول ‪ ،1993‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/47/237‬في ‪ 9‬تشرين األول ‪.1993‬‬ ‫‪ .29‬قرار رقم ‪ 99/49‬الصادر في ‪ 20‬كانون األول ‪ ،1993‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/48/98‬في ‪ 11‬آذار ‪.1994‬‬ ‫‪ .29‬قرار رقم ‪ 141/60‬الصادر في ‪ 21‬كانون األول ‪ ،1996‬الوثيقة )‪ ،)A/RES/50/141‬فعي ‪ 30‬كعانون الثعاني‬ ‫‪.1995‬‬ ‫‪ .30‬قرار رقم ‪ 142/60‬الصادر في ‪ 21‬كانون األول ‪ ،1996‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/50/142‬في ‪ 1‬شبا ‪.1995‬‬ ‫‪ .31‬قرار رقم ‪ 203/60‬الصادر في ‪ 22‬كانون األول ‪ ،1996‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/50/203‬في ‪ 23‬شبا ‪.1995‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪377‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

‫‪ .32‬قرار رقم ‪ 177/61‬الصادر في ‪ 15‬كانون األول ‪ ،1995‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/51/177‬في ‪ 11‬شبا ‪.1997‬‬ ‫‪ .33‬قرار رقم ‪ 109 /63‬الصادر في ‪ 9‬كانون األول ‪ ،1999‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/53/109‬فعي ‪ 20‬كعانون الثعاني‬ ‫‪.1999‬‬ ‫‪ .34‬قرار رقم ‪ 24 /64‬الصادر في ‪ 10‬تشرين الثاني ‪ ،1999‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/54/24‬في ‪ 2‬شبا ‪.2000‬‬ ‫‪ .36‬قرار رقم ‪ 252/64‬الصادر في ‪ 26‬أيار ‪ ،2000‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/54/262‬في ‪ 15‬حزيران ‪.2000‬‬ ‫‪ .35‬قرار رقم ‪ 119/65‬الصادر في ‪ 19‬كانون األول ‪ ،2001‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/56/118‬فعي ‪ 19‬كعانون الثعاني‬ ‫‪.2002‬‬ ‫‪ .37‬قرار رقم ‪ 157 /67‬الصادر في ‪ 19‬كانون األول‪ ،2002 /‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/57/167‬في ‪ 15‬كانون الثعاني‬ ‫‪.2003‬‬ ‫‪ .39‬قرار رقم ‪ 134 /69‬الصادر في ‪ 22‬كانون األول ‪ ،2003‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/58/134‬في ‪ 25‬كعانون الثعاني‬ ‫‪.2004‬‬ ‫‪ .39‬قرار رقم ‪ 160 /69‬الصادر في ‪ 20‬كانون األول ‪ ،2004‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/59/150‬في ‪ 1‬شبا ‪.2006‬‬ ‫‪ .40‬قرار رقم ‪ 136 /50‬الصادر في ‪ 15‬كانون األول ‪ ،2006‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/60/135‬ا في ‪ 2‬شبا ‪.2005‬‬ ‫‪ .41‬قععرار رقععم ‪ 142 /51‬الصععادر فععي ‪ 19‬كععانون األول ‪ ،2005‬الوثيقععة(‪ ،)A/RES/61/142‬فععي ‪ 30‬كععانون‬ ‫الثاني‪.2007‬‬ ‫‪ .42‬قرار رقم ‪ 130 /52‬الصادر في ‪ 19‬كانون األول ‪ ،2007‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/62/130‬في ‪ 29‬كعانون الثعاني‬ ‫‪.2009‬‬ ‫‪ .43‬قرار رقم ‪ 161 /53‬الصادر في ‪ 19‬كانون األول ‪ ،2009‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/63/151‬في‪ 11‬شبا ‪.2009‬‬ ‫‪ .44‬قرار رقم ‪ 192 /56‬الصادر في ‪ 21‬كانون األول ‪ ،2010‬الوثيقة (‪ ،(A/RES/65/182‬في‪ 4‬شبا ‪.2011‬‬ ‫‪ .46‬قرار رقم ‪ 127/55‬الصادر في ‪ 19‬كانون األول ‪ ،2011‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/66/127‬في ‪ 9‬آذار ‪.2012‬‬ ‫‪ .45‬قرار رقم ‪ 139 /57‬الصادر في ‪ 20‬كانون األول ‪ ،2012‬الوثيقة (‪ ،)A/RES/67/139‬في ‪ 13‬شبا ‪.2013‬‬ ‫‪ .47‬قرار رقم ‪ 143 /57‬الصادر في ‪ 20‬كانون األول ‪ ،2012‬الوثيقة (‪ ،(A/RES/67/143‬في ‪ 21‬شبا ‪.2013‬‬

‫(ب) الوثائق األخرى الصادرة عن اجلمعية العامة ( رموز فقط )‬ ‫‪ .49‬الوثيقة (‪ ،)A/44/420/ADD.1‬في ‪ 17‬تشرين األول ‪.1999‬‬ ‫‪ .49‬الوثيقة (‪ ،)A/47/339‬في ‪ 10‬أيلول ‪.1992‬‬ ‫‪ .60‬الوثيقة (‪ ،)A/47/PV.39‬في ‪ 17‬تشرين الثاني ‪.1992‬‬ ‫‪ .61‬الوثيقة (‪ ،)A/CONF.157/23‬في ‪ 12‬متوز ‪.1993‬‬ ‫‪ .62‬الوثيقة (‪ ،)A/CONF.171/13‬في ‪ 19‬تشرين األول ‪.1994‬‬ ‫‪ .63‬الوثيقة (‪ ،)A/50/114‬في ‪ 20‬آذار ‪.1996‬‬ ‫‪ .64‬الوثيقة (‪ ،)A/CONF.166/9‬في ‪ 19‬نيسان ‪.1996‬‬ ‫‪378‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة األولى ‪ -‬العدد الثاني‪ :‬ربيع األول ‪1435‬هـ ‪ -‬يوليو ‪2013‬م‬


‫أ‪ .‬صفاء سمير إبراهيم‬

‫‪ .66‬الوثيقة (‪ ،)A/CONF.177/20‬في ‪ 17‬تشرين األول ‪.1996‬‬ ‫‪ .65‬الوثيقة (‪ ،)A/CONF.165/14‬في ‪ 7‬أب ‪.1995‬‬ ‫‪ .67‬الوثيقة (‪ ،) A/RES/52/328‬في ‪ 19‬أيلول ‪.1997‬‬ ‫‪ .69‬الوثيقة (‪ ،)A/CONF.197/MC/L.2‬في ‪ 11‬نيسان ‪.2002‬‬ ‫‪ .69‬الوثيقة (‪.2002 ،)A/CONF.197/9‬‬

‫ثانيا الوثائق الصادرة عن اجمللس االقتصادي واالجتماعي‬ ‫( أ ) قرارات اجمللس‬ ‫‪ .1‬القرار رقم ‪ ،1996 /29‬قرارات ومقررات اجمللس االقتصادي واالجتماعي لسنة ‪ ،1996‬امللحق رقم ‪ ،1‬األ‬ ‫املتحدة‪ ،‬نيويورك‪ ،‬الوثيقة (‪ ،1997 ،)E/1985/85‬ص ‪.32‬‬ ‫‪ .2‬القرار رقم ‪ ،1997/41‬قرارات ومقررات اجمللس االقتصادي واالجتماعي لسنة ‪ ،1997‬األ املتحدة‪،‬‬ ‫نيويورك‪ ،‬الوثيقة ( ‪.1999 ،(E/1987/87‬‬ ‫‪ .3‬القرار رقم ‪ ،1995/243‬قرارات ومقررات اجمللس االقتصادي واالجتماعي لسنة ‪ ،1995‬األ املتحدة‪،‬‬ ‫نيويورك‪ ،‬الوثيقة (‪.1997 ،) E/1996/96‬‬

‫( ب ) الوثائق األخرى الصادرة عن اجمللس االقتصادي واالجتماعي ( رموز فقط )‬ ‫‪ .4‬الوثيقة (‪ ،)E/C.12/1995/16/Rev.1‬في ‪ 6‬كانون األول ‪.1996‬‬ ‫‪ .6‬الوثيقة (‪ ،)E/CN.5/2001/PC/2‬في ‪ 13‬كانون األول ‪.2000‬‬ ‫‪ .5‬الوثيقة (‪ ،)E/CN.5/2001/PC/L.9‬في ‪ 29‬أب ‪.2001‬‬ ‫‪ .7‬الوثيقة (‪ ،)E/CN.5/2002/PC/2‬في ‪ 9‬كانون الثاني ‪.2002‬‬

‫رابعا ‪ :‬اإلعالنات واالتفاقيات الدولية‪:‬‬ ‫‪ .1‬اتفاقية جنيف الرابعة بشان حماية األشخاص املدنني في وقت احلرب لسنة ‪.1949‬‬ ‫‪ .2‬اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لسنة ‪.1956‬‬ ‫‪ .3‬العهد الدولي للحقوق املدينة والسياسية لعام ‪.1955‬‬ ‫‪ .4‬العهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لعام ‪.1955‬‬ ‫‪ .6‬اتفاقية القضاء على التمييز ضد املرأة لسنة ‪.1979‬‬ ‫‪ .5‬اتفاقية حماية حقوق جميع العمال املهاجرين وأفراد أسرهم لسنة ‪.1990‬‬ ‫‪ .7‬مبادئ األ املتحدة لكبار السن لسنة ‪.1991‬‬ ‫‪ .9‬إعالن األ املتحدة للشيخوخة لعام‪.1992‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪379‬‬


‫دور األ املتحدة في تعزيز حقوق كبار السن‬

.2000 ‫ ميثاق احلقوق األساسية لالحتاد األوربي لسنة‬.9 .2004 ‫ امليثاق العربي حلقوق اإلنسان لسنة‬.10 .2005 ‫ اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة لسنة‬.11

:‫ الوقائع العراقية‬:‫خامسا‬ .1996/3/26 ‫ بتاريخ‬،3039 ‫ العدد‬.1 .2010/5/21 ‫ بتاريخ‬،4166 ‫ العدد‬.2

:‫ املصادر األجنبية‬:‫سادسا‬ 1. A guide for older people, Your Human Rights, Second edition, 2010. 2. Elderly People, Know Your Rights Series, National Human Rights Commission, New Delhi, India, 2011. 3. Report on The Rights of Older People, Seanad Public Consultation Committee, Tithe an Oireachtais Coiste Comhairliúchán Poiblí an tSeanaid Tuarascáil maidir le Cearta Daoine Scothaosta, Houses of the Oireachtas, Márta 2012, PR Number (A12/0468). 4. Facts About Law And The Elderly, Division for Media Relations and Public Affairs, American Bar Association, 1998.

:)‫ املواقع االلكترونية ( روابط فقط‬:‫سابعا‬ 1. http://www.gulfkids.com/vb/showthread.php?t=8759 2. http://www.un.org/ar/events/olderpersonsday/background.shtml 3. http://www.un.org/ar/events/e/derabuse 4. http://www.un.org/ar/sg/messages/2012/0ldpersonsday.shtml 5. http://www.un.org/sg/messages/2012/elderabuseday.shtml 6. http://www.un.org/Arabic/esa/ageing/wpf.html 7. http://www.aahrn.net/content

‫م‬2013 ‫ يوليو‬- ‫هـ‬1435 ‫ ربيع األول‬:‫ العدد الثاني‬- ‫السنة األولى‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

380


‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪381‬‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.