أوكسجين العدد ( 70 ) السنة الثانية - الأحد 11\08\2013

Page 6

‫تحقيق‬

‫ساللة الرقيب العتيد‬

‫أوكسجين | عبد الرحمن النزيل‬ ‫حكايــة النشــيد العــريب الســوري تبــدأ باختيــار القصيــدة التــي‬ ‫ســوف تتحــول إىل نشــيد وطنــي‪ .‬كان هنــاك اتفــاق عــى اختيــار‬ ‫قصيــدة الشــاعر خليــل مــردم بيــك (حــاة الديــار)‪ .‬أعلنــت الحكومــة‬ ‫الســورية ســنة ‪ 1938‬عــن مســابقة لتلحــن قصيــدة (حــاة الديــار)‪،‬‬ ‫تقــ ّدم لتلحــن القصيــدة نحــو ســتني موســيقياً منهــم ملحنــون‬ ‫معروفــون مثــل أحمــد األوبــري واألخويــن فليفــل (أحمــد ومحمــد)‪.‬‬ ‫شـكّلت لجنــة الختيــار اللحــن األفضــل‪ ،‬ورفضــت هــذه اللجنــة لحــن‬ ‫"األوبــري"‪ ،‬وعندمــا تق ـ ّدم األخــوان فليفــل؛ رفضــت اللجنــة حتــى‬ ‫مجــرد اســتقبالهام واالســتامع إىل لحنهــا‪ .‬فذهــب األخــوان إىل فــارس‬ ‫الخــوري الــذي كان رئيسـاً ملجلــس النــواب آنــذاك‪ ,‬وقدمــا شــكواهام‬ ‫لــه بعــدم اســتقبال اللجنــة لهــا‪ ،‬فطلــب ســاع النشــيد ووجــد‬ ‫لحنــه جميـاً إال إنــه رفــض التدخــل يف عمــل اللجنــة‪ .‬مل يتــم البــت يف‬ ‫أمــر النشــيد الســوري حتــى انعقــاد اجتــاع ســان فرانسيســكو الــذي‬ ‫بحــث اســتقالل ســورية وكان فيــه فــارس الخــوري ممث ـاً لســوريا‪.‬‬ ‫يف ذاك االجتــاع تــم إق ـرار حــق ســورية يف االســتقالل‪ ،‬ومــن هنــاك‬ ‫أعلــن فــارس الخــوري أن النشــيد الوطنــي الرســمي لســورية ســيكون‬ ‫(حــاة الديــار) لألخويــن فليفــل‪ ،‬مــا يعنــي أن نشــيدنا الوطنــي‬ ‫أيضـاً تــم متريــره "بالواســطة"! أثنــاء العــرض العســكري الــذي أقيــم‬ ‫احتفــاالً بالجــاء للجيــش عــام ‪1946‬م‪ ,‬كانــت مكــرات الصــوت تذيــع‬ ‫النشــيد الوطنــي بلحــن األخويــن فليفــل‪ .‬يف ســياق متصــل خطــر‬ ‫ذات مــرة للصحفــي واألديــب نبيــل صالــح أن يســأل أكــر مــن أربعني‬ ‫شــخصاً أن يــر ّددوا لــه نشــيدنا الوطنــي كامـاً‪ ،‬فلــم يســتطيعوا جميعاً‬ ‫إكــال النشــيد دون تعـ ّـر أو نســيان بعــض مقاطعــه أو تقديــم بيــت‬ ‫عــى آخــر‪ ،‬كــا اختلفــوا هــل نقــول "بــروج العــا" أو "بــروج العالء"‬ ‫وهــل نقــول "فــأرض زهــت" أم "أرض ســمت"‪ ،‬لتكــون النتيجــة أن‬ ‫الخلــل يكمــن يف مقاطــع النشــيد اإلنشــائية املفككــة وليــس يف ذاكــرة‬ ‫النــاس أو وطنيتهــم‪ .‬ويذكــر الصحفــي نبيــل صالــح أنــه عندمــا أعــاد‬ ‫فتــح ملــف النشــيد العــريب الســوري الــذي رفضتــه أهــم النخــب‬ ‫ومختلــف املثقفــن الســوريني آنــذاك؛ أن أحــد أعضــاء القيــادة‬ ‫قــال لــه بعــد نــر مقالتــه «نشــيدنا» أنــه هــو ومجموعــة مــن‬ ‫رفاقــه يف القيــادة طلبــوا مــن الراحــل حافــظ األســد تغيــر النشــيد‬ ‫الوطنــي فقــال نعــم‪ ...‬اقرتحــوا نشــيدا ً جديــدا ً‪ .‬فذهبــوا وتناقشــوا‬ ‫وتداولــوا ثــم عــادوا بعــد مــدة ليقرتحــوا عليــه اســتبدال (حــاة‬ ‫الديــار) بنشــيد (ياشــباب العــرب هيــا) فابتســم­ وقــال‪" :‬خلّونــا ع‬ ‫النشــيد األول"‪ .‬ويع ّقــب األســتاذ صالــح يف مقالــه‪" :‬وأضيــف شــيئاً‬ ‫عــى لســان املايســرو الســوري العاملــي نــوري رحيبــاين مــن أن‬ ‫موســيقى النشــيد ركيكــة وبدائيــة‪ ،‬ويختــم مقالــه بأمنيــة انتفضنــا‬ ‫يف ســوريا الحبيبــة مــن أجــل تحقيقهــا والوصــول بهــا إىل مــدارج‬ ‫وجوديــة حقيقيــة وقّدمنــا كل غــال ونفيــس يف ســبيلها‪ ،‬بانتظــار‬ ‫انقــراض ســالة "الرقيــب العتيــد"‪ ،‬وهنــا ال أعــرف حقيقــة كيــف‬ ‫العدد (‪ )70‬السنة الثانية ‪ -‬األحد ‪2013\08\11‬‬

‫قبلنــا نشــيدا ً يتغ ّنــى بتسـلّط الرقيــب العتيــد علينــا‪ ،‬بــل عجبــي أكــر‬ ‫مــن الناظــم كيــف جعــل علينــا رقيب ـاً عتيــدا ً بعــد جــاء املســتعمر‬ ‫مــن بالدنــا! يــا للتناقــض العجيــب الصــارخ الــذي يــدل دون مواربــة‬ ‫ـى‪ ،‬الســيام يف‬ ‫ـى ومعنـ ً‬ ‫عــى أن مثــة خل ـاً مــا يكمــن يف النشــيد مبنـ ً‬ ‫اســتحضار الرقيــب العتيــد يف الســاعات األوىل مــن فجــر الحريــة و‬ ‫اســتقالل ســوريا األبيــة ! وهاهــو فيلســوف الشــعراء إيليــا أبــو مــايض‬ ‫ينتقــد النشــيد انتقــادا ً مري ـرا ً والذع ـاً فيقــول يف إحــدى مقاالتــه يف‬ ‫مجلــة القيثــارة‪" :‬عــزف ألول مــرة كنشــيد وطنــي رســمي لســورية‬ ‫صبيحــة الســابع عــر مــن نيســان عــام ‪1946‬م يــوم الجــاء الكبــر‪،‬‬ ‫يف حفلــة مؤسســة قطنــا يف (كانتــون أوهايــو) وأنشــد فيهــا ألول مــرة‬ ‫يف املهجــر‪ ،‬ولنــا فيــه كلمــة نريــد أن نخــرج بهــا مــن وراء الســر‪،‬‬ ‫و كلمتنــا فيــه ســنقولها وإن كانــت قاســية‪ ،‬وهــي أن َواضعــه مل‬ ‫يوفّــق كثــرا ً وال قليـاً يف نســجه‪ ،‬وأن الذيــن وافقــوا عــى اختيــاره مل‬ ‫يحســنوا االنتقــاء واالختيــار‪ ،‬حيــث أن هــذا الــكالم الركيــك واملعلــوك‬ ‫ال يصلــح أن يكــون نشــيدا ً ألي وطــن‪ ،‬ولكنــه مــن ذلــك ال َنظــم‬ ‫البليــد الــذي يحشــوه أصحابــه طــورا ً باألســود وطــورا ً بالشــموس‬ ‫اندفاعــاً مــع تيــار العــادة يف الشــعراء الذيــن ال قــوة فيهــم عــى‬ ‫الخلــق واالبتــكار‪ .‬تأ ّمــل املقطــع الثــاين وانظــر أي معنــى تســتطيع أن‬ ‫تســتخرج منــه‪ ،‬فبينــا ربــوع الشــآم بــروج إذا بهــا تحــايك الســاء‪،‬‬ ‫زج الشــموس يف املقطــع األول‬ ‫ثــم هــي ســاء فــوق الســاء‪ ،‬وقــد ّ‬ ‫ثــم أغــار عليهــا مــرة أخــرى واختطفهــا وز ّجهــا يف املقطــع الثــاين‪،‬‬ ‫ولكــن ورغــم كــرة الشــموس هنــا وهنــاك وتعــدد األضــواء والســناء‬ ‫يشــعر املــرء بــرودة قاتلــة عنــد مطالعــة هــذه األبيــات املريضــة!‬ ‫يبــدأ الناظــم نشــيده مبخاطبــة حــاة الديــار‪ ،‬فيقرئهــم الســام‪ ،‬ثــم‬ ‫يثــب إىل تقريــر أن النفــوس الكــرام تــأىب الــذل فمــن هــم حــاة‬ ‫الديــار الذيــن يخاطبهــم؟ وأي معنــى ملوقفــه هــذا الــذي يشــبه‬ ‫وقفــة بــاك عــى أحــداث؟ أو وقفــة بــدوي عــى األطــال؟ ثــم يتغـ ّزل‬ ‫يف املقطــع الثالــث بالعلــم‪ ،‬ولكنــه وبــدالً مــن أن تخفــق األفئــدة‬ ‫كلهــا بالحــب والفخــر بالعلــم جعــل فــؤادا ً واحــدا ً يخفــق فقــط‪.‬‬ ‫وبــدالً مــن أن يقــول بصــورة الجــزم أن ســواده مــن ســواد األبصــار‬ ‫وحمرتــه مــن دمــاء الشــهداء وقــف يتســاءل عــا إذا مل يكــن األمــر‬ ‫كذلــك‪ .‬وتتصاعــد رائحــة الجــزور يف املقطــع الرابــع‪ ،‬ألن الناظــم أراد‬

‫‪6‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.