صحيفة القدس العربي , الخميس 17.10.2013

Page 9

‫السنة اخلامسة والعشرون ـ العدد ‪ 7566‬اخلميس ‪ 17‬تشرين االول (اكتوبر) ‪ 2013‬ـ ‪ 12‬ذو احلجة ‪1434‬هـ‬

‫صحف عبرية‬

‫‪AL-QUDS AL-ARABI‬‬

‫‪9‬‬

‫الرأي العام في الدول الغربية ال يزال يتحفظ على مزيد من التدخالت العسكرية في الشرق االوسط ال سيما عندما يدور احلديث عن تدخل قوات برية‬

‫دروس من التدخل العسكري اخلارجي في الشرق االوسط‬

‫شلومو بروم‬ ‫في أعقاب تورط الواليات املتحدة وحلفائها في تدخل عسكري في‬ ‫أفغانس�تان وفي العراق‪ ،‬ونتائجهما االشكالية من حيث االجنازات‬ ‫واالثمان‪ ،‬كان يبدو في بداية العام ‪ 2010‬ان عهد التدخل العس�كري‬ ‫الغربي في الدول العربية واالسلامية قد ول�ى‪ .‬وتبنى الرأي العام‬ ‫في الغرب موقف معارضة ش�ديدة لتدخالت جديدة ورغبة شديدة‬ ‫في قط�ع الصل�ة بااللتزام�ات القائم�ة‪ .‬ونتيجة لذلك س�عت الدول‬ ‫الغربية الى التحرر املبكر قدر االمكان من التزاماتها في العراق وفي‬ ‫افغانستان‪ .‬وجاءت الهزة التي أملت بالعالم العربي منذ نهاية ‪2010‬‬ ‫«الربيع العربي» لتغير هذا امليل وترفع من جديد الى جدول االعمال‬ ‫الدولي مسألة احلاجة الى تدخل عسكري خارجي في هذه الدول‪.‬‬ ‫في س�ياق الربيع العربي توجد هذه املس�ألة على جدول االعمال‬ ‫بش�كل عام حني تصطدم االنتفاض�ة ضد نظام دكتات�وري مبقاومة‬ ‫ش�ديدة من هذا النظام‪ ،‬الذي يس�تخدم الق�وة لقمعها‪ .‬وفي املرحلة‬ ‫التالية‪ ،‬تتصاعد املواجهة وتصبح حربا أهلية مستمرة بني جماعات‬ ‫مختلفة من السكان‪ .‬وتتميز بهذا التطور أساسا مجتمعات منقسمة‪،‬‬ ‫االنقس�ام فيها ديني‪ ،‬إثني‪ ،‬قبائلي‪ ،‬أو جملة من هذه املزايا‪ .‬في هذه‬ ‫احل�االت‪ ،‬فان االج�زاء الداعمة من الس�كان للنظ�ام‪ ،‬والى جانبهم‬ ‫أجه�زة قوة النظ�ام‪ ،‬تقاتل ض�د أجزاء م�ن الس�كان تعارضه‪ .‬مثل‬ ‫ه�ذه احلرب االهلية هي بطبيعتها حرب بش�عة على نحو خاص‪ ،‬ال‬ ‫حتت�رم فيها قواعد القانون والقضاء الدوليين املتعلقة باملواجهات‬ ‫املس�لحة‪ ،‬ويصبح السكان املدنيون هدفا مركزيا لالطراف املتقاتلة‪.‬‬ ‫وه�ذه ه�ي احل�االت التي تنش�أ فيه�ا احلاج�ة الى تدخل عس�كري‬ ‫خارجي‪ ،‬بهدف انهاء احل�رب االهلية والفظائع التي تنطوي عليها‪.‬‬ ‫وفي حاالت اخرى حتس�م فيها املواجهة بس�رعة‪ ،‬الن النظام ينجح‬ ‫ف�ي قمع االنتفاضة بالقوة‪ ،‬أو الن الثورة تنجح والنظام يس�قط في‬ ‫غضون فترة زمنية قصيرة (مثلما حدث في تونس وفي مصر)‪ ،‬فان‬ ‫املس�ألة ال تطرح على ج�دول االعمال‪ .‬وميكن للتدخ�ل ان يكون من‬ ‫جهات اقليمية أو من جهات من خارج املنطقة‪.‬‬ ‫من�ذ ب�دأ الربي�ع العرب�ي كان�ت حالت�ان مختلفتان م�ن التدخل‬ ‫العس�كري اخلارجي املباش�ر في الش�رق االوس�ط‪ ،‬ال�ذي يبدو في‬ ‫ه�ذه املرحلة بانه حقق هدف�ه ‪ -‬في ليبيا وف�ي البحرين – مرة الى‬ ‫جان�ب الثوار ومرة ال�ى جانب النظ�ام‪ ،‬على التوال�ي‪ .‬وفي أعقاب‬ ‫هاتين احلالتني نش�أت ضغ�وط الجراء تدخل مش�ابه في س�ورية‬ ‫النهاء احلرب االهلية هناك‪ ،‬وفي أعقابها بدايات تدخالت عس�كرية‬ ‫خارجي�ة غير مباش�رة في هذه احلرب‪ ،‬من خالل مس�اعدة اجلهات‬ ‫املتقاتلة في الطرفني‪ .‬ساحة اخرى قد تنشأ فيها املطالبات بتدخالت‬ ‫عسكرية هي اليمن‪ ،‬التي حتى بعد رحيل عبدالله صالح عن الرئاسة‬ ‫لم يتحقق االستقرار فيه بعد‪ ،‬ويحتمل أن حتتدم االزمة أكثر فأكثر‪.‬‬ ‫منظومتان من االعتبارات متليان التدخالت العسكرية اخلارجية‬ ‫في الدولة‪ :‬واحدة هي منظومة االعتبارات االنسانية‪ ،‬التي لها تأثير‬ ‫كبي�ر على الرأي العام‪ .‬في ه�ذه احلالة‪ ،‬تكون احلاجة ملنع الفضائع‬ ‫وامل�س بالس�كان االبري�اء‪ .‬اما املنظوم�ة الثانية فتش�مل اعتبارات‬ ‫استراتيجية لالطراف التي تفكر بالتدخل‪ .‬هذه االعتبارات تصطدم‬ ‫بالكلفة املتوقعة ملثل هذا التدخل على املشاركني فيه‪.‬‬

‫منه�ا ايض�ا‪ ،‬ونتيج�ة لذلك‪ ،‬فقد ش�دد الربي�ع العربي ه�ذا الصراع‬ ‫واش�تمل على ابعاد جدي�دة‪ ،‬وان كان بدا في البداي�ة وكأن ال صلة‬ ‫له باملنافسة االقليمية‪.‬‬ ‫ف�ي املرحلة االولى‪ ،‬عندما س�قط النظامان في تونس وفي مصر‪،‬‬ ‫الل�ذان كانا مع مح�ور الدول املعتدلة‪ ،‬وكان�ا يرتبطان بالغرب‪ ،‬قدر‬ ‫اعض�اء مح�ور املقاوم�ة ان ه�ذه التط�ورات تخدمهم‪ ،‬وذل�ك النها‬ ‫تضعف محور الدول املعتدلة وتعزز محورهم‪ .‬وقد فرحوا على نحو‬ ‫خاص بس�قوط الرئي�س املصري مبارك الذي كان ع�دوا مريرا لهم‪.‬‬ ‫كما أن تعزيز قوة احلركات السياس�ية االسالمية في اعقاب سقوط‬ ‫النظامني بدا هو االخر كعمل يخدمهم‪ .‬وبالتوازي سعت دول احملور‬ ‫املض�اد ال�ى منع ضعفها م�ن خالل تعزي�ز العناصر املقرب�ة منها في‬ ‫الدول التي س�قطت فيها االنظمة‪ ،‬او توش�ك على الس�قوط‪ .‬فقدمت‬ ‫دول اخلليج‪ ،‬وال س�يما الس�عودية وقطر املس�اعدة‪ ،‬املالية اساسا‪،‬‬ ‫الى العناصر القريبة منها‪ ،‬التي بشكل محمل باملفارقة كانت بالذات‬ ‫احلركات االسلامية الت�ي فرحت ايران جدا بصع�ود قوتها‪ .‬والقت‬ ‫املس�اعدة الس�عودية ومن ش�ركائها في اخلليج تعبي�را متطرفا في‬ ‫تدخلها العس�كري الى جانب النظام الس�ني ف�ي البحرين‪ ،‬التدخل‬ ‫الذي ساعد في قمع ثورة االغلبية الشيعية في املكان‪.‬‬ ‫وأك�د التوت�ر املتصاع�د بين املعس�كرين عق�ب التط�ورات ف�ي‬ ‫الربي�ع العربي رؤي�ة املواجهة بين احملورين‪ ،‬كمواجه�ة دينية بني‬ ‫الس�نة والش�يعة‪ ،‬رغم اس�تياء ايران التي س�عت دوم�ا الى طمس‬ ‫هذا البعد في املنافس�ة بينها وبني قوى اخرى في الش�رق االوسط‪.‬‬ ‫وأدت التط�ورات ف�ي البحرين دورا مركزيا ف�ي تعزيز هذه الرؤية‪.‬‬ ‫فقد رأت دول اخلليج العربية‪ ،‬وعلى رأس�ها الس�عودية‪ ،‬في الثورة‬ ‫الت�ي اندلعت في البحرين جهدا مقصودا من ايران الس�قاط النظام‬ ‫الس�ني ورفع حكم االغلبية الش�يعية‪ ،‬التي كانت خاضعة لنفوذها‪،‬‬ ‫بدال منه‪.‬‬ ‫تط�ور آخر له آث�ار على احتم�االت التدخل اخلارج�ي في الدول‬ ‫الت�ي علقت في أزمة داخلية عقب احداث الربيع العربي‪ ،‬هو احتدام‬ ‫املنافس�ة بين تركيا واي�ران‪ .‬فقد تبن�ت االولى قبل الربي�ع العربي‬ ‫سياس�ة خارجية اساس�ها عالق�ات طيبة مع كل جيرانه�ا‪ ،‬وفي هذا‬ ‫االط�ار اتخ�ذت خط�وات لتحسين عالقاته�ا م�ع س�ورية وايران‪،‬‬ ‫العضوي�ن ف�ي مح�ور املقاوم�ة‪ .‬كل هذا‪ ،‬رغ�م عالقاتها م�ع الغرب‪،‬‬ ‫عضويته�ا ف�ي الناتو وهويتها الس�نية‪ .‬ولكن الربي�ع العربي أجبر‬ ‫تركيا على ان تقرر الى أي معس�كر تنتم�ي‪ .‬وفضلت تركيا في نهاية‬ ‫املطاف الوقوف في املعسكر املؤيد للثورات اجلماهيرية العربية ضد‬ ‫االنظمة الدكتاتورية‪ ،‬ولكنها تتطلع الى أن متنع عن ايران اجنازات‬ ‫جراء ذلك‪ ،‬بل وتتنافس معها‪ .‬لقد كانت املنافس�ة بني تركيا وايران‬ ‫عل�ى النف�وذ ف�ي العالم العرب�ي قائمة حت�ى قبل ذل�ك‪ ،‬ولكنها االن‬

‫هل ميكن حس�م معارك من هذا النوع فقط من خالل استخدام القوة‬ ‫اجلوي�ة‪ ،‬وم�ن دون اس�تخدام الق�وات البرية‪ .‬ويض�رب املؤيدون‬ ‫لالكتفاء باس�تخدام القوات اجلوية مثال افغانس�تان‪ ،‬حيث اسقط‬ ‫نظام طالبان على أيدي القوات احمللية مبس�اعدة جوية من القوات‬ ‫االمريكي�ة وحلفائها‪ ،‬وكذا مثال العراق‪ ،‬حيث حس�مت املعركة على‬ ‫ح�د قوله�م بالق�وة اجلوي�ة وكانت حاج�ة ال�ى الق�وة البرية فقط‬ ‫كخطوة نهائية‪.‬‬ ‫اما املش�ككون به�ذا الفهم فيقولون ان اس�قاط النظ�ام من خالل‬ ‫استخدام القوة اجلوية مبس�اعدة القوات احمللية هو مجرد املرحلة‬ ‫االولى من املعركة وال يعني حس�مها‪ ،‬النه ف�ي املرحلة الثانية يتبني‬ ‫في احيان قريبة أنه من أجل منع الفوضى وش�طب اجنازات اسقاط‬ ‫النظام‪ ،‬تكون حاجة الى «االقدام على االرض» – ما تؤكده بالضبط‬ ‫حالتا افغانستان والعراق‪.‬‬ ‫من الس�ابق الوانه القول اذا كان مفهوم استخدام القوة اجلوية‬ ‫وحده�ا م�ع «القيادة م�ن اخلل�ف»‪ ،‬الذي تبنت�ه الوالي�ات املتحدة‬ ‫ه�و الصيغة االس�اس للتدخ�ل الدولي في الدول الت�ي تعصف فيها‬ ‫الهزات‪ ،‬نتيجة للربيع العربي‪ .‬وميكن ايجاد سند لهذه الفرضية بان‬ ‫هذه س�تكون الصيغة املتكررة للتدخل االمريك�ي أيضا في التجربة‬ ‫الت�ي تراكم�ت ف�ي الس�احة االس�رائيلية – العربي�ة في الس�نوات‬ ‫االخي�رة‪ .‬ففي هذه الفترة كانت هن�اك عدة حاالت كانت فيها حاجة‬ ‫الس�تخدام التدخل الدولي العس�كري واالمني‪ ،‬ملعاجلة مشاكل بني‬ ‫اس�رائيل وجيرانه�ا‪ .‬في كل هذه االح�وال تبنت الوالي�ات املتحدة‬ ‫مفه�وم «القي�ادة م�ن اخللف»‪ ،‬وان كانت لم تس�م ذلك بهذا االس�م‪.‬‬ ‫ف�ي الضغوط الت�ي تتعرض لها الس�احة الدولية كي تق�رر التدخل‬ ‫العس�كري ف�ي دول كليبي�ا وس�ورية‪ ،‬ف�ان االعتبارات االنس�انية‬ ‫والرغب�ة ف�ي من�ع الفظائ�ع اجلماعي�ة تلع�ب دورا مركزي�ا جت�اه‬ ‫اخل�ارج‪ ،‬ولكن في ق�رار كهذا تك�ون ايضا اعتبارات اس�تراتيجية‪.‬‬ ‫أح�د االعتبارات من هذا النوع هو التقدير ب�ان النظام على اي حال‬ ‫سيس�قط‪ ،‬وان التدخل العس�كري الى جانب الثوار ضده سيضمن‬ ‫للدول املش�اركة‪ ،‬وال س�يما العظم�ى منها‪ ،‬عالقات طيب�ة مع النظام‬ ‫اجلدي�د ونقل�ه ال�ى دائرة نفوذه�ا او ابق�اءه داخل دائ�رة نفوذها‬ ‫عندم�ا تكون الدولة التي ي�درس التدخل فيها توج�د أصال في هذه‬ ‫الدائ�رة‪ .‬ف�ي احلاالت التي تك�ون فيها الدولة في دائ�رة نفوذ دولة‬ ‫خص�م‪ ،‬أو أن يكون النظام في الدولة معاديا للغرب‪ ،‬س�يلعب دورا‬ ‫مهم�ا اعتبار تغيي�ر امليزان االس�تراتيجي من خالل اس�قاط النظام‬ ‫املعادي‪.‬‬ ‫لي�س مفاجئ�ا انه في اجل�دال السياس�ي الداخلي ف�ي الواليات‬ ‫املتح�دة في اثناء حملة االنتخابات للرئاس�ة‪ ،‬هاج�م اجلمهوريون‬ ‫الرئيس اوباما على امتناعه عن التدخل العسكري في سورية‪ .‬وهم‬

‫يسود فيها توتر شديد بني ايران الشيعية‪ ،‬التي ترتسم كقوة عظمى‬ ‫اقليمية ذات تطلعات توس�عية‪ ،‬وبني دول اخلليج العربية الس�نية‬ ‫الت�ي تدافع عن نفس�ها ضد ه�ذه التطلعات التوس�عية‪ .‬وقد اتهمت‬ ‫اي�ران‪ ،‬عن حق أو عن غير حق‪ ،‬كمن حرضت االغلبية الش�يعية في‬ ‫البحري�ن على الث�ورة‪ ،‬بل ومدتها بالوس�ائل‪ .‬فبعثت الس�عودية‪،‬‬ ‫التي تقف في جبهة املواجهة مع ايران وتخشى جدا أن تتلقى عدوى‬ ‫الهي�اج اجلماهيري لدى االقلية الش�يعية في املناطق الش�رقية من‬ ‫اململكة‪ ،‬بعث�ت الى البحرين بقواتها العس�كرية‪ ،‬التي انضمت اليها‬ ‫ق�وات رمزية من دول اخرى اعضاء ف�ي مجلس التعاون اخلليجي‪،‬‬ ‫فس�اعدت هذه القوات النظام على قمع الثورة بالقوة‪ .‬وجاء تدخل‬ ‫السعودية هذا استمرارا لتدخلها العسكري ضد الثوار احلوثيني في‬ ‫اليمن‪ ،‬حتى قبل الربيع العربي ولهذا فانه يعكس سياس�ة سعودية‬ ‫ثابتة‪ .‬اضافة الى ذلك‪ ،‬فاحلديث يدور عن س�يناريو خاص مبنطقة‬ ‫اخلليج‪ ،‬ومش�كوك أن تكون تطورات مش�ابهة في مناطق اخرى من‬ ‫العالم العربي‪.‬‬ ‫ليبيا‬

‫ف�ي أعقاب جناح الثورة في تونس وفي مصر‪ ،‬بدأت في ش�باط‪/‬‬ ‫فبراي�ر ‪ 2011‬الثورة ف�ي ليبيا‪ .‬ومنذ‪ ‬بداية اذار‪/‬م�ارس فقد النظام‬ ‫الس�يطرة في مناطق مختلفة‪ ،‬وال س�يما في منطقة كرنيكا في شرق‬ ‫الدولة‪ .‬وفرار وحدات كاملة من اجليش الليبي س�اعد الثوار‪ ،‬ولكن‬ ‫ق�وات معم�ر القذافي ص�دت هج�وم الثوار في غ�رب ليبي�ا وبدأت‬ ‫بهج�وم مض�اد حققت في�ه النجاح�ات واقتربت من طول ش�واطئ‬ ‫البح�ر املتوس�ط باجت�اه بنغ�ازي – املدين�ة االكبر في ش�رق ليبيا‬ ‫ومرك�ز الثوار‪ .‬وعزز س�لوك ق�وات النظ�ام جتاه الس�كان املدنيني‬ ‫في امل�دن الثائرة والتهدي�دات التي اطلقها القذاف�ي ومحيطه‪ ،‬عزز‬ ‫اخل�وف من أن ي�ؤدي احتالل ق�وات النظ�ام لبنغازي ال�ى مذبحة‬ ‫لس�كان املدينة‪ .‬وفرض�ت الواليات املتحدة‪ ،‬وفي اعقابها اس�تراليا‬ ‫وكندا عقوبات على ليبيا‪ ،‬في محاولة ملمارسة الضغط على النظام‪،‬‬ ‫ولك�ن م�ن دون جدوى‪ ،‬ب�ل ان ق�رار مجلس االم�ن بتكليف احملكمة‬ ‫الدولي�ة بالتحقيق في جرائم رجال النظام ل�م يجدِ نفعا هو االخر‪.‬‬ ‫وف�ي ‪ 17‬م�ارس اتخ�ذ مجل�س االمن ق�رار رق�م ‪ ،1973‬ال�ذي فرض‬ ‫منطقة حظ�ر جوي‪ ،‬واتخاذ كل الوس�ائل الالزم�ة حلماية املدنيني‪.‬‬ ‫وطبق الق�رار حلف الناتو وعملي�ا «حتالف ال�دول الراغبة»‪ ،‬الذي‬ ‫ضم اعضاء في الناتو وال س�يما فرنس�ا وبريطاني�ا‪ ،‬وانضمت اليها‬ ‫طائرات من قطر واحتاد االمارات‪.‬‬ ‫وشاركت في املرحلة االولى ايضا الواليات املتحدة‪ ،‬التي اطلقت‬ ‫صواريخ «تومه�وك» بهدف تعطيل منظومة الدف�اع اجلوي الليبي‪،‬‬

‫االعتبارات االنسانية‬

‫ف�ي أعق�اب احلرب العاملي�ة الثانية وقتل الش�عب ال�ذي وقع في‬ ‫اثنائه�ا‪ ،‬تأسس�ت االمم املتح�دة وتط�ور مج�ال القان�ون الدول�ي‬ ‫ال�ذي يعن�ى باالع�راف الالزمة حلصر الثم�ن الذي يدفعه الس�كان‬ ‫املدني�ون في االوض�اع احلربية‪ .‬وتعاظم االنش�غال ف�ي هذا اجملال‬ ‫بع�د انتهاء احل�رب الباردة واتس�اع ظاه�رة النزاع داخ�ل الدول‪،‬‬ ‫التي رفعت الى جدول االعمال العاملي املعضلة االس�اس في الصدام‬ ‫بني عرف السيادة والعرف الناش�ئ املتعلق بالتدخالت االنسانية‪.‬‬ ‫وف�ي ه�ذا االط�ار تبل�ور ع�رف حظ�ي باس�م «املس�ؤولية للحماية‬ ‫«‪ »Responsibility to Protect‬أو باختصار ‪.R2P‬‬ ‫‪ R2P‬ه�ي جهد تق�وم به االمم املتح�دة للمضي في ع�رف دولي‪،‬‬ ‫في أساس�ه فكرة أن الس�يادة ليس�ت فقط حقا بل مس�ؤولية ايضا‪.‬‬ ‫وتترك�ز املب�ادرة على من�ع أربعة أن�واع م�ن اجلرائم‪ :‬قتل ش�عب‪،‬‬ ‫جرائم حرب‪ ،‬جرائم ضد االنسانية وتطهير عرقي‪ .‬ويتضمن العرف‬ ‫ثالثة مبادئ اساسية‪:‬‬ ‫‪ .1‬للدول�ة مس�ؤولية ف�ي الدف�اع ع�ن س�كانها ض�د الفظائ�ع‬ ‫اجلماعية‪.‬‬ ‫‪ .2‬لالس�رة الدولية مس�ؤولية مس�اعدة الدولة على القيام بهذه‬ ‫املسؤولية االساس‪.‬‬ ‫‪ .3‬اذا فش�لت الدولة في حماية مواطنيه�ا من الفظائع اجلماعية‪،‬‬ ‫وفش�لت املساعي السلمية الجبارها على ذلك هي االخرى‪ ،‬فلالسرة‬ ‫الدولية مسؤولية التدخل بوسائل إكراهية‪ ،‬كالعقوبات االقتصادية‪.‬‬ ‫أما التدخل العس�كري فهو الوسيلة االخيرة‪ .‬وتقرر االسرة الدولية‬ ‫التدخل العس�كري‪ ،‬بش�كل عام‪ ،‬بقرار من مجلس االمن على أساس‬ ‫الفص�ل الس�ابع من ميث�اق االمم املتحدة‪ ،‬الذي يس�مح باس�تخدام‬ ‫القوة العسكرية ملنع العدوان واالعمال ضد السالم‪.‬‬ ‫ووردت هذه املبادئ في الوثيقة اخلتامية ملؤمتر عاملي عقدته االمم‬ ‫املتح�دة في العام ‪ ،2005‬للبحث ف�ي منع جرائم الفضائع اجلماعية‪.‬‬ ‫وس�بق املؤمتر نشاط جلنة دولية عنيت بالتدخل وبسيادة الدولة‪،‬‬ ‫كانت قد ش�كلتها احلكومة الكندي�ة في العام ‪ ،2000‬في أعقاب دعوة‬ ‫االمين العام للامم املتحدة في حين�ه‪ ،‬كوفي عنان‪ ،‬لبل�ورة اجمال‬ ‫ح�ول متى يح�ق التدخل االنس�اني‪ .‬وقررت ه�ذه اللجنة اصطالح‬ ‫«املس�ؤولية للحماي�ة»‪ ،‬وف�ي التقرير اخلتام�ي لها‪ ،‬الذي نش�ر في‬ ‫كان�ون االول‪/‬ديس�مبر ‪ ،2001‬ظهرت هذه املب�ادئ‪ .‬وصادق مجلس‬ ‫االمن على البنود االس�اس ف�ي الوثيقة النهائية للجن�ة العاملية في‬ ‫‪ 2006‬وهكذا جعلها ذات مفعول ملزم‪.‬‬ ‫الس�ؤال املرك�زي الناش�ئ بع�د إق�رار ه�ذه املب�ادئ ه�و في اي‬ ‫ظ�رف يكون فيها مبرر اس�تخدام القوة العس�كرية لغ�رض تطبيق‬ ‫«املس�ؤولية للحماية»‪ .‬وفي تقري�ر اللجنة الدولية م�ن العام ‪2001‬‬ ‫طرحت س�تة معايي�ر الزامية للتدخل العس�كري‪ :‬هدف ع�ادل‪ ،‬نية‬ ‫سليمة‪ ،‬وس�يلة أخيرة‪ ،‬صالحية شرعية‪ ،‬وسائل متوازنة‪ ،‬احتمال‬ ‫معقول لتحقيق الهدف‪.‬‬ ‫ال يزال ال يوجد اجماع في احملافل الدولية املعنية على هذه املعايير‬ ‫(حت�ى وان كان مث�ل ه�ذا االجماع‪ ،‬فثمة مس�احة واس�عة لتفس�ير‬ ‫معظمه�ا‪ .‬في كل االحوال‪ ،‬في اثناء العقدين االخيرين‪ ،‬وحتى بداية‬ ‫الربيع العربي‪ ،‬كانت احلالة الوحيدة للتدخل العسكري في الشرق‬ ‫االوس�ط الس�باب ميك�ن وصفه�ا باالنس�انية (وان كان يحتمل أنه‬ ‫كانت اعتبارات اخ�رى) كان القرار باقامة مناطق حظر للطيران في‬ ‫العراق بع�د حرب اخلليج في ‪ .1991‬وقررت ه�ذه املناطق الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬بريطانيا وفرنسا‪ ،‬التي ادعت بانها تستند الى قرار مجلس‬ ‫االمن ‪ ،688‬رغم أن هذا لم يتناول صراحة أعماال من هذا النوع‪.‬‬ ‫املنظومة االستراتيجية االقليمية‬

‫‪ ‬‬ ‫عندم�ا ب�دأت اح�داث الربي�ع العرب�ي ف�ي نهاي�ة ‪ ،2010‬كان�ت‬ ‫املواجهة االستراتيجية االس�اس في الشرق االوسط بني محورين‪.‬‬ ‫محور ميكن تس�ميته «محور املقاوم�ة»‪ ،‬تضمن الدول والالعبني من‬ ‫غي�ر الدول ممن تبن�وا عقيدة املقاوم�ة للغرب والس�رائيل‪ .‬وقادت‬ ‫هذا احملور ايران وضم فيه س�ورية‪ ،‬حزب الل�ه وحماس‪ .‬ومقابلهم‬ ‫وق�ف مح�ور حظي بش�كل ع�ام بلقب «مح�ور ال�دول املعتدل�ة» او‬ ‫«البراغماتي�ة» في العال�م العربي‪ .‬وقادته مصر والس�عودية وضم‬ ‫معظ�م الدول العربية‪ .‬وتدعم هذا احمل�ور الواليات املتحدة والغرب‬ ‫بش�كل عام‪ ،‬وكانت له مصالح مش�تركة وتفاهم هادئ مع اسرائيل‪،‬‬ ‫وان كان وضعه�ا السياس�ي حي�ال ال�دول العربي�ة ل�م يس�مح لها‬ ‫بعضوية حقيقية في محور مشترك معها‪.‬‬ ‫لق�د كان االعتقاد الس�ائد ف�ي العال�م العربي أن مح�ور املقاومة‬ ‫يوج�د في حالة صع�ود وان معارضي�ه يوجدون ف�ي حالة هبوط‪.‬‬ ‫واس�تند هذا االعتقاد الى ضعف مكانة الواليات املتحدة في الشرق‬ ‫االوس�ط‪ ،‬نتيجة للتورطات العس�كرية في العراق وفي افغانستان‬ ‫وعملية االنسحاب العس�كري من هاتني الدولتني‪ ،‬اجنازات اعضاء‬ ‫في ه�ذا احمل�ور حيال اس�رائيل وحي�ال عناص�ر اخرى ف�ي احملور‬ ‫املعتدل‪ ،‬مبا فيها انس�حاب اس�رائيل من جنوب لبنان‪ ،‬فك االرتباط‬ ‫اح�ادي اجلان�ب الس�رائيل عن قط�اع غزة وس�يطرة حم�اس على‬ ‫القط�اع‪ ،‬واخي�را اجنازات ح�زب الله حلرب لبن�ان الثانية‪ .‬كل هذا‬ ‫ع�زز مكانة ونف�وذ اي�ران وحلفائها ف�ي العالم العرب�ي‪ ،‬وادى الى‬ ‫ارتفاع ش�عبيتها في الش�ارع العربي‪ ،‬مبا في ذل�ك الدول التي كانت‬ ‫ضمن احملور املضاد؟‬ ‫لق�د اندلعت الث�ورات ف�ي االنظمة العربي�ة الس�باب ال صلة لها‬ ‫باملنافسة بني احملورين‪ .‬ولكن في غضون وقت قصير سعى الطرفان‬ ‫اخملتلفان ف�ي الصراع االقليمي الى منع ضعفهم�ا‪ ،‬نتيجة لتغييرات‬ ‫االنظمة في الدول اخملتلفة‪ .‬واذا كان االمر ممكنا‪ ،‬استخالص املنفعة‬

‫تدخل حلف الناتو في ليبيا‬ ‫صعدت الى السطح‪.‬‬ ‫العب آخر يقوم بدور غير متوازن مع حجمه هو قطر‪ ،‬هي االخرى‬ ‫وضعت نفس�ها‪ ،‬خالفا للماضي‪ ،‬بشكل واضح في املعسكر املعارض‬ ‫الي�ران وتب�دي اس�تعدادا لتدخ�ل فاعل‪ ،‬بل وعس�كري ال�ى جانب‬ ‫العناص�ر التي تدعمه�ا في الصراعات الداخلية ف�ي الدول العربية‪.‬‬ ‫ومينحها ثراؤها الوس�ائل الت�ي تتيح لها هذا التدخ�ل‪ ،‬مبا في ذلك‬ ‫ملكيتها لقناة «اجلزيرة» التلفزيونية املؤثرة‪.‬‬ ‫كل هذه التطورات تخلق فسيفساء من االعتبارات االستراتيجية‬ ‫لالعبين اخملتلفني القادرين على التأثير على التدخل العس�كري في‬ ‫االزمات الداخلية الناشئة عن هزات الربيع العربي‪.‬‬ ‫املنظومة االستراتيجية من خارج الساحة االقليمية‬

‫عن�د احلدي�ث ع�ن تدخل عس�كري م�ن دول م�ن خارج الش�رق‬ ‫االوس�ط في نزاع�ات داخلية ف�ي دول عربي�ة‪ ،‬فعلى نح�و طبيعي‬ ‫يك�ون الالعبون املركزيون هم االعضاء الدائمون في مجلس االمن‪،‬‬ ‫وال س�يما بس�ب قدراتهم عل�ى منح أو ع�دم منح الش�رعية للتدخل‬ ‫اخلارجي�ة ف�ي النزاع�ات بفض�ل ح�ق الفيت�و لديه�م ف�ي اجمللس‪.‬‬ ‫وبالت�وازي يوج�د دور مرك�زي للوالي�ات املتح�دة ودول النات�و‪،‬‬ ‫كالعبني مس�تعدين وقادرين على املش�اركة النشيطة في التدخالت‬ ‫العس�كرية‪ .‬وق�د اقترحت التط�ورات ح�ول الربيع العربي مس�ألة‬ ‫املكان�ة املتص�درة للوالي�ات املتح�دة ف�ي تدخلات من ه�ذا النوع‪.‬‬ ‫فالوالي�ات املتح�دة‪ ،‬الت�ي ال ي�زال اجلمهور فيه�ا متأث�را بصدمات‬ ‫التدخالت العس�كرية ف�ي العراق وفي افغانس�تان‪ ،‬غير متحمس�ة‬ ‫من امكانية أن تلعب دورا مركزيا عس�كريا آخر في الشرق االوسط‪.‬‬ ‫وعلى مس�توى االدارة نفس�ها‪ ،‬يتغذى عدم احلماس�ة هذا ايضا من‬ ‫الشكوك بش�أن نتائج التدخل العس�كري االمريكي الى جانب قوى‬ ‫املعارض�ة التي تقاتل ضد االنظم�ة‪ ،‬عندما ال يكون واضحا مبا يكفي‬ ‫م�ا ه�ي طبيعتها‪ .‬وف�ي الواليات املتح�دة يتذكرون جي�دا ان جناح‬ ‫اجملاهدين‪ ،‬الذين دعموهم‪ ،‬في حربهم ضد االحتالل السوفييتي في‬ ‫افغانس�تان في الثمانينيات من القرن املاضي كان االس�اس لتحول‬ ‫العناص�ر املتطرفة فيهم الى جماعات جهادية من القاعدة وفروعها‪،‬‬ ‫التي جعلت الواليات املتحدة والغرب هدفا مركزيا لهجماتها‪.‬‬ ‫وكان احل�ل ال�ذي وجدت�ه االدارة االمريكي�ة للتوت�ر بين ه�ذه‬ ‫اخملاوف وبين الضغوط للدخول في تدخالت عس�كرية‪ ،‬وال س�يما‬ ‫العتب�ارات انس�انية‪ ،‬تطوي�ر فه�م وج�د تعبي�ره ف�ي التدخلات‬ ‫العسكرية الدولية في ليبيا وسمي بـ»القيادة من اخللف»‪ .‬وحسب‬ ‫ه�ذا الفه�م‪ ،‬ال تقف الواليات املتح�دة في جبهة التدخل العس�كري‪،‬‬ ‫وتقلل من استخدام قواتها في قتال مباشر‪ ،‬ولكنها تساعد في قيادة‬ ‫التدخ�ل العس�كري وف�ي توفير غالف مس�اعد‪ ،‬يتش�كل م�ن جهود‬ ‫لوجس�تية‪ ،‬ح�رب الكتروني�ة ووس�ائل تزوي�د بالوقود ف�ي اجلو‪.‬‬ ‫وفي ح�االت خاصة‪ ،‬عندما يكون في اثن�اء القتال اجلوي للواليات‬ ‫املتحدة قدرات ليست حللفائها‪ ،‬مثل القدرة اخلاصة بتعطيل الدفاع‬ ‫اجلوي للدولة التي يتم فيها التدخل العسكري‪ ،‬فانها تستخدم ايضا‬ ‫وسائل هجومية مباشرة في بداية املعركة اجلوية كي تشق الطريق‬ ‫حللفائه�ا االوروبيني والعرب‪ ،‬الذين يكونون هم من ينفذون اجلهد‬ ‫الهجومي االس�اس‪ .‬وكان هذا التدخل الهجومي املباش�ر من جانب‬ ‫الواليات املتحدة بحجم ضيق ولفترة زمنية محدودة‪.‬‬ ‫عنص�ر مهم في الفهم االمريكي والغربي بش�كل ع�ام هو التحفظ‬ ‫الش�ديد على استخدام القوات البرية في اطار هذه التدخالت‪ .‬وفي‬ ‫احي�ان قريبة يطلق تعبير «االقدام على االرض» في س�ياق س�لبي‪،‬‬ ‫كش�يء ينبغي االمتناع عنه من أجل عدم االجنراف مرة اخرى نحو‬ ‫ورطة على منط ايران وافغانستان ويثير هذا النهج نقاشا في مسألة‬

‫لم يفعلوا ذلك الن الفكر االساس للحزب اجلمهوري يعطي وزنا أكبر‬ ‫لالعتبارات االنسانية في السياسة االمريكية اخلارجية؛ العكس هو‬ ‫الصحيح‪ .‬من ناحية تاريخية‪ ،‬كان الدميقراطيون بالذات هم الذين‬ ‫يؤيدون التدخل العسكري الس�باب انسانية‪ .‬اما دافع اجلمهوريني‬ ‫فهو الرغبة في اسقاط نظام االسد‪ ،‬الذي يعتبره احلزب اجلمهوري‬ ‫معاديا‪ ،‬واضعاف احملور الذي تقوده ايران‪.‬‬ ‫وتلعب ه�ذه االعتبارات دورا مركزيا ايضا لدى الدول الس�اعية‬ ‫الى منع التدخل الدولي العسكري‪ .‬فهذه الدول تريد أن متنع اسقاط‬ ‫انظم�ة قريبة منه�ا أو تعزيز مكانة قوى عظمى منافس�ة لها كنتيجة‬ ‫لتغيير النظام‪ .‬روس�يا والصني حتاوالن بش�كل ثاب�ت منع التدخل‬ ‫العس�كري الدولي كي متنعا امكانية تعزي�ز مكانة الواليات املتحدة‬ ‫وامل�س مبكانتهم�ا‪ .‬اعتبار آخر يلع�ب دورا في موقفه�م وفي موقف‬ ‫العديد من دول العالم الثالث في هذا الش�أن‪ ،‬هو معارضتها املبدئية‬ ‫للتدخل الدولي االجنبي في الصراعات الداخلية كون أغلبها انظمة‬ ‫غي�ر دميقراطي�ة وخوفها من س�وابق ميكنه�ا أن ت�ؤدي الى ضغط‬ ‫باجتاه تدخل عسكري دولي فيها ايضا‪.‬‬ ‫السلاح االس�اس ال�ذي تس�تخدمه ه�ذه ال�دول ف�ي مس�اعيها‬ ‫الحباط املبادرات للتدخل العس�كري هو س�حب الش�رعية الدولية‬ ‫من مثل هذا التدخل‪ .‬وفي الفكر الس�ائد ف�ي القانون الدولي حديث‬ ‫العهد‪ ،‬فان مجلس االمن فقط‪ ،‬وفي حاالت خاصة اجلمعية العمومية‬ ‫للامم املتحدة‪ ،‬مبوجب مبدأ «االحتاد من أجل السلام»‪ ،‬ميكنهما أن‬ ‫يعطيا في قراراتهما ش�رعية لتدخل دولي عس�كري‪ .‬واذا ما جنحت‬ ‫تل�ك الدول في من�ع مثل هذه القرارات‪ ،‬فس�تحرم هذه املبادرات من‬ ‫الش�رعية الدولية‪ .‬وتعد روس�يا والصني من االعض�اء الدائمني في‬ ‫مجل�س االمن ولديهما قدرة خاصة على منع مث�ل هذه القرارات في‬ ‫اجمللس من خالل استخدام حقها في النقض – الفيتو‪.‬‬ ‫ف�ي مث�ل ه�ذه احلالة ميك�ن لل�دول املؤي�دة للتدخ�ل الدولي ان‬ ‫تتج�اوز عدم القدرة على مترير قرار مناس�ب ف�ي مجلس االمن‪ ،‬من‬ ‫خالل عمل في اطار ما يس�مى «حتالف الدول الراغبة»‪ .‬احد النماذج‬ ‫االول�ى على مثل هذا التجاوز كان مرابط�ة القوة الدولية (‪)MFO‬‬ ‫في س�يناء‪ ،‬كجزء م�ن تطبيق السلام االس�رائيلي ـ املصري‪ .‬وفي‬ ‫معاه�دة السلام نفس�ها تق�رر مرابط�ة ق�وة م�ن االمم املتح�دة في‬ ‫س�يناء‪ ،‬ولكن مجلس االم�ن رفض اتخاذ مثل هذا الق�رار ولهذا فقد‬ ‫ش�كل القوة «حتال�ف ال�دول الراغبة»‪ .‬وكان�ت هذه حالة بس�يطة‬ ‫وس�هلة نس�بيا‪ ،‬الن اقامة القوة جاءت بعد اتفاق النهاء النزاع بني‬ ‫الطرفني ومرابطتها كانت بناء على رأيهما‪ .‬في االوضاع التي نشأت‬ ‫في اطار «الربيع العربي» الوضع اكثر تعقيدا‪ ،‬الن احلديث يدور عن‬ ‫مواجهة‪ ،‬واستخدام القوة هو بخالف ارادة النظام احلاكم‪ .‬وعليه‪،‬‬ ‫فف�ي ه�ذه االوضاع توجد مش�كلة اصع�ب تتعلق بغياب الش�رعية‬ ‫الدولي�ة‪ ،‬والق�رار بالعمل في اط�ار «حتالف ال�دول الراغبة» يكون‬ ‫اصعب‪.‬‬ ‫التدخل في البحرين‬

‫لي�س التدخل ف�ي البحرين حال�ة تنطبق على احل�االت االخرى‬ ‫موضع البحث في س�ياق الربي�ع العربي‪ .‬أوال‪ ،‬كان ه�ذا تدخال الى‬ ‫جانب النظام‪ ،‬وثانيا‪ ،‬لم تش�ارك فيه سوى بعض من دول املنطقة‪،‬‬ ‫ب�ل وفي واق�ع احلال في قس�م من املنطق�ة – اخلليج الفارس�ي‪ .‬في‬ ‫البحري�ن‪ ،‬مثلما في الدول العربية االخرى‪ ،‬بدأت الثورة كاحتجاج‬ ‫ش�عبي غير عنيف ض�د النظام امللك�ي‪ ،‬ذي احلكم املطلق‪ .‬وبس�بب‬ ‫م�ن املزايا اخلاصة للبحرين‪ ،‬حيث تس�يطر أس�رة مالكة س�نية في‬ ‫دولة أغلبيتها ش�يعة‪ ،‬فقد اتخذت الثورة من�ذ البداية صورة ثورة‬ ‫االغلبية الش�يعية على حكم االقلية السنية‪ ،‬في منطقة اخلليج التي‬

‫‪Volume 25 - Issue 7566 Thursday 17 October 2013‬‬

‫ولكنه�ا الحق�ا اكتف�ت مبس�اعدة حلفائه�ا االوروبيني الذين ش�نوا‬ ‫الهجمات عمليا‪ .‬وبرزت بني دول الناتو التي لم ترغب في املش�اركة‬ ‫في احلمل�ة املانيا‪ .‬وأتاحت الغارات اجلوية لق�وات الثوار بالتغلب‬ ‫عل�ى قوات القذافي وفي ‪ 16‬آب‪/‬اغس�طس س�يطرت عل�ى العاصمة‬ ‫طرابلس‪ .‬وهكذا حس�م عمليا القتال رغم أن املعارك اس�تمرت حتى‬ ‫تشرين االول‪/‬اكتوبر‪ ،‬حني سيطر الثوار على ليبيا بأسرها‪.‬‬ ‫وتلقت روسيا والصني بشكل صعب التطورات في ليبيا ونهجهما‬ ‫للتدخل فيها ميلي بقدر كبير معارضتهما ملبادرات تدخل اخرى‪ .‬وقد‬ ‫كانت�ا املتضررتين املركزيتني من س�قوط النظ�ام‪ ،‬مم�ا حرمهما من‬ ‫القدرة عل�ى مواصلة الصفق�ات االقتصادية الواعدة م�ع ليبيا‪ .‬كما‬ ‫انهما ش�عرتا بان الغرب خدعهما‪ ،‬النهما وافقت�ا على قرار ‪ 1973‬من‬ ‫مجل�س االمن‪ ،‬الذي أعطى برأيهما تفويض�ا بعمل ضيق فقط بهدف‬ ‫حماي�ة املدنيين‪ .‬ام�ا الناتو باملقاب�ل‪ ،‬فأعطى تفس�يرا واس�عا لهذا‬ ‫القرار وشرع في هجوم جوي واسع هدفه تغيير النظام‪ ،‬االمر الذي‬ ‫حصل بالفعل‪.‬‬ ‫وأعربت محافل في الغرب‪ ،‬كانت قد عارضت التدخل العس�كري‬ ‫ف�ي ليبي�ا ع�ن تخوفها م�ن أن الغ�رب يس�اعد الثوار مم�ن هويتهم‬ ‫واهدافهم ليس�ت معروفة‪ .‬وأعربت أساس�ا ع�ن تخوفها من احملافل‬ ‫االسلامية اجلهادي�ة بين الثوار‪ .‬كم�ا كان هناك تخوف من نش�وء‬ ‫وض�ع فوضى ف�ي أعقاب س�قوط النظ�ام‪ ،‬ج�راء الطبيع�ة القبلية‬ ‫للمجتم�ع الليب�ي‪ .‬اما عمليا فقد تبددت اخمل�اوف‪ ،‬وحتى لو لم ِ‬ ‫ينته‬ ‫االنتق�ال ال�ى نظام دميقراطي وال تزال هناك مش�اكل غي�ر قليلة في‬ ‫ليبي�ا‪ ،‬وال س�يما في ضوء الفش�ل في حل امليليش�يات‪ ،‬فقد اس�تقر‬ ‫الوضع ف�ي الدولة‪ ،‬وع�ادت صناعة النف�ط الى العمل بش�كل كامل‬ ‫وجرت انتخابات حرة لم تفز فيها االحزاب االسالمية‪.‬‬ ‫سورية‬

‫مس�ألة احلاجة الى تدخل دولي عس�كري في سورية بقيت حتى‬ ‫نهاي�ة ‪ 2012‬على جدول أعمال االس�رة الدولية‪ .‬فاالحتجاجات ضد‬ ‫النظام الس�وري واملطالبات باالصالحات‪ ،‬التي بدأت في ‪ 15‬مارس‬ ‫‪ ،2011‬أصبحت في اثناء ‪ 2012‬حربا اهلية كاملة‪ .‬وتتميز هذه احلرب‬ ‫باعمال شنيعة بحق املدنيني‪ ،‬يقوم بها النظام‪ ،‬ولكن أيضا تقوم بها‬ ‫محافل املعارضة‪ ،‬وهي تهدد بان تكون أبش�ع من ذلك بكثير بس�بب‬ ‫التركيبة الطائفية للمجتمع السوري‪ ،‬الذي جعل الصراع مع النظام‬ ‫صراع�ا بني الطوائ�ف‪ .‬واذا كانت ج�رت في بداية الث�ورة محاولة‬ ‫لعرض االحتجاجات كثورة مدنية تشمل كل الطوائف‪ ،‬فقد حتولت‬ ‫الث�ورة منذئ�ذ الى مواجه�ة عنيفة بين طرفني – جماعات مس�لحة‬ ‫سنية وقوات النظام العلوية‪ .‬وساهم استخدام النظام للميليشيات‬ ‫العلوي�ة‪ ،‬املس�ماة «ش�بيحة» لقم�ع االحتجاج�ات بش�كل كبير في‬ ‫الطاب�ع الطائفي للحرب االهلية‪ ،‬حيث تقاتل املعارضة الس�نية ضد‬ ‫االقليات املؤيدة للنظام‪ ،‬وال س�يما العلويني واملسيحيني‪ .‬والنتيجة‬ ‫هي صعود مس�تمر في حجم اخلسائر بني الس�كان املدنيني‪ ،‬بسبب‬ ‫املذاب�ح املتبادلة واالرتفاع الكبير في ع�دد الالجئني الذين فروا الى‬ ‫تركيا واالردن ولبنان‪.‬‬ ‫بضعة أس�باب تش�ير ال�ى امكانية ان تك�ون املواجهة الس�ورية‬ ‫الداخلية مس�تمرة واال يس�قط النظام بس�رعة‪ ،‬هذا اذا س�قط على‬ ‫االطلاق‪ .‬فالطاب�ع الطائف�ي للمواجه�ة يخ�دم النظ�ام الن�ه يجبر‬ ‫االقلي�ات عل�ى دعمه‪ ،‬حت�ى ان كان فيها م�ن يتحفظون م�ن طابعه‬ ‫الدكتاتوري ومن فس�اده‪ .‬فهذه االقليات تخش�ى آثار حكم االغلبية‬ ‫الس�نية عليها وتفهم بانه اذا س�قط النظام احلالي‪ ،‬فانها ستس�قط‬ ‫معه‪ .‬وبش�كل مش�ابه يتعزز التكتل واملواالة من أجه�زة القوة لدى‬ ‫النظام‪ .‬فلبنان أجهزة القوة هذه – أجهزة االمن واجليش – تتشكل‬

‫‪AL-Quds AL-Arabi‬‬

‫اساسا من ابناء االقليات‪ ،‬وهؤالء ايضا يفهمون بان سقوط النظام‬ ‫س�يؤدي ال�ى س�قوطهم وأن الثأر ضدهم س�يكون فظيع�ا‪ .‬ومع أنه‬ ‫يوج�د فرار لرجال جيش ُس�نه على مس�تويات مختلفة‪ ،‬وهو ميس‬ ‫بق�درة اجليش الس�وري العملياتية‪ ،‬ولكن ال توجد مؤش�رات على‬ ‫أنه ميس بش�كل ذي مغزى بعناصره االس�اس الذين يشاركون في‬ ‫قم�ع الثورة‪ .‬س�بب آخ�ر لصعوبة الوص�ول الى حس�م في احلرب‬ ‫االهلي�ة في س�وريا هي التدخ�ل اخلارجي‪ .‬ومع أن�ه ال يوجد تدخل‬ ‫عس�كري مباش�ر‪ ،‬ولكن في اثناء الس�نة االخي�رة كان هناك تدخل‬ ‫خارج�ي ملس�اعدة الطرفين بحج�م متزاي�د‪ .‬فاحتدام الص�راع بني‬ ‫مح�ور املقاوم�ة وبني خصمه ف�ي العالم العربي عزز مكانة س�ورية‬ ‫كدولة أساس في هذا الصراع‪.‬‬ ‫خص�وم مح�ور املقاوم�ة‪ ،‬وف�ي املقدم�ة دول اخللي�ج وال س�يما‬ ‫الس�عودية وقطر‪ ،‬يرون في الثورة فرصة الضع�اف ايران واحملور‬ ‫الذي تقوده‪ ،‬ولهذا فهم يس�اعدون الثوار باملال‪ ،‬السلاح‪ ،‬التدريب‬ ‫واس�تضافة القيادات‪ .‬وتلعب تركيا دورا مركزيا في هذه املساعدة‪.‬‬ ‫فه�ي تفض�ل اال تع�رض نفس�ها وكأنها توجد ف�ي صراع م�ع ايران‪،‬‬ ‫ب�ل داعم�ة للثوار بس�بب دعمها ملبادئهم ف�ي وجه النظ�ام القمعي‪،‬‬ ‫وعمليا تعطيهم وتعطي قياداتهم ملجأ في اراضيها وتس�مح بتدفق‬ ‫املس�اعدات اليهم‪ .‬وتس�هل احلدود الطويلة والسائبة بني الدولتني‬ ‫ه�ذه املس�اعدات‪ .‬ام�ا الثوار م�ن جهته�م‪ ،‬فلعلمهم بأهمي�ة العالقة‬ ‫االقليمي�ة باجلبهة الداخلية التركية‪ ،‬اعطوا أولوية للس�يطرة على‬ ‫املناط�ق على طول احلدود الس�ورية – التركية‪ .‬جهة ثالثة تس�اعد‬ ‫الث�وار ه�ي احل�ركات الس�لفية – اجلهادي�ة ف�ي ال�دول اجمل�اورة‬ ‫لس�ورية‪ ،‬وال س�يما ف�ي العراق‪ .‬وه�ذه احل�ركات تدف�ع باملقاتلني‬ ‫والسلاح الى س�ورية كي تش�ارك في القتال ضد «العلويني الكفار»‬ ‫وكذا للتأثير على الطابع الذي ستتخذه سورية بعد سقوط النظام‪.‬‬ ‫جهة مساعدة رابعة للثوار هي الدول الغربية وعلى رأسها الواليات‬ ‫املتح�دة‪ .‬ومع ان ه�ذه ال تزال تتردد اذا كان س�ليما دع�م املعارضة‬ ‫املس�لحة‪ ،‬وذلك بس�بب احساس�ها ب�ان ليس واضحا م�ن هي هذه‬ ‫املعارض�ة وخوفه�ا م�ن أن يتبني له�ا في نهاي�ة املطاف انه�ا دعمت‬ ‫جهات س�تصبح مش�كلة بالنس�بة لنا‪ ،‬مثلما حصل في افغانستان‪.‬‬ ‫ورغم ذلك‪ ،‬فقد بدأت مساعدات غربية بحجوم محدودة للثوار‪ ،‬وال‬ ‫سيما بتوريد املعدات املساعدة‪ ،‬اجهزة اتصاالت وما شابه‪.‬‬ ‫ومن اجلهة االخرى‪ ،‬فان الش�ريكني املركزيني في محور املقاومة‪،‬‬ ‫ايران وحزب الله‪ ،‬اللذين يفهمان جيدا االثار السلبية التي ستكون‬ ‫لسقوط نظام االسد بالنسبة لهما‪ ،‬فيحاوالن قدر االمكان مساعدته‪.‬‬ ‫والتقاري�ر اخملتلف�ة ع�ن مش�اركة االيرانيني (م�ن ق�وة «القدس»)‬ ‫ورج�ال ح�زب الله ف�ي القتال‪ ،‬ل�م تتأكد بع�د‪ ،‬وعملي�ا صعبة على‬ ‫التأكي�د الن الطرفني يس�تخدمان التضليل االعالمي بقوة واس�عة‪.‬‬ ‫ومع ذلك ال ريب في ان ايران وحزب الله يساعدان النظام السوري‬ ‫بالعتاد لقمع الثورة‪ ،‬بوس�ائل استخبارية هدفها حتسني السيطرة‬ ‫في الساحة الداخلية‪ ،‬مبا في ذلك في الشبكات االجتماعية‪ ،‬وكذا في‬ ‫املش�ورة والتدريب‪ .‬احدى نقاط الضعف للنظام هي تدهور الوضع‬ ‫االقتص�ادي‪ ،‬الذي يقلص املقدرات التي حتت تصرفه‪ .‬كما تس�اعده‬ ‫اي�ران أيضا في هذا اجملال م�ن خالل جتاوز العقوب�ات االقتصادية‬ ‫الت�ي فرضت على س�ورية‪ ،‬ومعق�ول االفتراض باملس�اعدات املالية‬ ‫املباشرة‪.‬‬ ‫وتخل�ق املس�اعدات اخلارجية الت�ي متنح للطرفين املتصارعني‬ ‫الواح�د ضد االخ�ر مثاب�ة حالة م�ن التعادل‪ .‬فق�وى الث�وار قادرة‬ ‫على الس�يطرة على مدن ومناطق‪ ،‬وال سيما في احمليط‪ ،‬وبني احلني‬ ‫واالخ�ر توجي�ه ضربات اليمة للنظ�ام‪ ،‬مبا في ذلك ف�ي مراكز ثقله‪.‬‬ ‫مثال دراماتيكي على هذه القدرة هو العملية التي صفت قسما كبيرا‬ ‫م�ن القي�ادة االمنية للنظ�ام‪ .‬اما اجليش املوالي لالس�د م�ن جهته‪،‬‬ ‫فق�ادر على العمل في كل مكان يق�رر ذلك وفرض الهزمية على الثوار‬ ‫في املواجهة املباش�رة‪ ،‬ولكن «اللحاف اقصر مما ينبغي»‪ ،‬وبالتالي‬ ‫فان�ه ال يس�تطيع ان يك�ون موجودا ف�ي كل مكان‪ .‬ويس�تغل الثوار‬ ‫ذل�ك ليعودوا الى االماكن التي هزموا فيه�ا بعد أن تغادرها وحدات‬ ‫اجلي�ش وتنتق�ل الى ب�ؤر مواجهة اخ�رى‪ .‬وم�ع ذلك‪ ،‬ف�ان النظام‬ ‫يحرص على االبقاء على السيطرة في احملور املركزي‪ ،‬الذي يتضمن‬ ‫مدن دمش�ق‪ ،‬حم�ص وحلب وعلى العالق�ة بينها‪ ،‬وك�ذا في مناطق‬ ‫الشاطئ‪ .‬هذا الوضع ميكنه أن يستمر لفترة طويلة جدا‪ ،‬في اثنائها‬ ‫يتواصل قت�ل املدنيني‪ .‬ويخلق تواصل الوض�ع ايضا خطرا النتقال‬ ‫ع�دم االس�تقرار الس�وري الداخلي ال�ى دول مجاورة‪ ،‬ومؤش�رات‬ ‫أولية على ذلك اصبح من املمكن رؤيتها في لبنان وفي االردن‪.‬‬ ‫الوض�ع في س�ورية ه�و وضعي�ة كالس�يكية ملمارس�ة سياس�ة‬ ‫«املس�ؤولية للحماي�ة»‪ ،‬كم�ا أنه س�بب مركزي للضغط عل�ى الدول‬ ‫الغربي�ة للتدخ�ل العس�كري في م�ا يجري هن�اك‪ .‬وفي ه�ذا االطار‬ ‫تبح�ث مس�تويات مختلفة م�ن التدخل‪ .‬احد املس�تويات ه�و اقامة‬ ‫منطق�ة فص�ل داخل االراضي الس�ورية عل�ى مقربة م�ن احلدود مع‬ ‫تركيا‪ ،‬تس�تخدم كمنطقة جلوء لالجئني‪ .‬املستوى الثاني هو حتديد‬ ‫مناط�ق حظر طي�ران متنع النظام من اس�تخدام قوت�ه اجلوية ضد‬ ‫املدنيني‪ .‬مستوى ثالث هو استخدام القوة اجلوية العطاء مساعدة‬ ‫هجومية للثوار ضد قوات االسد‪ .‬ويكاد ال يكون يجري اي بحث في‬ ‫امكانية ارسال قوات برية تدخل الى سورية‪.‬‬ ‫يبدو أنه ال يوجد في هذه االثناء قرار غربي بالتدخل العس�كري‬ ‫واملباشر في القتال في سورية‪ ،‬خالفا لقرار التدخل في ليبيا‪ .‬خمسة‬ ‫اسباب لذلك‪:‬‬ ‫‪ .1‬ال توج�د امكاني�ة لني�ل ش�رعية دولي�ة‪ ،‬أي قرار م�ن مجلس‬ ‫االمن لعمل كهذا بس�بب معارضة روسيا والصني‪ .‬وهاتان تشعران‬ ‫ب�ان الغ�رب خدعهما ف�ي قضي�ة التدخ�ل الدولي ف�ي ليبي�ا‪ ،‬وهما‬ ‫مصممت�ان على من�ع تطور مش�ابه في س�ورية‪ .‬املصلح�ة اخلاصة‬ ‫لروس�يا في س�ورية – املعقل الوحيد لها في العال�م العربي – تعزز‬ ‫هذا التصميم‪.‬‬ ‫‪ .2‬طبيع�ة املعارض�ة الس�ورية‪ .‬فه�ذه منقس�مة ومنش�قة وفيها‬ ‫عناص�ر جهادي�ة‪ .‬اجلهود والضغ�وط الدولية لتوحي�د املعارضة ال‬ ‫جت�دي نفعا‪ .‬ه�ذه احلقيق�ة والطبيع�ة الفعلية للمجتمع الس�وري‬ ‫تع�ززان مخ�اوف ال�دول الغربية من أن ي�ؤدي اس�قاط النظام الى‬ ‫الفوضى وال�ى حرب اجلميع ضد اجلميع‪ .‬مثل هذا الوضع س�يجبر‬ ‫الغ�رب عل�ى ارس�ال ق�وات بري�ة ال�ى س�ورية به�دف الفص�ل بني‬ ‫االط�راف ومنع املذابح‪ ،‬االمر الذي من ش�أنه ان ي�ؤدي الى ورطات‬ ‫عديدة السنني هناك‪ ،‬مثل الورطة في العراق وفي افغانستان‪.‬‬ ‫‪ .3‬تركي�ا‪ ،‬الت�ي هي دولة أس�اس ف�ي كل صيغة تدخل عس�كري‬ ‫خارج�ي في س�ورية تتحفظ في ه�ذه املرحلة من مثل ه�ذا التدخل‪.‬‬ ‫هي االخرى تخشى التورط وال تريد أن تفاقم مواجهتها مع ايران‪.‬‬ ‫‪ .4‬التخوف من أن تكون احلمالت العس�كرية في س�ورية معقدة‬ ‫وتنطوي على خسائر فادحة‪ ،‬بس�ب قدرات منظومة الدفاع اجلوي‬ ‫الس�وري‪ ،‬الت�ي ه�ي محس�نة مقارن�ة بتلك الت�ي كانت ل�دى نظام‬ ‫القذافي في ليبيا‪.‬‬ ‫‪ .5‬التخ�وف م�ن انتق�ال املواجه�ة الى خارج س�ورية وتوس�يع‬ ‫نطاقها‪.‬‬ ‫وبس�بب عدم الق�درة على اتخاذ قرار مناس�ب في مجلس االمن‪،‬‬ ‫فان التدخل العس�كري في س�ورية س�يكون ممكنا فقط اذا ما تبلور‬ ‫ائتالف «دول الناتو الراغبة»‪ ،‬التي تتخذ قرارا بالتدخل‪ .‬وس�تلعب‬ ‫الوالي�ات املتحدة دورا مركزيا في مثل ه�ذا القرار‪ ،‬النه ليس للدول‬ ‫االخرى القدرة التي لها لبذل جهد جوي مستمر في سورية‪ ،‬التي هي‬ ‫كما هو معروف ذات منظومة دفاع جوي متطورة‪ .‬هذا سيناريو غير‬ ‫س�هل‪ ،‬ولكن ال ميكن اس�تبعاد امكانية حتققه‪ ،‬وذلك الن االستمرار‬ ‫املتوق�ع للح�رب االهلية في س�ورية‪ ،‬كث�رة حاالت القت�ل اجلماعي‬ ‫واالرتف�اع في عدد الالجئني‪ ،‬كل هذا سيش�دد بالتدريج الضغط في‬ ‫االس�رة الدولية للتدخل العس�كرية‪ .‬تركيا‪ ،‬التي ه�ي العب مركزي‬ ‫في هذا الس�ياق‪ ،‬كفيلة بان تغير نهجها‪ ،‬وذلك بس�بب التخوف من‬ ‫ان يؤدي اس�تمرار االزمة الى خلق دولة كردية صغيرة في الش�مال‬ ‫الشرقي من سورية‪ .‬من ناحية تركيا‪ ،‬هذا سيناريو رعب النه سيزيد‬ ‫الضغ�ط عليها ملن�ح حكم ذاتي لالك�راد في اراضيه�ا‪ ،‬ويوفر ملنظمة‬ ‫حزب العمال الكردي الذي يقاتلها قاعدة اخرى للعمل ضدها‪.‬‬ ‫عام�ل آخ�ر ميكن�ه ان يؤدي‪ ‬باالس�رة الدولي�ة ال�ى التدخل في‬ ‫س�ورية هو التخوف من س�قوط مخزون السلاح الكيميائي الكبير‬ ‫لديها الى ٍ‬ ‫اياد غير مسؤولة – جماعات جهادية أو حزب الله‪.‬‬ ‫ميكن االفت�راض بان اعتبارات اس�تراتيجية ايض�ا‪ ،‬اي امكانية‬ ‫اس�قاط نظ�ام معاد واضعاف احمل�ور بقيادة اي�ران‪ ،‬تلعب دورا في‬ ‫تفكير الواليات املتح�دة ودول اخرى‪ ،‬ولكن يبدو أنها ال تلعب دورا‬ ‫حاس�ما عندما يدور احلديث عن التدخل العس�كري املباش�ر للدول‬ ‫الغربية في س�ورية‪ .‬في نهاية املطاف‪ ،‬االعتبار االنس�اني هو الذي‬ ‫سيحس�م‪ .‬اذا كان تدخ�ل كهذا‪ ،‬ف�ان دول الناتو س�تلعب فيه الدور‬ ‫االس�اس‪ ،‬ولكن بعض الدول العربية‪ ،‬وال س�يما من اخلليج‪ ،‬كفيلة‬ ‫بان تشارك فيه ايضا‪.‬‬

‫٭ تقدير استراتيجي السرائيل للعامني ‪ ،2013 – 2012‬مركز بحوث‬ ‫االمن القومي ـ جامعة تل أبيب ـ شباط‪/‬فبراير ‪2013‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.