السنة اخلامسة والعشرون ـ العدد 7566اخلميس 17تشرين االول (اكتوبر) 2013ـ 12ذو احلجة 1434هـ
صحف عبرية
AL-QUDS AL-ARABI
9
الرأي العام في الدول الغربية ال يزال يتحفظ على مزيد من التدخالت العسكرية في الشرق االوسط ال سيما عندما يدور احلديث عن تدخل قوات برية
دروس من التدخل العسكري اخلارجي في الشرق االوسط
شلومو بروم في أعقاب تورط الواليات املتحدة وحلفائها في تدخل عسكري في أفغانس�تان وفي العراق ،ونتائجهما االشكالية من حيث االجنازات واالثمان ،كان يبدو في بداية العام 2010ان عهد التدخل العس�كري الغربي في الدول العربية واالسلامية قد ول�ى .وتبنى الرأي العام في الغرب موقف معارضة ش�ديدة لتدخالت جديدة ورغبة شديدة في قط�ع الصل�ة بااللتزام�ات القائم�ة .ونتيجة لذلك س�عت الدول الغربية الى التحرر املبكر قدر االمكان من التزاماتها في العراق وفي افغانستان .وجاءت الهزة التي أملت بالعالم العربي منذ نهاية 2010 «الربيع العربي» لتغير هذا امليل وترفع من جديد الى جدول االعمال الدولي مسألة احلاجة الى تدخل عسكري خارجي في هذه الدول. في س�ياق الربيع العربي توجد هذه املس�ألة على جدول االعمال بش�كل عام حني تصطدم االنتفاض�ة ضد نظام دكتات�وري مبقاومة ش�ديدة من هذا النظام ،الذي يس�تخدم الق�وة لقمعها .وفي املرحلة التالية ،تتصاعد املواجهة وتصبح حربا أهلية مستمرة بني جماعات مختلفة من السكان .وتتميز بهذا التطور أساسا مجتمعات منقسمة، االنقس�ام فيها ديني ،إثني ،قبائلي ،أو جملة من هذه املزايا .في هذه احل�االت ،فان االج�زاء الداعمة من الس�كان للنظ�ام ،والى جانبهم أجه�زة قوة النظ�ام ،تقاتل ض�د أجزاء م�ن الس�كان تعارضه .مثل ه�ذه احلرب االهلية هي بطبيعتها حرب بش�عة على نحو خاص ،ال حتت�رم فيها قواعد القانون والقضاء الدوليين املتعلقة باملواجهات املس�لحة ،ويصبح السكان املدنيون هدفا مركزيا لالطراف املتقاتلة. وه�ذه ه�ي احل�االت التي تنش�أ فيه�ا احلاج�ة الى تدخل عس�كري خارجي ،بهدف انهاء احل�رب االهلية والفظائع التي تنطوي عليها. وفي حاالت اخرى حتس�م فيها املواجهة بس�رعة ،الن النظام ينجح ف�ي قمع االنتفاضة بالقوة ،أو الن الثورة تنجح والنظام يس�قط في غضون فترة زمنية قصيرة (مثلما حدث في تونس وفي مصر) ،فان املس�ألة ال تطرح على ج�دول االعمال .وميكن للتدخ�ل ان يكون من جهات اقليمية أو من جهات من خارج املنطقة. من�ذ ب�دأ الربي�ع العرب�ي كان�ت حالت�ان مختلفتان م�ن التدخل العس�كري اخلارجي املباش�ر في الش�رق االوس�ط ،ال�ذي يبدو في ه�ذه املرحلة بانه حقق هدف�ه -في ليبيا وف�ي البحرين – مرة الى جان�ب الثوار ومرة ال�ى جانب النظ�ام ،على التوال�ي .وفي أعقاب هاتين احلالتني نش�أت ضغ�وط الجراء تدخل مش�ابه في س�ورية النهاء احلرب االهلية هناك ،وفي أعقابها بدايات تدخالت عس�كرية خارجي�ة غير مباش�رة في هذه احلرب ،من خالل مس�اعدة اجلهات املتقاتلة في الطرفني .ساحة اخرى قد تنشأ فيها املطالبات بتدخالت عسكرية هي اليمن ،التي حتى بعد رحيل عبدالله صالح عن الرئاسة لم يتحقق االستقرار فيه بعد ،ويحتمل أن حتتدم االزمة أكثر فأكثر. منظومتان من االعتبارات متليان التدخالت العسكرية اخلارجية في الدولة :واحدة هي منظومة االعتبارات االنسانية ،التي لها تأثير كبي�ر على الرأي العام .في ه�ذه احلالة ،تكون احلاجة ملنع الفضائع وامل�س بالس�كان االبري�اء .اما املنظوم�ة الثانية فتش�مل اعتبارات استراتيجية لالطراف التي تفكر بالتدخل .هذه االعتبارات تصطدم بالكلفة املتوقعة ملثل هذا التدخل على املشاركني فيه.
منه�ا ايض�ا ،ونتيج�ة لذلك ،فقد ش�دد الربي�ع العربي ه�ذا الصراع واش�تمل على ابعاد جدي�دة ،وان كان بدا في البداي�ة وكأن ال صلة له باملنافسة االقليمية. ف�ي املرحلة االولى ،عندما س�قط النظامان في تونس وفي مصر، الل�ذان كانا مع مح�ور الدول املعتدلة ،وكان�ا يرتبطان بالغرب ،قدر اعض�اء مح�ور املقاوم�ة ان ه�ذه التط�ورات تخدمهم ،وذل�ك النها تضعف محور الدول املعتدلة وتعزز محورهم .وقد فرحوا على نحو خاص بس�قوط الرئي�س املصري مبارك الذي كان ع�دوا مريرا لهم. كما أن تعزيز قوة احلركات السياس�ية االسالمية في اعقاب سقوط النظامني بدا هو االخر كعمل يخدمهم .وبالتوازي سعت دول احملور املض�اد ال�ى منع ضعفها م�ن خالل تعزي�ز العناصر املقرب�ة منها في الدول التي س�قطت فيها االنظمة ،او توش�ك على الس�قوط .فقدمت دول اخلليج ،وال س�يما الس�عودية وقطر املس�اعدة ،املالية اساسا، الى العناصر القريبة منها ،التي بشكل محمل باملفارقة كانت بالذات احلركات االسلامية الت�ي فرحت ايران جدا بصع�ود قوتها .والقت املس�اعدة الس�عودية ومن ش�ركائها في اخلليج تعبي�را متطرفا في تدخلها العس�كري الى جانب النظام الس�ني ف�ي البحرين ،التدخل الذي ساعد في قمع ثورة االغلبية الشيعية في املكان. وأك�د التوت�ر املتصاع�د بين املعس�كرين عق�ب التط�ورات ف�ي الربي�ع العربي رؤي�ة املواجهة بين احملورين ،كمواجه�ة دينية بني الس�نة والش�يعة ،رغم اس�تياء ايران التي س�عت دوم�ا الى طمس هذا البعد في املنافس�ة بينها وبني قوى اخرى في الش�رق االوسط. وأدت التط�ورات ف�ي البحرين دورا مركزيا ف�ي تعزيز هذه الرؤية. فقد رأت دول اخلليج العربية ،وعلى رأس�ها الس�عودية ،في الثورة الت�ي اندلعت في البحرين جهدا مقصودا من ايران الس�قاط النظام الس�ني ورفع حكم االغلبية الش�يعية ،التي كانت خاضعة لنفوذها، بدال منه. تط�ور آخر له آث�ار على احتم�االت التدخل اخلارج�ي في الدول الت�ي علقت في أزمة داخلية عقب احداث الربيع العربي ،هو احتدام املنافس�ة بين تركيا واي�ران .فقد تبن�ت االولى قبل الربي�ع العربي سياس�ة خارجية اساس�ها عالق�ات طيبة مع كل جيرانه�ا ،وفي هذا االط�ار اتخ�ذت خط�وات لتحسين عالقاته�ا م�ع س�ورية وايران، العضوي�ن ف�ي مح�ور املقاوم�ة .كل هذا ،رغ�م عالقاتها م�ع الغرب، عضويته�ا ف�ي الناتو وهويتها الس�نية .ولكن الربي�ع العربي أجبر تركيا على ان تقرر الى أي معس�كر تنتم�ي .وفضلت تركيا في نهاية املطاف الوقوف في املعسكر املؤيد للثورات اجلماهيرية العربية ضد االنظمة الدكتاتورية ،ولكنها تتطلع الى أن متنع عن ايران اجنازات جراء ذلك ،بل وتتنافس معها .لقد كانت املنافس�ة بني تركيا وايران عل�ى النف�وذ ف�ي العالم العرب�ي قائمة حت�ى قبل ذل�ك ،ولكنها االن
هل ميكن حس�م معارك من هذا النوع فقط من خالل استخدام القوة اجلوي�ة ،وم�ن دون اس�تخدام الق�وات البرية .ويض�رب املؤيدون لالكتفاء باس�تخدام القوات اجلوية مثال افغانس�تان ،حيث اسقط نظام طالبان على أيدي القوات احمللية مبس�اعدة جوية من القوات االمريكي�ة وحلفائها ،وكذا مثال العراق ،حيث حس�مت املعركة على ح�د قوله�م بالق�وة اجلوي�ة وكانت حاج�ة ال�ى الق�وة البرية فقط كخطوة نهائية. اما املش�ككون به�ذا الفهم فيقولون ان اس�قاط النظ�ام من خالل استخدام القوة اجلوية مبس�اعدة القوات احمللية هو مجرد املرحلة االولى من املعركة وال يعني حس�مها ،النه ف�ي املرحلة الثانية يتبني في احيان قريبة أنه من أجل منع الفوضى وش�طب اجنازات اسقاط النظام ،تكون حاجة الى «االقدام على االرض» – ما تؤكده بالضبط حالتا افغانستان والعراق. من الس�ابق الوانه القول اذا كان مفهوم استخدام القوة اجلوية وحده�ا م�ع «القيادة م�ن اخلل�ف» ،الذي تبنت�ه الوالي�ات املتحدة ه�و الصيغة االس�اس للتدخ�ل الدولي في الدول الت�ي تعصف فيها الهزات ،نتيجة للربيع العربي .وميكن ايجاد سند لهذه الفرضية بان هذه س�تكون الصيغة املتكررة للتدخل االمريك�ي أيضا في التجربة الت�ي تراكم�ت ف�ي الس�احة االس�رائيلية – العربي�ة في الس�نوات االخي�رة .ففي هذه الفترة كانت هن�اك عدة حاالت كانت فيها حاجة الس�تخدام التدخل الدولي العس�كري واالمني ،ملعاجلة مشاكل بني اس�رائيل وجيرانه�ا .في كل هذه االح�وال تبنت الوالي�ات املتحدة مفه�وم «القي�ادة م�ن اخللف» ،وان كانت لم تس�م ذلك بهذا االس�م. ف�ي الضغوط الت�ي تتعرض لها الس�احة الدولية كي تق�رر التدخل العس�كري ف�ي دول كليبي�ا وس�ورية ،ف�ان االعتبارات االنس�انية والرغب�ة ف�ي من�ع الفظائ�ع اجلماعي�ة تلع�ب دورا مركزي�ا جت�اه اخل�ارج ،ولكن في ق�رار كهذا تك�ون ايضا اعتبارات اس�تراتيجية. أح�د االعتبارات من هذا النوع هو التقدير ب�ان النظام على اي حال سيس�قط ،وان التدخل العس�كري الى جانب الثوار ضده سيضمن للدول املش�اركة ،وال س�يما العظم�ى منها ،عالقات طيب�ة مع النظام اجلدي�د ونقل�ه ال�ى دائرة نفوذه�ا او ابق�اءه داخل دائ�رة نفوذها عندم�ا تكون الدولة التي ي�درس التدخل فيها توج�د أصال في هذه الدائ�رة .ف�ي احلاالت التي تك�ون فيها الدولة في دائ�رة نفوذ دولة خص�م ،أو أن يكون النظام في الدولة معاديا للغرب ،س�يلعب دورا مهم�ا اعتبار تغيي�ر امليزان االس�تراتيجي من خالل اس�قاط النظام املعادي. لي�س مفاجئ�ا انه في اجل�دال السياس�ي الداخلي ف�ي الواليات املتح�دة في اثناء حملة االنتخابات للرئاس�ة ،هاج�م اجلمهوريون الرئيس اوباما على امتناعه عن التدخل العسكري في سورية .وهم
يسود فيها توتر شديد بني ايران الشيعية ،التي ترتسم كقوة عظمى اقليمية ذات تطلعات توس�عية ،وبني دول اخلليج العربية الس�نية الت�ي تدافع عن نفس�ها ضد ه�ذه التطلعات التوس�عية .وقد اتهمت اي�ران ،عن حق أو عن غير حق ،كمن حرضت االغلبية الش�يعية في البحري�ن على الث�ورة ،بل ومدتها بالوس�ائل .فبعثت الس�عودية، التي تقف في جبهة املواجهة مع ايران وتخشى جدا أن تتلقى عدوى الهي�اج اجلماهيري لدى االقلية الش�يعية في املناطق الش�رقية من اململكة ،بعث�ت الى البحرين بقواتها العس�كرية ،التي انضمت اليها ق�وات رمزية من دول اخرى اعضاء ف�ي مجلس التعاون اخلليجي، فس�اعدت هذه القوات النظام على قمع الثورة بالقوة .وجاء تدخل السعودية هذا استمرارا لتدخلها العسكري ضد الثوار احلوثيني في اليمن ،حتى قبل الربيع العربي ولهذا فانه يعكس سياس�ة سعودية ثابتة .اضافة الى ذلك ،فاحلديث يدور عن س�يناريو خاص مبنطقة اخلليج ،ومش�كوك أن تكون تطورات مش�ابهة في مناطق اخرى من العالم العربي. ليبيا
ف�ي أعقاب جناح الثورة في تونس وفي مصر ،بدأت في ش�باط/ فبراي�ر 2011الثورة ف�ي ليبيا .ومنذ بداية اذار/م�ارس فقد النظام الس�يطرة في مناطق مختلفة ،وال س�يما في منطقة كرنيكا في شرق الدولة .وفرار وحدات كاملة من اجليش الليبي س�اعد الثوار ،ولكن ق�وات معم�ر القذافي ص�دت هج�وم الثوار في غ�رب ليبي�ا وبدأت بهج�وم مض�اد حققت في�ه النجاح�ات واقتربت من طول ش�واطئ البح�ر املتوس�ط باجت�اه بنغ�ازي – املدين�ة االكبر في ش�رق ليبيا ومرك�ز الثوار .وعزز س�لوك ق�وات النظ�ام جتاه الس�كان املدنيني في امل�دن الثائرة والتهدي�دات التي اطلقها القذاف�ي ومحيطه ،عزز اخل�وف من أن ي�ؤدي احتالل ق�وات النظ�ام لبنغازي ال�ى مذبحة لس�كان املدينة .وفرض�ت الواليات املتحدة ،وفي اعقابها اس�تراليا وكندا عقوبات على ليبيا ،في محاولة ملمارسة الضغط على النظام، ولك�ن م�ن دون جدوى ،ب�ل ان ق�رار مجلس االم�ن بتكليف احملكمة الدولي�ة بالتحقيق في جرائم رجال النظام ل�م يجدِ نفعا هو االخر. وف�ي 17م�ارس اتخ�ذ مجل�س االمن ق�رار رق�م ،1973ال�ذي فرض منطقة حظ�ر جوي ،واتخاذ كل الوس�ائل الالزم�ة حلماية املدنيني. وطبق الق�رار حلف الناتو وعملي�ا «حتالف ال�دول الراغبة» ،الذي ضم اعضاء في الناتو وال س�يما فرنس�ا وبريطاني�ا ،وانضمت اليها طائرات من قطر واحتاد االمارات. وشاركت في املرحلة االولى ايضا الواليات املتحدة ،التي اطلقت صواريخ «تومه�وك» بهدف تعطيل منظومة الدف�اع اجلوي الليبي،
االعتبارات االنسانية
ف�ي أعق�اب احلرب العاملي�ة الثانية وقتل الش�عب ال�ذي وقع في اثنائه�ا ،تأسس�ت االمم املتح�دة وتط�ور مج�ال القان�ون الدول�ي ال�ذي يعن�ى باالع�راف الالزمة حلصر الثم�ن الذي يدفعه الس�كان املدني�ون في االوض�اع احلربية .وتعاظم االنش�غال ف�ي هذا اجملال بع�د انتهاء احل�رب الباردة واتس�اع ظاه�رة النزاع داخ�ل الدول، التي رفعت الى جدول االعمال العاملي املعضلة االس�اس في الصدام بني عرف السيادة والعرف الناش�ئ املتعلق بالتدخالت االنسانية. وف�ي ه�ذا االط�ار تبل�ور ع�رف حظ�ي باس�م «املس�ؤولية للحماية « »Responsibility to Protectأو باختصار .R2P R2Pه�ي جهد تق�وم به االمم املتح�دة للمضي في ع�رف دولي، في أساس�ه فكرة أن الس�يادة ليس�ت فقط حقا بل مس�ؤولية ايضا. وتترك�ز املب�ادرة على من�ع أربعة أن�واع م�ن اجلرائم :قتل ش�عب، جرائم حرب ،جرائم ضد االنسانية وتطهير عرقي .ويتضمن العرف ثالثة مبادئ اساسية: .1للدول�ة مس�ؤولية ف�ي الدف�اع ع�ن س�كانها ض�د الفظائ�ع اجلماعية. .2لالس�رة الدولية مس�ؤولية مس�اعدة الدولة على القيام بهذه املسؤولية االساس. .3اذا فش�لت الدولة في حماية مواطنيه�ا من الفظائع اجلماعية، وفش�لت املساعي السلمية الجبارها على ذلك هي االخرى ،فلالسرة الدولية مسؤولية التدخل بوسائل إكراهية ،كالعقوبات االقتصادية. أما التدخل العس�كري فهو الوسيلة االخيرة .وتقرر االسرة الدولية التدخل العس�كري ،بش�كل عام ،بقرار من مجلس االمن على أساس الفص�ل الس�ابع من ميث�اق االمم املتحدة ،الذي يس�مح باس�تخدام القوة العسكرية ملنع العدوان واالعمال ضد السالم. ووردت هذه املبادئ في الوثيقة اخلتامية ملؤمتر عاملي عقدته االمم املتح�دة في العام ،2005للبحث ف�ي منع جرائم الفضائع اجلماعية. وس�بق املؤمتر نشاط جلنة دولية عنيت بالتدخل وبسيادة الدولة، كانت قد ش�كلتها احلكومة الكندي�ة في العام ،2000في أعقاب دعوة االمين العام للامم املتحدة في حين�ه ،كوفي عنان ،لبل�ورة اجمال ح�ول متى يح�ق التدخل االنس�اني .وقررت ه�ذه اللجنة اصطالح «املس�ؤولية للحماي�ة» ،وف�ي التقرير اخلتام�ي لها ،الذي نش�ر في كان�ون االول/ديس�مبر ،2001ظهرت هذه املب�ادئ .وصادق مجلس االمن على البنود االس�اس ف�ي الوثيقة النهائية للجن�ة العاملية في 2006وهكذا جعلها ذات مفعول ملزم. الس�ؤال املرك�زي الناش�ئ بع�د إق�رار ه�ذه املب�ادئ ه�و في اي ظ�رف يكون فيها مبرر اس�تخدام القوة العس�كرية لغ�رض تطبيق «املس�ؤولية للحماية» .وفي تقري�ر اللجنة الدولية م�ن العام 2001 طرحت س�تة معايي�ر الزامية للتدخل العس�كري :هدف ع�ادل ،نية سليمة ،وس�يلة أخيرة ،صالحية شرعية ،وسائل متوازنة ،احتمال معقول لتحقيق الهدف. ال يزال ال يوجد اجماع في احملافل الدولية املعنية على هذه املعايير (حت�ى وان كان مث�ل ه�ذا االجماع ،فثمة مس�احة واس�عة لتفس�ير معظمه�ا .في كل االحوال ،في اثناء العقدين االخيرين ،وحتى بداية الربيع العربي ،كانت احلالة الوحيدة للتدخل العسكري في الشرق االوس�ط الس�باب ميك�ن وصفه�ا باالنس�انية (وان كان يحتمل أنه كانت اعتبارات اخ�رى) كان القرار باقامة مناطق حظر للطيران في العراق بع�د حرب اخلليج في .1991وقررت ه�ذه املناطق الواليات املتحدة ،بريطانيا وفرنسا ،التي ادعت بانها تستند الى قرار مجلس االمن ،688رغم أن هذا لم يتناول صراحة أعماال من هذا النوع. املنظومة االستراتيجية االقليمية
عندم�ا ب�دأت اح�داث الربي�ع العرب�ي ف�ي نهاي�ة ،2010كان�ت املواجهة االستراتيجية االس�اس في الشرق االوسط بني محورين. محور ميكن تس�ميته «محور املقاوم�ة» ،تضمن الدول والالعبني من غي�ر الدول ممن تبن�وا عقيدة املقاوم�ة للغرب والس�رائيل .وقادت هذا احملور ايران وضم فيه س�ورية ،حزب الل�ه وحماس .ومقابلهم وق�ف مح�ور حظي بش�كل ع�ام بلقب «مح�ور ال�دول املعتدل�ة» او «البراغماتي�ة» في العال�م العربي .وقادته مصر والس�عودية وضم معظ�م الدول العربية .وتدعم هذا احمل�ور الواليات املتحدة والغرب بش�كل عام ،وكانت له مصالح مش�تركة وتفاهم هادئ مع اسرائيل، وان كان وضعه�ا السياس�ي حي�ال ال�دول العربي�ة ل�م يس�مح لها بعضوية حقيقية في محور مشترك معها. لق�د كان االعتقاد الس�ائد ف�ي العال�م العربي أن مح�ور املقاومة يوج�د في حالة صع�ود وان معارضي�ه يوجدون ف�ي حالة هبوط. واس�تند هذا االعتقاد الى ضعف مكانة الواليات املتحدة في الشرق االوس�ط ،نتيجة للتورطات العس�كرية في العراق وفي افغانستان وعملية االنسحاب العس�كري من هاتني الدولتني ،اجنازات اعضاء في ه�ذا احمل�ور حيال اس�رائيل وحي�ال عناص�ر اخرى ف�ي احملور املعتدل ،مبا فيها انس�حاب اس�رائيل من جنوب لبنان ،فك االرتباط اح�ادي اجلان�ب الس�رائيل عن قط�اع غزة وس�يطرة حم�اس على القط�اع ،واخي�را اجنازات ح�زب الله حلرب لبن�ان الثانية .كل هذا ع�زز مكانة ونف�وذ اي�ران وحلفائها ف�ي العالم العرب�ي ،وادى الى ارتفاع ش�عبيتها في الش�ارع العربي ،مبا في ذل�ك الدول التي كانت ضمن احملور املضاد؟ لق�د اندلعت الث�ورات ف�ي االنظمة العربي�ة الس�باب ال صلة لها باملنافسة بني احملورين .ولكن في غضون وقت قصير سعى الطرفان اخملتلفان ف�ي الصراع االقليمي الى منع ضعفهم�ا ،نتيجة لتغييرات االنظمة في الدول اخملتلفة .واذا كان االمر ممكنا ،استخالص املنفعة
تدخل حلف الناتو في ليبيا صعدت الى السطح. العب آخر يقوم بدور غير متوازن مع حجمه هو قطر ،هي االخرى وضعت نفس�ها ،خالفا للماضي ،بشكل واضح في املعسكر املعارض الي�ران وتب�دي اس�تعدادا لتدخ�ل فاعل ،بل وعس�كري ال�ى جانب العناص�ر التي تدعمه�ا في الصراعات الداخلية ف�ي الدول العربية. ومينحها ثراؤها الوس�ائل الت�ي تتيح لها هذا التدخ�ل ،مبا في ذلك ملكيتها لقناة «اجلزيرة» التلفزيونية املؤثرة. كل هذه التطورات تخلق فسيفساء من االعتبارات االستراتيجية لالعبين اخملتلفني القادرين على التأثير على التدخل العس�كري في االزمات الداخلية الناشئة عن هزات الربيع العربي. املنظومة االستراتيجية من خارج الساحة االقليمية
عن�د احلدي�ث ع�ن تدخل عس�كري م�ن دول م�ن خارج الش�رق االوس�ط في نزاع�ات داخلية ف�ي دول عربي�ة ،فعلى نح�و طبيعي يك�ون الالعبون املركزيون هم االعضاء الدائمون في مجلس االمن، وال س�يما بس�ب قدراتهم عل�ى منح أو ع�دم منح الش�رعية للتدخل اخلارجي�ة ف�ي النزاع�ات بفض�ل ح�ق الفيت�و لديه�م ف�ي اجمللس. وبالت�وازي يوج�د دور مرك�زي للوالي�ات املتح�دة ودول النات�و، كالعبني مس�تعدين وقادرين على املش�اركة النشيطة في التدخالت العس�كرية .وق�د اقترحت التط�ورات ح�ول الربيع العربي مس�ألة املكان�ة املتص�درة للوالي�ات املتح�دة ف�ي تدخلات من ه�ذا النوع. فالوالي�ات املتح�دة ،الت�ي ال ي�زال اجلمهور فيه�ا متأث�را بصدمات التدخالت العس�كرية ف�ي العراق وفي افغانس�تان ،غير متحمس�ة من امكانية أن تلعب دورا مركزيا عس�كريا آخر في الشرق االوسط. وعلى مس�توى االدارة نفس�ها ،يتغذى عدم احلماس�ة هذا ايضا من الشكوك بش�أن نتائج التدخل العس�كري االمريكي الى جانب قوى املعارض�ة التي تقاتل ضد االنظم�ة ،عندما ال يكون واضحا مبا يكفي م�ا ه�ي طبيعتها .وف�ي الواليات املتح�دة يتذكرون جي�دا ان جناح اجملاهدين ،الذين دعموهم ،في حربهم ضد االحتالل السوفييتي في افغانس�تان في الثمانينيات من القرن املاضي كان االس�اس لتحول العناص�ر املتطرفة فيهم الى جماعات جهادية من القاعدة وفروعها، التي جعلت الواليات املتحدة والغرب هدفا مركزيا لهجماتها. وكان احل�ل ال�ذي وجدت�ه االدارة االمريكي�ة للتوت�ر بين ه�ذه اخملاوف وبين الضغوط للدخول في تدخالت عس�كرية ،وال س�يما العتب�ارات انس�انية ،تطوي�ر فه�م وج�د تعبي�ره ف�ي التدخلات العسكرية الدولية في ليبيا وسمي بـ»القيادة من اخللف» .وحسب ه�ذا الفه�م ،ال تقف الواليات املتح�دة في جبهة التدخل العس�كري، وتقلل من استخدام قواتها في قتال مباشر ،ولكنها تساعد في قيادة التدخ�ل العس�كري وف�ي توفير غالف مس�اعد ،يتش�كل م�ن جهود لوجس�تية ،ح�رب الكتروني�ة ووس�ائل تزوي�د بالوقود ف�ي اجلو. وفي ح�االت خاصة ،عندما يكون في اثن�اء القتال اجلوي للواليات املتحدة قدرات ليست حللفائها ،مثل القدرة اخلاصة بتعطيل الدفاع اجلوي للدولة التي يتم فيها التدخل العسكري ،فانها تستخدم ايضا وسائل هجومية مباشرة في بداية املعركة اجلوية كي تشق الطريق حللفائه�ا االوروبيني والعرب ،الذين يكونون هم من ينفذون اجلهد الهجومي االس�اس .وكان هذا التدخل الهجومي املباش�ر من جانب الواليات املتحدة بحجم ضيق ولفترة زمنية محدودة. عنص�ر مهم في الفهم االمريكي والغربي بش�كل ع�ام هو التحفظ الش�ديد على استخدام القوات البرية في اطار هذه التدخالت .وفي احي�ان قريبة يطلق تعبير «االقدام على االرض» في س�ياق س�لبي، كش�يء ينبغي االمتناع عنه من أجل عدم االجنراف مرة اخرى نحو ورطة على منط ايران وافغانستان ويثير هذا النهج نقاشا في مسألة
لم يفعلوا ذلك الن الفكر االساس للحزب اجلمهوري يعطي وزنا أكبر لالعتبارات االنسانية في السياسة االمريكية اخلارجية؛ العكس هو الصحيح .من ناحية تاريخية ،كان الدميقراطيون بالذات هم الذين يؤيدون التدخل العسكري الس�باب انسانية .اما دافع اجلمهوريني فهو الرغبة في اسقاط نظام االسد ،الذي يعتبره احلزب اجلمهوري معاديا ،واضعاف احملور الذي تقوده ايران. وتلعب ه�ذه االعتبارات دورا مركزيا ايضا لدى الدول الس�اعية الى منع التدخل الدولي العسكري .فهذه الدول تريد أن متنع اسقاط انظم�ة قريبة منه�ا أو تعزيز مكانة قوى عظمى منافس�ة لها كنتيجة لتغيير النظام .روس�يا والصني حتاوالن بش�كل ثاب�ت منع التدخل العس�كري الدولي كي متنعا امكانية تعزي�ز مكانة الواليات املتحدة وامل�س مبكانتهم�ا .اعتبار آخر يلع�ب دورا في موقفه�م وفي موقف العديد من دول العالم الثالث في هذا الش�أن ،هو معارضتها املبدئية للتدخل الدولي االجنبي في الصراعات الداخلية كون أغلبها انظمة غي�ر دميقراطي�ة وخوفها من س�وابق ميكنه�ا أن ت�ؤدي الى ضغط باجتاه تدخل عسكري دولي فيها ايضا. السلاح االس�اس ال�ذي تس�تخدمه ه�ذه ال�دول ف�ي مس�اعيها الحباط املبادرات للتدخل العس�كري هو س�حب الش�رعية الدولية من مثل هذا التدخل .وفي الفكر الس�ائد ف�ي القانون الدولي حديث العهد ،فان مجلس االمن فقط ،وفي حاالت خاصة اجلمعية العمومية للامم املتحدة ،مبوجب مبدأ «االحتاد من أجل السلام» ،ميكنهما أن يعطيا في قراراتهما ش�رعية لتدخل دولي عس�كري .واذا ما جنحت تل�ك الدول في من�ع مثل هذه القرارات ،فس�تحرم هذه املبادرات من الش�رعية الدولية .وتعد روس�يا والصني من االعض�اء الدائمني في مجل�س االمن ولديهما قدرة خاصة على منع مث�ل هذه القرارات في اجمللس من خالل استخدام حقها في النقض – الفيتو. ف�ي مث�ل ه�ذه احلالة ميك�ن لل�دول املؤي�دة للتدخ�ل الدولي ان تتج�اوز عدم القدرة على مترير قرار مناس�ب ف�ي مجلس االمن ،من خالل عمل في اطار ما يس�مى «حتالف الدول الراغبة» .احد النماذج االول�ى على مثل هذا التجاوز كان مرابط�ة القوة الدولية ()MFO في س�يناء ،كجزء م�ن تطبيق السلام االس�رائيلي ـ املصري .وفي معاه�دة السلام نفس�ها تق�رر مرابط�ة ق�وة م�ن االمم املتح�دة في س�يناء ،ولكن مجلس االم�ن رفض اتخاذ مثل هذا الق�رار ولهذا فقد ش�كل القوة «حتال�ف ال�دول الراغبة» .وكان�ت هذه حالة بس�يطة وس�هلة نس�بيا ،الن اقامة القوة جاءت بعد اتفاق النهاء النزاع بني الطرفني ومرابطتها كانت بناء على رأيهما .في االوضاع التي نشأت في اطار «الربيع العربي» الوضع اكثر تعقيدا ،الن احلديث يدور عن مواجهة ،واستخدام القوة هو بخالف ارادة النظام احلاكم .وعليه، فف�ي ه�ذه االوضاع توجد مش�كلة اصع�ب تتعلق بغياب الش�رعية الدولي�ة ،والق�رار بالعمل في اط�ار «حتالف ال�دول الراغبة» يكون اصعب. التدخل في البحرين
لي�س التدخل ف�ي البحرين حال�ة تنطبق على احل�االت االخرى موضع البحث في س�ياق الربي�ع العربي .أوال ،كان ه�ذا تدخال الى جانب النظام ،وثانيا ،لم تش�ارك فيه سوى بعض من دول املنطقة، ب�ل وفي واق�ع احلال في قس�م من املنطق�ة – اخلليج الفارس�ي .في البحري�ن ،مثلما في الدول العربية االخرى ،بدأت الثورة كاحتجاج ش�عبي غير عنيف ض�د النظام امللك�ي ،ذي احلكم املطلق .وبس�بب م�ن املزايا اخلاصة للبحرين ،حيث تس�يطر أس�رة مالكة س�نية في دولة أغلبيتها ش�يعة ،فقد اتخذت الثورة من�ذ البداية صورة ثورة االغلبية الش�يعية على حكم االقلية السنية ،في منطقة اخلليج التي
Volume 25 - Issue 7566 Thursday 17 October 2013
ولكنه�ا الحق�ا اكتف�ت مبس�اعدة حلفائه�ا االوروبيني الذين ش�نوا الهجمات عمليا .وبرزت بني دول الناتو التي لم ترغب في املش�اركة في احلمل�ة املانيا .وأتاحت الغارات اجلوية لق�وات الثوار بالتغلب عل�ى قوات القذافي وفي 16آب/اغس�طس س�يطرت عل�ى العاصمة طرابلس .وهكذا حس�م عمليا القتال رغم أن املعارك اس�تمرت حتى تشرين االول/اكتوبر ،حني سيطر الثوار على ليبيا بأسرها. وتلقت روسيا والصني بشكل صعب التطورات في ليبيا ونهجهما للتدخل فيها ميلي بقدر كبير معارضتهما ملبادرات تدخل اخرى .وقد كانت�ا املتضررتين املركزيتني من س�قوط النظ�ام ،مم�ا حرمهما من القدرة عل�ى مواصلة الصفق�ات االقتصادية الواعدة م�ع ليبيا .كما انهما ش�عرتا بان الغرب خدعهما ،النهما وافقت�ا على قرار 1973من مجل�س االمن ،الذي أعطى برأيهما تفويض�ا بعمل ضيق فقط بهدف حماي�ة املدنيين .ام�ا الناتو باملقاب�ل ،فأعطى تفس�يرا واس�عا لهذا القرار وشرع في هجوم جوي واسع هدفه تغيير النظام ،االمر الذي حصل بالفعل. وأعربت محافل في الغرب ،كانت قد عارضت التدخل العس�كري ف�ي ليبي�ا ع�ن تخوفها م�ن أن الغ�رب يس�اعد الثوار مم�ن هويتهم واهدافهم ليس�ت معروفة .وأعربت أساس�ا ع�ن تخوفها من احملافل االسلامية اجلهادي�ة بين الثوار .كم�ا كان هناك تخوف من نش�وء وض�ع فوضى ف�ي أعقاب س�قوط النظ�ام ،ج�راء الطبيع�ة القبلية للمجتم�ع الليب�ي .اما عمليا فقد تبددت اخمل�اوف ،وحتى لو لم ِ ينته االنتق�ال ال�ى نظام دميقراطي وال تزال هناك مش�اكل غي�ر قليلة في ليبي�ا ،وال س�يما في ضوء الفش�ل في حل امليليش�يات ،فقد اس�تقر الوضع ف�ي الدولة ،وع�ادت صناعة النف�ط الى العمل بش�كل كامل وجرت انتخابات حرة لم تفز فيها االحزاب االسالمية. سورية
مس�ألة احلاجة الى تدخل دولي عس�كري في سورية بقيت حتى نهاي�ة 2012على جدول أعمال االس�رة الدولية .فاالحتجاجات ضد النظام الس�وري واملطالبات باالصالحات ،التي بدأت في 15مارس ،2011أصبحت في اثناء 2012حربا اهلية كاملة .وتتميز هذه احلرب باعمال شنيعة بحق املدنيني ،يقوم بها النظام ،ولكن أيضا تقوم بها محافل املعارضة ،وهي تهدد بان تكون أبش�ع من ذلك بكثير بس�بب التركيبة الطائفية للمجتمع السوري ،الذي جعل الصراع مع النظام صراع�ا بني الطوائ�ف .واذا كانت ج�رت في بداية الث�ورة محاولة لعرض االحتجاجات كثورة مدنية تشمل كل الطوائف ،فقد حتولت الث�ورة منذئ�ذ الى مواجه�ة عنيفة بين طرفني – جماعات مس�لحة سنية وقوات النظام العلوية .وساهم استخدام النظام للميليشيات العلوي�ة ،املس�ماة «ش�بيحة» لقم�ع االحتجاج�ات بش�كل كبير في الطاب�ع الطائفي للحرب االهلية ،حيث تقاتل املعارضة الس�نية ضد االقليات املؤيدة للنظام ،وال س�يما العلويني واملسيحيني .والنتيجة هي صعود مس�تمر في حجم اخلسائر بني الس�كان املدنيني ،بسبب املذاب�ح املتبادلة واالرتفاع الكبير في ع�دد الالجئني الذين فروا الى تركيا واالردن ولبنان. بضعة أس�باب تش�ير ال�ى امكانية ان تك�ون املواجهة الس�ورية الداخلية مس�تمرة واال يس�قط النظام بس�رعة ،هذا اذا س�قط على االطلاق .فالطاب�ع الطائف�ي للمواجه�ة يخ�دم النظ�ام الن�ه يجبر االقلي�ات عل�ى دعمه ،حت�ى ان كان فيها م�ن يتحفظون م�ن طابعه الدكتاتوري ومن فس�اده .فهذه االقليات تخش�ى آثار حكم االغلبية الس�نية عليها وتفهم بانه اذا س�قط النظام احلالي ،فانها ستس�قط معه .وبش�كل مش�ابه يتعزز التكتل واملواالة من أجه�زة القوة لدى النظام .فلبنان أجهزة القوة هذه – أجهزة االمن واجليش – تتشكل
AL-Quds AL-Arabi
اساسا من ابناء االقليات ،وهؤالء ايضا يفهمون بان سقوط النظام س�يؤدي ال�ى س�قوطهم وأن الثأر ضدهم س�يكون فظيع�ا .ومع أنه يوج�د فرار لرجال جيش ُس�نه على مس�تويات مختلفة ،وهو ميس بق�درة اجليش الس�وري العملياتية ،ولكن ال توجد مؤش�رات على أنه ميس بش�كل ذي مغزى بعناصره االس�اس الذين يشاركون في قم�ع الثورة .س�بب آخ�ر لصعوبة الوص�ول الى حس�م في احلرب االهلي�ة في س�وريا هي التدخ�ل اخلارجي .ومع أن�ه ال يوجد تدخل عس�كري مباش�ر ،ولكن في اثناء الس�نة االخي�رة كان هناك تدخل خارج�ي ملس�اعدة الطرفين بحج�م متزاي�د .فاحتدام الص�راع بني مح�ور املقاوم�ة وبني خصمه ف�ي العالم العربي عزز مكانة س�ورية كدولة أساس في هذا الصراع. خص�وم مح�ور املقاوم�ة ،وف�ي املقدم�ة دول اخللي�ج وال س�يما الس�عودية وقطر ،يرون في الثورة فرصة الضع�اف ايران واحملور الذي تقوده ،ولهذا فهم يس�اعدون الثوار باملال ،السلاح ،التدريب واس�تضافة القيادات .وتلعب تركيا دورا مركزيا في هذه املساعدة. فه�ي تفض�ل اال تع�رض نفس�ها وكأنها توجد ف�ي صراع م�ع ايران، ب�ل داعم�ة للثوار بس�بب دعمها ملبادئهم ف�ي وجه النظ�ام القمعي، وعمليا تعطيهم وتعطي قياداتهم ملجأ في اراضيها وتس�مح بتدفق املس�اعدات اليهم .وتس�هل احلدود الطويلة والسائبة بني الدولتني ه�ذه املس�اعدات .ام�ا الثوار م�ن جهته�م ،فلعلمهم بأهمي�ة العالقة االقليمي�ة باجلبهة الداخلية التركية ،اعطوا أولوية للس�يطرة على املناط�ق على طول احلدود الس�ورية – التركية .جهة ثالثة تس�اعد الث�وار ه�ي احل�ركات الس�لفية – اجلهادي�ة ف�ي ال�دول اجمل�اورة لس�ورية ،وال س�يما ف�ي العراق .وه�ذه احل�ركات تدف�ع باملقاتلني والسلاح الى س�ورية كي تش�ارك في القتال ضد «العلويني الكفار» وكذا للتأثير على الطابع الذي ستتخذه سورية بعد سقوط النظام. جهة مساعدة رابعة للثوار هي الدول الغربية وعلى رأسها الواليات املتح�دة .ومع ان ه�ذه ال تزال تتردد اذا كان س�ليما دع�م املعارضة املس�لحة ،وذلك بس�بب احساس�ها ب�ان ليس واضحا م�ن هي هذه املعارض�ة وخوفه�ا م�ن أن يتبني له�ا في نهاي�ة املطاف انه�ا دعمت جهات س�تصبح مش�كلة بالنس�بة لنا ،مثلما حصل في افغانستان. ورغم ذلك ،فقد بدأت مساعدات غربية بحجوم محدودة للثوار ،وال سيما بتوريد املعدات املساعدة ،اجهزة اتصاالت وما شابه. ومن اجلهة االخرى ،فان الش�ريكني املركزيني في محور املقاومة، ايران وحزب الله ،اللذين يفهمان جيدا االثار السلبية التي ستكون لسقوط نظام االسد بالنسبة لهما ،فيحاوالن قدر االمكان مساعدته. والتقاري�ر اخملتلف�ة ع�ن مش�اركة االيرانيني (م�ن ق�وة «القدس») ورج�ال ح�زب الله ف�ي القتال ،ل�م تتأكد بع�د ،وعملي�ا صعبة على التأكي�د الن الطرفني يس�تخدمان التضليل االعالمي بقوة واس�عة. ومع ذلك ال ريب في ان ايران وحزب الله يساعدان النظام السوري بالعتاد لقمع الثورة ،بوس�ائل استخبارية هدفها حتسني السيطرة في الساحة الداخلية ،مبا في ذلك في الشبكات االجتماعية ،وكذا في املش�ورة والتدريب .احدى نقاط الضعف للنظام هي تدهور الوضع االقتص�ادي ،الذي يقلص املقدرات التي حتت تصرفه .كما تس�اعده اي�ران أيضا في هذا اجملال م�ن خالل جتاوز العقوب�ات االقتصادية الت�ي فرضت على س�ورية ،ومعق�ول االفتراض باملس�اعدات املالية املباشرة. وتخل�ق املس�اعدات اخلارجية الت�ي متنح للطرفين املتصارعني الواح�د ضد االخ�ر مثاب�ة حالة م�ن التعادل .فق�وى الث�وار قادرة على الس�يطرة على مدن ومناطق ،وال سيما في احمليط ،وبني احلني واالخ�ر توجي�ه ضربات اليمة للنظ�ام ،مبا في ذلك ف�ي مراكز ثقله. مثال دراماتيكي على هذه القدرة هو العملية التي صفت قسما كبيرا م�ن القي�ادة االمنية للنظ�ام .اما اجليش املوالي لالس�د م�ن جهته، فق�ادر على العمل في كل مكان يق�رر ذلك وفرض الهزمية على الثوار في املواجهة املباش�رة ،ولكن «اللحاف اقصر مما ينبغي» ،وبالتالي فان�ه ال يس�تطيع ان يك�ون موجودا ف�ي كل مكان .ويس�تغل الثوار ذل�ك ليعودوا الى االماكن التي هزموا فيه�ا بعد أن تغادرها وحدات اجلي�ش وتنتق�ل الى ب�ؤر مواجهة اخ�رى .وم�ع ذلك ،ف�ان النظام يحرص على االبقاء على السيطرة في احملور املركزي ،الذي يتضمن مدن دمش�ق ،حم�ص وحلب وعلى العالق�ة بينها ،وك�ذا في مناطق الشاطئ .هذا الوضع ميكنه أن يستمر لفترة طويلة جدا ،في اثنائها يتواصل قت�ل املدنيني .ويخلق تواصل الوض�ع ايضا خطرا النتقال ع�دم االس�تقرار الس�وري الداخلي ال�ى دول مجاورة ،ومؤش�رات أولية على ذلك اصبح من املمكن رؤيتها في لبنان وفي االردن. الوض�ع في س�ورية ه�و وضعي�ة كالس�يكية ملمارس�ة سياس�ة «املس�ؤولية للحماي�ة» ،كم�ا أنه س�بب مركزي للضغط عل�ى الدول الغربي�ة للتدخ�ل العس�كري في م�ا يجري هن�اك .وفي ه�ذا االطار تبح�ث مس�تويات مختلفة م�ن التدخل .احد املس�تويات ه�و اقامة منطق�ة فص�ل داخل االراضي الس�ورية عل�ى مقربة م�ن احلدود مع تركيا ،تس�تخدم كمنطقة جلوء لالجئني .املستوى الثاني هو حتديد مناط�ق حظر طي�ران متنع النظام من اس�تخدام قوت�ه اجلوية ضد املدنيني .مستوى ثالث هو استخدام القوة اجلوية العطاء مساعدة هجومية للثوار ضد قوات االسد .ويكاد ال يكون يجري اي بحث في امكانية ارسال قوات برية تدخل الى سورية. يبدو أنه ال يوجد في هذه االثناء قرار غربي بالتدخل العس�كري واملباشر في القتال في سورية ،خالفا لقرار التدخل في ليبيا .خمسة اسباب لذلك: .1ال توج�د امكاني�ة لني�ل ش�رعية دولي�ة ،أي قرار م�ن مجلس االمن لعمل كهذا بس�بب معارضة روسيا والصني .وهاتان تشعران ب�ان الغ�رب خدعهما ف�ي قضي�ة التدخ�ل الدولي ف�ي ليبي�ا ،وهما مصممت�ان على من�ع تطور مش�ابه في س�ورية .املصلح�ة اخلاصة لروس�يا في س�ورية – املعقل الوحيد لها في العال�م العربي – تعزز هذا التصميم. .2طبيع�ة املعارض�ة الس�ورية .فه�ذه منقس�مة ومنش�قة وفيها عناص�ر جهادي�ة .اجلهود والضغ�وط الدولية لتوحي�د املعارضة ال جت�دي نفعا .ه�ذه احلقيق�ة والطبيع�ة الفعلية للمجتمع الس�وري تع�ززان مخ�اوف ال�دول الغربية من أن ي�ؤدي اس�قاط النظام الى الفوضى وال�ى حرب اجلميع ضد اجلميع .مثل هذا الوضع س�يجبر الغ�رب عل�ى ارس�ال ق�وات بري�ة ال�ى س�ورية به�دف الفص�ل بني االط�راف ومنع املذابح ،االمر الذي من ش�أنه ان ي�ؤدي الى ورطات عديدة السنني هناك ،مثل الورطة في العراق وفي افغانستان. .3تركي�ا ،الت�ي هي دولة أس�اس ف�ي كل صيغة تدخل عس�كري خارج�ي في س�ورية تتحفظ في ه�ذه املرحلة من مثل ه�ذا التدخل. هي االخرى تخشى التورط وال تريد أن تفاقم مواجهتها مع ايران. .4التخوف من أن تكون احلمالت العس�كرية في س�ورية معقدة وتنطوي على خسائر فادحة ،بس�ب قدرات منظومة الدفاع اجلوي الس�وري ،الت�ي ه�ي محس�نة مقارن�ة بتلك الت�ي كانت ل�دى نظام القذافي في ليبيا. .5التخ�وف م�ن انتق�ال املواجه�ة الى خارج س�ورية وتوس�يع نطاقها. وبس�بب عدم الق�درة على اتخاذ قرار مناس�ب في مجلس االمن، فان التدخل العس�كري في س�ورية س�يكون ممكنا فقط اذا ما تبلور ائتالف «دول الناتو الراغبة» ،التي تتخذ قرارا بالتدخل .وس�تلعب الوالي�ات املتحدة دورا مركزيا في مثل ه�ذا القرار ،النه ليس للدول االخرى القدرة التي لها لبذل جهد جوي مستمر في سورية ،التي هي كما هو معروف ذات منظومة دفاع جوي متطورة .هذا سيناريو غير س�هل ،ولكن ال ميكن اس�تبعاد امكانية حتققه ،وذلك الن االستمرار املتوق�ع للح�رب االهلية في س�ورية ،كث�رة حاالت القت�ل اجلماعي واالرتف�اع في عدد الالجئني ،كل هذا سيش�دد بالتدريج الضغط في االس�رة الدولية للتدخل العس�كرية .تركيا ،التي ه�ي العب مركزي في هذا الس�ياق ،كفيلة بان تغير نهجها ،وذلك بس�بب التخوف من ان يؤدي اس�تمرار االزمة الى خلق دولة كردية صغيرة في الش�مال الشرقي من سورية .من ناحية تركيا ،هذا سيناريو رعب النه سيزيد الضغ�ط عليها ملن�ح حكم ذاتي لالك�راد في اراضيه�ا ،ويوفر ملنظمة حزب العمال الكردي الذي يقاتلها قاعدة اخرى للعمل ضدها. عام�ل آخ�ر ميكن�ه ان يؤدي باالس�رة الدولي�ة ال�ى التدخل في س�ورية هو التخوف من س�قوط مخزون السلاح الكيميائي الكبير لديها الى ٍ اياد غير مسؤولة – جماعات جهادية أو حزب الله. ميكن االفت�راض بان اعتبارات اس�تراتيجية ايض�ا ،اي امكانية اس�قاط نظ�ام معاد واضعاف احمل�ور بقيادة اي�ران ،تلعب دورا في تفكير الواليات املتح�دة ودول اخرى ،ولكن يبدو أنها ال تلعب دورا حاس�ما عندما يدور احلديث عن التدخل العس�كري املباش�ر للدول الغربية في س�ورية .في نهاية املطاف ،االعتبار االنس�اني هو الذي سيحس�م .اذا كان تدخ�ل كهذا ،ف�ان دول الناتو س�تلعب فيه الدور االس�اس ،ولكن بعض الدول العربية ،وال س�يما من اخلليج ،كفيلة بان تشارك فيه ايضا.
٭ تقدير استراتيجي السرائيل للعامني ،2013 – 2012مركز بحوث االمن القومي ـ جامعة تل أبيب ـ شباط/فبراير 2013