من عادات الزواج في ُمدن الحجاز محمود عبدالغني صباغ
ولعادات الزواج في ُمدن احلجاز تالوينها ومظاهرها الصاخبة البه ّية .فما يلبث وأن يشت ّد ُعود الفتى ،حتى تشرع تقاليد الزواج بفرض سطوتها ،وإحكام سيطرتها ،فتطل س ّيدة للموقف. وكل مرحلة من مراحل الزواج لها طقوسها الراسخة ،وتقاليدها العريقة الضاربة في جذور موروث املنطقة .كان اختيار (العروسة) التي تليق بعش زوج ّية عريسها العاشق احلالم، شأن ًا عائلي ًا خالص ًا تفصل فيه والدته ،وباقي نساء العائلة .وبعد أن يتلو (قيس) املوعود مواصفات (ليلى) التي يرغب اإلقتران بها، حتى تبدأ أعني "الكشافة" من نساء عائلته بالترشيح. كانت "األصول" – أي التقاليد – تقضي بأن يتم البحث أو ًال على من تطابق املواصفات ضمن بنات اجليران ،وان تعثرت املَهمة ،ينتقل البحث تلقائي ًا في بنات األهل واألقارب ،ثم بنات احلارة ،وهكذا حتى نصل الى ُمرشحات احلارات املجاورة .وما أن يقع االختيار حتى يتحرك وفد من عائلة العريس ،مك ّون من كبار نسائها للبدء في اجراء مراسم "املفاوضات". وسواء انتهت تلك املفاوضات ،في وق ٍت خاطف، أو أنها امتدت الى أوقات ماراثونية ،ننتقل بعدها الى حزمة أخرى من الطقوس :فتكون هناك ُ (الشوفة) ،واجراء اخليرة النبوية الكرمية، ومن ثم اعالن ُحسن النوايا ،حتى حلظة اإلتفاق ،واعالنها بقراءة الفاحتة .ولم تخلو مسيرة الزواج في تاريخنا ،من املفارقات، فكان أصحاب الصنعة واحلِ رف مقدمون على املُتعلمني ،فأوالد السوق كانوا يعرفون كيف "يكسبون القرش" بحسب مفاهيم الفترة البائدة. وتب ُرز أمناط (الفلكور) بوضوح مع مرحلة كتابة العقد .التي تسمى أيض ًا بـ (ا ِمللّكة) ، خاصة ..كإقامتها وترافقها طقوس إجتماع ّية ّ مث ًال بعيد املغرب وزوال الشمس .ولعل أبرز املظاهر املرافِ قة :موكب العريس ..الذي وتضج يصطف فيه حشد يمُ ثل عائلة العريس، ّ مسيرته بحملَة األتاريك واملعاشِر و ُمجسم الش ّبكة ..يرافقهم اجلسيسة بعمائمهم الغبانة DESTINATION JEDDAH 85
..يتداولون األهازيج ،ويوزعون احللوى التقليدية من ل ّدو ولبن ّية وتعتيمة والهدايا اخلاصة ..وما أن يصل موكب العريس ،دار أهل عروسه، باملجسات حتى يبدأ املُنشد في اإلنشاد ّ التقليدية التي تتراوح بني الصالة على النبي، وبني إسباغ العريس بأفانني من قصائد املديح وتعديد املناقب ،له وألهله ،حد انتزاع صيحات اجلموع ،وزغاريد النساء .ثم يتم اإلعالن عن بدء لعبة (املزمار) البلدي ،فيتحلّق حول العريس، الالعبون ،يتداولون األهازيج الشعبية التي تُعرف بـ (الزومال) ،ويطلقها شخص واحد (حادي) ،ثم تردد خلفه املجموعة بنغمات مختلفة ملؤها الفرح واحلماسة ،وحاصلها نزاالت ال ُعصي التي تشبه املبارزة وتُعرف بـ (اجلوش). ومن زواميل الفرحة في ليالي الزواج: الليلة زينة ..وفرح وسرور وصحبة حلوة وعريس غندور ُ وقد متتد احتفاالت الزواج كما في تقاليد املنطقة الى ثالثة أيام متواصلة .لكن من الواضح أنه جرى اختصارها ،انسجام ًا مع روح العصر ،ورضوخ ًا لنمط احلياة السريع. ملمح وامل َ ّجس – هو فن امل ّوال احلجازي وهو ٌ صارخ من مالمح الفرحة الشعبية في املنطقة.. اجلس ،جُ وت َمع وأصل الكلمة وارد من فعل ّ مجسات. الكلمة على ّ ولعل القدماء س ّموا ّ املوشح الغنائي في احلجاز باملجس ألنه يجس نبض القلوب أو العروق، ّ ويحرك ساكن اللواعج ،ويثير كامن األشجان .. وقدمي ًا قال الشاعر : فظلـت تطـارح أوتـاره ..بأهزاجـها -وبأرمـالها وتعمل جس ًا جلـس العروق ..وتلوي املالوي بأمثـالها ومن ذلك أيض ًا الدانة الشهيرة التي غناها محمد علي السندي: جسالطبيب يدي جه ًال ،فقلت له .. ّ إن التألم في كبدي ،فاترك يدي ،ياس ّيدي ،اترك (املجس) الطربية على قاعدة يدي وتقوم قاعدة ّ ( يا آلل ) ..ويتم الصدح به من احلناجر ،تق ّيدا مبقامات املوسيقى الشرقية ،خصوصا مقامات البهجة :كمقام احلجاز ،ومقام مياني حجاز املنايري – أي الطبقة العالية ..ومقام البنجكاه
..ومقام احلراب وهو أحد فروع مقام الرصد (الراست) املوسيقي . واملجس لون عريق ،بزغ من مكة في عهد باكر، وازدهر -من ثم -في العهد العباسي ..وله ر ّواده في القرن املاضي ..كالعم حسن جاوه ..واسماعيل كردوس ..وسعيد أبوخشبة .. وحسن لبني ..وعبدالرحمن مؤمنة ..ومنصور بغدادي ..وعبدالرحمن املؤذن ،في مكة .. والشلبي وعمر باعشن والزقزوق واحللواني ، في جدة ..أما في املدينة املنورة :فكان هناك العمالق حسني هاشم. ومن مناذج املجس في األفراح : ُسبحان من جمع القلوب بفضله ..وعلى رحاب الو ّد عمر دارها طــاب اللـقاء وزاده تشريفـكم ..في ليـلـة قد أشرقـت أنـوارها. ومن عادات الزواج ،ما يتم في ليلة تسليم املهر ،اذ يرسل العريس الى أهل العروس، خروفا ..يشفعه باملهر الذي جرت التقاليد بوضعه في منديل أبيض ومعه أعواد الريحان والشارة ..وكان ُيستخدم املهر للدبش – أي لتجهيز العروس نفسها . وال تقف تقاليد الزواج على ليلة الزواج .فقبل الزواج بيومني ،هناك ليلة (الغُمرة) ،وهي ليلة احلنة ..و يعادلها في الثقافة الغربية : ( ،)The Bridal Showerوهي من العادات الدخيلة التي تسربت الينا اما بحكم املُثاقفة ،أو بسبب التهاون في التمسك بعاداتنا اجلميلة والتقاعس عن جتديدها رغبة إعادة انتاجها في قوالب حديثة تكفل استمراريتها وفي ليلة الغُمرة ،كانت تقضي الطقوس على أن تلبس العروس ُفستانا من احلرير األحمر وطرحة حمراء ..وتقام ستارة من القماش قصب ،ويتم غناء االغاني الشعبية احلرير املُ ّ من احلاضرات .أما للعريس فكان له حمام العريس في بيت أهله .. وبعد ليلة الزواج ..ثمة عادات أخرى تتفاوت بحة) أي عادة في قدر تطبيقها ،مثل َ (الص َ (الرفد) ..التي يتم فيها تقدمي الهدايا ... ويتم فتحها أمام اجلميع ،كنوع من التآزر والتالصق االجتماعي ،ولرمبا ألجل التباهي احملض .