Destination Jeddah June Issue

Page 88

‫من عادات الزواج في‬ ‫ُمدن الحجاز‬ ‫محمود عبدالغني صباغ‬

‫ولعادات الزواج في ُمدن احلجاز تالوينها‬ ‫ومظاهرها الصاخبة البه ّية‪ .‬فما يلبث وأن‬ ‫يشت ّد ُعود الفتى‪ ،‬حتى تشرع تقاليد الزواج‬ ‫بفرض سطوتها‪ ،‬وإحكام سيطرتها‪ ،‬فتطل‬ ‫س ّيدة للموقف‪.‬‬ ‫وكل مرحلة من مراحل الزواج لها طقوسها‬ ‫الراسخة‪ ،‬وتقاليدها العريقة الضاربة في جذور‬ ‫موروث املنطقة‪ .‬كان اختيار (العروسة) التي‬ ‫تليق بعش زوج ّية عريسها العاشق احلالم‪،‬‬ ‫شأن ًا عائلي ًا خالص ًا تفصل فيه والدته‪ ،‬وباقي‬ ‫نساء العائلة‪ .‬وبعد أن يتلو (قيس) املوعود‬ ‫مواصفات (ليلى) التي يرغب اإلقتران بها‪،‬‬ ‫حتى تبدأ أعني "الكشافة" من نساء عائلته‬ ‫بالترشيح‪.‬‬ ‫كانت "األصول" – أي التقاليد – تقضي بأن‬ ‫يتم البحث أو ًال على من تطابق املواصفات‬ ‫ضمن بنات اجليران‪ ،‬وان تعثرت املَهمة‪ ،‬ينتقل‬ ‫البحث تلقائي ًا في بنات األهل واألقارب‪ ،‬ثم‬ ‫بنات احلارة‪ ،‬وهكذا حتى نصل الى ُمرشحات‬ ‫احلارات املجاورة‪ .‬وما أن يقع االختيار حتى‬ ‫يتحرك وفد من عائلة العريس‪ ،‬مك ّون من كبار‬ ‫نسائها للبدء في اجراء مراسم "املفاوضات"‪.‬‬ ‫وسواء انتهت تلك املفاوضات‪ ،‬في وق ٍت خاطف‪،‬‬ ‫أو أنها امتدت الى أوقات ماراثونية‪ ،‬ننتقل‬ ‫بعدها الى حزمة أخرى من الطقوس ‪ :‬فتكون‬ ‫هناك ُ‬ ‫(الشوفة)‪ ،‬واجراء اخليرة النبوية الكرمية‪،‬‬ ‫ومن ثم اعالن ُحسن النوايا‪ ،‬حتى حلظة‬ ‫اإلتفاق‪ ،‬واعالنها بقراءة الفاحتة‪ .‬ولم تخلو‬ ‫مسيرة الزواج في تاريخنا‪ ،‬من املفارقات‪،‬‬ ‫فكان أصحاب الصنعة واحلِ رف مقدمون‬ ‫على املُتعلمني‪ ،‬فأوالد السوق كانوا يعرفون‬ ‫كيف "يكسبون القرش" بحسب مفاهيم الفترة‬ ‫البائدة‪.‬‬ ‫وتب ُرز أمناط (الفلكور) بوضوح مع مرحلة‬ ‫كتابة العقد‪ .‬التي تسمى أيض ًا بـ (ا ِمللّكة) ‪،‬‬ ‫خاصة‪ ..‬كإقامتها‬ ‫وترافقها طقوس إجتماع ّية ّ‬ ‫مث ًال بعيد املغرب وزوال الشمس‪ .‬ولعل أبرز‬ ‫املظاهر املرافِ قة ‪ :‬موكب العريس ‪ ..‬الذي‬ ‫وتضج‬ ‫يصطف فيه حشد يمُ ثل عائلة العريس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مسيرته بحملَة األتاريك واملعاشِر و ُمجسم‬ ‫الش ّبكة ‪ ..‬يرافقهم اجلسيسة بعمائمهم الغبانة‬ ‫‪DESTINATION JEDDAH 85‬‬

‫‪ ..‬يتداولون األهازيج‪ ،‬ويوزعون احللوى التقليدية‬ ‫من ل ّدو ولبن ّية وتعتيمة والهدايا اخلاصة ‪ ..‬وما‬ ‫أن يصل موكب العريس‪ ،‬دار أهل عروسه‪،‬‬ ‫باملجسات‬ ‫حتى يبدأ املُنشد في اإلنشاد ّ‬ ‫التقليدية التي تتراوح بني الصالة على النبي‪،‬‬ ‫وبني إسباغ العريس بأفانني من قصائد املديح‬ ‫وتعديد املناقب‪ ،‬له وألهله ‪ ،‬حد انتزاع صيحات‬ ‫اجلموع‪ ،‬وزغاريد النساء‪ .‬ثم يتم اإلعالن عن‬ ‫بدء لعبة (املزمار) البلدي‪ ،‬فيتحلّق حول العريس‪،‬‬ ‫الالعبون‪ ،‬يتداولون األهازيج الشعبية التي‬ ‫تُعرف بـ (الزومال) ‪ ،‬ويطلقها شخص واحد‬ ‫(حادي)‪ ،‬ثم تردد خلفه املجموعة بنغمات مختلفة‬ ‫ملؤها الفرح واحلماسة‪ ،‬وحاصلها نزاالت‬ ‫ال ُعصي التي تشبه املبارزة وتُعرف بـ (اجلوش)‪.‬‬ ‫ومن زواميل الفرحة في ليالي الزواج‪:‬‬ ‫الليلة زينة ‪ ..‬وفرح وسرور‬ ‫وصحبة حلوة‪ ‬وعريس غندور‬ ‫ُ‬ ‫وقد متتد احتفاالت الزواج كما في تقاليد‬ ‫املنطقة الى ثالثة أيام متواصلة‪ .‬لكن من‬ ‫الواضح أنه جرى اختصارها‪ ،‬انسجام ًا مع‬ ‫روح العصر‪ ،‬ورضوخ ًا لنمط احلياة السريع‪.‬‬ ‫ملمح‬ ‫وامل َ ّجس – هو فن امل ّوال احلجازي وهو ٌ‬ ‫صارخ من مالمح الفرحة الشعبية في املنطقة‪..‬‬ ‫اجلس‪ ،‬جُ‬ ‫وت َمع‬ ‫وأصل الكلمة وارد من فعل‬ ‫ّ‬ ‫مجسات‪.‬‬ ‫الكلمة على ّ‬ ‫ولعل القدماء س ّموا ّ‬ ‫املوشح الغنائي في احلجاز‬ ‫باملجس ألنه يجس نبض القلوب أو العروق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويحرك ساكن اللواعج‪ ،‬ويثير كامن األشجان ‪..‬‬ ‫وقدمي ًا قال الشاعر ‪:‬‬ ‫فظلـت تطـارح أوتـاره ‪ ..‬بأهزاجـها ‪ -‬وبأرمـالها‬ ‫وتعمل جس ًا جلـس العروق ‪ ..‬وتلوي املالوي‬ ‫بأمثـالها‬ ‫ومن ذلك أيض ًا الدانة الشهيرة التي غناها‬ ‫محمد علي السندي‪:‬‬ ‫جسالطبيب يدي جه ًال ‪ ،‬فقلت له ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫إن التألم في كبدي‪ ،‬فاترك يدي‪ ،‬ياس ّيدي‪ ،‬اترك‬ ‫(املجس) الطربية على قاعدة‬ ‫يدي وتقوم قاعدة ّ‬ ‫( يا آلل ) ‪ ..‬ويتم الصدح به من احلناجر‪ ،‬تق ّيدا‬ ‫مبقامات املوسيقى الشرقية‪ ،‬خصوصا مقامات‬ ‫البهجة ‪ :‬كمقام احلجاز ‪ ،‬ومقام مياني حجاز‬ ‫املنايري – أي الطبقة العالية ‪ ..‬ومقام البنجكاه‬

‫‪ ..‬ومقام احلراب وهو أحد فروع مقام الرصد‬ ‫(الراست) املوسيقي ‪.‬‬ ‫واملجس لون عريق‪ ،‬بزغ من مكة في عهد باكر‪،‬‬ ‫وازدهر ‪-‬من ثم‪ -‬في العهد العباسي‪ ..‬وله‬ ‫ر ّواده في القرن املاضي ‪ ..‬كالعم حسن جاوه‬ ‫‪ ..‬واسماعيل كردوس ‪ ..‬وسعيد أبوخشبة ‪..‬‬ ‫وحسن لبني ‪ ..‬وعبدالرحمن مؤمنة ‪ ..‬ومنصور‬ ‫بغدادي ‪ ..‬وعبدالرحمن املؤذن ‪ ،‬في مكة ‪..‬‬ ‫والشلبي وعمر باعشن والزقزوق واحللواني ‪،‬‬ ‫في جدة ‪ ..‬أما في املدينة املنورة ‪ :‬فكان هناك‬ ‫العمالق حسني هاشم‪.‬‬ ‫ومن مناذج املجس في األفراح ‪:‬‬ ‫ُسبحان من جمع القلوب بفضله ‪ ..‬وعلى رحاب‬ ‫الو ّد عمر دارها طــاب اللـقاء وزاده تشريفـكم‬ ‫‪ ..‬في ليـلـة قد أشرقـت أنـوارها‪.‬‬ ‫ومن عادات الزواج ‪ ،‬ما يتم في ليلة تسليم‬ ‫املهر‪ ،‬اذ يرسل العريس الى أهل العروس‪،‬‬ ‫خروفا ‪ ..‬يشفعه باملهر الذي جرت التقاليد‬ ‫بوضعه في منديل أبيض ومعه أعواد الريحان‬ ‫والشارة ‪ ..‬وكان ُيستخدم املهر للدبش – أي‬ ‫لتجهيز العروس نفسها ‪.‬‬ ‫وال تقف تقاليد الزواج على ليلة الزواج‪ .‬فقبل‬ ‫الزواج بيومني‪ ،‬هناك ليلة (الغُمرة) ‪ ،‬وهي ليلة‬ ‫احلنة ‪ ..‬و يعادلها في الثقافة الغربية ‪:‬‬ ‫(‪ ،)The Bridal Shower‬وهي من‬ ‫العادات الدخيلة التي تسربت الينا اما بحكم‬ ‫املُثاقفة‪ ،‬أو بسبب التهاون في التمسك بعاداتنا‬ ‫اجلميلة والتقاعس عن جتديدها رغبة إعادة‬ ‫انتاجها في قوالب حديثة تكفل استمراريتها‬ ‫وفي ليلة الغُمرة‪ ،‬كانت تقضي الطقوس على‬ ‫أن تلبس العروس ُفستانا من احلرير األحمر‬ ‫وطرحة حمراء ‪ ..‬وتقام ستارة من القماش‬ ‫قصب ‪ ،‬ويتم غناء االغاني الشعبية‬ ‫احلرير املُ ّ‬ ‫من احلاضرات‪ .‬أما للعريس فكان له حمام‬ ‫العريس في بيت أهله ‪..‬‬ ‫وبعد ليلة الزواج ‪ ..‬ثمة عادات أخرى تتفاوت‬ ‫بحة) أي عادة‬ ‫في قدر تطبيقها‪ ،‬مثل َ‬ ‫(الص َ‬ ‫(الرفد) ‪ ..‬التي يتم فيها تقدمي الهدايا ‪...‬‬ ‫ويتم فتحها أمام اجلميع ‪ ،‬كنوع من التآزر‬ ‫والتالصق االجتماعي‪ ،‬ولرمبا ألجل التباهي‬ ‫احملض ‪.‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.