السعودية واسرائيل: تطبيع أم اختبار

Page 1

‫بومبيو‪ :‬مع بايدن خسرنا‬ ‫ثقة الحلفاء وردع االعداء‬

‫“جيش فاغنر” حليف‬ ‫المتحاربين في السودان‬

‫العرب والذكاء االصطناعي‬ ‫‪ ...‬الخاسر والرابح‬

‫متحف سرسق يعود‬ ‫الى شوارع بيروت‬

‫العدد ‪ 1949‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2023‬‬ ‫‪majalla.com‬‬

‫السعودية وإسرائيل‪:‬‬ ‫تطبيع أم اختبار؟‬ ‫مفاوضات مع أمريكا‪ :‬النووي والدفاع‬ ‫والصني وإيران‬


002_AM.indd 2

06/09/2023 15:08


july DPS Hia - Maxx Royal.pdf

002_AM.indd 3

1

19/06/2023

10:11 AM

06/09/2023 15:08


‫المحتويات‬

‫‪4‬‬

‫المجلة‬

‫املحتويــات‬

‫‪8‬‬ ‫قصة الغالف‬ ‫السعودية وإسرائيل‪:‬‬ ‫تطبيع أم اختبار؟‬

‫‪42‬‬ ‫مايك بومبيو‪ :‬األمير‬ ‫محمد بن سلمان‬ ‫قائد بارز‬

‫‪54‬‬ ‫روسيا والسودان‬ ‫‪“ ...‬ثور طامح”‬ ‫في مستودع الخزف‬

‫‪64‬‬ ‫الروبوت أم العقل‬ ‫من يتحكم‬ ‫باالقتصاد؟‬

‫مفاوضات بني الرياض وواشنطن‬ ‫حول "النووي" والصني والتطبيع‬ ‫رسوم ‪ -‬منى ينغ ومايكل ميسرن‬

‫يتحدث وزير خارجية أمريكا السابق‬ ‫إىل إبراهيم حميدي عن الحلفاء‬ ‫واألعداء وينتقد سياسة بايدن‬

‫يستعرض أمجد فريد الطيب‬ ‫أطماع موسكو ودور‬ ‫مجموعة “فاغرن”‬

‫يكتب خالد القصار‬ ‫عن الذكاء االصطناعي‬ ‫والعرب وتكنولوجيا املستقبل‬

‫‪6‬‬

‫السعودية وأمريكا‪...‬‬ ‫تحالفات ومسارات‬ ‫إبراهيم حميدي‬

‫‪28‬‬

‫تحفظ إسرائييل‬ ‫وحرية فلسطينية‬ ‫ماجد كيايل‬

‫‪8‬‬

‫إسرائيل يف املفاوضات‬ ‫األمريكية – السعودية‬ ‫لندن – “املجلة”‬

‫‪34‬‬

‫وثائق سورية–إسرائيلية‪:‬‬ ‫إخراج إيران بدل التطبيع‬ ‫إبراهيم حميدي‬

‫‪72‬‬

‫‪12‬‬

‫احتماالت العالقات‬ ‫بني السعودية وإسرائيل‬ ‫هشام الغنام‬

‫‪50‬‬

‫عمران خان‪...‬‬ ‫باكستاين مدلل‬ ‫كون كوخلني‬

‫‪ 76‬الذكاء االصطناعي‬ ‫ينمو يف مصر بني الشباب‬ ‫مارسيل نصر‬

‫‪ 100‬قصة “متحف‬ ‫سرسق” البريويت‬ ‫محمد أبي سمرا‬

‫‪20‬‬

‫خمسة تحديات أمام‬ ‫االتفاق األمرييك–السعودي‬ ‫بالل صعب‬

‫‪ 60‬املغرب‪ ،‬اليد املمدودة‬ ‫من جانب واحد‬ ‫محمد الشرقي‬

‫‪ 80‬تونس‪ ،‬نجاحات فردية‬ ‫وفرص ضائعة‬ ‫كوثر زنطور‬

‫‪ 108‬مهاجرات يف أمسرتدام‬ ‫ومأكوالت الدفء والحنني‬ ‫رنوة العميص‬

‫‪24‬‬

‫سبعة أمور لتضعها‬ ‫الرياض يف الحسبان‬ ‫بريان كاتيوليس‬

‫الجزائر‪ ،‬ترسيم للحدود‬ ‫و“صراع النفوذ”؟‬ ‫ربيعة خريس‬

‫‪ 86‬القانون يف‬ ‫مواجهة الخوارزميات‬ ‫توفيق شنبور‬

‫‪ 110‬هموم “الذكاء”‬ ‫يف مجال السينما‬ ‫مصطفى ذكري‬

‫‪06/09/2023 15:14‬‬

‫‪61‬‬

‫‪ 68‬الذكاء االصطناعي‬ ‫يف االقتصاد العاملي‬ ‫انفوغراف‬ ‫ماجد التويجري‪:‬‬ ‫السعودية واالستثمار الذيك‬ ‫أحمد ماهر‬

‫‪ 90‬العرب يف‬ ‫“لحظة ‪”1492‬‬ ‫حسام عيتاين‬

‫‪96‬‬

‫غادة الحسن‪ :‬بينايل‬ ‫الدرعية حدث تاريخي‬ ‫عبري يونس‬

‫‪004_AM.indd 4‬‬


‫‪5‬‬

‫كتاب العدد‬

‫المجلة‬

‫كتــاب العــدد‬ ‫بالل صعب‬ ‫"المجموعة السعودية‬ ‫لألبحاث واإلعالم"‬

‫زميل أول ومدير برنامج‬ ‫الدفاع واألمن يف معهد الشرق‬ ‫األوسط يف واشنطن‬

‫أسسها سنة ‪1987‬‬ ‫األمير أحمد بن سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫الرئيس التنفيذي‬ ‫جمانا راشد الراشد‬

‫مصطفى ذكري‬

‫‪Chief Executive Officer‬‬ ‫‪Jomana Rashed AlRashid‬‬

‫هشام الغنام‬

‫أسسها سنة ‪1980‬‬ ‫هشام ومحمد علي حافظ‬

‫خبري يف العلوم السياسية والعالقات‬ ‫الدولية‪ ،‬وزميل بحثي ومستشار‬ ‫اسرتاتيجي يف عدة مراكز تفكري‬ ‫أوروبية وأمريكية وبريطانية‬

‫مدير التحرير التنفيذي‬ ‫إبراهيم حميدي‬

‫ماجد كيايل‬

‫رنوة العميص‬

‫كاتب فلسطيني‪ ،‬مؤلف عدد‬ ‫من الكتب والدراسات‬ ‫عن القضية الفلسطينية‪،‬‬ ‫مقيم يف برلني‬

‫كاتبة بحرينية مقيمة يف هولندا‬ ‫درست الفن التشكييل‬ ‫ونشرت مقاالتها‬ ‫يف مطبوعات عربية‬

‫رئيس التحرير‬ ‫غسان شربل‬

‫مدراء التحرير‬ ‫حسام عيتاني‬ ‫خالد القصار‬ ‫سامر أبو هواش‬ ‫‪Editor-in-Chief‬‬ ‫‪Ghassan Charbel‬‬

‫كاتب وناقد وسيناريست مصري‪،‬‬ ‫له يف السينما "عفاريت األسفلت"‬ ‫و"جنة الشياطني" وعدد من املؤلفات‬

‫مارسيل نصر‬

‫بريان كاتيوليس‬ ‫زميل أول ونائب‬ ‫رئيس قسم السياسة‬ ‫يف معهد الشرق األوسط‬ ‫يف واشنطن‬

‫كاتبة وصحافية مصرية‬ ‫متخصصة يف الشؤون االقتصادية‬ ‫واإلجتماعية يف القاهرة‬

‫‪Executive Editor‬‬ ‫‪Ibrahim Hamidi‬‬ ‫‪editorial@majalla.com‬‬

‫ربيعة خريس‬

‫مديرة قسم اإلبداع‬ ‫سارة لون‬

‫‪SRMG, 10th Floor, Building 7, Chiswick‬‬ ‫‪Business Park, 566 Chiswick High Road‬‬ ‫‪London W4 5YG, United Kingdom‬‬ ‫‪Tel: +44 20 7831 8181‬‬

‫رسم ‪ -‬بول رايدنغ‬

‫الوكيل اإلعالني‬

‫‪06/09/2023 15:14‬‬

‫‪Saudi Media Company‬‬ ‫‪KSA +966 920033777‬‬ ‫‪Dubai UAE +971 45684155‬‬ ‫‪sales@smc.me‬‬

‫صحافية جزائرية‬ ‫مهتمة بالشؤون السياسية‬ ‫والدولية واالقتصادية‬

‫كوثر زنطور‬ ‫صحافية تونسية‬ ‫متخصصة يف الشأنني‬ ‫االقتصادي والسيايس‪،‬‬ ‫مقيمة يف تونس‬

‫عبري يونس‬ ‫كاتبة وصحافية سورية مقيمة‬ ‫يف اإلمارات عملت يف العديد من‬ ‫الصحف واملجالت الثقافية العربية‬

‫أمجد فريد الطيب‬ ‫باحث وكاتب سوداين‬ ‫يكتب يف وسائل إعالم‬ ‫ومراكز بحث عدة‪،‬‬ ‫انتقل من الخرطوم‬ ‫إىل القاهرة‬

‫‪004_AM.indd 5‬‬


‫المحرر‬

‫‪6‬‬

‫المجلة‬

‫الســعودية وأ ـمـركا‪...‬‬ ‫إصالحــات وتحالفــات ومســارات‬ ‫إبراهيم حميدي – مدير التحرير التنفيذي‬ ‫رسم ‪ -‬بول رايدنغ‬

‫السعودية‬ ‫ماضية‬ ‫يف رؤيتها‬ ‫اإلصالحية‬ ‫الشاملة‬ ‫ومساراتها‬ ‫اإلقليمية‬ ‫وخياراتها‬ ‫الدولية‬ ‫‪06/09/2023 15:19‬‬

‫السعودية ماضية يف رؤيتها اإلصالحية الشاملة ومساراتها‬ ‫اإلقليمية وخياراتها الدولية‪ .‬القطار عىل السكة‪ .‬جهته‬ ‫معروفة وسرعته مربمجة‪ .‬الربنامج ليس ردة فعل عىل‬ ‫تصريح هنا أو قرار هناك‪ .‬برنامج مرتبط بالرؤية العميقة‬ ‫واملديدة للبالد‪ .‬ينطلق من املصلحة الوطنية‪ ،‬ومآالته تنهل‬ ‫من الرؤية االسرتاتيجية‪.‬‬ ‫اإلصالحات الداخلية يف االقتصاد والرياضة والعلوم‬ ‫والثقافة واملجتمع‪ .‬امليض يف املسارات الثنائية يف اإلقليم‪.‬‬ ‫االنضمام إىل تكتالت آسيوية بعيدة وفاعلة مثل “منظمة‬ ‫شنغهاي”‪ .‬دراسة متأنية لقبول دعوات تكتالت جنوبية‬ ‫واسعة مثل “بريكس”‪ .‬التوسط بني روسيا وأوكرانيا‬ ‫ومواجهة غربية‪ -‬روسية‪ .‬التوجه شرقا عرب تعزيز العالقات‬ ‫مع الصني‪ .‬استمرار العالقة التحالفية مع أمريكا‪ .‬الثقة‬ ‫والتنوع والغنى‪ ،‬كلها مسائل تعزز املوقف وأوراق‬ ‫التفاوض‪ ،‬وحكما‪ ...‬املكاسب‪.‬‬ ‫تحت هذه الخيمة وتشعباتها‪ ،‬يأيت الحديث عن‬ ‫مفاوضات أمريكية‪ -‬سعودية وعناصرها الثنائية‬ ‫واإلقليمية‪ .‬تحدثت وسائل إعالم غربية عن أمور تخص‬ ‫مطالب الرياض‪ .‬وأخرى تخص هيكل منطقة الشرق‬ ‫األوسط‪ .‬وثالثة‪ ،‬العالقات بني واشنطن والرياض‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬اخرتنا أن تكون قصة غالف العدد الشهري‬ ‫لـ”املجلة” لشهر سبتمرب‪/‬أيلول‪ ،‬عن هذه املفاوضات‬ ‫املعقدة واملتداخلة‪ ،‬وما يدور‪ ،‬من كونها تتناول الربنامج‬ ‫النووي السلمي‪ ،‬واتفاقات عسكرية مماثلة للتي تحظى‬ ‫بها دول “حلف شمال األطليس” (ناتو)‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫احتماالت العالقات مع إسرائيل‪ ،‬والعالقة بني الرياض‬ ‫وموسكو وبكني‪.‬‬ ‫هل هذا مطروح فعال؟ ممكن؟ ما شروطه؟ هل هو‬ ‫اختبار أم حقيقة؟ ما الدروس املستفادة من تجارب‬ ‫أخرى؟ ماذا يمكن أن يحققه اتفاق كهذا لم يتحقق‬ ‫يف اتفاقات سابقة؟ كيف يمكن أن تعظم السعودية‬ ‫موقفها التفاويض‪ ،‬القوي أصال‪ ،‬للحصول عىل أفضل‬ ‫مكاسب لها وللمنطقة؟‬ ‫تتناول قصة الغالف هذه األسئلة وغريها من جميع‬ ‫الجوانب واالحتماالت والزوايا‪ ،‬تحديدا من الرياض‬ ‫صاحبة العالقة والقرار‪ ،‬إضافة إىل إطالالت عىل املواقف‬ ‫األمريكية واملشهد اإلسرائييل ورأي الفلسطينيني‪ ،‬خصوصا‬ ‫أن هذا الشهر يشهد الذكرى الثالثني التفاق أوسلو‪.‬‬ ‫تخترب مقاالت “املجلة” مآالت املفاوضات بني قطب‬ ‫دويل بتحالفات إقليمية‪ ،‬وقطب إقليمي بامتدادات‬

‫وخيارات دولية‪ .‬تتوقف عند ترتيبات اعتدنا عليها منذ‬ ‫الحرب العاملية الثانية‪ ،‬وتستشرف مسارات تخص‬ ‫مستقبل املنطقة ومخاض العالم الجديد‪ ،‬الذي تشكل‬ ‫قمة “مجموعة العشرين” يف الهند يف ‪ 9‬سبتمرب‪/‬أيلول‬ ‫محطة رئيسة فيه‪ ،‬كما كان الحال مع قمة “بريكس” يف‬ ‫جنوب أفريقيا نهاية أغسطس‪/‬آب املايض‪.‬‬ ‫ويتضمن امللف أيضا مقابلة مع وزير الخارجية األمرييك‬ ‫السابق مايكل بومبيو‪ ،‬ورأيه يف سياسة إدارة جو بايدن‪،‬‬ ‫وقناعته بأنها خسرت أمريكا ثقة الحلفاء وردع األعداء‪.‬‬ ‫ويتحدث عن العالقة مع ويل العهد السعودي األمري‬ ‫محمد بن سلمان “القائد البارز”‪ ،‬والتعاون مع الرياض إذا‬ ‫فاز “الجمهوريون” يف االنتخابات‪.‬‬ ‫يف العدد كذلك‪ ،‬ننشر وثائق تكشف تغري أولويات‬ ‫أمريكا وإسرائيل يف سوريا خالل عقدين؛ من الرتكيز‬ ‫عىل التطبيع مع دمشق يف زمن الرئيس حافظ األسد إىل‬ ‫إعطاء األولوية لقطع دمشق عالقاتها مع طهران يف عهد‬ ‫الرئيس بشار األسد‪.‬‬ ‫يف هذا العدد‪ ،‬هناك ملف أشبه بقصة غالف ثانية‪،‬‬ ‫يتعلق بالذكاء االصطناعي وموقع العرب من هذا التطور‬ ‫الهائل الذي سترتك “ثورته” انقالبا يف حياتنا جميعا‪ .‬ننشر‬ ‫مقاالت تواكب الجوانب القانونية والسياسية واالجتماعية‬ ‫والعلمية والفنية للذكاء االصطناعي‪ .‬يضم امللف حوارا‬ ‫مع املشرف عىل املركز الوطني للذكاء االصطناعي التابع‬ ‫لـ“الهيئة السعودية للبيانات والذكاء االصطناعي” (سدايا)‬ ‫ماجد التويجري‪.‬‬ ‫وإىل بروفايل عن رئيس الوزراء الباكستاين عمران خان‬ ‫ومسريته من الكريكت إىل السياسة‪ ،‬ثم إىل السجن‪،‬‬ ‫نواكب قصة يفغيني بريغوجني والدور الذي لعبه قبل‬ ‫مقتله قرب موسكو‪ ،‬يف دعم أطراف الحرب يف السودان‬ ‫والدول األفريقية التي تشهد انقالبات‪ ،‬آخرها وليس‬ ‫أخريها يف الغابون‪.‬‬ ‫واعتبارا من هذا الشهر‪ ،‬سنخصص يف كل عدد‪،‬‬ ‫صفحتني لعرض رأيني مختلفني يف قضية واحدة‪ .‬نبدأ‬ ‫برأي مغربي عن العالقة مع الجزائر ورأي جزائري عن‬ ‫الجار املغربي‪.‬‬ ‫نواكب قضايا ثقافية‪ ،‬بما يف ذلك مقابلة مع فنانة‬ ‫سعودية شاركت يف بينايل الدرعية‪ ،‬حيث تعتربه حدثا‬ ‫تاريخيا‪ ،‬وقصة “متحف سرسق”‪ ،‬الذي “يعود” إىل‬ ‫بريوت عىل وقع االنهيارات والخيبات‪ ،‬إضافة إىل جولة يف‬ ‫شوارع أمسرتدام وتفقد حياة أهلها وضيوفها‪.‬‬

‫‪006_AM.indd 6‬‬


2023.pdf

006_AM.indd 7

1

27/02/2023

11:40 AM

06/09/2023 15:19


‫‪8‬‬

‫قصة الغالف‬ ‫‪06/09/2023 15:26‬‬

‫‪008_AM.indd 8‬‬


‫‪9‬‬

‫المجلة‬

‫السالم العربي‪ -‬اإلسرائيلي‪:‬‬ ‫تسلسل زمني ألهم المحطات التاريخية‬ ‫‪ 1979‬معاهدة السالم اإلسرائيلية‬ ‫المصرية وهي األولى بين دولة‬ ‫عربية وإسرائيل‬ ‫‪ 1982‬أعلن الزعيم السوفياتي‬ ‫ليونيد بريجنيف خطة سالم‬ ‫بين العرب وإسرائيل‬

‫سياسة‬

‫‪1991‬‬ ‫مؤتمر مدريد‬ ‫للسالم‬

‫‪ 1989‬مصر تستعيد طابا‪ ،‬آخر‬ ‫جزء من أراضيها من إسرائيل‬

‫‪ 1990‬مجلس األمن يؤيد‬ ‫عقد مؤتمر دولي للسالم بين‬ ‫الفلسطينيين واإلسرائيليين‬

‫‪1993‬‬ ‫اتفاق أوسلو‬ ‫األول وفق مبدأ‬ ‫“األرض مقابل‬ ‫السالم”‬

‫‪ 1994‬اتفاق الحكم‬ ‫الذاتي لغزة وأريحا‬ ‫‪ 1994‬معاهدة السالم‬ ‫األردنية‪ -‬اإلسرائيلية‬ ‫المغرب وإسرائيل يقرران‬ ‫فتح مكاتب ارتباط لهما‬ ‫في البلدين‬ ‫تونس وإسرائيل تفتتحان‬ ‫مكتبا للتمثيل التجاري‬ ‫جيبوتي وإسرائيل تتفقان‬ ‫على تطبيع العالقات‬

‫إسرائيل يف املفاوضات‬ ‫األمريكية – السعودية‬ ‫املفاوضات األمريكية – السعودية الجارية‪ ،‬التي تحدثت عنها وسائل إعالم كثرية‪،‬‬ ‫هل هي مجرد تسريبات أم مالمح لشرق أوسط جديد؟‬ ‫لندن ‪“ -‬املجلة”‬

‫رسم ‪ -‬منى ينغ ومايكل ميسرن‬

‫حـول ثالثــة‬ ‫تــدور املفاوضــات‪ ،‬بحســب مــا بــات متــداوال يف الصحــف األمريكيــة‪ ،‬ـ‬ ‫مواضيــع رئيســة‪:‬‬ ‫األول‪ ،‬ضمانات أمنية أمريكية للمملكة العربية السعودية تضعها يف مستوى‬ ‫الدولة العضو يف حلف شمال األطليس (الناتو) وتشمل حصول الرياض عىل‬ ‫أسلحة متطورة تشمل صواريخ “ثاد” املضادة للصواريخ البالستية وغريها‪.‬‬ ‫الثاين‪ ،‬مساهمة الواليات املتحدة يف برنامج نووي سعودي لألغراض املدنية‬ ‫شـاء “الــدورة الكاملــة” التــي تبــدأ مــن التخصيــب وتنتهــي بمعالجــة‬ ‫يتضمــن إن ـ‬ ‫اليورانيــوم املســتنفد مــرورا بإن ـتـاج الطاقــة‪.‬‬ ‫الثالث‪ ،‬العمل عىل تسوية القضية الفلسطينية استنادا إىل مبادرة السالم‬ ‫العربيــة التــي أعلنــت يف قمــة بــروت العربيــة يف ‪ 2002‬وتســمح بعالقــة عربيــة‬ ‫سـرائيلية‪ .‬يف املقابــل‪ ،‬تريــد واشــنطن تحديــد مســتوى العالقــات الســعودية‪-‬‬ ‫إ ـ‬ ‫الصينية بحيث تظل الرياض املصدر الرئيس للنفط للسوق الصينية والتعاون‬ ‫االقتصــادي‪ ،‬مــع االمت ـنـاع عــن رفــع مســتوى اســتخدام التكنولوجيــا الصينيــة‬ ‫خصوصا ذات األبعاد األمنية والعسكرية مثل نظام االتصاالت من “هواوي”‬ ‫سـراتيجية‪.‬‬ ‫واملشــريات العســكرية اال ـ‬

‫‪06/09/2023 15:26‬‬

‫سـرائيل‪ ،‬مقابــل توقعــات‬ ‫أيضــا‪ ،‬تتوقــع واشــنطن التطبيــع الســعودي مــع إ ـ‬ ‫ســعودية بحــل القضيــة الفلســطينية وفــق املبــادرة التــي وافقــت عليهــا جميــع‬ ‫الــدول العربيــة يف قمــة بــروت عــام ‪.2002‬‬

‫تحديات‬

‫العالقة مع إسرائيل ليست هدف الرياض بل الوسيلة لتحقيق مطالبها املهمة‬ ‫سـراتيجيتها األمنية‪ ،‬حيث قدمت واشــنطن مجموعة من العروض مقابل‬ ‫ال ـ‬ ‫تحجيم التوجه السعودي باتجاه الصني وروسيا‪ .‬وهي السياسة التي فاجأت‬ ‫فيهــا الســعودية حليفتهــا القديمــة‪ ،‬الواليــات املتحــدة‪ ،‬بعــد تدهــور العالقــة يف‬ ‫مطلــع ـتـويل جــو بايــدن الرئاســة‪ ،‬عندمــا أوقفــت دعمهــا العســكري للريــاض يف‬ ‫حربها يف اليمن وقلصت التعاون يف املعلومات االستخباراتية يف اليمن أيضا‪،‬‬ ‫وقــال بايــدن عــن الســعودية إنهــا “منبــوذة”‪ .‬التوجــه الجــاد واملمنهــج بتعزيــز‬ ‫العالقة مع الصني‪ ،‬ثم اندالع حرب أوكرانيا مع روسيا‪ ،‬أعادت الرئيس بايدن‬ ‫إىل الســعودية الــذي زارهــا يف منتصــف يوليو‪/‬تمــوز‪ ،‬ومــن هنــاك بــدأت املراجعــة‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬وفــق التوقعــات الســعودية‪.‬‬

‫‪008_AM.indd 9‬‬


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫‪1995‬‬ ‫اتفاق أوسلو الثاني‬ ‫لتوسيع نطاق الحكم‬ ‫الذاتي (قطاع غزة والضفة)‬

‫‪ 1996‬منظمة التحرير‬ ‫الفلسطينية ألغت‬ ‫من ميثاقها الوطني‬ ‫كل البنود التي ال‬ ‫تعترف بإسرائيل‬

‫‪ 1998‬اتفاق “واي‬ ‫بالنتيشين” لترتيب‬ ‫انسحاب إسرائيل من‬ ‫‪ 13‬في المئة من أراضي‬ ‫الضفة الغربية المحتلة‬

‫‪ 2000‬مفاوضات كامب ديفيد بين ياسر عرفات‬ ‫وإيهود باراك برعاية بيل كلينتون‬ ‫‪2000‬‬ ‫لقاء باراك ووزير خارجية‬ ‫سوريا فاروق الشرع‬

‫‪ 1999‬تطبيع‬ ‫العالقات‬ ‫بين إسرائيل‬ ‫وموريتانيا‬

‫أبــرز الوعــود األمريكيــة وأهمهــا منــح الســعودية اتفاقــا دفاعيــا مماثــا لحلــف‬ ‫“الناتو” الذي من خالله حمت أوروبا بعد الحرب العاملية‪ ،‬وال تزال إىل اليوم‪.‬‬ ‫إضافة إليه‪ ،‬هناك وعد أمرييك ببناء منظومة متكاملة للطاقة النووية املدنية‬ ‫يف اململكة العربية السعودية تعترب خطوة ضمن مشروع رؤيتها ‪ .2030‬كثريون‬ ‫يشككون يف قدرة اإلدارة األمريكية الحالية عىل تمرير هذا االتفاق يف الكونغرس‪،‬‬ ‫لهــذا ســيحتاج األمــر إىل جهــد كبــر مــن إدارة بايــدن إلق ـنـاع حزبــه أوال بالق ـبـول‬ ‫غـرس أي وعــد مــن اإلدارة بشــأن العالقــة مــع‬ ‫بــه‪ .‬وقــد يصبــح مغريــا أكــر للكون ـ‬ ‫إسرائيل‪ ،‬وحل القضية الفلسطينية‪ ،‬وتقليص العالقة االسرتاتيجية العسكرية‬ ‫مع الصني‪ ،‬بما يسهل تمرير التفاهمات مع السعودية والتصويت لصالحها‪.‬‬

‫هل التفاوض مع إسرائيل وشيك؟‬

‫شـرتها صحــف “وول ســريت جورنــال”‪ ،‬و“نيويــورك تايمــز”‪،‬‬ ‫بحســب تقاريــر ن ـ‬ ‫األمريكيتني (وتحديدا ما كتبه توماس فريدمان‪ ،‬الذي التقى مسؤولني سعوديني‬ ‫سـرائيل”‪،‬‬ ‫وكذلــك أجــرى ل ـقـاء مــع الرئيــس بايــدن)‪ ،‬وهــو مــا رددتــه “تايمــز أوف إ ـ‬ ‫سـرائيلية يف الشــهرين املاضيــن‪ ،‬الطريــق‬ ‫و“يديعــوت أحرونــوت”‪ ،‬و“هآرتــس” اإل ـ‬ ‫طويــل وثمــة تحديــات ك ـبـرة أمــام مشــروع املفاوضــات‪ ،‬أكدهــا مديــر االتصــاالت‬ ‫سـراتيجية يف مجلــس األمــن القومــي جــون كريبــي‪ ،‬الــذي قــال إنهــا مــا زالــت يف‬ ‫اال ـ‬ ‫بدايتها وأن أُطر عملها لم ترسم بعد‪ ،‬نافيا رواية “وول سرتيت جورنال” عن تحقيق‬ ‫سـرائييل يف غضــون ‪ 9‬إىل ‪ 12‬شــهرا‪.‬‬ ‫تقــدم قــد يفــي إىل اتفــاق أ ـمـريك‪ -‬ســعودي‪ -‬إ ـ‬ ‫أن ـبـاء العالقــة املحتملــة مــع الســعودية ليســت بالضــرورة ســعيدة للجانــب‬ ‫سـرائييل‪ ،‬وهــذه الحكومــة تحديــدا‪ ،‬طاملــا أنهــا صفقــة تتطلــب مفاوضــات‬ ‫اإل ـ‬ ‫سـاع ســتكون له تبعات عميقة‬ ‫مع الفلســطينيني‪ .‬أي اتفاق بهذا املســتوى واالت ـ‬ ‫عــى الوضــع الداخــي‪ .‬فحكومــة بنيامــن نتنياهــو الحاليــة التــي يســيطر عليهــا‬ ‫املتطرفون الدينيون واليمينيون ودعاة التفوق العرقي وطرد العرب‪ ،‬ستنهار‬ ‫بمجــرد طــرح ف ـكـرة التفــاوض عــى دولــة فلســطينية يف الضفــة الغربيــة و ـغـزة‪.‬‬ ‫وسيكون أمام نتنياهو‪ ،‬رئيس الحكومة اإلسرائيلية‪ ،‬إما أن يبحث عن شركاء‬ ‫معتدلني لتشــكيل حكومة ائتالفية بديلة‪ ،‬يقبلون بفكرة التفاوض عىل دولة‬ ‫فلســطينية‪ ،‬أو أن يســتقيل‪ ،‬أو االبتعــاد عــن املشــروع الســعودي األ ـمـريك‪.‬‬ ‫سـرائيل تنظــر بريبــة‬ ‫عــدا عــن مشــكلة متطلبــات العالقــة مــع الريــاض‪ ،‬فــإن إ ـ‬ ‫إىل أي مشروع نووي يف الشرق األوسط‪ .‬ناهيك عن أن حصول اململكة العربية‬ ‫الســعودية عــى أســلحة متطــورة ســيبطل خطــر الصواريــخ البالســتية اإليرانيــة‬ ‫أوال‪ ،‬لكن أيضا سيقلق تل أبيب وترى فيه تمكني الرياض من قدرات عسكرية‬ ‫متفوقة تهدد منظومتها من الطائرات والصواريخ‪ ،‬حسب تحليل إسرائيليني‪.‬‬ ‫عادة العالقات بني واشنطن وتل أبيب قوية ومتطابقة‪ ،‬إال أن العالقات بني‬ ‫إدارة بايدن وحكومة نتنياهو هي األسوأ منذ عقود يف تاريخ البلدين‪ .‬وهذا يضيف‬ ‫املزيــد مــن الصعوبــة عــى االتفــاق املقــرح‪ .‬ذلــك أن الســعودية‪ ،‬بحســب تقييمــات‬ ‫الصحــف األمريكيــة التــي ال تتوقــف عــن اإلشــارة إىل أهميتهــا وموقعهــا املركــزي يف‬ ‫الجغرافيا السياسية اإلقليمية‪ ،‬والسياسة النفطية العاملية‪ ،‬ال تبدي ثقة بقدرة‬

‫‪06/09/2023 15:26‬‬

‫‪10‬‬

‫‪2002‬‬ ‫القمة العربية في‬ ‫بيروت تقر المبادرة‬ ‫العربية للسالم‬

‫‪2005‬‬ ‫قمة شرم‬ ‫الشيخ بين‬ ‫مصر وإسرائيل‬ ‫واألردن والسلطة‬ ‫الفلسطينية‬

‫‪2020‬‬ ‫توقيع االتفاقات‬ ‫اإلبراهيمية في البيت‬ ‫األبيض (إسرائيل‬ ‫واإلمارات والبحرين)‬ ‫المغرب ينضم الحقا‬ ‫ويقرر استئناف‬ ‫العالقات مع إسرائيل‬ ‫السودان يوقع‬ ‫الحقا قرارا بتطبيع‬ ‫العالقات مع إسرائيل‬

‫حكومة نتنياهو عىل االلتزام بتعهدات بعيدة املدى يف شأن القضية الفلسطينية‪.‬‬ ‫وقد زاد يف إرباك حكومة نتنياهو خطوة اململكة العربية السعودية بتعيني‬ ‫ســفريها يف األردن‪ ،‬نايــف الســديري‪ ،‬أيضــا ســفريا لهــا غــر مقيــم يف فلســطني‪،‬‬ ‫كمــا أعلنــت الســعودية أن الســفري كذلــك سيشــغل منصــب القنصــل العــام يف‬ ‫مدينة القدس الشرقية‪ ،‬وليس يف رام الله‪ ،‬حيث توجد السلطة الفلسطينية‪.‬‬ ‫األمر الذي أغضب الحكومة اإلسرائيلية فأصدرت تصريحا مضادا‪ ،‬يقول إنها‬ ‫ال تعرتف بدبلوماسيني يف القدس إال من خالل قنواتها الرسمية‪.‬‬ ‫ويف مقابل صعوبة إقناع غالة اليمني الديني املتطرف يف الحكومة اإلسرائيلية‬ ‫بالقبول بتسوية مع الفلسطينيني تحمل ولو وعدا بالحصول عىل دولة مستقلة‬ ‫كاملة السيادة يف الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬ستلقي فكرة التفاوض حجرا‬ ‫يف املياه الفلســطينية الراكدة‪ ،‬وتعيد اختبار الوضع الفلســطيني املنقســم بني‬ ‫طـاع‬ ‫قيــادة مرتهلــة يف رام اللــه وفصائــل مســلحة‪ ،‬ســعيدة بهيمنتهــا عــى ق ـ‬ ‫غزة وقربها من إيران‪.‬‬ ‫وهناك إيران‪ ،‬وهي يف حالة صمت مريب حاليا‪ ،‬ستسعى بشكل مباشر أو‬ ‫صـول أي تقــدم يغــر مــن التوازنــات يف اإلقليــم‪،‬‬ ‫عــر فصائــل مواليــة لهــا‪ ،‬ملنــع ح ـ‬ ‫كما كانت تفعل خالل عقود من املفاوضات بني العرب واإلسرائيليني‪ ،‬عندما‬ ‫كانت تفتعل حربا أو تفجريا يجمد أو يفجر مسار التسوية‪.‬‬ ‫حتــى اليــوم‪ ،‬لــم توضــح اإلدارة األمريكيــة حجــم الثمــن الــذي ســتدفعه إذا‬ ‫أرادت التوصــل إىل اتفــاق سيشــكل تغ ـيـرا نوعيــا يف سياســة واقتصــاد الشــرق‬ ‫األوسط يرى البعض أن أهميته تتجاوز كل ما سبقه من اتفاقات سالم وإقامة‬ ‫سـرائيل‪.‬‬ ‫عـرب وإ ـ‬ ‫عالقــات دبلوماســية بــن ال ـ‬ ‫املوازنــة بــن األثمــان واألربــاح ال تختصــر‪ ،‬بداهــة‪ ،‬الخلفيــة املعقــدة التــي‬ ‫تجــري املفاوضــات عليهــا واملنطويــة عــى اعتبــارات دينيــة وتاريخيــة وحقوقيــة‬ ‫يدركهــا املفاوضــون جيــدا‪.‬‬ ‫لكــن مــن الجــي أن املفاوضــات التــي ســتزداد أهميتهــا ودقتهــا‪ ،‬إذا ق ّيــض لهــا‬ ‫أن تتواصل‪ ،‬ســتكون من العوامل الكربى يف رســم خريطة الشــرق األوســط يف‬ ‫القرن الحادي والعشــرين‪.‬‬

‫الخيارات السعودية‬

‫أصبــح عــى الطاولــة أمــام الريــاض خيــارات عديــدة بإمكانهــا أن تقبــل بمــا ـتـراه‬ ‫يخــدم سياســتها‪ .‬فــاإلدارة األمريكيــة الحاليــة‪ ،‬انقلبــت عــى مواقفهــا نحــو مئــة‬ ‫وثمانني درجة‪ ،‬وأصبحت تقرتح عالقة قريبة جدا مع السعودية‪ .‬وللتغيريات‬ ‫األمريكيــة دوافــع عليــا‪ ،‬يف املواجهــة مــع الصــن‪ .‬أثبتــت الســعودية أنهــا دولــة‬ ‫مهمة عىل أكرث من صعيد‪ ،‬كما أن سياستها الجديدة التي خرجت عن نظام‬ ‫عـرض األ ـمـريك املهــم‬ ‫املحــاور القديــم‪ ،‬عــززت مــن أهميتهــا‪ .‬بإمكانهــا الق ـبـول بال ـ‬ ‫عسكريا واسرتاتيجيا للسعودية واالستمرار بعالقة اقتصادية جيدة مع الصني‬ ‫أو االســتمرار يف عالقة عادية مع واشــنطن عىل أمل أن تنجح دبلوماســيتها يف‬ ‫بناء ثقة مع إيران وتخفيف التوتر وتطوير العالقة االسرتاتيجية مع الصني‪.‬‬

‫‪008_AM.indd 10‬‬


008_AM.indd 11

06/09/2023 15:26


‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫‪12‬‬

‫قصة الغالف‬

‫احتماالت‬ ‫العالقات والتطبيع‬ ‫بين السعودية‬ ‫وإسرائيل‬ ‫تشري تسريبات يف وسائل إعالم أمريكية كربى إىل أن ثمّ ة مفاوضات‬ ‫للتوصل إىل إتفاق شامل بني الرياض وواشنطن‬ ‫فيينا ‪ -‬هشام الغنام‬

‫رسوم ‪ -‬منى ينغ ومايكل ميسرن‬

‫ليس خافيا أن الرئيس بايدن بدأ عهده بعالقة فاترة مع اململكة‬ ‫سـرائييل إىل‬ ‫صـراع الفلســطيني اإل ـ‬ ‫العربيــة الســعودية‪ ،‬ودفــع بال ـ‬ ‫أسفل سلم أولوياته‪ ،‬فيما تصدر ذلك السلم موضوعان كبريان‬ ‫همــا مواجهــة الصــن وتنشــيط االتفــاق النــووي مــع إ ـيـران‪ .‬ومــع‬ ‫حـرب يف‬ ‫ذلــك‪ ،‬يف محاولــة لخفــض أســعار النفــط يف أعقــاب ال ـ‬ ‫أوكرانيــا‪ ،‬حـ ّ‬ ‫ـط رحالــه يف زيــارة إىل اململكــة العربيــة الســعودية يف‬ ‫يوليو‪/‬تموز ‪ 2022‬وتبادل مع ويل العهد األمري محمد بن سلمان‬ ‫مالمســة القبضــات بــدل املصافحــة‪.‬‬ ‫ولكن الزيارة كما يبدو لم تسفر عن نجاح كبري‪ ،‬ففي أكتوبر‪/‬‬ ‫تشــرين األول ‪،2022‬خفضــت الســعودية إنتاجهــا اليومــي مــن‬ ‫النفــط بمقــدار مل ـيـوين برميــل بالتنســيق مــع “أوبــك‪ ”+‬للحفــاظ‬ ‫عىل سعر برميل النفط فوق ‪ 90‬دوالرا‪ ،‬ما حدا بالرئيس بايدن‬ ‫إىل إعالن أنه “سيعيد تقييم العالقة بأكملها مع اململكة العربية‬ ‫الســعودية”‪ .‬ثــم زادت الريــاض عــى ذلــك باســتقبالها الرئيــس‬ ‫شـراكة‬ ‫الصينــي يف ديســمرب‪/‬كانون األول ‪ ،2022‬يف زيــارة عــززت ـ‬ ‫سـراتيجية شــاملة بــن البلديــن‪ .‬ولــم يحــل شــهر مــارس‪/‬آذار‬ ‫ا ـ‬ ‫‪ ،2023‬حتــى كانــت الصــن قــد توســطت يف صفقــة بــن اململكــة‬ ‫العربية السعودية وإيران‪ ،‬كان من نتائجها استئناف العالقات‬ ‫الدبلوماســية بــن الريــاض وط ـهـران‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من كل يشء‪ ،‬كثف كبار املسؤولني األمريكيني—‬ ‫الذين خشوا من أن يفقدوا دعم اململكة فيسهم ذلك يف تقويض‬ ‫سـراتيجية الواليــات املتحــدة ملواجهــة كل مــن الصــن وروســيا—‬ ‫ا ـ‬ ‫زياراتهم إىل الرياض وجدة من أجل إرساء أرضية مشرتكة لحل‬ ‫اإلشكاالت التي تعيق عالقاتهم االسرتاتيجية‪.‬‬

‫‪06/09/2023 15:32‬‬

‫وتشــر تســريبات يف وســائل اإلعــام األمريكيــة الكــرى مثــل‬ ‫“نيويورك تايمز”‪ ،‬و“وول سرتيت جورنال”‪ ،‬و“واشنطن بوست”‪،‬‬ ‫إىل أن ثمّ ــة مفاوضــات للتوصــل إىل اتفــاق شــامل بــن الطرفــن‪.‬‬ ‫تتضمن هذه االتفاقية املفرتضة ضمانات أمنية للمملكة العربية‬ ‫السعودية شبيهة بالضمانات التي يقدمها حلف الناتو‪ ،‬وتمنح‬ ‫السعوديني الوصول إىل أنظمة دفاع أمريكية متطورة‪ ،‬وتسهّل‬ ‫شـاء محطــة نوويــة ســلمية قــادرة عــى تخصيــب اليورانيــوم‬ ‫إن ـ‬ ‫داخــل اململكــة‪ .‬يف مقابــل ذلــك‪ ،‬كمــا تشــر التســريبات نفســها‪،‬‬ ‫فــإن الواليــات املتحــدة تطالــب الســعودية بتطبيــع عالقاتهــا مــع‬ ‫إسرائيل واالمتناع عن تعزيز عالقاتها مع الصني وروسيا وإنهاء‬ ‫صـراع يف اليمــن‪.‬‬ ‫ال ـ‬ ‫وامتنــع املســؤولون الســعوديون عــن التعليــق عــى هــذه‬ ‫التســريبات امتنا عــا تا مــا‪ ،‬تار كــن و ســائل اإل عــام واملحللــن‬ ‫السياسيني يتكهنون بموقف اململكة من كل ذلك‪ .‬ولكن مراجعة‬ ‫متأنية ملا يطلق عليه اآلن إسم “الصفقة الكربى” يبني أن السعودية‬ ‫طـرار إىل تقديــم‬ ‫تتمتــع بموقــف قــوي لتحقيــق أهدافهــا دون االض ـ‬ ‫جميــع التنــازالت التــي تســلط التقاريــر اإلعالميــة الضــوء عليهــا‪.‬‬

‫تخصيب اليورانيوم‬

‫والحـ ّـق أن اململكــة تســعى لب ـنـاء محطــات طاقــة نوويــة قــادرة عــى‬ ‫تخصيــب اليورانيــوم لأل ـغـراض الســلمية‪ .‬يف عــام ‪ ،2010‬كلفــت‬ ‫السعودية مدينة امللك عبد الله للطاقة النووية واملتجددة بصياغة‬ ‫الخطط للتقليل من االعتماد عىل النفط والغاز إلنتاج الكهرباء‪.‬‬ ‫وكان من نتائج ذلك أن أبرمت املدينة اتفاقات تعاون نووي مع‬

‫‪012_AM.indd 12‬‬


‫‪13‬‬

‫‪06/09/2023 15:32‬‬

‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫‪012_AM.indd 13‬‬


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫ال شك في أن تفضيل المملكة العربية السعودية التعاون‬ ‫مع الواليات المتحدة في بناء المنشآت النووية يؤكد‬ ‫التزامها بإظهار الطبيعة السلمية لبرنامجها النووي للدول‬ ‫الغربية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يوجد في هذا الموقف ما يمنع من‬ ‫التعاون مع الدول األخرى في حالة رفض الواليات المتحدة‬ ‫تقديم تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم إلى المملكة‬

‫‪14‬‬

‫من حق المملكة العربية السعودية تطوير برنامج نووي‬ ‫سلمي قادر على تخصيب اليورانيوم‪ ،‬ومن مصلحة االستقرار‬ ‫االقتصادي العالمي تمكينها من تعزيز أنظمتها وتحالفاتها‬ ‫قصرت الواليات المتحدة عن التصدي‬ ‫الدفاعية‪ .‬وفي حال ّ‬ ‫لهاتين المسألتين الحرجتين‪ ،‬فقد تضطر المملكة العربية‬ ‫السعودية إلى البحث عن طرق بديلة لتحقيقهما‬

‫وهــذا مــا أكــده وزيــر الخارجيــة الســعودي األمــر فيصــل بــن‬ ‫فرحان‪ ،‬خالل مؤتمر صحايف مع نظريه األمرييك‪ ،‬أنتوين بلينكن‪،‬‬ ‫يف ‪ 8‬يونيو‪/‬حزيران ‪“ :2023‬إننا نعمل عىل تطوير برنامجنا النووي‬ ‫املحيل‪ ،‬وقد أعربت كل من واشنطن ودول أخرى عن اهتمامها‬ ‫باملساهمة يف تطوره‪”.‬‬ ‫وال شــك يف أن تفضيــل اململكــة العربيــة الســعودية التعــاون‬ ‫مع الواليات املتحدة يف بناء هذه املنشآت النووية يؤكد التزامها‬ ‫بإظهار الطبيعة السلمية لربنامجها النووي للدول الغربية‪ .‬ومع‬ ‫ذلــك‪ ،‬ال يوجــد يف هــذا املوقــف مــا يمنــع مــن التعــاون مــع الــدول‬ ‫األخــرى يف حالــة رفضــت الواليــات املتحــدة تقديــم تكنولوجيــا‬ ‫تخصيــب اليورانيــوم إىل اململكــة‪.‬‬

‫معاهدة على غرار حلف الناتو‬

‫عدد من الدول‪ ،‬بينها الواليات املتحدة وفرنسا وروسيا والصني‬ ‫وكوريا الجنوبية واألرجنتني‪.‬‬ ‫بيد أن هدف اململكة يتجاوز مجرد بناء منشآت نووية سلمية؛‬ ‫فهي تسعى أيضا إىل ضمان قدرتها عىل إنتاج اليورانيوم املخصب‬ ‫لتزويــد هــذه املحطــات بالوقــود‪ ،‬وبينمــا تخلــت اإلمــارات عــن هــذا‬ ‫الحق عند إنشاء بنيتها التحتية للطاقة النووية عام ‪ ،2009‬فإن‬ ‫السعودية ال تزال تص ّر عىل االحتفاظ بهذا االمتياز‪ ،‬يدفعها إىل‬ ‫ذلك مخاوف شرعية بخصوص أمنها الوطني‪.‬‬ ‫موقف اململكة العربية السعودية ال يأيت من فراغ‪ ،‬ألن املادة‬ ‫الرابعة من معاهدة عدم انتشار األسلحة النووية (‪ )NPT‬والتي‬ ‫تمنــح الــدول املوقعــة الحــق يف تخصيــب اليورانيــوم للتطبيقــات‬ ‫الســلمية‪ ،‬تمنحهــا أيضــا مثــل هــذا الحــق‪ .‬وتنــص املــادة عــى مــا‬ ‫يــي‪“ :‬يحظــر تفســر أي حكــم مــن أحــكام هــذه املعاهــدة بمــا يفيــد‬ ‫إخالله بالحقوق غري القابلة للتصرف التي تملكها جميع الدول‬ ‫طـراف يف املعاهــدة يف إن ـمـاء بحــث وإن ـتـاج واســتخدام الطاقــة‬ ‫األ ـ‬ ‫النوويــة لأل ـغـراض الســلمية دون أي تمييــز”‪.‬‬ ‫لــن تكــون اململكــة العربيــة الســعودية ســباقة يف هــذا املســعى‪،‬‬ ‫فوفقــا للرابطــة النوويــة العامليــة (‪ ،)WNA‬تقــوم كثــر مــن الــدول‬ ‫التي ال تمتلك أسلحة نووية‪ ،‬بما يف ذلك أملانيا واليابان والربازيل‬ ‫واألرجنتني‪ ،‬بتشغيل مرافق تخصيب اليورانيوم ألغراض سلمية‪.‬‬ ‫وبالتــايل‪ ،‬فــإن الســعودية ال تنتهــك أحــكام معاهــدة عــدم انتشــار‬ ‫األســلحة النوويــة وال تنــئ ســابقة بالتعبــر عــن نيتهــا تشــغيل‬ ‫محطة نووية قادرة عىل تخصيب اليورانيوم‪ ،‬تكون تحت إشراف‬ ‫الوكالة الدولية للطاقة الذرية‪.‬‬

‫‪06/09/2023 15:33‬‬

‫ثمــة أمــر آخــر يعرفــه القــايص والــداين وهــو رغبــة اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية يف عقــد معاهــدة د ـفـاع مــع الواليــات املتحــدة شــبيهة‬ ‫بمعاهــدة حلــف شــمال األطلــي (الناتــو)‪ ،‬إضافــة إىل طموحهــا‬ ‫صـول عــى أنظمــة الد ـفـاع األكــر تقدمــا يف العالــم‪ .‬لقــد‬ ‫يف الح ـ‬ ‫كانــت الســعودية لــردح طويــل مــن الزمــن تعتقــد أن وجــود كثــر‬ ‫مــن القواعــد العســكرية األمريكيــة يف منطقــة الخليــج‪ ،‬إىل جانــب‬ ‫عالقتهــا الخاصــة الطويلــة األمــد مــع الواليــات املتحــدة‪ ،‬والتــي‬ ‫ترجــع إىل أيــام الرئيــس فرانكلــن دي روزفلــت‪ ،‬ســتكون كافيــة‬ ‫لصــد أي عــدوان‪.‬‬ ‫ولكــن هــذه التوقعــات تجــاه القــدرة والنيــة األمريكيــة فشــلت‬ ‫يف االمتحــان عندمــا وقعــت اململكــة ضحيــة لهجمــات بالصواريــخ‬ ‫والطائرات دون طيار عىل منشآتها النفطية الشرقية عام ‪،2019‬‬ ‫ما تســبب يف انخفاض إنتاج النفط ملدة شــهر تقريبا‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫اســتهداف ال هــوادة فيــه لبنيتهــا التحتيــة‪ ،‬بمــا يف ذلــك الهجــوم‬ ‫عــى مســتودع نفــط أرامكــو يف جــدة عــام ‪.2022‬‬ ‫لقد أدركت اململكة أن عدم قدرة الواليات املتحدة عىل الوفاء‬ ‫بمتطلبــات أساســية الزمــة لحمايــة اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫بشــكل فعــال مــن هــذه الهجمــات ي ـفـرض عليهــا ضــرورة إض ـفـاء‬ ‫الطابــع الرســمي عــى عالقاتهــا الدفاعيــة مــع الواليــات املتحــدة‬ ‫بالنظــر إىل الــدور الحاســم للســعودية يف االقتصــاد العاملــي– هــي‬ ‫التي أسهمت بنسبة ‪ 12.2‬يف املئة من إنتاج النفط الخام العاملي‬ ‫عــام ‪ 2021‬وتمتلــك ‪ 17‬يف املئــة مــن االحتياطيــات العامليــة املؤكــدة–‬ ‫والــذي ي ـفـرض تمكــن اململكــة مــن الد ـفـاع عــن نفســها‪ ،‬مــن أجــل‬ ‫اســتقرار اقتصــاد العالــم‪.‬‬ ‫ثمــة مــن ي ـقـول إن الواليــات املتحــدة ال تقــوم عــادة بعقــد‬ ‫معاهــدات د ـفـاع عــى ـغـرار حلــف شــمال األطلــي مــع أنظمــة‬ ‫حكــم تخالــف نظامهــا‪ ،‬ولكــن هــذا االد ـعـاء ليــس صحيحــا تمامــا‪،‬‬ ‫فثمة سابقة تاريخية واحدة عىل األقل تتعارض مع هذا القول‪،‬‬

‫‪012_AM.indd 14‬‬


‫‪15‬‬

‫المجلة‬

‫ال ّبد ألي اتفاق سالم محتمل بين المملكة العربية‬ ‫السعودية وإسرائيل من أن يعكس مكانة المملكة‬ ‫وأن يعزز من نفوذها اإلقليمي ال أن يضعفه ويمكن‬ ‫القول ببساطة إنه ليس لدى السعودية أي نية لدعم‬ ‫القوى اإلقليمية األخرى على حساب موقعها في الصراع‬ ‫الفلسطيني اإلسرائيلي‬

‫وهــي معاهــدة الد ـفـاع الشــبيهة بحلــف الناتــو التــي جمعــت بــن‬ ‫الواليــات املتحــدة وكوريــا الجنوبيــة منــذ عــام ‪ ،1953‬أي قبــل أن‬ ‫حـول كوريــا إىل الديمقراطيــة بزمــن طويــل‪.‬‬ ‫تت ـ‬ ‫باختصار‪ ،‬من حق اململكة العربية السعودية تطوير برنامج‬ ‫نــووي ســلمي قــادر عــى تخصيــب اليورانيوم‪،‬و مــن مصلحــة‬ ‫اال ســتقرار االقتصــادي العا ملــي تمكينهــا مــن تعز يــز أنظمتهــا‬ ‫قصـرت الواليــات املتحــدة عــن‬ ‫وتحالفاتهــا الدفاعيــة‪ .‬ويف حــال ّ ـ‬ ‫التصدي لهاتني املسألتني الحرجتني‪،‬فقد تضطر السعودية إىل‬ ‫البحــث عــن طــرق بديلــة لتحقيقهمــا‪.‬‬ ‫ومــن املهــم أن نذكــر هنــا أنــه ال ينبغــي لهــذه األمــور أن تتداخــل‬ ‫مع مسألة التطبيع مع إسرائيل‪ ،‬وال مع عالقات السعودية مع‬ ‫الصــن وروســيا‪ .‬ومــن املرجــح أن تكــون الجهــود األمريكيــة الك ـبـرة‬ ‫لدمج هذه القضايا يف سلة واحدة مدفوعة بتكتيك اسرتاتيجي‬ ‫أمرييك لدفع السعودية لتقديم تنازالت تعكس األهداف الخاصة‬ ‫للواليات املتحدة‪ .‬ومع ذلك فنحن ال نعرف إىل اآلن مدى استجابة‬ ‫اململكة العربية السعودية ملصالح واشنطن‪.‬‬

‫‪06/09/2023 15:33‬‬

‫‪Sketches, work in progress‬‬

‫سياسة‬

‫على نحو مغاير للصين‪ ،‬تتمحور أهمية روسيا للمملكة‬ ‫حول مجالين رئيسين‪ .‬أولهما أن روسيا كعضو في‬ ‫“أوبك‪ ”+‬تساعد المملكة العربية السعودية في الحفاظ‬ ‫على سعر مناسب للنفط‪ ،‬كما لوحظ في اآلونة األخيرة‪،‬‬ ‫وثانيهما أن روسيا مصدر محتمل لألسلحة المتقدمة‬ ‫على المدى الطويل‬

‫مسألة التطبيع مع إسرائيل‬

‫خــال ال ـفـرة التــي كان العالــم خاللهــا مســتغرقا يف معالجــة‬ ‫الدمار الهائل الذي أحدثته الحرب العاملية الثانية‪ ،‬كان العالم‬ ‫يغدق تعاطفه نحو اليهود بسبب الهولوكوست‪ ،‬ولكن الغرب‬ ‫لــم ُيعـ ْر اهتما مــا ك ـبـرا للمعا نــاة املأ ســاوية لقرا بــة ‪ 750‬أ لــف‬ ‫فلســطيني أُجــروا بالقــوة عــى النــزوح مــن أرضهــم وتحولــوا إىل‬ ‫الجئــن‪ .‬حــدث هــذا عــام ‪ ،1948‬عندمــا أ ـقـرت األمــم املتحــدة‬ ‫سـرائيل عــى األرض التــي كانــت حتــى ذلــك الحــن‬ ‫إقامــة دولــة إ ـ‬ ‫ملــكا للشــعب الفلســطيني‪.‬‬ ‫عـرب‪ ،‬باتــت أحــداث عــام ‪1948‬‬ ‫بالنســبة للفلســطينيني وال ـ‬ ‫ُتعرف منذ ذلك الحني بـ“النكبة”‪ .‬وقد شكلت املجازر التي حاقت‬ ‫بالفلســطينيني يف قــرى مثــل ديــر ياســن والطنطــورة والصالحــة‬ ‫والدوايمة وغريها وعي الشعوب العربية بشكل جماعي وحددت‬ ‫جـزءا مــن‬ ‫سـرائيل‪ ،‬وكان الســعوديون بالطبــع ـ‬ ‫مشــاعرهم تجــاه إ ـ‬ ‫سـرائيل ألكــر مــن ‪ 400‬قريــة فلســطينية‬ ‫ذلــك‪ .‬وســاهم تدمــر إ ـ‬ ‫وقيام ‪ 58‬مخيما لالجئني الفلسطينيني يف األردن وسوريا ولبنان‬ ‫خـرا لجــوء عــدد كبــر منهــم إىل‬ ‫طـاع ـغـزة‪ ،‬وأ ـ‬ ‫والضفــة الغربيــة وق ـ‬ ‫دول الخليج‪ ،‬وفشل العالم يف ضمان حمايتهم أو إعادتهم إىل‬ ‫وطنهــم‪ ،‬عــى تعزيــز هــذه املشــاعر‪.‬‬ ‫طـاء عديــدة‪،‬‬ ‫وال شــك يف أن القــادة الفلســطينيني ارتكبــوا أخ ـ‬ ‫بعضها ال يزال قائما حتى يومنا هذا‪ ،‬مثل انقساماتهم السياسية‬ ‫املســتمرة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن أوجــه القصــور هــذه ال تغــر الحقيقــة‬ ‫األساســية القائلــة بــأن القضيــة الفلســطينية قضيــة عادلــة‪ .‬ومثــل‬ ‫حـاء العالــم‪ ،‬يمتلــك الفلســطينيون‬ ‫جميــع الشــعوب يف جميــع أن ـ‬ ‫الحــق يف تقريــر املصــر‪ ،‬ناهيــك بالطبــع عــن اإلج ـمـاع الــدويل الــذي‬ ‫يدعم إقامة دولة فلسطينية عىل األرايض التي احتلتها إسرائيل‬ ‫عــام ‪ ،1967‬بمــا يف ذلــك القــدس الشــرقية‪.‬‬ ‫وهكــذا‪ ،‬فــإن تعاطــف اململكــة العربيــة الســعودية ودعمهــا‬ ‫للقضية الفلسطينية ينبع طبعا من الهوية العربية واإلسالمية‬ ‫التــي تجمــع بــن الشــعبني‪ ،‬ولكــن املوقــع الفريــد للفلســطينيني‬ ‫باعتبارهم الشعب الوحيد الذي ال يزال يعاين من االحتالل يزيد‬ ‫إىل هذا التعاطف بعدا آخر‪ .‬ويتعاظم هذا املوقف السعودي بتأثري‬ ‫تطبيــق مــا يســمى باملجتمــع الــدويل للمعايــر املزدوجــة‪.‬‬ ‫ومع هذا وذاك‪ ،‬دعونا نتناول بعضا من الجوانب الحاسمة‬ ‫املحيطة بمسألة التطبيع املحتمل بني اململكة العربية السعودية‬ ‫سـرائيل‪ .‬مــن الضــروري بدايــة أن نوضــح أن الســعودية لــم ـَت ُ‬ ‫ـدع‬ ‫وإ ـ‬ ‫سـرائيل‪ ،‬وال هــي رفضــت مــن حيــث املبــدأ تطبيــع‬ ‫أبــدا إىل تدمــر إ ـ‬ ‫العالقــات معهــا‪ ،‬بــل إن اململكــة هــي التــي قــادت الــدول العربيــة‬ ‫يف اقرتاح مبادرة السالم العربية خالل قمة بريوت العربية عام‬ ‫سـرائيل‪ ،‬وال ـتـزال حتــى اآلن‪.‬‬ ‫‪ ،2002‬والتــي رفضتهــا إ ـ‬ ‫وكانت السعودية تبدي دعمها عىل طول الخط وبهمة عالية‬

‫‪012_AM.indd 15‬‬


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫لجهود السالم الفلسطينية‪ ،‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬دعمت اململكة‬ ‫الفلســطينيني عندمــا اختــاروا املشــاركة يف مؤتمــر مدريــد للســام‬ ‫عــام ‪ 1991‬وكذلــك عندمــا انخرطــوا يف مفاوضــات ســرية بشــأن‬ ‫اتفاقية أوسلو لعام ‪ 1993‬وامتنعت سابقا وعىل مر التاريخ عن‬ ‫التفاوض نيابة عن الفلسطينيني‪ ،‬وهي ال تزال ملتزمة بالحفاظ‬ ‫عــى هــذا املوقــف التزامــا كامــا‪.‬‬ ‫ويبقــى ال ـقـول إن إقا مــة عال قــات دبلوما ســية بــن اململكــة‬ ‫سـرائيل قبــل التزامهــا بإن ـهـاء احتاللهــا لــأرايض العربيــة ال توفــر‬ ‫وإ ـ‬ ‫قيمــة مضافــة لألمــن الســعودي واملصالــح الوطنيــة‪ ،‬عــى الرغــم‬ ‫سـرائيل‪ ،‬بــل هــي توجــب‬ ‫مــن التقــدم التكنولوجــي والعســكري إل ـ‬ ‫جملــة مــن املصاعــب ســيتعني عــى اململكــة مواجهتهــا والتعامــل‬ ‫معهــا‪ ،‬و ـتـراوح مــن معارضــة ا ـلـرأي العــام يف الــدول العربيــة‪،‬‬ ‫إىل املخاوف األمنية النابعة من العالقات العدائية إلسرائيل مع‬ ‫مختلــف الفاعلــن اإلقليميــن‪.‬‬ ‫وثمّ ة مسألة مهمة أخرى‪ ،‬وهي أن اململكة العربية السعودية‬ ‫تختلف عن دول أخرى‪ ،‬مثل اإلمارات العربية املتحدة أو البحرين‪،‬‬ ‫يف املكانــة املتم ـيـزة التــي تتمتــع بهــا كقــوة إقليميــة‪ ،‬وتنبــع أهميــة‬ ‫اململكــة مــن دورهــا كحاميــة للحرمــن الشــريفني‪ ،‬وعضويتهــا يف‬ ‫مجموعــة العشــرين‪ ،‬وتأثريهــا الكبــر عــى االقتصــاد العاملــي‪،‬‬ ‫سـرائيل لتطبيــع العالقــات‬ ‫ودورهــا األســايس كبوابــة ضروريــة إل ـ‬ ‫مــع دول عربيــة وإســامية أخــرى‪.‬‬ ‫وال بدّ ألي اتفاق سالم محتمل بني السعودية وإسرائيل من أن‬ ‫يعرتف بهذه الصفات الجوهرية وأن يعكس هذه املكانة للمملكة‬ ‫وأن يعزز من نفوذها اإلقليمي ال أن يضعفه ويمكن القول ببساطة‬ ‫إنــه ليــس لــدى الســعودية أي نيــة لدعــم القــوى اإلقليميــة األخــرى‬ ‫عىل حساب موقعها يف الصراع الفلسطيني اإلسرائييل‪.‬‬ ‫أخريا‪ ،‬يروج بعض املحللني والسياسيني الغربيني رأيا يقول‬ ‫إن القــادة الســعوديني يمكنهــم أن يتجاهلــوا مشــاعر مواطنيهــم‬ ‫وآرائهــم‪ .‬هــذا ا ـلـرأي يفتقــر يف الحقيقــة إىل أســاس متــن‪ .‬لقــد‬ ‫صـاح البــاد مــن خــال جملــة‬ ‫اتخــذ ويل العهــد خطــوات فعالــة إل ـ‬ ‫شـرطة الدينيــة وتمكــن ا ـملـرأة وتعزيــز‬ ‫مــن األمــور بينهــا تفكيــك ال ـ‬ ‫دورهــا‪ ،‬وتعزيــز صناعــة الرتفيــه والفنــون‪ ،‬واتخــاذ تدابــر رادعــة‬ ‫ملكافحة الفساد‪ .‬وواقع الحال أن هذه اإلجراءات حظيت بدعم‬ ‫كبــر مــن غالبيــة الســعوديني‪.‬‬ ‫سـرائيل نفســها بالنظــر إىل‬ ‫ويف الوقــت الحــايل‪ ،‬ال تســاعد إ ـ‬ ‫األفعال التي تقوم بها ضد الفلسطينيني منذ ‪ ،1948‬وتصعب‬ ‫عملية االنفتاح عليها بسبب إصرارها عىل سلب حقوق الشعب‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬و عــدم احرتامهــا لالتفا قــات واملبــادرات الدوليــة‬ ‫بهــذا الصــدد‪.‬‬ ‫ووفقا لتقارير من األمم املتحدة ومصادر أوروبية ومنشورات‬ ‫سـرائيلية‪ ،‬تصاعــد القتــل والعنــف منــذ انهيــار اتفاقــات أوســلو‬ ‫إ ـ‬ ‫عــام ‪ ،2000‬وتوســعت املســتوطنات يف الضفــة الغربيــة والقــدس‬ ‫سـرائيل يف عام‬ ‫الشــرقية بشــكل كبري؛ فعىل ســبيل املثال‪ ،‬بنت إ ـ‬ ‫‪ 2022‬فقــط ‪ 23861‬وحــدة ســكنية يف القــدس الشــرقية و‪4427‬‬ ‫شـرات‬ ‫وحــدة يف الضفــة الغربيــة‪ ،‬بينمــا هدمــت يف مقابــل ذلــك ع ـ‬ ‫اآلالف مــن املنــازل‪ ،‬وتشــر ســجالت عــام ‪ 2020‬إىل ‪ 2586‬عمليــة‬ ‫حـاء الضفــة الغربيــة والقــدس الشــرقية و ـغـزة‪.‬‬ ‫هــدم يف جميــع أن ـ‬ ‫سـرائيلية املتعاقبــة سياســات تشــمل‬ ‫واتبعــت الحكومــات اإل ـ‬ ‫حـرم الفلســطينيني مــن‬ ‫القضــم التدريجــي للضفــة الغربيــة وت ـ‬ ‫حــق تقريــر املصــر‪ .‬وقــد بــدأت تظهــر اعرتاضــات صريحــة عــى‬

‫‪07/09/2023 15:26‬‬

‫‪16‬‬

‫ضـاء‬ ‫االحتــال مــن داخــل الواليــات املتحــدة‪ ،‬بمــن يف ذلــك أع ـ‬ ‫غـرس‪.‬‬ ‫بــارزون يف الكون ـ‬ ‫سـرائيل نفســها‪ ،‬وقــع مئــات األكاديميــن‬ ‫بــل حتــى يف داخــل إ ـ‬ ‫سـرائيليون بــارزون‬ ‫والشــخصيات العامــة‪ ،‬بمــن يف ذلــك عل ـمـاء إ ـ‬ ‫مثــل إيــان بابــي‪ ،‬وبينــي موريــس‪ ،‬ورئيــس الكنيســت الســابق‬ ‫سـرائيل بأنهــا “دولــة‬ ‫أفــروم بــورغ‪ ،‬عــى خطــاب مف ـتـوح يصــف إ ـ‬ ‫فصل عنصري”‪ ،‬ويؤكد أن اإلصالح القضايئ األخري يف إسرائيل‬ ‫يهــدف إىل تجريــد الفلســطينيني مــن حقوقهــم واالســتيالء عــى‬ ‫املزيد من األرايض واالنخراط يف “التطهري العرقي” للفلسطينيني‬ ‫سـرائيلية‪.‬‬ ‫يف األرايض الخاضعــة للســلطات اإل ـ‬ ‫جـراءات‬ ‫ودعــا الخطــاب قــادة الواليــات املتحــدة إىل اتخــاذ إ ـ‬ ‫سـرائيل مــن العقــاب يف األمــم املتحــدة‬ ‫“تضــع حــدا إلفــات إ ـ‬ ‫واملنظمــات الدوليــة األخــرى”‪.‬‬ ‫وامتنع الرئيس بايدن نفسه عن لقاء رئيس الوزراء اإلسرائييل‬ ‫نتنياهو‪ ،‬ووصف– يف مقابلة مع “‪ –”CNN‬الحكومة اإلسرائيلية‬ ‫الحالية بأنها “واحدة من أكرث الحكومات تطرفا التي عرفها عىل‬ ‫اإلطالق”‪ .‬والحقيقة أن األحزاب السياسية اإلسرائيلية الرئيسة‪،‬‬ ‫العلمانية والدينية عىل حد سواء‪ ،‬مجمعة عىل استبعاد القدس‬ ‫الشــرقية وغــور األردن ومســتوطنات الضفــة الغربيــة والالجئــن‬ ‫الفلســطينيني مــن أي صفقــة محتملــة مــع الفلســطينيني‪ ،‬بينمــا‬ ‫طـراف عالنيــة ف ـكـرة حــل الدولتــن كحــل‬ ‫ال يتبنــى أي مــن هــذه األ ـ‬ ‫نهايئ للصراع املستمر‪.‬‬ ‫سـرائيل تفتقــر حاليــا إىل االســتعداد‬ ‫تــدرك الســعودية أن إ ـ‬ ‫التخاذ خطوات جوهرية نحو السالم مع الفلسطينيني‪ ،‬ولذلك‬ ‫فهي غري مستعجلة للسري يف طريق التطبيع مع إسرائيل‪ .‬وهذا‬ ‫يثري‪ ،‬تاليا‪ ،‬جملة من األسئلة التي لم تجد حال لها بعد‪ ،‬والتي‬ ‫حـول كيــف تلبــي الســعودية‬ ‫تربــو عــددا عــى اإلجابــات النهائيــة ـ‬ ‫سـرائيل دون املســاس‬ ‫املطلــب األ ـمـريك لتطبيــع العالقــات مــع إ ـ‬ ‫بمصالحهــا الخاصــة‪.‬‬ ‫خــذ مثــا تومــاس فريدمــان‪ ،‬الــذي يدعــي‪ ،‬ربمــا بجهــل إن لــم‬ ‫يكن بسوء نية‪ ،‬أن “القيادة السعودية ال تأبه للفلسطينيني وليس‬ ‫لديها دراية بتعقيدات عملية السالم”‪ .‬لقد قدم فريدمان اقرتاحا‬ ‫بأنــه “عــى األقــل يجــب عــى الســعوديني واألمريكيــن أن يطلبــوا‬ ‫مــن نتنياهــو تحقيــق أربعــة شــروط مقابــل حصولــه عــى مكافــأة‬ ‫ك ـبـرة مثــل التطبيــع والتجــارة مــع أهــم دولــة عربيــة إســامية”‪،‬‬ ‫وتشــمل هذه الشــروط‪:‬‬ ‫‪ ‬تقديم تعهد رسمي بعدم ضمّ الضفة الغربية‪.‬‬ ‫‪ ‬االمتناع عن إنشاء مستوطنات جديدة أو توسيع املستوطنات‬ ‫القائمة إال لغايات النمو الطبيعي‪.‬‬ ‫شـرعية عــى البــؤر االســتيطانية اليهوديــة غــر‬ ‫‪ ‬منــع إض ـفـاء ال ـ‬ ‫املصــرح بهــا‪.‬‬ ‫‪ ‬نقل مناطق معينة مأهولة بالفلسطينيني من املنطقة “جيم”‬ ‫يف الضفــة الغربيــة إىل املنطقتــن “ألــف” و“ ـبـاء” كمــا هــو محــدد‬ ‫يف اتفاقــات أوســلو‪ .‬يف مقابــل هــذه الشــروط‪ ،‬اقــرح فريدمــان أن‬ ‫يوافــق الفلســطينيون عــى اتفاقيــة الســام املقرتحــة بــن اململكــة‬ ‫سـرائيل‪.‬‬ ‫العربيــة الســعودية وإ ـ‬ ‫تهــدف اقرتاحــات فريدمــان عــى مــا يبــدو إىل تقويــض الحكومــة‬ ‫شـاء حكومــة جديــدة تســتبعد‬ ‫سـرائيلية الحاليــة مــن أجــل إن ـ‬ ‫اإل ـ‬ ‫طـاء التدهــور‬ ‫سـرائيلية‪ ،‬وبالتــايل وقــف أو إب ـ‬ ‫حـزاب الدينيــة اإل ـ‬ ‫األ ـ‬

‫‪012_AM.indd 16‬‬


‫‪17‬‬

‫المجلة‬

‫سـرائيل ودعمهــا يف الواليــات املتحــدة‪ .‬ولكــن‬ ‫املســتمر لصــورة إ ـ‬ ‫هــذه األفــكار ال تهــدف إىل تعزيــز نفــوذ الســعودية يف املنطقــة‪ ،‬بــل‬ ‫هــي تنتقــص مــن مكانتهــا وترفــع مــن قــوة منافســيها اإلقليميــن‬ ‫عــى حســابها‪.‬‬ ‫والحــال أنــه إذا كانــت معاهــدة الســام مــع اململكــة العربيــة‬ ‫السعودية بالفعل “جائزة ضخمة” إلسرائيل‪ ،‬كما يقول فريدمان‬ ‫بحق‪ ،‬فإن أي معاهدة سالم يجب أن تتناسب مع هذه املكافأة‬ ‫املهمة التي ستحصل عليها إسرائيل‪ .‬يقر فريدمان نفسه بوجود‬ ‫حـزب الديمقراطــي مــن شــأنها أن تقــاوم أي‬ ‫نــواة قويــة داخــل ال ـ‬ ‫اتفاق ال ينسجم و“مطلب الرئيس بايدن بأن ينال الفلسطينيون‬ ‫سـرائيليون تدابري متســاوية من الحرية والكرامة”‪ .‬ومن حق‬ ‫واإل ـ‬ ‫سـاءل ملــاذا يجــب عــى الســعودية‬ ‫ا ـملـرء‪ ،‬يف ضــوء ذلــك‪ ،‬أن يت ـ‬ ‫سـرائيل ال ترقــى حتــى إىل‬ ‫أن تفكــر يف ق ـبـول معاهــدة ســام مــع إ ـ‬ ‫مستوى اإلجماع العاملي عىل إقامة دولة فلسطينية عىل األرايض‬ ‫سـرائيل عــام ‪.1967‬‬ ‫التــي احتلتهــا إ ـ‬ ‫طبعــا ال يمكــن ألحــد التحــدث نيابــة عــن الحكومــة الســعودية‬ ‫سـرائيل‬ ‫شـرات الصــادرة مــن إ ـ‬ ‫باســتثناء مســؤوليها‪ ،‬ولكــن املؤ ـ‬ ‫بشــأن صفقــة محتملــة مــع الســعودية ال تبعــث عــى التفــاؤل‪.‬‬ ‫حـول مفهــوم الســام االقتصــادي‪،‬‬ ‫سـرائيلية ـ‬ ‫وتــدور املحادثــات اإل ـ‬ ‫متجنبة القضايا الجوهرية الكامنة يف صلب الصراع الفلسطيني‪-‬‬ ‫سـرائيليون غــر مســتعدين لالل ـتـزام بمبــدأ حــل‬ ‫سـرائييل‪ .‬اإل ـ‬ ‫اإل ـ‬ ‫الدولتني ووقف التوسع االستيطاين يف الضفة الغربية والقدس‬ ‫الشرقية ووضع إطار زمني محدد لحل الجوانب املختلفة للصراع‬ ‫عىل النحو الذي حددته قرارات مجلس األمن والقانون الدويل‪.‬‬ ‫سـرائييل يعــر صراحــة عــن‬ ‫بــل إن بيانــا صــادرا عــن مســؤول إ ـ‬ ‫سـرائيلية يف تعاطيهــا مــع مســألة التطبيــع‬ ‫ا ـملـزاج والذهنيــة اإل ـ‬ ‫مــن أن “ليــس لدينــا مــا نعطيــه للفلســطينيني‪ ...‬لــن نجمــد‬

‫‪07/09/2023 15:26‬‬

‫سياسة‬

‫املبــادرة العربيــة للســام‬ ‫هي مبادرة تبنتها‬ ‫المملكة العربية‬ ‫الســــعودية وأقرت‬ ‫في القمـــة العربية‬ ‫يوم ‪ 28‬مارس‪/‬آذار‬ ‫‪ ،2002‬في بيروت‬ ‫للتـأكيد على أن‬ ‫السالم في الشرق‬ ‫األوسط لن ُ يكتب‬ ‫له النجاح إن لم يكن‬ ‫عادال وشامال‪ ،‬تنفيذا‬ ‫لقراري مجلس األمن‬ ‫رقم ‪ 242‬و‪.338‬‬ ‫وقد أكدت المبادرة‬ ‫أيضا على مبدأ األرض‬ ‫مقابل السالم وتالزم‬ ‫المسارين السوري‬ ‫واللبناني وارتباطهما‬ ‫عضويا مع المسار‬ ‫الفلسطيني تحقيقا‬ ‫لألهداف العربية في‬ ‫شمولية الحل‪.‬‬ ‫وتصر المملكة‬ ‫اليوم على أنها ملتزمة‬ ‫بالمبادرة العربية‬ ‫بوصفها السبيل‬ ‫الوحيد للوصول إلى‬ ‫حل للنزاع الفلسطيني‬ ‫اإلسرائيلي‪ ،‬ولتطبيع‬ ‫العالقات بين‬ ‫إسرائيل وجميع الدول‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫وأوضح وزير‬ ‫الخارجية السعودية‪،‬‬ ‫األمير فيصل بن‬ ‫فرحان‪ ،‬مؤخرا أن‬ ‫مبادرة السالم العربية‪-‬‬ ‫التي وقعت عليها‬ ‫جميع الدول العربية‬ ‫في ‪ - 2002‬تضمنت‬ ‫تصورا كامال إلقامة‬ ‫عالقات بين إسرائيل‬ ‫وكل الدول العربية‪،‬‬ ‫بما فيها السعودية‪،‬‬ ‫مشيرا إلى أن الشروط‬ ‫التي تضمنتها المبادرة‬ ‫لم تتحقق حتى اآلن‪،‬‬ ‫مشددا على أن إقامة‬ ‫عالقات مع إسرائيل‬ ‫ستكون ممكنة إذا‬ ‫تحققت‪.‬‬ ‫وطالبت المبادرة‬ ‫إسرائيل باالنسحاب‬ ‫الكامل من األراضي‬ ‫العربية المحتلة بما‬ ‫في ذلك الجوالن‬ ‫السورية وحتى خط‬ ‫الرابع من يونيو‪/‬‬ ‫حزيران ‪ ،1967‬وإلى‬ ‫التوصل لحل عادل‬ ‫للصراع الفلسطيني‪-‬‬ ‫اإلسرائيلي‪ ،‬يستند‬

‫إلى قيام دولة‬ ‫فلسطينية مستقلة‬ ‫ذات سيادة على‬ ‫األراضي المحتلة‬ ‫منذ الرابع من يونيو‪/‬‬ ‫حزيران ‪ 1967‬في‬ ‫الضفة الغربية‪.‬‬ ‫ووافقت المبادرة‬ ‫على اعتبار النزاع‬ ‫العربي‪ -‬اإلسرائيلي‬ ‫منتهيا‪ ،‬والدخول في‬ ‫اتفاق سالم بينها‬ ‫وبين إسرائيل مع‬ ‫تحقيق األمن لجميع‬ ‫دول المنطقة‪ ،‬إذا‬ ‫وافقت إسرائيل على‬ ‫بنود المبادرة‪.‬‬ ‫وناشدت القمة‬ ‫العربية آنذاك‬ ‫حكومة إسرائيل‬ ‫واإلسرائيليين جميعا‬ ‫قبول هذه المبادرة‬ ‫“حماية لفرص‬ ‫السالم وحقنا للدماء‬ ‫بما يمكن الدول‬ ‫العربية وإسرائيل‬ ‫من العيش في سالم‬ ‫جنبا إلى جنب ويوفر‬ ‫لألجيال القادمة‬ ‫مستقبال آمنا يسوده‬ ‫الرخاء واالستقرار”‪.‬‬ ‫ووصفت السلطة‬ ‫الفلسطينية أكثر من‬ ‫مرة المبادرة العربية‬ ‫التي تبنتها المملكة‬ ‫العربية السعودية‬ ‫بأنها رسالة إلسرائيل‬ ‫والعالم بأنه ال تطبيع‬ ‫قبل تحقيق بنود‬ ‫المبادرة‪ ،‬وحصول‬ ‫الشعب الفلسطيني‬ ‫على حقوقه كاملة‪.‬‬ ‫وفي أغسطس‪/‬‬ ‫آب‪ ،‬عينت المملكة‬ ‫نايف السديري‪،‬‬ ‫سفيرا لها فوق‬ ‫العادة ومفوضا‬ ‫غير مقيم لدى دولة‬ ‫فلسطين وقنصال‬ ‫عاما للسعودية في‬ ‫القدس الشرقية‪.‬‬ ‫وبتقديمه أوراق‬ ‫اعتماده إلى الجانب‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬أصبح‬ ‫السديري أول‬ ‫سفير للسعودية‬ ‫لدى السلطة‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬حيث‬ ‫ُ تعد هذه هي المرة‬ ‫األولى التي ُ يعين فيها‬ ‫سفير وقنصل عام‬ ‫سعودي في القدس‪.‬‬

‫‪012_AM.indd 17‬‬


‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫يدعي توماس فريدمان‪ ،‬ربما بجهل إن لم يكن بسوء نية‪ ،‬أن‬ ‫“القيادة السعودية ال تأبه للفلسطينيين وليس لديها دراية‬ ‫بتعقيدات عملية السالم”‪ .‬لقد قدم فريدمان اقتراحا بأنه‬ ‫“على األقل يجب على السعوديين واألميركيين أن يطلبوا‬ ‫من نتنياهو تحقيق أربعة شروط مقابل حصوله على مكافأة‬ ‫كبيرة مثل التطبيع والتجارة مع أهم دولة عربية إسالمية”‬

‫‪18‬‬

‫ألن الواليات المتحدة ودوال غربية أخرى ملتزمة باإلبقاء‬ ‫على إسرائيل القوة المهيمنة في الشرق األوسط‪ ،‬وبحجة‬ ‫انتهاكات حقوق اإلنسان‪ ،‬والمخاوف من سباق تسلح في‬ ‫المنطقة‪ ،‬عرقلت هذه الدول على نحو متكرر تصدير صواريخ‬ ‫بالستية دقيقة إلى المملكة العربية السعودية‪ .‬كما أحجمت‬ ‫هذه الدول عن تأييد توطين هذه الصناعة داخل المملكة‬

‫املســتوطنات ولــو لثانيــة واحــدة‪ ...‬ويف النهايــة ســيتعني عــى‬ ‫سـرائيليني] أن يعطــوا [الفلســطينيني]‬ ‫الســعوديني [وليــس اإل ـ‬ ‫شــيئا مــا “لــي يتبنــوا معاهــدة الســام املقرتحــة بــن اململكــة‬ ‫سـرائيل”‪.‬‬ ‫العربيــة الســعودية وإ ـ‬ ‫باختصار‪ ،‬ال ُتظهر أفعال الحكومة اإلسرائيلية وتصريحاتها‬ ‫أي استعداد للتحرك نحو السالم مع الفلسطينيني مقابل إقامة‬ ‫عالقات طبيعية مع السعودية‪ .‬يبقى أن نرى إىل أي مدى يمكن‬ ‫للواليات املتحدة أن تضغط عليهم للقيام بذلك‪.‬‬

‫الصين وروسيا‬

‫وطــدت اململكــة العربيــة الســعودية عــى مــدار الســنوات عالقــات‬ ‫متينة مع الصني‪ ،‬وإىل حد أقل مع روسيا‪ .‬يمكن أن ُتعزى أهمية‬ ‫الصني بالنسبة للمملكة إىل عوامل مختلفة‪ ،‬منها التجارة ونقل‬ ‫التكنولوجيــا العلميــة والعســكرية‪ ،‬فضــا عــن عالقــة سياســية‬ ‫مم ـيـزة واتفــاق يف أمــور حيويــة عــدة بــن البلديــن‪.‬‬ ‫مــن الناحيــة التجاريــة‪ ،‬تعتــر الصــن الشــريك التجــاري‬ ‫األول للسعودية‪ .‬ففي عام ‪ ،2021‬بلغ حجم التبادل التجاري‬ ‫بينهما ‪ 87.3‬مليار دوالر‪ .‬وعىل نحو أدق‪ ،‬بلغ إجمايل الصادرات‬ ‫الصينية إىل السعودية ‪ 30.3‬مليار دوالر‪ ،‬بينما بلغت واردات‬ ‫الصــن مــن اململكــة ‪ 57‬مليــار دوالر‪ .‬وإذا أردنــا املقارنــة‪ ،‬فقــد‬ ‫بلغت قيمة التبادل التجاري بني السعودية والواليات املتحدة‬ ‫خــال العــام نفســه ‪ 24.5‬مليــار دوالر‪ ،‬حيــث بلغــت الصــادرات‬ ‫األمريكية إىل السعودية ‪ 11.6‬مليار دوالر وواردات أمريكا من‬ ‫اململكــة ‪ 12.9‬مليــار دوالر‪.‬‬ ‫ويمكن بوضوح أن نرى أن امليزان التجاري بني الصني واململكة‬ ‫يميل عىل نحو كبري لصالح السعودية بمقدار ‪ 26.7‬مليار دوالر‪،‬‬ ‫بينما ميله مع الواليات املتحدة ال يتعدى ‪ 1.3‬مليار دوالر فقط‪.‬‬ ‫يؤكد هذا الوضع أهمية الصني كأحد أهم املصادر لتدفق العملة‬ ‫الصعبة إىل اململكة‪ ،‬وهذا يؤدي دورا محوريا يف الرفاه االقتصادي‬ ‫للبالد‪ ،‬بما يف ذلك تحقيق رؤية ‪.2030‬‬ ‫وفــوق ذلــك‪ ،‬تتميــز اململكــة العربيــة الســعودية بأنهــا املــورّد‬ ‫الرئيــس للنفــط الخــام للصــن‪ ،‬إذ تــورد ‪ 18‬يف املئــة مــن إجمــايل‬ ‫مشــريات بكــن مــن النفــط الخــام‪ .‬هــذا يعنــي أن الصــن تعتمــد‬ ‫بشكل كبري عىل السعودية لتغذية اقتصادها الواسع‪ .‬وإذا أخذنا‬ ‫بالحسبان أمرا مثل العقوبات املفروضة عىل إيران وبنيتها التحتية‬ ‫النفطيــة املتخلفــة‪ ،‬تــرز اململكــة بوصفهــا املنافــس األول يف ســوق‬ ‫النفط الصينية‪،‬حيث تؤدي روســيا دورا (تســاهم بنســبة ‪ 17.8‬يف‬ ‫ننس أن الصني تشكل‬ ‫املئة من احتياجات الصني النفطية)‪ ،‬وال َ‬ ‫شــريانا حيويــا هامــا القتصــاد إ ـيـران‪ .‬وبمــا أن اململكــة تتمتــع بنفــوذ‬ ‫خـرة إىل‬ ‫كبــر عــى الصــن بســبب تجــارة النفــط‪ ،‬فقــد تميــل األ ـ‬ ‫ممارســة نفوذهــا عــى إ ـيـران حســب مــا تقتضيــه الظــروف‪.‬‬

‫‪06/09/2023 15:33‬‬

‫تبدي الصني‪ ،‬بخالف الواليات املتحدة‪ ،‬درجة أعىل يف تقبلها‬ ‫لنقل التكنولوجيا العلمية وتســهيل توطني الصناعة العســكرية‬ ‫داخــل اململكــة‪ .‬وحســب تقريــر لــ“‪ ،”CNN‬انخرطــت الســعودية‬ ‫بفاعليــة يف اإلن ـتـاج املســتقل لصواريخهــا البالســتية منــذ عــام‬ ‫‪ ،2021‬مــع أداء الصــن دورا مهمــا يف هــذا املســعى‪ .‬كمــا ســلط‬ ‫هــذا التقريــر الضــوء عــى حــدوث “عمليــات نقــل عديــدة واســعة‬ ‫النطاق لتكنولوجيا الصواريخ البالستية الحساسة بني البلدين”‪.‬‬ ‫يف عام ‪ ،2022‬وقعت الشركة السعودية ألنظمة االتصاالت‬ ‫واإللكرتونيــات املتقد مــة اتفاقيــة مــع “مجمو عــة تكنولوجيــا‬ ‫شـركة‬ ‫سـرة‪ .‬وتل ـتـزم ال ـ‬ ‫اإللكرتونيــات الصينيــة” لب ـنـاء طا ـئـرات م ـ‬ ‫الصينية‪ ،‬التي سميت باسم الحلول الجوية‪ ،‬بموجب االتفاقية‬ ‫شـاء مركــز بحــث وتطويــر وتشــكيل فريــق [يف اململكــة] يعمــل‬ ‫بـ“إن ـ‬ ‫سـرة” مــع‬ ‫عــى صناعــة أنــواع مختلفــة مــن أنظمــة الطا ـئـرات امل ـ‬ ‫طـران‪ ،‬وأنظمــة الكا ـمـرا‬ ‫“نظــام اتصــاالت كامــل ونظــام تحكــم بال ـ‬ ‫وا ـلـرادار والكشــف الالســليك”‪.‬‬ ‫وألن الواليات املتحدة ودوال غربية أخرى ملتزمة باإلبقاء عىل‬ ‫سـرائيل القــوة املهيمنــة يف الشــرق األوســط‪ ،‬وبحجــة انت ـهـاكات‬ ‫إ ـ‬ ‫حقوق اإلنسان‪ ،‬واملخاوف من سباق تسلح يف املنطقة‪ ،‬عرقلت‬ ‫هــذه الــدول عــى نحــو متكــرر تصديــر صواريــخ بالســتية دقيقــة إىل‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية‪ .‬كمــا أحجمــت هــذه الــدول عــن تأييــد‬ ‫توطــن هــذه الصناعــة داخــل اململكــة‪.‬‬ ‫ومــا يتســم بأهميــة قصــوى أن مبــادئ السياســة الخارجيــة‬ ‫الدائمة للصني تتماىش بسالسة مع مبادئ السعودية‪ ،‬القائمة‬ ‫حـرام ســيادة الــدول ووحــدة أراضيهــا‪ ،‬عــدم‬ ‫عــى مبــادئ مثــل ا ـ‬

‫‪012_AM.indd 18‬‬


‫المجلة‬

‫‪19‬‬

‫قد تفهم الصين خطأ أن امتثال المملكة العربية‬ ‫السعودية للشروط‪ ،‬هو اصطفاف إلى جانب الواليات‬ ‫المتحدة ضدها‪ .‬وبينما قد ال تتخذ الصين تدابير‬ ‫مضادة فورية بسرعة‪ ،‬إال أنها قد تعزز‬ ‫بمرور الوقت عالقاتها مع دول أخرى مثل إيران‬ ‫على حساب المملكة العربية السعودية‬

‫االعتــداء عــى الغــر وعــدم التدخــل يف الشــؤون الداخليــة للــدول‬ ‫واملنفعة املتبادلة والتعايش السلمي‪ .‬بينما تتباعد بعض جوانب‬ ‫السياســة الخارجيــة للمملكــة عــن تلــك التــي للواليــات املتحــدة‬ ‫عــى نحــو صــارخ‪.‬‬ ‫ويتضح هذا الفرق عىل األخص يف حالة مبادئ مثل “النظام‬ ‫الدويل القائم عىل القواعد الليربالية”‪ ،‬و“الديمقراطية”‪ ،‬و“حقوق‬ ‫شـرعية عــى‬ ‫اإلنســان”‪ ،‬وهــي مبــادئ وظفــت يف املــايض إلض ـفـاء ال ـ‬ ‫التدخل يف شؤون دول ذات سيادة‪.‬‬ ‫عىل نحو مغاير للصني‪ ،‬تتمحور أهمية روسيا للمملكة حول‬ ‫مجالــن رئيســن‪ .‬أولهمــا أن روســيا كعضــو يف “أوبــك‪ ”+‬تســاعد‬ ‫الســعودية يف الحفــاظ عــى ســعر مناســب للنفــط‪ ،‬كمــا لوحــظ‬ ‫خـرة‪ ،‬وثانيهمــا أن روســيا مصــدر محتمــل لألســلحة‬ ‫يف اآلونــة األ ـ‬ ‫املتقدمة عىل املدى الطويل‪ .‬وبينما تنسجم مساعي روسيا لتعزيز‬ ‫حـول‬ ‫نظــام عاملــي متعــدد األقطــاب مــع مصالــح اململكــة‪ ،‬فــإن الت ـ‬ ‫نحــو عالــم متعــدد األقطــاب هــو عمليــة طويلــة ومعقــدة‪.‬‬ ‫هــل يمكــن للســعودية‪ ،‬يف هــذا الســياق‪ ،‬أن تتكيــف عــى نحــو‬ ‫عميل مع الطلبات األمريكية بتقييد عالقاتها مع الصني وروسيا؟‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬تشري التقارير املسربة عن املناقشات بني واشنطن‬ ‫والرياض إىل مطالب معتدلة نسبيا‪ .‬إذ تشمل هذه املطالب عىل‬ ‫األخص االمتناع عن إشراك شركة “هواوي” العمالقة الصينية يف‬ ‫املشاريع السعودية‪ ،‬واالمتناع عن منح الصني حق إقامة قواعد‬ ‫عسكرية يف اململكة‪ ،‬واالمتناع عن استخدام العملة الصينية يف‬ ‫التجــارة‪ .‬أمــا روســيا فيرتكــز الطلــب األ ـمـريك عــى وقــف التنســيق‬ ‫معها يف أسعار النفط‪ ،‬بحجة الغزو الرويس ألوكرانيا‪.‬‬ ‫يبــدو أ ـمـرا مع ـقـوال أن توافــق الســعودية عــى جميــع الشــروط‬ ‫األمريكيــة حيــال الصــن وروســيا؛ وعــى الرغــم مــن كل يشء‪،‬‬ ‫فــإن مواصلــة التجــارة مــع الصــن بالــدوالر األ ـمـريك‪ ،‬تنســجم‬ ‫تمامــا مــع املصالــح الســعودية وتعــزز بالتــايل مــن مدخراتهــا مــن‬ ‫العملــة الصعبــة‪ .‬يضــاف إىل ذلــك أن الصــن لــم تبــدِ أي نيــة‪،‬‬ ‫أقلــه يف الوقــت الحــايل‪ ،‬إلقامــة قواعــد عســكرية يف املنطقــة‪ .‬أمــا‬ ‫شـركة “هــواوي” فيمكــن اســتبدالها يف حــال توفــر بدائــل عمليــة‬ ‫ـ‬ ‫شـركات األمريكيــة‪ ،‬شــريطة أن تكــون برباعــة التكنولوجيــا‬ ‫مــن ال ـ‬ ‫الصينيــة وبســعر مناســب‪.‬‬ ‫أما روسيا‪ ،‬فيمكن للسعودية أن تعدها منافسا لها يف السوق‬ ‫وتسعى لتقويض نفوذها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن اإلذعان ملطالب الواليات‬ ‫املتحــدة يحمــل معــه ثالثــة تحديــات ك ـبـرة للمملكــة‪ ،‬وهــذه تطــرح‬ ‫بدورها معضالت معقدة‪:‬‬ ‫أوال‪ ،‬قــد تفهــم الصــن خطــأ أن امتثــال الســعودية للشــروط‪،‬‬ ‫هــو اصطفــاف إىل جانــب الواليــات املتحــدة ضدهــا‪ .‬وبينمــا قــد ال‬ ‫تتخذ الصني تدابري مضادة فورية بسرعة‪ ،‬إال أنها قد تعزز بمرور‬ ‫الوقت عالقاتها مع دول أخرى مثل إيران عىل حساب السعودية‪.‬‬

‫‪06/09/2023 15:33‬‬

‫سياسة‬

‫تتباعد بعض جوانب السياسة الخارجية للمملكة العربية‬ ‫السعودية عن تلك التي للواليات المتحدة على نحو صارخ‪.‬‬ ‫ويتضح هذا الفرق على األخص في حالة مبادئ مثل “النظام‬ ‫الدولي القائم على القواعد الليبرالية”‪ ،‬و”الديمقراطية”‪،‬‬ ‫و”حقوق اإلنسان”‪ ،‬وهي مبادئ وظفت في الماضي إلضفاء‬ ‫الشرعية على التدخل في شؤون دول ذات سيادة‬

‫ثانيــا‪ ،‬مــع أن الواليــات املتحــدة ال تطلــب حاليــا مــن اململكــة‬ ‫العربية السعودية تقليص إمداداتها من النفط إىل الصني‪ ،‬فقد‬ ‫يــرز مثــل هــذا الطلــب أث ـنـاء املواجهــات مــع الصــن‪ ،‬إذا تحركــت‬ ‫خـرة مثــا لضــم تايــوان‪ .‬ســيكون هــذا وثيــق الصلــة عــى األخــص‬ ‫األ ـ‬ ‫إذا أقيــم تحالــف شــبيه بحلــف شــمال األطلــي مــع اململكــة‪ ،‬كمــا‬ ‫شــهدنا عندمــا أوقفــت أوروبــا مشــرياتها مــن النفــط مــن روســيا‬ ‫ب ـنـاء عــى طلــب الواليــات املتحــدة‪ .‬ال تســتطيع اململكــة العربيــة‬ ‫جـراء‪.‬‬ ‫الســعودية أن تتحمــل اتخــاذ مثــل هــذا اإل ـ‬ ‫ثالثا‪ ،‬يمكن أن تؤدي معاملة روسيا كمنافس يف سوق النفط‬ ‫إىل انخفاض أسعار النفط عن غري قصد‪ ،‬وبالتايل تقليل اإليرادات‬ ‫املالية للمملكة التي تحتاجها لتحقيق أهداف رؤية ‪.2030‬‬ ‫يُظهر التنافس املستمر بني القوى العاملية الكربى‪ ،‬وال سيما‬ ‫الواليــات املتحــدة والصــن‪ ،‬وبدرجــة أقــل روســيا إىل حــد مــا‪،‬‬ ‫مجموعــة مــن التحديــات واإلمكانيــات‪ .‬وقــد أبــدت الســعودية‬ ‫براعة بشكل ملحوظ يف االستفادة من هذه الديناميكية والحفاظ‬ ‫بشــكل فعــال عــى عالقــات إيجابيــة مــع الجهــات الفاعلــة العامليــة‬ ‫الرئيســة مــع االســتفادة القصــوى مــن ال ـفـرص املتاحــة‪ ،‬ونجحــت‬ ‫يف املنــاورة وهــي تســر بمهــارة عــر االنقســام بــن القــوى الغربيــة‬ ‫وروسيا لضمان أسعار نفط مناسبة وتعزيز عالقاتها االقتصادية‬ ‫شـرعت يف بــذل جهــود لتطويــر‬ ‫والتكنولوجيــة مــع الصــن‪ ،‬ثــم ـ‬ ‫الصناعــات العســكرية املتقدمــة‪.‬‬ ‫تهــدف “الصفقــة الكــرى” املقرتحــة مــن قبــل الواليــات املتحــدة‬ ‫يف املقام األول إىل تقليص النفوذ املتنامي للصني‪ ،‬وبدرجة أقل‪،‬‬ ‫روسيا‪ ،‬داخل منطقة الخليج‪.‬‬ ‫ولعـ ّـل امل ـيـزة األساســية للمملكــة تكمــن يف احتمــال عقدهــا‬ ‫معاهــدة د ـفـاع مــع الواليــات املتحــدة عــى ـغـرار معاهــدة حلــف‬ ‫شــمال األطلــي‪ ،‬ســوى أن هــذه امل ـيـزة قــد تــأيت عــى حســاب توتــر‬ ‫عالقاتهــا االقتصاديــة مــع العبــن عامليــن رئيســن آخريــن‪ ،‬ممــا‬ ‫عـرض أمنهــا عــى املــدى الطويــل للخطــر‪ .‬عــى ســبيل املثــال‪،‬‬ ‫قــد ي ـ‬ ‫قــد تضحــي اململكــة العربيــة الســعودية بنفوذهــا االقتصــادي مــع‬ ‫الصــن لتســتفيد منــه إ ـيـران‪.‬‬ ‫وفوق ذلك‪ ،‬قد يشوب الدخول يف اتفاقية دفاع مع الواليات‬ ‫املتحدة بعض القيود‪ ،‬فمن شبه املؤكد أن اململكة لن ُتمنح أسلحة‬ ‫متطورة عىل قدم املساواة مع ما يقدَّم إلسرائيل‪.‬‬ ‫ختاما‪ ،‬نقول إن الطريق إىل تطبيع العالقات بني السعودية‬ ‫وإسرائيل ميلء بالتحديات املعقدة‪ .‬وال ّ‬ ‫شك أن اململكة العربية‬ ‫السعودية ستدرس بعناية الفوائد املحتملة القائمة عىل مصالحها‬ ‫الخاصــة‪ ،‬بينمــا تفكــر يف الوقــت نفســه يف كيفيــة تلبيــة الطلــب‬ ‫سـرائيل‪ ،‬ويف النهايــة‪ ،‬ســتتبنى اململكــة‬ ‫األ ـمـريك للتطبيــع مــع إ ـ‬ ‫نهجــا فاحصــا ودقيقــا وحــذرا ومحســوبا تجــاه هــذا األمــر‪ ،‬دون‬ ‫التخــي عــن مراعــاة الديناميكيــات اإلقليميــة واملبــادئ الدوليــة‪.‬‬

‫‪012_AM.indd 19‬‬


‫سياسة‬

‫قصة الغالف‬

‫خمســة تحديــات‬ ‫أ ـمـام االتفــاق األ ـمـريك‪ -‬الســعودي‬

‫مع كل الضجيج حول التطبيع املحتمل بني إسرائيل واململكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬ال يزال من غري الواضح ما إذا كانت الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫الداعم والضامن الذي ال غنى عنه إلبرام مثل هذه الصفقة‪ ،‬مستعدة‬ ‫أو قادرة عىل قبول شروط اململكة لتطبيع العالقات مع إسرائيل‪.‬‬ ‫وتريد اململكة العربية السعودية من واشنطن‪ -‬مقابل تطبيعها‬ ‫مع إسرائيل‪ -‬املوافقة عىل اتفاق دفاع رسمي‪ ،‬إىل جانب املساعدة‬ ‫صـول الســريع ألســلحة‬ ‫يف ب ـنـاء برنامــج نــووي مــدين‪ ،‬فضــا عــن الو ـ‬ ‫أمريكية متطورة تشمل مقاتالت حربية من الجيل الخامس مثل‬ ‫“إف‪ .”35 -‬من وجهة نظر أمريكيني‪ ،‬تبدو هذه الطلبات باهظة‪،‬‬ ‫مما جعل الرئيس جو بايدن غري متأكد من املوافقة عليها‪.‬‬ ‫ويف مقابلة يوم ‪ 9‬يوليو‪/‬تموز املايض مع فريد زكريا‪ ،‬عىل قناة‬ ‫“يس إن إن”‪ ،‬قــال الرئيــس األ ـمـريك إزاء هــذه القضيــة إن “هــذه‬ ‫املحادثــة ســابقة ألوانهــا”‪ .‬وبعــد ـفـرة وج ـيـزة مــن ذلــك‪ ،‬لــم يغــر‬ ‫الرئيــس األ ـمـريك موقفــه يف مقابلــة أخــرى مــع تومــاس فريدمــان‬ ‫يف “نيويــورك تايمــز”‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من هذا الرتدد‪ ،‬فإن إرسال الرئيس األمرييك كبري‬

‫‪06/09/2023 15:38‬‬

‫المجلة‬

‫تداعيات‬ ‫التطبيع‬ ‫املحتمل بني‬ ‫الرياض‬ ‫وتل أبيب‬ ‫واشنطن ‪-‬‬ ‫بالل صعب‬

‫‪20‬‬

‫سـوليفان مستشــاره لألمــن‬ ‫دبلوماســييه أن ـتـوين بلينكــن‪ ،‬وجــاك ـ‬ ‫القومي‪ ،‬إىل السعودية‪ ،‬خالل األشهر األخرية (وقد تكررت زيارة‬ ‫سوليفان إىل اململكة قبل فرتة قصرية)‪ ،‬الستكشاف إمكانية إبرام‬ ‫مثل هذه الصفقة يظهر بوضوح محاولته للتوازن بني خياراته‪.‬‬ ‫ومن بني الشروط السعودية الثالثة‪ ،‬فإن شرط رفع العالقات‬ ‫األمريكية‪ -‬السعودية إىل معاهدة تحالف تشمل تلقائيا ضمانات‬ ‫أمريكيــة رســمية للســعودية‪ ،‬يعتــر أكــر الشــروط جديــة وتحديــا‬ ‫وإثارة للجدل‪ .‬وإنْ كان الشرطان اآلخران يكتسبان أهمية قصوى‪،‬‬ ‫سواء تعلقت بمساعدة السعوديني يف بناء برنامج نووي مدين‪ ،‬أو‬ ‫تزويدهم بجوهرة السالح الجوي األمرييك وأقوى مقاتلة يف العالم‪.‬‬ ‫إن ما يجعل هذين الشرطني يكتسبان أهمية أقل من الشرط‬ ‫األول هــو وجــود مســاحة للتفــاوض والتســوية بشــأنهما‪ ،‬عــى‬ ‫عكــس قضيــة اتفــاق د ـفـاع رســمي بــن البلديــن التــي ال ـتـدع مجــاال‬ ‫للتفــاوض‪ ،‬ألنهــا تتــم بصياغــة اتفــاق ثنــايئ؛ إمــا أن تكــون اململكــة‬ ‫العربية السعودية حليفا عىل أساس معاهدة رسمية مع الواليات‬ ‫املتحــدة وإمــا أنهــا ليســت كذلــك‪.‬‬

‫‪020_AM.indd 20‬‬


‫‪21‬‬

‫المجلة‬

‫تفكــر م ـتـأن‬

‫وزير الخارجية األمرييك‬ ‫أنتوين بلينكن يف الرياض‬ ‫يف يونيو ‪( 2023‬أ ف ب)‬ ‫متظاهر فلسطيني ضد‬ ‫املستوطنات اإلسرائيلية‬ ‫قرب نابلس يف ‪18‬‬ ‫أغسطس ‪( 2023‬غيتي)‬

‫‪06/09/2023 15:38‬‬

‫قبل مناقشة املوقف األمرييك املعقد بشأن هذه املقايضة اسمحوا‬ ‫يل أوال أن أشرح بإيجاز سبب حرص اململكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫صـول عــى رادع رســمي أ ـمـريك شــامل‪ .‬وهــذه‬ ‫يف رأيــي‪ ،‬عــى الح ـ‬ ‫النقطــة بالتحديــد هــي املفتــاح لفهــم ســبب غيــاب مســاحة ك ـبـرة‬ ‫للمناورة لدى املسؤولني السعوديني مما جعل تنازلهم عن هذه‬ ‫خـرة‬ ‫املســألة مســتحيال تقريبــا‪ .‬فعــى مــدى الســنوات القليلــة األ ـ‬ ‫تابعنا أفكارا جريئة وخططا طموحة لويل العهد السعودي األمري‬ ‫محمــد بــن ســلمان‪ .‬إن رفــض واشــنطن مطالــب الســعودية يعنــي‬ ‫اعتبارها تكتيكا تفاوضيا آخر‪ ،‬أو محاولة للتغلب عىل ما حققته‬ ‫أبوظبي واملنامة اللتان طبعتا العالقات مع إسرائيل يف العام ‪2020‬‬ ‫وحصلتــا عــى وعــود بتعزيــز التعــاون األمنــي األ ـمـريك‪ .‬ولكننــي ال‬ ‫صـول‬ ‫أعتقــد أن الريــاض تحــاول إظهــار مهــارة يف التفــاوض أو الح ـ‬ ‫متأن يف طلب السعودية‪.‬‬ ‫عىل صفقة أفضل‪ .‬هناك منطق وتفكري‬ ‫ٍ‬ ‫سـرائيل‪،‬‬ ‫تــدرك الريــاض معنــى القيــام بتطبيــع العالقــات مــع إ ـ‬ ‫وتبعــات ذلــك عــى االتفــاق الدبلومــايس األخــر مــع إ ـيـران الــذي‬ ‫حافــظ عــى هــدوء الخصمــن اللدوديــن‪ .‬ويف الواقــع ويف اللحظــة‬ ‫التي تقوم فيها اململكة باحتضان إسرائيل رسميا ستحاول إيران‬ ‫منافســة الســعودية زعيــم العالــم اإلســامي واســتهدافها‪.‬‬ ‫إن خــادم الحرمــن الشــريفني ال يعــد فحســب املســؤول عــن‬ ‫حماية وصيانة أقدس موقعني إسالميني هما مكة واملدينة‪ ،‬بل‬ ‫إنه أكرب الساهرين عىل مصري القدس أيضا‪ .‬والقدس هي موقع‬ ‫املســجد األقــى ثالــث أقــدس املواقــع اإلســامية وحجــر الزاويــة‬ ‫سـرائييل فلســطيني‪ ،‬وموقــع يحمــل أهميــة‬ ‫يف أي اتفــاق ســام إ ـ‬ ‫دينيــة عميقــة للمجتمــع الســعودي وجميــع املســلمني يف العالــم‪.‬‬ ‫ومن هنا فإن إصرار املسؤولني السعوديني عىل أن التطبيع لن‬ ‫يحدث إال بعد قيام دولة فلسطينية‪ ،‬أو عىل األقل ضمان عملية‬ ‫صـرار صــادق تمامــا وليــس‬ ‫فعالــة تفــي لنشــوء تلــك الدولــة‪ ،‬هــو إ ـ‬ ‫جـاء تصريــح وزيــر الخارجيــة‬ ‫مجــرد حديــث عــن القضيــة‪ .‬ومــن هنــا ـ‬ ‫الســعودي األمــر فيصــل بــن فرحــان يف يناير‪/‬كانــون الثــاين ‪2023‬‬ ‫حيــث قــال فيــه‪« :‬التطبيــع الحقيقــي واالســتقرار الحقيقــي لــن‬ ‫يتحققا إال من خالل منح الفلسطينيني األمل‪ ،‬ومنحهم الكرامة»‪.‬‬ ‫سـرائيل‬ ‫ال يمكــن للســعوديني املــي يف صفقــة تطبيــع مــع إ ـ‬ ‫عــى ـغـرار اإلمــارات والبحريــن ملجــرد تعليــق أو تجميــد االســتيطان‬ ‫سـرائييل يف الضفــة الغربيــة وغــور األردن أو وادي األردن‪.‬‬ ‫اإل ـ‬

‫سياسة‬

‫االتفاقــات اإلبراهيميــة‬ ‫هي اتفاقات وقعتها‬ ‫إسرائيل مع اإلمارات‬ ‫العربية المتحدة‬ ‫ومملكة البحرين‪،‬‬ ‫في سبتمبر‪/‬أيلول‬ ‫‪ ،2020‬في البيت‬ ‫األبيض برعاية‬ ‫وحضور الرئيس‬ ‫األميركي السابق‬ ‫دونالــد ترمب‪ ،‬لتطبيع‬ ‫العالقات‪ ،‬تبعها‬ ‫استئناف العالقات‬ ‫مع المغرب‪،‬‬ ‫وتوقيع إعالن عن‬ ‫قرار بالتطبيع مع‬ ‫السودان‪.‬‬ ‫وحالت الحرب‬ ‫الدائرة اآلن في‬ ‫السودان بين‬ ‫الجيش و”قوات‬ ‫الدعم السريع”‬ ‫دون انضمام‬ ‫السودان رسميا إلى‬ ‫االتفاقات التي عرفت‬ ‫باسم “االتفاقات‬ ‫اإلبراهيمية” أو‬ ‫“اتفاقات أبراهام”‪.‬‬ ‫وصف ترمب تلك‬ ‫الخطوة آنذاك بأنها‬ ‫“لحظة تاريخية‬ ‫فارقة”‪ ،‬بعد أن‬ ‫أقامت اإلمارات‬ ‫وإسرائيل عالقات‬ ‫دبلوماسية كاملة‪،‬‬ ‫مهدت الطريق‬ ‫أمام تعزيز التعاون‬ ‫الثنائي في مجاالت‬ ‫متعددة‪ ،‬على‬ ‫رأسها التكنولوجيا‬ ‫واالتصاالت والطيران‬ ‫المدني والرعاية‬ ‫الصحية والسياحة‪.‬‬ ‫ونقلت وسائل‬ ‫إعالم عربية‬ ‫وإسرائيلية عن‬ ‫مسؤولين في‬ ‫البلدان التي طبعت‬ ‫العالقات مع‬ ‫إسرائيل قولهم إن‬ ‫وقت السالم في‬ ‫الشرق األوسط مع‬ ‫إسرائيل قد حان‪،‬‬ ‫وإن تلك الخطوة‬ ‫تعد بمثابة اختراق‬ ‫جيوسياســي كبير‪ ،‬غير‬ ‫التوازن الدبلوماسي‬ ‫في المنطقة‪.‬‬ ‫ويقول مراقبون إن‬ ‫االتفاقات جاءت في‬ ‫الوقت الذي تنسحب‬ ‫فيه الواليات المتحدة‬ ‫من الشرق األوسط‬

‫بسبب سباقها مع‬ ‫الصين على الريادة‪.‬‬ ‫وحرصت إدارة‬ ‫جو بايدن أيضا على‬ ‫تعزيز تلك االتفاقات‬ ‫وتوسيعها لتشمل‬ ‫دوال عربية أخرى‪.‬‬ ‫ولكن بدأت الدول‬ ‫الموقعة تخفيف‬ ‫تقاربها بعد أن تولت‬ ‫الحكومة اإلسرائيلية‬ ‫الحالية مقاليد الحكم‬ ‫في ديسمبر‪/‬كانون‬ ‫األول الماضي‪،‬‬ ‫بسبب استفزازات‬ ‫اليمين المتطرف في‬ ‫إسرائيل؛ فالحكومة‬ ‫الحالية‪ ،‬التي يرأسها‬ ‫بنيامين نتنياهو‪ ،‬وهو‬ ‫الذي وقع “االتفاقات‬ ‫اإلبراهيمية” عن‬ ‫دولته‪ ،‬هي األكثر‬ ‫يمينية في تاريخ‬ ‫إسرائيل‪ ،‬إذ تتألف‬ ‫من وزراء متطرفين‪،‬‬ ‫من بينهم وزير‬ ‫المالية بتسلئيل‬ ‫سموتريتش‪ ،‬الذي‬ ‫وصف الفلسطينيين‬ ‫مؤخرا بأنهم “اختراع”‪،‬‬ ‫فيما ازدادت وتيرة‬ ‫اقتحامات المسجد‬ ‫األقصى من‬ ‫قبل مستوطنين‬ ‫متطرفين في األشهر‬ ‫األخيرة‪.‬‬ ‫وفي يونيو‪/‬‬ ‫حزيران‪ ،‬أعلن المغرب‬ ‫رسميا إرجاء قمة‬ ‫للدول الموقعة‬ ‫على “االتفاقات‬ ‫اإلبراهيمية”‪.‬‬ ‫وقال وزير الشؤون‬ ‫الخارجية والتعاون‬ ‫األفريقي والمغاربة‬ ‫المقيمين بالخارج‪،‬‬ ‫ناصر بوريطة‪ ،‬إن‬ ‫المغرب مستعد‬ ‫الستضافة النسخة‬ ‫الثانية من “منتدى‬ ‫النقب” خالل الفترة‬ ‫المقبلة‪.‬‬ ‫وحضر االجتماع‬ ‫األول في مارس‪/‬‬ ‫آذار من العام‬ ‫الماضي‪ ،‬في صحراء‬ ‫النقب‪ ،‬وزير الخارجية‬ ‫اإلسرائيلي ونظراؤه‬ ‫من البحرين ومصر‬ ‫واإلمارات العربية‬ ‫المتحدة‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى المغرب‪.‬‬

‫‪020_AM.indd 21‬‬


‫سياسة‬

‫الــدور واألمــن‬

‫السعوديون يحتاجون إىل يشء أكرث أهمية‪ ،‬بسبب‬ ‫أهمية دورهم وأولوية أمنهم‪ .‬فإذا كانت الصداقة‬ ‫بني اململكة والواليات املتحدة أمرا سيئا من وجهة‬ ‫سـرائيل ســيكون أســوأ‬ ‫نظــر إ ـيـران فــإن اال ـعـراف بإ ـ‬ ‫سـرائيل‬ ‫لهــا بكثــر مــن دون شــك‪ .‬ال تعــرف إ ـيـران بإ ـ‬ ‫عـرب ـمـرارا عــن رغبتهــا يف محوهــا‬ ‫فحســب‪ ،‬بــل ت ـ‬ ‫حـرب ظــل ضــد‬ ‫مــن الخريطــة‪ .‬وتخــوض الدولتــان ـ‬ ‫بعضهمــا عــى مــدى الســنوات الســبع املاضيــة‪ .‬ويف‬ ‫العام املايض أفادت األنباء بتنفيذ الجيش اإلسرائييل‬ ‫أكرث من ‪ 400‬غارة جوية يف سوريا وأجزاء أخرى من‬ ‫الشرق األوسط ضد أهداف تابعة إليران وحلفائها‪.‬‬ ‫صـول عــى حمايــة أمريكيــة‬ ‫إن الســعي يف الح ـ‬ ‫مــن العــدوان اإل ـيـراين أمــر بالــغ األهميــة بالنســبة‬ ‫للســعوديني‪ ،‬لكــن هــل واشــنطن مســتعدة لق ـبـول‬ ‫طلــب الريــاض الرئيــس هــذا؟‬ ‫سياسيا يبدو أن بايدن يتمتع بهامش للتحرك‬ ‫لقبول الشرط السعودي نظرا الستعداد خصومه‬ ‫الجمهوريني عىل بذل أشياء كبرية تدفع بالتطبيع‬ ‫اإلسرائييل‪ -‬السعودي‪ .‬ولكني ال أعرف ما إذا كان‬ ‫ذلك كافيا للحصول عىل الثلثني يف مجلس الشيوخ‬ ‫األ ـمـريك‪ ،‬وهــي أغلبيــة واجبــة للمصادقــة عــى أيــة‬ ‫معاهدة دفاعية مع دولة أجنبية‪ .‬ولكن إذا وضعنا‬ ‫جانبــا السيا ســة الداخليــة األمريكيــة‪ ،‬وإمكانيــة‬ ‫سـرائيل ال تهتــم‬ ‫التعــاون مــع حكومــة يمينيــة يف إ ـ‬ ‫بحقوق الفلسطينيني أو مع إدارة أمريكية‪ ،‬ما هدد‬ ‫ذات يوم بجعل السعودية «مبنوذة»‪ ،‬اسمحوا يل‬ ‫سـراتيجية العميقــة إل ـبـرام‬ ‫بمعالجــة التحديــات اال ـ‬ ‫معاهــدة تحالــف بــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫واململكــة العربيــة الســعودية‪ .‬وهــي تحديــات عالقــة‬ ‫يف أذهان وزارة الدفاع (البنتاغون) ومجلس األمن‬ ‫القومــي األ ـمـريك معــا‪.‬‬ ‫لقــد ف ـكـرت إدارة با يــدن يف جميــع تداعيــات‬ ‫معاهــدة د ـفـاع مــع الســعودية بمــا يف ذلــك ق ـبـول‬ ‫املخاطــر وإدارة التكاليــف‪ ،‬أو الخشــية مــن تلــك‬ ‫املخاطــر والتكاليــف وامليــل نحــو ـقـول «ال» للريــاض‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن كل ذلك فإنه من الجيد معرفة‬ ‫ما الذي جعل واشنطن تتغلب عىل كل ذلك‪ ،‬وما‬ ‫يتعــن عليهــا التعامــل معــه‪.‬‬

‫المجلة‬

‫خمســة تحديــات‬ ‫إن إبرام معاهدة دفاع مشترك بين‬ ‫الواليات المتحدة والمملكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬على غرار ما تلتزم به الواليات‬ ‫المتحدة مع أعضاء حلف شمال‬ ‫األطلسي (الناتو) وكوريا الجنوبية واليابان‬ ‫وأستراليا‪ ...‬إلخ‪ ،‬ستشكل وفقا لبنودها‬ ‫التزاما مهما للغاية من جانبها ال يجب‬ ‫قط االستخفاف به‪ .‬ولذلك فإن هناك‬ ‫مخاطر ومخاوف محددة قد تصحب اتفاق‬ ‫الدفاع األميركي‪ -‬السعودي‪ ،‬ينبغي النظر‬ ‫فيها بجدية ومعالجتها‪:‬‬ ‫‪ ‬أهم األولويات الجيوسياسية‬ ‫األميركية في الوقت الراهن هي مواجهة‬ ‫التحدي الصيني في منطقة المحيطين‬ ‫الهندي والهادئ‪ ،‬ومواجهة روسيا في‬ ‫أوكرانيا‪ .‬وستعني معاهدة دفاع مع‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬مهما‬ ‫كانت محدودة‪ ،‬أخذ األصول األميركية‬ ‫العسكرية والدبلوماسية الثمينة من‬ ‫تلك المسارح ذات األولوية والزج بها في‬ ‫الشرق األوسط‪ .‬وهو ما قد يتعارض‬ ‫كليا مع استراتيجية األمن القومي‬

‫‪22‬‬ ‫والدفاع الوطني‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫تداول مثل هذا االتفاق في أجهزة الدولة‬ ‫األميركية خاصة النظام البيروقراطي‬ ‫في البنتاغون الشبيه بالمتاهة سيكون‬ ‫عملية صعبة وطويلة للغاية‪.‬‬ ‫‪ ‬في حال تجنبت إيران العمل‬ ‫العسكري المباشر ضد المملكة العربية‬ ‫السعودية (برادع من معاهدة أميركية‬ ‫سعودية) واستمرت بدل ذلك في‬ ‫النشاط بالمنطقة الرمادية وصعدت من‬ ‫أنشطتها المزعزعة الستقرار المملكة‬ ‫عن طريق وكالئها اإلقليميين‪ ،‬فعند ذلك‬ ‫كيف سترد واشنطن؟ وبعبارة أخرى إذا ما‬ ‫ُخرقت الهدنة بين المملكة و“الحوثيين”‬ ‫الموالين إليران (لرفض إيران أي تطبيع‬ ‫سعودي إسرائيلي محتمل) وهوجمت‬ ‫األهداف المدنية السعودية مرة أخرى‬ ‫من قبلهم بالصواريخ البالستية اإليرانية‪،‬‬ ‫هل سيستوجب ذلك ويحرض على رد‬ ‫عسكري أميركي على إيران والحوثيين؟‬ ‫وعلى نطاق أوسع‪ ،‬هل الواليات المتحدة‬ ‫األميركية مستعدة لخوض حرب ضد‬ ‫إيران من أجل السعودية؟ لن يكون‬ ‫لواشنطن إجابات سهلة لهذه األسئلة‪،‬‬ ‫على عكس مطالبة الرياض بتقديم‬ ‫إجابات عنها‪.‬‬

‫طائرات حربية أمريكية (علمي)‬

‫يبدو أن بايدن يتمتع بهامش‬ ‫للتحرك لقبول الشرط‬ ‫السعودي نظرا الستعداد‬ ‫خصومه الجمهوريين لبذل‬ ‫أشياء كبيرة تدفع بالتطبيع‬ ‫اإلسرائيلي‪ -‬السعودي‬

‫‪06/09/2023 15:38‬‬

‫‪020_AM.indd 22‬‬


‫‪23‬‬

‫‪ ‬ثالثا‪ ،‬يمكن التفاق دفاعي أن يعمق‬ ‫االعتماد األمني للمملكة العربية‬ ‫السعودية على واشنطن ويعرقل‬ ‫اإلصالحات الدفاعية الضرورية‪ .‬وتتمثل‬ ‫إحدى رغبات واشنطن فيما يتعلق‬ ‫بشركائها اإلقليميين العرب في بناء‬ ‫قدراتهم العسكرية الخاصة حتى يتمكنوا‬ ‫من حماية أنفسهم بشكل أفضل‬ ‫ومشاركة عبء األمن اإلقليمي‪ .‬من‬ ‫المحتمل‪ ،‬وإن لم يكن حتميا‪ ،‬أن تؤخر‬ ‫معاهدة دفاع مع واشنطن هذا االتجاه‪.‬‬ ‫‪ ‬رابعا‪ ،‬قد يؤدي إنشاء معاهدة دفاع‬ ‫مع المملكة العربية السعودية إلى‬ ‫تعطيل العالقات األمنية الحالية مع‬ ‫العبين رئيسين مثل إسرائيل ومصر‬ ‫واإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬إذ سيكون‬ ‫على واشنطن أن تبرر قرارها باستبعاد‬ ‫هؤالء الشركاء اإلقليميين القدامى من‬ ‫مثل هذا الترتيب‪ .‬بل ويمكن أن يمتد‬ ‫ذلك إلى دول مثل تايوان وأوكرانيا‪.‬‬ ‫ولئن كان بوسع واشنطن أن تقوم‬ ‫بالفعل عينه معها فتقدم لها التزامات‬ ‫أمنية مماثلة لهم‪ ،‬إال أنها ستكون في‬ ‫مخاطرة باإلفراط في توسيع الوجود‬ ‫العسكري األميركي في المنطقة‪ ،‬وفي‬ ‫العالم‪ .‬وفوق ذلك‪ ،‬سيتسبب رفع عدد‬

‫المجلة‬

‫اتفاقات الدفاع المشترك بظهور نقاط‬ ‫ضعف أمنية أكبر للواليات المتحدة‪ .‬من‬ ‫الناحية المنطقية‪ ،‬يمكن لعدد أكبر من‬ ‫األطراف المشاركة في معاهدة دفاع‬ ‫أن يثير احتمال نشوب نزاعات ثنائية‬ ‫مسلحة‪ ،‬ليس فقط مع إيران ولكن‬ ‫أيضا مع خصوم آخرين‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يتعين‬ ‫على الواليات المتحدة ليس فقط إدارة‬ ‫التوترات بين المملكة العربية السعودية‬ ‫وإيران‪ ،‬ولكن أيضا التعامل مع النزاعات‬ ‫المحتملة بين إيران ومصر وإسرائيل‬ ‫واإلمارات العربية المتحدة‪ .‬وخالصة‬ ‫القول إن االلتزامات والتعقيدات األمنية‬ ‫لواشنطن سوف تتعاظم إلى حد كبير‪.‬‬ ‫‪ ‬خامسا‪ ،‬هناك عيب محتمل في اتفاق‬ ‫الدفاع‪ ،‬ألنه قد يسمح لطهران‪ ،‬عن غير‬ ‫قصد‪ ،‬بتسريع سعيها المتالك القدرات‬ ‫النووية‪ ،‬إذ يمكن أن ترى إيران أن الطريقة‬ ‫المثلى لضمان بقاء نظامها وحماية‬ ‫نفسها من التهديدات الخارجية المتخيلة‬ ‫هي إعطاء األولوية لمسار نووي عسكري‪.‬‬ ‫وسيكون من شأن هذا السيناريو زعزعة‬ ‫األمن اإلقليمي بشكل ملحوظ وتقويض‬ ‫االستقرار االستراتيجي العالمي وإحباط‬ ‫أي جهود من قبل الواليات المتحدة لمنع‬ ‫سباق تسلح نووي في المنطقة‪.‬‬

‫سياسة‬

‫الرئيس األمرييك جو بايدن‬ ‫يف قمة الناتو يف يوليو ‪2023‬‬ ‫(أ ف ب)‬

‫بدائــل فعالــة‬

‫ومــع أن هــذه التحديــات ليســت مســتعصية عــى‬ ‫الحل‪ ،‬فإنني ال أزال أرى أن ليس ثمة ما يربر عقد‬ ‫معاهدة دفاع رسمية بني الواليات املتحدة واململكة‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬وال سيما أن هنالك بدائل أكرث‬ ‫فاعلية‪ ،‬وقد درس ُتها بدقة‪ ،‬لتعزيز العالقات األمنية‬ ‫بني البلدين‪ .‬والحق أن املطلوب ليس تحالفا رسميا‬ ‫محكومــا بمعاهــدة‪ ،‬بــل باألحــرى مشــاركة أمريكيــة‬ ‫قوية يف مبادرات اإلصالح‪ .‬وقد يستلزم هذا السبيل‬ ‫تعزيز اسرتاتيجية أمنيةأكرث تنسيقا تتضمن تخطيط‬ ‫شـرك بــن الواليــات املتحــدة والســعودية‬ ‫طــوارئ م ـ‬ ‫واستثمارات يف تعزيز القدرات املؤسسية‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يمكن أن يكون إلدارة بايدن وجهة‬ ‫نظــر مختلفــة‪ ،‬فــإذا كان الحــال كذلــك‪ ،‬واختــارت‬ ‫اإلدارة إقامة ترتيب رادع رسمي مع اململكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬فإنني آمل أن يتم اتخاذ هذا القرار بعد‬ ‫دراسة متأنية لجميع التكاليف والفوائد املرتبطة به‪.‬‬ ‫واألهم من ذلك‪ ،‬ينبغي التخطيط الدقيق واإلعداد‬ ‫املسبق ملواجهة أسوأ السيناريوهات املحتملة‪ ،‬والتي‬ ‫سيكون بروزها مؤكدا‪.‬‬

‫‪06/09/2023 15:38‬‬

‫‪020_AM.indd 23‬‬


‫سياسة‬

‫قصة الغالف‬

‫ســبعة أمــور‬ ‫لتضعهــا‬ ‫الرياض‬ ‫يف الحســبان‬

‫‪24‬‬

‫المجلة‬

‫خالل املحادثات مع واشنطن‬ ‫واشنطن ‪ -‬بريان كاتيوليس‬

‫‪1‬‬

‫األخبار التي تفيد بأن اململكة العربية السعودية وإسرائيل‬ ‫تجريــان محادثــات إلقامــة عالقــات دبلوماســية رســمية هــذا‬ ‫العــام هــي األحــدث يف سلســلة مــن املحادثــات الهادئــة عــى‬ ‫جـرت البلديــن عــى‬ ‫مــدى الســنوات القليلــة املاضيــة التــي أ ـ‬ ‫البحــث عــن ســبل للتطبيــع‪.‬‬ ‫مثــل هــذه االتفـ ــاقية س ـ ــتغري قواعــد اللعب ــة يف املنطقــة‪،‬‬ ‫ومــن الجيـ ــد دائمــا أن ت ـ ــرى الواليــات ال ــمتحدة تحـ ــاول‬ ‫الـ ـت ــعامل مـ ــع املنط ـق ــة بعـ ــد سـ ــنوات م ـ ــن الح ــديث عــن‬ ‫جـزاء أخــرى مــن العـ ــالم أو إع ـط ــاء األول ــوية‬ ‫االنتقـ ــال إىل أ ـ‬ ‫لقض ــايا أخــرى‪.‬‬ ‫للمملكة العربية السعودية يد قوية يف هذه املناقشات‪،‬‬ ‫سـرائيل وزعيمهــا الحــايل رئيــس‬ ‫ويرجــع ذلــك جزئيــا إىل أن إ ـ‬ ‫الــوزراء بنيامــن نتني ـ ــاهو ق ـ ــاال إنه ـ ــما يـ ــريدان م ــثل هــذا‬ ‫االنفتاح بشـ ــدة‪ .‬هناك الكثري من القضايا املعقدة املعنية‪،‬‬ ‫وإذا كانــت هــذه الصفقــة املحتملــة عبــارة عــن وجبــة‪ ،‬فيبــدو‬ ‫طـراف يف املراحــل األوىل فقــط مــن جمــع املكونــات قبــل‬ ‫أن األ ـ‬ ‫البــدء يف خلطهــا ثــم طبخهــا يف النهايــة‪ .‬بالنظــر إىل جميــع‬ ‫املكونات والخطوات املعنية‪ ،‬قد تستغرق هذه الصفقة وقتا‬ ‫طـول بكثــر للطهــي ممــا يتوقعــه بعــض املراقبــن‪.‬‬ ‫أ ـ‬ ‫لكن الكثري من األشــياء غري املتوقعة‪ ،‬يمكن أن تحدث‬ ‫يف إطـ ــار زم ــني أق ـ ــصر هــذه األيــام كمــا رأينــا يف وقــت ســابق‬ ‫من هذا العام مع الصفقة التي توسطت فيها الصني بني‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية وإ ـيـران‪.‬‬ ‫وف ـي ـم ــا يـل ــي س ـبـع ــة أش ـيـ ــاء يــمك ــن للمملك ــة العربي ــة‬ ‫الســعودية أن تضعهــا يف االعتبــار‪:‬‬

‫‪06/09/2023 15:42‬‬

‫الوقت إلى جانبك‬

‫من الواضح أن البعض يف كل من‬ ‫أمريكا وإسرائيل لديهم تقويمات‬ ‫مصطنعة يف أذهانهم عندما‬ ‫يتعلق األمر بالتوصل إىل اتفاق‪.‬‬ ‫ال داعي للقلق بشأن االنتخابات‪،‬‬ ‫قد يبدو هذا اإللحاح محريا بعض‬ ‫اليشء داخل السعودية‪ .‬ولكن‬ ‫كما يقول املثل‪ ،‬لديك الوقت بينما‬ ‫لديهم الساعات‪ .‬إذا كنت تفكر‬ ‫يف اهتماماتك الخاصة‪ ،‬فال داعي‬ ‫حقا للتسرع يف توقيت ذلك‪ .‬هل‬ ‫تتذكر كيف ضغط عليك فريق‬ ‫ترمب للتوصل إىل اتفاق واالنضمام‬ ‫إىل اتفاقات السالم اإلبراهيمي يف‬ ‫سبتمرب‪/‬أيلول ‪2020‬؟ لقد اتخذت‬ ‫القرار الصحيح ألن التوقيت لم‬ ‫يكن مناسبا‪ .‬هل تذكرون كيف‬ ‫ردت إسرائيل عندما طرحتم‬ ‫مبادرة السالم العربية قبل أكرث‬ ‫من عشرين عاما؟ كان الصمت‬ ‫يصم اآلذان‪ .‬أثناء مشاركتك يف هذه‬ ‫املناقشات‪ ،‬فإن اللحن الجيد للعزف‬ ‫هو كالسييك عام ‪ 1964‬لرولينغ‬ ‫ستونز‪“ ،‬الوقت إىل جانبي”‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫أنت الالعب األكبر‬ ‫في هذه المناقشات‬

‫أنت الالعب األكرب يف هذه‬ ‫املناقشات‪ .‬إن حجم اقتصادكم‬ ‫ضعف حجم اقتصاد إسرائيل‪،‬‬ ‫ولديك ما يقرب من أربعة أضعاف‬ ‫عدد السكان‪ .‬ال تزال العبا مركزيا‬ ‫يف أسواق الطاقة العاملية‪ ،‬وكعضو‬ ‫يف “مجموعة العشرين” مع الكثري‬ ‫من السيولة يف متناول اليد‪ ،‬يبحث‬ ‫الكثريون حول العالم عن طرق‬ ‫لالستفادة من التحوالت االقتصادية‬ ‫واالجتماعية الجارية يف بلدك‪.‬‬ ‫تلعب إسرائيل دورا مهما يف‬ ‫املنطقة والعالم‪ ،‬ولديها كثري من‬ ‫األشياء منها‪ :‬مؤسسة عسكرية‬ ‫واستخباراتية قوية وقادرة‪ ،‬واقتصاد‬ ‫نابض بالحياة مع جميع أنواع‬ ‫القدرات التكنولوجية الفريدة‪،‬‬ ‫من بني أمور أخرى‪ .‬هي مليئة‬ ‫باالنقسامات الداخلية هذه األيام‪.‬‬ ‫ال يبدو أنها تتخذ قرارها بشأن‬ ‫بعض األسئلة الوجودية املهمة‬ ‫وكيفية حلها‪ ،‬وباملعنى الحقيقي‪،‬‬ ‫الوقت ليس يف صالح إسرائيل‪.‬‬

‫‪024_AM.indd 24‬‬


‫‪25‬‬

‫دونالد ترمب‬ ‫وبنيامني نتنياهو‬ ‫يف متحف إسرائيل‬ ‫يف القدس‬ ‫يف ‪ 23‬مايو ‪2017‬‬ ‫(غيتي)‬

‫عناصر من “حزب الله”‬ ‫يف عرض عسكري‬ ‫يف بريوت يف ‪ 14‬أبريل‬ ‫‪( 2023‬غيتي)‬

‫عناصر من الشرطة‬ ‫اإلسرائيلية تزيح محتجا‬ ‫من اليهود األرثوذكس‬ ‫ضد التجنيد اإلجباري‬ ‫يف ‪ 29‬سبتمرب ‪2022‬‬ ‫(أ ف ب)‬

‫‪06/09/2023 15:42‬‬

‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫دور الشعب‬ ‫الفلسطيني محوري‬ ‫لتحقيق سالم دائم‬

‫التفسيرات المتطرفة‬ ‫والمتشددة للدين‬ ‫تأتي وتذهب‪ ،‬وكذلك‬ ‫مظاهرها في النظام‬ ‫السياسي للبلد‬

‫حاولت االتفاقات السابقة مع مصر‬ ‫واألردن رفع أهمية الفلسطينيني‬ ‫لكنها فشلت يف نهاية املطاف‪،‬‬ ‫وتوقفت عملية أوسلو التي بدأت‬ ‫قبل ما يقرب من ‪ 30‬عاما ألسباب‬ ‫عديدة‪ .‬تم عقد اتفاقات “السالم‬ ‫اإلبراهيمي” األخرية مع اإلمارات‬ ‫والبحرين واملغرب يف الغالب مثل‬ ‫طريق يف الضفة الغربية يلتف‬ ‫عىل املراكز السكانية الفلسطينية‬ ‫ويذهب مباشرة إىل املستوطنات‬ ‫اإلسرائيلية‪ .‬هناك كثري من‬ ‫األسباب التي تجعل التوترات‬ ‫اإلسرائيلية‪ -‬الفلسطينية مرتفعة‪،‬‬ ‫وجزء رئيس منها هو عدم وجود‬ ‫حل عادل يشمل مصالح الشعب‬ ‫الفلسطيني‪ .‬ويدرك كثري من‬ ‫الناس‪ ،‬بمن فيهم يف السعودية‬ ‫الذين خدموا يف مناصب مهمة‬ ‫يف املايض‪ ،‬كم هو محبط التعامل‬ ‫مع القيادة الفلسطينية الحالية‬ ‫ويدرك الفلسطينيون أنفسهم‬ ‫مدى ضغف ورتابة قيادتهم‪.‬‬ ‫لك ــن هذا ليــس ســببا للقب ــول بأي‬ ‫شـ ــيء أقل مما ت ــريده وتحت ــاج‬ ‫إلــى الحص ــول عليه يف امل ــفاوضات‪.‬‬ ‫مــن األفض ــل بكثري الحصول عىل‬ ‫صفق ــة كــاملة بدال من مجرد‬ ‫الحد األدىن‪ ،‬مثل منع إجراء‬ ‫سلبي ال ينبغي أن يح ــدث عىل أي‬ ‫حــال مثــل ض ــم إسـ ــرائيل املحتمــل‬ ‫للضفــة الغربية‪.‬‬ ‫ويواصل كبار املسؤولني‬ ‫السعوديني إعادة التأكيد‬ ‫عىل املبادئ األساسية لـمبادرة‬ ‫السالم العربية‪ ،‬التي تتصور‬ ‫حل الدولتني‪ ،‬وقد صرح وزير‬ ‫الخارجية األمري فيصل بن فرحان‬ ‫مؤخرا بأن “أي سالم مع إسرائيل‬ ‫يجب أن يشمل الفلسطينيني‬ ‫ألنه دون معالجة قضية الدولة‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬لن يكون لدينا سالم‬ ‫واقعي وحقيقي يف املنطقة”‪.‬‬ ‫ال تنسوا هذا املوقف كما فعلت‬ ‫دول أخرى يف صفقات السالم‪.‬‬

‫سـرائيل حاليــا ب ـفـرة مــن‬ ‫تمــر إ ـ‬ ‫عــدم اليقــن الشــديد يف سياســتها‬ ‫الداخليــة‪ ،‬عــى أقــل تقديــر‪،‬‬ ‫وهنــاك أصــوات يف الحكومــة‬ ‫الحاليــة يجدهــا كثــر مــن‬ ‫سـرائيليني واليهــود يف جميــع‬ ‫اإل ـ‬ ‫حـاء العالــم مســيئة ألنهــم‬ ‫أن ـ‬ ‫متشــددون وخــارج التيــار الرئيــس‪.‬‬ ‫لكــن هــذه اآلراء املتطرفــة يف بعــض‬ ‫األحيــان لديهــا طريقــة لحــرق‬ ‫نفســها مــن حيــث األهميــة‪ .‬ال ـيـزال‬ ‫مــن غــر الواضــح إىل أي اتجــاه‬ ‫سـرائييل‪ ،‬لكــن‬ ‫ســيتجه املجتمــع اإل ـ‬ ‫حقيقــة أن اآلالف واآلالف مــن‬ ‫سـرائيليني ســوف يســتخدمون‬ ‫اإل ـ‬ ‫حـركات‬ ‫حرياتهــم ملعارضــة ت ـ‬ ‫الحكومــة الحاليــة علنــا هــي عالمــة‬ ‫أمــل يف أن األمــور يمكــن أن تتغــر‬ ‫لألفضــل مــع مجموعــة أكــر تطلعــا‬ ‫سـرائيل‪.‬‬ ‫مــن القــادة يف إ ـ‬

‫‪5‬‬

‫من المرجح أن يعارض‬ ‫النظام الحالي في إيران‪،‬‬ ‫وشبكته الرجعية‬ ‫من الحلفاء مثل‬ ‫“حزب هللا” والجماعات‬ ‫اإلرهابية‪ ،‬أي تحرك‬ ‫إلى األمام‬

‫إذا كان هناك تقدم يف املحادثات‬ ‫مع إسرائيل‪ ،‬حتى (أو خاصة) إذا‬ ‫أخذت النقطة ‪ 3‬أعاله يف االعتبار‬ ‫بشكل كامل‪ ،‬فستكون هناك‬ ‫عناصر يف املنطقة تستهدفك‬ ‫بالعنف أو من خالل االنتقادات‬ ‫اإلعالمية‪ .‬طاملا أنك تربم صفقة‬ ‫تطلعية وشاملة‪ ،‬تجاهل‬ ‫الضوضاء القادمة من أولئك‬ ‫العالقني يف املايض‪ .‬هل قرأت‬ ‫وثيقة رؤية ‪ 2030‬التي كتبها‬ ‫النظام اإليراين؟ ال‪ ،‬لم تفعل‬ ‫ذلك‪ ،‬ألنها لم تدوّن‪.‬‬

‫‪024_AM.indd 25‬‬


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫‪6‬‬

‫‪7‬‬

‫تعتبر أميركا األكثر‬ ‫أهمية في هذا السياق‬ ‫وبالنسبة للقضايا‬ ‫الكبيرة التي تؤثر‬ ‫على المنطقة مقارنة‬ ‫بالصين وروسيا‬

‫سيتم استخدام بلدك‬ ‫ككيس مالكمة في‬ ‫السياسة األميركية‬ ‫مهما حدث‬

‫عىل الرغم من كل تقلبات‬ ‫السياسة األمريكية وجميع األخطاء‬ ‫غري القابلة للتعويض التي ارتكبها‬ ‫القادة عىل جانبي االنقسامات‬ ‫الحزبية األمريكية‪ ،‬تظل البالد‬ ‫الدولة األكرث نفوذا وقوة يف املنطقة‬ ‫والعالم عىل الجبهتني العسكرية‬ ‫واالقتصادية‪ .‬تفتقر الصني وروسيا‬ ‫إىل عمق وتنوع العالقات التي‬ ‫تربط الواليات املتحدة يف املنطقة‪،‬‬ ‫وستستمر الدول األوروبية يف لعب‬ ‫دور ثانوي يف معظم امللفات يف‬ ‫الشرق األوسط‪.‬‬ ‫تعتمد حكومات املنطقة عىل‬ ‫القوة العسكرية الفريدة للواليات‬ ‫املتحدة يف مجاالت األمن والدفاع‪،‬‬ ‫إذ ال توجد أي قوة خارجية أخرى‬ ‫تستطيع لعب هذا الدور الفريد‪.‬‬ ‫وهذا مفيد ّ‬ ‫لكل من الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية ودول الشرق‬ ‫األوسط التي تواجه تهديدات‬ ‫مشرتكة من الجماعات اإلرهابية‬ ‫مثل “داعش”‪ ،‬وإيران ووكالئها يف‬ ‫منطقة الشرق األوسط‪.‬‬ ‫باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬تمتلك‬ ‫أمريكا االقتصاد األقوى واألكرث‬ ‫حيوية يف العالم‪ ،‬وكانت أسرع‬ ‫اقتصاد يتعافى من إغالق جائحة‬ ‫كورونا القسري‪ .‬وأخريا‪ ،‬تظل قوة‬ ‫أمريكا الناعمة األكرث جاذبية يف‬ ‫نظر الناس يف املنطقة مقارنة بما‬ ‫تقدمه الصني وروسيا‪ ،‬خاصة‬ ‫يف مجاالت الثقافة واملوسيقى‬ ‫والرتفيه والتعليم‪.‬‬

‫‪06/09/2023 15:42‬‬

‫الكالم رخيص‪ ،‬ويصبح أرخص‬ ‫كلما اقرتب موعد االنتخابات‬ ‫يف أمريكا‪ .‬ومما يزيد من رخصه‬ ‫وسائل التواصل اإلجتماعي التي‬ ‫تشبه املرآة والتي ال تزال تشكل‬ ‫الخطاب السيايس يف أمريكا‪ ،‬وكل‬ ‫ذلك جزء من االستشراق الجديد‬ ‫الذي أصاب املناقشات األمريكية‪.‬‬ ‫هل تذكرون يف حملة عام ‪2016‬‬ ‫عندما قال املرشح آنذاك دونالد‬ ‫ترمب‪“ :‬أعتقد أن اإلسالم يكرهنا؟”‪،‬‬ ‫أو يف وقت الحق عندما كان رئيسا‪،‬‬ ‫وانتقد السعودية‪ ،‬قائال إنها تعتمد‬ ‫عىل دعم الواليات املتحدة؟ لقد‬ ‫تجاوزت كل هذا ووجدت طريقة‬ ‫للعمل مع ترمب وفريقه‪.‬‬ ‫هناك بعض االنتقادات‬ ‫للسعودية يف املناقشات السياسية‪،‬‬ ‫لكن هذه األصوات تغرق يف الغالب‬ ‫من قبل املنظرين غري املحسوبني‬ ‫الذين ال يقدمون تحليال سريريا‪.‬‬ ‫ال تقلق؛ الذكاء االصطناعي‬ ‫والخوارزميات أصبحت جيدة‬ ‫لدرجة أنه سيتم استبدال هذه‬ ‫األصوات قريبا‪.‬‬ ‫النقطة األساسية هنا‪ :‬أنتم‬ ‫تدخلون يف مناقشات دبلوماسية‬ ‫معقدة مع دولة تسهلها دولة‬ ‫أخرى‪ ،‬وكال البلدين يواجهان‬ ‫الكثري من التحديات واالنقسامات‬ ‫الداخلية الخاصة بهما‪ .‬ال ترتكوا‬ ‫ذلك يحدد وترية أو جوهر املناقشات‬ ‫مع إسرائيل‪ ،‬وال تغفلوا عما‬ ‫يمكن تحقيقه هنا يف ظل الظروف‬ ‫املناسبة‪ .‬يمكن الحصول عىل أكرث‬ ‫مما تم من خالل إعادة الرئيس‬ ‫السوري بشار األسد إىل العرب‪.‬‬ ‫ال تتنازلوا عن كل يشء مقابل ال‬ ‫يشء‪ ،‬كما يحدث يف الصفقة بشأن‬ ‫تطبيع مع نظام سوريا‪.‬‬ ‫اغتنم هذة الفرصة لتأمني‬ ‫مص ــالح بلدك‪ ،‬لكن افع ــلها‬ ‫بطــريقة تحقق أقىص فائدة‬ ‫للمنطقة وشعوبها‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫مفاوضــات كامــب ديفيــد ‪2000‬‬ ‫هي سلسلة اجتماعات‬ ‫ُعقدت في منتجع كامب‬ ‫ديفد بالواليات المتحدة في‬ ‫يوليو‪/‬تموز ‪ 2000‬في محاولة‬ ‫من الرئيس األميركي األسبق‬ ‫بيل كلينتون إليجاد حل‬ ‫سلمي للصراع اإلسرائيلي‪-‬‬ ‫الفلسطيني‪ُ .‬ودعي إليها‬ ‫رئيس الوزراء اإلسرائيلي‬ ‫آنذاك إيهود باراك‪ ،‬ورئيس‬ ‫السلطة الفلسطينية‬ ‫الراحل ياسر عرفات‪.‬‬ ‫وذكرت تقارير صحافية‬ ‫أن باراك وعرفات لم يلتقيا‬ ‫بمفردهما للتفاوض المباشر‬ ‫طيلة فترة القمة من ‪ 11‬حتى‬ ‫‪ 25‬يوليو‪/‬تموز‪ ،‬واختتمت‬ ‫القمة دون التوصل التفاق‪.‬‬ ‫وكان كلينتون يأمل في‬ ‫تحقيق نصر دبلوماسي‬ ‫كبير له قبل مغادرته البيت‬ ‫األبيض‪ ،‬وشجعته على ذلك‬ ‫النتائج اإليجابية في كامب‬ ‫ديفيد عام ‪ 1978‬حين استطاع‬ ‫الرئيس جيمي كارتر التوسط‬ ‫في اتفاق سالم بين مصر‬ ‫ممثلة بالرئيس محمد أنور‬ ‫السادات وإسرائيل ممثلة‬ ‫برئيس الوزراء مناحيم بيغن‪.‬‬ ‫وكانت القمة تهدف إلى‬ ‫البناء على اتفاقات أوسلو‬ ‫لعام ‪ 1993‬بين رئيس الوزراء‬ ‫اإلسرائيلي إسحاق رابين‬ ‫الذي اغتيل فيما بعد ورئيس‬ ‫منظمة التحرير الفلسطينية‬ ‫ياسر عرفات‪ ،‬والتي نصت‬ ‫على ضرورة التوصل إلى‬ ‫اتفاق حول جميع القضايا‬ ‫العالقة بين الجانبين‬ ‫الفلسطيني واإلسرائيلي‪،‬‬ ‫أو ما يسمى بتسوية الوضع‬ ‫النهائي‪ ،‬في غضون خمس‬ ‫سنوات من تنفيذ الحكم‬ ‫الذاتي الفلسطيني‪ .‬بيد أن‬ ‫العملية االنتقالية التي تمت‬ ‫في ظل أوسلو ظلت تراوح‬ ‫مكانها حتى اآلن‪.‬‬ ‫ووفقا لتقارير صحافية‬

‫أميركية‪ ،‬أضاف كلينتون‬ ‫مقترحات جديدة‪ ،‬من بينها‬ ‫ضم ‪ 5‬في المئة من األراضي‬ ‫الفلسطينية إلى إسرائيل‪،‬‬ ‫تشمل تجمعات مستوطنات‬ ‫يهودية على أن ُ يعوض‬ ‫الفلسطينيون مقابل ذلك‬ ‫بأراض بديلة‪ ،‬وهو ما رفضه‬ ‫عرفات‪ ،‬الذي رفض أيضا‬ ‫التعنت اإلسرائيلي في‬ ‫معارضة عودة الالجئين‬ ‫الفلسطينيين وتقاسم‬ ‫القدس‪ .‬وتمسك الوفد‬ ‫الفلسطيني بحدود ‪.1967‬‬ ‫وذكرت وسائل إعالم‬ ‫إسرائيلية أن عرفات رفض‪،‬‬ ‫خالل القمة‪ ،‬عرضا إسرائيليا‬ ‫بإعادة ‪ 90‬في المئة من الضفة‬ ‫الغربية التي احتلتها إسرائيل‬ ‫عام ‪ ،1967‬مع األحياء الخارجية‬ ‫للقدس ووصاية فلسطينية‬ ‫على الحرم‪ ،‬مقابل ضم ‪ 10‬في‬ ‫المئة من الضفة‪ ،‬والتي تشمل‬ ‫المستوطنات الرئيسة‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬يستوطن حوالي‬ ‫‪ 720‬ألف إسرائيلي الضفة‬ ‫الغربية المحتلة‪ ،‬ويعيشون‬ ‫في أكثر من ‪ 300‬مستوطنة‬ ‫وبؤرة استيطانية عشوائية غير‬ ‫مرخصة وفقا آلخر إحصاءات‬ ‫الجهاز المركزي لإلحصاء‬ ‫الفلسطيني‪ .‬وتعتبر تلك‬ ‫المستوطنات غير قانونية وفقا‬ ‫للقوانين الدولية ذات الصلة‪،‬‬ ‫وتعد عقبة رئيسة إلنهاء‬ ‫االحتالل اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫وأضفت إسرائيل صفة‬ ‫“رسمية” على مستوطناتها‬ ‫في الضفة الغربية‪ ،‬رغم عدم‬ ‫شرعيتها‪ ،‬نظرا ألن الضفة‬ ‫الغربية‪ ،‬بما فيها القدس‬ ‫الشرقية‪ ،‬أرض محتلة وفقا‬ ‫للقانون الدولي‪ ،‬وأقيمت بؤر‬ ‫استيطانية دون ترخيص من‬ ‫السلطات اإلسرائيلية‪ ،‬ولكن‬ ‫إسرائيل أعلنت في أكثر من‬ ‫مرة اعتزامها إضفاء الشرعية‬ ‫على بعض منها‪.‬‬

‫‪024_AM.indd 26‬‬


024_AM.indd 27

06/09/2023 15:42


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫قصة الغالف‬

‫ش ــروط ســعودية‬ ‫للتطبيــع‪:‬‬ ‫سـرائييل‬ ‫تحفــظ إ ـ‬ ‫حـرة فلســطينية‬ ‫ـ‬

‫‪28‬‬

‫القيادة الفلسطينية تبدو حائرة وال تستطيع شيئا‪،‬‬ ‫إزاء التحوالت الحاصلة يف بيئة العالقات العربية االسرائيلية‬ ‫برلني ‪ -‬ماجد كيايل رسوم ‪ -‬اندريه كوجوكارو‬ ‫غرافيك ‪ -‬ديانا استيفانيا روبيو‬

‫‪08/09/2023 11:31‬‬

‫‪028_AM.indd 28‬‬


‫‪29‬‬

‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫منذ دعوة الرئيس األمرييك السابق دونالد ترمب الدول العربية‬ ‫سـرائيل‪ ،‬وتوقيــع اتفاقــات مــن هــذا ال ـنـوع‪،‬‬ ‫لتطبيــع عالقاتهــا مــع إ ـ‬ ‫غـرب‪،‬‬ ‫قبــل ثالثــة أعــوام‪ ،‬مــع بعضهــا (اإلمــارات‪ ،‬والبحريــن‪ ،‬وامل ـ‬ ‫ثم السودان)‪ ،‬التي أضيفت إىل دول أقامت عالقات معها سابقا‬ ‫(مصر‪ ،‬واألردن‪ ،‬إضافة إىل سلطنة عمان والقيادة الفلسطينية‬ ‫طبعا)‪ ،‬ظلت األنظار تتجه نحو اململكة العربية السعودية‪ ،‬التي‬ ‫فضلت البقاء خارج هذا اإلطار‪ ،‬رغم الجهود التي بذلت لدفعها‬ ‫نحــوه‪ ،‬بخاصــة مــن قبــل الواليــات املتحــدة‪ ،‬يف ظــل اإلدارتــن‬ ‫األمريكيتني‪ ،‬السابقة والحالية‪.‬‬ ‫خـراط يف ذلــك‬ ‫ويمكــن إحالــة ممانعــة القيــادة الســعودية االن ـ‬ ‫املســار‪ ،‬حتــى اآلن‪ ،‬لعــدة أســباب‪ ،‬أهمهــا‪:‬‬ ‫أوال‪ ،‬صلف إسرائيل ورفضها تقديم أي استحقاقات‪ ،‬منها إزاء‬ ‫األطراف العربية‪ ،‬ال سيما إزاء الفلسطينيني‪ ،‬وعىل ضوء تنصلها‬ ‫من اتفاق أوسلو للعام ‪ ،1993‬رغم إجحافاته بالنسبة لحقوقهم‪.‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬أخذ العرب من إخفاق التجربة السابقة‪ ،‬املتمثلة برفض‬ ‫سـرائيل “املبــادرة الســعودية” للســام‪ ،‬التــي تقــوم عــى معادلــة‬ ‫إ ـ‬ ‫االنسحاب مقابل التطبيع‪ ،‬والتي باتت مبادرة عربية بعد تبنيها‬ ‫من قبل مؤتمر القمة العربي (بريوت ‪.)2002‬‬ ‫ثالثا‪ ،‬تربّم وقلق القيادة السعودية من العراقيل التي تحول‬ ‫دون وصول اململكة إىل أسلحة أمريكية متطورة‪.‬‬

‫‪08/09/2023 11:31‬‬

‫‪028_AM.indd 29‬‬


‫سياسة‬

‫‪30‬‬

‫المجلة‬

‫اتفاق أوسلو‪...‬‬ ‫من االجتياح إلى‬ ‫“حديقة الورود”‬

‫‪ 1983‬الرئيس حافظ األسد يطرد‬ ‫ياسر عرفات من سوريا ثم يحاصره‬ ‫في طرابلس اللبنانية حيث حاول‬ ‫تأسيس وجود فلسطيني مسلح‬

‫‪ 1982‬االجتياح اإلسرائيلي للبنان‪.‬‬ ‫“منظمة التحرير الفلسطينية”‬ ‫تخسر آخر مواقعها القريبة من‬ ‫األراضي الفلسطينية‬

‫رابعــا‪ ،‬توجّ ــس اململكــة مــن المبــاالة الواليــات املتحــدة إزاء‬ ‫املخاطر التي تتهدد املنطقة من قبل إيران‪ ،‬واملتمثلة يف ميليشياتها‬ ‫شـرة يف أكــر مــن بلــد‪ ،‬مــن اليمــن إىل بلــدان املشــرق‬ ‫الطائفيــة املنت ـ‬ ‫العربي‪ ،‬وسعيها لحيازة قوة نووية‪ ،‬وقوة صاروخية‪ ،‬ما ييش‬ ‫بتخــي الواليــات املتحــدة عــن أصدقائهــا‪.‬‬ ‫بيد أن الجهود األمريكية مع القيادة السعودية لم تتوقف‪،‬‬ ‫منــذ ذلــك الحــن‪ ،‬بــل إن إدارة الرئيــس جــو بايــدن عــززت منهــا‪،‬‬ ‫بوضعهــا عــى رأس ســلم سياســاتها يف الشــرق األوســط‪ ،‬ويف‬ ‫مركز املباحثات التي جرت‪ ،‬طوال الفرتة املاضية‪ ،‬بني أركان تلك‬ ‫اإلدارة والقيادة السعودية‪ ،‬بحيث بات ذلك امللف بمثابة حديث‬ ‫سـرائيلية‪ ،‬ويف نقاشــات ومقــاالت الصحــف‬ ‫يومــي يف السياســة اإل ـ‬ ‫اإلسرائيلية‪ ،‬ال سيما بالنظر لألزمة التي تمر بها إسرائيل حاليا‪،‬‬ ‫وبالنظــر للتوتــر الحاصــل يف عالقتهــا مــع إدارة بايــدن‪.‬‬

‫بين إسرائيل والسعودية‬

‫يف الواقع‪ ،‬فإن الحكومة اإلسرائيلية الحالية‪ ،‬التي تع ّرف بأنها‬ ‫األكرث تطرفا يف إسرائيل منذ قيامها‪ ،‬تويل أهمية كبرية‪ ،‬لجذب‬ ‫اململكــة إىل دا ـئـرة التطبيــع معهــا‪ ،‬باعتبــار تلــك الخطــوة بمثابــة‬ ‫ورقــة بالغــة األهميــة لصالحهــا‪ ،‬إلضافتهــا إىل رصيدهــا يف خضــم‬ ‫األزمة التي تشهدها إسرائيل‪ ،‬منذ تشكيل االئتالف الحكومي‪،‬‬ ‫من اليمني القومي والديني‪ ،‬يف أواخر العام املايض‪ ،‬ومع سعيها‬ ‫إلحداث نوع من االنقالب يف النظام السيايس اإلسرائييل‪ ،‬إضافة‬ ‫إىل أن مثــل تلــك الخطــوة قــد تذيــب الجليــد بينهــا وبــن اإلدارة‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬بالنظــر للتوتــر الحاصــل بــن الطرفــن‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬ثمة سبب آخر‪ ،‬يتعلق باملكانة املركزية التي تحظى بها‬ ‫اململكة عىل الصعيدين العربي واإلسالمي‪ ،‬وبالنظر إىل أهميتها‬ ‫الدوليــة‪ ،‬وقوتهــا االقتصاديــة‪ ،‬إذ إنهــا أصبحــت بــن “مجموعــة‬ ‫العشــرين”‪ ،‬األقــوى اقتصاديــا يف العالــم‪ ،‬لجهــة الناتــج املحــي‬ ‫اإلجمــايل (‪ 1,1‬تريليــون دوالر)‪ ،‬ولجهــة قيمــة الصــادرات (‪410‬‬ ‫مليــارات دوالر)‪ ،‬للعــام ‪ ،2022‬ومــع ثروتهــا النفطيــة الهائلــة‪،‬‬ ‫إضافــة إىل أنهــا خامــس دولــة مــن حيــث اإلنفــاق العســكري (‪75‬‬ ‫مليــار دوالر للعــام املــايض)‪.‬‬ ‫لكــن األمــر لــم يتوقــف عــى تلــك الحقائــق فقــط؛ إذ وجــدت‬ ‫إسرائيل نفسها‪ ،‬هذه املرة‪ ،‬أمام دولة تطرح شروطا للتطبيع‪،‬‬ ‫عليهــا‪ ،‬كمــا عــى الواليــات املتحــدة‪ ،‬التعهــد بالقيــام بهــا‪ ،‬وهــو‬ ‫تطــور لــم تعتــد عليــه يف تجــارب التطبيــع الســابقة مــع األنظمــة‬ ‫طـراف النظــام العربــي تبــدو يف حالــة‬ ‫العربيــة‪ ،‬رغــم أن معظــم أ ـ‬

‫‪08/09/2023 11:31‬‬

‫‪ 1985‬حركة “أمل” تشن حربا بتكليف‬ ‫من األسد على المخيمات الفلسطينية‬ ‫في لبنان لمنع “منظمة التحرير” من‬ ‫استعادة نفوذها‬

‫اﺳﺘﻄﻼع ﺣﻮل رأي اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ‬

‫إذا ﻗﺎﻣﺖ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﺑﺘﻄﺒﻴﻊ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻣﻊ اﺳﺮاﺋﻴﻞ‪ ،‬ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ أﻳﻀﺎ ﺗﻄﺒﻴﻊ اﻟﻌﻼﻗﺎت وإﻧﻬﺎء اﻟﺼﺮاع‬

‫ﻏﺰة‬

‫اﻟﻀﻔﺔاﻟﻐﺮﺑﻴﺔ‬

‫اﻟﻘﺪس‬ ‫اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ‬

‫‪%21‬‬ ‫‪%3‬‬

‫‪%8‬‬

‫‪%30‬‬

‫أواﻓﻖ ﺑﺸﺪة‬ ‫أواﻓﻖ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ‬

‫‪%29‬‬

‫ﻻ أواﻓﻖ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ‬

‫‪%47‬‬

‫ﻻ أواﻓﻖ ﺑﺸﺪة‬ ‫ﻻ أﻋﺮف ‪ /‬ﻻ ﺟﻮاب‬

‫‪%30‬‬ ‫‪%2‬‬

‫‪%13‬‬

‫‪%2‬‬

‫‪%22‬‬

‫‪%43‬‬ ‫‪%24‬‬

‫‪%3‬‬

‫‪%23‬‬

‫اﻟﻤﺼﺪر‪ :‬ﻣﻌﻬﺪ واﺷﻨﻄﻦ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ "اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﻻﺳﺘﻄﻼع اﻟﺮأي" – ﻳﻮﻟﻴﻮ ‪2023‬‬

‫‪028_AM.indd 30‬‬


‫‪31‬‬

‫المجلة‬ ‫‪1987‬‬ ‫اندالع االنتفاضة‬ ‫الفلسطينية‬ ‫األولى التي أحيث‬ ‫آمال “منظمة‬ ‫التحرير” باستنئاف‬ ‫دورها المحوري‬ ‫في المنطقة‬

‫تطبيع صامت‪ ،‬أو واقعي‪ ،‬مع إسرائيل منذ إقامتها (‪،)1948‬‬ ‫وإن بأشكال متفاوتة‪ ،‬بخاصة منذ ما بعد حرب يونيو‪/‬حزيران‬ ‫سـرائيل (و لــو‬ ‫صـراع ضــد و جــود إ ـ‬ ‫‪ ،1967‬مــع االنتقــال مــن ال ـ‬ ‫أراض عربيــة‪ ،‬ممــا يعنــي‬ ‫صـراع ضــد احتاللهــا‬ ‫لفظيــا)‪ ،‬إىل ال ـ‬ ‫ٍ‬ ‫اال ـعـراف بوجودهــا‪.‬‬

‫شروط التطبيع‬

‫لعل أكرث يشء أثار اهتمام اإلسرائيليني يف نقاشاتهم أن متطلبات‬ ‫سـرائيل ومــن الواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫التطبيــع مــع الســعودية‪ ،‬مــن إ ـ‬ ‫هــي بمثابــة رزمــة واحــدة‪ ،‬وهــي ســابقة تختلــف عــن التجــارب‬ ‫التطبيعيــة املعروفــة‪ ،‬بخاصــة أن اململكــة تمتلــك أوراقــا عديــدة‪،‬‬ ‫فعّ لتها أو يمكن أن تفعّ لها‪ ،‬كما حدث بالنسبة لصدّ ها املطالب‬ ‫األمريكيــة بخصــوص صادراتهــا النفطيــة‪ ،‬ويشــمل ذلــك تعزيــز‬ ‫عالقاتها مع الصني‪ ،‬وموقفها من الحرب األوكرانية‪ ،‬والصراع‬ ‫األ ـمـريك‪ -‬الــرويس‪.‬‬ ‫سـرائييل ميخائيــل ـهـراري‪ ،‬فــإن مطالــب‪،‬‬ ‫ويف رأي املحلــل اإل ـ‬ ‫أو شــروط الســعودية تتحــدد يف اآليت‪“ :‬مــن الواليــات املتحــدة‪:‬‬ ‫مظلــة د ـفـاع عــى نمــط حلــف الناتــو‪ ،‬كــردع تجــاه إ ـيـران‪ ،‬ومفاعــل‬ ‫نــووي مــدين‪ ،‬مع ـقـول أن يكــون تحــت رقابــة مــا مــن الواليــات‬ ‫املتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية‪ ،‬وقدرة وصول إىل سالح‬ ‫أمرييك متطور للغاية‪ ...‬وخطوات بناءة يف السياق الفلسطيني‪-‬‬ ‫سـرائييل”‪“( .‬معاريــف”‪.)11/8/2023 -‬‬ ‫اإل ـ‬ ‫هــذه الشــروط‪ ،‬بطابعهــا ا لــدويل والفلســطيني‪ ،‬تفيــد أن‬ ‫سـرائيل‪ ،‬بحكومتهــا ومعارضتهــا‪ ،‬لــن تســتطيع الســر يف هــذا‬ ‫إ ـ‬ ‫االتجاه‪ ،‬إذ إن تلبيتها تجعل السعودية بمثابة دولة ذات وضعية‬ ‫خاصة للواليات املتحدة‪ ،‬سياسيا واقتصاديا وعسكريا‪ ،‬ما يضر‬ ‫بمكانة إسرائيل وبمصلحتها‪ ،‬ال سيما ما يتعلق بكسر احتكارها‬ ‫للقوة النووية يف املنطقة‪ ،‬وهو ما يشكل تهديدا ألمنها القومي‬ ‫سـراتيجي‪.‬‬ ‫اال ـ‬ ‫لكــن مشــكلة حكومــة نتنياهــو‪ ،‬يف تلــك الشــروط‪ ،‬عــدا عــن‬ ‫سـرائيلية‪ ،‬أنهــا تــأيت يف لحظــة حرجــة داخليــا‪ ،‬ويف‬ ‫ارتداداتهــا اإل ـ‬ ‫لحظــة توتــر بينهــا وبــن اإلدارة األمريكيــة‪ ،‬وأنهــا تتقاطــع مــع‬ ‫مــا تريــده الواليــات املتحــدة‪ ،‬يف عــدة مجــاالت ألنــه يتناســب مــع‬ ‫مصالحهــا وأولوياتهــا وسياســاتها‪ ،‬دوليــا وإقليميــا‪ ،‬وإزاء روســيا‬ ‫والصــن وإ ـيـران‪.‬‬ ‫سـرائيل‬ ‫ومعنــى أن ثمــة مصلحــة أمريكيــة يف التطبيــع بــن إ ـ‬ ‫سـرائيل فيهــا بدورهــا‪ ،‬وهــو‬ ‫والســعودية‪ ،‬ي ـفـرض أن تقــوم إ ـ‬

‫‪08/09/2023 11:31‬‬

‫سياسة‬ ‫‪ 1990‬الرئيس العراقي‬ ‫صدام حسين يغزو‬ ‫الكويت‪“ .‬منظمة‬ ‫التحرير” ترفض إدانة‬ ‫الغزو وتؤيد صدام‪ .‬تدهور‬ ‫كبير في التأييد العربي‬ ‫لـ”منظمة التحرير”‬

‫ثمة مصلحة‬ ‫أمريكية يف‬ ‫التطبيع بني‬ ‫إسرائيل‬ ‫والسعودية‪،‬‬ ‫يفرتض أن‬ ‫تقوم إسرائيل‬ ‫فيها بدورها‪،‬‬ ‫للمساهمة بما‬ ‫يتعلق بإضعاف‬ ‫مكانة الصني يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬وعزل‬ ‫إيران‪ ،‬واالستثمار‬ ‫يف السعودية‬

‫‪ 1991‬التحالف الدولي يهزم الجيش‬ ‫العراقي في الكويت‪ .‬انهيار‬ ‫االتحاد السوفياتي الحليف األقوى‬ ‫للفلسطينيين‪ .‬انعقاد مؤتمر‬ ‫مدريد للسالم في الشرق األوسط‬ ‫بوفد من شخصيات فلسطينية‬ ‫من األراضي المحتلة أعقبته‬ ‫اتصاالت فلسطينية– إسرائيلية‬ ‫منخفضة المستوى‬

‫املســاهمة فيما يتعلق بإضعاف مكانة الصني يف املنطقة‪ ،‬وعزل‬ ‫إيران‪ ،‬واالستثمار يف السعودية‪ ،‬سياسيا واقتصاديا يف املنطقة‬ ‫شـراطاته‪،‬‬ ‫وعــى الصعيــد الــدويل‪ ،‬وذلــك باالســتعداد لتلبيــة ا ـ‬ ‫ضـوع الفلســطيني‪ ،‬بهــذا القــدر أو ذاك‪ ،‬لكــن يف كل‬ ‫وضمنهــا املو ـ‬ ‫ضـاع الفلســطينيني‪ ،‬وتجميــد‬ ‫األحــوال مــع خطــوات لتحســن أو ـ‬ ‫أعمال االستيطان يف الضفة‪ ،‬ويف القدس‪ ،‬واالمتناع عن أي خطوة‬ ‫تفــي إىل ضــم رســمي ملناطــق فيهــا (مثــا املنطقــة ج)‪.‬‬ ‫عىل أية حال‪ ،‬وتبعا للتجربة السابقة‪ ،‬فإن إسرائيل ستحاول‬ ‫التملص من أية التزامات صعبة‪ ،‬وهذا حدث ســابقا‪ ،‬مثال‪ ،‬يف‬ ‫طـراف التــي انبثقــت عــن مؤتمــر مدريــد‪،‬‬ ‫املفاوضــات متعــددة األ ـ‬ ‫ويف مؤتمرات القمة الشرق أوسطية (مطلع التسعينات)‪ ،‬التي‬ ‫سـرائييل‪،‬‬ ‫ر ـكـزت عــى محاولــة إيجــاد طــرق للتعــاون العربــي‪ -‬اإل ـ‬ ‫يف نطــاق مشــروع “الشــرق األوســط الجديــد”‪ .‬كمــا تكــرر ذلــك يف‬ ‫سـرائيل تقديــم االســتحقاقات املطلوبــة منهــا يف التســوية‬ ‫رفــض إ ـ‬ ‫مع الفلسطينيني‪ ،‬يف العقود الثالثة املاضية‪ ،‬ويف إطاحتها بخطة‬ ‫خريطــة الطريــق (‪ ،)2003‬التــي طرحهــا الرئيــس األســبق جــورج‬ ‫بوش (االبن)‪ ،‬وطبعا يأيت ضمن ذلك رفضها بصالفة للمبادرة‬ ‫العربيــة للســام (‪.)2002‬‬

‫‪028_AM.indd 31‬‬


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫‪ 1993‬مفاوضات سرية في النرويج برعاية‬ ‫معهد أبحاث نرويجي بمشاركة وفدين‬ ‫إسرائيلي وفلسطيني‪ -‬توقيع وثيقة اعتراف‬ ‫“منظمة التحرير” بإسرائيل واعتراف إسرائيل‬ ‫بأن “منظمة التحرير” هي ممثل الشعب‬ ‫الفلسطيني‪ .‬وأبرز جوانب االتفاق‪:‬‬ ‫سمي االتفاق “إعالن مبادئ للترتيبات‬ ‫المؤقتة للحكم الذاتي” ونص على إطالق‬ ‫عملية سالم بين الفلسطينيين وإسرائيل‪،‬‬ ‫استنادا إلى القرارين الدوليين ‪ 242‬و‪ 338‬وإنشاء‬

‫السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة‬ ‫والضفة الغربية‪ .‬وتبدأ فترة انتقالية مدتها‬ ‫خمس سنوات تجري خاللها مفاوضات الوضع‬ ‫النهائي الذي يجب أن يتفق الجانبان عليه‬ ‫بحلول ‪ .1999‬وتكون الخطوة األولى إنشاء‬ ‫منطقة للحكم الذاتي الفلسطيني في قطاع‬ ‫غزة وفي بلدة أريحا في الضفة ضمن اتفاق‬ ‫الحق أطلق عليه “اتفاق غزة‪ -‬أريحا”‪.‬‬ ‫توقيع االتفاق في “حديقة الورود” في البيت‬ ‫األبيض ومصافحة تاريخية بين عرفات وبين‬ ‫رئيس الوزراء اإلسرائيلي اسحق رابين‬

‫‪32‬‬ ‫‪ 1994‬إنشاء السلطة الفلسطينية‬ ‫وياسر عرفات يعود إلى األراضي‬ ‫المحتلة في ‪1967‬‬

‫‪ 1995‬اغتيال إسحق‬ ‫رابين على يد يميني‬ ‫متطرف‬

‫سـرائيلية‬ ‫معاهــدة الســام األردنيــة‪ -‬اإل ـ‬ ‫هي معاهدة تم توقيعها بين‬ ‫األردن وإسرائيل في ‪ 26‬أكتوبر‪/‬‬ ‫تشرين األول ‪ 1994‬في وادي عربة‬ ‫على الحدود األردنية‪ -‬اإلسرائيلية‪،‬‬ ‫استنادا إلى قراري مجلس األمن‬ ‫‪ 242‬و‪.338‬‬ ‫وقع االتفاقية عن الجانب األردني‬ ‫عبد السالم المجالي رئيس الوزراء‬ ‫األردني‪ ،‬وعن الجانب اإلسرائيلي‪،‬‬ ‫إسحق رابين رئيس الوزراء‬ ‫اإلسرائيلي آنذاك‪ .‬وكان الرئيس‬ ‫األميركي األسبق بيل كلينتون‬ ‫شاهدا على التوقيع‪.‬‬ ‫اتفق الطرفان على إقامة عالقات‬ ‫دبلوماسية وقنصلية كاملة وتبادل‬ ‫السفراء المقيمين‪ ،‬وأن العالقة‬ ‫الطبيعية بينهما تشمل أيضا‬ ‫العالقات االقتصادية والثقافية‪،‬‬ ‫وتحقيق تسوية شاملة ودائمة‬ ‫لكافة مشكالت المياه القائمة بين‬ ‫الطرفين‪ ،‬خاصة في ما يتعلق بمياه‬ ‫نهري األردن واليرموك ومن المياه‬ ‫الجوفية لوادي عربة‪.‬‬

‫‪08/09/2023 11:32‬‬

‫ونصت المعاهدة على “إزالة‬ ‫كافة أوجه التمييز التي تعتبر حواجز‬ ‫ضد تحقيق عالقات اقتصادية‬ ‫طبيعية‪ ،‬وإنهاء المقاطعات‬ ‫االقتصادية الموجهة ضد الطرف‬ ‫اآلخر‪ ،‬والتعاون في مجال إنهاء‬ ‫المقاطعات االقتصادية المقامة‬ ‫ضد أحدهما من قبل أطراف ثالثة”‪.‬‬ ‫ونصت االتفاقية على تعهد‬ ‫من إسرائيل بـ”احترام الدور الحالي‬ ‫الخاص للمملكة األردنية الهاشمية‬ ‫في األماكن اإلسالمية المقدسة‬ ‫في القدس‪ ،‬وعند انعقاد مفاوضات‬ ‫الوضع النهائي ستولي إسرائيل‬ ‫أولوية كبرى للدور األردني التاريخي‬ ‫في هذه األماكن”‪.‬‬ ‫والتزم الطرفان بإلغاء كافة ما من‬ ‫شأنه اإلشارة إلى الجوانب المعادية‪،‬‬ ‫وتلك التي تعكس التعصب والتمييز‪،‬‬ ‫والعبارات العدائية في نصوص‬ ‫التشريعات الخاصة بكل منهما‪.‬‬ ‫ووفقا لبنود في المعاهدة‪،‬‬ ‫سيتعاون الطرفان في محاربة‬

‫الجريمة وبخاصة التهريب‪،‬‬ ‫وسيتخذان كافة اإلجراءات الضرورية‬ ‫لمحاربة ومنع نشاطات إنتاج‬ ‫المخدرات المحظورة واإلتجار بها‪،‬‬ ‫وسيقوم الطرفان بفتح وإقامة طرق‬ ‫ونقاط عبور بين بلديهما‪.‬‬ ‫ويعتبر الطرفان مضيق تيران‬ ‫وخليج العقبة ممرات مائية دولية‬ ‫مفتوحة لكل الدول للمالحة فيها‬ ‫والطيران فوقها دون إعاقة أو‬ ‫توقف‪ ،‬وسيحترم كل طرف اآلخر‬ ‫بالمالحة والمرور الجوي للوصول‬ ‫إلى إقليم أي من الطرفين من خالل‬ ‫مضيق تيران وخليج العقبة‪.‬‬ ‫وتحظر المعاهدة “الدخول في أي‬ ‫ائتالف أو تنظيم أو حلف ذي صفة‬ ‫عسكرية أو أمنية مع طرف ثالث‬ ‫أو مساعدته بأي طريقة من الطرق‬ ‫أو الترويج له أو التعاون معه إذا‬ ‫كانت أهدافه أو نشاطاته تتضمن‬ ‫شن العدوان أو أية أعمال أخرى من‬ ‫العداء العسكري ضد الطرف اآلخر”‪.‬‬ ‫وفي السنوات األخيرة‪ ،‬حذر‬

‫العاهل األردني الملك عبد هللا‬ ‫الثاني إسرائيل من تجاوز “الخطوط‬ ‫الحمراء” األردنية في ما يتعلق‬ ‫باألماكن المقدسة في القدس‬ ‫الشرقية المحتلة‪ ،‬بينما أعرب عن‬ ‫قلقه من احتمال اندالع اضطرابات‬ ‫واسعة النطاق بسبب زيادة وتيرة‬ ‫االستيطان اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫وشدد الملك األردني‪ ،‬في‬ ‫تصريحات صحافية لوسائل إعالم‬ ‫غربية‪ ،‬على أن حل الدولتين هو‬ ‫السبيل األمثل للمضي قدما في‬ ‫حل القضية الفلسطينية وتحقيق‬ ‫السالم في المنطقة‪.‬‬ ‫وسيطرت إسرائيل على الحرم‬ ‫القدسي والبلدة القديمة في القدس‬ ‫من األردن في حرب األيام الستة عام‬ ‫‪ .1967‬لكنها سمحت لهيئة األوقاف‬ ‫األردنية باالحتفاظ بالسلطة الدينية‬ ‫على الحرم‪ .‬وبموجب معاهدة‬ ‫السالم لعام ‪ ،1994‬اعترفت إسرائيل‬ ‫بـ”دور عمان الخاص بالمواقع‬ ‫اإلسالمية المقدسة في القدس”‪.‬‬

‫‪028_AM.indd 32‬‬


‫‪33‬‬

‫سياسة‬

‫المجلة‬ ‫‪ 1996‬انتخاب بنيامين نتنياهو رئيسا للوزراء‬ ‫ببرنامج معاد للمفاوضات مع الفلسطينيين‬

‫‪ 1995‬توقيع “اتفاق أوسلو‪”2 -‬‬ ‫في مدينة طابا المصرية وقضى‬ ‫بتقسيم مناطق السلطة إلى‬ ‫ثالث فئات “أ”‪ ،‬و”ب”‪ ،‬و”ج”‪.‬‬ ‫تتدرج فيها سيطرة السلطة‬ ‫الفلسطينية من دون أن يكون‬ ‫لهذه حق اإلشراف على المعابر‬ ‫إلى خارج األراضي المحتلة‬

‫منذ دعوة‬ ‫الرئيس‬ ‫األمرييك السابق‬ ‫دونالد ترمب‬ ‫الدول العربية‬ ‫لتطبيع عالقاتها‬ ‫مع إسرائيل‪،‬‬ ‫وتوقيع‬ ‫اتفاقيات من‬ ‫هذا النوع‪ ،‬قبل‬ ‫ثالثة أعوام‪،‬‬ ‫ظلت األنظار‬ ‫تتجه نحو‬ ‫اململكة العربية‬ ‫السعودية‪،‬‬ ‫التي فضلت‬ ‫البقاء خارج‬ ‫هذا اإلطار‬

‫‪08/09/2023 11:32‬‬

‫يف الواقع‪ ،‬فإن إسرائيل التي ال تستطيع أن تطبع بني التيارات‬ ‫اإلسرائيلية املشكلة لها‪ ،‬كما بدا يف أزمتها الراهنة‪ ،‬يف االنقسام‬ ‫واالستقطاب بني املتدينني‪ /‬الشرقيني‪ ،‬والعلمانيني‪ /‬الغربيني‪،‬‬ ‫وال أن تطبــع مــع مواطنيهــا مــن الفلســطينيني‪ ،‬وال مــع الســلطة‬ ‫جـزء مــن‬ ‫جـزء مــن األرض ل ـ‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬التــي رضيــت بدولــة يف ـ‬ ‫الشــعب الفلســطيني‪ ،‬ســتظل تراهــن‪ ،‬يف رفضهــا أو التفافهــا‬ ‫عــى أي شــروط‪ ،‬عــى محابــاة الواليــات املتحــدة لهــا‪ ،‬وتغطيتهــا‬ ‫لسياساتها‪ ،‬مهما كانت‪ ،‬كما عىل ضعف وتشتت املوقف العربي‪،‬‬ ‫مــع إقبــال بعــض األنظمــة عــى التطبيــع املجــاين معهــا‪ ،‬يف ظــل‬ ‫املخاطر الناجمة عن تغول نفوذ إيران يف منطقة الخليج العربي‪،‬‬ ‫عـراق وســوريا ولبنــان‪.‬‬ ‫ويف ال ـ‬

‫بين الحيرة والعجز‬

‫يف هذا اإلطار‪ ،‬فإن القيادة الفلسطينية تبدو حائرة وال تستطيع‬ ‫حـوالت الحاصلــة يف بيئــة العال قــات العربيــة‬ ‫شــيئا‪ ،‬إزاء الت ـ‬ ‫صـرت برنامجهــا يف إقامــة دولــة فلســطينية‬ ‫سـرائيلية‪ ،‬فقــد ح ـ‬ ‫اإل ـ‬ ‫يف الضفة والقطاع‪ ،‬أي يف األرايض املحتلة عام ‪ ،1967‬منذ عقود‪،‬‬ ‫سـرائيل‪ ،‬مــا جعلهــا تبــدو كمــن م ّهــد أو‬ ‫وتضمــن ذلــك اعرتافهــا بإ ـ‬ ‫سهّل النقلة العربية يف العالقة مع إسرائيل‪ ،‬بدليل تبني فكرة‬ ‫التطبيع مقابل السالم يف مؤتمر القمة العربية يف بريوت (‪،)2002‬‬ ‫شـراط أي انفتــاح عربــي‬ ‫إذ إن تلــك القيــادة باتــت تطالــب فقــط با ـ‬ ‫سـرائيل باالســتجابة لحقــوق الفلســطينيني‪ ،‬كمــا‬ ‫للعالقــة مــع إ ـ‬ ‫جـزء منهــم)‪،‬‬ ‫تعرفهــا بحــق تقريــر املصــر لهــم (وهــو يف الحقيقــة ل ـ‬ ‫طـاع‪.‬‬ ‫بإقامــة دولتهــم يف الضفــة والق ـ‬ ‫املشــكلة يف هــذا املجــال أن الخطابــات الفلســطينية عاشــت‬ ‫ســابقا‪ ،‬أي قبــل إقامــة الســلطة‪ ،‬عــى ف ـكـرة مفادهــا أن الســام‬ ‫يبــدأ مــن فلســطني‪ ،‬باعتبارهــا القضيــة املركزيــة لألمــة العربيــة‪،‬‬ ‫لكن تلك الفكرة‪ ،‬لم تثبت عمليا‪ ،‬وباتت حتى نظريا متقادمة‪،‬‬ ‫سـرائيل بمعــزل عــن‬ ‫إذ تبــن إمــكان قيــام عالقــات تطبيــع مــع إ ـ‬ ‫الفلسطينيني وقضيتهم‪ ،‬وهذا ما فعلته اتفاقات التطبيع (مع‬ ‫غـرب والســودان) عــام ‪ ،2018‬يف حــن لــم‬ ‫اإلمــارات والبحريــن وامل ـ‬ ‫تستطع القيادة الفلسطينية وقتها شيئا‪ ،‬رغم عدم رضاها عنها‪.‬‬ ‫عمومــا‪ ،‬فقــد تلقــت القيــادة الفلســطينية ك ـثـرا مــن اإلشــارات‬ ‫أو التطمينات من قيادة اململكة‪ ،‬للتخفيف من مخاوفها‪ ،‬تفيد‬ ‫سـرائيل مــن دون‬ ‫بأنهــا لــن تقــدم عــى أي خطــوة تطبيعيــة مــع إ ـ‬ ‫ثمــن‪ ،‬ويــأيت ضمــن ذلــك‪ ،‬مثــا‪ ،‬تعيينهــا ممثــا لهــا لــدى الســلطة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬وقنصــا يف القــدس‪ ،‬كمــا أنهــا اســتضافت ل ـقـاء‬

‫‪ 2000‬فشل مفاوضات‬ ‫كامب ديفيد واندالع‬ ‫االنتفاضة الثانية التي‬ ‫أخذت طابعا مسلحا‬

‫‪ 1999‬انتخاب إيهود‬ ‫باراك الذي تعهد‬ ‫بتحقيق السالم‬ ‫مع الفلسطينيين‬ ‫واالنسحاب من لبنان‬

‫‪ 2004‬وفاة عرفات‬ ‫في “المقاطعة”‬ ‫المحاصرة في رام هللا‬ ‫بالضفة الغربية‬

‫بــن الفصيلــن األكــر (فتــح وحمــاس)‪ ،‬يف أراضيهــا‪ ،‬إضافــة إىل‬ ‫تصريحاتهــا املتكــررة بتمســكها بــأن التســوية مــع الفلســطينيني‪،‬‬ ‫شـرط إلقامــة عالقــات‬ ‫سـرائيل عليهــم‪ ،‬هــي ـ‬ ‫ووقــف اعتــداءات إ ـ‬ ‫معهــا‪ ،‬وهــو مــا تــم ت ـكـراره للرئيــس الفلســطيني محمــود عبــاس‬ ‫يف زياراتــه املتعــددة إىل الريــاض ولقاءاتــه بالقيــادة الســعودية‪.‬‬ ‫بيد أن التطمني األهم للفلسطينيني‪ ،‬من قبل اململكة‪ ،‬حصل‬ ‫يف مخرجــات مؤتمــر القمــة العربيــة‪ ،‬الــذي عقــد يف جــدة (مايــو‪/‬‬ ‫أيار املايض)‪ ،‬إذ جدد التأكيد عىل مركزية القضية الفلسطينية‪،‬‬ ‫والتسوية الشاملة والعادلة للقضية الفلسطينية‪ ،‬عىل أساس‬ ‫مبادرة السالم العربية والقرارات الدولية‪ ،‬بما يضمن إقامة الدولة‬ ‫الفلســطينية املســتقلة ذات الســيادة عــى األرايض الفلســطينية‬ ‫بحدود عام ‪1967‬م وعاصمتها القدس الشرقية‪.‬‬ ‫فقــط عــى الصعيــد الشــعبي ظهــر موقــف فلســطيني متميــز‪،‬‬ ‫يف هذا الشأن‪ ،‬من مثقفني وأكاديميني وسياسيني فلسطينيني‬ ‫حـرة القيــادة الفلســطينية‪ ،‬وعــى ال ـفـراغ‬ ‫مســتقلني‪ ،‬غطــى عــى ـ‬ ‫الرسمي الحاصل‪ ،‬يف رسالة وجهت إىل القيادة السعودية (يونيو‪/‬‬ ‫حزيران املايض)‪ ،‬متضمنا “ثقة وأمل الشعب الفلسطيني بموقف‬ ‫سـرائييل مــن دون حــل‬ ‫اململكــة الرافــض للتطبيــع مــع الكيــان اإل ـ‬ ‫القضية الفلسطينية”‪ .‬وإدانة “الضغط األمرييك واإلسرائييل الذي‬ ‫يريد مواصلة التطبيع املجاين عىل حساب الحقوق الفلسطينية‬ ‫املشروعة والتسليم به”‪ ،‬مع التأكيد عىل أن “اململكة‪ ،‬وبما توفر‬ ‫لهــا مــن موقــع ومكانــة إقليميــة وعامليــة ودينيــة وثــروات وجغرافيــا‬ ‫سياسية وعالقات دولية متنوعة‪ ،‬ليست يف حاجة إىل إسرائيل‪،‬‬ ‫والتطبيع معها”‪.‬‬ ‫واضح أن الفلسطينيني باتوا تقريبا خارج املعادالت السياسية‪،‬‬ ‫إسرائيليا وعربيا ودوليا‪ ،‬فهم غاية يف الضعف والتشتت واإلحباط‬ ‫واالختالف‪ .‬أيضا ثمة أزمة عميقة يف الجسم السيايس الفلسطيني‬ ‫شـرعية كياناتهــم السياســية وتقادمهــا‪ ،‬وهــذا‬ ‫ناجمــة عــن ـتـآكل ـ‬ ‫يشمل املنظمة والسلطة والفصائل‪ ،‬وعن افتقادهم لرؤية وطنية‬ ‫جامعة؛ فاقم من ذلك تحول الحركة الوطنية الفلسطينية من‬ ‫حركــة تحــرر إىل ســلطة تحــت االحتــال‪ ،‬وهــي ســلطة مقيــدة‪،‬‬ ‫سـرائيليا‪ ،‬ومرتهنــة للدعــم الخارجــي الســيايس واملــادي‪ ،‬املتــأيت‬ ‫إ ـ‬ ‫من دول عربية وأجنبية‪.‬‬ ‫لذا ففي وضع من هذا النوع سيصعب عىل القيادة الفلسطينية‬ ‫فرض أجندتها عربيا‪ ،‬وضمنه يف العالقات العربية اإلسرائيلية‪،‬‬ ‫بخاصــة مــع احتــدام التمحــور يف الصراعــات الدوليــة واإلقليميــة‬ ‫الراهنة‪ ،‬كما سيصعب عليها حتى االستثمار فيها لصالحها‪.‬‬

‫‪028_AM.indd 33‬‬


‫المجلة‬

‫وثائق ومذكرات‬

‫‪34‬‬

‫قصة الغالف‬

‫وثائق سورية – إسرائيلية‪:‬‬ ‫إخراج إيران بدل التطبيع‬ ‫"املجلة" تنشر مسوديت آخر محاولتني أمريكيتني لعقد اتفاق سالم‬ ‫وحجم التغيريات يف دمشق واختالف أولويات تل أبيب وواشنطن‬ ‫لندن ‪ -‬إبراهيم حميدي‬

‫‪06/09/2023 16:02‬‬

‫رسوم ‪ -‬إدواردو رامون‬

‫‪034_AM.indd 34‬‬


‫‪35‬‬

‫المجلة‬

‫حسب مسوديت آخر اتفاقني عرضا عىل الرئيس السوري الراحل‬ ‫حافظ األسد يف العام ‪ 2000‬وعىل الرئيس بشار األسد يف ‪،2011‬‬ ‫اللتني حصلت “املجلة” عىل نصهما‪ ،‬فإن أولوية الرئيس األمرييك‬ ‫بيل كلينتون كانت إقناع األسد خالل لقائهما يف جنيف قبل ‪23‬‬ ‫سنة تحقيق “تطبيع كامل” مع تل أبيب‪ ،‬لكن “الحلم األمرييك”‬ ‫حـزب‬ ‫بــات يف ‪ 2011‬تخــي دمشــق عــن “تحالفهــا” مــع ط ـهـران و“ ـ‬ ‫الله” يف لبنان‪ ،‬قبل انسحاب القوات السورية عام ‪.2005‬‬ ‫جـرت‬ ‫وبعــد انطــاق عمليــة الســام يف مؤتمــر مدريــد ‪ ،1991‬ـ‬ ‫سـرائيلية العلنيــة‬ ‫جـوالت عديــدة مــن املفاوضــات الســورية‪ -‬اإل ـ‬ ‫ـ‬ ‫والســرية‪ ،‬السياســية واألمنيــة والعســكرية‪ ،‬يف أ ـمـركا وأوروبــا‪.‬‬ ‫ويف ‪ ،1993‬كانت هناك نقطة التحول لدى تعهد رئيس الوزراء‬ ‫سـرائييل إســحق رابني باالنســحاب الكامل من الجوالن مقابل‬ ‫اإل ـ‬ ‫تطبيــع العالقــات وترتيبــات أمنيــة‪.‬‬ ‫تعهد رئيس الوزراء اإلسرائييل حمله وزير الخارجية األمرييك‬ ‫وارن كريســتوفر إىل األســد عــرف بـ“وديعــة رابــن”‪ .‬وبعــد جمــود‬ ‫بســبب اتفــاق أوســلو الفلســطيني يف ‪ 1993‬ووادي عربــة األردين‬ ‫جـرت محــاوالت أمريكيــة أخــرى عــى املســار الســوري‪ ،‬مــع‬ ‫‪ ،1994‬ـ‬ ‫تغــر الحكومــات يف تــل أبيــب‪ .‬املفاوضــات كانــت تســر يف مســار‬ ‫تصاعدي وفق ما كان يعرف بـ“أرجل الطاولة األربع” لعناصر اتفاق‬ ‫جـوالن املحتلــة‬ ‫سـرائييل مــن ال ـ‬ ‫الســام‪ ،‬وتضمنــت‪ :‬االنســحاب اإل ـ‬ ‫منــذ عــام ‪ ،1967‬ترتيبــات أمنيــة بــن الطرفــن‪ ،‬تطبيــع العالقــات‬ ‫بينهمــا‪ ،‬الجــدول الزمنــي بــن العناصــر الخاصــة باتفــاق الســام‪.‬‬ ‫ومن االخرتاقات توصل رئيس األركان السوري حكمت الشهابي‬ ‫مع نظرييه إيهود باراك نهاية ‪ 1994‬وأمنون شاحاك يف منتصف‬ ‫‪ 1995‬إىل ورقة مبادئ الرتتيبات األمنية بني البلدين بحيث تكون‬ ‫متوازيــة ومتســاوية‪ .‬ســربها إيهــود بــاراك يك يضغــط عــى رابــن‪.‬‬ ‫اســتمرت املفاوضــات خــال واليــة بنيامــن نتنياهــو بــن عامــي‬ ‫‪ 1996‬و‪ .1999‬لكن بعد فوز حزب “العمل” باالنتخابات وتسلم‬ ‫إيهود باراك‪ ،‬عاد الرئيس كلينتون لتفعيل جهودهإلحداث اتفاق‬ ‫سالم يف سوريا بالتزامن مع أمرين‪ :‬تراجع صحة الرئيس السوري‬ ‫حافظ األسد وتصاعد اإلعداد لتسلم بشار األسد الحكم خلفا له‪.‬‬

‫“وديعة رابين”‬

‫يف ‪ 15‬ديسمرب‪/‬كانون األول ‪ ،1999‬استضاف كلينتون محادثات‬ ‫بــن بــاراك ووزيــر الخارجيــة الســوري فــاروق الشــرع اللذيــن التقيــا‬ ‫وجهــا لوجــه بحضــور وز ـيـرة الخارجيــة مادلــن أولربايــت يف أرفــع‬ ‫لقاء سوري– إسرائييل سيايس‪ ،‬مع أن رئييس األركان التقيا سرا‬ ‫وعلنا نهاية ‪ 1994‬ومنتصف ‪.1995‬‬ ‫أكد الشرع وباراك “الرغبة العميقة” يف تحقيق السالم‪ .‬وركز‬ ‫سـرائييل “وديعــة رابــن”‬ ‫الجانــب الســوري عــى وجــوب ال ـتـزام اإل ـ‬ ‫التي سلمها إىل كريستوفر ونقلها إىل األسد يف ‪ ،1993‬وتضمنت‬ ‫“الق ـبـول باالنســحاب إىل مــا وراء خطــوط الرابــع مــن يونيــو”‪ .‬كمــا‬ ‫طالب الشرع االلتزام بـ“الوثيقة األمنية” املتفق عليها‪ ،‬مع استعداد‬ ‫سوريا لتوفري متطلبات السالم وإقامة عالقات عادية مع إسرائيل‪.‬‬ ‫سـرائييل‪،‬‬ ‫يف املقابــل‪ ،‬ركــز بــاراك عــى مســائل األمــن والقلــق اإل ـ‬ ‫كما ربط مسألة االنسحاب بمسألة العالقات السلمية وعمقها‪.‬‬ ‫واختلف الطرفان حول الجدول الزمني‪ .‬الشرع أراده قصريا‪ ،‬فيما‬ ‫فضل باراك سنتني للتنفيذ‪ .‬لكن النقاش دار يف أجواء بعيدة عن‬ ‫“راض جــدا عــن ســر املفاوضــات‬ ‫التشـ ّنج‪ ،‬وقــال كل منهمــا إنــه‬ ‫ٍ‬ ‫الحالية يف واشنطن برعاية الواليات املتحدة األمريكية”‪ ،‬ما شجع‬

‫‪06/09/2023 16:02‬‬

‫وثائق ومذكرات‬

‫عىل استئناف املفاوضات يف الثالث من يناير‪/‬كانون الثاين يف بلدة‬ ‫شيربد تاون يف والية فرجينيا الغربية‪.‬‬

‫ورقة عمل أميركية‬

‫افتتح كلينتون املحادثات يف الثالث من يناير‪/‬كانون الثاين‪ .‬وأمام‬ ‫ّ‬ ‫تعطــل املفاوضــات‪ ،‬تقــدّ م الجانــب األ ـمـريك‬ ‫املصاعــب واحتمــال‬ ‫حـول القضايــا الرئيســة موقــع‬ ‫با ـقـراح لتشــكيل مجموعــات عمــل ـ‬ ‫صـول إىل اتفــاق‬ ‫الخــاف عــى أن تجتمــع بشــكل متزامــن وأن الو ـ‬ ‫حـول جميــع القضايــا يف جميــع اللجــان‪.‬‬ ‫يف لجنــة مرتبــط باالتفــاق ـ‬ ‫واللجــان التــي تــم تشــكيلها هــي‪:‬‬ ‫‪ ‬لجنة ترسيم حدود خط الرابع من يونيو‪/‬حزيران عام ‪.1967‬‬ ‫‪ ‬لجنة الرتتيبات األمنية املتكافئة‪.‬‬ ‫‪ ‬لجنة العالقات السلمية‪.‬‬ ‫‪ ‬لجنة املياه‪.‬‬ ‫ويف املوعد املحددالجتماعات اللجان‪ّ ،‬‬ ‫تخلف أعضاء الوفد اإلسرائييل‬ ‫يف لجنة رسم الحدود مما أحدث أزمة‪ ،‬ثم استؤنفت االجتماعات‪،‬‬ ‫خـول جــدي يف املواضيــع‪ .‬وأمــام االنســداد‪ ،‬قــدم الوفــد‬ ‫لكــن دون د ـ‬ ‫األمرييك ورقة تلخص موقفي الطرفني‪ .‬وهذا نص الوثيقة‪:‬‬ ‫حكومة دولة إسرائيل وحكومة الجمهورية العربية السورية‬ ‫بهدف الوصول إىل سالم عادل دائم وشامل يف الشرق األوسط‬ ‫سـرة‬ ‫عــى أســاس ـقـراري مجلــس األمــن ‪ 242‬و‪ ،338‬ويف إطــار م ـ‬ ‫الســام التــي بــدأت يف مدريــد يف ‪ 31‬أكتوبر‪/‬تشــرين األول ‪1991‬‬ ‫وســط تأكيدهمــا مجــددا عــى إيمانهمــا بأهــداف ومبــادئ ميثــاق‬ ‫األمم املتحدة وإقرارا بحقهما وواجبهما يف العيش بسالم جنبا إىل‬ ‫جنب‪ ،‬وكذلك مع كل باقي الدول يف إطار حدود آمنة ومعرتف‬ ‫بها‪ .‬ومن منطلق الرغبة يف إحالل احرتام متبادل وتطوير عالقات‬ ‫سـرائيل وســوريا‪-‬‬ ‫جــوار متوازنــة و ّديــة وحســنة‪ ،‬فــإن الدولتــن‪ -‬إ ـ‬ ‫عـزم عــى إقامــة ســام دائــم بينهمــا بمقتــى هــذا‬ ‫عقدتــا بذلــك ال ـ‬ ‫االتفــاق‪ :‬اتفقنــا عــى مــا يــي‪:‬‬

‫البند األول‪ :‬إقامة سالم وأمن‬ ‫في نطاق الحدود المعترف بها‬

‫‪ ‬حالة الحرب بني إسرائيل وسوريا تتوقف بذلك ويقام سالم‬ ‫بينهما‪ ،‬يقيم الطرفان عالقات سالم طبيعية بموجب التحديات‬ ‫الواردة يف البند الثالث الذي سييل فيما بعد‪.‬‬ ‫‪ ‬الحدود الدولية الدائمة اآلمنة واملعرتف بها بني إسرائيل“إ”‬ ‫وسوريا “س” هي الحدود املحددة يف البند الثاين الذي سييل فيما‬ ‫بعد‪ .‬موقع الحدود متفق عليه بني األطراف “س”‪ -‬ويرتكز عىل‬ ‫خطوط الرابع من يونيو‪/‬حزيران ‪ 1967-‬وبني “إ” من منطلق األخذ‬ ‫طـراف‪،‬‬ ‫بالحســبان العتبــارات األمــن واعتبــارات أخــرى حيويــة لأل ـ‬ ‫وكذلك اعتبارات شرعية للطرفني‪.‬‬ ‫دولة إسرائيل “س” تسحب “إ” تنشر من جديد” كل قواتها‬ ‫العســكرية “س‪ :‬ومدنييهــا”‪ ،‬وراء هــذه الحــدود بموجــب امللحــق‬ ‫املرفــق بهــذا االتفــاق‪“ .‬س‪ :‬انطالقــا مــن هــذه النقطــة يمــارس كل‬ ‫طرف سيادته الكاملة يف جهته من الحدود الدولية بما يف ذلك‬ ‫املتفــق عليــه يف هــذا االتفــاق”‪.‬‬ ‫‪ ‬من أجل تعزيز ودعم أمن كال الطرفني تطبّق وثائق وإجراءات‬ ‫أمن متفق عليها بموجب البند الرابع الذي سييل فيما بعد‪.‬‬ ‫منســق يف‬ ‫‪ ‬اإلطــار الزمنــي ‪ -‬يرســم جــدوال زمنيــا متفقــا لتنفيــذ ّ‬ ‫الوقــت‪ -‬متزامــن لهــذا البنــد وباقــي بنــود هــذا االتفــاق‪.‬‬

‫‪034_AM.indd 35‬‬


‫وثائق ومذكرات‬

‫‪36‬‬

‫المجلة‬

‫الواحــد ضــد اآلخــر ويتعاونــان يف إحــال الســلم واالســتقرار‬ ‫والتطــور يف منطقتهمــا ويسـوّيان أي خــاف ينشــأ بالوســائل‬ ‫الســلمية‪.‬‬ ‫‪ ‬يقيــم الطرفــان عالقــات دبلوماســية وقنصليــة كاملــة فيمــا‬ ‫بينهمــا بمــا يف ذلــك تبــادل ســفراء مقيمــن‪.‬‬ ‫‪ ‬يقــر الطرفــان باملنافــع واألفضليــة املتبادلــة الكامنــة يف عالقــات‬ ‫جوار نزيهة وحسنة ترتكز إىل االحرتام املتبادل‪ ،‬ولهذا الغرض‪:‬‬ ‫يعمــان عــى تنميــة وتشــجيع عالقــات تجاريــة واقتصاديــة‬ ‫متبادلة مجدية بما يف ذلك عن طريق سماحهما بحركة مرور‬ ‫حرة وشاملة لألشخاص والبضائع والخدمات بني الدولتني‪.‬‬ ‫يزيــان كافــة العوائــق التــي تقــف حائــا أمــام إقامــة عالقــات‬ ‫اقتصادية طبيعية ويوقفان جميع أشكال املقاطعة االقتصادية‬ ‫املوجّ هــة ضــد الطــرف اآلخــر‪ ،‬ويلغيــان أي تشــريع مجحــف‪،‬‬ ‫ويتعاونان من أجل وضع حد ألي مقاطعة اقتصادية موجّ هة‬ ‫مــع طــرف ثالــث ضــد أحــد الطرفــن‪.‬‬ ‫يشــجّ عان ويدفعان باتجاه إقامة عالقات بينهما يف مجال‬ ‫املواصــات الدوليــة بــن البلديــن ويتعاونــان يف مــد وتطويــر‬ ‫شــبكات ســكك حديديــة ّ‬ ‫صـول طبيعــي للمــوائن‬ ‫تمكــن مــن و ـ‬ ‫لوســائل اإلبحــار والشــحنات املنقولــة لــكل طــرف إىل الطــرف‬ ‫اآلخــر‪ ،‬ويباشــر يف إقامــة عالقــات طبيعيــة يف مجــال املالحــة‬ ‫الجويــة املدنيــة‪.‬‬ ‫يقيمــان اتصــاالت طبيعيــة عــر وســائل الربيــد والهاتــف‬ ‫والتلكس وفاكسيميليا املعلومات واتصاالت سلكية وكوابل‬ ‫وخدمــات تلفزيــون‪ ،‬وراديــو‪ ،‬وأقمــار صناعيــة بــن الطرفــن‪،‬‬ ‫وذلــك عــى قاعــدة غــر مجحفــة بموجــب األ ـعـراف والقواعــد‬ ‫الدوليــة امل ّتبعــة‪.‬‬ ‫يدفعــان باتجــاه إقامــة تعــاون يف مجــال الســياحة بهــدف‬ ‫تســهيل وتشــجيع ســياحة متبادلــة وســياحة مــن دول أخــرى‪.‬‬

‫مالحق ومالحظات‬

‫البند الثاني‪ :‬الحدود الدولية‬

‫سـرائيل وســوريا تكــون بموجــب مــا هــو‬ ‫‪ ‬الحــدود الدوليــة بــن إ ـ‬ ‫ّ‬ ‫املفصلة‪ .‬هذه الحدود هي‬ ‫مبني يف الخرائط واإلحداثيات املساحية‬ ‫الحدود الدولية الدائمة اآلمنة واملعرتف بها بني إسرائيل وسوريا‬ ‫وهي تأيت لتحل مكان أي حدود أو خط هدنة سابق بينهما‪.‬‬ ‫‪ ‬تحرتم األطراف هذه الحدود وسالمة ووحدة مناطق األرض‬ ‫واملياه اإلقليمية واملجال الجوي لكل طرف‪.‬‬ ‫شـركة مهمتهــا وعملهــا محــددان‬ ‫‪ ‬تقــام بذلــك لجنــة حــدود م ـ‬ ‫يف امللحــق‪.‬‬

‫البند الثالث‪ :‬عالقات سالم طبيعية‬

‫مسودة املشروع األمرييك‬ ‫إلتفاق سالم بني‬ ‫إسرائيل وسوريا‬

‫‪06/09/2023 16:02‬‬

‫شـرعة” األمــم‬ ‫‪ ‬يط ّبــق الطرفــان فيمــا بينهمــا شــروط ميثــاق “ ـ‬ ‫املتحــدة ومبــادئ القانــون الــدويل املتعلقــة بالعالقــات بــن الــدول‬ ‫يف عهــد الســام‪ ،‬وخصوصــا‪:‬‬ ‫حـرم ويقــر بالســيادة والوحــدة الجغرافيــة‬ ‫كل طــرف ي ـ‬ ‫واالســتقالل الســيايس للطــرف اآلخــر وبحــق العيــش بســام‬ ‫داخــل حــدود آمنــة ومعــرف بهــا كذلــك‪.‬‬ ‫يقيــم الطرفــان وينميــان عالقــات حســن جــوار وينأيــان عــن‬ ‫التهديد بالقوة أو استخدام القوة بشكل مباشر أو غري مباشر‬

‫جـراءات املتفــق عليهــا إلقامــة وتطويــر هــذه العالقــات‬ ‫يحــدد اإل ـ‬ ‫حـراز االتفاقيــات‬ ‫سـرائيل؛ بمــا يف ذلــك الجــدول الزمنــي إل ـ‬ ‫“إ ـ‬ ‫سـرائيليني‬ ‫ذات الصلــة وكذلــك التســويات بالنســبة للســكان اإل ـ‬ ‫سـرائيلية يف املناطــق التــي ســتجلو عنهــا القــوات‬ ‫واملســتوطنات اإل ـ‬ ‫سـرائيلية بموجــب البنــد‪ /1/‬ســوريا؟”‪.‬‬ ‫العســكرية اإل ـ‬ ‫يأخــذ كل طــرف عــى عاتقــه ضمــان أن يتمكــن مواطنــو الطــرف‬ ‫جـراء قا ـنـوين مالئــم يف الجهــاز القضــايئ‬ ‫اآلخــر مــن التم ّتــع مــن إ ـ‬ ‫واملحاكــم التابعــة لــه‪.‬‬ ‫‪ ‬تكــون عناصــر عالقــات الســلم الطبيعيــة التــي تتطلــب نقاشــا‬ ‫إضافيا هي‪ :‬العالقات الثقافية وشؤون البيئة‪ ،‬والربط الكهربايئ‬ ‫ومســائل الطاقــة والصحــة والزراعــة‪.‬‬ ‫‪ ‬هنــاك بعــض املجــاالت األخــرى التــي يمكــن النظــر فيهــا وهــي‪:‬‬ ‫مكافحــة الجريمــة واملخــدرات والتعــاون ضــد التحريــض وحقــوق‬ ‫اإلنسان واألماكن التاريخية والدينية والنصب التذكارية والتعاون‬ ‫القضــايئ والتعــاون يف البحــث عــن املفقوديــن‪.‬‬

‫البند الرابع‪ :‬األمن‬ ‫أ‪ -‬الترتيبات األمنية‬

‫من واقع االعرتاف بأهمية األمن للجانبني كأساس هام للسالم‬

‫‪034_AM.indd 36‬‬


‫‪37‬‬

‫المجلة‬

‫الدائــم واالســتقرار‪ ،‬يتخــذ الجانبــان جميــع الرتتيبــات األمنيــة‬ ‫التاليــة لــي يقومــا بب ـنـاء قواعــد الثقــة املتبادلــة أث ـنـاء تطبيــق هــذا‬ ‫االتفــاق ولــي يلبيــا االحتياجــات األمنيــة الضروريــة لهمــا‪ ،‬وفيمــا‬ ‫يــي أهــم الرتتيبــات‪:‬‬

‫استمرت‬ ‫املفاوضات‬ ‫خالل والية‬ ‫بنيامني نتنياهو‬ ‫بني عامي‬ ‫‪ 1996‬و‪.1999‬‬ ‫لكن بعد فوز‬ ‫حزب “العمل”‬ ‫باالنتخابات‬ ‫وتسلم إيهود‬ ‫باراك‪ ،‬عاد‬ ‫الرئيس‬ ‫كلينتون‬ ‫لتفعيل جهوده‬ ‫إلحداث اتفاق‬ ‫سالم يف سوريا‬

‫‪06/09/2023 16:02‬‬

‫‪ ‬مناطق تحديد حجم القوات وقدراتها تشمل تحديد القدرة‬ ‫سـاح والبنيــة‬ ‫عــى االســتعداد والعمــل والتسـ ّـلح‪ ،‬ومنظمــات ال ـ‬ ‫العســكرية‪.‬‬ ‫‪ ‬يتــم داخــل مناطــق تحديــد القــوات وقدراتهــا إقامــة منطقــة‬ ‫سـاح‪ -‬تشــمل املناطــق التــي ستنســحب منهــا القــوات‬ ‫منزوعــة ال ـ‬ ‫اإلسرائيلية ومنطقة التماس القائمة التي حُ ددت يف إطار اتفاقات‬ ‫سـرائييل والســوري يف ‪ 31‬مــن‬ ‫وقــف إطــاق النــار بــن الجيشــن اإل ـ‬ ‫مايو‪/‬أيار ‪( 1974‬التي توصل إليها وزير الخارجية األمرييك هرني‬ ‫سـاح‬ ‫حـرب العــام ‪ )1973‬عــى أن يكــون نــزع ال ـ‬ ‫كيســنجر بعــد ـ‬ ‫متســاويا عــى جانبــي الحــدود‪ .‬ووفقــا ملــا هــو موضــح يف امللحــق‪.‬‬ ‫ال يجــوز نشــر قــوات عســكرية أو ذخائــر أو منظومــات أســلحة أو‬ ‫قدرات عسكرية أو بنية عسكرية يف منطقة نزع السالح من قبل‬ ‫شـرطة‬ ‫أي جانــب مــن الجانبــن ويســمح فقــط بتواجــد محــدود لل ـ‬ ‫املدنيــة يف املنطقــة‪ -‬واتفــق الطرفــان عــى عــدم التحليــق بطا ـئـرات‬ ‫سـاح دون ترتيبــات خاصــة‪.‬‬ ‫فــوق منطقــة نــزع ال ـ‬ ‫‪ ‬توضــع أج ـهـزة لإلنــذار املبكــر بمــا يف ذلــك محطــة اإلنــذار املبكــر‬ ‫عــى جبــل الشــيخ‪ -‬مــع تواجــد عســكري فعّ ــال‪ -‬ويتــم تشــغيل‬ ‫محطــة اإلنــذار مــن قبــل الواليــات املتحــدة وفرنســا تحــت رعايتهمــا‬ ‫ومسؤوليتهما الوحيدة‪ ،‬ويتم تشغيل هذه املحطة بصورة دائمة‬ ‫وناجعــة وفقــا ملــا هــو موضــح يف امللحــق‪.‬‬ ‫‪ ‬جهاز متابعة ومراقبة فيديو‪ ،‬ير ّكب من قبل الطرفني ويشمل‬ ‫طواقــم متعــددة الجنســيات ووســائل آليــة يف املوقــع‪ -‬عــن طريــق‬ ‫تواجــد دويل‪ -‬وتكــون مهمــة هــذا الجهــاز املتابعــة ومراقبــة تطبيــق‬ ‫الرتتيبــات األمنيــة‪ ،‬تكــون التفاصيــل املتعلقــة بهــذه الرتتيبــات‬ ‫األمنيــة بمــا يف ذلــك حجمهــا وأماكــن وجودهــا وطبيعتهــا وكذلــك‬ ‫أي ترتيــب أمنــي آخــر كمــا هــو موضــح يف امللحــق‪.‬‬

‫ب‪ -‬وسائل أمنية أخرى‬

‫وكخطــوات إضافيــة للتأكــد مــن الوقــف التــام لألعمــال العدائيــة‬ ‫مهمــا كانــت بــن الجانبــن أو مــن داخــل املنطقــة الخاضعــة ألحــد‬ ‫الجانبــن يل ـتـزم الجانبــان بمــا يــي‪:‬‬ ‫‪ ‬يل ـتـزم كل جانــب بعــدم التعــاون مــع أي طــرف ثالــث يف إطــار‬ ‫تحالــف معــا ٍد ذي طابــع عســكري‪ ،‬وعليــه التأكــد مــن أن املنطقــة‬ ‫الخاضعة لسيطرته ال يتم استعمالها من قبل قوات جيش ثالث‬ ‫مهما كان بما يف ذلك املعدّات والذخائر الخاضعة لهذا الجيش‪،‬‬ ‫يف ظروف تؤثر ســلبا عىل أمن الطرف الثاين‪.‬‬ ‫‪ ‬يل ـتـزم كل جانــب باالمت ـنـاع عــن تنظيــم أو إثــارة أو إشــعال أو‬ ‫املســاعدة أو املشــاركة يف أعمــال عنــف أو تهديــد بالعنــف مهمــا‬ ‫كان ضد الطرف الثاين أو ضد مواطنيه أو ممتلكاته مهما كانت‬ ‫واتخاذ الوسائل الكافية للتأكد من أن نشاطات من هذا القبيل‬ ‫لن تحدث من أراضيه أو من األرايض الخاضعة لسيطرته وأنها لن‬ ‫تحصــل عــى تأييــد أو دعــم مــن األ ـفـراد املقيمــن يف هــذه األرايض‪،‬‬ ‫ومن هذه عىل كل طرف اتخاذ جميع الوسائل املطلوبة والناجعة‬ ‫خـول أو تواجــد أو ممارســة أي نشــاط عــى أرضــه مــن قبــل‬ ‫ملنــع د ـ‬

‫وثائق ومذكرات‬

‫أيــة منظمــة مهمــا كانــت أو مجموعــة ومنعهــا مــن إقامــة أيــة أبنيــة‬ ‫تهدد أمن الطرف الثاين عن طريق اللجوء إىل العنف أو التحريض‬ ‫عــى اللجــوء إليــه‪.‬‬ ‫‪ ‬يقــر الجانبــان أن اإلرهــاب الــدويل بأنواعــه يشــكل تهديــدا ألمــن‬ ‫شـركة يف تقويــة‬ ‫األمــم وب ـنـاء عــى ذلــك توجــد لهمــا مصلحــة م ـ‬ ‫شـركة ملواجهــة هــذه املشــكلة‪.‬‬ ‫الوســائل الدوليــة امل ـ‬

‫ج‪ -‬التعاون والتنسيق األمني‬

‫يقوم الجانبان بتشكيل جهاز ارتباط وتنسيق مباشر بينهما كما‬ ‫هــو موضــح يف امللحــق‪ ،‬مــن أجــل التســهيل عــى تطبيــق الرتتيبــات‬ ‫األمنيــة املبينــة يف هــذا االتفــاق‪ .‬وتشــمل مهمــات هــذا الجهــاز مــا‬ ‫ييل‪ :‬االتصال املباشر يف الوقت املالئم فيما يتعلق بشؤون األمن‬ ‫وتقليص االحتكاكات إىل الحد األدىن عىل طول الحدود الدولية‪،‬‬ ‫ومتابعة املشاكل التي قد تنشأ خالل عملية التطبيق‪ ،‬والتعاون‬ ‫يف منع وقوع األخطاء أو التفسريات الخاطئة‪ ،‬وإجراء اتصاالت‬ ‫مباشرة ومستمرة مع جهاز املتابعة واملراقبة والفيديو‪.‬‬

‫البند الخامس‪ :‬المياه‬

‫‪ ‬يقر الجانبان بذلك أن الحل الكامل لجميع الخالفات القائمة‬ ‫بينهما حول املياه يشكل قاعدة أساسية لضمانة السالم املستقر‬ ‫صـول الدوليــة املالئمــة‪ ،‬واتفــق‬ ‫والدائــم عــى أســاس املبــادئ واأل ـ‬ ‫الجانبان عىل وضع ترتيبات تضمن استمرار إسرائيل يف استعمال‬ ‫كميــات امليــاه مــن خزانــات امليــاه ومــن امليــاه الجوفيــة املوجــودة يف‬ ‫املناطق التي سيتم تسليمها أو ستنسحب منها القوات اإلسرائيلية‬ ‫وفقــا للبنــد األول وكمــا هــو موضــح يف امللحــق ومــن الضــروري‬ ‫أن تشــمل الرتتيبــات جميــع الوســائل ملنــع التلــوث البيولوجــي أو‬ ‫حـرة طربيــا ونهــر األردن ومنابعهمــا‪.‬‬ ‫الكيميــايئ أو تجفيــف ب ـ‬ ‫‪ ‬لضرورة تطبيق هذا البند وامللحق يقوم الجانبان بتشكيل لجنة‬ ‫شـرك‪،‬‬ ‫شـركة وجهــاز مراقبــة وتطبيــق ومجلــس إداري م ـ‬ ‫ميــاه م ـ‬ ‫وعىل أن يحدد يف امللحق‪.‬‬ ‫‪ ‬اتفــق الطرفــان عــى التعــاون فيمــا بينهمــا يف الشــؤون املتعلقــة‬ ‫بامليــاه‪ ،‬كمــا هــو واضــح يف امللحــق‪ ،‬ويشــمل ذلــك ضمانــة كميــة‬ ‫سـرائيل يف إطــار اتفاقــات أخــرى تتعلــق‬ ‫وكيفيــة امليــاه املخصصــة إل ـ‬ ‫بامليــاه التــي مصدرهــا يف ســوريا‪.‬‬

‫البند السادس‪ :‬الحقوق والواجبات‬

‫سـره بأنــه يغـ ّـر بــأي حــال‬ ‫‪ ‬هــذا االتفــاق ال يغــر‪ -‬وال يجــوز تف ـ‬ ‫من األحوال‪ -‬حقوق وواجبات الجانبني الواردة يف إطار معاهدة‬ ‫األمــم املتحــدة‪.‬‬ ‫‪ ‬يتعهد الجانبان بااللتزام بالتنفيذ الكامل والدقيق لواجباتهما‬ ‫وفقا لهذا االتفاق‪ ،‬دون عالقة مع وجود أي نشـ ــاط طرف ثالث‬ ‫مهما كان‪ ،‬وبمعزل عن أي ــة جهة ليــست مشمولة يف إطار االتفاق‪.‬‬ ‫‪ ‬يتعهد الجانبان باتخاذ جميع الوسائل الالزمة لتطبيق أحكام‬ ‫طـراف التــي وقعــا عليهــا يف إطــار العالقــات‬ ‫املعاهــدات متعــددة األ ـ‬ ‫بينهمــا‪ ،‬ويشــمل ذلــك تقديــم ال ـبـاغ املالئــم لســكرتري عــام األمــم‬ ‫املتحــدة وألم ـنـاء أيــة معاهــدات مــن هــذا القبيــل‪ ،‬وكذلــك يتمنــع‬ ‫الجانبــان عــن القيــام بنشــاطات تمــس حقــوق أي واحــد منهمــا يف‬ ‫املشــاركة يف املنظمــات الدوليــة التــي ينتميــان إليهــا وفقــا لقواعــد‬ ‫إدارة هــذه املنظمــات‪.‬‬ ‫‪ ‬يتعهد الجانبان بعدم إبرام تعهدات تتناقض مع هذا االتفاق‪.‬‬

‫‪034_AM.indd 37‬‬


‫وثائق ومذكرات‬

‫‪06/09/2023 16:02‬‬

‫المجلة‬

‫‪38‬‬

‫‪034_AM.indd 38‬‬


‫‪39‬‬

‫التعديالت السورية‬ ‫عىل الورقة األمريكية‬

‫المجلة‬

‫‪ ‬وفقــا للبنــد ‪ 103‬مــن معاهــدة األمــم املتحــدة فإنــه يف حالــة‬ ‫حــدوث تناقــض بــن واجبــات الجانبــن وفقــا لهــذا االتفــاق وغريهــا‬ ‫مــن واجباتهمــا تكــون الغلبــة للواجبــات املب ّينــة يف هــذا االتفــاق‪.‬‬

‫لسوريا من تركيا‪ ،‬فرد عليه الوزير الشرع بأن األتراك ال يقبلون‪،‬‬ ‫فأجابه كلينتون‪ :‬ندفع لهم قيمة املياه‪ ،‬وعندئذٍ لن يعرتض أحد‪.‬‬ ‫فرد الوزير السوري‪ :‬ال أستطيع إعطاءك جوابا اآلن‪.‬‬ ‫فيما يتعلق بموضوع األمن‪ ،‬أصر الجانب السوري عىل الوثيقة‬ ‫املتفق عليها سابقا عام ‪ 1995‬أي أن يكون األمن متوازيا ومتساويا‬ ‫وعىل طريف الحدود‪ ،‬ورفضنا أية إجراءات أمنية تمس العاصمة‪.‬‬ ‫ضـوع املســارات االقتصاديــة وكان‬ ‫طرحــت الوز ـيـرة أولربايــت مو ـ‬ ‫الجواب عدم مناقشة هذا املوضوع حتى ال يشكل عامل ضغط‪.‬‬

‫يتم نفي الخالفات بني الجانبني فيما يتعلق بتفسري أو تطبيق‬ ‫االتفاق الحايل عن طريق املفاوضات‪.‬‬

‫الفرصة األخيرة‬

‫البند السابع‪ :‬التشريع‬

‫يتعهد الجانبان بتنفيذ أي تشريع يحتاج إليه لضرورة تطبيق‬ ‫االتفاق وإلغاء أي تشريع ال ينسجم معه‪.‬‬

‫البند الثامن‪ :‬تسوية الخالفات‬

‫البند التاسع‪ :‬بنود أخيرة‬

‫‪ ‬تتــم املصادقــة عــى هــذا االتفــاق مــن قبــل الجانبــن وفقــا‬ ‫جـراءات التشــريعية املتبعــة لــدى كل جانــب ويبــدأ ســريان‬ ‫لإل ـ‬ ‫مفعوله بعد تبادل أوراق اعتماده‪ ،‬ويحل محل أي اتفاق ثنايئ‬ ‫ســابق بــن الجانبــن‪.‬‬ ‫جـزأ‬ ‫جـزءا ال يت ـ‬ ‫‪ ‬تشــكل امللحقــات والذ ـيـول املرفقــة بهــذا االتفــاق ـ‬ ‫منه‪.‬‬ ‫‪ ‬يتــم تحويــل االتفــاق إىل ســكرتري عــام األمــم املتحــدة لتســجيله‬ ‫صـول‪.‬‬ ‫وفقــا لأل ـ‬ ‫بعــد تقديــم الجانــب األ ـمـريك ورقتــه‪ ،‬قــدم الشــرع مالحظــات‬ ‫سـرائيلية‪.‬‬ ‫ســوريا فيمــا قــدم بــاراك تعديــات إ ـ‬

‫الشرع في دمشق‪ ..‬وتأجيل‬

‫سـرائيل ويف‬ ‫تســريب االتفــاق وقتــذاك قوبــل بضجــة ك ـبـرة يف إ ـ‬ ‫سوريا‪ ،‬األمر الذي أدى إىل تأجيل استئناف املفاوضات كما كان‬ ‫مقــررا‪ ،‬خصوصــا شــعور دمشــق بـ“تراجــع” بــاراك عــن تعهداتــه‬ ‫جـوالن إىل خــط ‪ 4‬يونيو‪/‬حز ـيـران‪.‬‬ ‫باالنســحاب مــن ال ـ‬ ‫ويف ‪ 19‬ينايــر‪ ،‬عقــد اجت ـمـاع قيــادي يف دمشــق ملناقشــة نتائــج‬ ‫سـرائيليني‪ .‬وحســب وثيقــة رســمية ســورية‪،‬‬ ‫املفاوضــات مــع اإل ـ‬ ‫حصلــت “املجلــة” عــى نصهــا‪ ،‬قــال الشــرع‪:‬‬

‫من واقع‬ ‫االعرتاف بأهمية‬ ‫األمن للجانبني‬ ‫كأساس هام‬ ‫للسالم الدائم‬ ‫واالستقرار‪،‬‬ ‫يتخذ الجانبان‬ ‫ترتيبات أمنية‬ ‫ليك يقوما ببناء‬ ‫قواعد الثقة‬ ‫املتبادلة أثناء‬ ‫تطبيق هذا‬ ‫االتفاق‬

‫‪06/09/2023 16:02‬‬

‫وثائق ومذكرات‬

‫‪ ‬كلينتون ووزيرة خارجيته جيدان وهما معنا ويؤيدان موقفنا‬ ‫وقد حمّ لني الرئيس كلينتون رسالة للرئيس األسد‪.‬‬ ‫طـوين فرصــة ثالثــة أشــهر ألرتــب‬ ‫‪ ‬بــاراك يريــد الســام وقــال أع ـ‬ ‫وضعي‪ ،‬كما قال باراك إن الرئيس األسد أهم رئيس عرفته بالد‬ ‫الشــام منــذ ظهــور اإلســام‪.‬‬ ‫ثم عرض مجريات املحادثات عىل النحو التايل‪:‬‬ ‫حـول األولويــات‪ ،‬ســوريا تريــد بحــث‬ ‫سـرائيليني ـ‬ ‫الخــاف مــع اإل ـ‬ ‫االنسحاب إىل ما وراء خط الرابع من يونيو‪/‬حزيران‪ ،‬وإسرائيل‬ ‫تريد بحث قضايا األمن واملياه والعالقات السلمية‪ .‬وبعد ّ‬ ‫تدخل‬ ‫أمرييك تم االتفاق عىل تشكيل أربع مجموعات عمل ولم تتوصل‬ ‫اللجان إىل أي اتفاق‪.‬‬ ‫أكد كلينتون برسالته إىل الرئيس األسد التزام الواليات املتحدة‬ ‫باالنسحاب إىل ما وراء خط الرابع من يونيو‪/‬حزيران‪.‬‬ ‫طلب كلينتون من الجانب السوري حل مشكلة املياه وعندئذٍ‬ ‫سـرائيل هــو‬ ‫ُتحــل مشــكلة الرابــع مــن يونيو‪/‬حز ـيـران ألن مــا يقلــق إ ـ‬ ‫شـراء ميــاه‬ ‫ضـوع امليــاه‪ .‬وأضــاف أن الواليــات املتحــدة جا ـهـزة ل ـ‬ ‫مو ـ‬

‫بعــد اإلعــان عــن تأجيــل اجتماعــات مجموعــات العمــل توقفــت‬ ‫املفاوضــات‪ .‬ويف ‪ 7‬مــارس‪/‬آذار ‪ ،2000‬اتصــل الرئيــس كلينتــون‬ ‫هاتفيــا بالرئيــس األســد و ـعـرض ل ـقـاء يف جنيــف ألن لديــه “أمــورا‬ ‫هامة” يريد إبالغها شخصيا للرئيس‪ ،‬فوافق الرئيس حافظ ُ‬ ‫وعقد‬ ‫االجتماع يف ‪ 26‬مارس‪/‬آذار‪ .‬حسب مسؤول أمرييك‪ ،‬إن املرض كان‬ ‫واضحــا عــى األســد‪ ،‬بــل أن املنســق األ ـمـريك دينــس روس حــاول‬ ‫اختبار ذلك بانه ملس األسد يف كتفيه يك يتأكد من ضعف صحته‪.‬‬ ‫وحســب وثيقــة ســورية أخــرى‪“ ،‬تحــدّ ث كلينتــون عــن عمليــة‬ ‫الســام ودور األســد بإطالقهــا يف مؤتمــر مدريــد‪ ،‬وتحــدّ ث عــن‬ ‫اإلنجــازات الكــرى لألمــن واالســتقرار يف املنطقــة يف حــال تحقــق‬ ‫السالم بني سوريا وإسرائيل‪ ،‬ثم عرض خرائط عىل األسد”‪ .‬يقول‬ ‫الجانب السوري إنها تتضمن شريطا بعرض ‪ 200‬مرت من البحرية‪.‬‬ ‫وت ـقـول الوثيقــة الســورية‪“ :‬نظــر األســد إىل الخرائــط فوجــد‬ ‫خطــا للحــدود يف منطقــة البطيحــة عــى شــواطئ طربيــا تتجــاوز‬ ‫خــط الرابــع مــن يونيو‪/‬حز ـيـران‪ ،‬كمــا وجــد انحرافــا يف الخــط يف‬ ‫منطقــة بانيــاس‪ .‬التفــت إىل الرئيــس كلينتــون وقــال لــه‪ :‬مــا هــذا؟‬ ‫سـرائيلية وليســت أمريكيــة‪ ،‬إذا كان هــذا مــا أردت‬ ‫هــذه خريطــة إ ـ‬ ‫إبالغــي عنــه فليــس لــديّ مــا أقولــه وليــس لــديّ مــا نتناقــش بــه‪.‬‬ ‫أجابه كلينتون‪ :‬إن وزير خارجيتك وافق عىل هذه الخريطة‪،‬‬ ‫وكان الوزير الشرع واقفا لم يرد بكلمة واحدة‪.‬‬ ‫رد األســد‪ :‬ليــس لــدي مــا أقولــه أو أناقشــه‪ ،‬هــذه خريطــة‬ ‫سـرائيلية ولــن أوافــق عــى التنــازل عــن حبــة ـتـراب‪.‬‬ ‫إ ـ‬ ‫جـاء الشــرع لألســد وقــال لــه‪ :‬ســيادة‬ ‫بعــد خــروج كلينتــون‪ ،‬ـ‬ ‫غـرة يكــذب‪ ،‬ولكنــي لــم‬ ‫الرئيــس‪ ،‬أنــا أعــرف أن رئيــس دولــة ص ـ‬ ‫ّ‬ ‫أتوقــع أن يكــذب رئيــس دولــة عظمــى‪ ،‬فهـ ّز الرئيــس رأســه ولــم‬ ‫يــرد”‪ ،‬حســب ـقـول نائــب الرئيــس الســوري عبدالحليــم خــدام‪،‬‬ ‫وزاد يف وثيقة رسمية‪“ :‬كان األمريكيون يتابعون صحة الرئيس‬ ‫األســد‪ ،‬ويراهنــون عليهــا معتقديــن أن الرئيــس ســيكون مســتعدا‬ ‫لتقديــم التنــازالت املطلوبــة‪ ،‬ولكــن الرجــل رحــل وكانــت مصلحــة‬ ‫البالد هي األسمى‪ ،‬رحل دون أن يف ّرط أو يتنازل أو يفتح الطريق‬ ‫للتفريــط والتنــازل‪.‬‬ ‫سـرائيل مــن جنــوب لبنــان يف مايو‪/‬أيــار ‪،2000‬‬ ‫انســحبت إ ـ‬ ‫وتــويف األســد يف ‪ 10‬يونيو‪/‬حز ـيـران مــن العــام نفســه‪ ،‬وتســلم‬ ‫نجلــه الحكــم بعــده‪.‬‬

‫بشار األسد‪ ...‬وإيران‬

‫جـرت محــاوالت إلنجــاز اتفــاق مــع‬ ‫صـول الرئيــس بشــار‪ ،‬ـ‬ ‫بعــد و ـ‬ ‫سـرائيل‪ ،‬كانــت أبرزهــا خــال ـفـرة العزلــة بعــد اغتيــال رئيــس‬ ‫إ ـ‬ ‫الــوزراء اللبنــاين رفيــق الحريــري‪ ،‬حيــث توســطت تركيــا بــن عامــي‬ ‫‪ 2007‬و‪ ،2008‬واقرتحت ترتيب لقاء مباشر بني األسد ورئيس‬

‫‪034_AM.indd 39‬‬


‫وثائق ومذكرات‬

‫الــوزراء األســبق إيهــود أو ـملـرت الــذي شــن الهجــوم عــى ـغـزة بعــد‬ ‫انهيــار اال ـقـراح‪.‬‬ ‫بعــد خــروج دمشــق مــن العزلــة‪ ،‬عــادت إدارة بــاراك أوبامــا‬ ‫لالهتم ــام بالت ــسوية وت ــم تعيي ــن ال ـس ــيناتور ج ــورج ميتش ــل مبعـ ــوثا‬ ‫وفريــد هـ ــوف نائبــا لــه‪ .‬وبــن أبريل‪/‬ني ـ ــسان ‪ ،2009‬ومنتصــف‬ ‫مــارس‪/‬آذار ‪ ،2011‬كان الدبلوماس ـ ــي واملبعــوث األ ـمـريك‪ ،‬الــذي‬ ‫عرف بأنه رس ــم “خط ـ ‪ 4‬يونيو”‪ ،‬يركز عىل املسار‪ ،‬ولحظ تجربته‬ ‫يف كتابــه “ب ـلـوغ املرتفعــات‪ :‬قص ـ ــة محاولــة سـ ــرية لعقــد س ـ ــام‬ ‫ســوري‪ -‬إسـ ــرائييل”‪ ،‬الذي صـ ــدر عن “املعهـ ــد األمرييك للسـ ــام”‬ ‫فـ ــي واش ـ ــنطـ ــن‪.‬‬ ‫بعد جوالت استكشــافية مليتشــل وهوف يف دمشــق وتل أبيب‬ ‫أيضا‪ ،‬تكثف الجهد األمرييك يف ‪ .2010‬سافر ميتشل وهوف إىل‬ ‫دمشق يف سبتمرب‪/‬أيلول يف محاولة للحصول عىل موافقة األسد‬ ‫عىل مقاربة جديدة لتنفيذ “وديعة رابني” تضمن بوضوح الحديث‬ ‫عن “الجوانب اإلقليمية”‪ ،‬أي عالقة سوريا بإيران و“حزب الله”‪.‬‬ ‫قبل ذلك‪ ،‬ويف ‪ 22‬مايو‪/‬أيار ‪ ،2010‬حصل رئيس لجنة العالقات‬ ‫الخارجية يف مجلس الشيوخ األمرييك‪ ،‬جون كريي‪ ،‬من األسد عىل‬ ‫“انفتاح األسد عىل اتفاق سالم يلبي جميع املتطلبات اإلسرائيلية‬ ‫يف مقابل االنسحاب اإلسرائييل الكامل إىل خط ‪ 4‬يونيو”‪.‬‬ ‫حـزب‬ ‫صـول “صواريــخ ســكود إىل ـ‬ ‫كانــت واشــنطن قلقــة مــن و ـ‬ ‫اللــه”‪ ،‬وتســعى لفــك االرتبــاط الســوري‪ -‬اإل ـيـراين‪ .‬لكــن الالفــت‪،‬‬ ‫أن كــري حمــل معــه مســودة رســالة مُ عــدة لتوقيــع األســد‪ ،‬كان‬ ‫سـرائيليني‪ُ ،‬تنقــل إىل الرئيــس‬ ‫جهزهــا هــوف بعــد ل ـقـاءات مــع اإل ـ‬ ‫أوبامــا‪ ،‬وهــذا نصهــا‪:‬‬ ‫سـرائيل‪ ،‬بمــا يف ذلــك الحــدود‬ ‫‪ ‬معاهــدة الســام بــن ســوريا وإ ـ‬ ‫التــي تعكــس اســتعادة ســوريا الكاملــة لــأرايض التــي فقدتهــا‬ ‫يف يونيو‪/‬حز ـيـران ‪ ،1967‬مــن شــأنها أن تنهــي كل دعــم ســوري‬ ‫سـرائيل مــن‬ ‫لألعمــال‪ ،‬والسياســات‪ ،‬والتعــاون الــذي يهــدد أمــن إ ـ‬ ‫جانــب الــدول وغــر الــدول عــى حــد ســواء‪.‬‬ ‫سـرائيل‬ ‫صـراع بــن إ ـ‬ ‫‪ ‬مــن شــأن معاهــدة الســام أن تنهــي ال ـ‬ ‫وســوريا‪ ،‬وأن تشــتمل عــى تســوية جميــع املطالبــات الناشــئة عــن‬ ‫األحــداث قبــل إ ـبـرام االتفــاق‪.‬‬ ‫‪ ‬ينجــم عــن ذلــك تطبيــع العالقــات الدبلوماســية‪ ،‬بمــا يف ذلــك‬ ‫فتــح الســفارات‪.‬‬ ‫‪ ‬تكون عالقات سوريا مع الدول وغري الدول متسقة تماما مع‬ ‫سـرائيل كمــا هــي محــددة‬ ‫التزاماتهــا التعاهديــة والتزاماتهــا تجــاه إ ـ‬ ‫بما يبعث عىل ارتياح الطرفني‪.‬‬ ‫‪ ‬يف حال التوصل إىل معاهدة سالم مع إسرائيل‪ ،‬فإن سوريا‪،‬‬ ‫تمشــيا مــع مبــادرة الســام العربيــة‪ ،‬ســتقدم دعمهــا وتعاونهــا‬ ‫سـرائييل شــامل‪ ،‬بمــا يف ذلــك‬ ‫الكاملــن لتحقيــق ســام عربــي‪ -‬إ ـ‬ ‫تأمني اتفاقات السالم بني إسرائيل والفلسطينيني‪ ،‬وبني إسرائيل‬ ‫سـرائيل‬ ‫ولبنــان‪ ،‬ومــا يرتتــب عــى ذلــك مــن تطبيــع العالقــات بــن إ ـ‬ ‫ضـاء جامعــة الــدول العربيــة”‪.‬‬ ‫وجميــع أع ـ‬ ‫كانت هذه بمثابة “وديعة أمريكية” بديلة من “وديعة رابني”‪.‬‬ ‫صـول عــى تعهــد خطــي مــن أوبامــا‬ ‫حــاول الجانــب الســوري الح ـ‬ ‫جـوالن الســوري‬ ‫سـرائييل مــن ال ـ‬ ‫يتضمــن التعهــد باالنســحاب اإل ـ‬ ‫إىل خــط ‪ 4‬يونيــو‪ .‬وقــال كــري لألســد‪“ :‬أكــدت مــع نائــب الرئيــس‬ ‫(جوزيــف بايــدن) بــأن موقــف الواليــات املتحــدة يســتلزم عــودة‬ ‫جـوالن بالكامــل إىل خــط ‪.”1967‬‬ ‫ال ـ‬

‫‪06/09/2023 16:03‬‬

‫المجلة‬

‫‪40‬‬

‫استمرت الجهود األمريكية بني دمشق وتل ابيب‪ .‬ويف ‪ 27‬فرباير‪/‬‬ ‫شــباط ‪ ،2011‬أي بعــد انــدالع االحتجاجــات و“الربيــع العربــي”‪،‬‬ ‫وصل هوف إىل دمشق والتقى األسد باليوم التايل‪ .‬عرض املبعوث‬ ‫األمرييك مسودة االتفاق السوري‪ -‬اإلسرائييل‪ .‬سلم هوف الورقة‬ ‫إىل األسد مع حوايش‪ ،‬وهذا نصها‪:‬‬ ‫“ســينهي هــذا االتفــاق (اتفــاق اإلطــار املحتمل‪/‬معاهــدة الســام‬ ‫سـرائيل‪ ،‬و ـيـريس الســام‪،‬‬ ‫حـرب بــن ســوريا وإ ـ‬ ‫املحتملــة) حالــة ال ـ‬ ‫ويتطلب أفعاال من جهة الطرفني إلقامة عالقة ثنائية وعالقات‬ ‫مع كافة األطراف األخرى الفاعلة‪ ،‬اتساقا مع هذا الواقع الجديد‪.‬‬ ‫ووفقا لذلك‪ ،‬لن يهدد أي من الطرفني‪ ،‬طبقا ملبادئ القانون‬ ‫الــدويل املع ـمـول بهــا‪ ،‬ووثيقــة األمــم املتحــدة‪ ،‬أو يدعــم بشــكل‬ ‫مباشــر أو غــر مباشــر‪ ،‬أي أفعــال أو جهــود أو خطــط مــن جانــب‬ ‫طرف يمثل دولة أخرى أو ال يمثل دولة‪ ،‬من شأنها تهديد أمن‬ ‫خـول‬ ‫أو ســامة الطــرف اآلخــر أو مواطنيــه‪ ،‬بوجــه خــاص عنــد د ـ‬ ‫هــذا االتفــاق حيــز التنفيــذ‪:‬‬ ‫‪ ‬ســيمتنع الطرفــان عــن ممارســة أي تهديــد أو اســتخدام للقــوة‬ ‫بشــكل مباشــر أو غــر مباشــر ضــد بعضهمــا بعضــا‪ ،‬وســيعمالن‬ ‫عىل تســوية كافة الخالفات والنزاعات بينهما بالطرق الســلمية‪.‬‬ ‫‪ ‬سينهي الطرفان ويحظران القيام بأي أنشطة عىل أراضيهما‬ ‫أو من جانب مواطنيهما تساعد أي قوات نظامية أو غري نظامية‬ ‫أو شبه عسكرية تسعى نحو اإلضرار بالطرف اآلخر أو مواطنيه‪.‬‬ ‫(حاشية رقم ‪.)1‬‬ ‫‪ ‬لــن يســتخدم أي مــن الطرفــن حقــه بموجــب أي معاهــدة أو‬ ‫اتفاق أو التزام مع أي طرف يمثل أو ال يمثل دولة يف االستخدام‬ ‫الجماعي للقوة ضد الطرف اآلخر‪ ،‬أو يستجيب باملوافقة عىل أي‬ ‫طلب مساعدة يف ممارسة تهديد أو استخدام لقوة ضد الطرف‬ ‫اآلخــر بموجــب مثــل تلــك املعاهــدة‪ ،‬أو االتفــاق أو االل ـتـزام‪ ،‬أو‬ ‫املشــاركة أو الحفــاظ عــى املشــاركة يف تحالــف عــدايئ ضــد الطــرف‬ ‫اآلخــر‪( .‬حاشــية رقــم ‪.)2‬‬ ‫‪ ‬لــن يقــوم أي طــرف بنقــل أســلحة أو معــدات عســكرية إىل‬ ‫لبنــان‪ ،‬أو الســماح بــأن تتــم مثــل تلــك العمليــات عــر أراضيــه‪،‬‬ ‫باستثناء تلك املرسلة إىل قوات األمن الرسمية للحكومة اللبنانية‪.‬‬ ‫(حاشــية رقــم ‪.)3‬‬ ‫سـرائييل‬ ‫‪ ‬يتشــارك الطر فــان هــدف تحقيــق ســام عر بــي‪ -‬إ ـ‬ ‫شــامل‪ ،‬ويدركان أن هذا ســوف يتطلب إبرام اتفاقات ســام بني‬ ‫الفلسطينيني واإلسرائيليني‪ ،‬ولبنان وإسرائيل‪ ،‬وتطبيع العالقات‬ ‫سـرائيل‪.‬‬ ‫ضـاء كافــة يف جامعــة الــدول العربيــة وإ ـ‬ ‫بــن الــدول األع ـ‬ ‫وســوف يبــذل الطرفــان قصــارى جهديهمــا لتحقيــق هــذا الهــدف”‪.‬‬

‫هوامش وتوضيحات‬ ‫الحواشي إلى حاالت خاصة‪:‬‬

‫‪ ‬عمليــا‪ ،‬بالنظــر إىل السياســات الحاليــة لتلــك الجماعــات‪،‬‬ ‫ســينبغي عــى ســوريا االمت ـنـاع عــن تقديــم املســاعدة العســكرية‬ ‫واملاليــة‪ ،‬بمــا فيهــا األســلحة واملــواد ذات االســتخدام املــزدوج‬ ‫حـزب اللــه”‪ ،‬ســواء‬ ‫والتدريــب واملعلومــات االســتخباراتية‪ ،‬إىل “ ـ‬ ‫يف سوريا أو لبنان و“حماس” وغريها من الجماعات الفلسطينية‬ ‫سـرائيل‬ ‫التــي تخطــط وتدعــم وتشــارك يف أعمــال عنــف ضــد إ ـ‬ ‫سـرائيليني‪ ،‬وتطــرد مــن ســوريا كل األ ـفـراد التابعــن لتلــك‬ ‫واإل ـ‬ ‫الجماعــات أو أي جماعــة أخــرى تســتخدم األرايض الســورية يف‬

‫كانت واشنطن‬ ‫قلقة من وصول‬ ‫“صواريخ‬ ‫سكود إىل حزب‬ ‫الله”‪ ،‬وتسعى‬ ‫لفك االرتباط‬ ‫السوري‪-‬‬ ‫اإليراين‪ .‬لكن‬ ‫الالفت‪ ،‬أن‬ ‫كريي حمل‬ ‫معه مسودة‬ ‫رسالة مُ عدة‬ ‫لتوقيع األسد‪،‬‬ ‫كان جهزها‬ ‫هوف بعد‬ ‫لقاءات مع‬ ‫اإلسرائيليني‪،‬‬ ‫ُتنقل إىل‬ ‫الرئيس أوباما‬

‫‪034_AM.indd 40‬‬


‫‪41‬‬

‫المجلة‬

‫تنفيــذ األنشــطة املحظــورة إىل دول أخــرى غــر لبنــان‪.‬‬ ‫‪ ‬يقال إن لدى سوريا اتفاقات أمنية جماعية مع كل من إيران‬ ‫طـراف يف جامعــة الــدول العربيــة قــد تقــع ضمــن‬ ‫حـزب اللــه” وأ ـ‬ ‫و“ ـ‬ ‫نطاق هذا املتطلب‪ .‬من األمثلة عىل ذلك‪ ،‬أنه ينبغي عىل سوريا‬ ‫حـرس الثــوري اإل ـيـراين‪ ،‬بمــا يف ذلــك “فيلــق‬ ‫إن ـهـاء عالقتهــا مــع ال ـ‬ ‫القــدس”‪ ،‬ومنــع عبــور أ ـفـراده ومعداتــه عــر األرايض الســورية أو‬ ‫املجــال الجــوي الســوري‪ .‬كذلــك‪ ،‬ســيتعني عــى ســوريا إن ـهـاء أي‬ ‫سـرائيل‬ ‫اتفاقــات تتيــح وجــود تهديــد أو اســتخدام للقــوة ضــد إ ـ‬ ‫سـرائيليني إن وجــدت‪.‬‬ ‫واملواطنــن اإل ـ‬ ‫‪ ‬ب ـنـاء عــى ذلــك‪ ،‬ســوف يتعــن عــى ســوريا إن ـهـاء مشــاركتها يف‬ ‫كل عمليــات نقــل األســلحة واملعــدات العســكرية‪ ،‬بمــا يف ذلــك‬ ‫املواد ذات االستخدام املزدوج‪ ،‬إىل تنظيم “حزب الله” سواء يف‬ ‫لبنان أو إىل لبنان وتيســرها لتلك العمليات‪ ،‬كما ســيتعني عىل‬ ‫سوريا وقف تدفق األسلحة إىل الجماعات الفلسطينية يف لبنان‬ ‫ودعــم الجهــود الراميــة إىل نــزع ســاحها‪.‬‬ ‫الرد اإلسرائييل‬ ‫عىل الوثيقة األمريكية‬ ‫يشري ضمنا إىل اإلنسحاب‬ ‫من الجوالن‬

‫‪06/09/2023 16:03‬‬

‫وحسب كتاب هوف‪ ،‬فإن األسد قبل تطرقه إىل الحوايش أعرب‬ ‫عــن رغبتــه بفهــم أفضــل لجوانــب النقــاط الخمــس‪ .‬وأشــار إىل أن‬ ‫النقــاط األربــع األوىل تتضمــن مرجعيــات خاصــة بلبنــان‪ ،‬لكــن‬ ‫النقطــة الرابعــة فقــط ذاتهــا هــي التــي تذكــر اســم البلــد صراحــة‪.‬‬

‫وثائق ومذكرات‬

‫وتساءل عما إذا كان من املالئم ذكر لبنان يف نص معاهدة سالم‬ ‫سـرائيلية‪.‬‬ ‫ســورية‪ -‬إ ـ‬ ‫وتناول النقاش جميع جوانب الورقة‪ .‬ونقل هوف عن األسد‬ ‫قوله‪“ :‬الجميع سيفاجأون بالسرعة التي سوف يلتزم بها حسن‬ ‫نصر الله‪ ،‬أمني عام حزب الله‪ ،‬بالقواعد بمجرد إعالن كل من‬ ‫سوريا وإسرائيل التوصل إىل اتفاق سالم”‪ .‬وزاد هوف‪“ :‬أجبته‪:‬‬ ‫إنني سأكون من بني األشخاص األكرث تفاجؤا‪ ،‬وسألت الرئيس‬ ‫كيف ستكون لديه تلك القناعة بالنظر إىل والء نصر الله إليران‬ ‫وللثــورة اإلســامية اإليرانيــة‪ .‬بــدأ األســد بإيضــاح أن نصــر اللــه‬ ‫عربــي وليــس فارســيا‪ ،‬وأشــار إىل ضــرورة أن تكــون ســوريا ولبنــان‬ ‫ضمن مسار عملية السالم العربي‪ -‬اإلسرائييل؛ إذ يعتمد املسار‬ ‫اللبناين عىل سوريا”‪ .‬كما وصف األسد “حزب الله” بأنه “الحزب‬ ‫شـرا إىل أنــه ممثــل أكــر‬ ‫الســيايس اللبنــاين الوحيــد الحقيقــي‪ ،‬م ـ‬ ‫جماعة طائفية يف لبنان وهي الشيعة‪ ،‬وهي مؤسسة قدرها هو‬ ‫االضطالع بدور قيادي يف السياســة اللبنانية الداخلية”‪.‬‬ ‫كمــا تنــاول النقــاش ـمـزارع شــبعا يف جنــوب لبنــان التــي ت ـقـول‬ ‫حـزب اللــه” يريــد اســتعادتها بعــد خــروج‬ ‫بــروت إنهــا لبنانيــة و“ ـ‬ ‫إسرائيل من جنوب لبنان يف ‪ .2000‬ويقول هوف‪“ :‬سألت األسد‬ ‫مــا إذا كانــت رؤيتــه بشــأن خــروج نصــر اللــه مــن عالــم املقاومــة‬ ‫ســوف تتطلــب مــن ســوريا إعــادة ـمـزارع شــبعا إىل لبنــان بمجــرد‬ ‫جـوالن‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬يف ظــل‬ ‫طـاع هضبــة ال ـ‬ ‫سـرائيل عــن ق ـ‬ ‫جــاء إ ـ‬ ‫عــدم حديــث األســد اآلن عــن الحــق يف ـمـزارع شــبعا‪ ،‬أ ّكــد يل أن‬ ‫الخرائــط توضــح أن ـمـزارع شــبعا هــي أراض ســورية‪ ،‬وربمــا يكــون‬ ‫جـراء تعديــات مســتقبلية مــع لبنــان أ ـمـرا ممكنــا‪ ،‬لكــن األرض‬ ‫إ ـ‬ ‫محــل التســاؤل كانــت ســورية‪.‬‬ ‫وأ ّكــد األســد بشــكل عفــوي أن ســوريا لــم تكــن دولــة عميلــة‬ ‫إليران‪ ،‬حيث كان اتفاق سالم مع إسرائيل شأنا سوريا ال إيرانيا”‪.‬‬ ‫وأضاف أنه “لم يخطر إيران حني بدأت جهود الوساطة الرتكية‬ ‫يف اتفــاق الســام”‪ .‬وحســب املحضــر‪ ،‬أكــد األســد لهــوف‪“ :‬ســوريا‬ ‫أيضــا لديهــا رأي عــام‪ ،‬وعــى الســوريني االقت ـنـاع بأنــه قــد تمــت‬ ‫اســتعادة أرضهــم بالكامــل”‪.‬‬ ‫وقد غادر هوف دمشق متفائال بالورقة‪ .‬يف الشارع كان يتحرك‬ ‫تطور آخر‪ .‬اتسعت االحتجاجات السورية ورد قوات األمن عليها‪.‬‬ ‫وعلقت واشنطن وساطتها‪ .‬ويف ‪ 13‬مارس‪/‬آذار‪ ،‬استقال ميتشل‬ ‫من منصبه كمبعوث خاص للسالم يف الشرق األوسط‪ ،‬ويف ‪19‬‬ ‫مــن الشــهر نفســه‪ ،‬قــال أوبامــا‪ ،‬يف خطــاب لــوزارة الخارجيــة‪ ،‬إن‬ ‫“األســد يجــب أن يقــود انتقــال ســوريا إىل الديمقراطيــة أو يتنحــى‬ ‫عــن الحكــم”‪ .‬ويف ‪ 18‬أغســطس (آب)‪ ،‬أعلــن أوبامــا أن “الوقــت‬ ‫قد حان لتنحي األسد”‪.‬‬ ‫أمــا هــوف‪ ،‬فانتقــل مــن فريــق الســام يف الشــرق األوســط إىل‬ ‫تقديــم املشــورة إىل وزيــر الخارجيــة ومكتــب الشــرق األدىن بشــأن‬ ‫تفاقــم األزمــة الســورية‪.‬‬ ‫سوريا مقسمة حاليا إىل ثالث “دويالت”‪ ،‬تقيم وتنشط فيها‬ ‫جيوش أمريكا وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل‪.‬‬ ‫ويف نهايــة ‪ 2018‬بــدأت دول عربيــة بينهــا اإلمــارات اســتعادة‬ ‫عالقتهــا مــع دمشــق‪ .‬واســتمر مســار التطبيــع العربــي وعــادت‬ ‫دمشــق إىل الجامعــة‪.‬‬ ‫تجـ ــددت الطــروحـ ــات العربيــة بض ــرورة إخ ــراج إيـ ــران مــن‬ ‫سـ ــوريا‪ .‬وهناك من يراهن عىل انضمام دمشق إىل مسار التطبيع‬ ‫سـرائييل‪.‬‬ ‫العربــي – اإل ـ‬

‫‪034_AM.indd 41‬‬


‫المجلة‬

‫مقابلة‬

‫‪42‬‬

‫قصة الغالف‬

‫بومبيــو لـ”المجلة”‪:‬‬ ‫مع بايدن خســرنا‬ ‫ثقــة حلفائنا وردع خصومنا‬

‫وزير الخارجية األمرييك‬ ‫السابق مايك بومبيو‬ ‫يف البيت األبيض‬ ‫يف ‪ 10‬يناير ‪( 2020‬غيتي)‬

‫‪06/09/2023 16:17‬‬

‫‪042_AM.indd 42‬‬


‫‪43‬‬

‫المجلة‬

‫مقابلة‬

‫وزير الخارجية األمرييك السابق‪:‬‬ ‫األمري محمد بن سلمان قائد بارز‬ ‫والشراكة مع السعودية ستعود‬ ‫إذا فاز الجمهوريون يف االنتخابات‬ ‫لندن – إبراهيم حميدي‬

‫مايك بومبيو‪ ،‬هو املسؤول األمرييك الوحيد الذي‬ ‫تسلم منصبني رئيسني‪ :‬مدير وكالة االستخبارات‬ ‫األمريكيــة (يس آي إيــه) بــن ‪ 2017‬و‪ ،2018‬ووزيــر‬ ‫الخارجيــة بــن ‪ 2018‬و‪ ،2021‬عنــد خــروج الرئيــس‬ ‫دونالــد ترمــب مــن الحكــم‪ .‬بومبيــو مرشــح بقــوة‬ ‫للعــودة إىل اإلدارة‪ ،‬يف حــال فــاز الجمهوريــون يف‬ ‫االنتخابــات نهايــة العــام املقبــل‪.‬‬ ‫الحديث مع بومبيو له أهمية‪ ،‬ذلك أنه يعرف‬ ‫سـرار عــن الشــرق األوســط والخليــج‬ ‫الكثــر مــن األ ـ‬ ‫والعالــم‪ ،‬وهــو يقــدم مقاربــة تختلــف جذريــا عــن‬ ‫نهــج إدارة الرئيــس جــو بايــدن يف امللفــات الرئيســة‪:‬‬ ‫عال قــة أ ـمـركا مــع الصــن ورو ســيا يف العا لــم‪،‬‬ ‫ومقاربة السياسة األمريكية مع السعودية وإيران‬ ‫يف منطقتنــا‪.‬‬ ‫ي ـقـول بومبيــو‪ ،‬يف حديــث إىل «املجلــة»‪ ،‬إن‬ ‫حـول الكبــر يف العالــم بعــد خروجــه مــن اإلدارة‬ ‫الت ـ‬ ‫هــو غــزو روســيا ألوكرانيــا‪ ،‬مؤكــدا أن هــذا مــا كان‬ ‫غـرب يف االل ـتـزام باالتفاقــات‬ ‫ليتــم ـلـوال «فشــل ال ـ‬ ‫والشروط» التي وضعتها إدارة ترمب‪ ،‬موضحا أن‬ ‫الفرق بني إداريت ترمب وبايدن أن «بوتني لم يعد‬ ‫يرى أن القيام بإجراءات عدوانية يمكن أن يجلب‬ ‫ردعــا ك ـبـرا‪ ،‬ممــا شــجعه عــى مزيــد مــن العــدوان»‬ ‫مع اإلشارة إىل أن الغزو الرويس ألوكرانيا «بدأ يف‬ ‫عهــد الرئيــس بــاراك أوبامــا يف ‪.»2014‬‬ ‫وبالنســبة إىل بكــن‪ ،‬يؤكــد بومبيــو عــى ضــرورة‬ ‫تشــكيل «جبهــة ملواجهــة الســلوك الصينــي بشــكل‬ ‫فعــال‪ ،‬تضــم دوال مثــل الواليــات املتحــدة والــدول‬

‫األوروبيــة واليابــان وســنغافورة والهنــد وغريهــا مــن‬ ‫الــدول التــي تأ ـثـرت ســلبا مــن تصرفــات الصــن»‪.‬‬ ‫وتطــرق وزيــر الخارجيــة األ ـمـريك الســابق إىل‬ ‫الوضع يف الشرق األوسط‪ ،‬منتقدا نهج إدارة بايدن‬ ‫املتناقض إزاء السعودية وإيران‪ .‬وقال إن السياسة‬ ‫األمريكية يف حال فاز الجمهوريون يف االنتخابات‬ ‫املقبلة‪« ،‬ستبدو أكرث شبها بالسياسة التي اتبعتها‬ ‫إدارة ترمب‪ ،‬بالشراكة الجادة مع (خادم الحرمني‬ ‫الشــريفني) امللــك ســلمان بــن عبدالعزيــز‪ ،‬والقائــد‬ ‫البــارز (ويل العهــد الســعودي رئيــس مجلــس‬ ‫الــوزراء) األمــر محمــد بــن ســلمان‪ ،‬واألشــخاص‬ ‫الذين يريدون الخري لشعبهم ويعملون عىل قمع‬ ‫اإلرهاب وبناء الســام»‪.‬‬ ‫وقــال إن إدارة بايــدن «اتبعــت النهــج املعاكــس‬ ‫(لرتمب)‪ ،‬وركزت حصريا عىل تحسني العالقات مع‬ ‫إيران‪ ،‬يف محاولة للدخول مرة أخرى يف اتفاق نووي‬ ‫معيــب»‪ .‬وزاد‪« :‬اختــارت إدارة بايــدن عــدم ـفـرض‬ ‫عقوبــات عــى إ ـيـران‪ ،‬وكان لهــذا ال ـقـرار تداعيــات‪.‬‬ ‫بدأت إسرائيل‪ ،‬وهي صديقة وشريكة طويلة األمد‪،‬‬ ‫تفقد الثقة يف ضمان الدعم األمرييك عند الحاجة‪.‬‬ ‫وأ ـثـرت شــكوك لــدى قــادة دول الخليــج العربــي‪،‬‬ ‫حـول مــا إذا كان لديهــم حقــا الدعــم الثابــت مــن‬ ‫ـ‬ ‫الواليــات املتحــدة‪ ،‬األمــر الــذي خلــق مخاطــر ليــس‬ ‫فقط يف املنطقة‪ ،‬ولكن أيضا عىل مستوى العالم»‪.‬‬ ‫حـول التقــارب مــع الرئيــس‬ ‫وردا عــى ســؤال ـ‬ ‫جـاء‬ ‫الســوري بشــار األســد قــال إن هــذا التطبيــع ـ‬ ‫بســبب عــدم الثقــة يف سياســة أ ـمـركا‪ ،‬موضحــا‪:‬‬

‫إذا فاز الجمهوريون يف االنتخابات القادمة ستبدو السياسة األمريكية تجاه‬ ‫السعودية أكرث شبها بالسياسة التي اتبعتها إدارة ترمب‪ ،‬والشراكة الجادة‬ ‫مع امللك سلمان والقائد البارز محمد بن سلمان واألشخاص الذين يريدون‬ ‫الخري لشعبهم ويعملون عىل قمع اإلرهاب وبناء السالم‬

‫‪06/09/2023 16:17‬‬

‫‪042_AM.indd 43‬‬


‫مقابلة‬

‫«عندمــا ُيســمح إل ـيـران وروســيا بالعمــل دون رادع‬ ‫يف ســوريا‪ ،‬فلــن يكــون أمــام الــدول املجــاورة خيــار‬ ‫ســوى محاولــة صياغــة النتيجــة بنفســها‪ .‬إن إعــادة‬ ‫ارتباط دول الخليج باألسد هي‪ ،‬إىل حد ما‪ ،‬نتيجة‬ ‫ملــا يعتربونــه سياســة أمريكيــة فاشــلة»‪.‬‬ ‫وهنا نص الحديث الذي جرى عرب الهاتف يوم‬ ‫‪ 3‬أغسطس‪/‬آب‪:‬‬ ‫الوزير مايك بومبيو‪ ،‬أنت الشخص الوحيد‬ ‫الذي عمل مديرا لـ”وكالة االستخبارات‬ ‫المركزية” (سي آي إيه) ووزيرا للخارجية‪.‬‬ ‫هل كانت التحديات صعبة؟ وما مدى‬ ‫االختالف بين المنصبين؟‬

‫صعبــة للغا يــة‪ .‬هنــاك اختــاف كبــر يف عمــل‬ ‫اللجــان والفــرق املختلفــة‪ .‬بصفتــك مد ـيـرا لـ«وكالــة‬ ‫االســتخبارات املركزيــة»‪ ،‬يمكنــك العمــل بهــدوء‬ ‫شــديد‪ ،‬مــع فريــق مخصــص ملهمــة محــددة تتمثــل‬ ‫يف جمــع املعلو مــات اال ســتخباراتية وتحليلهــا‬ ‫واالستعداد لتنفيذ العمليات السرية‪ .‬تشكل هذه‬ ‫املســؤوليات الثــاث‪ ،‬إىل جانــب مكافحــة اإلرهــاب‬ ‫الــدويل‪ ،‬املحــور األســايس لجهــود الفريــق‪.‬‬ ‫أمــا الــوزارة (الخارجية)‪،‬فهـ ــي مؤس ـ ـ ــسة أكــر‬ ‫بكثي ــر‪ ،‬ولهــا مه ــام أوس ــع ودور ســيايس ح ـ ــقيقي‬ ‫ب ـط ـ ــريق ـ ــة تخ ـ ـ ـت ـ ـل ـ ـ ــف ج ـ ــذريا عــن دور «وك ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫االسـ ــتخبارات املركزيــة»‪.‬‬ ‫بعدما تركت منصبك كوزير للخارجية‪،‬‬ ‫كيف برأيك‪ ،‬تطورت التهديدات التي‬ ‫تواجهها أميركا؟‬

‫غـرب فشــل يف‬ ‫هــذا ســؤال كبــر‪ .‬مــن الواضــح أن ال ـ‬ ‫االلتزام بالشروط واالتفاقات التي وضعت يف عهدنا‬ ‫(إدارة الرئيس دونالد ترمب)‪ ،‬فمثال‪ ،‬يشكل غزو‬ ‫حـوال‬ ‫(الرئيــس الــرويس) فالديمــر بوتــن ألوروبــا ت ـ‬ ‫مهمــا عمّ ــا كان يف أيامنــا‪.‬‬ ‫يف الوقــت الحاضــر‪ ،‬باتــت إ ـيـران تمتلــك مــوارد‬ ‫وقدرات مالية أكرب‪ ،‬مما يجعلها قادرة عىل تعزيز‬ ‫املنظمات التي تدور يف فلكها‪ ،‬مثل «حزب الله»‪،‬‬ ‫وتطوير برنامج أســلحتها النووية‪ .‬أما بالنســبة إىل‬ ‫«الحزب الشيوعي الصيني»‪ ،‬فال يزال يسلك سلوكا‬

‫‪06/09/2023 16:17‬‬

‫المجلة‬

‫مهــددا كمــا كان عندمــا تركنــا منصبنــا قبــل عامــن‬ ‫ونصــف العــام‪ ،‬ســوى أن الــذي تغــر هــو عــزوف‬ ‫غـرب عــن مواجهــة هــذه التحديــات‪.‬‬ ‫ال ـ‬ ‫يجــب أن نــدرك مــدى إلحــاح هــذه القضايــا‪ ،‬وال‬ ‫سيما الصراع االقتصادي‪ ،‬وهو أمر حاسم لحم ــاية‬ ‫الوظا ئ ـ ــف األمريكيــة‪ ،‬وحما يــة امللكيـ ــة الفكر يــة‬ ‫والح ـ ــقوق األس ـ ــاسية للملكيــة‪ .‬وال تقتصــر هــذه‬ ‫امل ــسؤولية علينا بل تمتــد إىل الدول األخرى أيضا‪،‬‬ ‫وهنــاك الكثــر جــدا مــن العمــل الــذي يتعـ ّـن القيــام‬ ‫بــه ملواجهــة هــذه التحديــات املعقــدة‪.‬‬ ‫كما ذكرت‪ ،‬تبقى الصين هي السؤال‬ ‫الكبير‪ .‬كيف ترى مستقبل العالقات‬ ‫األميركية‪ -‬الصينية في السنوات القليلة‬ ‫المقبلة؟‬

‫من الصعب جدا إعطاء إجابة قصرية‪ .‬يف الواقع‪،‬‬ ‫تتطلــب معالجــة التحديــات التــي يفرضهــا ســلوك‬ ‫الصني مقاربة شاملة وتعاونية‪ ،‬بقيادة من الدول‬ ‫التي تدعم حقوق اإلنسان والكرامة وحقوق امللكية‪،‬‬ ‫وهو أمر ضروري للتفاعل العاملي يف بناء تحالف ضد‬ ‫النموذج املاركيس اللينيني الشيوعي‪ .‬ويعتمد نجاح‬ ‫هــذا النهــج أيضــا عــى فهــم الديناميكيــات الداخليــة‬ ‫داخــل الصــن‪ ،‬ال ســيما إذا كان (الرئيــس الصينــي)‬ ‫يش جني بينغ عىل استعداد لتحمل املخاطر املرتبطة‬ ‫بمساعيه الحالية من أجل الهيمنة‪.‬‬ ‫الهدف مواجهة الصين؟‬

‫ملواجهــة الســلوك الصينــي بشــكل فعــال‪ ،‬فــإن‬ ‫الجبهــة املتحــدة التــي تضــم دوال مثــل الوال يــات‬ ‫املتحــدة والــدول األوروبيــة واليابــان وســنغافورة‬ ‫والهنــد وغريهــا مــن الــدول التــي تأ ـثـرت ســلبا مــن‬ ‫تصرفات الصني أمر بالغ األهمية‪ .‬يجب أن يعمل‬ ‫هــذا التحالــف معــا بجديــة وبشــكل ب ـنـاء ملواجهــة‬ ‫التحد يــات التــي تطرحهــا تصر فــات الصــن عــى‬ ‫الســاحة الدوليــة والتصــدي لهــا‪.‬‬ ‫لقد ذكرت أن بوتين يغزو أوروبا اآلن‪ .‬ما‬ ‫الفرق بين نهج ترمب ومقاربة بايدن تجاه‬ ‫روسيا عموما‪ ،‬واآلن تجاه حرب أوكرانيا؟‬

‫‪44‬‬

‫يكمــن الفــارق الرئيــس يف و جــود ا لــردع خــال‬ ‫اإلدارة الســابقة‪ .‬مــن الضــروري أن نتذكــر أن غــزو‬ ‫خـرا‪ .‬كا نــت‬ ‫فالديمــر بو تــن ألورو بــا لــم يبــدأ مؤ ـ‬ ‫البدايــة عــام ‪ 2014‬عندمــا كان الرئيــس (بــاراك)‬ ‫جـزء كبــر مــن‬ ‫أوبامــا يف منصبــه‪ ،‬واســتوىل عــى ـ‬ ‫أوكرانيــا‪ .‬ولكــن‪ ،‬خــال الســنوات األربــع التاليــة‪،‬‬ ‫لــم تجـ ِـر أيــة أعمــال عدوانيــة أخــرى تجــاه أوروبــا‪.‬‬ ‫ثــم حــدث التغيــر عندمــا تولــت القيــادة الحاليــة‬ ‫الســلطة‪ ،‬وتغــر مفهــوم التصميــم الغربــي‪ .‬لقــد‬ ‫ســألتني عــن الفــرق‪.‬‬ ‫فعال‪ ،‬ما الفرق؟‬

‫الفرق هو أن بوتني لم يعد يرى أن القيام بإجراءات‬ ‫عدوانيــة قــد يجلــب ردعــا ك ـبـرا‪ ،‬مــا شــجعه عــى‬ ‫مز يــد مــن العــدوان‪ ،‬وأودى بحيــاة اآلالف مــن‬ ‫األوكرانيــن‪ .‬لــم يأخــذ عــى محمــل الجــد تصميــم‬ ‫غـرب وعزمــه‪ ،‬تحــت القيــادة الحاليــة‪ .‬الفــرق هــو‬ ‫ال ـ‬ ‫أنك بصفتك وزيرا للخارجية‪ ،‬فإنك مسؤول بشكل‬ ‫أســايس عــن توفــر الدعــم االقتصــادي والعســكري‬ ‫خـاء‬ ‫والدبلومــايس للفريــق‪ ،‬مــن أجــل تعزيــز الر ـ‬ ‫والســام عــى مســتوى العالــم‪ ،‬وهــو أمــر فشــلت‬ ‫إدارة بايــدن يف تحقيقــه‪.‬‬ ‫يمكننا أن نتحدث طويال عن القضايا‬ ‫الدولية والعالمية‪ ،‬لكن دعنا ننتقل‬ ‫إلى قضايا الشرق األوسط‪ .‬كيف ترى‬ ‫العالقات بين أميركا من جهة والخليج‬ ‫والشرق األوسط من جهة ثانية؟ ما رأيك‬ ‫في سياسة بايدن؟‬

‫ارتكبت إدارة بايدن عدة أخطاء كبرية تناقض النهج‬ ‫الذي اتبعناه يف إدارتنا‪ .‬فبينما كانت اإلدارة السابقة‬ ‫تهدف إىل توسيع التجارة والحرية والعالقات مع‬ ‫دول املنطقــة‪ ،‬باســتثناء إ ـيـران‪ ،‬اتبعــت إدارة بايــدن‬ ‫النهــج املعاكــس‪ ،‬ور ـكـزت حصريــا عــى تحســن‬ ‫العالقات مع إيران‪ ،‬يف محاولة للدخول مرة أخرى‬ ‫يف اتفاق نووي معيب‪.‬‬ ‫حـول يف السياســة عواقــب‪ ،‬منهــا‬ ‫كان لهــذا الت ـ‬ ‫ضعف عالقة الواليات املتحدة بإسرائيل عما كانت‬

‫‪042_AM.indd 44‬‬


‫‪45‬‬

‫المجلة‬

‫مقابلة‬

‫يف الوقت الحاضر‪،‬‬ ‫باتت إيران تملك موارد وقدرات‬ ‫مالية أكرب‪ ،‬مما يجعلها‬ ‫قادرة عىل تعزيز املنظمات‬ ‫التي تدور يف فلكها‪ ،‬مثل‬ ‫"حزب الله"‪ ،‬وتطوير‬ ‫برنامج أسلحتها النووية‬

‫‪06/09/2023 16:17‬‬

‫‪042_AM.indd 45‬‬


‫مقابلة‬

‫المجلة‬

‫‪46‬‬

‫الغرب فشل يف االلتزام‬ ‫بالشروط واالتفاقات‬ ‫التي وضعت يف عهدنا‪ ،‬إدارة‬ ‫الرئيس دونالد ترمب‪،‬‬ ‫فمثال يشكل غزو الرئيس‬ ‫الرويس فالديمري بوتني‬ ‫ألوروبا تحوال مهما‬ ‫ّ‬ ‫عما كان يف أيامنا‬ ‫‪06/09/2023 16:17‬‬

‫‪042_AM.indd 46‬‬


‫‪47‬‬

‫المجلة‬

‫عليــه قبــل عا مــن ونصــف العــام‪ ،‬و بــدأت دول‬ ‫الخليــج العربــي تشــك يف ثقتهــا بالواليــات املتحــدة‬ ‫كحليــف‪ ،‬ممــا دفعهــا إىل أخــذ الحــذر يف رهاناتهــا‪.‬‬ ‫عندما يصف (بايدن) دولة من الشرق األوسط‬ ‫بأنها منبوذة‪ ،‬فإن ذلك يؤثر عىل سلوك تلك األمة‬ ‫بشــكل مختلــف عمــا يحــدث عندمــا ت ـقـول‪« :‬انظــر‪،‬‬ ‫نريــد أن نعمــل معكــم‪ .‬نريــد أن نكــون شــريككم‬ ‫األمنــي‪ .‬ســنخربكم بالتأكيــد إذا لــم نكــن ســعداء‬ ‫ببعــض مــا تقومــون بــه ولكننــا نتفهــم أنكــم تريــدون‬ ‫جـزءا مــن الحــل»‪.‬‬ ‫أن تكونــوا ـ‬ ‫هــذا النمــوذج حقــق‪ -‬كمــا يبــدو‪ -‬نتائــج جيــدة‬ ‫حـرب العامليــة الثانيــة ملــا يزيــد عــى ‪ 75‬عامــا‪.‬‬ ‫بعــد ال ـ‬ ‫ماذا عن إيران؟‬

‫اختــارت إدارة با يــدن عــدم ـفـرض عقو بــات عــى‬ ‫إيران‪ ،‬وكان لهذا القرار تداعيات‪ .‬بدأت إسرائيل‪،‬‬ ‫وهــي صديقــة وشــريكة طويلــة األمــد‪ ،‬تفقــد الثقــة‬ ‫يف ضمــان الدعــم األ ـمـريك عنــد الحاجــة‪.‬‬ ‫وأثـ ـيـ ــرت شـ ــكوك لــدى ق ـ ــادة دول الخـ ــلي ـ ــج‬ ‫ال ـ ـع ــرب ــي‪ ،‬ح ـ ــول م ــا إذا كان لـ ــديه ــم حـ ـقـ ـ ــا ال ــدعم‬ ‫الث ـ ــابت م ــن الواليــات املت ـ ــحدة‪ ،‬األمــر الــذي خلــق‬ ‫مخاطــر ليــس فقــط يف املنطقــة‪ ،‬ولكــن أيضــا عــى‬ ‫مســتوى العالــم‪.‬‬ ‫وألننــي شــخص يعطــي األولويــة دائمــا أل ـمـركا‬ ‫يف املقــام األول‪ ،‬فإننــي أفكــر يف العواقــب املحتملــة‪:‬‬ ‫مــن دون تعزيــز التعايــش واالزدهــار املتزايــد املرتبــط‬ ‫شـرة‪ ،‬كمــا تعلــم‪ ،‬باتفاقيــات أبرا هــام ( بــن‬ ‫مبا ـ‬ ‫سـرائيل ودول عربيــة)‪ ،‬هــذه املجموعــة التاريخيــة‬ ‫إ ـ‬ ‫مــن االتفاقــات التــي توصلنــا إليهــا يف عهدنــا‪.‬‬ ‫مــن دون مثــل هــذا التقــدم‪ ،‬هنــاك خطــر‬ ‫متزايــد مــن أن الوال يــات املتحــدة قــد تح ـتـاج إىل‬ ‫نشــر شــبانها و شـ ــاباتها ملواجهــة التحد يــات يف‬ ‫املناطــق الصعبــة‪ ،‬و هــو ســيناريو يجــب أن نســعى‬ ‫جاهد يــن لتجنبــه‪.‬‬ ‫من املؤسف للغاية أن إدارة بايدن عطلت املسار‬ ‫اإليجا بــي يف الشــرق األو ســط‪ ،‬وا لــذي كان مــن‬ ‫املمكن أن يؤدي إىل سالم واسع النطاق وتعايش‬ ‫متناغــم‪ -‬وهــي نتيجــة لــم يكــن كثــرون يتصورونهــا‬ ‫من قبل ممكنة‪ .‬خالل عهدنا‪ ،‬كنا نعمل بنشــاط‬ ‫مــن أجــل جعــل هــذه الرؤيــة حقيقــة واقعــة‪.‬‬

‫‪06/09/2023 16:18‬‬

‫ما أفضل نهج أميركي‬ ‫في رأيك تجاه المملكة العربية‬ ‫السعودية وإيران؟‬

‫حســنا‪ ،‬يحــاول اإليرانيــون اآلن إثــارة اإلرهــاب يف‬ ‫حـاء العالــم‪ ،‬وتســعى اململكــة العربيــة‬ ‫جميــع أن ـ‬ ‫الســعودية إىل ب ـنـاء دولتهــا ورعايــة شــعبها‪ .‬هــذا‬ ‫يجيــب عــى الســؤال‪.‬‬ ‫لذلــك‪ ،‬ال بــد للواليــات املتحــدة وحلفائهــا مــن‬ ‫تنفيــذ عقـ ــوبات صارمــة لحرمــان النظ ـ ــام اإلي ــراين‬ ‫مــن األمــوال التــي تســاعده عــى اضطـ ــهاد نســائه‬ ‫ومواطنيــه‪ ،‬ومواصلــة أنشط ـ ــته الض ـ ــارة‪ ،‬التــي ال‬ ‫تؤثــر ســلبا عــى مواطنيهــا فحســب‪ ،‬بــل تـ ــؤثر أيضــا‬ ‫عــى ا س ـ ــتقرار دول الخليــج العر بــي وإ س ـ ــرائيل‬ ‫والواليــات املتحــدة‪.‬‬ ‫لذ لــك يجــب أن نضــع األ م ـ ــور يف نصابهــا‪.‬‬ ‫إن إدارتنــا الحاليــة ال تفـ ـ ــعل ذ لــك‪ .‬يجــب عــى‬ ‫الوالي ـ ــات املتـ ــحدة أن تسعى جاهدة لدعم القادة‬ ‫اال س ـ ــتثنائيني يف اململكــة العـ ــربية الس ــعودية‬ ‫والبحـ ـ ــرين واإل مـ ــارات الع ــربية املتحــدة ودول‬ ‫أخرى يف املنطـ ـق ـ ــة الذين ي ــسعون لتحقي ــق الســالم‬ ‫واالزد هــار لشـ ـ ـ ــعوبهم‪ .‬يجــب تق ـ ــديم املســاعدة‬ ‫االقتصاديــة والدبلوماســية لت ـ ــقوية ه ـ ــذه البلــدان‬ ‫وتعزيــز الروابــط القويــة معهــا‪.‬‬ ‫مــن خــال القيــام بذلــك‪ ،‬يمكننــا املســاهمة يف‬ ‫ب ـنـاء شــرق أوســط أكــر أمانــا‪ ،‬ليــس فقــط لســكان‬ ‫سـره‪.‬‬ ‫املنطقــة ولكــن للعالــم بأ ـ‬ ‫هناك انتخابات أميركية العام المقبل‪.‬‬ ‫إذا فاز الجمهوريون في هذه االنتخابات‪،‬‬ ‫ما نوع السياسة التي تتوقعها تجاه‬ ‫المملكة العربية السعودية؟‬

‫ســتبدو السياســة أكــر شــبها بالسياســة التــي‬ ‫شـراكة الجــادة مــع‬ ‫اتبعتهــا إدارة تر مــب‪ ،‬وال ـ‬ ‫امللــك (ســلمان) والقائــد البــارز محمــد بــن ســلمان‬ ‫واألشخاص الذين يريدون الخري لشعبهم ويعملون‬ ‫عــى قمــع اإلرهــاب وب ـنـاء الســام‪.‬‬ ‫أعتقــد أنــك ســرى إدارة جمهوريــة‪ ،‬أيــا كان‬ ‫مرشح حزبنا‪ ،‬تستعيد ذلك بأسلوبنا نفسه خالل‬ ‫إدارة ترمــب‪.‬‬

‫مقابلة‬

‫الوزير بومبيو‪ ،‬هل ستنضم إلى اإلدارة‬ ‫إذا فاز الجمهوريون؟‬

‫ال أعــرف‪ .‬هنــاك طريــق طويــل لنقطعــه‪ .‬لطاملــا قلــت‬ ‫نعــم عندمــا ســألني النــاس عــن هــذا‪ ،‬لكننــي ال أريــد‬ ‫التكهــن بمــا هــو قــادم‪ .‬آمــل فقــط أن ننتخــب زعيمــا‬ ‫محافظــا قويــا يقــوم بالــيء الصحيــح أل ـمـركا‪.‬‬ ‫ماذا عن سوريا؟ كما تعلمون بدأت‬ ‫بعض الدول العربية التطبيع مع دمشق‬ ‫ولم تفعل إدارة بايدن الكثير لوقف هذا‬ ‫التطبيع‪ .‬ما رأيك في ذلك؟‬ ‫وما هو النهج الصحيح تجاه الرئيس بشار‬ ‫األسد في رأيك؟‬

‫لقــد كان نهجنــا (إدارة ترمــب) واضحــا ومتســقا يف‬ ‫تقرير أن األســد كان ســفاحا تســبب يف إلحاق ضرر‬ ‫جسيم بشعبه‪ .‬أجرب ماليني السوريني عىل الفرار‬ ‫مــن البــاد بســبب أفعالــه‪ .‬مــن الواضــح أن ك ـثـرا‬ ‫طـرة‬ ‫مــن دول الشــرق األوســط شــعرت بأنهــا مض ـ‬ ‫للتعامــل مــع األســد ألنهــا تفتقــر إىل الثقــة يف نهــج‬ ‫الواليــات املتحــدة‪.‬‬ ‫عندما يُسمح إليران وروسيا بالعمل دون رادع‬ ‫يف سوريا‪ ،‬لن يكون أمام الدول املجاورة خيار سوى‬ ‫محاولــة صياغــة النتيجــة بنفســها‪ .‬إن إعــادة ارتبــاط‬ ‫دول الخليــج باألســد هــي‪ -‬إىل حــد مــا‪ -‬نتيجــة ملــا‬ ‫يعتربونــه سياســة أمريكيــة فاشــلة‪.‬‬ ‫ما رأيك في‬ ‫الذكاء االصطناعي؟‬

‫أعتقد أن الذكاء االصطناعي سيكون مفيدا للغاية‬ ‫عـاء‪ .‬طبعــا هنــاك أخطــار بــا شــك‪،‬‬ ‫للبشــرية جم ـ‬ ‫ولكنهــا أخطــار يمكــن التحكــم فيهــا‪ .‬أمــا اإلبــداع‪،‬‬ ‫واإلنتاجيــة‪ ،‬وتأ ـثـرات تكو يــن ا لــروة الهائلــة‪،‬‬ ‫والحوسبة الكمية‪ ،‬وتقنيات مشاركة املعلومات‪،‬‬ ‫كلهــا لديهــا القــدرة عــى تحســن الحيــاة بشــكل‬ ‫أســايس للبشــر األضعــف بيننــا يف العالــم‪.‬‬ ‫هي جيدة بشكل مذهل‪ .‬وأنا أراهن عىل الصرب‬ ‫حـرم هــذه‬ ‫للتأ كــد مــن أننــا ال ننظمهــا بطريقــة ت ـ‬ ‫املكاسب اإلنتاجية التي يحتاجها العالم بشدة‪.‬‬

‫‪042_AM.indd 47‬‬


048_AM.indd 48

06/09/2023 16:07


KELLY SLATER LIMITED EDITION

048_AM.indd 49

06/09/2023 16:08


050_AM.indd 50

06/09/2023 16:10


‫‪51‬‬

‫المجلة‬

‫بعد أن قاد فريق الكريكيت الباكستاني الوطني‬ ‫للفوز في نهائي كأس العالم عام ‪ - 1992‬وهي‬ ‫المرة الوحيدة التي ترفع فيها باكستان الكأس‪-‬‬ ‫أصبح خان من المشاهير العالميين‬

‫بروفايل‬

‫حافظ خان‪ ،‬الذي ساعد ارتباطه الوثيق‬ ‫بالمؤسسة العسكرية الباكستانية القوية‬ ‫على صعوده إلى السلطة‪ ،‬على صورته المثيرة‬ ‫للجدل بعد توليه المنصب‬

‫عمران خان‪...‬‬ ‫باكستاني‬ ‫مدلل‬ ‫انتقل من الكريكيت إىل السياسة‬

‫لندن ‪ -‬كون كوخلني‬ ‫ـمـرت أيــام كان فيهــا ع ـمـران خــان العــب كريكيــت‬ ‫ناجحــا للغايــة‪ ،‬وفــاز بــكأس العالــم‪ ،‬وأصبــح العبــا‬ ‫دوليــا مشــهورا‪ ...‬نــال إعجــاب العالــم واحرتامــه؛‬ ‫وارتقــى الحقــا إىل قمــة السياســة الباكســتانية‪ .‬اآلن‬ ‫يجــد هــذا الرجــل نفســه قابعــا يف زنزانــة ســجن‬ ‫مزريــة‪ ...‬ســقوط مثــل هــذه الشــخصية مــن موقعــه‬ ‫يمثــل ترديــا وتراجعــا الفتــا للنظــر‪.‬‬ ‫بعد أن قاد فريق الكريكيت الباكستاين الوطني‬ ‫للفــوز يف نهــايئ كأس العالــم عــام ‪ - 1992‬وهــي ا ـملـرة‬ ‫الوحيدة التي ترفع فيها باكستان الكأس‪ -‬أصبح خان‬ ‫من املشاهري العامليني‪ ،‬والذي غالبا ما ظهرت أخباره‬ ‫بشــكل بــارز عــى صفحــات الشــائعات يف الصحــف‬

‫‪06/09/2023 16:10‬‬

‫رسم ‪ -‬روب كارتر‬ ‫صـراره عــى أنــه يراعــي‬ ‫الشــعبية‪ .‬وعــى الرغــم مــن إ ـ‬ ‫قيــود عقيدتــه اإلســامية‪ ،‬فقــد ارتبــط خــان يف كثــر‬ ‫من األحيان بسلسلة من سيدات املجتمع الفاتنات‪،‬‬ ‫وبلغت ذروتها بزواجه من جميما غولد سميث‪ ،‬إبنة‬ ‫رجل األعمال الربيطاين الرثي جيمس غولد سميث‪.‬‬ ‫كان حفل زفاف الزوجني يف مايو‪/‬أيار ‪ 1995‬يف‬ ‫مكتب التسجيل بلندن‪ ،‬يُنظر إليه عىل نطاق واسع‬ ‫باعتبــاره الحــدث االجتماعــي يف ذلــك العــام‪ ،‬حيــث‬ ‫جذب نخبة من الضيوف من جميع أنحاء العالم‪.‬‬ ‫وبينما انتهى الزواج بالفشل‪ ،‬مع طالق الزوجني‬ ‫يف نهاية املطاف بعد تسع سنوات‪ ،‬ساعدت شبكة‬ ‫سـاء‬ ‫خــان الرائعــة مــن االتصــاالت الدوليــة عــى إر ـ‬

‫‪050_AM.indd 51‬‬


‫بروفايل‬

‫المجلة‬

‫لم يكن دخول خان إلى عالم السياسة‬ ‫الباكستانية المضطرب خاليا من الجدل‪ ،‬خاصة‬ ‫بعد أن تبنى وجهة نظر معادية ألميركا بشكل‬ ‫واضح بشأن تورط التدخل العسكري بقيادة‬ ‫الواليات المتحدة في أفغانستان المجاورة‬

‫سـرته الالحقــة كشــخصية بــارزة يف‬ ‫األ ســاس مل ـ‬ ‫السياســة الباكســتانية‪ ،‬وهو ما أدى يف النهاية إىل‬ ‫انتخابــه يف املركــز الثــاين والعشــرين کرئيــس وزراء‬ ‫باكســتان عــام ‪.2018‬‬ ‫خـول خــان إىل عا لــم السيا ســة‬ ‫لــم يكــن د ـ‬ ‫الباكستانية املضطرب خاليا من الجدل‪ ،‬خاصة بعد‬ ‫أن تبنــى وجهــة نظــر معاديــة أل ـمـركا بشــكل واضــح‬ ‫بشــأن تــورط التدخــل العســكري بقيــادة الواليــات‬ ‫املتحــدة يف أفغانســتان املجــاورة‪ .‬وانتقــاده املســتمر‬ ‫لتكتيكات واشنطن يف حملتها الطويلة ضد طالبان‪،‬‬ ‫وال سيما انتقاده الستخدام الطائرات املسرية التابعة‬ ‫لوكالة املخابرات املركزية‪ ،‬وشن هجمات ضد مواقع‬ ‫طالبان عرب الحدود يف باكستان‪ ،‬مما أكسبه لقب‬ ‫“طالبــان خــان” يف وســائل اإلعــام الباكســتانية‪.‬‬ ‫لكــن نهجــه الشــعبوي‪ ،‬الــذي نصــب فيــه نفســه‬ ‫كمدافــع مخلــص عــن الســيادة الباكســتانية‪ ،‬يعنــي‬ ‫أ نــه أصبــح شــخصية أ كــر فاعليــة يف السيا ســة‬ ‫الباكســتانية‪ ،‬إىل الحــد الــذي أدى يف النهايــة إىل‬ ‫توليــه منصــب رئيــس الــوزراء‪.‬‬ ‫حا فــظ خــان‪ ،‬ا لــذي ســاعد ارتبا طــه الوثيــق‬ ‫باملؤسســة العســكرية الباكســتانية القو يــة عــى‬ ‫صعــوده إىل الســلطة‪ ،‬عــى صورتــه امل ـثـرة للجــدل‬ ‫بعــد توليــه املنصــب‪ .‬يف حــن أن معظــم وقتــه كان‬ ‫مكرسا ملعالجة الحالة املحفوفة باملخاطر لالقتصاد‬ ‫الباكستاين‪ ،‬والذي عاىن لفرتة طويلة من الفساد‬ ‫املستشــري والتضخــم املتفــي‪ ،‬وحافــظ خــان أيضــا‬ ‫عىل موقفه الحاسم للغاية بشأن تورط أمريكا يف‬ ‫أفغانستان‪ ،‬خاصة بعد االنسحاب الفوضوي إلدارة‬ ‫بايدن من أفغانستان يف أغسطس‪/‬آب ‪ .2021‬وأدان‬ ‫خــان عالنيــة طريقــة تعامــل واشــنطن مــع األزمــة‪،‬‬ ‫ممــا تســبب يف مزيــد مــن التدهــور يف العالقــات بــن‬ ‫الواليــات املتحــدة وباكســتان‪.‬‬ ‫يقــال إن موقفــه القــوي املنا هــض للوال يــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬إىل جانــب فشــل إصالحاتــه االقتصاديــة‪،‬‬ ‫أدى إىل تعميــق الخــاف مــع املؤسســة العســكرية‬ ‫الباكســتانية‪ ،‬األمــر الــذي يعتقــد كثــر مــن املراقبــن‬ ‫الباكســتانيني أنــه أدى يف النهايــة إىل إقالتــه مــن‬ ‫منصبــه يف أبريل‪/‬نيســان ‪.2022‬‬ ‫وفشــلت محــاوالت خــان يف التمســك بالســلطة‬ ‫بعد أن ألغت املحكمة العليا الباكستانية قراره بحل‬ ‫الربملــان‪ ،‬كمــا أعقــب ذلــك االنشــقاقات يف االئتــاف‬

‫‪06/09/2023 16:10‬‬

‫‪52‬‬

‫حافظ خان على مكانة عامة عالية‪ ،‬وتجنب‬ ‫بصعوبة محاولة اغتياله عندما فتح مسلحون‬ ‫النار على موكبه في نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪2022‬‬ ‫بينما كان يقود مسيرة احتجاجية في إسالم آباد‬ ‫للمطالبة بإجراء انتخابات عامة جديدة‬

‫الحاكم إىل فقدانه التصويت بحجب الثقة‪ .‬وتعني‬ ‫إقالــة خــان مــن املنصــب أنــه انضــم إىل قائمــة طويلــة‬ ‫سـاء الــوزراء الباكســتانيني املنتخبــن الذيــن‬ ‫مــن رؤ ـ‬ ‫ضـاء أوقاتهــم الكاملــة‪ -‬لــم يكمــل أي‬ ‫فشــلوا يف ق ـ‬ ‫منهم فرتة حكمه بالكامل منذ االستقالل عام ‪.1947‬‬ ‫وعىل الرغم من هذه النكسة الخطرية‪ ،‬حافظ‬ ‫خــان عــى مكانــة عامــة عاليــة‪ ،‬وتجنــب بصعوبــة‬ ‫محاولــة اغتيالــه عندمــا فتــح مســلحون النــار عــى‬ ‫موكبــه يف نوفمرب‪/‬تشــرين الثــاين ‪ 2022‬بينمــا كان‬ ‫سـرة احتجاجيــة يف إســام آبــاد للمطالبــة‬ ‫يقــود م ـ‬ ‫جـراء انتخابــات عامــة جديــدة‪.‬‬ ‫بإ ـ‬ ‫لكن جهود خانإلحياء حياته السياسية توقفت‬ ‫فجــأة يف ‪ 5‬أغســطس‪/‬آب‪ ،‬عند مــا حُ كــم عليــه‬ ‫بالســجن ثالث ســنوات بتهم فســاد واح ُتجز للمرة‬ ‫الثانية منذ إقالته من منصبه‪ .‬ورفض املدافعون عن‬ ‫خــان االتهامــات ووصفوهــا بأنهــا ال أســاس لهــا مــن‬ ‫الصحة‪ .‬كما يمنع الحكم‪ ،‬عمران خان‪ ،‬السيايس‬ ‫األكرث شعبية يف باكستان‪ ،‬من خوض االنتخابات‬ ‫املتوقعة يف باكستان يف وقت الحق من هذا العام‪.‬‬ ‫ويف وقــت الحــق‪ ،‬كانــت هنــاك آراء تفيــد بــأن‬ ‫الواليــات املتحــدة متورطــة بشــكل مباشــر يف إزاحــة‬ ‫خان من املشهد الـ ــسيايس بعد ظهور وثيقة سرية‬ ‫للحكومــة الباكس ــتانية تشــر إىل أن واشــنطن تريــد‬ ‫إ س ــكاته بعــد أن تجنـ ــب إدا نـ ــة الغــزو الرو سـ ــي‬ ‫ألوكرانيــا عــام ‪.2022‬‬ ‫ومما ال شك فيه أن ثروات هذا الرجل الذي كان‬ ‫حـول إىل ســيايس‪،‬‬ ‫منغمســا يف امللــذات ســابقا ثــم ت ـ‬ ‫وصلت اآلن إىل الحضيض املطلق‪ .‬بعد سجن خان‬ ‫البالــغ مــن العمــر ‪ 70‬عامــا يف ســجن بمنطقــة أ ـتـوك‬ ‫عــى مشــارف إســام آبــاد‪ ،‬اشــتىك محامــوه مــن أنــه‬ ‫غـرة وقــذرة‪ .‬واشــتىك أحــد‬ ‫محتجــز يف زنزانــة ص ـ‬ ‫أعضاء فريقه القانوين من “أنها غرفة صغرية بها‬ ‫دورة ميــاه مفتوحــة‪ ،‬حيــث قــال إن هنــاك ذبابــا يف‬ ‫شـرات يف الليــل”‪.‬‬ ‫النهــار وح ـ‬ ‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬يجــب عــى خــان أن يشــكر‬ ‫صـرا مماثــا لبعــض أســافه‬ ‫ربــه‪ ،‬ألنــه لــم يواجــه م ـ‬ ‫كرئيس للوزراء‪ ،‬الذين بدال من أن يجدوا أنفسهم‬ ‫يقبعــون يف زنزانــة ســجن بائســة‪ ،‬انتهــى بهــم األمــر‬ ‫إىل فقــدان حياتهــم‪.‬‬ ‫ويف عــام ‪ ،1977‬تمــت اإلطاحــة برئيــس الــوزراء‬ ‫آنــذاك ذو الفقــار عــي بوتــو يف انقــاب عســكري‪،‬‬

‫وتمــت محاكمتــه بموجــب األحــكام العرفيــة ثــم‬ ‫إعدامــه‪ُ .‬‬ ‫وقتــل الرئيــس الباكســتاين محمــد ض ـيـاء‬ ‫الحــق‪ ،‬الــذي كان مســؤوال عــن إعــدام بوتــو‪ ،‬الحقــا‬ ‫يف حادث تحطم مروحية غامض عام ‪ ،1988‬بينما‬ ‫ُقتلــت بــي نظــر بوتــو‪ ،‬إبنــة رئيــس الــوزراء الســابق‬

‫التــي فــازت هــي نفســها برئاســة الــوزراء‪ ،‬يف انفجــار‬ ‫ســيارة مفخخــة يف روالبنــدي عــام ‪.2007‬‬ ‫ومن املؤكد أن مأزق خان الحايل ال يبشر بالخري‬ ‫لآلفــاق املســتقبلية لرجــل يتمتــع حتــى اآلن بوجــود‬ ‫ذهبــي إىل حــد مــا‪.‬‬ ‫ولد عمران أحمد خان نيازي عام ‪ 1952‬لعائلة‬ ‫ثريــة يف مدينــة الهــور الباكســتانية‪ .‬ووصــف نفســه‬ ‫بأنه طفل خجول نشــأ مع أربع شــقيقات يف عائلة‬ ‫حضريــة مــن البشــتون‪ .‬عندمــا كان شــابا‪ ،‬تلقــى‬ ‫تعليمــه الخــاص يف إنج ـلـرا‪ ،‬قبــل أن ينتقــل إىل‬ ‫جامعة أكسفورد حيث تخرج من كلية كيبل عام‬ ‫‪ 1975‬بدرجــة يف السياســة والفلســفة واالقتصــاد‪.‬‬ ‫سـرته الدوليــة يف لعبــة الكريكيــت قبــل‬ ‫بــدأت م ـ‬ ‫ذلك بأربع سنوات عندما لعب ألول مرة لباكستان‬ ‫ضــد إنج ـلـرا يف إدجباســتون‪ ،‬برمنغهــام‪ .‬لفــت هــذا‬ ‫الالعب الريايض انتباه عالم لعبة الكريكيت يف أوائل‬ ‫السبعينيات باعتباره العب بولينغ سريع الخطى‪.‬‬ ‫بعــد التخــرج‪ ،‬عــاش يف شــقة يف نايتســريدج‪،‬‬ ‫وكان مــن بــن صديقاتــه فتيــات مــن املدينــة مثــل‬ ‫ســوزانا قســطنطني (التــي واعــدت فيكونــت لينــي‬ ‫نجــل األ ـمـرة مارغريــت)‪ ،‬والليــدي ل ـيـزا كامبــل‪،‬‬ ‫وفنانة املجتمع إيما سريجنت‪ .‬كصديقة له‪ ،‬قالت‬ ‫عارضــة األز ـيـاء مــاري هيلفــن‪“ :‬الجميــع يقعــون‬ ‫يف حــب ع ـمـران‪ .‬لديــه رائحــة جذابــة جــدا لل ـمـرأة”‪.‬‬ ‫كان خان بانتظام يف أعمدة القيل والقال‪ ،‬وكان‬ ‫يتحدى أسلوب حياته‪ ،‬حيث قال ملحاور عام ‪:1984‬‬ ‫“يف باكســتان‪ ،‬ال تقابــل فتيــات عازبــات‪ ...‬ال توجــد‬ ‫مراقص وال حانات وال أماكن اجتماعات”‪ .‬قال خان‬ ‫إن لقاء النساء كان من بني “امللذات املنحلة للغاية‬ ‫يف الحياة التي أستمتع بها”‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬إدعى أنه‬ ‫أعاد اكتشاف إيمانه يف منتصف التسعينات‪ ،‬وهي‬ ‫مفاجأة لكثريين شهدوا أسلوب حياته يف الحفالت‪.‬‬ ‫جـزءا مهمــا مــن حياتــه‬ ‫ظلــت لعبــة الكريكيــت ـ‬ ‫املب ـكـرة وبلغــت ذروتهــا‪ ،‬يف ســن ‪ ،39‬عندمــا أصبــح‬ ‫بطــا قوميــا بعــد أن قــاد فريــق باكســتان املحــروم‬ ‫بشدة إىل األدوار اإلقصائية لكأس العالم للكريكيت‬

‫‪050_AM.indd 52‬‬


‫‪53‬‬

‫المجلة‬

‫ظلت لعبة الكريكيت جزءا مهما من حياته‬ ‫المبكرة وبلغت ذروتها‪ ،‬في سن ‪ ،39‬عندما‬ ‫أصبح بطال قوميا بعد أن قاد فريق باكستان‬ ‫المحروم بشدة إلى األدوار اإلقصائية لكأس‬ ‫العالم للكريكيت عام ‪1992‬‬

‫عام ‪ ،1992‬وهزم نيوزيلندا املصنفة األوىل يف نصف‬ ‫النهــايئ‪ .‬يف النهائيــات‪ ،‬حســم خــان البطولــة ضــد‬ ‫إنجلرتا املصنفة الثانية بنفسه‪ .‬فكانت ذروة مسرية‬ ‫الكريكيــت التــي امتــدت ألكــر مــن عقديــن‪.‬‬ ‫يف عام ‪ ،1995‬تزوج جيميما غولد سميث‪ ،‬ابنة‬ ‫رجل األعمال امللياردير جيمس غولد سميث‪ .‬اقرتح‬ ‫الرجل البالغ من العمر ‪ 42‬عاما الزواج من طالبة‬ ‫بريستول البالغة من العمر ‪ 20‬عاما والتي نشأت‬ ‫كمسيحية ولديها خلفية يهودية عن طريق والدها‪.‬‬ ‫لم يكن متوقعا أن تتوافق جيميما غولد سميث‬ ‫مع النجم صاحب الطموحات السياسية املتزايدة‬ ‫يف باكستان‪ ،‬ولكن يف غضون أسابيع قليلة تزوجا‬ ‫يف حفــل زفــاف باكســتاين تقليــدي يف باريــس‪ .‬بعــد‬ ‫شــهر‪ ،‬يف ‪ 21‬يونيو‪/‬حز ـيـران‪ ،‬تزوجــا ـمـرة أخــرى يف‬ ‫حفــل مــدين يف إنج ـلـرا‪ ،‬تــاه حفــل اســتقبال يف‬ ‫ضـره‬ ‫منــزل غولــد ســميث يف مقاطعــة سَ ــري‪ ،‬ح ـ‬ ‫نخبة لندن‪ .‬ووصفت وسائل اإلعالم حفل الزفاف‬ ‫بأنــه “ ـعـرس القــرن”‪.‬‬ ‫اعتنقت جميما اإلسالم وتعلمت اللغة األردية‬ ‫وانتقلت إىل إسالم آباد‪ ،‬حيث أنجبت ابنها األول‬ ‫سليمان عيىس خان‪ ،‬وعاشت يف مجمع يف الهور‬ ‫مــع عائلــة ع ـمـران املمتــدة‪ .‬تــم تقديمهــا إىل مواطنــي‬ ‫زوجهــا يف تجمــع حاشــد يف بيشــاور وألقــت كلمــة‬ ‫سـاء التصويــت يف‬ ‫باللغــة األرديــة‪ ،‬تطلــب مــن الن ـ‬ ‫حـزب بمقعــد واحــد يف تلــك‬ ‫االنتخابــات‪ .‬ولــم يفــز ال ـ‬ ‫االنتخابــات‪ ،‬واكتفــى بمقعــد واحــد عــام ‪.2007‬‬ ‫أصبح زواج عمران خان بإمرأة من أصل يهودي‬ ‫قضية يتم استغاللها ضده‪.‬‬ ‫وقــال خــان الحقــا‪“ :‬يف البدايــة‪ ،‬كانــت الف ـكـرة‬ ‫أن نقــوم بالحملــة معــا لكــن كان عــي إخراجهــا مــن‬ ‫السياسة لحمايتها‪ ...‬هذا هو الوقت الذي بدأت فيه‬ ‫شـاكلنا ألننــا كنــا نقــي الوقــت بعيــدا عــن بعضنــا‬ ‫م ـ‬ ‫شـاكل الــزواج عــر‬ ‫البعــض‪ .‬أدى ذلــك إىل تفاقــم م ـ‬ ‫الثقافات‪ ،‬وكانت تفتقد حتما أصدقاءها وعائلتها‬ ‫ومنزلهــا أكــر ممــا قــد يكــون”‪.‬‬ ‫كان للزوجني صبی آخر‪ ،‬قاسم‪ ،‬الذي ولد عام‬ ‫‪ ،1999‬ولكن يف العامني األخريين من الزواج‪ ،‬كانت‬ ‫جميما مقيمة يف إنجلرتا‪ ،‬ويف عام ‪ 2004‬انفصال‪.‬‬ ‫شـرة أخبــار‬ ‫وانتهــى زواج قصــر ثــان مــن فتــاة ن ـ‬ ‫الطقــس يف قنــاة “بــي بــي يس” ريهــام نيــار خــان‬ ‫شـرة أشــهر فقــط‪ .‬التقــت املطلقــة‪،‬‬ ‫بالطــاق بعــد ع ـ‬

‫‪06/09/2023 16:10‬‬

‫بروفايل‬

‫لم تبدأ حركة خان السياســية في‬ ‫اكتســاب الزخم إال في أوائل عام ‪ ،2010‬حيث‬ ‫تركــت اآلثــار المتتالية لألزمة المالية‬ ‫باكســتان في ظل اقتصاد راكد وأزمة‬ ‫فــي ميزان المدفوعات‬

‫وهــي أم لثالثــة أطفــال‪ ،‬بخــان عــام ‪ 2012‬بعــد أن‬ ‫جـرت مقابلــة معــه يف قنــاة‬ ‫انتقلــت إىل باكســتان وأ ـ‬ ‫إخبارية تلفزيونية‪ .‬بعد مقابلة ثانية‪ ،‬دعاها لتناول‬ ‫شـاء‪ ،‬عــى حــد قولهــا‪ ،‬وأخربهــا أن لديــه شــيئا‬ ‫الع ـ‬ ‫مهمــا ليناقشــه ثــم اقــرح الــزواج‪ .‬وكانــت خيبــة‬ ‫أملهــا ســريعة‪ .‬إدعــت أنــه كان مدلــا لدرجــة أنــه‬ ‫لــم يكــن يعــرف كيفيــة اســتخدام فــرن امليكروويــف‬ ‫أو آلــة الصــرف اآليل‪“ ،‬إنــه مــن املشــاهري القليلــن‬ ‫لدينــا يف باكســتان ويتوقــع مــن الجميــع أن يفعلــوا‬ ‫كل يشء‪ .‬إنــه نرجــي للغايــة ومتفــرد يف التفكــر‬ ‫بشــأن هدفــه (أن يصبــح رئيســا للــوزراء) لدرجــة أنــه‬ ‫ينــى االســتجابة العاطفيــة املناســبة لألشــياء‪ .‬إنــه‬ ‫يعتقــد أنــه قائــد فريــد‪ .‬ولقــد تزوجتــه ألننــي آمنــت‬ ‫به”‪ .‬يف مذكراتها املنشورة‪ ،‬زعمت أن عمران أنجب‬ ‫خمســة أطفال خارج إطار الزواج‪ ،‬وهو أمر ينفيه‬ ‫مستشــاروه بشــدة‪.‬‬ ‫عكس زواجه الثالث من بشرى بيبي‪ ،‬الزعيمة‬ ‫الروحيــة التــي عرفهــا خــان خــال زياراتــه لــمَ عْ لم‬ ‫مــن القــرن الثالــث عشــر يف باكســتان‪ ،‬اهتمامــه‬ ‫املتزايــد بالصوفيــة‪.‬‬ ‫بعــد ـفـرة وج ـيـزة مــن فــوز منتخــب باكســتان يف‬ ‫كأس العالــم للكريكيــت‪ ،‬تقاعــد خــان مــن لعبــة‬ ‫الكريكيــت وبــدأ يف البحــث عــن هــدف جديــد‪ .‬لقــد‬ ‫وجــد أن السياســة هــي دعوتــه الجديــدة‪.‬‬ ‫يف عام ‪ ،1996‬أسس حزبه السيايس الخاص‪،‬‬ ‫والــذي أطلــق عليــه “حركــة إنصــاف الباكســتانية”‪.‬‬ ‫حـزب حدیــث التأســیس‪ ،‬عــى الرغــم مــن‬ ‫كافــح ال ـ‬ ‫االعرتاف باسم مؤسسه املعروف‪ ،‬من أجل كسب‬ ‫التأييــد‪ .‬كان يُنظــر إىل خــان عــى أنــه عاملــي للغايــة‪،‬‬ ‫وغربي جدا‪ ،‬وبعيد جدا عن الســاالت السياســية‬ ‫العائلية والقبلية التي تهيمن عىل املشهد السيايس‬ ‫يف باكســتان لتحقيــق تغيــر حقيقــي‪.‬‬ ‫لم تبدأ حركة خان السياسية يف اكتساب الزخم‬ ‫إال يف أوائل عام ‪ ،2010‬حيث تركت اآلثار املتتالية‬ ‫لألزمــة املاليــة باكســتان يف ظــل اقتصــاد راكــد وأزمــة‬ ‫يف م ـيـزان املدفوعــات‪ .‬د ـمـرت الفيضانــات الهائلــة‬ ‫لنهــر الســند الكثــر مــن محاصيــل الــوادي والبنيــة‬ ‫التحتية‪ .‬وتضرر ما يقدر بنحو ‪ 20‬مليون باكستاين‬ ‫مــن الفيضانــات‪.‬‬ ‫بعد أن أمىض كثريا من حياته السياسية املبكرة‬ ‫يف الدفاع عن إدارة الجرنال برويز مشرف‪ ،‬معتقدا‬

‫أن مشرف سينهي الفساد الذي أحدثته السالالت‬ ‫السياســية الباكســتانية الطويلــة‪ ،‬بــدأ خــان بنفســه‬ ‫يف إيصال رسائله الخاصة بأنه مناهض للمؤسسة‬ ‫الحاكمة‪ ،‬وهو محارب ومناهض للفساد‪.‬‬ ‫بحلول عام ‪ ،2011‬كانت التجمعات السياسية‬ ‫لخــان تجتــذب حشــودا بلــغ عددهــا مئــات اآلالف‬ ‫ووجدت دعما كبريا من الطبقة الوسطى الحضرية‬ ‫و طــاب الجامعــات الذ يــن انجذ بــوا إىل ر ســالته‬ ‫سـونامي” شــعبي قــادم‬ ‫الشــعبوية‪ .‬وتحــدث عــن “ت ـ‬ ‫لعائالت النخبة التي فرضت السياسة الباكستانية‬ ‫لعقود وجادل بأن عىل باكستان أن تنأى بنفسها عن‬ ‫الحرب التي تقودها الواليات املتحدة عىل اإلرهاب‬ ‫ردا عــى تصعيــد مــن ضربــات وهجمــات الطا ـئـرات‬ ‫حـاء باكســتان‪.‬‬ ‫األمريكيــة دون طيــار يف جميــع أن ـ‬ ‫حـزب‬ ‫يف عــام ‪ ،2018‬ســاعدت شــعبية خــان ـ‬ ‫“إنصاف” الباكستاين عىل الفوز بإجمايل ‪ 149‬مقعدا‬ ‫يف الجمعية الوطنية‪ .‬وبينما كان يرتاجع عن الـ ـ‪172‬‬ ‫مقعــدا الالزمــة لألغلبيــة‪ ،‬تمكــن خــان مــن تشــكيل‬ ‫حكومــة ائتالفيــة منحتــه مــا يكفــي مــن األصــوات‬ ‫ليصبــح رئيســا للــوزراء‪.‬‬ ‫وبعد توليه منصبه‪ ،‬أعلن عن خططه لـ“أجندة‬ ‫‪ 100‬يوم” الجذرية التي وعد بها لتحويل اقتصاد‬ ‫البــاد‪ ،‬ووضــع األســاس لخلــق ‪ 10‬ماليــن وظيفــة‬ ‫يف واليتــه األوىل مــن خــال مشــاريع البنيــة التحتيــة‬ ‫طـاع التصنيــع يف البــاد‪.‬‬ ‫املصممــة إلح ـيـاء ق ـ‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬وعــى الرغــم مــن كل طموحاتــه‬ ‫التــي ال يمكــن إنكارهــا‪ ،‬فــإن محــاوالت خــان لتنفيــذ‬ ‫اإلصالحات الشعبوية لم تحرز تقدما يذكر‪ ،‬حيث‬ ‫واجهت معارضة شديدة من مجموعة واسعة من‬ ‫املصالــح املؤسســية‪ ،‬ونتيجــة لذلــك‪ ،‬عندمــا أُجــر‬ ‫خــان يف النهايــة عــى ـتـرك منصبــه‪ ،‬واجــه االقتصــاد‬ ‫الباكستاين األمر نفسه‪ ،‬املأزق الرهيب الذي واجهه‬ ‫عندمــا ـتـوىل منصبــه ألول ـمـرة‪.‬‬ ‫وبصفته رياضيا‪ ،‬اشتهر بتصميمه وشجاعته‪،‬‬ ‫وســيكون مــن الحماقــة اســتبعاد احتمــاالت عــودة‬ ‫خــان يو مــا مــا إىل الحيــاة السيا ســية‪ .‬لكــن يف‬ ‫الوقــت الــذي يجــد فيــه نفســه يقبــع يف زنزانــة رطبــة‬ ‫يف الســجن‪ ،‬مــن الصعــب أن نــرى كيــف يمكــن‬ ‫لشــخص حتــى مــع روحــه التــي ال تعــرف الكلــل أن‬ ‫يحقق املس ــتحيل ويع ــود إىل الخطـ ــوط األمامي ــة يف‬ ‫ال ــسياسة الباكســتانية‪.‬‬

‫‪050_AM.indd 53‬‬


054_AM.indd 54

06/09/2023 16:20


‫‪55‬‬

‫روسيا والسودان‬ ‫‪“ ...‬ثور طامح”‬ ‫يف مستودع الخزف‬ ‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫منذ اندالع الحرب يف السودان يف ‪ 15‬أبريل‪/‬نيسان املايض‪ ،‬ظل الحديث محتدما‬ ‫حول ارتباطات هذه الحرب باملشهد السيايس اإلقليمي والدويل‬ ‫القاهرة ‪ -‬أمجد فريد الطيب‬ ‫رسوم ‪ -‬سيباستيان تيبو‬

‫منذ اندالع الحرب يف السودان بني قوات الجيش بقيادة الفريق أول‬ ‫عبدالفتاح الربهان و«قوات الدعم السريع» بقيادة الفريق محمد‬ ‫حمدان دقلو (امللقب بحميديت)‪ ،‬يف ‪ 15‬أبريل‪/‬نيسان املايض‪ ،‬ظل‬ ‫حـرب باملشــهد الســيايس‬ ‫حـول ارتباطــات هــذه ال ـ‬ ‫الحديــث محتدمــا ـ‬ ‫اإلقليمــي والــدويل‪ .‬وكان أكــر امللفــات املتداولــة وأكرثهــا غموضــا‪،‬‬ ‫يف هذا السياق‪ ،‬ملف الوجود الرويس يف السودان ومدى ارتباطه‬ ‫بطــريف القتــال هنــاك‪ .‬وكانــت التكهنــات والنقاشــات بشــأن هــذا‬ ‫امللــف قــد ازدادت‪ ،‬عقــب البيــان الــذي أصــدره مؤســس مجموعــة‬ ‫«فاغرن» العسكرية الروسية يفغيني بريغوجني‪ ،‬بعد أيام قليلة‬ ‫من اندالع الحرب يف السودان‪ ،‬والذي طرح نفسه فيه وسيطا بني‬ ‫طريف القتال‪ ،‬وعرض استغالل عالقاته الجيدة بكليهما لتحقيق‬ ‫السالم يف الخرطوم‪ .‬وتزامن البيان مع إعالن شبكة «يس إن إن»‬ ‫عــن تــورط «فاغــر» يف تســليح «قــوات الدعــم الســريع»‪ ،‬وإمدادهــا‬ ‫بصواريخ أرض– جو من ليبيا املجاورة‪ .‬وهو ما أكدته الشبكة عرب‬ ‫صــور األقمــار االصطناعيــة‪ .‬وقــد التقــى مؤســس «فاغــر» مبعوثــن‬ ‫من حميديت يف افريقيا قبل أيام من مقتله قرب موسكو‪.‬‬

‫نفوذ روسي قديم‬

‫من الضروري عند تناول ملف تلك الحرب تتبع مسار تزايد النفوذ‬ ‫الــرويس عــى نحــو رســمي وغــر رســمي يف الســودان‪ .‬وهــو النفــوذ‬ ‫الــذي بــدأ يتصاعــد عــى نحــو الفــت منــذ عــام ‪ 2015‬ثــم وصــل إىل‬ ‫ذروته عام ‪ ،2017‬وذلك خالل زيارة الرئيس املخلوع عمر البشري‬ ‫إىل روســيا ولقائــه مــع الرئيــس الــرويس فالديمــر بوتــن يف مدينــة‬

‫‪06/09/2023 16:20‬‬

‫سـوتيش‪ .‬وخــال الل ـقـاء طلــب البشــر عــى نحــو مباشــر الحمايــة‬ ‫ـ‬ ‫الروسية مما وصفه بالتعامل العدايئ األمرييك مع نظامه‪ .‬كما‬ ‫ـعـرض البشــر عــى بوتــن اســتخدام الســودان كبوابــة لروســيا إىل‬ ‫أفريقيا والبحر األحمر؛ وبالفعل ُاتفق عىل إنشاء قاعدة بحرية‬ ‫لوجستية للقوات الروسية عىل الساحل السوداين للبحر األحمر‪.‬‬ ‫مــذاك ظــل الدعــم الــرويس لنظــام البشــر يتزايــد عــى نحــو‬ ‫مطــرد‪ .‬وكان املتحــدث باســم الخارجيــة الروســية قــد اعــرف يف‬ ‫يناير‪/‬كانــون الثــاين ‪ ،2019‬أي قبــل أســابيع قليلــة مــن ســقوط‬ ‫البشري‪ ،‬بوجود «فاغرن» يف السودان ودعمها للنظام؛ إذ صرح‬ ‫بأن «شركات األمن الخاصة الروسية‪ ،‬والتي ال عالقة لها بأجهزة‬ ‫الدولة الروسية تعمل بالفعل يف السودان»‪ ،‬مضيفا أن مهامها‬ ‫محصورة يف «تدريب الكوادر العسكرية ووكاالت إنفاذ القانون‬ ‫يف جمهوريــة الســودان»‪.‬‬ ‫ـف رو ســيا عــدم ارتياحهــا لتوجهــات الثــورة‬ ‫الحقــا لــم تخـ ِ‬ ‫الســودانية التــي أطاحــت بنظــام البشــر يف أبريل‪/‬نيســان ‪،2019‬‬ ‫وظلــت تعمــل بصــر الســتعادة نفوذهــا يف املؤسســات األمنيــة‬ ‫والعسكرية يف السودان‪ ،‬حتى تحقق لها ذلك من خالل االنقالب‬ ‫العسكري‪ ،‬الذي نفذته قوات كل من الربهان وحميديت املتحاربة‬ ‫اآلن‪ ،‬عىل الحكومة االنتقالية يف ‪ 25‬أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪.2021‬‬

‫إحباط بريغوجين‬

‫وعىل سبيل املثال‪ ،‬وصف أندريه كليشاس‪ ،‬رئيس لجنة «مجلس‬ ‫االتحاد الرويس للتشريع الدستوري»‪ ،‬اإلطاحة بعمر البشري يف‬

‫‪054_AM.indd 55‬‬


‫سياسة‬

‫أبريل‪/‬نيسان ‪ 2019‬بأنها «تغيري عنيف وغري دستوري للسلطة»‪.‬‬ ‫علمــا أن مجموعــة «فاغــر» كانــت قدمــت املعونــة لنظــام البشــر‬ ‫خالل الثورة‪ .‬وأفادت تقارير سرية سربتالحقا أن بريغوجني عرب‬ ‫عن إحباطه من «موقف البشري شديد الحذر» تجاه املتظاهرين‪،‬‬ ‫غـاء األخــر للنصيحــة الروســية بضــرورة‬ ‫وأعــاد ذلــك إىل عــدم إص ـ‬ ‫القبول بـ «خسائر قليلة ولكنها مقبولة يف األرواح» للسيطرة عىل‬ ‫االحتجاجات الجماهريية‪.‬‬ ‫وتضمنــت وثيقــة مســربة أعدتهــا «فاغــر» لنظــام البشــر‪،‬‬ ‫اقرتاحــات للتصــدي لـ«ثــورة ديســمرب»‪ ،‬مثــل توســيع املفهــوم‬ ‫القا ـنـوين للدعــوة إىل إســقاط النظــام‪ ،‬وتشــديد العقوبــة عــى‬ ‫تنظيم التجمعات واالجتماعات غري املصرح بها واملشاركة فيها‪،‬‬ ‫ونشــر االتهامــات بالعمالــة للخــارج ضــد املعارضــن‪ ،‬والتضييــق‬ ‫عىل وسائل اإلعالم املستقلة‪ ،‬وملء مساحات اإلعالم باملصادر‬ ‫املطلعــة الوهميــة لنشــر الخطــاب املؤيــد للنظــام‪ ،‬وشــغل مواقــع‬ ‫االحتجاجــات واملظا ـهـرات بإقامــة احتفــاالت حكوميــة رســمية يف‬ ‫املكان نفسه‪ ،‬واعتقال املنسقني الرئيسني وقيادات االحتجاج يف‬ ‫اليــوم الســابق ألي مظا ـهـرات معلنــة‪.‬‬ ‫وعــى الرغــم مــن فشــل هــذه النصائــح يف إنقــاذ البشــر إال أن‬ ‫ســلطة «انقــاب ‪ 25‬أكتوبــر» اعتمدتهــا ونفذتهــا حرفيــا‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫دل عليــه اســتمرار أو اســتعادة التعــاون األمنــي مــع «فاغــر» عــى‬ ‫نحــو وثيــق بعــد أكتوبر‪/‬تشــرين األول ‪.2021‬‬

‫العسكريون أوال‬

‫خــال املفاوضــات التــي اســتمرت نحــو أربعــة أشــهر بــن املدنيــن‬ ‫والعســكريني بعــد ســقوط البشــر وقبــل بــدء ال ـفـرة االنتقاليــة‪،‬‬ ‫واصلت روسيا دعمها اتجاهات تأسيس حكم استبدادي عسكري‬ ‫يف الســودان؛ فعــى ســبيل املثــال‪ ،‬منعــت روســيا مجلــس األمــن‬ ‫الدويل من إدانة «مجزرة ‪ 3‬يونيو‪/‬حزيران ‪ ،2019‬والتي ُقتل فيها‬ ‫عشرات املتظاهرين عىل أيدي القوات النظامية‪ ،‬وذلك خالل فض‬ ‫االعتصــام الســلمي الــذي كان مســتمرا أمــام مقــر قيــادة الجيــش‬ ‫للدعوة لتسليم السلطة إىل املدنيني‪ .‬ووصف نائب السفري الرويس‬ ‫لــدى األمــم املتحــدة ديمــري بوليانســي‪ ،‬مشــروع ال ـقـرار األممــي‬ ‫املقرتح بأنه «غري متوازن»‪ .‬ثم بعد يومني ندد نائب وزير الخارجية‬ ‫الرويس ميخائيل بوغدانوف بما وصفه بالتدخالت الخارجية يف‬ ‫شـراكة بــن‬ ‫الســودان‪ .‬ويف وقــت الحــق‪ ،‬رحبــت روســيا باتفــاق ال ـ‬ ‫املدنيــن والعســكريني عــى املرحلــة االنتقاليــة يف أغســطس‪/‬آب‬ ‫‪ .2019‬وعــى الرغــم مــن ذلــك‪ ،‬فــإن الدعــم الــرويس للجيــش لــم‬ ‫يتوقف؛ فخالل املشاورات يف مجلس األمن الدويل إلنشاء بعثة‬ ‫األمم املتحدة السياسية الخاصة بدعم انتقال الحكم يف السودان‬ ‫(‪ )UNITAMS‬والتي كان طالب بها رئيس الوزراء املدين عبد الله‬ ‫حمدوك‪ ،‬رفضت روسيا تضمني قرار إنشاء تلك البعثة‪،‬أي إشارة‬ ‫إىل الكتاب الذي أرسله حمدوك إىل األمني العام لألمم املتحدة‬ ‫لطلب إنشائها يف ‪ 27‬يناير‪/‬كانون الثاين ‪2020‬؛ إذ تبنت موسكو‬ ‫موقف املكون العسكري املعرتض عىل ذاك الكتاب‪ ،‬والذي كان‬ ‫يعطــي مجلــس األمــن مســاحة سياســية أوســع للنظــر يف واليــة‬ ‫أقــوى للبعثــة املطلوبــة‪ .‬ونتيجــة لتصلــب العســكريني ودعــم كل‬ ‫من روسيا والصني ملوقفهم يف مجلس األمن‪ ،‬تم سحب الرسالة‬ ‫األوىل املصنفــة بوســم (‪ )Document S/2020/77‬يف ســجالت‬ ‫مجلــس األمــن بتاريــخ ‪ 27‬مايو‪/‬أيــار ‪ ،2020‬تمهيــدا لصــدور ـقـرار‬ ‫مجلس األمن الدويل رقم ‪ )2020( 2524‬بإنشاء بعثة «يونيتامس»‬

‫‪06/09/2023 16:20‬‬

‫المجلة‬

‫‪ 10‬أبريل‬

‫‪2019‬‬

‫انقالب عسكري‬ ‫أزاح الرئيس عمر‬ ‫البشير من السلطة‬ ‫‪ 25‬أكتوبر‬

‫‪2021‬‬

‫انقالب عسكري‬ ‫أطاح بالحكومة‬ ‫المدنية ورئيسها‬ ‫عبدهللا حمدوك‬ ‫‪ 15‬أبريل‬

‫‪2023‬‬

‫اندالع الحرب بين‬ ‫قوات الجيش بقيادة‬ ‫الفريق أول عبد الفتاح‬ ‫البرهان و”قوات‬ ‫الدعم السريع”‬ ‫بقيادة الفريق محمد‬ ‫حمدان دقلو‬ ‫(الملقب بحميدتي)‬

‫‪56‬‬

‫يف ‪ 3‬يونيو‪/‬حز ـيـران ‪ .2020‬كانــت واليــة البعثــة كافيــة عــى نحــو‬ ‫مع ـقـول‪ ،‬لكنهــا لــم تـ َ‬ ‫ـرق إىل مســتوى الطموحــات التــي تضمنتهــا‬ ‫الرسالة األوىل‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬ماطلت روسيا يف املوافقة عىل اختيار‬ ‫رئيــس للبعثــة الجديــدة طــوال عــدة أشــهر‪ ،‬بحجــة ضــرورة تمتــع‬ ‫املرشــح لتويل هذا املنصب بدعم الجيش الســوداين‪ .‬وهو ما أدى‬ ‫شـاء «يونيتامــس»‪،‬‬ ‫إىل فجــوة زمنيــة مدتهــا ســبعة أشــهر بعــد إن ـ‬ ‫وثالثــة أشــهر بعــد بــدء االنتشــار الفعــي للبعثــة يف الســودان‪،‬‬ ‫والــذي بــدأ قبــل تعيــن رئيســها‪.‬‬

‫وعلم «سوفياتي»‬ ‫ذهب َ‬

‫منــذ ذلــك الحــن وحتــى انقــاب ‪ 25‬أكتوبر‪/‬تشــرين األول ‪،2021‬‬ ‫دأبــت روســيا عــى اســتعادة نفوذهــا وتحالفاتهــا العســكرية يف‬ ‫السودان‪ .‬واتخذ هذا الجهد أشكاال متعددة كان أبرزها التعاون‬ ‫االقتصــادي مــع «قــوات الدعــم الســريع» يف مجــال التنقيــب عــن‬ ‫الذهب‪ .‬وساهمت شراكات التنقيب عن الذهب بني هذه القوات‬ ‫و«فاغرن»‪ ،‬عىل مدار السنوات املاضية‪ ،‬يف بناء احتياطيات كبرية‬ ‫مــن الذهــب يف البنــك املركــزي الــرويس‪ .‬وهــو أمــر شــكل أهميــة‬ ‫قصوى ملوسكو يف سياق مواجهتها تداعيات الحرب يف أوكرانيا؛‬ ‫إذ ُنظمت‪،‬خالل العام ‪ ،2021‬نحو ‪ 16‬رحلة جوية روسية لتهريب‬ ‫الذهب من السودان إىل روسيا عرب مطار الالذقية يف سوريا‪ ،‬ثم‬ ‫إىل قاعــدة «تشكالوفســي» الجويــة يف االتحــاد الــرويس‪ .‬وتمــت‬ ‫هــذه الرحــات عــى مــن طا ـئـرات مســجلة بأرقــام تعريفيــة تخــص‬ ‫القوات املسلحة الروسية‪ .‬ويرفرف علم قديم لالتحاد السوفيايت‬ ‫شـركة يف الســودان والتي تحيط‬ ‫الســابق فوق مواقع التعدين امل ـ‬ ‫شـركتني‪،‬‬ ‫بهــا حراســة مشــددة‪ .‬كمــا ذ ـكـرت تقاريــر صحافيــة أن ـ‬ ‫هما «الصوالج»‪ ،‬و«مروي غولد»‪ ،‬كانتا تتبادالن ملكية األصول‬ ‫واملمتلكات مع الروابط املحتملة لـ«قوات الدعم السريع»‪ ،‬لتجنب‬ ‫العقوبــات ضــد «فاغــر»‪.‬‬ ‫إىل ذلك يتحكم الذراع االستثمارية ملجموعة «فاغرن» واملعروفة‬ ‫باسم «إم إنفيست» (‪ )M-Invest‬بـ«مروي غولد»‪ .‬وتشري شهادة‬ ‫تسجيل الشركة الصادرة من مسجل عام الشركات يف السودان‬ ‫عــام ‪ ،2017‬إىل أن «إم إنفيســت» تمتلــك ‪ 99‬يف املئــة مــن أســهم‬ ‫الشركة‪ ،‬ويرأس مجلس إدارتها املكون من ثالثة أعضاء املواطن‬ ‫الــرويس ميخائيــل بوتيوبكــن (املديــر اإلقليمــي لــ«إم إنفيســت»)‪،‬‬ ‫بينمــا ســجلت األســهم املتبقيــة‪ ،‬أي ‪ 1‬يف املئــة‪ ،‬باســم مواطــن‬ ‫ســوداين وآخــر رويس يدعــى مايــكل ليتفينــوف‪ ،‬وهمــا العضــوان‬ ‫شـركة‪.‬‬ ‫خـران يف مجلــس إدارة ال ـ‬ ‫اآل ـ‬ ‫سـرعة اســتثنائية‪ ،‬عــى‬ ‫والالفــت أن «مــروي غولــد» تغلبــت ب ـ‬ ‫شـركات‬ ‫البريوقراطيــة الســودانية املعقــدة يف مجــال تســجيل ال ـ‬ ‫االســتثمارية األجنبيــة وعملهــا‪ ،‬وذلــك مــن خــال التســهيالت‬ ‫املتواصلة التي قدمتها لها الجهات العليا يف نظام البشري املخلوع‪.‬‬ ‫فبتاريــخ ‪ 12‬أغســطس‪/‬آب ‪ ،2018‬أبلــغ وزيــر شــؤون الرئاســة‬ ‫السودانية فضل عبد الله فضل‪ ،‬وزير املعادن محمد أحمد عيل‬ ‫شـركة «مــروي غولــد» ملعالجــة‬ ‫تعليمــات البشــر بمنــح ترخيــص ل ـ‬ ‫مخلفات الذهب (الكرتة)‪ .‬وذلك عىل الرغم من الحظر املفروض‬ ‫عىل الشركات األجنبية للعمل يف هذا القطاع‪ .‬كما اشتملت تلك‬ ‫التعليمــات عــى التنــازل عــن حصــة الحكومــة الســودانية البالغــة‬ ‫‪ 30‬يف املئة يف مربع االمتياز (‪ )A3‬بمنطقة جبيت شرقي السودان‪.‬‬ ‫وإىل ذلك مُ نحت «مروي غولد» تصريحا ملعالجة مخلفات الذهب‬ ‫يف واليــات جنــوب كردفــان ونهــر النيــل والبحــر األحمــر‪ ،‬باإلضافــة‬

‫‪054_AM.indd 56‬‬


‫‪57‬‬

‫إىل منحها حقوق التنقيب عن الذهب يف مربع (‪ )R570‬يف البحر‬ ‫األحمــر‪ ،‬ومربــع (‪ )28‬يف أبــو حمــد بواليــة نهــر النيــل‪.‬‬ ‫ناهيــك بــأن البشــر أمــر يف آخــر عهــده بالتنــازل عــن أســهم‬ ‫الحكومة السودانية يف قطاع تعدين الذهب بوالية البحر األحمر‬ ‫شـركة إياهــا‪ .‬علمــا أن «مــروي غولــد» وســعت أنشــطتها‬ ‫لصالــح ال ـ‬ ‫شـركات عــدة تابعــة لهــا للعمــل يف مجــاالت‬ ‫مــن خــال تســجيل ـ‬ ‫أخرى منها‪« :‬مروي لإلنتاج الزراعي والحيواين» (‪ 12‬أغسطس‪/‬‬ ‫آب ‪ ،)2018‬و«مــروي لتصنيــع الزيــوت النباتيــة» (‪ 2‬ديســمرب‪/‬‬ ‫كانــون األول ‪ ،)2018‬و«مــروي ملعالجــة نفايــات التعديــن» (‪19‬‬ ‫فرباير‪/‬شــباط ‪.)2019‬‬

‫أدوار حميدتي‬

‫والجدير ذكره أن الشركات الروسية دخلت يف مشاريع مشرتكة‬ ‫مع الحكومة السودانية يف مجال التنقيب عن الذهب‪ ،‬قبل إنشاء‬ ‫«مــروي غولــد»‪ ،‬إذ وضعــت روســيا نصــب أعينهــا مــوارد الذهــب‬ ‫السودانية منذ فرتة طويلة؛ ففي أواخر يوليو‪/‬تموز ‪ 2015‬منحت‬ ‫شـركة «ســيبرييا» لتعديــن الذهــب عقــد امتيــاز يف واليتــي البحــر‬ ‫ـ‬ ‫ضـره البشــر‪ .‬وأعلــن وزيــر املعــادن‬ ‫األحمــر ونهــر النيــل يف حفــل ح ـ‬ ‫شـركة اكتشــفت ‪ 46‬ألــف‬ ‫الســوداين أحمــد صــادق الكــروري أن ال ـ‬ ‫طن من احتياطي الذهب يف هذين املوقعني بقيمة سوقية تبلغ‬ ‫شـركة عــى‬ ‫‪ 1.70‬تريليــون دوالر‪ .‬كمــا نــص العقــد املم ـنـوح لتلــك ال ـ‬ ‫أن تحتفظ هي بنسبة ‪ 25‬يف املئة من هذه القيمة‪ ،‬وترتك الباقي‬ ‫للحكومة السودانية‪ .‬وكانت هذه األرقام‪ ،‬التي كانت تستخدم‬ ‫خـراء‬ ‫لالســتهالك الســيايس‪ ،‬محــط تشــكيك واســع مــن قبــل ال ـ‬ ‫والجمهــور‪ ،‬ممــا اضطــر حكومــة البشــر إىل الرتاجــع عنهــا الحقــا‪.‬‬ ‫شـركة الروســية‬ ‫وقبــل ذلــك‪ ،‬ويف العــام ‪ ،2013‬ســجلت ال ـ‬ ‫«كوش»‪ ،‬لالستكشــاف والتنقيب يف الســودان‪ ،‬ومُ نحت حقوق‬ ‫التنقيــب عــن الذهــب يف املربــع (‪ )30‬يف البحــر األحمــر‪ .‬ويف العــام‬ ‫‪ ،2014‬ويف إطار مشروع مشرتك مع الحكومة أسست «كوش»‬ ‫مصنع االتحاد ملعالجة الذهب بغية معالجة نحو ‪ 200‬ألف طن‬ ‫مــري مــن مخلفــات الذهــب ســنويا بح ـلـول عــام ‪ .2016‬وتعمــل‬ ‫سـرة قائــد‬ ‫شـركة «الجنيــد» اململوكــة أل ـ‬ ‫«كــوش» كشــريك رئيــس ل ـ‬ ‫الدعم السريع حميديت والتي يرأسها نائبه وشقيقه عبدالرحيم‪.‬‬ ‫وكانت تلك الشركة الروسية قد أعلنت يف يوليو‪/‬تموز ‪ 2017‬عن‬ ‫شـركة «الجنيــد» للتنقيــب عــن الذهــب يف ‪ 14‬مربعــا‬ ‫شـراكتها مــع ـ‬ ‫ـ‬ ‫جديــدا باإلضافــة إىل الرتخيــص املم ـنـوح لهــا يف املربــع (‪ )30‬بالبحــر‬ ‫األحمر‪ .‬الحقا‪ ،‬وخالل زيارة الرئيس املخلوع عمر البشري إىل روسيا‬ ‫عام ‪ ،2017‬وقع اتفاق ملنح عدد غري محدد من املربعات اإلضافية‬ ‫لشركة «كوش» الروسية للتنقيب عن الذهب يف السودان‪ .‬وهو‬ ‫شـرك مــع رئيــس الــوزراء الــرويس ديمــري‬ ‫مــا أشــر إليــه يف بيــان م ـ‬ ‫ميدفيديف‪ ،‬عىل نحو يعكس األهمية االسرتاتيجية لهذه الشركة‬ ‫بالنسبة إىل روسيا يف السودان‪ .‬وهو البيان نفسه الذي أعلن فيه‬ ‫عــن منــح حقــوق تنقيــب مماثلــة ملجموعــة «إم إنفيســت» التابعــة‬ ‫لـ«فاغــر»‪ .‬وأشــار بيــان صــادر عــن املتحــدث باســم «كــوش» إىل‬ ‫خـرة بـ«التعامــل مــع‬ ‫شـراكتها مــع «الجنيــد» تتضمــن قيــام األ ـ‬ ‫أن ـ‬ ‫السلطات املحلية والبوليس وأيضا العمل مع وحدات عسكرية‬ ‫متخصصــة إلزالــة األلغــام مــن مناطــق التنقيــب»‪ .‬وهــو مــا شــكل‬ ‫غطاء إلرسال وحدات من «قوات الدعم السريع»‪ ،‬مرات عدة‪،‬‬ ‫للتعامــل مــع احتجاجــات الســكان املحليــن ضــد اآلثــار البيئيــة‬ ‫واالقتصاديــة لعمليــات التنقيــب يف مناطقهــم‪.‬‬

‫‪06/09/2023 16:20‬‬

‫المجلة‬

‫دخلت الشركات‬ ‫الروسية في مشاريع‬ ‫مشتركة مع الحكومة‬ ‫السودانية في مجال‬ ‫التنقيب عن الذهب‪.‬‬ ‫وكانت روسيا قد‬ ‫وضعت أعينها‬ ‫على موارد الذهب‬ ‫السودانية قبل فترة‬ ‫طويلة‬ ‫في ‪ ،2013‬تم تسجيل‬ ‫الشركة الروسية‬ ‫المعروفة باسم‬ ‫“كوش لالستكشاف‬ ‫والتنقيب في‬ ‫السودان” وتم منحها‬ ‫حقوق التنقيب عن‬ ‫الذهب في البحر‬ ‫األحمر‬ ‫بعد إسقاط البشير‪،‬‬ ‫استخدم حميدتي‬ ‫نفوذه المتزايد‬ ‫في دارفور لتقوية‬ ‫تحالفه االقتصادي‬ ‫والسياسي مع‬ ‫مجموعة “فاغنر”‬ ‫والتي كانت تهدف‬ ‫لتعزيز الوجود الروسي‬ ‫والسيطرة على‬ ‫منطقة الساحل‬

‫منعت روسيا‬ ‫مجلس األمن‬ ‫التابع لألمم‬ ‫املتحدة من‬ ‫إدانة مجزرة‬ ‫فض االعتصام‬ ‫يف ‪ 3‬يونيو‪/‬‬ ‫حزيران ‪،2019‬‬ ‫والتي ُقتل‬ ‫فيها عشرات‬ ‫املتظاهرين عىل‬ ‫أيدي القوات‬ ‫النظامية‬

‫سياسة‬

‫‪ ..‬أبعد من السودان‬

‫بعــد إســقاط البشــر‪ ،‬اســتخدم حميــديت نفــوذه املتزايــد يف إقليــم‬ ‫دارفــور لتقويــة تحالفــه االقتصــادي والســيايس مــع مجموعــة‬ ‫«فاغــر»‪ ،‬والتــي كانــت تهــدف لتعزيــز الوجــود الــرويس يف منطقــة‬ ‫الساحل والسيطرة عليها‪ .‬شملت العملياتاملشرتكة للمجموعتني‬ ‫(«كــوش» و«الجنيــد») النيجــر ومــايل وتشــاد وأفريقيــا الوســطى‬ ‫وليبيا‪ ،‬فضال عن السودان‪ .‬ويف أبريل‪/‬نيسان ‪ ،2019‬أي بعد أيام‬ ‫عىل إسقاط البشري‪ ،‬زار الرجل الثاين يف «قوات الدعم السريع»‪،‬‬ ‫عبدالرحيــم حمــدان دقلــو يرافقــه أمــن عــام وزارة الد ـفـاع جمــال‬ ‫عمر‪ ،‬موسكو‪ ،‬حيث التقى نائب وزير الدفاع الرويس ألكسندر‬ ‫فومــن بهــدف طمأنتــه إىل ال ـتـزام املكــون العســكري بشــقيه‪،‬‬ ‫االتفاقات السابقة مع روسيا‪ .‬ومذاك عملت موسكو بصرب عىل‬ ‫اســتعادة نفوذهــا يف الســودان وتقويــة املكــون العســكري وتغذيــة‬ ‫ميولــه االنقالبيــة لالســتيالء عــى الســلطة واإلطاحــة باملدنيــن‪،‬‬ ‫وهــو مــا تــم يف انقــاب أكتوبر‪/‬تشــرين األول ‪.2021‬‬

‫تضليل وإغاثة‬

‫عالوة عىل ذلك‪ ،‬عملت روسيا عىل تضليل الرأي العام السوداين‬ ‫بهــدف دعــم املكــون العســكري‪ .‬وكشــفت «فيســبوك»‪ ،‬قبــل أيــام‬ ‫من «انقالب ‪ 25‬أكتوبر‪/‬تشرين األول»‪ ،‬أنها أغلقت شبكتني من‬ ‫الصفحات املزيفة التي تستهدف السودان (حوايل ‪ 1100‬صفحة‬ ‫تضم أكرث من ‪ 2.8‬مليون متابع) تعمل عىل تضليل الرأي العام‬ ‫السوداين ودعم العسكريني وتشويه صورة املدنيني والدعوة إىل‬ ‫اســتيالء الجيــش عــى الســلطة‪ُ .‬‬ ‫وعلــم أن هــذه الشــبكات مرتبطــة‬ ‫بروسيا‪ ،‬وال سيما بـ«وكالة أبحاث اإلنرتنت الروسية (‪.»)IRA‬‬ ‫كذلــك‪ ،‬بذلــت «فاغــر» جهــودا ك ـبـرة لتحســن صــورة روســيا‬ ‫لــدى الســودانيني؛ ففــي منتصــف أبريل‪/‬نيســان ‪ ،2021‬نظمــت‬ ‫املجموعــة حمــات لتوزيــع مــواد غذائيــة عــى األســر املحتاجــة يف‬ ‫ضواحي العاصمة‪ ،‬بالتوازي مع توزيع العلم الرويس وقد طبعت‬ ‫عليــه عبــارات «مــن روســيا مــع الحــب»‪ ،‬و«هديــة مــن يفغينــي‬ ‫شـرت صــور هــذه الحملــة عــى نطــاق واســع‬ ‫بريغوجــن»‪ .‬كمــا ن ـ‬ ‫وعــى نحــو ممنهــج يف منصــات التواصــل االجتماعــي‪.‬‬ ‫ولــم يكــن مســتغربا‪ ،‬بعــد نجــاح االنقــاب يف أكتوبر‪/‬تشــرين‬ ‫األول ‪ ،2021‬أن يكون الظهور اإلعالمي األول لقائده عبدالفتاح‬ ‫الربهان عىل شــبكة «ســبوتنيك» الروســية‪ .‬وهي املقابلة التي أكد‬ ‫شـاء القاعــدة البحريــة‬ ‫فيهــا األخــر التزامــه املــي قدمــا يف اتفــاق إن ـ‬ ‫الروســية عــى ســاحل البحــر األحمــر‪ ،‬بعــد أن كانــت حكومــة‬ ‫رئيــس الــوزراء املــدين عبداللــه حمــدوك جمدتــه‪ .‬الحقــا‪ ،‬ويف ‪23‬‬ ‫فرباير‪/‬شــباط ‪ ،2022‬أي قبــل يــوم واحــد مــن بــدء الغــزو الــرويس‬ ‫ألوكرانيا‪ ،‬زار نائب قائد االنقالب حميديت موسكو‪ ،‬حيث أعلن‬ ‫دعمه لتدخل روسيا يف أوكرانيا‪ ،‬وصرح بأنه «يجب عىل العالم‬ ‫كلــه أن يــدرك أن روســيا لهــا الحــق يف الد ـفـاع عــن شــعبها»‪ .‬وفــور‬ ‫عودته من زيارته تلك التي استمرت ثمانية أيام‪ ،‬أعلن حميديت‬ ‫شـاء القاعــدة البحريــة الروســية عــى الســاحل‬ ‫تأييــده خطــط إن ـ‬ ‫الســوداين للبحــر األحمــر‪.‬‬ ‫وهــو مــا بــدا أنــه تنافــس بــن الربهــان وحميــديت عــى خطــب‬ ‫ود موســكو‪ ،‬خصوصــا بعــد امت ـنـاع الربهــان عــن املجا ـهـرة بهــذا‬ ‫غـرب واســتعادة الدعــم‬ ‫التأييــد يف ســياق ســعيه للتقــارب مــع ال ـ‬ ‫الــدويل لحكمــه‪ ،‬األمــر الــذي ســمح لحميــديت بتوطيــد عالقتــه مــع‬ ‫شـاء تلــك القاعــدة البحريــة الروســية‪.‬‬ ‫روســيا‪ ،‬مــن خــال دعمــه إن ـ‬

‫‪054_AM.indd 57‬‬


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫‪58‬‬

‫خالل املفاوضات‬ ‫التي استمرت‬ ‫لحوايل أربعة‬ ‫أشهر بني املدنيني‬ ‫والعسكريني‬ ‫بعد سقوط‬ ‫البشري وقبل بدء‬ ‫الفرتة االنتقالية‪،‬‬ ‫واصلت روسيا‬ ‫دعمها التجاهات‬ ‫التأسيس لحكم‬ ‫استبدادي‬ ‫عسكري يف‬ ‫السودان‬

‫قاعدة استراتيجية‬

‫الجدير ذكره أن القاعدة املذكورة آنفا وتلك التي أنشأتها موسكو‬ ‫يف ميناء طرطوس بسوريا‪ ،‬هما القاعدتان البحريتان الروسيتان‬ ‫الوحيدتــان خــارج الحــدود اإلقليميــة الروســية‪ .‬علمــا أن ـقـرب‬ ‫القاعــدة تلــك مــن كل مــن مضيــق بــاب املنــدب وقنــاة الســويس‬ ‫يمنــح روســيا م ـيـزة حاســمة فيمــا يخــص مراقبــة صــادرات النفــط‬ ‫العامليــة‪ ،‬وإمكانيــة اعرتاضهــا إذا اندلــع ـنـزاع دويل واســع النطــاق‪.‬‬ ‫ناهيك بأن هذه القاعدة تؤسس لوجود روسيا يف البحر األحمر‪،‬‬ ‫وتعــزز وجودهــا يف شــرق البحــر املتوســط‪.‬‬ ‫وكان الرئيــس الــرويس قــد أصــدر تعليماتــه ببــدء ب ـنـاء هــذه‬ ‫القاعدة يف نوفمرب‪/‬تشرين الثاين ‪ ،2020‬عىل أن تستوعب أربع‬ ‫ســفن حربيــة تعمــل بالطاقــة النوويــة باإلضافــة إىل طاقــم أريض‬ ‫للمهمات اللوجستية‪ .‬لكن حكومة عبد الله حمدوك االنتقالية‬ ‫جمدت االتفاق إلنشاء القاعدة يف أبريل‪/‬نيسان ‪ ،2021‬وذلك يف‬ ‫غـرب‪ .‬بعــد ذلــك تــم إح ـيـاء‬ ‫إطــار ســعيها لتحســن عالقاتهــا مــع ال ـ‬ ‫املحادثات بشأن القاعدة عقب «انقالب ‪ 25‬أكتوبر»‪ ،‬فكان ذلك‬

‫‪06/09/2023 16:20‬‬

‫إحــدى دالالت الدعــم الــرويس لذلــك االنقــاب‪ .‬عــاوة عــى ذلــك‪،‬‬ ‫ويف مــارس‪/‬آذار ‪ ،2022‬امتنــع الســودان‪ ،‬مــع عــدد مــن الــدول‬ ‫األفريقية‪ ،‬عن التصويت لصالح قرار الجمعية العمومية لألمم‬ ‫املتحــدة والــذي يديــن الغــزو الــرويس ألوكرانيــا ويطالــب القــوات‬ ‫الروســية باالنســحاب منهــا‪.‬‬

‫إسالميون محبون لروسيا‬

‫والحال هذه‪ ،‬واصل املكون العسكري توطيد عالقاته مع روسيا‬ ‫بعــد االنقــاب؛ ففــي ‪ 3‬أغســطس‪/‬آب ‪ ،2022‬زار وكيــل وزارة‬ ‫الخارجية دفع الله الحاج عيل روسيا لحضور الجلسة العاشرة‬ ‫للجنة التشاور السيايس بني وزاريت خارجية جمهورية السودان‬ ‫وروسيا االتحادية‪ ،‬والتي كانت قد ُشكلت يف عهد البشري‪ .‬ثم زار‬ ‫وفد رسمي سوداين موسكو يوم ‪ 15‬أغسطس‪/‬آب إلحياء اللجنة‬ ‫الحكومية الروسية‪ -‬السودانية التي ُشكلت أيضا يف عهد البشري‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وخلصت تلك االجتماعات املشرتكة إىل تعزيز التعاون االقتصادي‬ ‫بــن البلديــن يف قطاعــات عــدة‪ ،‬مــن بينهــا التعديــن والتنقيــب‬

‫‪054_AM.indd 58‬‬


‫‪59‬‬

‫المجلة‬

‫عــن النفــط والطاقــة‪ .‬وبــدا واضحــا أن الحكومــة االنقالبيــة قــررت‬ ‫التوجــه نحــو موســكو لتعويــض الخســائر االقتصاديــة التــي بلغــت‬ ‫جـراء توقــف املســاعدات الخارجيــة منــذ انقــاب‬ ‫‪ 4.4‬مليــار دوالر ـ‬ ‫الربهــان وحميــديت عــى الحكومــة املدنيــة‪ .‬وتزامــن هــذا االتجــاه‬ ‫للتقــارب مــع موســكو‪ ،‬مــع العــودة الرتاكميــة للــكادر اإلســامي‬ ‫إىل الخدمــة املدنيــة‪ ،‬وخصوصــا يف وزارة الخارجيــة؛ فمنــذ ينايــر‪/‬‬ ‫كانــون الثــاين ‪ ،2022‬أعيــد تعيــن ‪ 102‬مــن الكــوادر اإلســامية يف‬ ‫الســلك الدبلومــايس‪ .‬وكان ـهـؤالء الدبلوماســيون قــد دُربــوا عــى‬ ‫غـرب‪.‬‬ ‫تأييــد روســيا والصــن ضــد ال ـ‬ ‫كذلك‪ ،‬وخالل املفاوضات لتجديد والية بعثة األمم املتحدة‬ ‫صـرم‪ ،‬دعمــت روســيا‬ ‫إىل الســودان‪ ،‬يف وقــت مبكــر مــن العــام املن ـ‬ ‫والصــن موقــف حكومــة االنقــاب‪ ،‬بــأن يكــون هنــاك تمديــد تقنــي‬ ‫لوالية البعثة من دون أي تغيري جوهري يف مضمون تفويضها‪.‬‬ ‫وكان اال ـقـراح األويل لتجديــد تفويــض البعثــة‪ ،‬بعــد «انقــاب ‪25‬‬ ‫أكتوبر»‪ ،‬أدان االنقالب العسكري والعنف الذي تمارسه قوات‬ ‫األمــن ضــد املتظاهريــن الســلميني‪ ،‬كمــا أشــار إىل تجــدد أعمــال‬ ‫العنــف يف دارفــور‪ ،‬ودعــا لعمليــة سياســية تنهــي األزمــة التــي‬ ‫تســبب فيهــا االنقــاب‪.‬‬ ‫وبالفعل‪ ،‬أدى الدعم الرويس للحكم العسكري‪ ،‬مرة جديدة‪،‬‬ ‫إىل تعطيل القرار يف نسخته األوىل‪ ،‬مما أسفر‪ ،‬يف يونيو‪/‬حزيران‬ ‫‪ ،2022‬عــن صــدور ـقـرار مجلــس األمــن رقــم ‪ 2636‬لســنة ‪،2022‬‬ ‫والــذي خــا مــن أي تغيــر جوهــري يف تفويــض البعثــة عــى نحــو‬ ‫غـرات عــى‬ ‫يُمكنهــا مــن أن تكــون أكــر فعاليــة يف االســتجابة للمت ـ‬ ‫أرض الواقع يف السودان‪.‬‬ ‫عــاوة عــى ذلــك‪ ،‬تبنــى مجلــس األمــن‪ ،‬يف ‪ 15‬فرباير‪/‬شــباط‬ ‫مــن العــام نفســه‪ ،‬وباإلج ـمـاع‪ ،‬ال ـقـرار ‪ ،2620‬والــذي يمــدد واليــة‬ ‫خـراء املعــاون للجنــة عقوبــات الســودان املنشــأة بنــص‬ ‫فريــق ال ـ‬ ‫ال ـقـرار ‪ 1591‬لعــام ‪ ،2005‬حتــى ‪ 12‬مــارس‪/‬آذار ‪ .2023‬وكان‬ ‫جـاء تحــت الفصــل الســابع مــن ميثــاق‬ ‫ال ـقـرار ‪ ،)2005( 1591‬قــد ـ‬ ‫األمــم املتحــدة الــذي يتيــح لألمــم املتحــدة اســتخدام كل التدابــر‪،‬‬ ‫غــر املســلحة (املــادة ‪ )41‬واملســلحة (املــادة ‪ ،)42‬لتنفيــذ قراراتهــا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وفرضــت عقوبــات ذات صلــة ب ـنـزاع دارفــور عــى الجهــات الفاعلــة‬ ‫صـول‪،‬‬ ‫فيــه‪ ،‬شــملت حظــر األســلحة وحظــر الســفر وتجميــد األ ـ‬ ‫باإلضافة إىل تشكيل لجنة من الخرباء تقدم تقاريرها بانتظام إىل‬ ‫مجلس األمن‪ ،‬وتقرر تحديد األفراد والجهات التي ُتنفذ العقوبات‬ ‫بحقهــا‪ .‬وتضــم هــذه القائمــة حتــى اآلن ضباطــا يف الجيــش مثــل‬ ‫اللــواء جعفــر محمــد الحســن‪ ،‬القائــد الســابق للقــوات املســلحة‬ ‫السودانية للمنطقة العسكرية الغربية‪( ،‬وهو املنصب الذي تواله‬ ‫الحقــا القائــد العــام للجيــش حاليــا عبدالفتــاح الربهــان)‪ ،‬وزعيــم‬ ‫الجنجويــد الشــيخ مــوىس هــال‪.‬‬ ‫كما ُتدعم لجنة مجلس األمن تلك من قبل فريق من الخرباء‬ ‫ملواصلة فرض اإلجراءات ضد األفراد والكيانات املعرقلة للسالم‬ ‫واالستقرار يف إقليم دارفور‪.‬‬ ‫صـرت‪ ،‬خــال املــداوالت لتجديــد واليــة لجنــة‬ ‫لكــن روســيا‪ ،‬أ ـ‬ ‫خـراء هــذه يف فرباير‪/‬شــباط ‪ ،2022‬عــى أن يتبنــى مجلــس‬ ‫ال ـ‬ ‫األمــن معايــر زمنيــة لرفــع هــذه العقوبــات‪ .‬كمــا رفضــت موســكو‬ ‫أي إشارة‪ ،‬يف منت قرار التجديد‪ ،‬إىل انقالب أكتوبر‪/‬تشرين األول‬ ‫‪ ،2021‬أو إىل البعثة السياسية األممية إىل السودان‪ .‬وبالفعل‪،‬‬ ‫نجحت روسيا مرة أخرى يف تحقيق أهدافها‪ ،‬والتي ترجمت يف‬ ‫ال ـقـرار ‪ 2620‬لســنة ‪ ،2022‬بتمديــد واليــة اللجنــة ملــدة عــام واحــد‪،‬‬

‫‪06/09/2023 16:20‬‬

‫سياسة‬

‫من دون ذكر االنقالب أو البعثة‪ ،‬وتحديد موعد ‪ 31‬أغسطس‪/‬‬ ‫آب ‪ 2022‬موعــدا نهائيــا لتحديــد معايــر العقوبــات‪.‬‬

‫حماية بأي ثمن‬

‫مــذاك‪ ،‬تقــود روســيا حملــة شرســة داخــل أروقــة مجلــس األمــن‬ ‫لتخفيــف العقوبــات املنصــوص عليهــا يف ال ـقـرار ‪ ،2620‬وقصرهــا‬ ‫عــى حظــر األســلحة‪ .‬كمــا منعــت جميــع املحــاوالت لتضمــن هــذا‬ ‫ال ـقـرار أي إشــارة إىل الحاجــة الســتعادة الحكومــة املدنيــة‪.‬‬ ‫ويبدو هذا االتجاه غريبا جدا يف ضوء موجة العنف املتزايدة يف‬ ‫دارفور منذ انقالب أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪ .2021‬لكنه يكشف نوايا‬ ‫روســيا لحمايــة حلفائهــا العســكريني والحفــاظ عــى حكمهــم بــأي‬ ‫ثمن‪ ،‬خصوصا «قوات الدعم السريع»‪ ،‬والتي ارتكبت تجاوزات‬ ‫وجرائم وانتهاكات خالل الحرب الحالية يف مناطق مختلفة من‬ ‫دارفــور وال ســيما يف واليــة ـغـرب دارفــور‪ ،‬وهــو األمــر الــذي دفــع‬ ‫املحكمة الجنائية الدولية إىل إطالق تحقيق دويل جديد بشأنها‪.‬‬

‫زيارة تسابق النار‬

‫كان هذا التقارب املشرتك بني روسيا والسودان قد ُتوج‪ ،‬قبل‬ ‫سـرغي الفــروف‬ ‫حـرب الحاليــة‪ ،‬بزيــارة وزيــر الخارجيــة الــرويس ـ‬ ‫ال ـ‬ ‫إىل الخرطــوم يف فرباير‪/‬شــباط ‪ .2023‬وكانــت الخرطــوم محطــة‬ ‫يف جولة أفريقية لالفروف‪ ،‬شملت أيضا مايل وموريتانيا مطلع‬ ‫العام الجاري‪ .‬حاول الفروف‪ ،‬خالل الزيارة‪ ،‬الحفاظ عىل تحالف‬ ‫االنقــاب بــن حميــديت والربهــان‪ ،‬والــذي كان قــد بــدأ يف التزعــزع‬ ‫قبــل أن ينفجــر يف االشــتباك بــن «قــوات الدعــم الســريع» وقــوات‬ ‫الجيش مطلع العام الجاري‪ .‬عمليا‪ ،‬بدأ التوتر بني الجانبني يؤثر‬ ‫عــى وجــود روســيا ومصالحهــا يف املنطقــة‪ ،‬وهــي كانــت اعتمــدت‬ ‫فيها عىل التحالف بني «فاغرن» و«الدعم السريع»‪ .‬ودافع الفروف‬ ‫صراحة‪ ،‬يف الخرطوم‪ ،‬عن أنشطة «فاغرن» ووجودها يف أفريقيا‪،‬‬ ‫مشيدا بدورها يف «املساعدة عىل استقرار الوضع يف املنطقة» يف‬ ‫مواجهة ما سماه «التهديد اإلرهابي»‪.‬‬ ‫كما أشار الوزير الرويس أيضا إىل أن قوات «فاغرن» تنتشر بناء‬ ‫عىل طلب الحكومات ذات السيادة‪ ،‬وهذا ليس لتربير وجودها‬ ‫يف جمهوريــة أفريقيــا الوســطى وحســب‪ ،‬بــل أيضــا لدعــم مطالبــة‬ ‫ـس الفــروف أيضــا‪ ،‬أن‬ ‫حميــديت بــأن تكــون قواتــه رســمية‪ .‬ولــم ينـ َ‬ ‫يعرب عن تقدير موسكو للظروف املريحة التي أتيحت لشركات‬ ‫التعدين الروسية العاملة يف السودان‪ .‬كما أكد الفروف سريان‬ ‫شـاء القاعــدة البحريــة العســكرية الروســية عــى ســاحل‬ ‫اتفــاق إن ـ‬ ‫البحر األحمر السوداين‪.‬‬ ‫حـرب‬ ‫لكــن أســابيع قليلــة فصلــت بــن زيــارة الفــروف وانــدالع ال ـ‬ ‫يف السودان بني الحليفني االنقالبيني‪ ،‬معلنة فشل االسرتاتيجية‬ ‫الروسية يف السودان‪ .‬بيد أن النفوذ الرويس عىل الطرفني ال يزال‬ ‫فاعال؛ فالسفارة الروسية يف الخرطوم‪ -‬والتي تقع يف قلب حي‬ ‫العمــارات القريــب مــن مطــار الخرطــوم الــدويل‪ ،‬الــذي ُيعــد أحــد‬ ‫مواقــع القتــال الرئيســة‪ -‬ال ـتـزال الســفارة الوحيــدة التــي تواصــل‬ ‫عملها يف العاصمة السودانية‪ .‬وبينما ّ‬ ‫عقد تمرد «فاغرن» األخري‬ ‫سـراتيجيتها األفريقيــة‪ ،‬والتــي اعتمــدت‬ ‫حســابات روســيا بشــأن ا ـ‬ ‫إىل حد كبري عىل صناعة حزام من عدم االستقرار ودعم فاعلني‬ ‫حـول املــدين‬ ‫عســكريني وشــبه عســكريني يف مواجهــة مطالــب الت ـ‬ ‫طـراف‬ ‫الديمقراطــي‪ُ ،‬تبقــي روســيا خطوطهــا مفتوحــة مــع كل األ ـ‬ ‫املتحاربة يف الســودان‪.‬‬

‫‪054_AM.indd 59‬‬


‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫رأي ورأي‬

‫املغرب‪...‬‬ ‫اليــد املمــدودة‬ ‫مــن جانــب واحــد‬ ‫محمد الشرقي‬ ‫كاتب وصحايف مغربي‬

‫‪06/09/2023 16:14‬‬

‫الجزائــر‪...‬‬ ‫ترســيم للحــدود‬ ‫صـراع النفــوذ”؟‬ ‫و“ ـ‬ ‫رسم ‪ -‬بول رايدنغ‬

‫عىل هاتني الصفحتني‬ ‫يتواجه رأيان يعرب كل‬ ‫منهما عن وجهة نظر‬ ‫يف قضية راهنة‪ .‬يذهب‬ ‫صاحبا الرأيني إىل ما‬ ‫ُيعترب أساس التباين‬ ‫أو الخالف بني طريف‬ ‫القضية املطروحة‪،‬‬ ‫ويعلنان األسباب من‬ ‫دون تجميل أو تذويق‪،‬‬ ‫ومن دون مبالغة أو‬ ‫تجريح يف الوقت ذاته‬

‫ربيعة خريس‬ ‫صحافية جزائرية‬

‫‪60‬‬

‫يحرص املغرب الرسمي والشعبي عىل إقامة عالقات‬ ‫طبيعيــة‪ -‬وحتــى جيــدة‪ -‬مــع الجــارة الجزائــر‪ ،‬رغــم‬ ‫االختالف الســيايس واملرجعي حول قضايا إقليمية‬ ‫ودوليــة عــدة‪ ،‬اعتبــارا ألهميــة التاريــخ والجغرافيــا‬ ‫واللغة واملصرياملشرتك وما يتهدداملنطقة من مخاطر‬ ‫سـراتيجية ومناخيــة‪ ،‬ال‬ ‫أمنيــة واقتصاديــة وجيو‪-‬ا ـ‬ ‫تسمح بالفراغ أو التغايض أو التشرذم‪...‬‬ ‫وســبق للملــك محمــد الســادس أن قــدم “اليــد‬ ‫املمدودة” ثالث مرات‪ ،‬آخرها خالل عيد العرش‬ ‫غـرب لــن‬ ‫يــوم ‪ 30‬يوليـ ــو‪/‬تموز املــايض‪ .‬وقــال‪“ :‬امل ـ‬ ‫يكــون أ بــدا مصــدرا ألي شــر أو ســوء للجزا ئــر‪...‬‬ ‫لروابــط املحبــة والصداقــة‪ ،‬والتبــادل والتواصــل‬ ‫بــن الشــعبني الشــقيقني”‪.‬‬ ‫وسبق له أن قال يف خطاب سابق‪“ :‬نحن شعب‬ ‫واحد يف بلدين‪ ،‬ودعا إىل فتح الحدود والتواصل‬ ‫بني الشعوب‪ ،‬وال مربر الستمرار إغالقها منذ ‪1994‬‬ ‫دون أســباب منطقيــة أو مســؤولية للجيــل الحــايل‬ ‫يف أحداث املايض”‪.‬‬ ‫وحســب ـنـزار بولحيــة وهــو كاتــب تونــي‪ ،‬فــإن‬ ‫“املغرب يرغب يف تسجيل نقاط عىل حساب الطرف‬ ‫الــذي يصــم أذنيــه‪ ،‬بإحراجــه وإظهــاره أمــام العالــم‬ ‫رافضا‪ ،‬أي عرض للصلح والسالم”‪.‬‬ ‫بــدوره اعتــر حســن أوريــد مفكر مغربــي وناطــق‬

‫حتى اللحظة‪ ،‬لم تصدر الرئاسة الجزائرية أو أية‬ ‫جهة رسمية يف البالد‪ ،‬موقفا أو تصريحا الفتا عىل‬ ‫خطــاب العاهــل املغربــي امللــك محمــد الســادس إىل‬ ‫عـرش الــذي يوافــق الذكــرى‬ ‫شــعبه بمناســبة عيــد ال ـ‬ ‫الرابعة والعشرين لرتبعه عىل العرش‪ ،‬حول فتح‬ ‫الحدود بني البلدين والشعبني الجارين الشقيقني‪.‬‬ ‫ويرى مراقبون ومتابعون للعالقات الجزائرية‪-‬‬ ‫املغربية‪ ،‬عىل أن خطاب امللك املغربي هو محاولة‬ ‫غـرب‪.‬‬ ‫للظهــور كمبــادر إيجابــي وتبييــض ســمعة امل ـ‬ ‫ومربرهــم يف هــذا أن الربــاط لــم تتخــذ أيــة خطــوات‬ ‫ميدانيــة لتفعيــل املصالحــة يف وقــت ت ـكـرس التباعــد‬ ‫بني البلدين ال سيما بعد تطبيع املغرب لعالقاته مع‬ ‫إسرائيل وترجم ذلك بالتعاون الرسمي والشراكة‬ ‫ليس فقط عىل املستوى الدبلومايس واالقتصادي‬ ‫وإنما أيضا عىل املستوى األمني واالسرتاتيجي‪.‬‬ ‫ويســتدل البعــض بتجنــب الرئيــس الجزائــري‬ ‫عبداملجيد تبون الرد يف حوار صحايف شامل أجراه‬ ‫عـرش امللــي‬ ‫مــع الصحافــة املحليــة‪ ،‬عــى خطــاب ال ـ‬ ‫غـرب‪ ،‬وهــو مــا يوحــي بــأن الجزائــر غــر جا ـهـزة‬ ‫يف امل ـ‬ ‫حاليــا للتفاعــل مــع أي تغيــر ملوقفهــا بشــأن ـقـرار‬ ‫قطــع العالقــات الدبلوماســية‪.‬‬ ‫ويف ظل غياب أي رد جزائري رسمي‪ ،‬يستعرض‬ ‫حـول حاليــا‬ ‫مراقبــون مجموعــة مــن العوامــل التــي ت ـ‬

‫‪060_AM.indd 60‬‬


‫‪61‬‬

‫ســابق باســم القصــر امللــي‪ ،‬أن “اليــد املمــدودة قــد‬ ‫تســهم يف تهدئــة األجــواء‪ ،‬وتخفيــف حــدة التوتــر‪،‬‬ ‫وانطالق خطوة تقارب يمكن أن تكون األوىل يف إطار‬ ‫عالقات ثنائية طبيعية جيدة‪ ،‬بما يخدم الشعبني‬ ‫واملنطقة‪ ،‬ويعزز األمن والسلم”‪.‬‬ ‫مواقــف الربــاط هــي “لــن مــن غــر ضعــف‪ .‬وقــوة‬ ‫من دون شدة” مستوحاة من حكمة الخليفة عمر‬ ‫بــن الخطــاب‪ .‬وظلــت تعتمدهــا اململكــة يف عالقاتهــا‬ ‫الدوليــة بمرجعيــة األخــاق اإلســامية الســمحة‬ ‫ومبادئ القانون الدويل‪ ،‬بعدم التدخل يف الشؤون‬ ‫الداخلية للدول واحرتام وحدتها الوطنية والرتابية‪.‬‬ ‫لألســف الجزائــر قامــت بمعــاودة إغــاق الحــدود‬ ‫الربية مباشرة بعد وصول النظام العسكري واملدين‬ ‫الذي خلف الراحل عبد العزيز بوتفليقة يف ‪ .2019‬تاله‬

‫قطع العالقات الدبلوماسية‪ ،‬ومنع تحليق الطريان‬ ‫املغربي وإقفال أنبوب الغاز املغاربي‪ -‬األوروبي‪ .‬وشن‬ ‫غـرب مــن حريــق‬ ‫حملــة إعالميــة فيهــا كل االتهــام للم ـ‬ ‫الغابات إىل انهيار العملة مرورا باإلقصاء عن كأس‬ ‫العالم والتنصت عىل هواتف الجرناالت‪.‬‬ ‫صـراخ ا ـعـراف الواليــات املتحــدة‬ ‫وزاد مــن ـنـرة ال ـ‬ ‫األمريكية بحقوق املغرب يف الصحراء يف ديسمرب‪/‬‬ ‫كانون األول ‪ .2020‬تبعه تأييد أملانيا لخطة الحكم‬ ‫غـرب أمــام مجلــس‬ ‫الــذايت التــي ســبق أن قدمهــا امل ـ‬ ‫األمــن عــام ‪ .2007‬واعتربتهــا إســبانيا “أكــر واقعيــة‬ ‫وقابال للتنفيذ” لحل مشكلة مستعمرتها السابقة‬ ‫يف أفريقيــا‪ ،‬مســتندة عــى فتــوى محكمــة العــدل‬ ‫الدولية يف الهاي صدرت عام ‪ ،1975‬بوجود روابط‬ ‫غـرب قبــل‬ ‫حـراء وم ـلـوك امل ـ‬ ‫بيعــة بــن قبائــل الص ـ‬ ‫تاريخ استعمار اإلقليم‪ .‬وبنت عليها حكومة بيدرو‬ ‫سانشيز مواقفها‪ ،‬باعتبار الحكم الذايت حال وسطا‬ ‫يضمن سيادة اململكة‪ .‬ويضمن حقوق وحرية تدبري‬ ‫شــؤون الســكان املحليني‪ .‬ويضمن اســتقرار منطقة‬ ‫غـرب العربــي الكبــر‪ .‬ومج ـمـوع ـغـرب املتوســط‪.‬‬ ‫امل ـ‬ ‫حـراء الغربيــة‬ ‫وكانــت إســبانيا قــد احتلــت الص ـ‬ ‫غـرب منهــكا يف الد ـفـاع‬ ‫عــام ‪ .1888‬يومهــا كان امل ـ‬ ‫عــن حــدوده الشــرقية يف وجــه فرنســا التــي كانــت‬ ‫تســتعمر الجزائر وتتطلع إىل ابتالع املغرب‪ .‬وقاوم‬

‫أيضا أطماع مدريد يف الشمال عىل سواحل البحر‬ ‫األبيــض املتوســط‪.‬‬ ‫سـرجع‬ ‫بعــد تســعني ســنة من ذلــك التاريــخ ا ـ‬ ‫حـراء مــن إســبانيا عــر التوقيــع عــى‬ ‫غـرب الص ـ‬ ‫امل ـ‬ ‫معاهــدة مدريــد‪ 17‬ديســمرب‪/‬كانون األول ‪1975‬‬ ‫بعد مسرية خضراء شارك فيها ‪ 350‬ألف مغربي‬ ‫مطالبــن بعودتهــا إىل الوطــن األم‪.‬‬ ‫لكــن الجزائــر تعــارض أي صيغــة ال تــؤدي إىل‬ ‫شـاء كيــان إضــايف يف‬ ‫غـرب وتقســيمه وإن ـ‬ ‫إضعــاف امل ـ‬ ‫شمال أفريقيا‪ .‬باالستناد إىل تحالف قديم مشرتك‬ ‫بني الراحلني هواري بومدين ومعمر القذايف بإنشاء‬ ‫جماعة انفصالية مسلحة وكيان سادس يف املنطقة‬ ‫يُنتــزع مــن ـتـراب اململكــة‪ ،‬عقوبــة عــى تقربهــا مــن‬ ‫الواليــات املتحــدة وإ ـبـرام اتفاقيــة اقتصاديــة مــع‬ ‫شـركة واحتضــان قمــم عربيــة‬ ‫الســوق األوروبيــة امل ـ‬ ‫تفضــل الحــل التفــاويض عــى الخيــار العســكري يف‬ ‫سـرائيل‪.‬‬ ‫مواجهــة إ ـ‬ ‫ومنــذ ذلــك التاريــخ ال تــرى الحكومــة الجزائريــة‬ ‫أي صيغة للتهدئة مع املغرب سوى تسليح جبهة‬ ‫بوليســاريو االنفصاليــة وتســخري كل الدبلوماســية‬ ‫غـرب‬ ‫الجزائريــة مــن أجــل هــدف واحــد‪ :‬تقســيم امل ـ‬ ‫حتى ال تصبح قوة إقليمية وقارية والحد من تطور‬ ‫النمــوذج الســيايس واالقتصــادي واملجتمعــي‪.‬‬

‫صـول إىل مصالحــة‪ ،‬ويســتقرئ حســن‬ ‫دون الو ـ‬ ‫دوحاجي‪ ،‬املحلل السيايس واألستاذ الجامعي بكلية‬ ‫اإلعالم واالتصال املوقف الجزائري قائال‪“ :‬تصريحات‬ ‫العاهل املغربي ال تشكل حدثا دبلوماسيا بالنسبة‬ ‫صـراع حاليــا تعــود إىل حقبــة‬ ‫للجزائــر ألن جــذور ال ـ‬ ‫االســتعمار ومــا بعــد االســتقالل الوطنــي للبلديــن‬ ‫شـرك فرنســا”‪.‬‬ ‫من مســتعمر األمس امل ـ‬ ‫ويمتــد الخــاف حســب حســن دوحاجــي إىل‬ ‫“أزمــة ترســيم الحــدود بــن البلديــن ومــا نجــم عنهــا‬ ‫مــن أزمــات تحولــت إىل اشــتباكات مســلحة‪ ،‬وهنــا‬ ‫بإمكاننــا أن نســتحضر معركــة أمكالــة األوىل التــي‬ ‫وقعــت أواخــر يناير‪/‬كانــون الثــاين ‪ 1976‬ومعركــة‬ ‫أمكالة الثانية التي وقعت يف فرباير‪/‬شباط ‪.”1976‬‬ ‫ولعل أبرز ما غذا النزاع‪ ،‬وفقا للمحلل السيايس‪،‬‬ ‫قضية الصحراء الغربية‪ .‬فالجزائر كان موقفها دائما‬ ‫الدفاع عن حق الشعب الصحراوي بممارسة حقه يف‬ ‫تقرير املصري وفقا للشرعية الدولية وال سيما قرارات‬ ‫حـراء‬ ‫غـرب إقليــم الص ـ‬ ‫األمــم املتحــدة‪ ،‬بينمــا يعتــر امل ـ‬ ‫الغربية جزءا ال يتجزأ من أراضيه ويصر عىل السيطرة‬ ‫عىل أغلب املناطق وهو املوقف الذي ترفضه دول عدة‬ ‫واألمم املتحدة ومحكمة العدل الدولية‪.‬‬ ‫وتعمقت الهوة وتباعدت املسافات بني البلدين‬ ‫وبــدأت العالقــات يف محنــة التوتــر حتــى وصلــت إىل‬

‫القطيعة بحسب املتحدث بعد التحاق املغرب بقطار‬ ‫سـرائيل‪ ،‬واســتقباله لوزيــر الد ـفـاع‬ ‫التطبيــع مــع إ ـ‬ ‫اإلسرائييل الذي هدد الجزائر وشبهها بإيران‪ ،‬وأيضا‬ ‫سـرائييل يف الربــاط وج ـهـره‬ ‫نــزول وزيــر الخارجيــة اإل ـ‬ ‫بموقف داعم للمغرب يف قضية الصحراء الغربية‬ ‫والتأكيــد عــى الدعــم األ ـمـريك أيضــا‪ ،‬ونجــد كذلــك‬ ‫حـزب العمــل‬ ‫تصريحــات عضــو اللجنــة املركزيــة ل ـ‬ ‫سـرائييل الــذي هــدد الجزائــر ورئيســها وقــال‪“ :‬لــو‬ ‫اإل ـ‬ ‫غـرب ســوف يصبــح حســابه مــع‬ ‫جـرأ تبــون عــى امل ـ‬ ‫ت ـ‬ ‫سـرائيل ال تمزح”‪.‬‬ ‫سـرائيل‪ ...‬وإ ـ‬ ‫إ ـ‬ ‫لكــن يعتقــد املحلــل أن “الصــدام الســيايس بــن‬ ‫صـراع‬ ‫غـرب أعمــق بكثــر ويتعلــق األمــر ب ـ‬ ‫الجزائــر وامل ـ‬ ‫حـول مــن يتبــوأ مكانــة الــدول املحوريــة يف‬ ‫النفــوذ ـ‬ ‫املنطقة‪ ،‬وهذا طبعا مرتبط بالعالقات مع الغرب‬

‫والوالءات واالمتيازات االقتصادية التي توفرها كل‬ ‫غـرب يف هــذا املضمــار”‪.‬‬ ‫دولــة لل ـ‬ ‫خـرة التنافــس بــن‬ ‫وتعاظــم يف الســنوات األ ـ‬ ‫البلديــن عــى األســواق األفريقيــة‪ ،‬حيــث صوبــت‬ ‫الجزائــر أنظارهــا نحــو دول ـغـرب أفريقيــا وأخرجــت‬ ‫من األدراج مشاريع ضخمة أطلقت خالل العقدين‬ ‫املاضيــن مــن الزمــن غــر أنهــا لــم تــر النــور‪ ،‬أهمهــا‬ ‫حـراء الــذي شــرع يف‬ ‫مشــروع الطريــق العابــر للص ـ‬ ‫تشييده عام ‪ 1960‬عىل مسافة ‪ 9400‬كيلومرت يربط‬ ‫محــوره الرئيــس بــن الجزائــر العاصمــة والغــوس‬ ‫النيجريية وتتفرع منه عدة تفرعات تصل إىل النيجر‬ ‫ومــايل وتشــاد وتونــس‪ ،‬كذلــك ســجلت الجزائــر يف‬ ‫‪ 2020‬حدثــا دبلوماســيا هامــا‪ ،‬إذ صادقــت عــى‬ ‫االتفاقيــة املؤسســة للمنطقــة األفريقيــة للتبــادل‬ ‫التجاري‪ ،‬والتي تطمح من خاللها لتحقيق مبادرات‬ ‫تجاريــة تتجــاوز ‪ 50‬مليــارا بح ـلـول ‪.2023‬‬ ‫غـرب هــو اآلخــر وســع مــن حجــم تعاونــه مــع‬ ‫امل ـ‬ ‫دول القــارة األفريقيــة يف عــدة مجــاالت وقطاعــات‬ ‫طـاع املصــريف واالتصــاالت الســلكية‬ ‫مــن بينهــا الق ـ‬ ‫والالسلكية‪ ،‬ويف التوقيت نفسه مع الجزائر أطلق‬ ‫هو اآلخر املرحلة التنفيذية لتجسيد اتفاق منطقة‬ ‫التبــادل الحــر القاريــة األفريقيــة ألنــه يراهــا أســلوبا‬ ‫لإلد ـمـاج االقتصــادي يف القــارة الســمراء‪.‬‬

‫نزار بولحية‪ :‬املغرب يرغب يف‬ ‫تسجيل نقاط عىل حساب الطرف‬ ‫الذي يصم أذنيه‪ ،‬بإحراجه‬ ‫وإظهاره أمام العالم رافضا‪ ،‬أي‬ ‫عرض للصلح والسالم‬

‫‪06/09/2023 16:15‬‬

‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫لعل أبرز ما غذا النزاع هو قضية‬ ‫الصحراء الغربية التي كان موقف‬ ‫الجزائر منها الدفاع عن حق الشعب‬ ‫الصحراوي بتقرير املصري‬

‫‪060_AM.indd 61‬‬


062_AM.indd 62

06/09/2023 16:22


062_AM.indd 63

06/09/2023 16:22


‫الروبوت أم العقل‬ ‫من يتحكم باالقتصاد؟‬ ‫الذكاء االصطناعي حقبة تاريخية جديدة وفاصلة بني عاملني‪...‬‬ ‫السعودية أبرز املستثمرين يف تكنولوجيا املستقبل والخوارزميات يف العالم العربي‬ ‫لندن ‪ -‬خالد القصار‬

‫‪06/09/2023 16:28‬‬

‫رسوم ‪ -‬دينا سواوتيه‬

‫غرافيك ‪ -‬ديانا استيفانيا روبيو‬

‫‪064_AM.indd 64‬‬


‫يعيــش العالــم حاليــا يف صلــب الثــورة الصناعيــة‬ ‫الرابعة‪ ،‬املختصرة بكلمتي “الذكاء االصطناعي”‪،‬‬ ‫ومــن الواضــح أن تأثرياتهــا االنســانية وأخطارهــا‬ ‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية تتفوق عىل كل‬ ‫مــا ســبق أن شــهدناه‪ ،‬فهــي ال تقتصــر عــى دولــة أو‬ ‫عىل قطاع بذاته‪ ،‬بل تجتاح مختلف جوانب الحياة‬ ‫عــى ســطح الكوكــب‪ ،‬وتؤســس لتغيــر جــذري يف‬ ‫طريقة عيش البشر وتعاملهم بعضهم مع بعض‪.‬‬ ‫وهــي إن بــدأت مــن برمجيــات وخوارزميــات‪،‬‬ ‫تتكون وتتوالد يف الحقيقة من صلب القرار السيايس‬ ‫وما تفرضه مصالح الدول أمنيا وعسكريا يف الدرجة‬ ‫األوىل‪ ،‬ومن ثم اقتصاديا‪ .‬التطور املتسارع لعناصرها‬ ‫يف السنوات األخرية‪ ،‬الذي يفوق الخيال‪ ،‬سباق ال‬ ‫يعرتف بضوابط وال بحدود‪ ،‬واتخذ منذ نحو سنة‬ ‫شـركات التكنولوجيــا‪ ،‬وتاليــا‬ ‫صـراع ـ‬ ‫طـرا ل ـ‬ ‫منحــى خ ـ‬

‫‪06/09/2023 16:28‬‬

‫للنفوذ الذي تستغله كمؤسسات خاصة وكدول‪،‬‬ ‫كل بحسب موقعه وحجمه ومصالحه‪.‬‬ ‫واذا كانت “الثورة الرقمية” قادتنا اىل “حالة من‬ ‫االمتثاليــة والعبوديــة اإلراديــة‪ ،‬يتعــرى فيهــا الفــرد‬ ‫شـركات املتعــددة الجنســيات‪،‬‬ ‫لصالــح حفنــة مــن ال ـ‬ ‫وهــي أمريكيــة يف معظمهــا”‪ ،‬كمــا ي ـقـول الكاتبــان‬ ‫مارك دوغان وكريستوف البي‪ ،‬يف كتابهما “اإلنسان‬ ‫العاري‪ :‬الديكتاتورية الخفية للرقمية”‪ ،‬فما الذي‬ ‫يمكــن تعريتــه أكــر يف عصــر الــذكاء االصطناعــي؟‬ ‫يتحســر املؤلفــان عــى عالــم جــورج أورويــل‪ ،‬الــذي‬ ‫صا غــه يف روايتــه “‪ ،”1984‬فنمــوذج الهيمنــة‬ ‫الديكتاتوريــة الــذي وصفــه أورويــل تــم تجــاوزه عــى‬ ‫املستوى التكنولوجي‪ ،‬وها هو الذكاء االصطناعي‬ ‫شـرنا باخرتاقــات لآللــة كذا ـكـرة جماعيــة للبشــرية‬ ‫يب ـ‬ ‫ال حــدود لهــا‪.‬‬

‫يف عصر الروبوتات والذكاء االصطناعي والطباعة‬ ‫الثالثية األبعاد وإنرتنت األشياء‪ ،‬نحن عىل مشارف‬ ‫تاريــخ جديــد ســيغري وجــه العالــم إىل األبــد‪ ،‬حيــث‬ ‫تنافــس اآلالت والخدمــات االفرتاضيــة دور البشــر‬ ‫مــن حيــث القــدرات واملهــارات والك ـفـاءات‪ ،‬عــى‬ ‫الرغــم مــن النمــو الهائــل لإلنتاجيــة‪ ،‬لتتغــر قواعــد‬ ‫اللعبــة‪ ،‬وتتعاظــم املخــاوف مــن فقــدان الســيطرة‬ ‫البشــرية عــى التطــور التقنــي الــذايت‪ ،‬الــذي ُيخــى‬ ‫أن يكــون مد ـمـرا‪.‬‬ ‫هــذا الوا قــع د فــع دول العا لــم إىل الســعي‬ ‫جد يــا لو ضــع الضوا بــط واللوا ئــح التنظيميــة يف‬ ‫محاولــة لإلمســاك بزمــام األمــور‪ ،‬خصوصــا أن‬ ‫شـركات‬ ‫هــذه التكنولوجيــا تخضــع حاليــا ألهــواء ال ـ‬ ‫الخاصة التي تتسابق يف ما بينها لجني األرباح‪ ،‬من‬ ‫دون اعتبــار ملــآالت ممارســاتها وخططهــا ومنتجاتهــا‬

‫‪064_AM.indd 65‬‬


‫اقتصاد‬

‫التي تتخطى حدودها االقتصادية البحتة‪ ،‬وتطرح‬ ‫خـراق‬ ‫إ شــكاليات أخالقيــة وقانونيــة‪ ،‬أقلهــا ا ـ‬ ‫خصوصيــة البيانــات والتحيــز واألخطــار التــي يمكــن‬ ‫أن تنجــم عــن ســوء االســتخدام‪.‬‬

‫اختراق االقتصاد التقليدي‬

‫ليــس هنــاك تصــور نهــايئ بعــد عــن تأثــر الــذكاء‬ ‫االصطناعي عىل االقتصاد العاملي‪ ،‬إال أن الخالصتني‬ ‫األكيدتني هما أن اإلنتاجية سرتتفع‪ ،‬وأن تحوالت‬ ‫عميقة يف طريقها إىل اخرتاق املسارات االقتصادية‬ ‫التقليديــة‪ .‬كذلــك‪ ،‬سيشــكل الــذكاء االصطناعــي‬ ‫تحديــا ك ـبـرا ألنظمــة الحوكمــة وحقــوق امللكيــة‬ ‫الفكرية واألدبية املحلية والدولية‪ ،‬نظرا إىل االنتشار‬ ‫سـرعة للتطــور الرقمــي‪ ،‬مدعومــا بأكــر‬ ‫الفائــق ال ـ‬ ‫شركات التكنولوجيا يف العالم‪ ،‬والقطاع الخاص‪،‬‬ ‫حيــث انتقــل يف العقــد املــايض‪ ،‬مــن هامــش اهتمــام‬ ‫املراجــع السياســية والعســكرية واالقتصاديــة‪ ،‬إىل‬ ‫مركز االستثمار األسايس ومحور التحول االقتصادي‪.‬‬ ‫فقــد ارتفــع االســتثمار العاملــي يف ح ـقـول الــذكاء‬ ‫االصطناعــي منــذ عــام ‪ 2010‬مــن نحــو ‪ 800‬مليــون‬ ‫دوالر إىل ‪ 78‬مليــار دوالر يف عــام ‪ ،2021‬ويقــدّ ر‬ ‫أن تســاهم هــذه التكنولوجيــا بمــا يصــل إىل ‪15,7‬‬ ‫تريليــون دوالر يف االقتصــاد العاملــي يف عــام ‪،2030‬‬ ‫منهــا ‪ 6,6‬تريليونــات دوالر قيمــة إنتاجيــة مضافــة‪.‬‬ ‫ويرجــح أن تحصــد منطقــة الشــرق األوســط نحــو‬ ‫‪ 2‬يف املئــة مــن الفوائــد العامليــة اإلجماليــة للــذكاء‬ ‫االصطناعي مع نهاية العقد الحايل‪ ،‬أي ما يوازي‬ ‫نحــو ‪ 320‬مليــار دوالر‪.‬‬ ‫شـركة‬ ‫ويف تقد ـيـرات مواز يــة‪ ،‬تــرى درا ســة ل ـ‬ ‫“أكسنتشــر” (‪ )Accenture‬أن تقنيــات ا لــذكاء‬ ‫االصطناعــي يمكــن أن تعــزز إنتاجيــة العمــل بنســبة‬ ‫تصل إىل ‪ 40‬يف املئة يف عام ‪ ،2035‬فيما يورد تقرير‬ ‫حديث صادر عن معهد “ماكينزي” العاملي أن الذكاء‬ ‫االصطناعي يمكن أن يحقق ناتجا اقتصاديا إضافيا‬ ‫بنحو ‪ 13‬تريليون دوالر يف حلول عام ‪ ،2030‬معززا‬ ‫الناتج املحيل اإلجمايل العاملي بنحو ‪ 1,2‬يف املئة سنويا‪.‬‬ ‫إذا مــا دلــت هــذه األرقــام عــى يشء‪ ،‬فهــي تؤكــد‬ ‫أنــه عــى الرغــم مــن تغلغــل الــذكاء االصطناعــي‬ ‫أكــر فأكــر يف يومياتنــا يف مختلــف جوانبهــا‪ ،‬ال‬ ‫ـتـزال إمكاناتــه املكتشــفة واملســتخدمة يف بداياتهــا‪،‬‬ ‫شـراف املســتقبل الفعيل‬ ‫وال نزال قاصرين عن است ـ‬ ‫لهــذه التقنيــة‪ ،‬ويبقــى التحــدي األكــر يف العمــل‬ ‫عــى تعميمهــا والســيطرة عليهــا‪ ،‬حيــث أن تبنيهــا‬ ‫وتكاملهــا يف االقتصــادات املتقد مــة قــد يعــززان‬ ‫الفجوة الرقمية مع االقتصادات النامية‪ ،‬ويؤججان‬ ‫الصراعات والحروب عىل أفضلية تطويرها والتفوق‬ ‫يف اســتخدامها‪ .‬فوفقــا لــ“يس‪ .‬بــي‪ .‬إنســايتس”‪،‬‬ ‫شـركة عامليــة واعــدة يف مجــال الــذكاء‬ ‫مــن بــن ‪ 100‬ـ‬ ‫االصطناعي‪ ،‬تستأثر الواليات املتحدة بـ ‪ 64‬يف املئة‬ ‫منهــا‪ ،‬وتليهــا اململكــة املتحــدة بـ ‪ 8‬يف املئــة‪ ،‬والصــن‬

‫‪06/09/2023 16:28‬‬

‫المجلة‬

‫سـرائيل بـ ‪ 6‬يف املئــة‪ ،‬وكنــدا بـ ‪ 5‬يف املئــة‪ ،‬يف حــن‬ ‫وإ ـ‬ ‫شـركات العربيــة عــن املشــهد حتــى اآلن‪.‬‬ ‫تغيــب ال ـ‬

‫البيانات كالغذاء‬ ‫بالنسبة إلى البشر‬

‫غزو الذكاء االصطناعي ليس جديدا‪ .‬فعىل الرغم‬ ‫من التقدم الكبري الذي شهده خالل العقد املنصرم‬ ‫تحديدا‪ ،‬إال أن أسسه النظرية والتكنولوجية كانت‬ ‫يف تطــور مســتمر عــى مــدار الســنوات الســبعني‬ ‫املنصرمــة بجهــود عل ـمـاء مثــل آالن تورينــج ومارفــن‬ ‫مينســي وجــون مــكاريث‪ .‬وأبــرز مــا توصلــت إليــه‬ ‫النظريــات‪ ،‬عــدا انصهــار الــذكاء االصطناعــي يف‬ ‫مختلــف املجــاالت والقطاعــات‪ ،‬اقتصاديــة وطبيــة‬ ‫وتعليميــة وفنيــة وابداعيــة وسياســية وعســكرية‬ ‫وغريهــا‪ ،‬فــإن الجديــد هــو قــدرة هــذه التقنيــة عــى‬ ‫التعلم الذايت من التجربة والتكيف بمرور الوقت‪،‬‬ ‫وهنا تكمن خطورتها‪ .‬يُنظر إىل الذكاء االصطناعي‬ ‫كوسيلة متطورة ومثىل ألتمتة املهمات واملساعدة‬ ‫عــى أدائهــا بشــكل أســرع وأكــر فاعليــة‪ ،‬وكذلــك‬ ‫املساعدة عىل اتخاذ قرارات أفضل‪ ،‬أو حتى صنع‬ ‫ال ـقـرار مــن دون تدخــل بشــري‪.‬‬ ‫يرتكز نمو الذكاء االصطناعي بشكل رئييس عىل‬ ‫البيانــات‪ ،‬فهــي كالغــذاء بالنســبة اىل البشــر‪ .‬ومــع‬ ‫تعاظــم إمكانــات تخزيــن هــذه البيانــات وضخامــة‬ ‫حجمهــا (‪ )Big Data‬ونموهــا املضطــرد الــذي يقــدر‬ ‫بأكــر مــن ‪ 50‬يف املئــة ســنويا منــذ عــام ‪ ،2010‬أصبــح‬ ‫االبتكار أكرث وضوحا‪ ،‬بل ويولد سلسلة ال متناهية‬ ‫من االبتكارات‪ ،‬تجعل املنافسة العاملية عىل أشدها‪،‬‬ ‫يف شتى امليادين‪ ،‬والسباق إىل إرساء هذه التقنية يف‬ ‫أوجــه‪ ،‬ال ســيما انفتــاح العديــد مــن الــدول العربيــة‬ ‫عليها‪ ،‬يف مقدمها السعودية واإلمارات‪ ،‬التي تجد‬ ‫سـراتيجي ح ـلـوال لتنويــع اقتصاداتهــا‬ ‫يف تبنيهــا اال ـ‬ ‫واستدامتها أو معالجة أزماتها عىل املدى الطويل‪،‬‬ ‫وتعزيــز ـفـرص التعليــم والتدريــب لتهيئــة األجيــال‬ ‫القاد مــة للمتطلبــات االقتصاد يــة واالجتماعيــة‬ ‫املســتقبلية‪ ،‬وكذ لــك تحد يــث أنظمــة الحوكمــة‬ ‫والشــفافية التــي تتيحهــا تقنيــة الــذكاء االصطناعــي‪.‬‬ ‫فمنــذ عــام ‪ ،1956‬حــن اقــرح مــكاريث‪ ،‬عالــم‬ ‫اإلدراك وأ ســتاذ علــوم الكومبيو تــر يف جامعــة‬ ‫ستانفورد‪ ،‬إمكان استنساخ الذكاء البشري “بدقة‪...‬‬ ‫صـوال إىل عــام‬ ‫بحيــث يمكــن صنــع آلــة ملحاكاتــه”‪ ،‬و ـ‬ ‫‪ ،1965‬حني أعرب هربرت سيمون‪ ،‬العالم السيايس‬ ‫األ ـمـريك‪ ،‬ورائــد برمجــة الــذكاء االصطناعــي‪ ،‬عــن‬ ‫اقتناعــه بــأن “اآلالت ســتكون قــادرة عــى القيــام بــأي‬ ‫عمل يمكن لإلنسان القيام به”‪ ،‬كانت هذه التقنية‬ ‫يف نمو مستمر‪ ،‬مع برامج الكومبيوتر التي “تتعلم”‬ ‫حـايك اإلدراك‬ ‫مــن البيانــات‪ ،‬وتتصــرف بــذكاء وت ـ‬ ‫البشري‪ .‬وباتت مصطلحات مثل “التعلم العميق”‬ ‫و“التعلم اآليل” و“معالجة اللغة الطبيعية” متعارفا‬ ‫عليها يف يومنا هذا‪ ،‬بل ونتعاطى بها يف ممارساتنا‬

‫‪66‬‬

‫ليس هناك تصور‬ ‫نهايئ عن تأثري‬ ‫الذكاء االصطناعي‬ ‫عىل االقتصاد‬ ‫العاملي‪ ،‬ولكن‬ ‫األكيد أن اإلنتاجية‬ ‫سرتتفع‪ ،‬وأن‬ ‫تحوالت عميقة‬ ‫ستخرتق املسارات‬ ‫االقتصادية التقليدية‬

‫‪064_AM.indd 66‬‬


‫‪67‬‬

‫وأعمالنا اليومية والخدمات التي تقدم إلينا‪ ،‬سواء‬ ‫أدركنــا ذلــك أم لــم ندركــه‪.‬‬

‫ماذا يعني بلغة االقتصاد؟‬

‫عنــد الحد يــث عــن عال قــة ا لــذكاء االصطنا عــي‬ ‫باالقتصاد‪ ،‬ال يقتصر األمر عىل إدماج هذه التقنية‬ ‫يف املنظومة االقتصادية التقليدية‪ ،‬لرفع االنتاجية‬ ‫وتسريع األعمال وتعزيز فاعليتها وتقديم الخدمات‬ ‫بأسلوب ذيك ومستدام فحسب‪ ،‬فكل ذلك يمهد‬ ‫حـول هيــكيل واســع النطــاق لألســواق والعمالــة‪،‬‬ ‫لت ـ‬ ‫بمــا يســمح لالقتصــادات التــي تعتمــد ا لــذكاء‬ ‫االصطناعي بأن تنتج األشــياء بشــكل مختلف‪ ،‬بل‬ ‫وبأن تنتج أشياء مبتكرة آليا‪ .‬فاالنتاجية يف النموذج‬ ‫االقتصادي القائم عىل الذكاء االصطناعي تتخطى‬ ‫مزيــج رأس املــال املــادي والبشــري‪ ،‬ليضــاف إليهــا‬ ‫حـرك رئيــس للنمــو واإلبتــكار‪،‬‬ ‫العنصــر التقنــي كم ـ‬ ‫يتجــاوز القــدرات البشــرية ويتميــز بالتعلــم اآليل‬ ‫األسرع واألعمق‪ ،‬واالرتقاء مع الزمن ليزداد قيمة‬ ‫عــى عكــس رأس املــال التقليــدي‪.‬‬

‫‪06/09/2023 16:29‬‬

‫المجلة‬

‫فإن كان ما ينجزه موظف افرتايض‪ ،‬أو ما يعرف‬ ‫باألتمتة الذكية‪ ،‬يف غضون أيام‪ ،‬يستغرق أشهرا‬ ‫إلتمامــه بواســطة عــدد مــن األشــخاص‪ ،‬فكيــف إذا‬ ‫تضاعفــت معرفــة هــذا املوظــف مــن خــال التعلــم‬ ‫الــذايت وتضاعفــت انتاجيتــه لينجــز مهمــات جديــدة‬ ‫أخرى يف املدة الزمنية نفسها‪ ،‬ويعزز مهارات القوى‬ ‫العاملة ويقود إىل ابتكارات جديدة وأساليب عمل‬ ‫غــر تقليديــة أكــر تفاعــا‪ ،‬مثــل روبوتــات املحادثــة‪،‬‬ ‫تدفع نمو األعمال‪ ،‬وبالتايل النمو االقتصادي‪.‬‬ ‫أمــا يف الشــرق األوســط‪ ،‬خصوصــا يف الــدول‬ ‫العربية‪ ،‬فتختلف مقاربة األمور والدوافع األساسية‬ ‫لإلفــادة مــن هــذا التقــدم‪ ،‬واللحــاق بركــب الــذكاء‬ ‫االصطناعي تحديدا‪ ،‬حيث ترعى الحكومات وضع‬ ‫الخطط واالسرتاتيجيات وتمويلها ومتابعتها وتهيئة‬ ‫البيئــة التنظيميــة الوديــة لنجاحهــا‪ .‬كيــف ال وتلــك‬ ‫الــدول‪ ،‬ال ســيما الخليجيــة منهــا‪ ،‬تــرى يف تطبيــق‬ ‫الذكاء االصطناعي فرصة تاريخية لتنويع اقتصاداتها‬ ‫بعيــدا مــن النفــط‪ ،‬الــذي ال ـيـزال يشــكل أكــر مــن ‪50‬‬ ‫يف املئة من موازانات بعضها‪ ،‬والذي شهدت أسواقه‬

‫اقتصاد‬

‫انتكاســات واضطرابــات ك ـبـرة عــى مــدى ســنوات‪.‬‬ ‫يقــدر تقريــر ملؤسســة البيانــات الدوليــة (‪)IDC‬‬ ‫ارت ـفـاع اإلنفــاق عــى أنظمــة ا لــذكاء املعــريف‬ ‫واالصطناعــي يف منطقــة الشــرق األوســط وأفريقيــا‬ ‫مــن ‪ 37,5‬مليــون دوالر يف عــام ‪ 2017‬إىل أكــر مــن‬ ‫‪ 100‬مليــون دوالر يف ح ـلـول عــام ‪ ،2021‬ممــا يمثــل‬ ‫نمــوا ســنويا بنحــو ‪ 33‬يف املئــة‪ .‬يعــود هــذا االنفــاق‬ ‫شـركات يف املنطقــة بكثافــة‬ ‫املتزايــد إىل اســتثمار ال ـ‬ ‫يف التكنولوجيــا الجديــدة‪ ،‬بدعــم مــن الحكومــات‪،‬‬ ‫باعتبارهــا املســتخدم األول لهــذه التقنيــات‪.‬‬

‫السعودية واإلمارات‬

‫يتو قــع أن يصــل النمــو الســنوي يف املســاهمة‬ ‫االقتصاديــة للــذكاء االصطناعــي يف املنطقــة إىل مــا‬ ‫بــن ‪ 20‬يف املئــة و‪ 34‬يف املئــة‪ ،‬بمــا يمثــل نحــو ‪320‬‬ ‫مليــار دوالر مــن القيمــة املضافــة املحققــة يف ح ـلـول‬ ‫‪ 2030‬نابعــة ليــس فقــط مــن تحســن الخدمــات‬ ‫واملنتجــات‪ ،‬بــل أيضــا مــن الز يــادة يف االنتاجيــة‬ ‫والفاعليــة‪ ،‬وخفــض يف التكاليــف‪.‬‬

‫‪064_AM.indd 67‬‬


‫ﻣﺴﺎﻫﻤﺔاﻟﺬﻛﺎء‬ ‫اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ‬ ‫ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد‬ ‫اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ‬

‫ﻣﺴﺎﻫﻤﺘﻪ ﻓﻲ‬ ‫اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﻤﺤﻠﻲ‬ ‫اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ ﺑﺤﺴﺐ‬ ‫اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ‪2030 ،‬‬

‫‪1‬‬

‫ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﻤﻀﺎﻓﺔ )‪(%‬‬

‫‪%26.1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪10‬‬

‫اﻟﺼﻴﻦ‬

‫‪%7.7‬‬

‫‪%14.5‬‬

‫أﻣﻴﺮﻛﺎاﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ‬

‫أﻣﻴﺮﻛﺎاﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ‬

‫‪%13.6 3‬‬

‫‪%5.4‬‬

‫اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬ ‫اﻟﻤﺘﺤﺪة‬

‫ﻣﺼﺮ‬

‫‪7‬‬

‫‪6‬‬

‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪5‬‬

‫‪4‬‬

‫اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ‪،‬‬ ‫اﻟﻜﻮﻳﺖ‪،‬‬ ‫ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن‪،‬‬ ‫ﻗﻄﺮ‬

‫‪9‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪4‬‬

‫‪9‬‬

‫‪10‬‬

‫‪%12.4‬‬

‫‪%8.2‬‬

‫اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬ ‫اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ‬

‫اﻟﺪول اﻷرﺑﻊ*‬

‫‪%11.5‬‬

‫‪8‬‬

‫‪%9.9‬‬

‫ﺷﻤﺎل أوروﺑﺎ‬

‫ﺟﻨﻮب أوروﺑﺎ‬

‫‪%10.4‬‬

‫‪5‬‬

‫‪7‬‬

‫آﺳﻴﺎاﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ‬

‫‪6‬‬

‫‪1847.5‬‬

‫ﺣﺠﻢ اﻟﺴﻮق‬ ‫اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ‪2030-2021‬‬ ‫)ﺑﻤﻠﻴﺎرات اﻟﺪوﻻرات(‬

‫‪95.6‬‬

‫‪142.3‬‬

‫‪2021‬‬

‫‪22‬‬

‫‪207.9‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪298.3‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪420.5‬‬

‫‪25‬‬

‫‪583.0‬‬

‫‪26‬‬

‫‪795.4‬‬

‫‪1068.7‬‬

‫‪27‬‬

‫‪28‬‬

‫‪1415.0‬‬

‫‪29‬‬

‫‪2030‬‬

‫اﻟﻤﺼﺪر‪ :‬ﺗﻘﺮﻳﺮ "اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ اﻟﻤﺤﺘﻤﻞ ﻟﻠﺬﻛﺎء اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ" ﻟـ"ﺑﺮاﻳﺲ ووﺗﺮﻫﺎوس ﻛﻮﺑﺮ"‪" ,‬ﻧﻜﺴﺖ ﻣﻮف ﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻲ ﻛﻮﻧﺴﺎﻟﺘﻴﻨﻎ"‬

‫‪06/09/2023 16:29‬‬

‫‪064_AM.indd 68‬‬


‫‪69‬‬

‫وتتصــدر اإلمــارات العربيــة املتحــدة هــذا النمــو‪،‬‬ ‫تليهــا الســعودية حيــث يرتقــب أن يضيــف الــذكاء‬ ‫االصطناعي ما يصل إىل ‪ 1,1‬يف املئة إىل معدل النمو‬ ‫االقتصــادي يف اململكــة و‪ 1,6‬يف املئــة يف اإلمــارات‪.‬‬ ‫وال يعــد حجــم التأ ثــر املتو قــع يف هذ يــن‬ ‫ظـرا اىل اســتثمارهما النســبي‬ ‫االقتصاديــن مفاجئــا ن ـ‬ ‫يف تكنولوجيــا الــذكاء االصطناعــي مقارنــة ببقيــة‬ ‫املنطقــة‪ ،‬حيــث يحتــل كال البلديــن موقعــا ضمــن‬ ‫أفضــل ‪ 50‬دولــة يف العالــم عــى مؤشــر االبتــكار‬ ‫العاملــي‪ ،‬الــذي تصــدره املنظمــة الدوليــة للملكيــة‬ ‫الفكريــة‪ ،‬منــذ عــام ‪ 2017‬مــن حيــث القــدرة عــى‬ ‫االبتكار ومخرجات هذا االبتكار‪ .‬كما حافظ البلدان‬ ‫عىل مركزيهما املتقدمني (‪ 28‬لإلمارات و‪ 31‬للمملكة‬ ‫مــن أصــل ‪ 62‬دولــة) يف مؤشــر الــذكاء االصطناعــي‬ ‫العاملــي لعــام ‪ 2023‬الصــادر عــن “تورتــواز ميديــا”‬ ‫(‪ ،)Tortoise Media‬فيما تصدرت اململكة املؤشر‬ ‫لناحية االسرتاتيجيا الحكومية للذكاء االصطناعي‪.‬‬ ‫وهــا هــي اململكــة العربيــة الســعودية واإلمــارات‬ ‫شـراء آالف الرقاقــات مــن “إنفيديــا”‬ ‫تتنافســان عــى ـ‬ ‫العالية األداء‪ ،‬لالنضمام إىل سباق التسلح العاملي‬ ‫للذكاء االصطناعي‪ .‬وحصلت اململكة حتى اآلن عرب‬ ‫جامعة امللك عبد الله للعلوم والتقنية‪ ،‬عىل ما ال‬ ‫يقل عن ثالثة آالف من رقاقات “إتش ‪ ”100‬األوىل‬ ‫يف العالم املصممة للذكاء االصطناعي التوليدي‪،‬‬ ‫والبالغة تكلفة الواحدة منها ‪ 40‬ألف دوالر‪.‬‬ ‫وتعترب الدول العربية‪ ،‬يف مقدمها دول الخليج‪،‬‬ ‫الذكاء االصطناعي “نفط املستقبل” الذي يمكن أن‬ ‫يساهم بشكل كبري يف إعادة التوازن إىل اقتصاداتها‪.‬‬

‫استثمارات استراتيجية‬

‫إذ تــدرك اململكــة حجــم القيــود الطويلــة األمــد التــي‬ ‫يفرضهــا نمــوذج اقتصــادي يعتمــد عــى صــادرات‬ ‫الهيدروكربون‪ ،‬أكدت منذ عام ‪ 2016‬ضمن “رؤية‬ ‫اململكــة ‪ ،”2030‬تنويــع اقتصادهــا باالرتــكاز عــى‬ ‫الــذكاء االصطناعــي‪ .‬وعمــدت الدولــة‪ ،‬لتحقيــق‬ ‫ذلك‪ ،‬إىل وضع أطر قانونية مواتية لتسهيل العمل‬ ‫بالحوسبة السحابية وتطوير الذكاء االصطناعي‪،‬‬ ‫عىل سبيل املثل‪ ،‬كما حفزت مبادرات التكنولوجيا‬ ‫العاملية والدخول يف شراكات مع الشركات العاملية‬ ‫الرائدة يف هذا املجال‪ .‬وتعهدت السعودية باستثمار‬ ‫شـاء ‪300‬‬ ‫حكومــي قيمتــه ‪ 20‬مليــار دوالر بهــدف إن ـ‬

‫‪06/09/2023 16:29‬‬

‫المجلة‬

‫شـركة ناشــئة يف ح ـلـول عــام ‪( 2030‬بحســب تقريــر‬ ‫ـ‬ ‫للـ“إيكونوميست” بالتعاون مع “غوغل” عام ‪2022‬‬ ‫عــن الــذكاء االصطناعــي تحــت عنــوان “مســتقبل‬ ‫الــذكاء االصطناعــي يف الشــرق األوســط وشــمال‬ ‫أفريقيــا”)‪ ،‬و هــي ا ســتثمارات ضخمــة مقار نــة‬ ‫بطموحــات بعــض الــدول األوروبيــة العظمــى مثــل‬ ‫أملانيا‪ ،‬التي تعهدت بتقديم ‪ 5‬مليارات يورو فقط‪.‬‬ ‫سـراتيجيتها‬ ‫ويف عام ‪ ،2017‬أطلقت اإلمارات ا ـ‬ ‫الوطنيــة للــذكاء االصطناعــي ‪ ،2031‬وهــي مبــادرة‬ ‫رئيســة ضمــن أهــداف الدولــة املئويــة ‪ 2071‬تقــدم‬ ‫خريطــة طريــق لالفــادة مــن الــذكاء االصطناعــي‬ ‫ضـاء والطاقــة‬ ‫يف قطاعــات النقــل والصحــة والف ـ‬ ‫املتجــددة وامليــاه والتكنولوجيــا والبيئــة والبنيــة‬ ‫التحتيــة والتعليــم‪ ،‬وتــم تشــكيل مجلــس اإلمــارات‬ ‫للــذكاء االصطنا عــي والب ـلـوك تشــن لتنفيــذ‬ ‫سـراتيجيا‪ .‬وأنشــأت أول وزارة للــذكاء‬ ‫أهــداف اال ـ‬ ‫االصطناعــي يف العالــم‪ ،‬وافتتحــت أول جامعــة‬ ‫للذكاء االصطناعي‪ ،‬جامعة محمد بن زايد للذكاء‬ ‫االصطناعــي يف عــام ‪ ،2019‬املتخصصــة يف برامــج‬ ‫الدراســات العليــا املتعلقــة بالــذكاء االصطناعــي‪،‬‬ ‫لتدريــب ‪ 500‬طالــب إمــارايت يف هــذا املجــال‪.‬‬ ‫وبذ لــت إ مــارة د بــي جهــودا ك ـبـرة يف تطبيــق‬ ‫التقنيــات الناشــئة والــذكاء االصطناعــي يف البنيــة‬ ‫التحتية الحضرية املستقبلية‪،‬بعضها قيد التنفيذ‬ ‫والبعــض اآل خــر ال ـيـزال يف مرحلــة التطو يــر‪،‬‬ ‫شـرطة‬ ‫وتشــمل بــن مبــادرات ك ـثـرة أخــرى‪ ،‬قــوة ـ‬ ‫سـرعات دبــي‬ ‫ضـاء‪ ،‬وم ـ‬ ‫مــن الروبوتــات‪ ،‬وكالــة الف ـ‬ ‫املســتقبل‪ ،‬وهــو برنامــج ت ـتـزاوج فيــه الحكومــة مــع‬ ‫طـاع الخــاص لتســهيل االبتــكار‪ .‬وتعــد اإلمــارات‬ ‫الق ـ‬ ‫بأن تصبح رائدا عامليا يف مجال الذكاء االصطناعي‪،‬‬ ‫أو “وادي الســيليكون الجديــد”‪ ،‬لتنافــس وجهــات‬ ‫عاملية تحاول جذب املواهب النادرة يف مجال الذكاء‬ ‫االصطناعــي وتنميــة االســتثمار فيــه‪ ،‬مثــل بوســطن‬ ‫ولنــدن وبكــن وتورنتــو وغري هــا مــن الوجهــات‪،‬‬ ‫وأن تكــون لهــا عالمتهــا التجاريــة املم ـيـزة بســمعتها‬ ‫الراســخة كمبتكــر جــريء‪ ،‬التــي مــن شــأنها جــذب‬ ‫الشركات العاملية لنقل مكاتبها اإلقليمية إىل البالد‪،‬‬ ‫يف خطوة تعزز الروابط يف سالسل القيمة العاملية‬ ‫وتســمح باإلفــادة مــن التكنولوجيــا العامليــة محليــا‪.‬‬ ‫سـراتيجيتها الوطنيــة لأل مــن‬ ‫جـزء مــن إ ـ‬ ‫وك ـ‬ ‫السيرباين‪ ،‬س ّنت اإلمارات أول قانون اتحادي لحماية‬

‫‪15,7‬‬

‫تريليون دوالر‬ ‫مساهمة الذكاء االصطناعي‬ ‫في االقتصاد العالمي‬ ‫في ‪2030‬‬

‫اقتصاد‬

‫البيانات يف عام ‪ ،2021‬يتناسق مع الالئحة العامة‬ ‫لحمايــة البيانــات (‪ )GDPR‬يف االتحــاد األوروبــي‪،‬‬ ‫وهو ما يمثل تحوال كبريا يف املمارسات عىل مستوى‬ ‫البيانــات واالســتخدام املســؤول للــذكاء االصطناعــي‬ ‫يف البالد‪ .‬وأنشأت دبي الرقمية (دبي الذكية سابقا)‬ ‫مجلســا استشــاريا ألخالقيــات الــذكاء االصطناعــي‬ ‫ونشرت مجموعة من املبادئ التوجيهية ألخالقيات‬ ‫الــذكاء االصطناعــي عــر النظــام البيئــي للمدينــة‪.‬‬

‫إدماج الذكاء اآللي في القطاعات‬

‫يعد الذكاء االصطناعي بمعالجة مجموعة واسعة‬ ‫من التحديات االقتصادية واالجتماعية التي تواجه‬ ‫املنطقة‪ ،‬بدءا من تقلب أسعار النفط‪ ،‬إىل التوسع‬ ‫الحضــري الســريع‪ ،‬إىل نــدرة امليــاه واألمــن الغــذايئ‪.‬‬ ‫وتأخذ الحكومات يف املنطقة عىل عاتقها لعب دور‬ ‫املحفز من خالل توفري موارد مالية كبرية‪ ،‬ووضع‬ ‫الخطط واألهداف الطويلة األمد واألطر التنظيمية‬ ‫يف ســبيل تحقيــق ك ـفـاءات اقتصاديــة قــد تضيــف مــا‬ ‫يصل إىل ‪ 7‬مليارات دوالر إىل موازناتها السنوية‪.‬‬ ‫تتفــاوت القطاعــات االقتصاديــة يف اســتعدادها‬ ‫إلد ـمـاج تقنيــات ا لــذكاء االصطنا عــي يف صلــب‬ ‫طـاع وماهيــة أعمالــه‬ ‫أعمالهــا‪ ،‬متأ ـثـرة بحجــم الق ـ‬ ‫واملوازنات املرصودة إلنجاز هذا التحول بما يتناسب‬ ‫ظـرة مــن االســتثمار يف هــذه‬ ‫مــع القيمــة املضافــة املنت ـ‬ ‫التقنيــة وتوافــر املهــارات املطلوبــة للتعامــل معهــا‪.‬‬ ‫فقطاعا التجزئة واملال عىل سبيل املثل‪ ،‬يتمتعان‬ ‫بقاعدة بيانات عريضة تؤهلهما لإلفادة من تقنية‬ ‫الــذكاء االصطناعــي يف تحليــل املتطلبــات الحاليــة‬ ‫واملســتقبلية لعمالئهمــا وتوفــر خدمــات أكــر دقــة‬ ‫وشــمولية وابتــكارا‪ ،‬كمــا لكشــف االحتيــال وتأمــن‬ ‫طـاع‬ ‫املعامــات عــر اإلنرتنــت‪ .‬ويتوقــع أن ينمــو ق ـ‬ ‫التجــارة اإللكرتونيــة يف دول الخليــج إىل نحــو ‪50‬‬ ‫مليــار دوالر يف ح ـلـول عــام ‪ ،2025‬نتيجــة ملراكمــة‬ ‫هذا القطاع حجما كبريا من بيانات العمالء عززته‬ ‫جائحــة كوفيــد‪ .19 -‬وتــورد “أكسنتشــر” مــن ضمــن‬ ‫توقعاتها أن يعزز الذكاء االصطناعي القيمة املضافة‬ ‫السنوية للصناعة املصرفية يف السعودية واإلمارات‬ ‫بمقدار ‪ 17‬مليار دوالر و‪ 37‬مليار دوالر عىل التوايل‪،‬‬ ‫يف حلول عام ‪ .2035‬كما تقدر “برايس ووتر هاوس‬ ‫كوبرز” أن يستأثر القطاع املايل بنحو ‪ 25‬يف املئة من‬ ‫استثمارات الذكاء االصطناعي يف املنطقة‪.‬‬

‫‪064_AM.indd 69‬‬


‫اقتصاد‬

‫المجلة‬

‫اإلدماج املتزايد للذكاء االصطناعي يف املنطقة سيكون له تأثري كبري‬ ‫عىل سوق العمل واضطرابه إذا لم يرتافق مع الجهود املالئمة‬ ‫لتدريب ما ال يقل عن ‪ 50‬يف املئة من القوى العاملة‬

‫وللــذكاء االصطناعــي دور أســايس يف تحقيــق‬ ‫شـرائح‬ ‫الشــمول املــايل وتوفــر ـفـرص اقتصاديــة ل ـ‬ ‫من املجتمع كانت بعيدة عن الخدمات املصرفية‪،‬‬ ‫شـركات‬ ‫إىل جا نــب مســاعدة رواد األعمــال وال ـ‬ ‫غـرة واملتوســطة عــى االنضمــام إىل املنظومــة‬ ‫الص ـ‬ ‫االقتصادية وتنمية أعمالها‪ ،‬وسط مخاوف مربرة‬ ‫مــن التح ـيـزات التــي يمكــن أن تنجــم عــن آليــة تقييــم‬ ‫الجدارة االئتمانية لهذه الشريحة وضمان إنصافها‪،‬‬ ‫العتمــاد الــذكاء االصطناعــي عــى بيانــات قائمــة‬ ‫يمكــن أن تشــوبها تلــك التح ـيـزات‪ ،‬كمــا هــو موثــق‬ ‫مــن قبــل “معهــد ســتانفورد للــذكاء االصطناعــي‬ ‫املرتكز عىل اإلنسان” (‪ .)HAI‬ك ــذلك‪ ،‬عـ ــزز دخـ ــول‬ ‫الـ ــذك ــاء االصـطـن ـ ـ ــاعي إل ـ ـ ــى القطاع الصحي الفرص‬ ‫صـول إىل رؤى طبيــة أو ســع وأ كــر د قــة‬ ‫يف الو ـ‬ ‫تشــمل ا ـملـرىض ومــزودي الرعايــة‪ ،‬إضافــة إىل إمــكان‬ ‫التقدم يف األبحاث العلمية‪ ،‬ال سيما علم األوبئة‬ ‫والعالجــات والعمــل عــى خفــض نســبة األ ـمـراض‬ ‫طـرة والكشــف املبكــر عنهــا‪.‬‬ ‫املزمنــة والخ ـ‬

‫تغير المتطلبات الوظيفية‬ ‫ال فقدان الوظائف‬

‫ال شــك أن اإلد ـمـاج املتزا يــد لتقنيــات ا لــذكاء‬ ‫االصطناعي سيكون له تأثري كبري عىل سوق العمل‬

‫‪06/09/2023 16:29‬‬

‫واضطرابه إذا لم يرتافق مع الجهود املالئمة لتدريب‬ ‫مــا ال يقــل عــن ‪ 50‬يف املئــة مــن القــوى العاملــة‪،‬‬ ‫ال ســيما األجيــال الشــابة واملســتقبلية‪ ،‬وإكســابها‬ ‫املهارات واملعرفة واملرونة الالزمة ملواكبة التحوالت‬ ‫الطارئــة‪ ،‬التــي ســتفرض نفســها يف نهايــة املطــاف‪،‬‬ ‫خصوصــا يف الخدمــات واإلدارة العامــة والخاصــة‬ ‫والصناعة والبناء والتجارة والخدمات اللوجستية‪.‬‬ ‫إال أن تقريرا لـ“برايس ووترهاوس كوبرز” أشار إىل‬ ‫أن الــذكاء االصطناعــي يمكــن أن يولــد ‪ 10‬ماليــن‬ ‫وظيفة جديدة يف منطقة الخليج وحدها يف حلول‬ ‫عــام ‪ .2030‬ويبــدي ‪ 46‬يف املئــة مــن العاملــن يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬مقارنــة بــ‪ 31‬يف املئــة عامليــا‪ ،‬تفــاؤال بقــدرة‬ ‫الذكاء االصطناعي عىل تحسني وظائفهم بدال من‬ ‫التشــاؤم بإلغائهــا‪.‬‬ ‫يتفــق تقريــر للجنــة األمــم املتحــدة االقتصاديــة‬ ‫غـرب آ ســيا (اإل ســكوا)‪،‬مع هــذه‬ ‫واالجتماعيــة ل ـ‬ ‫التوقعــات‪ ،‬إذ يؤكــد تغــر املتطلبــات الوظيفيــة يف‬ ‫املنطقــة وليــس فقــدان الوظائــف مــع ح ـلـول الــذكاء‬ ‫االصطناعي‪ ،‬أي أن الوظائف قد تتغري نوعا ال كماً‪.‬‬ ‫وبالتايل‪ ،‬قد يتعاون البشر مع الذكاء االصطناعي‬ ‫بغرض تحسني أدائهم‪ .‬فالذكاء االصطناعي‪ ،‬وال‬ ‫سيما التوليدي‪ ،‬يتطلب كثريا من املدخالت البشرية‬ ‫ليحســن أداءه‪ .‬وتصــف ورقــة صــدرت يف مايو‪/‬أيــار‬

‫‪70‬‬

‫املايض عن جامعة “كورنال” كيف أن هذه النماذج‬ ‫قــد تنهــار يف غيــاب دور البشــر‪ .‬ويف يونيو‪/‬حز ـيـران‬ ‫املــايض‪ ،‬رجحــت مؤسســة “ماكينــزي” يف تقريــر أن‬ ‫يؤتمت الذكاء االصطناعي التوليدي ما نسبته ‪60‬‬ ‫إىل ‪ 70‬يف املئــة مــن أع ـبـاء عمــل املوظفــن‪.‬‬ ‫وال ـتـزال دول املنطقــة تفتقــر ألنظمــة التعليــم‬ ‫الخاصة بالذكاء االصطناعي والقدرة عىل ريادة‬ ‫التطورات يف قطاع التكنولوجيا‪ ،‬مما يعيق تنمية‬ ‫املواهــب يف هــذا املجــال وجــذب تلــك األكــر ذكاء‪.‬‬ ‫وعمــدت بعــض الحكومــات يف املنطقــة إىل اتخــاذ‬ ‫خطوات ريادية لتطوير املواهب املحلية‪ ،‬سواء من‬ ‫القوى العاملة الحالية أو بني األجيال الصاعدة‪،‬‬ ‫منها إنشاء أقسام متخصصة بالذكاء االصطناعي‬ ‫يف الجامعات‪ ،‬أو الدخول يف شراكات أكاديمية‬ ‫وتدريبية مع جهات محلية ودولية لتوفري برامج‬ ‫تطوير املهارات يف شتى املجاالت املرتبطة بالذكاء‬ ‫االصطناعي‪ .‬مثال عىل ذلك جامعة امللك سعود‬ ‫شـراكة مــع االتحــاد الســعودي‬ ‫التــي دخلــت يف ـ‬ ‫لألمــن الســيرباين والربمجــة والطا ـئـرات مــن دون‬ ‫طيــار للتدر يــب عــى ا لــذكاء االصطنا عــي عــى‬ ‫املستوى التنفيذي‪.‬‬ ‫كما أطلقت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء‬ ‫االصطناعي“سدايا” (‪ )SDAIA‬االسرتاتيجيا الوطنية‬ ‫للبيانــات والــذكاء االصطناعــي يف عــام ‪ ،2021‬التــي‬ ‫تهدف إىل جذب استثمارات أجنبية ومحلية بقيمة‬ ‫‪ 20‬مليــار دوالر يف عشــر ســنوات وتدريــب ‪ 20‬ألــف‬ ‫متخصص يف البيانات والذكاء االصطناعي‪.‬‬ ‫(مزيد من التفاصيل يف املقابلة مع املشرف عىل‬ ‫املركــز الوطنــي للــذكاء االصطناعــي التابــع للهيئــة‬ ‫السعودية للبيانات والذكاء االصطناعي “سدايا”‪،‬‬ ‫الدكتــور ماجــد بــن محمــد التويجــري صفحــة ‪.)72‬‬ ‫يف إطــار أوســع‪ ،‬تركــز دول املنطقــة‪ ،‬ال ســيما‬ ‫السعودية واإلمارات‪،‬عىل تطبيق الذكاء االصطناعي‬ ‫عــى مســتوى املدينــة‪ ،‬مــن خــال إطــاق مشــاريع‬ ‫“املــدن الذكيــة”‪ ،‬مثــل مدينــة “نيــوم” التــي تمتــد‬ ‫عىل مساحة ‪ 26500‬كيلومرت مربع يف السعودية‪،‬‬ ‫باستثمارات اجمالية تبلغ ‪ 500‬مليار دوالر‪ ،‬وتعترب‬ ‫مر ـكـزا للبحــث والتطويــر واالبتــكار املدعــوم بالــذكاء‬ ‫االصطناعي‪،‬حيث كل يشء سيكون له صلة بالذكاء‬ ‫االصطناعي وإنرتنت األشــياء‪.‬‬ ‫لــكل ثــورة تكنولوجيــة إيجابياتهــا وســلبياتها‪،‬‬ ‫وعــى الرغــم مــن كل املخــاوف والتحذ ـيـرات مــن‬ ‫األخطــار املحتملــة للــذكاء االصطناعــي التــي تتواتــر‬ ‫مــن كل حــدب وصوب‪،‬فإنهــا لــن تثنــي هــذه‬ ‫التكنولوجيــا عــن النمــو أو عــن إبهارنــا باكتشــافات‬ ‫واستخدامات وابتكارات جديدة ال حد لها‪ ،‬وستجد‬ ‫سبيلها لالنخراط يف حياتنا وأعمالنا ومستشفياتنا‬ ‫ومصانعنــا وجامعتنــا ويومياتنــا‪ ،‬شــئنا أم أبينــا‪.‬‬ ‫ت ـط ــويـ ــع هــذه ال ــتكن ـ ــولوجيا لس ـ ــيطرة االنس ـ ـ ــان‬ ‫س ــيبقى الهاج ــس األكبـ ــر‪.‬‬

‫‪064_AM.indd 70‬‬


‫‪71‬‬

‫اقتصاد‬

‫المجلة‬

‫اﻟﺬﻛﺎء اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ‬ ‫ﻳﻌﺰز ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت وﻳﺴﺎﻫﻢ إﻳﺠﺎﺑﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻤﻮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫‪7‬‬

‫اﻟﺘﺠﺰﺋﺔ وﺗﺠﺎرة اﻟﺠﻤﻠﺔ‬ ‫واﻟﺴﻠﻊاﻻﺳﺘﻬﻼﻛﻴﺔ‬ ‫واﻹﻗﺎﻣﺔ واﻟﺨﺪﻣﺎت‬ ‫اﻟﻐﺬاﺋﻴﺔ‬

‫اﻟﻘﻄﺎع اﻟﻌﺎم )اﻟﺼﺤﺔ‬ ‫واﻟﺘﻌﻠﻴﻢﺿﻤﻨﺎ(‬

‫اﻟﻨﻘﻞواﻟﺨﺪﻣﺎت‬ ‫اﻟﻠﻮﺟﺴﺘﻴﺔ‬

‫اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎواﻹﻋﻼم‬ ‫واﻻﺗﺼﺎﻻت‬

‫اﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ‬ ‫واﻟﻤﻬﻨﻴﺔواﻹدارﻳﺔ‬

‫اﻟﺒﻨﺎء واﻟﺘﺼﻨﻴﻊ‬

‫اﻟﻄﺎﻗﺔ واﻟﻤﺮاﻓﻖ‬ ‫واﻟﺘﻌﺪﻳﻦ‬

‫ﺣﺴﻦ‬ ‫اﻻﺳﺘﻤﺘﺎع‬ ‫ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ‬

‫ﻛﻴﻒ ﻳﺮى اﻟﻌﻤﺎل ﺗﺄﺛﻴﺮه‬ ‫ﻓﻲ ﻣﻜﺎن اﻟﻌﻤﻞ؟‬

‫‪%63‬‬

‫ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﺄﻧﻪ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ‬ ‫ﻣﺴﺎﻋﺪة ذوي‬ ‫اﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎتاﻟﺨﺎﺻﺔ‬

‫)اﻟﻨﺴﺒﺔ اﻟﻤﺌﻮﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎل(‬

‫‪%63‬‬

‫اﻟﻘﻄﺎعاﻟﻤﺎﻟﻲ‬ ‫ﻗﻄﺎعاﻟﺘﺼﻨﻴﻊ‬

‫‪%50‬‬ ‫‪%46‬‬

‫‪1‬‬

‫‪%19‬‬

‫اﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ اﻟﻤﺘﻮﻗﻌﺔ‬ ‫ﻟﻠﺬﻛﺎء اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ ﻓﻲ‬ ‫اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﻤﺤﻠﻲ اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ‬ ‫ﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ‬ ‫وﺷﻤﺎل أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻓﻲ ﻋﺎم‬ ‫‪ ،2030‬ﺑﺤﺴﺐ اﻟﻘﻄﺎع‬

‫‪2‬‬

‫‪%80‬‬

‫‪%6.3‬‬

‫‪7‬‬

‫‪%79‬‬

‫اﻟﻨﺴﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﻤﺤﻠﻲ‬ ‫اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ )‪(%‬‬

‫‪%18.6‬‬

‫‪6‬‬

‫‪%63‬‬

‫‪%12.4‬‬

‫‪%57‬‬ ‫‪%13.6‬‬

‫‪%15.2‬‬

‫ﺣﺴﻦ أداءﻫﻢ‬ ‫اﻟﺸﺨﺼﻲ‬

‫‪%14.0‬‬

‫‪3‬‬

‫ﻗﻠﻘﻮن ﻣﻦ ﺧﺴﺎرة‬ ‫أﻋﻤﺎﻟﻬﻢﺑﺴﺒﺐ‬ ‫اﻟﺬﻛﺎء اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ‬ ‫ﺧﻼل اﻟﺴﻨﻮات‬ ‫اﻟﻌﺸﺮة اﻟﻤﻘﺒﻠﺔ‬

‫‪5‬‬

‫‪4‬‬

‫‪%55‬‬

‫‪%54‬‬

‫ﺣﺴﻦ ﺻﺤﺘﻬﻢ‬ ‫اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ‬

‫‪%45‬‬

‫إدارة أﻛﺜﺮ ﻋﺪﻻ‬

‫‪%43‬‬

‫‪%49‬‬

‫‪%65‬‬

‫ﺣﺴﻦﺻﺤﺘﻬﻢ‬ ‫اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ‬

‫اﻟﻤﺼﺪر‪":‬ﺑﻲ‪ .‬دﺑﻠﻴﻮ‪ .‬ﺳﻲ‪ ،".‬ﺗﻘﺮﻳﺮ "اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ اﻟﻤﺤﺘﻤﻞ ﻟﻠﺬﻛﺎء اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ"‪ ،‬ﻻﻳﻦ‪ ،‬أم‪ .‬أم‪ .‬وﻳﻠﻴﺎﻣﺰ وأس‪ .‬ﺑﺮوك )‪" ، (2023‬ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﺬﻛﺎء اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎن اﻟﻌﻤﻞ‪ :‬اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ‬ ‫ﻣﻦ اﺳﺘﻄﻼﻋﺎت ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﻌﺎون اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻟﻠﺬﻛﺎء اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ ﻷﺻﺤﺎب اﻟﻌﻤﻞ واﻟﻌﻤﺎل"‪ ،‬أوراق ﻋﻤﻞ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﻌﺎون اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺘﻮﻇﻴﻒ واﻟﻬﺠﺮة‬

‫‪06/09/2023 16:29‬‬

‫‪064_AM.indd 71‬‬


‫حوار‬

‫المجلة‬

‫‪72‬‬

‫ماجد التويجر ي‬ ‫لـ“املجلــة”‪:‬‬ ‫هـزة‬ ‫الســعودية جا ـ‬ ‫لالســتثمار الــذيك‬ ‫املشرف عىل املركز الوطني للذكاء االصطناعي‪ :‬مناخ االبتكار جاهز‬ ‫لندن ‪ -‬أحمد ماهر رسم ‪ -‬بول رايدنغ‬

‫‪12/09/2023 14:57‬‬

‫‪072_AM.indd 72‬‬


‫‪73‬‬

‫المجلة‬

‫حوار‬

‫خطت اململكة العربية السعودية مسافة متقدمة‬ ‫يف التعامل مع تحديات ثورة الذكاء االصطناعي‪،‬‬ ‫وتضطلــع الهيئــة الســعودية للبيا نــات وا لــذكاء‬ ‫االصطناعــي “ســدايا” بــدور محــوري كونهــا املرجــع‬ ‫الوطني لكل ما يتعلق بالبيانات والذكاء االصطناعي‬ ‫يف اململكــة وصاحبــة االختصــاص األصيــل يف كل مــا‬ ‫يتعلق بالتشغيل واألبحاث واالبتكار يف هذا الشأن‪،‬‬ ‫وتحضــر املنــاخ التشــريعي والتنظيمــي واألخالقــي‬ ‫لــكل مــا يتعل ــق بالبيانــات م ــن ضوابــط ومعايي ــر‪،‬‬ ‫وب ـنـاء القــدرات البشــرية الوطنيــة وتجهيــز البنــى‬ ‫حـزم التحفيــز‬ ‫التحتيــة‪ ،‬وإطــاق املبــادرات وتقديــم ـ‬ ‫حـول‬ ‫لــرواد األعمــال الشــباب وا ـملـرأة‪ ،‬وتمكــن الت ـ‬ ‫طـاع الخــاص‪.‬‬ ‫الرقمــي للجهــات الحكوميــة والق ـ‬ ‫طـاع عــى مــا أنجــز حتــى اآلن واملشــاريع‬ ‫لإل ـ‬ ‫املســتقبلية‪ ،‬حــاورت “املجلــة” املشــرف عــى املركــز‬ ‫الوطنــي للــذكاء االصطناعــي التابــع للهيئــة الدكتــور‬ ‫ماجــد بــن محمــد التويجــري‪:‬‬ ‫ما هي رؤيتكم للسرعة الفائقة التي‬ ‫يتطور فيها الذكاء االصطناعي‪ ،‬وكيف‬ ‫يستفيد منه المواطن السعودي حاليا‪،‬‬ ‫وفي المستقبل؟‬

‫دخــل الــذكاء االصطناعــي يف مختلــف اســتخدامات‬ ‫اإلنسان اليومية‪ ،‬وهو ليس تقنية ثابتة بل يتمتع‬ ‫باملرونــة والتطــور الســريع ويعتمــد عــى معالجــة‬ ‫البيانــات وتحليلهــا باســتخدام تقنيــات متقدمــة يف‬ ‫الحوسبة الحديثة وتعلم اآللة التي يمكن تطبيقها‬ ‫عــى العديــد مــن املجــاالت الحيويــة التــي تتغلغــل‬ ‫استخداماتها يف حياتنا املعاصرة وتتطور مع الزمن‪،‬‬ ‫ويبقى املهم توظيف هذه التقنيات يف تحقيق التنمية‬ ‫لدول العالم بما يعود بالنفع عىل البشــرية‪.‬‬ ‫نعمــل يف “ ســدايا” عــى التمكــن الرقمــي‬ ‫للقطاعــات الحكوميــة والخاصــة‪ ،‬وتحقيــق االفــادة‬ ‫املثــى مــن تقنيــات البيانــات والــذكاء االصطناعــي‬ ‫لينعكــس ذلــك عــى تحســن الخدمــات املقدمــة إىل‬ ‫املواطن واملقيم يف اململكة‪ .‬قدمت “سدايا” العديد‬ ‫مــن املبــادرات التقنيــة حتــى اآلن‪ ،‬وتــم تفعيــل دور‬ ‫غـرة واملتوســطة ورواد األعمــال‪ ،‬يف‬ ‫شـركات الص ـ‬ ‫ال ـ‬ ‫إطــار عمــل حكومــي منظــم بمــا يتوافــق مــع رؤيــة‬ ‫الســعودية ‪ ،2030‬وقدمــت اململكــة للعالــم أفضــل‬

‫‪12/09/2023 14:57‬‬

‫‪072_AM.indd 73‬‬


‫المجلة‬

‫حوار‬

‫صورة لتطبيق تقنيات الذكاء االصطناعي من خالل‬ ‫مدينــة املســتقبل “ذا اليــن”‪ ،‬وهــو مشــروع تنمــوي‬ ‫أطلقــه األمــر محمــد بــن ســلمان بــن عبــد العزيــز آل‬ ‫سعود‪ ،‬ويل العهد رئيس مجلس الوزراء‪ ،‬لإلفادة‬ ‫مــن البيانــات الجغرافيــة املكانيــة يف وقــف التصحــر‬ ‫والزراعــة العشــوائية والحفــاظ عــى البيئــة‪ .‬لدينــا‬ ‫طموحات نعمل عليها يف إنشاء املدن الذكية التي‬ ‫تعد مستقبل العالم يف ظل ما نعيشه من تحوالت‬ ‫شـاء تطبيقــات‬ ‫ك ـبـرة يف املجتمعــات‪ ،‬فضــا عــن إن ـ‬ ‫مجدية وفاعلة للذكاء االصطناعي ملختلف الجهات‬ ‫شـراكات‬ ‫الحكوميــة بشــكل مباشــر أو مــن خــال ال ـ‬ ‫وحاضنات األعمال وتطوير الكوادر الوطنية ودعم‬ ‫تعليــم الــذكاء االصطناعــي‪.‬‬ ‫كيف يساهم الذكاء االصطناعي‬ ‫في المساعدة على تحقيق‬ ‫رؤية السعودية ‪2030‬؟‬

‫تســاهم البيانــات والــذكاء االصطناعــي يف تحقيــق‬ ‫رؤية اململكة ‪ 2030‬حيث يرتبط نحو ‪ 66‬هدفا من‬ ‫شـرة بهمــا وذلــك‬ ‫شـرة وغــر املبا ـ‬ ‫أهــداف الرؤيــة املبا ـ‬ ‫من أصل ‪ 96‬هدفا‪ ،‬ويتمثل دور “سدايا” يف قيادة‬ ‫التوجه الوطني يف هذا املجال‪ ،‬لالرتقاء باململكة إىل‬ ‫الريــادة ضمــن االقتصــادات القائمــة عــى البيانــات‬ ‫والــذكاء االصطناعــي ولتحقيــق أهــداف التنميــة‬ ‫املستدامة يف إطار رؤية السعودية ‪ 2030‬بأبعادها‬ ‫االقتصاديــة واالجتماعيــة والبيئيــة‪.‬‬ ‫حـول الرقمــي‬ ‫مــن هــذه الجهــود‪ ،‬تمكــن الت ـ‬ ‫للجهات الحكومية والقطاع الخاص‪ ،‬ودعم برنامج‬ ‫جــودة الحيــاة‪ ،‬حيــث أنــئ مركــز التم ُّيــز للمــدن‬ ‫الذكيــة ويضــم‪ :‬املنصــة الوطنيــة للمــدن الذكيــة‪،‬‬ ‫شـرات‬ ‫منصــة “ســواهر” ومــا تشــتمل عليــه مــن مؤ ـ‬ ‫تشغيلية حية ملتابعة القطاعات األمنية والحيوية‬ ‫يف مدينــة الريــاض‪ ،‬ولدعــم املشــغلني يف مراقبــة‬ ‫مســتوى الخدمــات‪ ،‬بهــدف رفــع مســتوى جــودة‬ ‫سـراتيجية‬ ‫شـرات ا ـ‬ ‫الحيــاة‪ ،‬باإلضافــة إىل توفــر مؤ ـ‬ ‫حـاكاة تدعــم ب ـنـاء‬ ‫وتحليــات متقدمــة ونمــاذج م ـ‬ ‫الخطــط والتوجهــات املســتقبلية يف املــدن‪.‬‬ ‫أين العرب من الذكاء االصطناعي اليوم‬ ‫وغدا؟ ما هي رؤيتكم؟‬

‫اهتمت اململكة بموضوع التحول الرقمي منذ إطالق‬ ‫رؤيــة الســعودية عــام ‪ 2016‬وتطــورت أهدافهــا عــى‬ ‫املستوى البعيد لتشمل تقنيات الذكاء االصطناعي‪،‬‬ ‫وال أدل عــى ذلــك مــن حديــث األمــر محمــد بــن‬ ‫ســلمان‪ ،‬ويل العهــد رئيــس مجلــس الــوزراء‪ ،‬يف‬ ‫كلمتــه أمــام قمــة قــادة “مجموعــة العشــرين” يف‬ ‫اليابــان عــام ‪ 2019‬حينمــا قــال‪“ :‬نحــن نعيــش يف‬ ‫زمــن االبتــكارات العلميــة والتقنيــة غــر املســبوقة‪،‬‬

‫‪08/09/2023 11:35‬‬

‫وآفاق النمو غري املحدودة‪ ،‬ويمكن لهذه التقنيات‬ ‫الجديدة مثل الذكاء االصطناعي وإنرتنت األشياء‪،‬‬ ‫يف حــال تــم اســتخدامها عــى النحــو األمثــل‪ ،‬أن‬ ‫تجلــب للعالــم فوائــد ضخمــة‪ ،‬ويف الوقــت ذاتــه‬ ‫فقــد تنتــج مــن هــذه االبتــكارات تحديــات جديــدة‬ ‫مثــل تغــر أنمــاط العمــل واملهــارات الالزمــة للتأقلــم‬ ‫مــع مســتقبل العمــل‪ ،‬وكذلــك زيــادة أخطــار األمــن‬ ‫الســيرباين وتدفــق املعلومــات ممــا يســتوجب علينــا‬ ‫معالجــة هــذه التحديــات يف أ ـقـرب وقــت لتفــادي‬ ‫تحولهــا إىل أزمــات اقتصاديــة واجتماعيــة”‪.‬‬ ‫ملسنا يف “سدايا” اهتماما دوليا وعربيا منقطع‬ ‫النظري بتقنيات الذكاء االصطناعي خالل القمتني‬ ‫العامليتــن للــذكاء االصطناعــي اللتــن عقدتــا يف‬ ‫مدينــة الريــاض تحــت شــعار “الــذكاء االصطناعــي‬ ‫لخــر البشــرية”‪ ،‬األوىل انعقــدت يف ظــل ظــروف‬ ‫وتحــدي جائحــة كوفيــد‪ 19 -‬عــام ‪ ،2020‬وكانــت‬ ‫خـراء‬ ‫افرتاضيــة و شــارك فيهــا ص ـنـاع ال ـقـرار وال ـ‬ ‫واملختصــون مــن مختلــف القطاعــات الحكوميــة‬ ‫والخاصــة مــن داخــل اململكــة وخارجهــا‪ .‬ويف القمــة‬ ‫الثانيــة عــام ‪ 2022‬حضــر أكــر مــن ‪ 20‬ألــف زائــر‪،‬‬ ‫وأكــر مــن ‪ 50‬ألــف مشــاهد ا ـفـرايض مــن أكــر مــن‬ ‫مئــة دولــة‪ ،‬باإلضافــة إىل أكــر مــن ‪ 200‬متحــدث‬ ‫عاملــي أبرزهــم مــن شــرق آســيا وأوروبــا والواليــات‬ ‫املتحــدة ممــن ّ‬ ‫يمثلــون قــادة وصانعــي السياســات‬ ‫يف الذكاء االصطناعي والعلماء املختصني ورؤساء‬ ‫شـركات التقنيــة يف العالــم‪.‬‬ ‫كــرى ال ـ‬ ‫أولوية قطاع الطاقة‬ ‫هل طورت الهيئة حلوال تقنية بالذكاء‬ ‫االصطناعي لمعالجة تحديات قطاعات‬ ‫حيوية في المملكة كقطاع الطاقة‬ ‫على سبيل المثل؟‬

‫وقعــت “ســدايا” مذ ـكـرة تفاهــم مــع وزارة الطاقــة‬ ‫يف يناير‪/‬كانون الثاين ‪ 2021‬تعزيزا للجهود الرامية‬ ‫شـرات العامليــة الرائــدة‪،‬‬ ‫لرفــع ترتيــب اململكــة يف املؤ ـ‬ ‫كما ُ‬ ‫أطلق “مركز الذكاء االصطناعي للطاقة” بهدف‬ ‫شـركة‬ ‫تحقيــق مســتهدفات رؤيــة اململكــة ‪ 2030‬امل ـ‬ ‫بني وزارة الطاقة و“سدايا”‪ ،‬وتعزيز تنافسية قطاع‬ ‫الطاقة خصوصا يف مجال االبتكار املشرتك يف الذكاء‬ ‫طـاع‪ ،‬إىل جانــب ب ـنـاء‬ ‫االصطناعــي املرتبــط بهــذا الق ـ‬ ‫القــدرات والك ـفـاءات الوطنيــة املختصــة‪ ،‬وهــو ُيعــد‬ ‫أحد القطاعات ذات األولوية لتوطني التقنية‪ .‬كذلك‬ ‫وقعت وزارة الطاقة و“سدايا” اتفاقا بني مركزهما‬ ‫شـرك (مركـ ــز الــذكاء االصطناعــي للطاقــة) مــع‬ ‫امل ـ‬ ‫شـركة “‪ ”Siemens Advanta‬العامليــة لتطويــر‬ ‫ـ‬ ‫حلول الذكاء للقطاع لزيادة كفاءة الطاقة وتعزيز‬ ‫تكامــل مصــادر الطاقــة املتجــددة‪ .‬وعملــت “ســدايا”‬ ‫عــى نظــام يتوقــع إنتاجــا ك ـبـرا للطاقــة الشمســية‬ ‫وطاقــة الريــاح‪ ،‬مــن خــال االعتمــاد عــى تقنيــات‬

‫‪74‬‬

‫ا لــذكاء االصطنا عــي مــن املحطــات الشمســية‪،‬‬ ‫وكذلــك العمــل عــى خوارزميــات التعلــم العميــق‬ ‫للتوقعــات إلدارة الطاقــة املهــدورة خــال عمليــات‬ ‫النقــل الكهربــايئ‪.‬‬ ‫ما نماذج عمل الهيئة‬ ‫على مبادرات البحث والتطوير لالفادة‬ ‫من الذكاء االصطناعي؟‬

‫ر ـكـزت “ســدايا” عــى صحــة اإلنســان‪ ،‬واســتدامة‬ ‫البيئة واالحتياجات األساسية‪ ،‬والريادة يف الطاقة‬ ‫والصناعــة‪ ،‬واقتصــادات املســتقبل‪ ،‬التــي يدخــل‬ ‫فيهــا مجــال الــذكاء االصطناعــي‪ .‬مــن هــذا املنطلــق‬ ‫عملــت عــى عــدد مــن املشــروعات واملبــادرات التــي‬ ‫تدعــم االبتــكار واإلبــداع عــى مســتوى القطاعــات‪،‬‬ ‫أو عــى مســتوى األ ـفـراد‪ ،‬مر ـكـزة عــى تنميــة رأس‬ ‫املال البشري‪ ،‬خصوصا األجيال الناشئة لجعلهم‬ ‫شـركاء حقيقيــن يف ب ـنـاء اقتصــاد املعرفــة للمملكــة‬ ‫ـ‬ ‫ورفــع مســتوى مهاراتهــم وتفكريهــم العلمــي بمــا‬ ‫يواكب التطور التقني الهائل يف مجاالت االبتكارات‬ ‫الجديدة التي بدأت تدخل يف سوق العمل‪ .‬ودعمت‬ ‫خـراع يف‬ ‫“ ســدايا” األبحــاث وز يــادة ـبـراءات اال ـ‬ ‫مجــاالت الــذكاء االصطناعــي‪ ،‬كمــا يف املؤسســات‬ ‫التعليميــة بغيــة تطو يــر القــدرات الرقميــة لــدى‬ ‫الطالب والطالبات الجامعيني‪ ،‬ونشر ثقافة الذكاء‬ ‫االصطناعي‪ .‬ومن مبادراتها‪ ،‬إعداد نظام “صوتك”‪،‬‬ ‫وهو نظام ذكاء اصطناعي يتيح تحويل الكالم إىل‬ ‫نصــوص عــر خاصيــة التعـ ُّرف عــى الصــوت باللغــة‬ ‫العربيــة الفصحــى وباللهجــات املحليــة‪ ،‬ويمكــن‬ ‫اســتخدامه يف أتمتــة تدويــن االجتماعــات‪ ،‬وتطويــر‬ ‫روبوتــات للمحادثــة وب ـنـاء أنظمــة صوتيــة تفاعليــة‪،‬‬ ‫ونشرت “سدايا” تقارير ودراسات معرفية باللغة‬ ‫العربية لتثقيف املجتمع يف مفاهيم البيانات والذكاء‬ ‫االصطناعــي وتطبيقاتهــا املتنوعــة‪ ،‬وإ ـثـراء املحتــوى‬ ‫العربــي بإصــدارات نوعيــة‪.‬‬ ‫تشجيع المرأة ورواد األعمال‬ ‫ما دور الشباب ورواد األعمال السعوديين‬ ‫واألجانب في تطوير مشاريع الذكاء‬ ‫االصطناعي في المملكة ودور “سدايا”‬ ‫في تسهيل أعمالهم؟‬

‫اهتمــت “ ســدايا” بد عــم الشــباب الســعودي يف‬ ‫مختلف املجاالت ورفع مستوى معرفتهم بالبيانات‬ ‫وا لــذكاء االصطنا عــي وا ســتثمار هــذه التقنيــات‬ ‫يف ســوق العمــل‪ .‬يف مــارس‪/‬آذار ‪ 2022‬أطلقــت‬ ‫غـرة‬ ‫بالتعــاون مــع الهيئــة العامــة للمنشــآت الص ـ‬ ‫شـركة “علــم”‪ ،‬مبــادرة‬ ‫واملتوســطة “منشــآت”‪ ،‬و ـ‬ ‫“باقة رواد” التي تهدف إىل دعم رواد األعمال من‬ ‫مختلف القطاعات والشركات واملؤسسات الناشئة‬

‫‪072_AM.indd 74‬‬


‫‪75‬‬

‫يف اململكة‪،‬بتســهيل عمليــة التحقــق مــن بيانــات‬ ‫العمالء من األفراد عن طريق الربط اإللكرتوين‪ ،‬مع‬ ‫قواعد بيانات مركز املعلومات الوطني بهدف تنمية‬ ‫قدرات اململكة‪ ،‬واملساهمة يف بناء اقتصاد قائم عىل‬ ‫البيانات والذكاء االصطناعي بإطالق القيمة الكامنة‬ ‫للبيانات بصفتها ثروة وطنية؛ إذ تهدف املبادرة إىل‬ ‫دعم املنشآت الصغرية واملتوسطة بتعزيز استخدام‬ ‫هوية املنشأة يف القطاعات الناشئة‪ ،‬وتحقيق أعىل‬ ‫مستويات األمان واملوثوقية‪.‬‬ ‫ولتهيئــة ا ـملـرأة يف العا لــم لســوق العمــل يف‬ ‫األ ســواق الناشــئة أطلقــت “ ســدايا” يف مايو‪/‬أيــار‬ ‫شـركة‬ ‫‪ 2023‬برنامــج “‪ ،”Elevate‬بالتعــاون مــع ـ‬ ‫“‪ ،”Google Cloud‬وهو يعد األول من نوعه عىل‬ ‫مســتوى العالم للتدريب‪ ،‬واســتهدف يف مرحلته‬ ‫األوىل تدريــب ‪ 1000‬ا ـمـرأة يمثلــن ‪ 28‬دولــة‪ ،‬يف‬ ‫مجــاالت البيانــات وا لــذكاء االصطناعــي لتمكــن‬ ‫ا ـملـرأة يف العالــم مــن ممارســة وظائــف جديــدة يف‬ ‫هذا املجال‪ .‬ونعتزم تدريب أكرث من ‪ 25‬ألف امرأة‬ ‫يف الســنوات الخمــس املقبلــة‪.‬‬ ‫التشريعات واألبحاث واألخالقيات‬ ‫ماذا عن التشريعات والتنظيمات‬ ‫السعودية في مجال الذكاء االصطناعي؟‬

‫بــات عــدد كبــر مــن املشــروعات الســعودية الكــرى‬ ‫يعتمــد عــى التكنولوجيــا الحديثــة‪ ،‬ومنهــا الــذكاء‬ ‫االصطناعي كما يف “نيوم”‪ ،‬و“ذا الين”‪ ،‬والبحر‬ ‫األحمر‪ ،‬وغريها من املشاريع التنموية العمالقة‪،‬‬ ‫ووسعت اململكة جهودها إىل تبني السياسات التي‬ ‫تدعم هذا التوجه‪.‬‬ ‫وتجــى االهتمــام بتقنيــات الــذكاء االصطناعــي‬ ‫شـاء الهيئــة الســعودية للبيا نــات وا لــذكاء‬ ‫يف إن ـ‬ ‫االصطناعــي “ســدايا” عــام ‪ 2019‬لت ـتـوىل إدارة هــذا‬ ‫امللف بصفة رسمية يف اململكة كونها املرجع الوطني‬ ‫لــكل مــا يتعلــق بالبيانــات (‪ )Big Data‬والــذكاء‬ ‫االصطناعي من تنظيم وتطوير‪ ،‬وبما يضمناالرتقاء‬ ‫بالسعودية إىل الريادة ضمن االقتصادات القائمة‬ ‫عــى املعلومــات والبيانــات والــذكاء االصطناعــي‪.‬‬ ‫وت ّوجــت اململكــة هــذا االهتمــام بــرؤس األمــر‬ ‫محمــد بــن ســلمان بــن عبــد العزيــز آل ســعود‪،‬‬ ‫ويل العهــد رئيــس مجلــس الــوزراء‪ ،‬مجلــس إدارة‬ ‫“سدايا” الذي دعا عام ‪ 2020‬كل الحاملني واملبدعني‬ ‫واملســتثمرين وقــادة ا ـلـرأي لالنضمــام إىل اململكــة‬ ‫لتحقيــق هــذا الط ـمـوح وب ـنـاء نمــوذج رائــد إلطــاق‬ ‫قيمة البيانات والذكاء االصطناعي لبناء اقتصادات‬ ‫ضـرة والقادمــة‪.‬‬ ‫املعرفــة واالرت ـقـاء باألجيــال الحا ـ‬ ‫كانت اململكة من أوائل الدول يف تبني توصيات‬ ‫أخالقيات الذكاء االصطناعي التي اعتمدتها منظمة‬ ‫األمم املتحدة للرتبية والعلم والثقافة “اليونسكو”‬ ‫يف نوفمرب‪/‬تشرين الثاين ‪ 2021‬بمشاركة ‪ 193‬دولة‪،‬‬

‫‪08/09/2023 11:35‬‬

‫المجلة‬

‫وصدر قرار مجلس الوزراء األول يف ‪ 22‬مارس‪/‬آذار‬ ‫‪ 2022‬باملوافقة من حيث املبدأ عىل تأسيس مركز‬ ‫إقليمي ألبحاث الذكاء االصطناعي ليكون مركزا‬ ‫من الفئة الثانية برعاية‏“اليونسكو”‪ ،‬ويف سبتمرب‪/‬‬ ‫أي ـلـول ‪ 2022‬أطلقــت خــال القمــة العامليــة للــذكاء‬ ‫االصطناعي يف نسختها الثانية مبادئ أخالقيات‬ ‫الذكاء االصطناعي‪ .‬ويف ‪ 25‬يوليو‪/‬تموز ‪ 2023‬صدر‬ ‫شـاء “املركــز‬ ‫ـقـرار مجلــس الــوزراء باملوافقــة عــى إن ـ‬ ‫الدويل ألبحاث وأخالقيات الذكاء االصطناعي” يف‬ ‫الرياض‪ .‬وعملت “سدايا” عىل تأســيس وبناء املناخ‬ ‫التشريعي والتنظيمي لــكل ما يتعلــق بالبيانات مــن‬ ‫ضوابط ومعاييــر وتعزيز موثوقيتهــا وجودتها‪ ،‬كما‬ ‫أعــدت عــددا مــن السياســات والوثائــق التنظيميــة‬ ‫منها‪ :‬سياسة تصنيف البيانات‪ ،‬وحماية البيانات‬ ‫الشخصية وطرق مشاركتها‪ ،‬وحرية املعلومات‪،‬‬ ‫والبيانات املفتوحة‪ ،‬وحماية البيانات الشخصية‬ ‫لألطفال ومن يف حكمهم‪.‬‬ ‫وحصلت اململكة عىل املركز األول يف العالم يف‬ ‫مؤشر االسرتاتيجيا الحكومية للذكاء االصطناعي‪،‬‬ ‫شـرات التصنيــف العا ملــي للــذكاء‬ ‫و هــو أ حــد مؤ ـ‬ ‫االصطناعي الصادر عن “تورتواز انتليجينس” الذي‬ ‫يصنــف أكــر مــن ‪ 60‬دو لــة يف العا لــم‪ ،‬ويقيــس‬ ‫التصنيف العاملي للذكاء االصطناعي أكرث من ‪100‬‬ ‫سـراتيجيا‬ ‫شـرات هــي‪ :‬اال ـ‬ ‫معيــار ضمــن ســبعة مؤ ـ‬ ‫الحكومية‪ ،‬والبحث والتطوير‪ ،‬والكفاءات‪ ،‬والبنية‬ ‫التحتية‪ ،‬والبيئة التشغيلية‪ ،‬والتجارة‪ ،‬الذي نالت‬ ‫سـراتيجيا‬ ‫اململكــة فيــه املركــز األول يف مؤشــر اال ـ‬ ‫الحكوميــة للــذكاء االصطنا عــي‪ ،‬واملركــز ‪ 31‬يف‬ ‫إجمايل مؤشرات التصنيف الصادر عن “تورتواز”‪،‬‬ ‫وحققت اململكة نسبة ‪ 100‬يف املئة يف معايري املؤشر‬ ‫سـراتيجيا وطنيــة مخصصــة‬ ‫مــن أبرزهــا‪ ،‬وجــود ا ـ‬ ‫ومعتمــدة للــذكاء االصطناعــي باململكــة‪ ،‬ووجــود‬ ‫جهــة حكوميــة مخصصــة للــذكاء االصطناعــي‪.‬‬ ‫أكاديمية “سدايا”‪ ...‬الصحة والمناخ‬ ‫نقرأ عن ورش العمل والدورات التدريبية‬ ‫التي تنظمها الهيئة في المملكة‪،‬‬ ‫ماذا تخبرنا عنها؟‬

‫عــززت “ ســدايا” عــر أكاديميتهــا ب ـنـاء وتطو يــر‬ ‫القــدرات املعرفيــة والعمليــة ألب ـنـاء اململكــة مــن‬ ‫الشــباب والفتيــات والعاملــن يف القطاعــن العــام‬ ‫والخــاص‪ .‬تقــدم أكاديميــة “ســدايا” أربعــة برامــج‬ ‫نوعية هي‪ :‬برنامج بناء القدرات الوطنية ملختيص‬ ‫علــوم البيا نــات‪ ،‬برنامــج ر فــع الو عــي بالبيا نــات‬ ‫والــذكاء االصطناعــي‪ ،‬برنامــج عمــاء “ ســدايا”‪،‬‬ ‫وبرنامــج التدريــب التعــاوين‪ ،‬بهــدف رفــع الوعــي‬ ‫بعلــوم البيا نــات وتقنيــات ا لــذكاء االصطنا عــي‪،‬‬ ‫وأثرهمــا يف تقــدم الــدول ودفــع اقتصاداتهــا‪.‬‬ ‫واهتمت “سدايا” ببناء النشء وتحفيزهم عىل‬

‫حوار‬

‫االنغماس يف مجاالت املعرفة وتنمية حس االبتكار‬ ‫لديهم‪ ،‬لذلك نظمت “آرتاثون الذكاء االصطناعي”‬ ‫وهو مسابقة فنية تجمع الفنانني وخرباء الذكاء‬ ‫االصطناعي إلنتاج أعمال فنية مبتكرة قائمة عىل‬ ‫تقنيــات الــذكاء االصطناعــي‪ ،‬كمــا نظمــت “تحــدي‬ ‫ســمارتاثون” القائــم عــى إيجــاد الح ـلـول املبت ـكـرة‬ ‫بهــدف الكشــف عــن تحســن املشــهد البصــري يف‬ ‫مدن اململكة‪ ،‬كما نفذت برنامج “األوملبياد الوطني‬ ‫للذكاء االصطناعي” لتأهيل الطالب لتمثيل اململكة‬ ‫يف املسابقات اإلقليمية والدولية املختصة يف مجال‬ ‫الربمجــة والــذكاء االصطناعــي‪ ،‬وبرنامــج مربمجــي‬ ‫ذكاء املستقبل التدريبي لطالب املرحلتني املتوسطة‬ ‫والثانويــة ومعلميهمــا‪ ،‬وأسســت بالتعــاون مــع‬ ‫جامعة “كاوست” مركزا للتميز يف علوم البيانات‬ ‫والذكاء االصطناعي‪.‬‬ ‫هل قمتم بمشاريع محددة في‬ ‫مجاالت حيوية كالصحة مثال‪ ،‬والتصدي‬ ‫لقضية االحتباس الحراري وتغير المناخ‬ ‫واألخطار البيئية؟‬

‫أنشــأت “ســدايا” مــع وزارة الصحــة مركــز التم ّيــز‬ ‫للذكاء االصطناعي للقطاع الصحي‪ ،‬الهادف إىل‬ ‫سـراتيجية الوطنيــة للبيانــات والــذكاء‬ ‫تطويــر اال ـ‬ ‫االصطناعي يف مجال الصحة‪ ،‬واملساعدة يف بناء‬ ‫أساســيات البيانــات الصحيــة ومعايريهــا وقــدرات‬ ‫شـراكة‬ ‫ا لــذكاء االصطنا عــي‪ ،‬وخر جــت هــذه ال ـ‬ ‫بتجــارب علميــة ناجحــة مثــل‪ :‬مشــروع فحــص‬ ‫اعتالل الشبكية السكري بالتعاون مع مستشفى‬ ‫امللــك خالــد التخصــي للعيــون‪ ،‬مــن خــال نظــام‬ ‫الكتشاف اعتالل الشبكية السكري يف مراحله املبكرة‬ ‫بتحديد اإلصابة من طريق تحليل صورة قاع العني‬ ‫ـملـرىض الســكري داخــل اململكــة‪ ،‬فضــا عــن مختــر‬ ‫الــذكاء االصطناعــي للصــور الطبيــة املجهــز بأحــدث‬ ‫التقنيات‪ ،‬بالتعاون مع وزارة الصحة الذي ساهم‬ ‫سـرطان‬ ‫يف تطويــر خوارزميــات الكشــف املبكــر عــن ـ‬ ‫الثــدي وتكلســات القلــب وغريهــا‪.‬‬ ‫وأطلقــت “ســدايا” بالتعــاون مــع وزارة البيئــة‬ ‫وامليــاه والزارعــة أول مركــز متخصــص يف اململكــة‬ ‫والشــرق األو ســط لح ـلـول وتطبيقــات اال ســتدامة‬ ‫بمسمى “مركز الذكاء االصطناعي يف البيئة واملياه‬ ‫والزراعة”‪ ،‬وبرنامج “الكوكب الذيك” إليجاد حلول‬ ‫مبت ـكـرة لالفــادة مــن إمكانــات املــوارد غــر املســتغلة‬ ‫واستدامتها‪ ،‬وعملت عىل نظام سدرة وهو نظام‬ ‫ذكاء اصطنا عــي للتنبــؤ باملنطقــة املثــى للزرا عــة‬ ‫وتحديــد أفضــل املواقــع لنشــر البــذور‪ ،‬وذلــك عــن‬ ‫طريــق تحليــل بيانــات صــور األقمــار االصطناعيــة‬ ‫املتعــددة األطيــاف وا ســتخالص بيا نــات األرض‬ ‫كتضاريســها‪ ،‬وبيانــات خصوبــة الرتبــة كملوحتهــا‬ ‫ورطوبتهــا‪ ،‬وتحديــد مــدى مالءمتهــا للزراعــة‪.‬‬

‫‪072_AM.indd 75‬‬


‫علوم وتكنولوجيا‬

‫‪06/09/2023 16:37‬‬

‫المجلة‬

‫‪76‬‬

‫‪076_AM.indd 76‬‬


‫‪77‬‬

‫المجلة‬

‫علوم وتكنولوجيا‬

‫يف االنتقــال إىل هــذه األداة‪ ،‬التــي يجــري تعميمهــا يف املــدارس والجامعــات‪ ،‬يف‬ ‫ظل بيئة معوملة‪ ،‬وتوفر املعلومة يف شكل مجاين تقريبا عىل الشبكة العاملية‪،‬‬ ‫انطالقا من مسؤولية تطوير املهارات الشخصية وتنميتها بعد تلقي األساسيات‬ ‫يف نظام تعليمي يعاين من شح اإلمكانات‪.‬‬ ‫سـاع الفجــوة بــن الــدول املتقدمــة وبــن مصــر يف هــذا‬ ‫وعــى الرغــم مــن ات ـ‬ ‫املجــال‪ ،‬ال ـيـزال اســتخدام هــذه التقنيــة يف بداياتــه‪ ،‬ومــن ثــم‪ ،‬ال ـتـزال الفرصــة‬ ‫متاحــة للحــاق بهــذا الركــب‪ ،‬واســتيعاب مــا يــدور يف نطاقــه‪.‬‬ ‫وحققت مصر تقدما ملحوظا يف مجال الذكاء االصطناعي‪ ،‬وفق ما أعلنت‬ ‫عنه أخريا وزيرة التخطيط والتنمية االقتصادية املصرية هالة السعيد؛ إذ أكدت‬ ‫أن مصــر تقدمــت يف مؤشــر جاهزيــة الــذكاء االصطناعــي الحكومــي بمقــدار ‪46‬‬ ‫نقطــة‪ ،‬إذ انتقلــت مــن املركــز الــ‪ 111‬عــام ‪ 2019‬إىل املركــز الــ‪ 65‬عــام ‪ ،2022‬وهــو‬ ‫يعترب متقدما نسبيا إذا نظرنا إليه من زاوية العدد اإلجمايل لدول العالم‪.‬‬

‫حتــى ســنوات قليلــة مضــت‪ ،‬كان املصريــون يقاومــون بشــدة أي مالمــح لرقمنــة‬ ‫حياتهــم‪ ،‬وكانــت لديهــم مخــاوف وتحفظــات إزاء ســحب الرواتــب واملعاشــات‬ ‫بالبطاقات املصرفية‪ ،‬حيث كانوا يفضلون التعامل مع البشر وليس الصرافات‬ ‫اآللية‪ ،‬واضطروا جربا إىل أن يتعاملوا مع هذه األخرية‪ ،‬بعد أن فرضت املصارف‬ ‫عموالت عىل السحب املباشر من الفروع‪.‬‬ ‫ومع جائحة “كوفيد‪ ،”19 -‬اضطر كثريون إىل اإلقبال عىل خدمات التسديد‬ ‫الرقمية‪ ،‬ال سيما يف صفوف املستخدمني الجدد‪ ،‬وسط قلقهم وخشيتهم من‬ ‫تخزين معلوماتهم املالية عىل اإلنرتنت‪ ،‬أو أن تكون أجهزتهم غري مؤمّ نة بما يكفي‪.‬‬ ‫وخالل السنوات الثالث املنصرمة‪ ،‬بات الذكاء االصطناعي حاضرا يف يومياتهم‬ ‫وبدأ يتغلغل يف كلركن من أركان الحياة‪ ،‬يف مجاالت التعليم والصحة واالقتصاد‬ ‫والزراعــة واملصــارف ومعظــم املصالــح الحكوميــة ومواقــع التواصــل االجتماعــي‬ ‫وغريها‪ ،‬وبات أثره واقعا ال بد من اللحاق به وجزءا أساسيا من خياراتهم‪.‬‬ ‫سـراتيجي أطلقــت الحكومــة املصريــة املجلــس الوطنــي‬ ‫عــى املســتوى اال ـ‬ ‫ماذا يحمل المستقبل للشباب‬ ‫للــذكاء االصطناعــي يف نوفمرب‪/‬تشــرين الثــاين ‪ ،2019‬برئاســة وزيــر االتصــاالت‬ ‫سـراتيجية للــذكاء‬ ‫وتكنولوجيــا املعلومــات‪ ،‬وحــددت مســؤوليته يف وضــع ا ـ‬ ‫ما بني الشباب واملتخصصني تختلف اآلراء عن وضع مصر والجامعات والطالب‬ ‫االصطناعي وتنفيذها‪ .‬وتفوقت الحكومة يف أدائها يف هذا املجال‬ ‫فيمــا يخــص الــذكاء االصطناعــي ومــا يتوقعــون أن يحــدث يف‬ ‫طـاع الخــاص‪ ،‬فقــد أنشــأت وزارة‬ ‫شـركات الق ـ‬ ‫عــى أداء ـ‬ ‫املستقبل‪ .‬تقول كريستينا قيصر‪ ،‬مديرة برمجة املشاريع‬ ‫االتصــاالت مركــز االبتــكار التطبيقــي‪ ،‬الــذي يعمــل‬ ‫شـركة “فودافــون” العامليــة‪ ،‬وهــي يف أواخــر‬ ‫يف ـ‬ ‫عىل استخدام تطبيقات الذكاء االصطناعي يف‬ ‫العشرينات من العمر‪ ،‬يف حديث مع “املجلة”‪:‬‬ ‫مجــاالت عــدة‪ ،‬باإلضافــة إىل إطــاق منصــة‬ ‫“إن مصر تركز حاليا يف كثري من القطاعات‬ ‫خاصة للذكاء االصطناعي لتكون البوابة‬ ‫عىل تبني الذكاء االصطناعي واالبتكار مع‬ ‫الرســمية لجمهوريــة مصــر العربيــة يف‬ ‫توسعها بالتعاون مع شركات االتصاالت‬ ‫هذا املجال‪ .‬كذلك أعدت الوزارة أيضا‬ ‫وتكنولوجيــا املعلومــات‪ ،‬بعدمــا باتــت‬ ‫برا مــج خا صــة لطــاب الجامعــات‬ ‫جـزءا مــن حياتهــم‪،‬‬ ‫التقنيــة حقيقــة و ـ‬ ‫والخريجــن واملهنيــن‪ ،‬بمــا يف ذلــك‬ ‫وتيقنت الدولة أننا أمام عصر جديد‪،‬‬ ‫الوظائف التقنية وغري التقنية‪ ،‬وصوال‬ ‫عىل الرغم من أنه ال يزال يف بداياته”‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫إىل القادة يف القطاع الخاص والعام‪.‬‬ ‫وتخرب نــا قيصــر أن الجامعــات‬ ‫أ مــا عــى مســتوى القطا عــات‬ ‫خـرة إىل‬ ‫املصريــة اتجهــت يف اآلونــة األ ـ‬ ‫غــر الر ســمية‪ ،‬ففيهــا نمــاذج مب ـهـرة‬ ‫إدخال تخصص الذكاء االصطناعي يف‬ ‫فيما الخوف قائم عىل خصوصية البيانات والوظائف‬ ‫واجتهــادات جذبــت االهتمــام العاملــي‪،‬‬ ‫كليــات الحاســبات واملعلومــات‪ ،‬وجــرى‬ ‫غـرة‬ ‫شـركات الص ـ‬ ‫عــى مســتوى األ ـفـراد وال ـ‬ ‫تغيري أسماء عدد منها إىل كليات الحاسبات‬ ‫نصر‬ ‫مارسيل‬ ‫‬‫القاهرة‬ ‫طـاع التكنولوجيــا وتفرعاتــه‬ ‫الناشــئة املهتمــة بق ـ‬ ‫والــذكاء االصطناعــي لتكــون لديهــا جاهزيــة‬ ‫املرتبطــة باالقتصــاد واملاليــة‪.‬‬ ‫للحاق بركب التطورات العاملية للتكنولوجيا وتأهيل‬ ‫رسوم ‪ -‬آندي بوتس‬ ‫وســجلت إنجــازات الشــباب املصــري عــى مســتوى‬ ‫الطالب لحجز أماكن لهم يف سوق العمل‪ ،‬إىل جانب‬ ‫املنافســات الدوليــة املرتبطــة بالتكنولوجيــا والــذكاء االصطناعــي‬ ‫افتتاح عدد من الجامعات األهلية يف مدينتي الجاللة والعلمني‬ ‫خصوصــا مســتويات متقدمــة‪ ،‬عــى الرغــم مــن أن املســاهمات يف أغلبهــا كانــت‬ ‫لكليــات متخصصــة بالــذكاء االصطناعــي‪.‬‬ ‫بجهود فرق ومجموعات أو حتى أفراد خارج املنظومة الرسمية‪ ،‬يف حني كان‬ ‫وتضيــف‪“ :‬لــم يتخــرج أي طالــب مــن هــذه الكليــات حتــى اآلن‪ ،‬ألن تلــك‬ ‫ُ‬ ‫شـراف ومتابعــة مــن جامعــات مصريــة‪.‬‬ ‫بعضهــا بإ ـ‬ ‫نشــئت نهايــة عــام ‪ ،2019‬وبالتــايل ال يمكــن الحكــم عــى نجــاح هــذه‬ ‫األقســام أ ِ‬ ‫وتصــدرت الجامعــات املصريــة املشــاركني يف أول مســابقة دوليــة للــذكاء‬ ‫الخطــوة مــن عدمــه‪ .‬لذلــك يواجــه أول ـيـاء أمــور الطــاب تحديــات ك ـثـرة لعــدم‬ ‫االصطناعي( ‪)The International Collegiate Programming Contest‬‬ ‫اقتناعهم بضرورة إلحاق أبنائهم يف تلك األقسام‪ ،‬التي لم يجر ربطها بسوق‬ ‫عــام ‪ ،2021‬بمجموعــة مــن الفــرق مؤلفــة مــن طــاب هــذه الجامعــات‪.‬‬ ‫العمل‪ ،‬وال يزالون يفضلون التحاقهم بكليات تقليدية كالهندسة والحاسبات‬ ‫يُنظــر إىل مصــر عــى أنهــا يف مرحلــة نمــو وتطــور كبرييــن يف وظائــف الــذكاء‬ ‫واملعلومات‪ ،‬خصوصا أن مجال العمل يف تقنيات الذكاء االصطناعي يف مصر‬ ‫طـاع‬ ‫االصطناعــي وأهميتــه‪ ،‬وإن كان معظمهــا مرتبــط بأعمــال خارجيــة‪ ،‬يف ق ـ‬ ‫محــدود للغايــة‪ ،‬وألن الحكــم عــى جــودة خريجــي هــذه الكليــات ســيكون يف‬ ‫ظـرا لضعــف البنيــة والعقبــات التــي قــد تواجــه ترخيــص‬ ‫الخدمــات الدوليــة‪ ،‬ن ـ‬ ‫األغلــب دوليــا وليــس محليــا”‪.‬‬ ‫مشاريع كهذه تتطلب النفاذ إىل معلومات يعتربها القانون املصري “سيادية”‪.‬‬ ‫وتشري قيصر إىل تفضيل نسبة من املصريني التعامل مع البشر عن اآلالت‪،‬‬ ‫لوجــود عقبــات ك ـثـرة يف البنيــة التحتيــة لإلنرتنــت وخــروج الخدمــة يف بعــض‬ ‫الذكاء االصطناعي في التعليم‬ ‫األحيان عن العمل‪ .‬وترى قيصر أن مصر غري مؤهلة يف بنيتها التحتية عموما‬ ‫حـول الكبــر إىل الــذكاء االصطناعــي‪،‬‬ ‫أو شــوارعها طبقــا للمعايــر الدوليــة للت ـ‬ ‫عىل الرغم من مقاومة األهل لفكرة “التابلت”‪ ،‬أو ما يعرف بالكمبيوتر اللوحي‪،‬‬ ‫مثال هل تتوافر بيئة صالحة للسيارات التي تعمل بالذكاء االصطناعي للسري‬ ‫يف مصــر قبــل ثــاث ســنوات‪ ،‬وإصرارهــم عــى الكتــاب الورقــي والقلــم وال ـكـراس‬ ‫يف شوارع القاهرة؟‬ ‫خالفــا للتوجهــات املســتقبلية‪ ،‬يبــدي التعليــم الرســمي والخــاص اهتمامــا ك ـبـرا‬

‫الــذكاء االصطناعــي‬ ‫ينمــو يف الجامعــات‬ ‫املصريــة وبــن الشــباب‬ ‫والخرباء‬

‫‪06/09/2023 16:37‬‬

‫‪076_AM.indd 77‬‬


‫علوم وتكنولوجيا‬

‫المجلة‬

‫لكنها تلفت إىل “أهمية املنظمات والجامعات التي تعمل يف مصر لتشجيع‬ ‫العمــل بالــذكاء االصطناعــي بــن الطــاب بالتعــاون مــع هيئــة تنميــة صناعــات‬ ‫تكنولوجيــا املعلو مــات (إيتيــدا) ووزارة االتصــاالت وتكنولوجيــا املعلو مــات‬ ‫لتقديــم دورات كاملــة يف الــذكاء االصطناعــي لتأهيــل طــاب الجامعــات مــن‬ ‫الناحيــة التكنولوجيــة”‪.‬‬

‫تخوفات لها وجاهتها‬

‫تثــر تقنيــة الــذكاء االصطناعــي بعــض املخــاوف مــن مزاحمــة البشــر يف الوظائــف‬ ‫وهي مخاوف لها وجاهتها‪ ،‬كما يرى يوسف ناشد‪ ،‬وهو شاب حديث التخرج‬ ‫يف الحقوق‪ ،‬حيث يقول‪“ :‬إن الذكاء االصطناعي بات ضرورة يف حياتنا كشباب‬ ‫يف مصر ألنه يعد وسيلة سريعة لتجميع معلومات غزيرة من مصادر مختلفة‬ ‫بطريقة منظمة”‪ .‬ويضيف يف حديث مع “املجلة”‪“ :‬إن اختفاء بعض املهن خالل‬ ‫السنوات العشرين املقبلة التي قد يتفوق فيها الذكاء االصطناعي عىل الذكاء‬ ‫البشري يف مجاالت محددة ممكن‪ .‬لكن العنصر البشري يظل أساس االبتكار‬ ‫والتطوير‪ ،‬ذلك أن الذكاء االصطناعي مجرد أداة ملســاعدة اإلنســان عىل توفري‬ ‫الوقت يف املهمات التي تتطلب أوقاتا طويلة يف العمل”‪ .‬ويتوقع‬ ‫يوسف ناشد أن “يساهم الذكاء االصطناعي بنسبة سبعة‬ ‫يف املئــة يف الناتــج املحــي اإلجمــايل ملصــر بح ـلـول عــام‬ ‫‪ ،”2030‬مســتندا إىل بيانــات “مركــز املعلومــات‬ ‫ودعم اتخاذ القرار” التابع ملجلس الوزراء‪.‬‬ ‫و ي ـقـو ل عضــو غر فــة تكنو لو جيــا‬ ‫املعلومات املصرية الدكتور أحمد صربي‪،‬‬ ‫لـ“املجلة”‪“ :‬إن الحكومة املصرية أعدّت‬ ‫سـراتيجية للــذكاء االصطناعــي قبــل‬ ‫ا ـ‬ ‫ثــاث ســنوات‪ ،‬ووضعــت تطبيقاتــه‬ ‫ُنصــب عينيهــا‪ ،‬باعتبــاره أداة داعمــة‬

‫لتقديــم الخدمــات عــن ُبعــد‪ ،‬كمــا أنــه‬ ‫يجــذب القطاعــات الشــابّة للعمــل مــن‬ ‫دون االرتبــاط باملؤسســات عــى النحــو‬ ‫النمطــي”‪ .‬كذلــك أطلــق امليثــاق املصــري‬ ‫للــذكاء االصطنا عــي املســؤول يف أبر يــل‪/‬‬ ‫نيسان ‪ 2023‬لبلورة األطر التنظيمية لالستخدام‬ ‫األخالقــي واملســؤول للتقنيــات الذكيــة يف املجتمــع‪.‬‬ ‫حـاء العالــم كلــه‪ ،‬وال ســيما يف‬ ‫واســتجابت الــدول يف أن ـ‬ ‫أوروبــا وآســيا‪ ،‬بصياغــة مســودات تشــريعات شــاملة للــذكاء‬ ‫االصطناعي‪ .‬يف املقابل‪ ،‬ال تزال الدول النامية‪ ،‬بما فيها مصر‪ ،‬تتلمس طريقها‬ ‫يف تطوير التشريعات املطلوبة لتنظيم تطبيقات الذكاء االصطناعي وممارساته‪،‬‬ ‫وال ســيما بعــد االنتشــار غــر املســبوق لروبــوت الدردشــة “‪.”ChatGPT‬‬ ‫يف املقابــل‪ ،‬يؤكــد الدكتــور عــاء النهــري نائــب رئيــس املركــز اإلقليمــي لعلــوم‬ ‫ضـاء لـ“املجلــة” أن “الــذكاء االصطناعــي بــدأ حديثــا يف مصــر ويف مراحلــه‬ ‫الف ـ‬ ‫األوليــة‪ ،‬والدولــة مهتمــة وتحــاول تشــجيعه‪ ،‬لكــن املشــكلة التــي تواجههــا هــي‬ ‫عدم ربط خريجي تلك الجامعات بسوق العمل وهو ربط يعد املحفز الرئيس‬ ‫واألســاس‪ ،‬ذلــك أن الشــباب يريــدون االلتحــاق بتلــك الجامعــات لكــن لديهــم‬ ‫تخوفــات مــن عــدم تلبيــة ســوق العمــل لطموحاتهــم‪ ،‬إىل جانــب عــدم إملــام كثــر‬ ‫شـركات يف مصــر بمعرفــة الــذكاء االصطناعــي”‪.‬‬ ‫مــن ال ـ‬ ‫ويطالب النهري القطاع الخاص بتبني هذا املجال‪ ،‬كونه القطاع األكرث مرونة‬ ‫لتلبيــة متطلبــات الشــباب لتطويــر األعمــال‪ ،‬ويــرى أن “أبــرز القطاعــات الحاليــة‬ ‫التي تركز عىل الذكاء االصطناعي يف مصر هي علوم الفضاء وقطاع االتصاالت‪،‬‬ ‫ومع استمرار تأثري الذكاء االصطناعي يف حياتنا بشكل عام تصبح الحاجة إىل‬ ‫سن قوانني أكرث إلحاحا وال سيما بالنسبة إىل الدول النامية عىل غرار مصر”‪.‬‬

‫‪06/09/2023 16:37‬‬

‫‪78‬‬

‫المواطن في مقابل الذكاء االصطناعي‬

‫جـراه مركــز املعلومــات ودعــم اتخــاذ ال ـقـرار يف مجلــس‬ ‫كشــف اســتطالع ل ـلـرأي أ ـ‬ ‫الوزراء املصري خالل يونيو‪/‬حزيران ‪ ،2023‬شمل عينة من املواطنني البالغني‬ ‫‪ 18‬عامــا فأكــر‪ ،‬عــن خطــورة تكنولوجيــا الــذكاء االصطناعــي عــى املســتقبل‪ ،‬أن‬ ‫طـرا وتهديــدا ك ـبـرا‪ ،‬وأن أخطــار‬ ‫نســبة ك ـبـرة مــن املواطنــن املصريــن يرونــه خ ـ‬ ‫الــذكاء االصطناعــي املســتقبلية ســتكون لهــا انعكاســات عــى نمــط حيــاة البشــر‬ ‫واملجتمعات وعملية اتخاذ القرار ومعايري الحوكمة‪ ،‬إىل جانب آثار يف مجال‬ ‫التعليــم والوظائــف‪.‬‬ ‫ويتفــق جو جــو أ شــرف‪ ،‬الطا لــب يف كليــة علــوم الكمبيو تــر يف الجامعــة‬ ‫الكنديــة يف مصــر‪ ،‬والــذي يــدرس مــادة يف علــوم الــذكاء االصطناعــي‪ ،‬مــع‬ ‫غـاء‬ ‫هــذا ا ـلـرأي‪ ،‬مع ـتـرا أن للــذكاء االصطنا عــي أخطــارا جمــة أبرز هــا إل ـ‬ ‫كثــر مــن الوظائــف واالعتمــاد عــى هــذه التقنيــة ألنهــا توفــر الوقــت والجهــد‬ ‫والرواتــب‪ ،‬كمــا يمكنــه أن يتدخــل يف الحــروب لخفــض التدخــل البشــري‪،‬‬ ‫فهــو يســتطيع برمجــة األســلحة ومعــدات القتــال‪ ،‬كمــا يمكنــه اتخــاذ ـقـرار‬ ‫غـاء العقــل البشــري كونــه ســيعتمد عــى‬ ‫الهجــوم‪ .‬ومــن الســلبيات أيضــا‪ ،‬إل ـ‬ ‫الذكاء االصطناعي دون تفكري وابتكار‪ ،‬وسيصل إىل مرحلة‬ ‫التشــبع باملعلو مــات‪.‬‬ ‫و قــال أ شــرف لـ“املجلة”‪“:‬يمكــن للــذكاء‬ ‫االصطناعــي خــال الســنوات الخمــس املقبلــة‬ ‫أن يلغي كثريا من الوظائف‪ ،‬حتى وظيفة‬ ‫املربمــج نفســه‪ ،‬ألنــه ســيمتلك البيانــات‬ ‫واملعلومــات كلهــا عــن األمــور الحياتيــة‬ ‫والعمليــة بمــا يمكنــه مــن تخطــي‬ ‫األشــخاص‪ ،‬بــل واالســتغناء تمامــا‬ ‫عــن العنصــر البشــري‪ .‬وقرأ نــا عــن‬ ‫شـركات عامليــة متخصصــة‬ ‫تســريح ـ‬ ‫يف املبيعات والتجارة اإللكرتونية آالف‬ ‫العاملــن‪ ،‬ومنهــا‪“ :‬أمــازون”‪ ،‬و“إي‪.‬‬ ‫بــاي”‪ ،‬وإحــال روبوتــات وبرامــج ذكاء‬ ‫اصطناعــي محلهــا”‪.‬‬ ‫وأ ضــاف‪“ :‬لكــن يف الو قــت نفســه‪،‬‬ ‫للــذكاء االصطناعــي كثــر مــن اإليجابيــات ألنــه‬ ‫بات واقعا وحتميا‪ ،‬فهو يختصر الجهد والوقت‬ ‫حيث يسهل عىل الطالب كثريا من األمور يف الدراسة‬ ‫جـراء البحــوث والربمجــة‪ ،‬كمــا يســاعد الطلبــة يف‬ ‫مــن خــال إ ـ‬ ‫التعليم من خالل “تشات جي‪ .‬بي‪ .‬يت‪ ،”.‬وهو أفضل من “غوغل” يف البحث‬ ‫عــن املعلومــات‪ ،‬إذ يمكنــه التحــاور مــع املســتخدم ومصادقتــه”‪.‬‬ ‫صـول‬ ‫ولفــت أشــرف إىل وجــود كثــر مــن “أكــواد” الربمجــة التــي يمكــن الح ـ‬ ‫عليهــا مــن خــال الــذكاء االصطناعــي‪.‬‬ ‫شـركة أجنبيــة تنشــط يف الرياضــة والرتفيــه‪،‬‬ ‫ويتفــق مهنــدس الصيانــة يف ـ‬ ‫جــورج جميــل‪ ،‬يف ا ـلـرأي مــع أشــرف‪ ،‬حيــث قــال لـ“املجلــة”‪“ :‬عــى الرغــم مــن‬ ‫إنشاء مصر املجلس الوطني للذكاء االصطناعي‪ ،‬فإن عدم وجود بنية تحتية‬ ‫للتعليــم والربمجيــات يؤجــل اآلمــال يف هــذا الصــدد إىل وقــت ليــس بقريــب‪ ،‬وال‬ ‫ســيما إذا قارنــا مركــز مصــر يف ســوق الربمجيــات ونظــم املعلومــات بــدول أخــرى‬ ‫شـاكل مماثلــة‪ ،‬لكنهــا خطــت خطــوات‬ ‫مثــل الهنــد كمثــال لدولــة تعــاين مــن م ـ‬ ‫طـاع الربمجيــات والتكنولوجيــا”‪.‬‬ ‫واســعة يف تطويــر ق ـ‬ ‫وأضاف أن تطوير الذكاء االصطناعي يف مصر سيقتصر عىل محاوالت فردية‬ ‫غـرة تعمــل يف مجــال الربمجيــات داخــل الســوق املصريــة لصالــح‬ ‫شـركات ص ـ‬ ‫ل ـ‬ ‫كيانــات أخــرى دوليــة أكــر وأكــر قــدرة عــى االســتفادة مــن الــذكاء االصطناعــي‬ ‫شـركات‪.‬‬ ‫وتطويــر تلــك ال ـ‬

‫‪076_AM.indd 78‬‬


076_AM.indd 79

06/09/2023 16:37


‫المجلة‬

‫علوم وتكنولوجيا‬

‫يــكاد واقــع الــذكاء االصطناعــي يف تونــس يتطابــق‬ ‫مــع قصتــن مذهلتــن وفريدتــن‪ :‬األوىل لالعبــة‬ ‫التونســية أنــس جابــر‪ ،‬التــي ســطع نجمهــا يف لعبــة‬ ‫غـرة عــى‬ ‫ضـرب‪ ،‬وهــي القادمــة مــن قريــة ص ـ‬ ‫ـكـرة امل ـ‬ ‫الســاحل التونــي‪ ،‬تفتقــر إىل أي ملعــب مؤهــل‬ ‫للمنافســة محليــا يف هــذه اللعبــة‪ .‬أ مــا القصــة‬ ‫الثانيــة‪ ،‬فهــي قصــة البطــل العاملــي يف الســباحة‬ ‫الشاب العشريني أيوب الحفناوي الذي انتزع أخريا‬ ‫ميداليتــن ذهبيتــن يف بطولــة العالــم للســباحة يف‬ ‫اليابــان حيــث رفــرف العلــم التونــي عاليــا احت ـفـاء‬ ‫جـاء مــن بعيــد‪ ،‬مــن بــاد أغلقــت فيهــا جــل‬ ‫ببطــل ـ‬ ‫املسابح للصيانة باستثناء مسبحني اثنني ال يكادان‬ ‫يســتقطبان هــواة هــذه الرياضــة‪.‬‬ ‫ال يختلف األمر يف مجال الذكاء االصطناعي‪ ،‬إذ‬ ‫أن تسجيل نجاحات تونسية باهرة يف هذا القطاع‬ ‫الواعــد ال يعنــي وجــود سياســات عامــة داعمــة لــه‪.‬‬ ‫ليس أدل عىل ذلك من التصريحات األخرية للرئيس‬ ‫التونــي قيــس ســعيد بمناســبة يــوم العلــم‪ ،‬الــذي‬ ‫وصــف فيهــا الــذكاء االصطناعــي بالخطــر الداهــم‬ ‫وبـ“اغتيــال للــذكاء البشــري”‪ ،‬محــذرا مــن أخطــاره‬ ‫املُهددة‪ ،‬وفق تعبريه‪ ،‬للبشرية جمعاء‪ .‬تصريحات‬ ‫سعيد لم تنه فقط آمال الكثريين يف انخراط سريع‬ ‫بمســار الثــورة الصناعيــة الرابعــة‪ ،‬بــل وضعــت‪،‬‬ ‫وألول ـمـرة‪ ،‬دورا ممكنــا للســلطات القائمــة يف‬ ‫إصــدار تشــريعات لحظــر ومناهضــة التكنولوجيــات‬

‫الحديثــة‪ ،‬توقــف عجلــة تقــدم اســتخدام تقنيــات‬ ‫حـول وفــق ســعيد‪،‬‬ ‫الــذكاء االصطناعــي‪ ،‬بعــد أن ت ـ‬ ‫إىل ما يشبه املؤامرة‪ ،‬عىل الرغم من أنه تم تكريم‬ ‫عدة تجارب وقصص نجاح يف عهده يف بلد جاذب‬ ‫للطاقــات الشــابة‪.‬‬ ‫شـركة‬ ‫أهــم هــذه النجاحــات هــي قطعــا نجــاح ـ‬ ‫“انســتاديب” الناشــئة املختصــة يف تصميــم أنظمــة‬ ‫شـركة املهند ســان‬ ‫ا لــذكاء االصطنا عــي‪ .‬أ ســس ال ـ‬ ‫التونســيان كريــم بقــر وز ـهـرة ســليم ســنة ‪2014‬‬ ‫برأس مال يقدر بـ ‪ 5000‬دينار (نحو ‪ 1600‬دوالر عند‬ ‫التأسيس) وجهازي كومبيوتر‪ ،‬ثم أصبحت سريعا‬ ‫ضمن أفضل ‪ 100‬شركة عاملية يف هذا املجال‪ ،‬بل‬ ‫شـركة “فايــزر” يف البحــوث الخاصــة‬ ‫وســاهمت مــع ـ‬ ‫باللقاحــات املضــادة لفــروس كوفيــد‪.19 -‬‬ ‫بعدها بسنوات قليلة‪ ،‬وتحديدا يف بداية شهر‬ ‫يناير‪/‬كانون الثاين ‪ ،2023‬أعلن رائدا األعمال بقري‬ ‫شـركة “بيونتيــك” األملانيــة عــى‬ ‫وســليم اســتحواذ ـ‬ ‫شركتهما بـ ‪ 410‬ماليني يورو‪ .‬وهذا العمالق األملاين‬ ‫متخصــص يف مجــال التكنولوجيــا الحيويــة إليجــاد‬ ‫سـرطان‪.‬‬ ‫لقــاح ضــد ـمـرض ال ـ‬ ‫بلغــت قيمــة الصفقــة ‪ 1,3‬مليــار دينــار‪ ،‬مــا يــوازي‬ ‫تقريبا مرتني ونصف املرة موازنتي رئاسة الجمهورية‬ ‫(‪ 191‬مليــون دينــار‪ ،‬نحــو ‪ 62‬مليــون دوالر) ورئاســة‬ ‫الحكومــة (‪ 307,7‬ماليــن دينــار‪ ،‬نحــو ‪ 100‬مليــون‬ ‫دوالر) لسنة ‪ ،2023‬وهي تعادل نصف موازنة وزارة‬

‫‪80‬‬

‫التعليــم العــايل (‪ 2,2‬مليــار دينــار‪ ،‬نحــو ‪ 710‬ماليــن‬ ‫دوالر) ونصــف القيمــة االجماليــة لالكتتــاب الوطنــي‬ ‫(قرض داخيل بـ‪ 2,8‬مليار دينار‪ ،‬أي نحو ‪ 910‬مليون‬ ‫دوالر) مفتوح للشركات ورجال األعمال واملواطنني‪،‬‬ ‫وموجه لتمويل موازنة الدولة للسنة الجارية‪ .‬قيمة‬ ‫الصفقة تفوق أيضا الناتج الصايف لبنك تونس العربي‬ ‫الدويل الذي يعد أكرب املصارف يف تونس (‪ 1,26‬مليار‬ ‫دينار لسنة ‪ ،2022‬نحو ‪ 410‬مليون دوالر)‪.‬‬ ‫شكلت تلك الصفقة الضخمة والقياسية حدثا‬ ‫حقيقيــا يف البــاد‪ ،‬إذ أنهــا كانــت بمثابــة اكتشــاف‬

‫تونس‪...‬‬ ‫نجاحات فردية‬ ‫وفرص ضائعة‬ ‫مناخ االستثمار كاريث والسلطات تبيع الوهم لرواد األعمال‬ ‫تونس ‪ -‬كوثر زنطور‬

‫‪06/09/2023 16:41‬‬

‫رسوم ‪ -‬جاي توريس‬

‫‪080_AM.indd 80‬‬


‫‪81‬‬

‫لعالــم الــذكاء االصطناعــي وآفاقــه الواعــدة‪ ،‬يضــاف‬ ‫إليهــا مــا يشــبه انتفاضــة لــدى رواد األعمــال ممــن‬ ‫عـرت مشــاريعهم بســبب تر ســانة تشــريعية‬ ‫ت ـ‬ ‫مك ّبلــة‪ .‬مــع ذلــك لــم تصــادق تونــس حتــى اليــوم‬ ‫سـراتيجيتها الوطنيــة للــذكاء االصطناعــي‬ ‫عــى ا ـ‬ ‫عــى الرغــم مــن مــرور ســنوات عــى إعــان االنطــاق‬ ‫يف صياغتهــا‪ .‬تعطلــت املصادقــة وغابــت االصالحــات‬ ‫وخسرت تونس يف هذه األثناء ثالثة مراكز يف املؤشر‬ ‫العاملــي للــذكاء االصطناعــي وفــق موقــع “تورتــواز‬ ‫ميديا” (املركز ‪ 56‬يف يوليو‪/‬تموز ‪ 2023‬و‪ 53‬يف ‪.)2020‬‬

‫‪06/09/2023 16:41‬‬

‫المجلة‬

‫يرصــد هــذا املؤشــر التطــورات ذات العالقــة بالــذكاء‬ ‫االصطناعــي يف ‪ 62‬دولــة معتمــدا يف ذلــك عــى ‪143‬‬ ‫مقياســا متفرعــا مــن ســبعة معايــر تضــم املواهــب‬ ‫وقــوة البنيــة التحتيــة ومنــاخ التشــغيل واألبحــاث‬ ‫العلمية والتطوير واالسرتاتيجيا الحكومية والتجارة‪.‬‬

‫نجاح شبابي ‪ ..‬وعجز حكومي‬

‫ســجلت الدولــة التونســية حضورهــا ضمــن هــذه‬ ‫القائمة سنة ‪ ،2020‬فاحتلت املركز ‪ 53‬بفضل طفرة‬ ‫عرفتها البالد خالل فرتة تفيش جائحة كوفيد‪19 -‬‬

‫علوم وتكنولوجيا‬

‫يف البحوث واالبتكارات يف مجال استخدام الذكاء‬ ‫االصطناعــي‪ ،‬فتحــت آفــاق التغ ـيـرات الكــرى عــى‬ ‫ضــوء نجــاح مبــادرة “تحــدي” الحكوميــة آنــذاك‪.‬‬ ‫تعكس األرقام هذا النجاح إذ تطور رقم معامالت‬ ‫شـركات الناشــئة املختصــة يف الــذكاء االصطناعــي‬ ‫ال ـ‬ ‫مــن ‪ 69‬مليــون دينــار (نحــو ‪ 22‬مليــون دوالر) ســنة‬ ‫‪ 2018‬اىل ‪ 719‬مليون دينار (نحو ‪ 233‬مليون دوالر)‬ ‫سنة ‪ .2020‬وبلغ عدد الشركات الناشئة يف تونس‬ ‫شـركات (يونيو‪/‬حز ـيـران ‪ )2023‬فيمــا لــم يكــن‬ ‫‪ 904‬ـ‬ ‫شـركات ســنة ‪.2018‬‬ ‫يتجاوز ‪ 10‬ـ‬

‫‪080_AM.indd 81‬‬


‫علوم وتكنولوجيا‬

‫المجلة‬

‫بقيت تونس عاجزة عن حسن توظيف‬ ‫اإلمكانات الهائلة التي يوفرها اقتصاد المعرفة‬ ‫والتكنولوجيات الحديثة‪ ،‬مما تسبب في مغادرة‬ ‫مئات الشركات الناشئة البالد بحثا عن مناخ‬ ‫استثمارات يضمن حوافز أهم‬

‫جـزة عــن حســن توظيــف‬ ‫لكــن تونــس بقيــت عا ـ‬ ‫اإلمكانــات الهائلــة التــي يوفرهــا مــا يســمى باقتصــاد‬ ‫املعرفــة والتكنولوجيــات الحديثــة‪ ،‬عــى الرغــم مــن‬ ‫مرحلة التوطني يف مجال الذكاء االصطناعي‪ ،‬مما‬ ‫تسبب يف مغادرة مئات الشركات الناشئة الواعدة‬ ‫البــاد بحثــا عــن منــاخ اســتثمارات يضمــن حوافــز‬ ‫أهم وتعقيدات ّ‬ ‫أقل‪ ،‬خصوصا منها البريوقراطية‬ ‫والقوانني املكبلة‪ ،‬فيما انخرطت كربيات املجمعات‬ ‫واملؤسسات واملصارف يف استخدام تقنيات الذكاء‬ ‫االصطناعي واحداثياته املتســارعة‪.‬‬ ‫بــات هــذا الوضــع مخيفــا ومنــذرا بالخطــر‪ ،‬أمــام‬ ‫توايل هجرة الشركات الناشئة واملُب َتكِرة‪ ،‬وتحوّلها‬ ‫اىل قيمة مضافة تستفيد منها جهات خارجية أكرث‬ ‫جاذبيــة ومــردودا اقتصاديــا وماليــا‪ .‬ي ـقـول الخبــر‬ ‫االقتصــادي عــز الديــن ســعيدان‪ ،‬وهــو أيضــا رئيــس‬ ‫مركــز دراســات مرمــوق‪ ،‬ومطلــع عــن ـقـرب عــى‬ ‫تجــارب عــدد مــن رواد األعمــال ومطـوّري األنظمــة‬ ‫شـركة ناشــئة يف تونــس يف‬ ‫والربمجيــات‪“ ،‬إن ب ـقـاء ـ‬ ‫ّ‬ ‫ظل القوانني الحالية ويف مقدمها قانون الصرف‪،‬‬ ‫يعنــي ببســاطة موتهــا”‪.‬‬ ‫يف املقابــل يشــر الخطــاب الرســمي إىل العكــس‬ ‫صـرم‪ ،‬أكــدت املد ـيـرة‬ ‫تمامــا‪ .‬ففــي نهايــة العــام املن ـ‬ ‫العامة لصندوق الودائع واألمانات‪ ،‬ناجية غربي‪،‬‬ ‫أن تونس تهدف ألن تكون “مجمعا مركزيا” (‪)Hub‬‬ ‫للتكنولوجيات الحديثة واملبتكرة‪ ،‬وقدرت أن بلوغ‬ ‫سـراتيجي ممكــن خاصــة مــع توافــر‬ ‫هــذا الهــدف اال ـ‬ ‫التمويــات والبيئــة االقتصاديــة‪ .‬وكشــفت يف هــذا‬ ‫الســياق عــن تجميــع كل آليــات التمويــل املوجهــة‬ ‫للشركات الناشئة واملبتكرة (‪ ،)Startup‬يف وجهة‬ ‫واحدة هي “سمارت كابيتال” الذي يجمع صناديق‬ ‫االستثمار‪ ،‬باإلضافة إىل برنامج “فالي ويل”( )�‪Fly‬‬ ‫‪ ،)Wheel‬وهــو برنامــج تمويــل مــن طريــق الهبــات‬ ‫التــي تمنــح للمؤسســات الناشــئة‪.‬‬ ‫وكشــفت أن التمويــات املوضوعــة عــى ذمــة‬ ‫أصحاب املشاريع املبتكرة باستعمال تقنيات الذكاء‬ ‫االصطناعــي تتــوزع بــن ‪ 75‬مليــون دوالر مــن البنــك‬ ‫الدويل والبنك األملاين للتنمية (‪ ،)KfW‬وتمويالت‬ ‫مــن االتحــاد األوروبــي باعتمــادات تبلــغ ‪ 35‬مليــون‬ ‫دوالر‪ .‬كمــا بينــت أن صنــدوق الصناديــق “أنافــا”‪،‬‬ ‫يرنو إىل تعبئة ‪ 200‬مليون يورو‪ ،‬ستضاف اىل ‪125‬‬ ‫مليــون دينــار (نحــو ‪ 40,5‬مليــون دوالر) قالــت إنهــا‬

‫‪06/09/2023 16:41‬‬

‫‪82‬‬

‫تزخر تونس بكفاءات نوعية‬ ‫في عالم التكنولوجيات الحديثة‪،‬‬ ‫ويذكر التاريخ أن التونسي فاروق كمون‬ ‫يعد من بين مؤسسي أبجديات االنترنت‬ ‫في العالم‬

‫متو ـفـرة يف صنــدوق التمويــات املختصــة “إينوفــا‬ ‫تيك” (‪ )InnovaTech‬لصالح املؤسسات الصغرية‬ ‫واملتوســطة املجــددة‪.‬‬ ‫يعكس هذا طبيعة النقاشات الدائرة يف تونس‬ ‫حـول الــذكاء االصطناعــي‪ .‬فــإذا كان النقــاش يف‬ ‫ـ‬ ‫العالــم يتمحــور مــع التحديثــات املتواصلــة لربنامــج‬ ‫حـول قواعــده التنظيميــة‬ ‫“تشــات جــي‪ .‬بــي‪ .‬يت‪ ”.‬ـ‬ ‫مــن وجهتــي نظــر مختلفتــن‪ ،‬بــن مــن يــرى أنــه‬ ‫سيســاهم يف تحســن حياتنــا بطريقــة هائلــة ومــن‬ ‫يرى أنه قد يتسبب يف تدمرينا جميعا‪ ،‬فإن النقاش‬ ‫خـراء واألكاديميــن والفاعلــن‪،‬‬ ‫يف تونــس بــن ال ـ‬ ‫انقســم خــال نــدوة علميــة نظمتهــا مؤسســة بيــت‬ ‫الحكمــة (مؤسســة عموميــة غــر إداريــة) بــن مــن‬ ‫سـراتيجي‬ ‫يرفــض التســليم املطلــق للتخطيــط اال ـ‬ ‫لألنظمــة الرســمية والحكوميــة‪ ،‬متمســكا بأهميــة‬ ‫املبــادرات الفرديــة والخاصــة‪ ،‬يف مقابــل مــن يعتــر‬ ‫سـراتيجي لالســتثمار يف الــذكاء‬ ‫أن التخطيــط اال ـ‬ ‫االصطناعــي حتمــي ال ســيما مــع تعــدد وتداخــل‬ ‫العوامــل املكونــة لــه‪ ،‬الرتبويــة والتكوينيــة واملاليــة‪،‬‬ ‫مضافــة إليهــا البنيــة التحتيــة مــن مخ ـتـرات ومراكــز‬ ‫بحــث‪ ،‬بمــا يعنــي أهميــة اإلرادة السياســية وقيمــة‬ ‫اإلمكانــات االقتصاديــة‪.‬‬

‫رواد األعمال أوعى‬ ‫من السياسيين‬

‫الخبــر يف الرقمنــة والــذكاء االصطناعــي واالســتاذ‬ ‫الجامعي عادل بن يوسف‪ ،‬رأى من جهته أن رواد‬ ‫األعمــال االقتصاديــن أكــر وعيــا مــن ص ـنـاع ال ـقـرار‬ ‫والسياســيني بأهميــة الــذكاء االصطناعــي كقيمــة‬ ‫مضافة إىل شركاتهم‪ .‬ولفت بن يوسف الذي شارك‬ ‫يف صياغة وثيقة مرجعية حول الذكاء االصطناعي‬ ‫ضمن فريق مركز الدراسات االسرتاتيجية (مؤسسة‬ ‫تابعة لرئاســة الجمهورية)‪ ،‬إىل أن عدم االســتقرار‬ ‫الســيايس أ ثــر عــى مســار البــاد يف االفــادة مــن‬ ‫التطورات التي توفرها أنظمة الذكاء االصطناعي‪.‬‬ ‫وأعرب لـ “املجلة” عن استغرابه حصر النقاشات‬ ‫سـراتيجيا الوطنيــة للــذكاء االصطناعــي‬ ‫حـول اال ـ‬ ‫ـ‬ ‫يف خمــس وزارات‪ ،‬مشــددا عــى ضــرورة االنفتــاح‬ ‫ســريعا عــى نقــاش مجتمعــي واســع‪ .‬وفســر ذلــك‬ ‫بــأن الــذكاء االصطناعــي مســألة متعــددة األبعــاد‬ ‫يتداخــل فيهــا االقتصــادي بالرتبــوي واالجتماعــي‬

‫والقانوين‪ ،‬وبأنها ال تتعلق فقط برسم السياسات‪.‬‬ ‫ونبه من تداعيات غياب الوعي بتأثريات هذه الثورة‬ ‫الصناعية الرابعة عىل األفراد واملجتمع‪ ،‬داعيا إىل‬ ‫سـراتيجية‬ ‫تفكــر جماعــي لوضــع أطــر تنظيميــة وا ـ‬ ‫تنطلق من تصور لتونس الغد وأي ذكاء اصطناعي‬ ‫للتطــور االقتصــادي واالجتماعــي‪.‬‬ ‫ولفــت أيضــا إىل الفجــوة الك ـبـرة بــن التطــورات‬ ‫املتسارعة من جهة‪ ،‬وقوانني البالد من جهة أخرى‪،‬‬ ‫التي قال إنها باتت تمثل أحد أهم العوائق أمام نمو‬ ‫الشركات الناشئة‪ ،‬وأنها تربك عملية االنخراط يف‬ ‫االقتصــاد املتطــور‪ ،‬مع ـتـرا أن قانــون الصــرف يمثــل‬ ‫شـركات الناشــئة‬ ‫جريمــة يف حــق البــاد‪ .‬وذ ّكــر بــأن ال ـ‬ ‫تبيع للخارج من دون أن تكون قادرة عىل التصرف‬ ‫يف إيراداتها بسبب قانون الصرف‪ ،‬مشددا عىل أنه‬ ‫كانــت لــه ســت جلســات عمــل مــع محافــظ املصــرف‬ ‫املركزي مروان العبايس خالل فرتة تويل بن يوسف‬ ‫حـول الرقمــي‪ ،‬تونــس ‪،2030‬‬ ‫سـراتيجيا الت ـ‬ ‫إعــداد ا ـ‬ ‫خالصا إىل أن هذه الجلسات كشفت له عن وجود‬ ‫ضغط‪ ،‬وصفه بالكبري‪ ،‬بهدف عدم تمكني الشركات‬ ‫الناشئة من االستفادة من إمكانات تغيري االقتصاد‪،‬‬ ‫تقــف وراءه “كارتيــات” (املجمّ عــات االقتصاديــة‬ ‫الكربى) املتمسكة بنفوذها وفق تقديراته‪.‬‬ ‫بن يوسف‪ ،‬الذي تحدث بعد تجربة من داخل‬ ‫النظــام أكــد أن أج ـهـزة اإلدارة تتحمــل مــن جهتهــا‬ ‫مسؤولية تعطيل االنخراط يف ما سماه بالتسونامي‬ ‫الرقمي‪ .‬وهو تأخر قال إنه سيجعل البالد متخلفة‬ ‫نحــو ‪ 30‬إىل ‪ 40‬ســنة إذا بقــي الوضــع عــى حالــه‪،‬‬ ‫مبينا أن االنخراط يف التكنولوجيات املتطورة وأنظمة‬ ‫الذكاء االصطناعي مسألة حتمية‪ ،‬وأن تونس تقف‬ ‫أمــام خياريــن‪ ،‬إمــا التقــدم بطاقــات تونســية عــر‬ ‫تشجيعها وتمكينها من أدوات التطور‪ ،‬أو اللحاق‬ ‫بالركب بشكل متأخر مما يضع البالد أمام وجوبية‬ ‫التعويــل “غصبــا” عــى الربمجيــات واملنظومــات مــن‬ ‫الخــارج‪ ،‬واألخطــر أن ذلــك ســيكون مرفقــا بغيــاب‬ ‫أي تصور واسرتاتيجيا‪.‬‬

‫تجربتان رائدتان‬

‫تجربتــان لشــابني تونســيني تكشــفان عــن وجهتــي‬ ‫حـول واقــع الــذكاء االصطناعــي‬ ‫نظــر مختلفتــن ـ‬ ‫يف تونــس‪ .‬الشــاب األول هــو رازي املليــاين‪ ،‬الرئيــس‬ ‫شـركات املختصــة يف‬ ‫واملديــر العــام إلحــدى أهــم ال ـ‬

‫‪080_AM.indd 82‬‬


‫المجلة‬

‫‪83‬‬

‫يبدو أن التعويل على الخارج‬ ‫بات خيار حكام تونس أو خيارا مفروضا‬ ‫تحكمه إكراهات شروط الهبات الخارجية‬ ‫المقدمة كدعم للبالد لتحصيل االنتقال‬ ‫الرقمي والتكنولوجي‬

‫توزيع األدوية‪ ،‬والعضو يف مركز القيادات الشابة‪.‬‬ ‫شـركة‬ ‫أمــا التجربــة الثانيــة فهــي لزيــاد تــر‪ ،‬صاحــب ـ‬ ‫ناشــئة وناشــط يف املجتمــع املــدين وأســتاذ جامعــي‪.‬‬ ‫قــال املليــاين يف حديــث لـ“املجلــة” إن تجربتــه مــع‬ ‫الــذكاء االصطناعــي التوليــدي ـغـرت بشــكل جــذري‬ ‫منــاخ العمــل يف مؤسســته وأيضــا يف الجمعيــات‬ ‫التــي ينشــط فيهــا‪ .‬فقــد اســتأنس يف مرحلــة أوىل‬ ‫حـول‬ ‫ضـول‪ ،‬ليت ـ‬ ‫بـ“تشــات جــي‪ .‬بــي‪ .‬يت‪ ”.‬ملجــرد الف ـ‬ ‫شـركة‪.‬‬ ‫مــع الوقــت إىل برنامــج اســتفادت منــه ال ـ‬ ‫وأكــد أنــه يســتخدمه ملجموعــة مــن املهــام ـتـراوح‬ ‫بــن كتابــة الرســائل االلكرتونيــة واملنشــورات عــى‬ ‫سـراتيجيات‬ ‫وســائل التواصــل االجتماعــي ووضــع ا ـ‬ ‫التســويق والتجــارة وإعــداد الربامــج واألجنــدات‪،‬‬ ‫صـوال إىل تحليــل البيانــات وغريهــا الكثــر ممــا ال‬ ‫و ـ‬ ‫حــدود لــه‪ ،‬عــى حــد قولــه‪.‬‬ ‫يف ســياق متصــل‪ ،‬نـ ّوه املليــاين بــأن اســتعمال‬ ‫الذكاء االصطناعي التوليدي أدى إىل زيادة كبرية يف‬ ‫مردودية الشركة‪ ،‬ذاكرا كمثل أن إعداد اسرتاتيجيا‬ ‫التســويق كان يســتغرق شــهرا كامــا‪ ،‬وأنــه أصبــح‬

‫‪06/09/2023 16:41‬‬

‫علوم وتكنولوجيا‬

‫تحتل تونس مراتب متقدمة‬ ‫في عدد المهندسين المتخرجين سنويا‬ ‫الذين يتم استقطابهم بشكل متزايد في الخارج‪،‬‬ ‫حيث غادر قرابة ‪ 40‬ألف مهندس تونس‬ ‫منذ ‪2015‬‬

‫بفضــل “تشــات جــي‪ .‬بــي‪ .‬يت‪ ”.‬ال يتجــاوز الســاعة‬ ‫الواحــدة‪ ،‬مشــددا عــى أن ذلــك ّ‬ ‫مكــن‪ ،‬ليــس مــن‬ ‫كسب الوقت بشكل كبري فحسب‪ ،‬وإنما أيضا من‬ ‫تعزيز الحافز واملشاركة لدى فريق عمل املؤسسة‪.‬‬ ‫أمــا عــن تحديــات إد ـمـاج هــذه التكنولوجيــات يف‬ ‫الشركات‪ ،‬فأوضح امللياين أنها تتعلق مثال بتكييف‬ ‫الهيكل العام للشركة‪ ،‬مرجحا أن يشهد تغيريات‬ ‫كربى ملا هو معروف وتقليدي‪ ،‬من مدير عام ومدير‬ ‫مــايل ومديــر تجــاري مثــا‪ .‬ولفــت إىل أن املؤسســة‬ ‫ستكتشــف هيكلتهــا الجديــدة باملمارســة‪ ،‬وأنهــا قــد‬ ‫تنتهي حتى إىل إلغاء منصب املدير العام‪ ،‬مستندا‬ ‫شـركة صينيــة تشــغل‬ ‫يف ذلــك إىل تجربــة مؤسســة ـ‬ ‫أكرث من ‪ 8000‬موظف وعامل‪ ،‬أصبح فيها الذكاء‬ ‫االصطناعــي هــو املديــر العــام‪ ،‬الــذي يكــون متو ـفـرا‬ ‫عــى مــدار ‪ 24‬ســاعة‪ ،‬ومنفتحــا عــى كل العاملــن‬ ‫لإلجابــة عــن أســئلتهم وتقييــم عملهــم‪ ،‬واصفــا‬ ‫التجربــة بالناجحــة بحســب األرقــام‪.‬‬ ‫هــذه التجربــة الصينيــة باتــت ملهمــة بالنســبة‬ ‫إىل املليــاين‪ ،‬مؤكــدا أن طموحــه اليــوم أن يصبــح‬

‫الــذكاء االصطناعــي هــو الــذي يديــر مؤسســته التــي‬ ‫قــال إن العاملــن فيهــا تجاوبــوا مــع تقنيــات الــذكاء‬ ‫االصطناعي‪ ،‬مستبعدا مبدئيا أن يفيض إدماج هذه‬ ‫التكنولوجيات إىل طرد موظفني أو تقليص عددهم‪،‬‬ ‫مبينــا أن النتيجــة بعــد مــرور ‪ 8‬أشــهر عــى اســتخدام‬ ‫“تشات جي‪ .‬بي‪ .‬يت‪ ”.‬تظهر تحسنا مذهال يف املردود‪،‬‬ ‫واســتجابة ســريعة ملــا يو ـفـره الــذكاء االصطناعــي‬ ‫التوليــدي مــن إمكانــات للتطويــر داخــل املؤسســة‪.‬‬ ‫ومن قبعة “رجل األعمال” املطلع عىل محيطه‪،‬‬ ‫حـول التفاعــل‬ ‫شـرات باألرقــام ـ‬ ‫قــال املليــاين إن املؤ ـ‬ ‫مــع املســتجدات التكنولوجيــة صادمــة‪ ،‬كاشــفا أن‬ ‫‪ 80‬يف املئــة مــن الفاعلــن االقتصاديــن واملختصــن‬ ‫واألكاديميــن والباحثــن‪ ،‬ممــن تســتعني بهــم‬ ‫املؤسسات الكربى‪ ،‬يف حالة رفض وتشكيك بربنامج‬ ‫“تشات جي‪ .‬بي‪ .‬يت‪ ،”.‬كأنه يهدد وجودهم‪ ،‬معتربا‬ ‫أن ذلــك يعنــي خســارة املقابلــة حتــى قبــل بدايتهــا‪.‬‬ ‫وأشار إىل أن الـ‪ 20‬يف املئة منهم املتبقني انطلقوا يف‬ ‫اســتخدام الــذكاء االصطناعــي‪ ،‬وإىل أن ‪ 15‬يف املئــة‬ ‫منهــم يســتخدمونه بطريقــة بســيطة مــن دون أي‬ ‫ضـول أو مزيــد مــن االكتشــاف والتعمــق‪ ،‬وإىل أن‬ ‫ف ـ‬ ‫هذه الفئة ال تزال يف طور استخدام النسخة املجانية‬ ‫مــن “تشــات جــي‪ .‬بــي‪ .‬يت‪ .”.‬وبـ ّـن أن البقيــة (‪ 5‬يف‬ ‫املئة) يف صدد االنتفاع بالربمجيات املتطورة للذكاء‬ ‫االصطناعي التوليدي الذي قال أنه يوفر فرصا كبرية‪.‬‬

‫مناخ االستثمار كارثي‬

‫أمــا تجربــة زيــاد تــر‪ ،‬فبعيــدة عــن تفــاؤل املليــاين‪.‬‬ ‫فبالنسبة إليه‪ ،‬أثرت القوانني ومعامالت املصارف‬ ‫شـركات الناشــئة إىل درجــة التهديــد‬ ‫عــى نمــو ال ـ‬ ‫بانهيارهــا‪ ،‬منتقــدا بشــدة الخطــاب الرســمي الــذي‬ ‫يتحدث عن تحفيزات ودعم‪ ،‬ال سيما بعد إصدار‬ ‫القانون املتعلق بالشركات الناشئة‪ .‬يف هذا الصدد‬ ‫قــال تــر لـ“املجلــة” إن منــاخ االســتثمار كاريث وأن‬ ‫السلطات تبيع الوهم لرواد األعمال‪ ،‬وأن النجاح‬ ‫يف تونــس أصبــح يُعتــر اســتثناء‪.‬‬ ‫وكشــف حجــم غيــاب الو عــي بانعكا ســات‬ ‫القوانــن التــي تحــد مــن حركــة األمــوال والع ـمـوالت‬ ‫املصرفيــة املشــروطة التــي ت ـفـرض عــى أيــة تحويــات‬ ‫ضـرب مثــا أن‬ ‫مــن الخــارج‪ ،‬عــى منــاخ األعمــال‪ ،‬و ـ‬ ‫شابا تونسيا قدم خدمة بسيطة قيمتها نحو ‪100‬‬ ‫دوالر‪ ،‬تصلــه إىل حســابه ‪ 250‬دينــارا (‪ 81‬دوالرا)‬

‫‪080_AM.indd 83‬‬


‫علوم وتكنولوجيا‬

‫بعدمــا ـفـرض عليــه املصــرف عمولــة بــ‪ 49‬دينــارا (‪19‬‬ ‫دوالرا)‪ ،‬واعتــر أن هــذا املثــل الصغــر يكشــف علــل‬ ‫املنظومــة املصرفيــة والتشــريعية وغيــاب أي تحفيــز‬ ‫شـركاتها ويف‬ ‫لفئــات وصفهــا باملهمــة والناشــطة ب ـ‬ ‫شركات يف الخارج‪ ،‬قدر عددها بـ‪ 200‬ألف شركة‪.‬‬ ‫أكــر مــن ذلــك‪ ،‬أكــد تــر أن عــددا مــن أصحــاب‬ ‫الشركات الناشئة وجدوا صعوبات وعوائق بسبب‬ ‫املناخ االقتصادي واإلداري ملواصلة النشاط يف تونس‬ ‫أو للمنافســة العامليــة وأن ذلــك دفــع ببعضهــم إىل‬ ‫التخــي عــن مشــاريعهم عــى ـغـرار واحــد مــن أول‬ ‫حـول‬ ‫الحاصلــن عــى عالمــة املؤسســة الناشــئة‪ ،‬ت ـ‬ ‫لالســتثمار يف “مطعــم شــاورما”‪ ،‬عــى الرغــم مــن‬ ‫أنه كان سبّاقا يف تأسيس شركة تكنولوجية ناشئة‬ ‫بعــد مصادقــة الربملــان عــى أول إطــار قا ـنـوين موجــه‬ ‫حصريــا لريــادة األعمــال املبت ـكـرة يف أبريل‪/‬نيســان‬ ‫‪ ،2018‬رافقتــه وعــود بحوافــز ضريبيــة وماليــة‪.‬‬

‫المجلة‬

‫جـرة غــر‬ ‫حـول أزمــة اله ـ‬ ‫ومــع الجــدال الواســع ـ‬ ‫النظامية‪ ،‬تساءل املهندس حافظ العربي يحمدي‬ ‫شـراكة بــن مؤسســات الدولــة‬ ‫عــن ســبب تعطــل ال ـ‬ ‫والجامعــات‪ ،‬مذ ّ ـكـرا بــأن مشــروع البحــث الخــاص‬ ‫للتخرج كمهندس أول‪ ،‬كان مشروعا يعتمد عىل‬ ‫الذكاء االصطناعي ملتابعة ورصد تحرك الجراد من‬ ‫جنوب الصحراء إىل تونس‪ .‬وبني أنه كان مشروعا‬ ‫خـراء وزاريت الفالحــة والد ـفـاع تحــت‬ ‫رائــدا بــن ـ‬ ‫إدارة املعهــد االقليمــي للعلــوم اإلعالميــة واالتصــال‬ ‫شـراف‬ ‫والوحــدة القوميــة للعلــوم اإلعالميــة تحــت إ ـ‬ ‫الربوفســور فــاروق كمــون‪ ،‬وأ نــه تــم ر ســم هــذا‬ ‫املشروع‪ ،‬الذي استخدم فيه الذكاء االصطناعي‪،‬‬ ‫حـركات عــى‬ ‫شـراف املســارات املحتملــة للت ـ‬ ‫الست ـ‬ ‫الخريطــة التونســية بطريقــة ديناميكيــة ومُ ح ّينــة‬ ‫جـراد وإمــكان االنتظــار‬ ‫ملتابعــة التنقــات املحتملــة لل ـ‬ ‫واالســتعداد املبكــر لتوجيــه وحــدات وطا ـئـرات وزارة‬

‫كفاءات وهجرة وفرص ضائعة‬

‫تزخر تونس بكفاءات نوعية يف عالم التكنولوجيات‬ ‫الحديثة‪ ،‬ويذكر التاريخ أن التونيس فاروق كمون‬ ‫يعد من بني مؤسيس أبجديات االنرتنت يف العالم‪.‬‬ ‫سـرته التــي أصبحــت ملهمــة يف تونــس‬ ‫انطلقــت م ـ‬ ‫ألجيــال بحصولــه عــى منحــة ســنة ‪ 1970‬للدراســة‬ ‫يف فرنســا‪ ،‬تزامنــت آ نــذاك مــع بدا يــة تدر يــس‬ ‫علــوم الكومبيو تــر‪ ،‬و مــن فرنســا نحــو جامعــة‬ ‫كاليفورنيــا‪ ،‬حيــث نــال املاجســتري ثــم الدكتــوراه‬ ‫شـراف الربوفســور ليونــارد كليــروك‪ ،‬أحــد‬ ‫تحــت إ ـ‬ ‫اآلباء املؤسسني لشبكة “أربانت” (‪ )Arpanet‬التي‬ ‫أصبحــت انرتنــت فيمــا بعــد‪ .‬طـوّر املهنــدس كمــون‬ ‫مــع أســتاذه بروتو ـكـوالت توجيــه هرميــة للشــبكات‬ ‫الك ـبـرة‪ ،‬و صــار ســريعا بروفســورا ومشــرفا منــذ‬ ‫عقود (‪ 40‬سنة) عىل التأطري والتدريس يف كربيات‬ ‫كليــات الهندســة يف تونــس‪ ،‬ويقــود بحوثــا رائــدة‬ ‫خصوصــا يف مجــال الــذكاء االصطناعــي‪ ،‬شــكلت‬ ‫ط ـفـرة نوعيــة يف فــك معضــات وطنيــة يف مجــاالت‬ ‫عدة عىل غرار الزراعة والتعليم‪ ،‬لترتسخ كمقاربة‬ ‫شـراكة بــن‬ ‫ناجعــة وناجحــة تشــكلت معهــا تقاليــد ـ‬ ‫الجامعــات ومراكــز البحــوث مــن جهــة ومؤسســات‬ ‫وه ـيـاكل الدولــة مــن جهــة أخــرى‪.‬‬ ‫هذه الشراكة برزت بشكل الفت يف املوجة األوىل‬ ‫مــن جائحــة كوفيــد‪ ،19-‬إذ اكتشــف التونســيون‬ ‫والعا لــم مــن خاللهــا ابتــكارات ا ســتعمل فيهــا‬ ‫الــذكاء االصطناعــي مــن روبوتــات اســتعانت بهــا‬ ‫جـراءات الحجــر‬ ‫وزارة الداخليــة يف تتبــع مخالفــي إ ـ‬ ‫الصحــي الشــامل‪ .‬كمــا اســتعانت أج ـهـزة الصحــة‬ ‫العموميــة بروبوتــات تونســية الصنــع لفــرز املشــتبه‬ ‫يف إصابتهــم بفــروس كوفيــد‪ ،19-‬ثــم اســتفادت‬ ‫مــن تصنيــع أج ـهـزة التنفــس االصطناعــي بواســطة‬ ‫الطباعة ثالثية األبعاد عىل أيدي مهندسني وباحثني‬ ‫وبمشــاركة أط ـبـاء‪.‬‬

‫‪06/09/2023 16:41‬‬

‫عادل بن يوسف‬ ‫أستاذ جامعي وخبري تونيس يف‬ ‫الرقمنة والذكاء االصطناعي‬ ‫“تتحمل أجهزة اإلدارة مسؤولية‬ ‫تعطيل االنخراط يف التسونامي‬ ‫الرقمي‪ .‬وهو تأخر سيجعل‬ ‫البالد متخلفة نحو ‪ 30‬إىل ‪40‬‬ ‫سنة إذا بقي الوضع عى حاله”‬ ‫الدفاع ملجابهة هذه اآلفة والقضاء عليها قبل الفتك‬ ‫بالح ـقـول وا ـملـزارع التونســية التــي كانــت مهــددة‪.‬‬ ‫هــذا املشــروع يعــود إىل نهايــة تســعينات القــرن‬ ‫املــايض‪ ،‬وي ـقـول صاحبــه إن املغــزى مــن العــودة إىل‬ ‫بعض التفاصيل هو التذكري بمثل هذه النجاحات‬ ‫التي سجلتها البالد بفضل العقل التونيس‪ ،‬الذي‬ ‫قال إنه كان يعمل ويؤمن بالتكنولوجيات والشراكة‬ ‫بــن الجامعــة ومؤسســات الدولــة وإد ـمـاج الشــباب‬ ‫البتكار حلول تونسية صرفة‪ ،‬داعيا إىل التعويل عىل‬ ‫العقــل والك ـفـاءة التونســيني لتصميــم أنظمــة ذكيــة‬ ‫تجمــع البيانــات وتعالجهــا وترشــد األج ـهـزة لحمايــة‬ ‫حدودنــا بعيــدا مــن اســترياد القوالــب التقليديــة‬ ‫واألنظمة التكنولوجية املتطورة من الخارج‪.‬‬ ‫إال أنــه يبــدو أن التعويــل عــى الخــارج بــات خيــار‬ ‫حكام تونس أو ربما خيارا مفروضا تحكمه إكراهات‬ ‫شروط الهبات الخارجية‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫فمنــذ أشهر‪،‬ا ســتنكر األ ســتاذ خا لــد غد ـيـرة‪،‬‬ ‫الذي تقدمه مؤسسة بيت الحكمة كاألب الروحي‬ ‫للــذكاء االصطنا عــي يف تو نــس‪ ،‬تكليــف أجا نــب‬ ‫سـراتيجيا الوطنيــة للــذكاء االصطناعــي‬ ‫إعــداد اال ـ‬ ‫بتمويل من منظمة أملانية‪ .‬كما أعرب عن استغرابه‬ ‫خـرات والك ـفـاءات التونســية‬ ‫توجيــه الد عــوة لل ـ‬ ‫سـراتيجة بقيــادة‬ ‫للمشــاركة يف صيا غــة هــذه اال ـ‬ ‫أربــع وزارات كمجــرد مراقبــن‪ .‬معلــوم أن تونــس‬ ‫تحتل مراتب متقدمة يف عدد املهندسني املتخرجني‬ ‫ســنويا الذيــن يتــم اســتقطابهم بشــكل متزايــد يف‬ ‫الخارج (قرابة ‪ 40‬ألف مهندس غادروا تونس منذ‬ ‫‪ ،)2015‬واملعلومة الالفتة أيضا التي كشفها عادل‬ ‫بــن يوســف لـ“املجلــة”‪ ،‬أن اململكــة املغربيــة كلفتــه‬ ‫سـراتيجيتها‬ ‫أن يكــون أحــد املشــرفني عــى وضــع ا ـ‬ ‫للــذكاء االصطناعــي‪.‬‬ ‫مــع ذلــك‪ ،‬يتواصــل الضغــط مــن املجتمــع املــدين‬ ‫(جمعيــات مختصــة يف الــذكاء االصطناعــي) ومــن‬ ‫فاعلــن ومختصــن وأكاديميــن وباحثــن لتســريع‬ ‫الخطوات ورفع العراقيل ووضع التمويل يف التكوين‬ ‫والبحث وتغيري املناهج إلدماج الذكاء االصطناعي‪.‬‬ ‫ونظمــت املدرســة القوميــة لــإدارة دورات ملوظفــي‬ ‫حـول اســتعماالت “تشــات جــي‪ .‬بــي‪ .‬يت‪.”.‬‬ ‫الدولــة ـ‬ ‫كما ازدادت يف الدوائر املالية واالقتصادية ورشــات‬ ‫العمــل والنــدوات والــدورات عــن التكنولوجيــات‬ ‫واألنظمــة الحديثــة‪.‬‬ ‫يقول متخصصون إن إدماج الذكاء االصطناعي‬ ‫باألعمــال حتمــي‪ ،‬وإن مفعو لــه يف القطا عــات‬ ‫سيكون مثل مفعول الجائحة‪ ،‬وإن التحدي اليوم‬ ‫هــو كيفيــة اإلفــادة منــه عــر تشــجيع االســتثمارات‬ ‫وتغيري التشريعات وجعلها أكرث مالءمة ومرونة‬ ‫لتشــجيع املشــاريع التــي تعتمــد عــى ا لــذكاء‬ ‫االصطنا عــي و عــى حما يــة األ مــن الســيرباين عــر‬ ‫حســن التنســيق واالنفتــاح املتواصــل عــى ال ـفـرص‬ ‫املتاحــة مــع الجهــات الفاعلــة الرئيســة يف الــذكاء‬ ‫االصطناعــي عــى مســتوى العالــم‪ ،‬حتــى ال ينتهــي‬ ‫الحــال بخســارة الســيادة الوطنيــة‪ ،‬إن توا صــل‬ ‫التخلــف عــن مجــاراة التطــورات الهســتريية التــي‬ ‫شــهدتها تقنيــات وأنظمــة الــذكاء االصطناعــي‪.‬‬ ‫تبقــى “أم املعــارك” اليــوم يف تونــس بواقعهــا‬ ‫الحــايل هــي املخــاوف مــن كيفيــة توظيــف الــذكاء‬ ‫االصطناعي يف أهم محطة انتخابية ستقبل عليها‬ ‫البــاد ســنة ‪ ،2024‬وهــي االنتخابــات الرئاســية‪.‬‬ ‫عــى مكتــب رئيــس الجمهور يــة قيــس ســعيد‬ ‫حـول تحديــات ورهانــات وأخطــار‬ ‫دراســة تفصيليــة ـ‬ ‫الــذكاء االصطناعــي مــن إعــداد معهــد الدراســات‬ ‫االسرتاتيجية‪ ،‬ال أحد يعلم حتى اآلن كيف سيتم‬ ‫التعامل معها‪ ،‬خصوصا أن ملف انتخابات ‪2019‬‬ ‫لم يُفتح ولم ُتكشف كل أسراره‪ ،‬ومنها عىل وجه‬ ‫التحديد الدور الذي لعبته الخوارزميات ووسائل‬ ‫التواصــل االجتماعــي خــال الحملــة االنتخابيــة‪.‬‬

‫‪080_AM.indd 84‬‬


FPC Almajala - Boghossian.pdf

080_AM.indd 85

1

18/01/2023

3:15 PM

06/09/2023 16:41


‫اقتصاد‬

‫المجلة‬

‫‪86‬‬

‫القانــون‬ ‫أفضــل مــن‬ ‫يتصــدى‬ ‫لديكتاتوريــات‬ ‫الخوارزميــات‬ ‫ثالثة اتجاهات عاملية أمريكية‬ ‫وأوروبية وصينية‬ ‫تتبوأ دول الخليج الصدارة‬ ‫بعد اسرائيل يف مؤشر جاهزية‬ ‫الحكومات للذكاء االصطناعي‬ ‫لعام ‪2022‬‬ ‫بريوت ‪ -‬توفيق شنبور‬ ‫رسم ‪ -‬ناش ويراسكريا‬ ‫سـاءل الربوفيســور يف الرياضيــات أالن تورينــغ‬ ‫ت ـ‬ ‫عــام ‪ 1950‬يف مقــال بعنــوان “الحواســيب واآللــة‬ ‫والذكاء” عن إمكان تجهيز اآللة يف يوم من األيام‬ ‫بالقــدرة عــى التفكــر؟‬ ‫بعد ذلك بخمس سنوات‪ ،‬أطلق أستاذ آخر يف‬ ‫الرياضيات‪ ،‬هو جون مكاريث‪ ،‬وللمرة األوىل‪ ،‬تعبري‬ ‫“الــذكاء االصطناعــي” يف ورشــة عمــل متخصصــة‬ ‫مــن دون تحديــد واضــح ملضمونــه‪ .‬وبعدهــا تتالــت‬ ‫التعريفــات العديــدة واملتنوعــة‪ ،‬آخرهــا وأهمهــا‪،‬‬ ‫خـرا‬ ‫التعريــف الــذي اعتمــده الربملــان األوروبــي مؤ ـ‬ ‫بتاريــخ ‪ 14‬يونيو‪/‬حز ـيـران ‪ ،2023‬والــذي حــدد فيــه‬ ‫الــذكاء االصطناعــي بأنــه “نظــام آيل مصمــم للعمــل‬ ‫عــى مســتويات مختلفــة مــن االســتقاللية ويمكنــه‪،‬‬ ‫ألهــداف صريحــة أو ضمنيــة‪ ،‬توليــد نتائــج مثــل‬ ‫التنبــؤات أو التوصيــات أو ال ـقـرارات التــي تؤثــر عــى‬ ‫البيئــات املاديــة أو االفرتاضيــة”‪.‬‬

‫‪06/09/2023 16:45‬‬

‫هتك البيانات والتزييف العميق‬

‫سريعا ما كشف التطور السريع يف الذكاء االصطناعي‬ ‫عــن مخاطــر جســيمة مواكبــة لــه تتــدرج مــن وســائل‬ ‫الدفــع إىل تقليــل عــدد الوظائــف يف املؤسســات التــي‬ ‫تعتمده إىل هتك البيانات الخاصة والتزييف العميق‬ ‫عـرض‬ ‫(‪ )Deepfake‬وتهديــد الديموقراطيــة والت ـ‬ ‫للحيــاة الخاصــة واألمــن وحقــوق اإلنســان و ـغـره‪،‬‬ ‫عىل حد قول مفوضة األمم املتحدة السامية ميشيل‬ ‫باشــيليت‪ .‬وقــد تنتهــي بالتهديــد باالنقضــاض عــى‬ ‫البشــرية وإفنائهــا بأســلحة فتاكــة تعمــل ذاتيــا‪.‬‬ ‫وقــد أشــار الفيزيــايئ الشــهري ســتيفن هوكينــغ‬ ‫يف هــذا الخصــوص إىل أن “تطويــر ذكاء اصطناعــي‬ ‫كامل يمكن أن يضع حدا للبشرية”‪ .‬أيده يف ذلك‬ ‫ســام ألتمان‪ ،‬مبتكر برنامج “تشــات جي‪ .‬بي‪ .‬يت‪”.‬‬ ‫(‪ )ChatGPT‬الــذي دعــا إىل “وضــع إطــار تنظيمــي‬ ‫عاملي عىل غرار اللوائح النووية أو لوائح التكنولوجيا‬

‫الحيويــة”‪ ،‬وأيضــا عــدد مــن االختصاصيــن الذيــن‬ ‫رفعــوا إىل األمــن العــام لألمــم املتحــدة أنطونيــو‬ ‫شـاء “هيئــة رقا بــة دوليــة‬ ‫غوتري يــش اقرتا حــا بإن ـ‬ ‫للــذكاء االصطناعــي” عــى ـغـرار الوكالــة الدوليــة‬ ‫للطاقــة الذريــة‪ .‬وكان مجلــس األمــن قــد أجــرى يف‬ ‫‪ 17‬يوليو‪ /‬تموز املايض أول نقاش حول ملف الذكاء‬ ‫االصطناعــي وتأ ـثـره عــى الســام واألمــن‪.‬‬ ‫كذلــك حــذر رجــل األعمــال إيلــون ماســك مــن‬ ‫التطــور الج ـنـوين يف الــذكاء االصطناعــي مــع انتشــار‬ ‫برنامــج “تشــات جــي‪ .‬بــي‪ .‬يت‪ ”.‬وبلوغــه مرحلــة‬ ‫يستطيع فيها وضع برامجه الخاصة‪ ،‬دون حاجة‬ ‫لإلنسان‪ ،‬بما فيها برامج شن الحرب عىل البشرية‪،‬‬ ‫مشابها يف ذلك أحداث الفيلم الشهري “ترمينايرت”‪،‬‬ ‫حيــث تجــري أحــداث الفيلــم عــام ‪.2029‬‬ ‫وقــد شــاركت شــخصيات عامليــة بتوقيــع رســائل‬ ‫شـرتها منظمــة “فيوتشــر أوف ال يــف”‬ ‫مفتو حــة ن ـ‬

‫‪086_AM.indd 86‬‬


‫‪87‬‬

‫اقتصاد‬

‫المجلة‬

‫يختلف توجه االتحاد األوروبي في إرساء قواعد‬ ‫تنظيم الذكاء االصطناعي عن النموذج األميركي‬ ‫المتساهل الذي تحركه األسواق وعن النموذج‬ ‫الصيني المقيد الذي تقوده الدولة؛ إذ يركز‬ ‫على تعزيز االبتكار مع حماية حقوق المستخدمين‬ ‫االصطناعي‪ ،‬وكان سبق له أن أعلن عام ‪ 2011‬عن‬ ‫اعتمــاد بــاده نظــام “‪ ”Perimetr 15E601‬القــادر‬ ‫عىل الرد نوويا فور اكتشاف إطالق قنبلة ذرية من‬ ‫أي منطقة يف العالم‪ .‬وقد نقلت قناة “فرانس ‪”24‬‬ ‫الخربين األخريين يف مقال عنونته كالتايل‪“:‬الردع‬ ‫النــووي‪ :‬مــن القنبلــة الذريــة إىل القنبلــة الذكيــة”‬ ‫(‪Dissuasion nucléaire:de la bombe A à‬‬ ‫‪.)la bombe IA‬‬

‫قواعد التنظيم والتشريعات‬

‫(‪ ،)Future of Life‬حــذرت فيهــا مــن ا لــدور‬ ‫الخطــر واملتزايــد لألنظمــة واألســلحة والروبوتــات‬ ‫العســكرية ذاتيــة التشــغيل‪ ،‬العاملــة عــى الــذكاء‬ ‫االصطناعــي‪ ،‬مطالبــن املســؤولني باالمت ـنـاع عــن‬ ‫تطو يــر أو تصنيــع أو االتجــار أو ا ســتخدام هــذه‬ ‫األنظمة واألسلحة‪ ،‬وبانضمام دولهم إىل مجموعة‬ ‫الدول التي صوتت لهذا التوجه يف األمم املتحدة‪.‬‬ ‫وشــددوا عــى أن تكــون مكافحــة األخطــار املتعلقــة‬ ‫بالــذكاء االصطناعــي “أولويــة عامليــة كســواها مــن‬ ‫األخطــار األخــرى عــى مســتوى املجتمــع‪ ،‬كاألوبئــة‬ ‫والحــروب النوويــة”‪.‬‬ ‫وكان الرئيس الرويس فالديمري بوتني قد صرح‬ ‫يف ‪ 1‬سبتمرب‪/‬أيلول ‪ 2017‬أمام عدد من طالب بالده‬ ‫بــأن “مــن يتفــوق يف الــذكاء االصطناعــي ســيحكم‬ ‫العالــم”‪ .‬والحقــا يف مــارس‪/‬آذار ‪ ،2018‬كشــف‬ ‫عــن ب ـنـاء غواصــة نوويــة تعمــل كليــا عــى الــذكاء‬

‫‪06/09/2023 16:46‬‬

‫ظـرة التشــاؤمية‪ ،‬يقــدم ا لــذكاء‬ ‫عــى نقيــض الن ـ‬ ‫االصطناعــي بشــكل مســتمر ومضطــرد الكثــر مــن‬ ‫الخد مــات للبشــرية أ ـفـرادا ومؤسســات يف كل‬ ‫مجــاالت الحيــاة مثــل التعلــم والتعليــم والصحــة‬ ‫والبيئة واألمن والنقل واملحاماة والقضاء والعمل‬ ‫املايل واملصريف والصحايف والخدمات العامة وغريها‪.‬‬ ‫بالنســبة لقواعــد تنظيــم الــذكاء االصطناعــي‬ ‫م ّـيـزت أنــو برادفــورد‪ ،‬أســتاذة القانــون يف جامعــة‬ ‫“كـ ــولومبيا” يف كتابهــا املعنــون “املعركــة العـ ــاملية‬ ‫لتنظيـ ــم إمب ــراط ــوري ـ ــات التكن ـ ــولوجيا الرقـ ــمي ــة”‬ ‫(‪Digital Empires:The Global Battle to‬‬ ‫‪ )Regulate Technology‬بني ثالثة اتجاهات عاملية‪:‬‬ ‫األول‪ ،‬تعتمــده الوال يــات املتحــدة وتحر كــه‬ ‫السوق‪ ،‬بالرتكيز عىل االبتكار والتفوق االقتصادي‪،‬‬ ‫أمــا وضــع قواعــد التنظيــم للــذكاء االصطناعــي فهــو‬ ‫جـراء اســتدرايك متأخــر‪ ،‬كمــا حصــل‬ ‫أمــر ثانــوي أو إ ـ‬ ‫بإصدار البيت األبيض “مخطط قانون حقوق الذكاء‬ ‫االصطناعــي” (‪Blueprint for an AI Bill of‬‬ ‫‪ )Rights‬يف أكتوبر‪/‬تشــرين األول ‪.2022‬‬ ‫والثاين‪ ،‬تعتمده الصني ويقوم عىل استخدام‬ ‫الــذكاء االصطناعــي لتعزيــز املراقبــة والربوباغنــدا‬ ‫لتدعيم سيطرة الحزب الشيوعي‪ .‬وقد أدى اكتشاف‬ ‫الذكاء االصطناعي التوليدي (‪ )Generative AI‬إىل‬ ‫ظهور تحد جديد وجدي يصعب التكهن بإمكانية‬ ‫ومدى الصمود أمامه‪ ،‬ما دفع الحكومة الصينية‬ ‫إىل إعداد مشاريع قوانني لتنظيم الذكاء التوليدي‪،‬‬ ‫تحمّ ل املطورين املسؤولية عن املحتوى الذي ينحرف‬ ‫عن قيم الحزب الشيوعي‪.‬‬ ‫أ مــا الثا لــث‪ ،‬فيخطــط لــه االتحــاد األورو بــي‬ ‫ويختلــف عــن النمــوذج األ ـمـريك املتســاهل الــذي‬ ‫تحركه األسواق وعن النموذج الصيني املقيد الذي‬ ‫تقوده الدولة؛ إذ يركز عىل تعزيز االبتكار مع حماية‬

‫حقــوق املســتخدمني واملواطنــن مــن االحتمــاالت‬ ‫الضارة والهدامة لتطورات الذكاء االصطناعي بضبط‬ ‫شـركات التكنولوجيــا وإخضاعــه للقانــون‪.‬‬ ‫نشــاط ـ‬ ‫ويشــكل النهــج األورو بــي ولوائحــه وتنظيما تــه‬ ‫وقوانينــه مصــدر جــذب متزايــد للحكومــات‪ .‬ومنهــم‬ ‫مــن يــرى أن “نهــج بروكســل” ســيقود إىل عوملــة‬ ‫املعايــر األوروبيــة املنظمــة للــذكاء االصطناعــي كمــا‬ ‫النشاط الرقمي‪ .‬من أهم التنظيمات القانونية التي‬ ‫يعتمدهــا النهــج األوروبــي راهنــا‪ :‬النظــام األوروبــي‬ ‫العــام لحمايــة البيانــات وتحويلهــا للخارج‪،‬وقانــون‬ ‫الخدمات واألسواق الرقمية (‪Législations sur‬‬ ‫‪،)les services et les marchés numériques‬‬ ‫خـرا التعديــات املتنوعــة التــي تــم التوافــق عليهــا‬ ‫وأ ـ‬ ‫صـرم يف الربملــان األوروبــي‪.‬‬ ‫يف ‪ 14‬يونيو‪/‬حز ـيـران املن ـ‬ ‫وهــي تعديــات رمــت إىل ترســيخ ف ـكـرة مركزيــة هــي‬ ‫ضمان بقاء أنظمة الذكاء االصطناعي تحت سيطرة‬ ‫اإلنســان وأن تكــون آمنــة وشــفافة ويمكــن تتبعهــا‬ ‫وغري تمييزية وتتضمن تصنيفا دقيقا للمحظورات‬ ‫والتزامــات املورديــن واملســتخدمني‪.‬‬ ‫وقد حددت التعديالت املذكورة أربعة مستويات‬ ‫من األخطار للموردين واملستخدمني‪ :‬الحد األدىن‬ ‫من األخطار أو صفر‪ ،‬األخطار املحدودة‪ ،‬األخطار‬ ‫العاليــة التــي وســعت لتشــمل الضــرر الــذي يلحــق‬ ‫بالصحــة والســامة والحقــوق األساســية والبيئــة‪،‬‬ ‫واألخطــار غــر املقبولــة عــى الســامة الشــخصية‬ ‫وهي ممنوعة منعا باتا‪ .‬وكان هناك اقرتاح بإنشاء‬ ‫هيئــة مســؤولة عــن مكافحــة انتشــار أنظمــة الــذكاء‬ ‫االصطناعــي شــديدة الخطــورة‪.‬‬

‫المسؤولية المدنية الستخدام‬ ‫الذكاء االصطناعي‬

‫كان األوروبيون قد اعتمدوا يف عام ‪ 2020‬نظاما قانونيا‬ ‫للمســؤولية املدنيــة الناجمــة مــن اســتخدام الــذكاء‬ ‫االصطناعيملعالجة اآلثار القانونيةاملتأتية من التعقيد‬ ‫التقني ألنظمته‪ ،‬وتعدد الجهات املعنية بتشغيلها‪،‬‬ ‫وإمكانيــة تســلل الغر ـبـاء إليهــا واخرتاقهــا‪ ،‬وكذلــك‬ ‫صعوبة تتبع املساهمات يف الضرر الحاصل بفعلها‪،‬‬ ‫وقدرتهــا عــى التعلــم الــذايت باســتقاللية‪ ،‬وأهميــة‬ ‫جمــع البيانــات وتخزينهــا ومشــاركتها واســتخدامها‬ ‫بشكل سليم وآمن‪ ،‬وعدم إمكانية إضفاء الشخصية‬ ‫القانونيــة عــى أنظمــة الــذكاء االصطناعــي لتحميلهــا‬ ‫املسؤولية‪ ،‬وغري ذلك من أمور‪ ،‬تمثل كلها تحديات‬

‫‪086_AM.indd 87‬‬


‫اقتصاد‬

‫ك ـبـرة تتطلــب وضــع أطــر قانونيــة خاصــة باملســؤولية‬ ‫القانونيــة املتأتيــة عــن اســتخدام أج ـهـزة وأنظمــة‬ ‫وتطبيقات الذكاء االصطناعي‪.‬‬ ‫والغاية األساسية من ذلك‪ ،‬تمكني األشخاص‬ ‫الذيــن تضــرروا يف أنفســهم أو يف ممتلكاتهــم مــن‬ ‫صـول عــى‬ ‫أدوات ا لــذكاء االصطنا عــي مــن الح ـ‬ ‫التعويض املناسب‪ ،‬عىل أن يتم األمر ضمن توازن‬ ‫يحقــق الحمايــة للمواطنــن مــن جهــة‪ ،‬ويشــجع‬ ‫الشركات من ناحية أخرى عىل االستثمار يف االبتكار‬ ‫يف مجــال الــذكاء االصطناعــي‪.‬‬ ‫والحل الذي اعتمدته املجموعة األوروبية‪ ،‬هو‬ ‫تحميــل املســؤولية املدنيــة لجميــع مشــغيل أنظمــة‬ ‫الذكاء االصطناعي عالية األخطار‪ ،‬يف جميع مراحل‬ ‫إنتاج واستعمال والتحكم بأدوات وأنظمة الذكاء‬ ‫االصطناعي‪ ،‬وهؤالء هم‪:‬‬ ‫املسؤولون عن سالمة املنتج‪ ،‬ويشمل املصنعني‬ ‫والـمـ ـطـ ــوري ــن والـمـ ـبـ ــرمجي ـ ــن وم ـق ــدمي الـ ـخ ــدم ــات‬ ‫ومشغيل املنبع‪.‬‬ ‫املســؤولون عــن التشــغيل األمامــي و ـهـؤالء هــم‬ ‫عمومــا أول نقطــة اتصــال مرئيــة للطــرف املتضــرر‪.‬‬ ‫أطراف خارجية تسللت إىل النظام وتصرفت من‬ ‫خالله بأعمال ألحقت الضرر باملعنيني به‪.‬‬ ‫بالنســبة إىل أدوات الــذكاء االصطناعــي عاليــة‬ ‫األخطــار‪ ،‬والتــي تنفــذ عمليــات عــدة باســتقاللية‬ ‫ذاتيــة‪ ،‬يرتكــز املبــدأ عــى أن تكــون املســؤولية صارمــة‬ ‫ضـرار الناجمــة عــن نشــاطاتها‪ ،‬وال يمكــن‬ ‫عــن األ ـ‬ ‫ملشغليها إعفاء أنفسهم من املسؤولية ادعاء منهم‬ ‫بأنهم تصرفوا بالعناية املطلوبة‪ ،‬إال إذا كانت األضرار‬ ‫ناجمــة عــن حالــة القــوة القا ـهـرة‪ .‬وعــى مشــغيل‬ ‫الواجهة األمامية لهذه األدوات أن يضمنوا أن يكون‬ ‫مجز ضد األخطار‪.‬‬ ‫تشغيلها مشموال بتأمني إجباري‬ ‫ٍ‬

‫المسؤولية الجزائية‬

‫تتضمــن ـقـرارات املجمو عــة األوروبيــة عــددا مــن‬ ‫التوصيــات يف إ طــار املســؤولية الجزائيــة أهمهــا‬ ‫ضــرورة التــايل‪:‬‬ ‫شـرطة والســلطات القضائيــة تطبيقــات‬ ‫اعتمــاد ال ـ‬ ‫تستخدم بطريقة قانونية وعادلة وشفافة وألغراض‬ ‫محــددة وصريحــة ومشــروعة مــن دون إ ـفـراط وال‬ ‫طـول مــن الــازم‪.‬‬ ‫يحتفــظ بهــا ل ـفـرة أ ـ‬ ‫وجود رقابة ديموقراطية صارمة عىل أي تكنولوجيا‬ ‫قائمة عىل الذكاء االصطناعي تستخدمها السلطات‬ ‫املولجــة بإنفــاذ القانــون‪ ،‬والســلطات القضائيــة‪،‬‬ ‫حـرم مبــادئ‬ ‫وحظــر اســتخدام التطبيقــات التــي ال ت ـ‬ ‫الضرورة والتناسب وحق الدفاع املشروع‪.‬‬ ‫ترتيــب املســؤولية الجزائيــة يف نهايــة املطــاف عــى‬ ‫عاتــق شــخص طبيعــي أو اعتبــاري ذي دور أســايس‬ ‫يف حصول الضرر من استخدام الذكاء االصطناعي‪.‬‬ ‫ضمــان الشــفافية اال ســتباقية الكاملــة بشــأن‬ ‫شـركات ا ملــوردة ألنظمــة ا لــذكاء االصطنا عــي‬ ‫ال ـ‬

‫‪06/09/2023 16:46‬‬

‫المجلة‬

‫ألغراض إنفاذ القانون واألغراض القضائية‪ ،‬ومنها‬ ‫اعتماد إجراءات املشرتيات العامة املناسبة ألنظمة‬ ‫جـراء تقييمــات دوريــة عــى‬ ‫الــذكاء االصطناعــي وإ ـ‬ ‫التطبيقات املتعلقة بالحقوق األساسية للمواطنني‬ ‫بمشــاركة املجتمــع املــدين‪.‬‬ ‫وا ضــح ممــا ســبق أن القا نــون يف االتحــاد‬ ‫األورو بــي يتبــوأ موقعــا مم ـيـزا يف العال قــة مــع‬ ‫الــذكاء االصطناعــي‪ .‬فهــو الوحيــد الــذي أثبــت أنــه‬ ‫مؤهــل للوقــوف والتصــدي بفاعليــة للديكتاتوريــة‬ ‫الصاعدة للخوارزميات‪ ،‬بحسب تعبري بوريس بارود‬ ‫املتخصص يف األمور القانونية التي تثريها معالجة‬ ‫قواعد البيانات‪ ،‬وذلك سندا لقاعدة “مونتسكيو”‬ ‫الذهبية القائلة بضرورة أن يواجه سوء استخدام‬ ‫أي ســلطة بســلطة مقابلــة تمنــع االنحرافــات!‬

‫يعود تقدم دول الخليج في‬ ‫مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء‬ ‫االصطناعي ‪ ،2022‬إلى رغبة‬ ‫الحكومات والقطاعات الخاصة‬ ‫باعتماد التكنولوجيا لتحفيز‬ ‫االقتصاد ولحاجات أمنية‬ ‫القوانين في الشرق األوسط‬

‫فـ ــي من ـط ـ ـقـ ــة الـ ـش ـ ـ ــرق األوسـ ــط‪ ،‬ي ـش ـ ــر م ــؤش ـ ـ ـ ــر‬ ‫جاهزية الحكومة للذكاء االصطناعي لعام ‪2022‬‬ ‫(‪)Government AI Readiness Index 2022‬‬ ‫الذي طورته مؤسسة “أوكسفورد إنسايتس” إىل‬ ‫تبوؤ دول الخليج الصدارة بعد إسرائيل (‪،)70,12‬‬ ‫ثم اإلمارات (‪ ،)68,54‬قطر (‪ ،)62,37‬الســعودية‬ ‫(‪ ،)61,96‬ثم عمان (‪ ،)57,83‬الب ـ ــحرين (‪،)53,59‬‬ ‫األردن (‪ ،)51,76‬مصر (‪ ،)49,42‬الك ـ ــويت (‪،)47,68‬‬ ‫تونس (‪ ،)46,81‬لبــنان (‪ ،)45,72‬ث ــم إيران (‪.)45,30‬‬ ‫مــرد هــذا التقــدم يف املؤشــر‪ ،‬رغبــة الحكومــات‬ ‫والقطاعات الخاصة يف دول الخليج باعتماد الذكاء‬ ‫االصطناعــي‪ ،‬بنســب متفاوتــة‪ ،‬لتحفيــز االقتصــاد‬ ‫وتنويعــه لتقليــل االعتمــاد عــى النفــط ولحاجــات‬ ‫أمنية وخدماتية عامة وخاصة‪ .‬وقد وضعت لذلك‬ ‫اسرتاتيجيات متمايزة للذكاء االصطناعي من دون‬ ‫صياغة تشريعات محددة تضبط مسؤولية مخاطره‬ ‫وكذلك استخدامه بطريقة قانونية وأخالقية‪.‬‬ ‫سـراتيجية اإل مــارات العربيــة‬ ‫و قــد تضمنــت ا ـ‬ ‫املتحــدة‪ ،‬التــي أطلقــت ضمــن ﻣﺌﻮﻳﺔ اﻹﻣﺎرات‬ ‫شـاء وزارة للــذكاء االصطناعــي وأيضــا‬ ‫‪ ،2071‬إن ـ‬ ‫تأســيس مجلــس للــذكاء االصطناعــي مــن نخبــة‬ ‫ﻣـﻦ اﻟﺒـﺎﺣﺜﻦﻴ واملبتكريــن مــن أفضــل الجامعــات‬ ‫جـراء‬ ‫واملؤسســات العامليــة يف هــذا املجــال‪ ،‬ليقــوم بإ ـ‬ ‫مراجعــة للمنهجيــات الوطنيــة املتعلقــة بمســائل‬ ‫كاألمــن اإللكــروين وإدارة البيانــات واألخالقيــات‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫وحتى اآلن ال توجد قواعد قانونية خاصة بحوكمة‬ ‫الذكاء االصطناعي يف اإلمارات بل مبادئ توجيهية‬ ‫كاإلرشادات األخالقية الستخدامه يف إمارة دبي‪ ،‬إىل‬ ‫جانــب أحــكام متفرقــة وردت يف كثــر مــن القوانــن‬ ‫مثل أحكام حماية الخصوصية والبيانات الشخصية‬ ‫وقانون حماية املستهلك‪،‬وقانون املعامالت املدنية‬ ‫وقانــون العقوبــات وغريهــا مــن القوانــن‪.‬‬ ‫نحت اململكة العربية السعودية يف اسرتاتيجيتها‬ ‫نحــو تأســيس الهيئــة الســعودية للبيانــات والــذكاء‬ ‫االصطناعــي “ســدايا” لتكــون مســؤولة عــن وضــع‬ ‫التشــريعات‪ .‬فتــم وضــع “نظــام حمايــة البيانــات‬ ‫الشخصية” الذي تضمن يف مواده األوىل أن تطبيقه‬ ‫ال يخــل بمــا للهيئــة الوطنيــة لألمــن الســيرباين مــن‬ ‫اختصاصات ومهمات بوصفها جهة أمنية مختصة‬ ‫باألمن السيرباين‪ .‬وتخطط اململكة الستخدام الذكاء‬ ‫طـاع العــام‪ ،‬وتحديــدا يف مجــال‬ ‫االصطناعــي يف الق ـ‬ ‫املدن الذكية كمدينة “نيوم” التي ستتضمن الكثري‬ ‫مــن الخدمــات العاملــة بالــذكاء االصطناعــي أُعــدّ ت‬ ‫شـركة “هواوي”‪.‬‬ ‫برامجها بالتعاون مع ـ‬ ‫وقــد تعــززت جهــود اإلمــارات لالرت ـقـاء يف مجــال‬ ‫شـاء أول مدينــة‬ ‫الــذكاء االصطناعــي مــن خــال إن ـ‬ ‫ذﻛﻴﺔ متكاملــة‪“ ،‬ســيليكون ﺑﺎرك” بتكلفــة ‪300‬‬ ‫ﻣﻠﻴـﻮن دوﻻر‪ ،‬إلتمــام اﻟﺘﺤﻮل الــذيك ﻟﻠﺨدمــات‬ ‫شـركة “ســنس‬ ‫الحكوميــة‪ ،‬كمــا ومــن خــال اتفــاق ـ‬ ‫تايــم” الرائــدة عامليــا يف مجــال الــذكاء االصطناعــي‬ ‫شـاء مركــز يف‬ ‫ومكتــب أبــو ظبــي لالســتثمار عــى إن ـ‬ ‫أبوظبي لبحث وتطوير قدرات الذكاء االصطناعي‬ ‫يف ســبع صناعــات مختلفــة‪ ،‬تغطــي منطقــة أوروبــا‬ ‫والشــرق األوســط وأفريقيــا‪ ،‬ممــا يســاهم يف تنويــع‬ ‫االقتصاد الوطني وجعله أكرث تنافسية ويوفر بيئة‬ ‫مزد ـهـرة للمواهــب يف الوظائــف التقنيــة املتنوعــة‪.‬‬ ‫وعــى نهــج الســعودية‪ ،‬تركــز قطــر عــى أمــن‬ ‫ضـوع الــذكاء االصطناعــي‪ ،‬ويظهــر‬ ‫البيانــات يف مو ـ‬ ‫ذلك من القانون رقم ‪ 13‬الخاص بحماية خصوصية‬ ‫البيا نــات الشــخصية‪ ،‬إذ يتنــاول حقــوق األ ـفـراد‬ ‫والتزامــات املراقــب واملعالــج وحكــم البيانــات ذات‬ ‫الطبيعــة الخاصــة‪ ،‬وأيضــا االتصــاالت اإللكرتونيــة‬ ‫لغرض التسويق املباشر وعقوبات املخالفات ألحكام‬ ‫القانــون‪ .‬وقــد تــم االعتمــاد عــى الــذكاء االصطناعــي‬ ‫بنجاح يف عمليات التنظيم واملراقبة خالل مباريات‬ ‫صـرم‪.‬‬ ‫بطولــة كأس العالــم ل ـكـرة القــدم العــام املن ـ‬ ‫خـرا‪ ،‬ال يوجــد يف ســلطنة عمــان تشــريعات‬ ‫أ ـ‬ ‫متكاملة بعد‪ ،‬وهي تعتمد مبادئ توجيهية خاصة‬ ‫طـاع العــام‪،‬‬ ‫باســتخدام الــذكاء االصطناعــي يف الق ـ‬ ‫وتتضمــن ســتة مبــادئ رئيســة‪ ،‬هــي‪ :‬الشــمولية‪،‬‬ ‫سـاءلة‪ ،‬واإلنصــاف‪ ،‬والشــفافية‪،‬‬ ‫واملراعــاة‪ ،‬وامل ـ‬ ‫واألمن‪ُ .‬‬ ‫وتطوِّر ُعمان حاليا مدينتها الذكية األوىل‪،‬‬ ‫مدينــة “العرفــان” عــى أن تنتقــل الحقــا لتحويــل‬ ‫مناطــق أخــرى إىل مناطــق ذكيــة‪ ،‬كمنطقــة الدقــم‬ ‫ورأس الح ـمـراء يف مســقط‪.‬‬

‫‪086_AM.indd 88‬‬

‫‪o‬‬


FPC Almajalla - OZEN.pdf

1

24/08/2023

10:36 AM

REFINED ELEGANCE

theozencollection.com

086_AM.indd 89

Part of THE OZEN COLLECTION

@ ozenlifemaadhoo

06/09/2023 16:46


‫سياسة‬

‫‪06/09/2023 16:49‬‬

‫المجلة‬

‫‪90‬‬

‫‪090_AM.indd 90‬‬


‫‪91‬‬

‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫عـرب يف‬ ‫ال ـ‬ ‫"لحظــة ‪"1492‬‬ ‫أمام قارة الذكاء االصطناعي‬ ‫لندن ‪ -‬حسام عيتاين‬ ‫رسم ‪ -‬نسمة محرم‬ ‫بلغت سفينة العرب شاطئا جديدا غامضا‪ .‬بالنسبة إلينا‪ ،‬تشبه‬ ‫صـول‬ ‫اللحظــة هــذه‪“ ،‬لحظــة ‪ ”1492‬التــي عاشــها العالــم عنــد و ـ‬ ‫كريســتوفر كولومبــوس شــاطئ القــارة االمريكيــة‪ .‬إعتقــد البحــار‬ ‫غـرب‪.‬‬ ‫االيطــايل إنــه حقــق حلمــه باالتجــاه إىل الهنــد مــن طريــق ال ـ‬ ‫لــم يعــرف كولومبــوس‪ ،‬ومعــه العالــم القديــم‪ ،‬أن اكتشــافه‬ ‫سيتجاوز يف أهميته كل ما كانت ستفتحه طريق تجارية جديدة‬ ‫مــع الهنــد‪ .‬لــم يجــد العالــم مــا ُيســمي اكتشــاف كولومبــوس غــر‬ ‫“العالــم الجديــد” بعدمــا أدرك أن الشــواطئ الخالبــة التــي رســت‬ ‫عليهــا ســفن “ســانتا ماريــا” و“نينــا” و“بينتــا” هــي مدخــل إىل عالــم‬ ‫زاخــر بالشــعوب ذات الحضــارات القديمــة وتلــك التــي كانــت ال‬ ‫ـتـزال يف األدغــال‪ .‬عالــم مــيء بالــروات وال ـفـرص واملحــن ســتفتح‬ ‫كلهــا فصــا يغــر املغا ـمـرة البشــرية عــى نحــو لــم يســبق لــه مثيــل‪.‬‬ ‫هكــذا نحــن‪ .‬أمــام شــواطئ قــارة الــذكاء االصطناعــي الهائلــة‪،‬‬ ‫صـول إىل القــارة هــذه محــدودة‪ ،‬بيــد أن‬ ‫مســاهمتنا التقنيــة يف الو ـ‬ ‫تأثرنــا بهــا غــر معــروف الحــدود‪ .‬هنــاك مــن العل ـمـاء مَ ــن ي ـقـول‬ ‫إن ل ـقـاء األوروبيــن الوافديــن إىل “العالــم الجديــد” بعــد رحــات‬ ‫كولومبــوس مــع الســكان األصليــن‪ ،‬أعــاد اللحمــة إىل فرعــن مــن‬ ‫شـرة آالف‬ ‫اإلنســانية انفصــا‪ ،‬أحدهمــا عــن اآلخــر‪ ،‬أكــر مــن ع ـ‬ ‫ســنة‪ ،‬أي منــذ هاجــر أجــداد مَ ــن أطلــق عليهــم األوروبيــون إســم‬ ‫“الهنــود الحمــر” إىل القــارة األمريكيــة عــر الطريــق الشــمايل الــذي‬ ‫كان متجمــدا وســالكا يف العصــر الجليــدي األخــر‪ .‬فهــل يلتقــي‬ ‫االنســان الحديث بصنوه وندّ ه املتمثل يف “الذكاء االصطناعي”؟‬ ‫وهل سيسفر اللقاء عن تدمري أحد الطرفني لآلخر عىل نحو ما‬ ‫فعــل األوروبيــون بشــعوب “العالــم الجديــد”؟‬

‫‪06/09/2023 16:50‬‬

‫‪090_AM.indd 91‬‬


‫سياسة‬

‫‪92‬‬

‫المجلة‬

‫إن املجتمعات العربية ال تزال شديدة التأثر باملايض والتاريخ والهويات‬ ‫يف مختلف أشكالها بما فيها الهوية الدينية وتلك ساحات ستشهد‬ ‫معارك حامية يف فضاء الذكاء االصطناعي‬

‫قياس المستقبل على الماضي‬

‫قياس التأثريات التي سيحملها الذكاء االصطناعي إىل املجتمعات‬ ‫العربيــة ي ـفـرض النظــر إىل الخصوصيــات وإىل التجــارب الســابقة‬ ‫القريبة ونتائجها التي تختلف يف شأنها اآلراء والتقييمات‪.‬‬ ‫افتقارنا إىل القدرة عىل استشراف املستقبل استشرافا علميا‪،‬‬ ‫يجعلنا نميل إىل استخدام األدوات التي بني أيدينا مثل القياس‬ ‫املنطقي واملقارنة واالستنباط‪.‬‬ ‫ال بــد هنــا مــن التنبيــه إىل جملــة مــن املســائل املهمــة املتعلقــة‬ ‫بالذكاء االصطناعي والعرب‪ ،‬منها أن املجتمعات العربية ال تزال‬ ‫شديدة التأثر باملايض والتاريخ والهويات يف مختلف أشكالها بما‬ ‫فيها الهوية الدينية‪ ،‬وأن ساحة املايض والهوية ستكون من تلك‬ ‫التي ستشهد معارك حامية الوطيس يف فضاء الذكاء االصطناعي‪.‬‬ ‫من املسائل املهمة أيضا‪ ،‬أن املجتمعات العربية ال تزال يف طور‬ ‫التشكل والتطور‪ ،‬وأن مستوى “السيولة” أو “امليوعة” (باملعنى‬ ‫الذي قصده الفيلسوف البولندي – الربيطاين زيغمونت بومان)‬ ‫مرتفع‪ ،‬حيث تزيد قابلية االنتقال االجتماعي لألفراد والجماعات‬ ‫مــن موقــع إىل آخــر‪ ،‬وتتغــر بالتــايل الصــورة اإلجماليــة للمجتمــع‬ ‫ولتعبرياتــه السياســية واالقتصاديــة والثقافيــة‪ ،‬كشــكل الدولــة‬ ‫والفئــة التــي تســيطر عــى الســلطة وعــى وســائل اإلعــام وعــى‬ ‫القطاعــات االقتصاديــة املربحــة‪.‬‬ ‫هذه املقدمة تفرض علينا األخذ يف االعتبار تجربتني من املايض‬ ‫القريب‪ ،‬هما دخول األقنية الفضائية إىل املشهد اإلعالمي واألثر‬ ‫الــذي خلفتــه عــى املجتمعــات العربيــة و“ثــورة املعلوماتيــة” التــي‬ ‫تشمل‪ ،‬بني مكوّنات أخرى‪ ،‬منصات التواصل االجتماعي الشهرية‬ ‫التــي تتقــدم اآلن أدوات التعبــر لــدى األجيــال العربيــة الشــابة‬ ‫وتؤدي دورا تصعب اإلحاطة بتداعياته عىل املستقبل القريب‪.‬‬

‫الفضائيات و”السوشال ميديا”‬

‫قبل الحديث عما شهدته املجتمعات العربية يف العقود القليلة‬ ‫جـزات‬ ‫املاضيــة‪ ،‬يجــدر التذكــر بــأن آثــار االحتــكاكات الســابقة بمن ـ‬ ‫التكنولوجيا الحديثة كانت لها تبعات عميقة‪ .‬فمنذ ظهور األسلحة‬ ‫حـرك البخــاري‪،‬‬ ‫الناريــة مــن بنــادق ومدافــع ثــم مجــيء املطابــع وامل ـ‬ ‫ضـوح‪ .‬ليــس‬ ‫كانــت امل ـيـزات الهائلــة الســتخدام اآلالت شــديدة الو ـ‬ ‫سـاح النــاري‬ ‫فقــط يف توفريهــا الغلبــة العســكرية – يف حــاالت ال ـ‬ ‫– بــل أيضــا يف رفعهــا مســتوى اإلنتاجيــة واملــردود والفاعليــة يف‬ ‫مجاالت االقتصاد كافة‪ .‬ولم تتأخر أن أطلت النتائج االجتماعية‬ ‫برأسها‪ ،‬كربوز التقسيم االجتماعي للعمل وتوزع فئات السكان‬ ‫عــى وســائل العمــل الجديــدة‪.‬‬

‫‪06/09/2023 16:50‬‬

‫غني عن البيان أن واحدة من الفئات التي استفادت أكرث من‬ ‫غريها من اآلالت الحديثة يف املجتمعات العربية‪ ،‬هي فئة الجنود‬ ‫التي وظفت السالح وأشكال التنظيم الضرورية الستخدامه‪ ،‬يف‬ ‫اعتالء مراتب السلطة يف العديد من الدول العربية‪.‬‬ ‫عىل نحو أقل صخبا لكن أكرث عمقا‪ ،‬جاءت القنوات الفضائية‬ ‫العربية يف أوائل تسعينات القرن املايض‪ .‬كانت التغطية املباشرة‬ ‫التي وفرتها شبكة “يس ان ان” للغزو العراقي للكويت ثم لحرب‬ ‫تحرير الكويت ونقل صور القصف الغربي للمواقع العراقية يف‬ ‫اللحظة ذاتها التي يجري فيها‪ ،‬أشد تأثريا بأشواط من البث املباشر‬ ‫الــذي رافــق أحداثــا دوليــة ك ـبـرة ســابقة مثــل هبــوط اإلنســان عــى‬ ‫سطح القمر‪ .‬كان الواقع‪ ،‬بكل ما فيه من قسوة وإبهار‪ ،‬يدخل‬ ‫إىل البيوت ويفرض نفسه جزءا من املناخ العائيل واالجتماعي‪.‬‬ ‫بعد سنوات قليلة بدأت القنوات العربية الفضائية بالظهور‬ ‫أو بتعميــم أثرهــا‪ .‬املحتــوى الرتفيهــي لــم يقــل أهميــة عــن ذلــك‬ ‫اإلخبــاري أو الســيايس‪ .‬وليــس مــن املبالغــة ال ـقـول إن العديــد مــن‬ ‫األفــكار التــي مــا زالــت شــائعة إىل اليــوم‪ ،‬تعــود آثارهــا إىل املرحلــة‬ ‫التــي ظ ـهـرت فيهــا القنــوات الفضائيــة العربيــة‪.‬‬ ‫عـرب أن هنــاك حيــاة صاخبــة تجــري يف‬ ‫فجــأة‪ ،‬اكتشــف ال ـ‬ ‫بعــض بلدانهــم‪ .‬أو أن مســتوى التحــرر االجتماعــي ليــس واحــدا‬ ‫يف كل نواحيهــم‪ .‬لكنهــم اكتشــفوا أيضــا أنهــم قــادرون عــى فهــم‬ ‫بعضهــم بعضــا‪ ،‬باالســتعانة بلغــة معياريــة عربيــة حديثــة تعلــو‬ ‫فوق انقسامات اللهجات املحلية‪ ،‬مما جعل القنوات اإلخبارية‬ ‫تنتشــر انتشــارا واســعا‪ ،‬خصوصــا إذا حملــت ســردية سياســية‬ ‫تختلف عن تلك التي تروجها وسائل اإلعالم الرسمية التقليدية‪.‬‬ ‫أحــداث‪ ،‬مثــل االنتفاضــة الفلســطينية الثانيــة أو هجمــات ‪11‬‬ ‫سبتمرب‪/‬أيلول ‪ 2001‬أو الغزو االمرييك للعراق يف ‪ ،2003‬قدمت‬ ‫شــعورا بالوحــدة أمــام األحــداث الكــرى يف العالــم العربــي‪.‬‬ ‫بعــد ســنوات قليلــة بــدأت منصــات التواصــل االجتماعــي أو‬ ‫ضـاء تــداول القضايــا‬ ‫“السوشــال ميديــا” يف بســط هيمنتهــا عــى ف ـ‬ ‫املحلية والعربية العامة‪ .‬حدثت موجة من االنتقال إىل “الفيسبوك”‬ ‫ثم “تويرت” و“انستغرام” وغريها‪ ،‬حيث تصور الناس أنها تتخطى‬ ‫الحــدود وتتيــح للفــرد التعبــر عــن أكــر آرائــه جموحــا وغرابــة مــن‬ ‫دون أن يناله عقاب السلطات االجتماعية كالعائلة أو السياسية‬ ‫كاألج ـهـزة األمنيــة‪ ،‬قبــل أن تتضــح حــدود هــذه القــدرة‪.‬‬ ‫لــم يغــب عــن الذا ـكـرة بعــد االســتخدام الواســع النطــاق الــذي‬ ‫شهدته “السوشال ميديا” أثناء ثورات “الربيع العربي” وأداؤها‬ ‫حـرض وناشــر الخــر واملعلومــة للجماهــر‬ ‫دور املنظــم واملحفــز وامل ـ‬ ‫يف الســاحات واملياديــن‪ .‬قبــل أن تتعــدد االســتخدامات لتصبــح يف‬

‫‪1991‬‬

‫إطالق أول قناة‬ ‫فضائية عربية ‪mbc‬‬

‫‪1991‬‬

‫الكويت أول دولة‬ ‫عربية تتصل‬ ‫بشبكة االنترنت‬

‫‪2000‬‬

‫نقلت الفضائيات‬ ‫أحداث االنتفاضة‬ ‫الفلسطينية الثانية‬

‫‪2001‬‬

‫بثت الفضائيات‬ ‫هجمات ‪ 11‬سبتمبر‬

‫‪2003‬‬

‫إطالق قناة العربية‬

‫‪2003‬‬

‫نقلت الفضائيات‬ ‫الغزو األميركي‬ ‫للعراق‬

‫‪2003‬‬

‫إطالق منصة‬ ‫لينكد إن للتواصل‬ ‫االجتماعي‪ ،‬أولى‬ ‫المنصات التي‬ ‫انتشرت عالميا‬

‫‪2011‬‬

‫ساهمت وسائل‬ ‫التواصل االجتماعي‬ ‫في تحفيز‬ ‫وتحريض جماهير‬ ‫"الربيع العربي"‬

‫‪090_AM.indd 92‬‬


‫المجلة‬

‫‪93‬‬

‫متنــاول الســلطات والقــوى السياســية ذات األجنــدات املختلفــة‪،‬‬ ‫واملجموعات اإلرهابية التي نشطت يف تجنيد آالف الشبان للقتال‬ ‫تحــت رايــات التطــرف والغلــو واملشــاريع العدميــة‪.‬‬ ‫أثــر الفضائيــات والسوشــال ميديــا عــى املجتمعــات العربيــة ال‬ ‫ـيـزال موضــع دراســة وتفكــر يف دوائــر محــدودة ولــم يظهــر حكــم‬ ‫جــازم يف مــا تركتــه وترتكــه مــن أثــر عــى فئــات واســعة مــن الســكان‬ ‫ضـرار أو مــا أنتجتــه مــن فوائــد‪ .‬بيــد أن هــذا‬ ‫وال مــا تســببت بــه مــن أ ـ‬ ‫ال ينفــي حضورهــا الطاغــي يف الحاضــر العربــي‪.‬‬ ‫لقــد شــكل هــذان الوســيطان‪ ،‬الفضائيــات والسوشــال ميديــا‪،‬‬ ‫ح ّيــز الل ـقـاء بــن ســيولة املجتمعــات العربيــة وتعددهــا الوطنــي‬ ‫والثقــايف والهويــايت‪ ،‬وبــن مشــاريع تتبنــى وحــدة الســرديات أو‬ ‫“الخطابــات” السياســية‪ .‬الل ـقـاء انقلــب صراعــا يتقــدم فيــه مَ ــن‬ ‫يحــوز التفــوق التقنــي والقــدرة عــى إ ـبـراز مشــروعه‪ .‬والنتيجــة‬ ‫واضحــة اليــوم‪.‬‬

‫الذكاء االصطناعي‬

‫يصــف الكاتــب اال ـمـريك إســحق عظيمــوف‪ ،‬وهــو مــن مؤســي‬ ‫أدب الخيال العلمي و“عامله” إذا صح التعبري‪ ،‬لقاء مفرتضا بني‬ ‫كائنني‪ .‬األول بشري مكوّن من الذرات والجزيئات العادية حيث‬ ‫يحمل الربوتون شحنة إيجابية وااللكرتون شحنة سلبية‪ ،‬وآخر‬ ‫مــن عالــم مــواز يتكـوّن مــن “املــادة املضــادة” التــي ال ـتـزال موضــع‬ ‫نقــاش علمــي وحيــث يحمــل الربوتــون شــحنة ســلبية وااللكــرون‬ ‫واحدة إيجابية‪ ،‬عىل ما تقول النظرية حول املادة املضادة‪ .‬يقول‬ ‫عظيموف‪ ،‬ما أن يمد املخلوقان أيديهما ليصافح أحدهما اآلخر‬ ‫حتى يقع انفجار نووي يدمرهما ويمحو كل ما يحيط بهما‪ .‬ذلك‬

‫شكلت الفضائيات والسوشال ميديا‬ ‫ح ّيز اللقاء بني سيولة املجتمعات العربية‬ ‫وبني مشاريع تتبنى وحدة السرديات‬ ‫أو الخطابات السياسية‬ ‫‪06/09/2023 16:50‬‬

‫سياسة‬

‫أن اجتماع املادتني‪ ،‬العادية واملضادة‪ ،‬سينجم عنه تفاعل نووي‬ ‫فوري بني الجزيئات ذات الشحنات املتناقضة‪.‬‬ ‫بعض العاملني يف مجال الذكاء االصطناعي وصل به التشاؤم‬ ‫حد التأكيد أن االمر قد قيض وأن ظهور هذا الذكاء يعني نهاية‬ ‫البشــرية مــن دون أي تــردد‪ .‬يشء يشــبه تفاعــل املادتــن العاديــة‬ ‫واملضــادة‪ .‬فالــذكاء االصطناعــي‪ ،‬عندمــا يســتكمل اســتقالله عــن‬ ‫البشر‪ ،‬ستكون له برامجه ورؤيته وقيمه وتعريفه الخاص للخري‬ ‫والشــر ومــا يصلــح ومــا ال يصلــح للعالــم الــذي يعيــش فيــه‪ ،‬كمــا‬ ‫ســتكون لديــه همومــه وهواجســه ومخاوفــه‪ ،‬وهــي أمــور ال شــك‬ ‫يف أنهــا ســتختلف جذريــا عــن رؤى البشــر وقيمهــم وتعريفاتهــم‪.‬‬ ‫ليــس معروفــا مــا إذا كان الــذكاء االصطناعــي ســيقبل بنــا يف عاملــه‬ ‫وستتسع اهتماماته للبشر‪ .‬يضاف إىل ذلك‪ ،‬أن درجة “الذكاء”‬ ‫التي سيصل إليها ال تزال غري معروفة وليس من السهل تصورها‬ ‫أو حصر الدوائر التي ستشتغل فيها‪.‬‬ ‫وكمــا تقــدم‪ ،‬تلعــب الهويــة واملــايض والتاريــخ أدوارا محوريــة‬ ‫ضـاء مفتوحــا‬ ‫يف الحيــاة العربيــة‪ .‬وســيكون الــذكاء االصطناعــي ف ـ‬ ‫الســتخراج كل مــا يمكــن ومــا ال يمكــن (حاليــا عــى األقــل) تصــوره‬ ‫من استنتاجات ومعلومات‪ ،‬صحيحة ومغلوطة‪ ،‬دقيقة وزائفة‪،‬‬ ‫مفتعلة وأصيلة‪ ،‬حول الدين والتاريخ واملايض والجغرافيا وأصول‬ ‫الشعوب والتكوينات القبلية والجهوية والطائفية‪.‬‬ ‫سيكون النظر يف املزيج الهجني من املعلومات التي سيسكبها‬ ‫ضـاء التــداول‬ ‫الــذكاء االصطناعــي واملفاهيــم التــي ســيدخلها إىل ف ـ‬ ‫العام املزود الرسوم ومقاطع الفيديو املصورة واألصوات املركبة‬ ‫آليا‪ ،‬مهمة شديدة الصعوبة عىل نحو يهدد بفوىض هائلة إذا لم‬ ‫حـول حقــوق‬ ‫يجــر تبنــي أطــر قانونيــة وعلميــة واضحــة‪ .‬فالنزاعــات ـ‬ ‫امللكية للصور والرسوم واملقاطع املصورة واملسؤولية القانونية عن‬ ‫املعلومات املغلوطة التي ينشرها الذكاء االصطناعي حاليا والتي‬ ‫بــدأت نذرهــا بالظهــور‪ ،‬ســتكون مجــرد مقدمــات مســلية للصــداع‬ ‫الذي سيأيت به ذكاء اصطناعي مطلق السراح‪.‬‬ ‫“لحظــة ‪ ”1492‬كانــت يف واقــع األمــر لحظتــن‪ .‬فبــن اكتشــاف‬ ‫“العالــم الجديــد” وبــن ســقوط غرناطــة املعقــل العربــي األخــر يف‬ ‫شــبه الجز ـيـرة االيبرييــة‪ ،‬أشــهر قليلــة فقــط‪ .‬ان ـبـاج فجــر القــارة‬ ‫عـرب‬ ‫األمريكيــة ومــا حملتــه مــن ثــروات و ـفـرص‪ ،‬تزامــن مــع طــي ال ـ‬ ‫صفحة حلمهم األندليس الذي ال يزال الحديث عنه ّ‬ ‫يخلف غصة‬ ‫ضـرا يف أغانيهــم‬ ‫عنــد كثرييــن منهــم وال ـيـزال التغنــي بســحره حا ـ‬ ‫وقصائدهم‪ .‬السؤال الذي يواجه العرب اليوم‪ ،‬أيّ من اللحظتني‬ ‫سيميض العرب إليها؟ لحظة االنخراط يف العصر أو التنحي جانبا‬ ‫لبــكاء فــردوس ضائــع؟‬

‫‪090_AM.indd 93‬‬


094_AM.indd 94

06/09/2023 16:52


094_AM.indd 95

06/09/2023 16:52


‫تشكيل‬

‫تجاوزت الفنانة السعودية غادة الحسن شكل اللوحة التقليدي‬ ‫املحدود بني الزوايا األربع وقدمت العديد من األعمال عىل شكل‬ ‫مثلــث أو دا ـئـرة‪ ،‬وذهبــت يف ـمـرات أخــرى للتعبــر عنــه بطريقــة‬ ‫املجســمات التــي قدّ مــت فيهــا أيضــا عــددا مــن األشــكال الهندســية‬ ‫ّ‬ ‫مثــل ال ـهـرم‪ ،‬لتعــر مــن خــال كل مــا تقدمــه عــن رؤيــة خاصــة‬ ‫خـرة واإلنجــاز املســتمر‪.‬‬ ‫تتجــدّ د بال ـ‬ ‫تقول‪“ :‬الفن وسيلة تعبري عن ذايت يف هذه اللحظة الراهنة‪،‬‬ ‫وســيلة للتحــدث بصــوت عــال عــن أفــكاري وتســاؤاليت وفلســفايت‬ ‫وحتى عن سذاجايت‪ ،‬ليس من وظيفة الفن يف نظري أن يناقش‬ ‫قضايــا وال أن يحمــل شــعارات وال أن يحـ ّـل كــوارث‪ ،‬فتلــك لهــا‬ ‫مسارات أخرى‪ ،‬لكن الفنّ الصادق ما ينبع من داخلك ويتحدث‬ ‫بلســانك‪ .‬الفن باختصار أن تكون أنت”‪.‬‬ ‫وتوضــح‪“ :‬الفــن التشــكييل اليــوم ليــس نفســه باألمــس‪ ،‬فهــو‬

‫‪06/09/2023 16:55‬‬

‫المجلة‬

‫‪96‬‬

‫يف حالة من التطوّر والتوسّ ع وكلما انفتح العالم أمامنا اتسعت‬ ‫رؤيتنا وتغريت أفكارنا‪ ،‬ما عاد للفن التشكييل أسلوب واحد أو‬ ‫ـب يف‬ ‫خامــة واحــدة‪ ،‬بــل أصبحــت كل األســاليب والخامــات تصـ ّ‬ ‫صالح فكرة الفنان بالطريقة التي يرغب بها يف التعبري عن نفسه”‪.‬‬

‫طريق الفن‬

‫التحقت غادة الحسن الحاصلة عىل شهادة البكالوريوس يف اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬بالعديد من الدورات الفنية يف مجاالت الرسم الزيتي‬ ‫واأللــوان املائيــة وال ـكـوالج‪ .‬تؤكــد‪“ :‬لــم تكــن لــدي خيــارات واســعة‬ ‫يف الدراسة يك أحدد الطريق املناسب ألتبع شغفي‪ ،‬كانت لدينا‬ ‫جامعــة واحــدة بفرعيهــا اآلداب والعلــوم‪ ،‬وقســم اللغــة العربيــة‬ ‫كان واحــدا مــن ثالثــة تخصصــات متاحــة يف كليــة اآلداب لــم أكــن‬ ‫أميل ألي منها‪ ،‬ولكنه كان األقرب إىل طبيعة حيــايت ون ــشأيت يف‬

‫‪096_AM.indd 96‬‬


‫المجلة‬

‫‪97‬‬

‫غــادة الحســن‪:‬‬ ‫بـي ـنــالـ ــي الدرعيــة‬ ‫حــدث تاريخــي‬ ‫تضع نفسها يف حالة تجريب دائمة‬

‫أبوظبي ‪ -‬عبري يونس‬

‫‪06/09/2023 16:55‬‬

‫رسوم ‪ -‬إدواردو رامون‬

‫تشكيل‬

‫خـويت‪-‬‬ ‫كنــف والــدي الشــاعر عــي الحســن الــذي ـغـرس فينــا ‪-‬أنــا وأ ـ‬ ‫حب القراءة واالط ـ ــاع عىل اآلداب العـ ــربية والعاملي ــة من ـ ــذ وقت‬ ‫ّ‬ ‫التعلق بتخصيص هذا إال بعد س ــنوات‬ ‫مب ــكر‪ .‬ربما لم أتمكن من‬ ‫سـراره ودهاليـ ــزه‪ ،‬غي ـ ــر أننــي‬ ‫مــن التعـ ــمق يف دراس ــته ومعـ ــرفة أ ـ‬ ‫أعرتف بأنه ّأثر بشكل كبري عىل شخصيتي وطريقة تفكريي ومييل‬ ‫للبحث املستمر والعميق يف كل ما يثري فضويل”‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫عرثت بمحض الصدفة‬ ‫وتقول‪“ :‬بعد إتمام املرحلة الجامعية‬ ‫عــى طريــق الفــن‪ ،‬فليســت هنــاك دراســة متخصصــة للفنــون يف‬ ‫املنطقــة التــي أعيــش فيهــا‪ .‬وال بــدّ مــن أن أشــيد يف هــذا الســياق‬ ‫بالجهــود الك ـبـرة التــي بذلتهــا األســتاذة أســماء النصــر والفنانــة‬ ‫سـاء دراســة الفنــون‬ ‫التشــكيلية املصريــة ســهري الجوهــري يف إر ـ‬ ‫التشكيلية للموهوبات بطريقة أكاديمية من خالل دورات لجنة‬ ‫التنميــة االجتماعيــة بالقطيــف منــذ ســنوات عديــدة‪.‬‬

‫‪096_AM.indd 97‬‬


‫تشكيل‬

‫ّ‬ ‫تخصص‬ ‫عندما عرفت بأمر هذه الدورات كنت وقتها أبحث يف‬ ‫آخر وكأنّ القدر فتح يل باب الحلم ودعاين إىل ولوجه‪ ،‬فدخلت‬ ‫بكل ما لدي من شغف وتعلمت أساسيات الفن التشكييل عىل‬ ‫يدي األستاذة سهري‪ ،‬كما درست دورات متخصصة أخرى داخل‬ ‫اململكة وخارجها يك أوسع من خربايت ومعاريف”‪.‬‬

‫الكوالج‬

‫اتخــذت الحســن مــن ال ـكـوالج وســيلة إلن ـتـاج عــدد مــن أعمالهــا‬ ‫الفنيــة‪ ،‬معتمــدة عــى العديــد مــن الخامــات التــي تطوّعهــا بإتقــان‬ ‫صـول إىل الشــكل النهــايئ‪ .‬تبـ ّـن‪“ :‬ال ـكـوالج بالنســبة‬ ‫وحرفيــة للو ـ‬ ‫إيل وســيلة وليــس غايــة وعــادة مــا أزاوج بينــه وبــن وســائل أخــرى‬ ‫ّ‬ ‫يك أخلق زخما من التنوع البصري عىل سطح اللوحة وعىل نحو‬ ‫يخــدم الف ـكـرة األساســية”‪.‬‬ ‫أمــا مواضيــع أعمــال الحســن فتت ـنوّع مــا بــن أعمــال تعكــس‬ ‫البيئــة املحيطــة بهــا أو مواضيــع أخــرى تجــد لنفســها أفقــا ال يحــدّ ه‬ ‫مــدى إال رؤيتهــا وتجربتهــا املتجــدّ دة كفنانــة ترصــد العالــم بدقــة‪،‬‬ ‫لترتجمــه فنــا بطريقــة مبدعــة‪.‬‬ ‫ت ـقـول‪“ :‬يف عصرنــا الراهــن‪ ،‬ليــس الفنــان ابــن بيئتــه وحســب‪،‬‬ ‫ولكنــه صنيعــة هــذا الكــون الواســع بمتغرياتــه الســريعة‪ ،‬وكل مــا‬ ‫يحدث حوله يؤثر فيه ويطبعه بطابعه‪ ،‬فإذا كان الفن الرتجمة‬ ‫الصادقة ملا يحمله صاحبه من أفكار ورؤى ومشاعر‪ ،‬فلن نجده‬ ‫كما كان يف السابق محصورا بقضايا فكرية محدودة بل متسعا‬ ‫باتساع الفكر اإلنساين وعميقا بعمقه”‪.‬‬

‫خارج البيئة‬

‫سـرتها أقامــت غــادة الحســن خمســة معــارض وشــاركت‬ ‫خــال م ـ‬ ‫حـول العالــم‪ ،‬حيــث عرضــت أعمالهــا يف‬ ‫يف العديــد مــن املعــارض ـ‬ ‫املغرب وأملانيا وتركمانستان وطاجيكستان والصني وتشيكيا وغريها‬ ‫مــن دول‪ .‬تذكــر‪“ :‬كـ ــي يتمكــن أي فنــان مــن تق ـ ــييم تجربتــه الفنيــة‬ ‫ومعرفــة موضــع قدميــه ال بــد مــن مشــاركة تجربتــه مــع اآلخريــن‪،‬‬ ‫وأعنــي بهــذا امل ـ ّ‬ ‫ـتلقي املختــص وغــر املختــص‪ ،‬فهــذه املشــاركة لهــا‬ ‫أهمية كبرية يف إع ــادة نظر الفنان تجاه عمله‪ ،‬إذ أن العمل حينئذ‬ ‫حـول إىل ملكيــة عامــة يتفاعــل معــه البشــر بطرائقهــم املختلفــة‪.‬‬ ‫يت ـ‬ ‫عـرض عملــه يف‬ ‫وتــزداد أهميــة املشــاركة بالنســبة للفنــان عندمــا ُي ـ‬ ‫غري بيئته األصلية‪ ،‬ورغم أن الفن لغة عاملية إال أن هناك سمات‬ ‫معينة تطبعها جغرافية املكان عىل العمل الفني يف كل‬ ‫ب ـقـاع األرض عمومــا‪ ،‬لذلــك فــإن املشــاركات الدوليــة‬ ‫ضـاءات جديــدة وســماء‬ ‫تمنــح العمــل الفنــي ف ـ‬ ‫أوســع يحلــق فيهــا”‪.‬‬ ‫تضيــف الحســن كاشــفة عــن تجربتهــا مــع‬ ‫املعــارض الشــخصية‪“ :‬طرحــت مــن خاللهــا‬ ‫حمو لــة تجــارب وأبحــاث ا ســتغرقت منــي‬ ‫عـرض مــن املعــارض‬ ‫وقتــا طويــا يف كل م ـ‬ ‫الخمســة‪ ،‬يك تنضــج وتخــرج بالصــورة التــي‬ ‫عـرض الشــخيص يشــبه إىل‬ ‫خرجــت بهــا‪ ،‬فامل ـ‬ ‫حــد كبــر مقطوعــة موســيقية بعــازف واحــد وآلــة‬ ‫وحيــدة تمنحــك التفاعــل والتماهــي معهــا بإحســاس‬ ‫يتصاعد وينخفض مع أداء العازف‪ .‬املعرض الشخيص‬ ‫ال يختلــف عــن أيّ مــن الفنــون الفرديــة التــي تســتلزم‬ ‫ترك ـيـزا خاصــا عــى تجربــة واحــدة”‪.‬‬

‫المجلة‬

‫‪98‬‬

‫بينالي الدرعية‬

‫تنتقــل الحســن إىل التحــدث عــن مشــاركتها يف بينــايل الدرعيــة‬ ‫للفــن املعاصــر الــذي ّ‬ ‫نظمــت دورتــه األوىل يف ‪ 11‬ديســمرب‪ /‬كانــون‬ ‫األول ‪ 2021‬بتنظيم من وزارة الثقافة ومؤسسة بينايل الدرعية‪:‬‬ ‫“عندما نتحدث عن بينايل الدرعية‪ ،‬فإننا نتحدث عن حدث هام‬ ‫يف تاريخ الفن السعودي يشهد عىل الجهود الكبرية التي تبذلها‬ ‫وزارة الثقافــة مــن أجــل تأســيس حركــة فنيــة متطـوّرة ومواكبــة ملــا‬ ‫يحدث يف العالم من حولنا‪ .‬وأن أكون إحدى الفنانات املشاركات‬ ‫يف البينــايل األول يمنحنــي شــرف املشــاركة يف صناعــة هــذا الحــدث‬ ‫التاريخـ ــي الكبــر والــذي انتظ ــرناه طويــا‪ .‬بينــايل الدرعيــة حلــم‬ ‫يتحقــق عــى أرض الواقــع وبدايــة إلنجــازات أكــر تخطــو بثقــة‬ ‫بخطــوات واســعة نحــو العامليــة”‪.‬‬ ‫ت ـ ــرى الحـ ـسـ ــن أن اس ـت ـم ـ ــراريتها ال ــفني ـ ــة وتـ ـط ـ ــورها ي ـحـ ــدثان‬ ‫ب ــوعــي ودراية‪ .‬تقول‪“ :‬التجربة الفنية كائن حي‪ ،‬ال تكفي والدتها‬ ‫كـ ــي تسـ ــتمر فـ ــي الحيــاة‪ ،‬لكن ـ ـهـ ــا بح ـ ــاجة إىل االهتم ـ ــام والرعايــة‬ ‫املـ ــستم ـ ــرة ك ـ ــي تن ـ ــمو وتكب ـ ــر‪ ،‬وهـ ــي بحاجــة إىل التجـ ــريب كـ ــي‬ ‫تت ـ ــسع آفاقهــا‪ ،‬وأيضــا تح ـتـاج إىل التغذيــة البصريــة والفكريــة‬ ‫بشــكل مســتمر”‪.‬‬ ‫واالســتمرارية قــد تعنــي التجديــد والتجريــب بتقنيــات متنوعــة‬ ‫وإن كان األســاس هــو الهاجــس الفنــي‪.‬‬ ‫ت ـقـول عــن أعمالهــا الخزفيــة‪“ :‬تجربــة الخــزف والتعامــل مــع‬ ‫الطــن لــم يكــن الهــدف األســايس منهــا التخصــص يف هــذا املجــال‬ ‫ولكنها واحدة من تجارب أخرى كثرية مارستها يك أضيف لخربايت‬ ‫وبشــكل يخــدم تجربتــي الحاليــة ويوســع مــن آفاقهــا”‪.‬‬ ‫وتشــر الحســن إىل أن “الطموحــات واآلمــال رفيقــة الفنــان‪،‬‬ ‫وطاملا ال يزال عىل ظهر األرض فهو يف سباق مع الحياة يك يضع‬ ‫بصمتــه قبــل أن يرحــل”‪.‬‬ ‫لتختتــم حديثهــا بمقولــة األديــب الــرويس أنطــون تشــيخوف‬ ‫والتي كثريا ما تحب تكرارها “من ال يريد شيئا وال يأمل يف يشء‬ ‫وال يخــاف مــن يشء ال يمكــن أن يكــون فنانــا”‪.‬‬

‫التجربة الفنية‬ ‫كائن حي‪ ،‬ال‬ ‫تكفي والدتها‬ ‫يك تستمر‬ ‫يف الحياة‪،‬‬ ‫ولكنها بحاجة‬ ‫إىل االهتمام‬ ‫والرعاية‬ ‫املستمرين‬ ‫وإىل التجريب‬ ‫والتغذية‬ ‫البصرية يك‬ ‫تنمو وتكرب‬

‫‪6‬‬

‫‪06/09/2023 16:55‬‬

‫‪096_AM.indd 98‬‬


?????????.pdf

1

27/07/2023

3:41 PM

2023- 2006

096_AM.indd 99

06/09/2023 16:55


‫أمكنة‬

‫‪08/09/2023 13:04‬‬

‫المجلة‬

‫‪100‬‬

‫‪100_AM.indd 100‬‬


‫المجلة‬

‫‪101‬‬

‫قصة‬ ‫"متحف‬ ‫سرسق"‬ ‫البريويت‬

‫أمكنة‬

‫ثروة ّ‬ ‫تبددت ومتحف شاهد عىل التحوّالت‬ ‫افتتح مجددا بعد تضرره يف انفجار املرفأ‬ ‫بريوت ‪ -‬محمد أبي سمرا‬

‫استب َ​َقت إدارة متحف سرسق ذكرى انفجار مرفأ بريوت السنوية‬ ‫الثالثة يف ‪ 4‬أغسطس‪/‬آب املايض‪ ،‬فأنجزت أعمال ترميمه وتأهيله‬ ‫ُ‬ ‫فعصف االنفجار الكبري كان‬ ‫وافتتحته بعد ‪ 3‬سنوات من إقفاله‪.‬‬ ‫قد “طمر عقودا من العمل” والنشاط يف املتحف الدائم يف مبناه‬ ‫الرتايث عىل تلة األشرفية املطلة عىل وسط بريوت ومرفئها الذي‬ ‫أحدث انفجاره يف ‪ 4‬أغسطس‪/‬آب ‪ 2020‬أضرارا بالغة فيه‪ :‬حطم‬ ‫صـدّ ع بعــض جدرانــه‪.‬‬ ‫نوافــذه وأبوابــه كلهــا يف طبقاتــه الثــاث‪ ،‬ـ‬ ‫ومـ ّزق أعمــاال فنيــة ك ـثـرة مــن مقتنياتــه‪ .‬و ـتـرك بــاب القبــو املقــاوم‬ ‫ّ‬ ‫ومعلقــا‬ ‫صـدع‪،‬‬ ‫للحريــق منغــرزا يف ســقف طبقتــه الســفلية املت ـ‬ ‫بطرفها طوال سنة‪ ،‬كطائرة ورقية علقت بشجرة‪.‬‬ ‫“مؤسسة ألِف” كانت وضعت خطة طارئة تهدف إىل تمويل‬ ‫تدعيم وحماية وإعادة تأهيل ما دمّره االنفجار من تراث بريوت‬ ‫الثقايف‪ ،‬الذي يعدّ “متحف سرسق للفن الحديث واملعاصر” من‬ ‫معامله البارزة‪ ،‬بل األبرز‪ .‬فهو مبنى ترايث مميز بقيمته املعمارية‬ ‫عىل النمط “الفينييس” (نسبة إىل مدينة فينيسيا‪ ،‬أي البندقية‬ ‫اإليطاليــة) والعثمــاين‪ .‬ويقــع عــى مســافة أقــل مــن ‪ 800‬مــر مــن‬ ‫املرفأ الذي ألحق انفجاره أضرارا جسيمة يف هيكل املبنى‪.‬‬

‫دروس الظلمات‬

‫لوحة يف مكتبة "متحف‬ ‫سرسق" تضررت يف‬ ‫انفجار مرفأ بريوت – ‪13‬‬ ‫أغسطس ‪( 2020‬غيتي)‬

‫‪08/09/2023 13:04‬‬

‫زارت “املجلة” املتحف بعد افتتاحه‪ ،‬فتجولت يف قاعاته الكثرية‬ ‫املتنوعة بمقتنياتها ومعارضها الفنية الدائمة‪ ،‬واألخرى الجديدة‬ ‫يف فن التجهيز‪ .‬ومنها األبرز “إيجيكتا” السمعي ‪ -‬البصري للفنان‬ ‫ويجســده بــآالف‬ ‫زاد ملتقــى‪ .‬وهــو تجهيــز يســتوحي انفجــار املرفــأ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الصــور الرقميــة ألعمــال فنيــة مــن مقتنيــات املتحــف التــي تتدفــق‬

‫‪100_AM.indd 101‬‬


‫أمكنة‬

‫المجلة‬

‫أنجزت أعمال ترميم وتأهيل‬ ‫“متحف سرسق” وأعيد افتتاحه‬ ‫في ‪ 26‬مايو ‪2023‬‬ ‫بعد ‪ 3‬سنوات من إقفاله‬

‫يستضيف المتحف عمال‬ ‫تجهيزيا يستوحي االنفجار‪،‬‬ ‫ويجسده بآالف الصور الرقمية‬ ‫ّ‬ ‫ألعمال فنية من المتحف‬

‫صورها بأشكال متنوّعة عىل جدران قاعته السفلية الكربى‪.‬‬ ‫يصاحب تدفق الصور عمل موسيقي يستوحي صوت االنفجار‬ ‫مجزأ ومختنقا بأصدائه وتردّداته كتناثر الزجاج املتشظي عىل نحو‬ ‫بطيء يف شوارع بريوت عقب الدوي الزلزايل الكبري‪ ،‬ومقذوفاته‬ ‫ّ‬ ‫تتدفق كاملاء والحمم عىل شاشــات‬ ‫شــبه الربكانية الضوئية التي‬ ‫الجدران الكربى املنصوبة يف القاعة الفسيحة شبه املظلمة‪ .‬وقد‬ ‫استوحى زاد ملتقى هذه اإليقاعات من مصدرين‪:‬‬ ‫ األول عمل موسيقي بارويك من القرن السابع عشر‪ ،‬وضعه‬‫املؤلف الفرنيس أنطوان شاربنتييه يف عنوان “دروس الظلمات”‪.‬‬ ‫ الثاين عمل يف عنوان “تمارين عىل األضواء” ألفه ملتقى يف‬‫العام ‪ ،2017‬وينقل أصداء الرنني املرتد عىل زجاج نوافذ الكنائس‬ ‫امللوّنة‪ ،‬والذي يبعث رجاء يوايس حالة من التطهري ويستدعيها‪.‬‬ ‫ويدعــو الفنــان الزائريــن إىل كتابــة مناشــداتهم عــى جــدران‬ ‫القاعــة الخارجيــة‪ ،‬لتكــون فعــا أدائيــا لطقــس عالجــي جمعــي‪.‬‬

‫‪102‬‬

‫توزع أفراد عائلة سرسق‬ ‫في لندن والقاهرة وإسطنبول‬ ‫وبيروت وفلسطين‬ ‫وإيطاليا وفرنسا‬

‫الجهل‪ ...‬واألرستقراطية‬

‫عـرض يف عنــوان “أنــا جاهــل!‬ ‫مــن املعــارض الدائمــة يف املتحــف م ـ‬ ‫عـرض‬ ‫عـرض الخريــف واملــن الفنــي الوطنــي”‪ .‬ويحــوي إرث “م ـ‬ ‫م ـ‬ ‫الخريف للفن التشكييل يف بريوت” منذ افتتاح “متحف سرسق” يف‬ ‫العام ‪ ،1961‬عندما تحول قصر نقوال إبراهيم سرسق أول متحف‬ ‫عام ووحيد للفن الحديث واملعاصر يف بريوت‪ ،‬إىل يومنا هذا‪.‬‬ ‫املعروف أن “معرض الخريف” البريويت كان له دور رائد ومرجعي‬ ‫صـوغ حركــة الفــن التشــكييل اللبنــاين‪ .‬أمــا عبــارة “أنــا جاهــل” يف‬ ‫يف ـ‬ ‫عـرض الجديــد واالســتعادي اليــوم‪ ،‬فمســتقاة مــن مقالــة‬ ‫عنــوان امل ـ‬ ‫كتبها يف العام ‪ 1964‬املسرحي الراحل جالل خوري (‪)2017 - 1933‬‬ ‫تجسيدا “الحتجاجه الالذع آنذاك عىل تحيّز املتحف واستغراقه يف‬ ‫النخبوية‪ ،‬توقعا واستباقا لألزمات التي أصابت لبنان”‪.‬‬ ‫عـرض الدائــم عمــل للفنانــة التشــكيلية‬ ‫مــن لوحــات هــذا امل ـ‬ ‫عـرض‬ ‫ســييس سرســق عنوانــه “عاريــة زر ـقـاء” شــاركت بــه يف “م ـ‬ ‫سـرة حيــاة هــذه الفنانــة مــرآة‬ ‫تجســد ـ‬ ‫الخريــف” ســنة ‪ .1972‬وقــد‬ ‫ّ‬ ‫مزدوجــة لقصــة املتحــف الــذي يحمــل اســم عائلتهــا‪ ،‬ولقصــة‬ ‫العائلــة الكوزموبوليتيــة املعوملــة ا ـلـراء منــذ القــرن التاســع عشــر‪.‬‬ ‫ولدت سييس سرسق سنة ‪ 1923‬يف يوغوسالفيا‪ ،‬وتوفيت سنة‬ ‫‪ 2015‬يف كرواتيا‪ .‬وهي يوغوســافية وتدعى جوســتينا تاماســيو‪،‬‬ ‫قبل زواجها سنة ‪ 1947‬من اللبناين حبيب سرسق‪ ،‬سليل الجيل‬ ‫الثالث من العائلة املعوملة الرثاء واألعمال واإلقامة‪ .‬ومن بالدها‬ ‫صـرت اســمها بســييس‪ ،‬إىل العيــش‬ ‫انتقلــت جوســتينا التــي اخت ـ‬ ‫مــع زوجهــا يف قصــر الجز ـيـرة امللــي الــذي كانــت تملكــه عائلتــه يف‬ ‫جـراء نظــام التأميــم الناصــري يف مصــر‪.‬‬ ‫سـره ـ‬ ‫القا ـهـرة‪ ،‬قبــل أن تخ ـ‬ ‫لــذا انتقلــت وزوجهــا إىل بــروت يف مطالــع الخمســينات‪ ،‬وظلــت‬ ‫مقيمة فيها حتى بدايات حروب لبنان األهلية التي أعادتها سنة‬ ‫‪ 1978‬إىل بلدها يوغوسالفيا‪ ،‬وتحديدا مدينة سبلت الكرواتية‪.‬‬ ‫غـراد‪ ،‬قبــل‬ ‫وكانــت جوســتينا تلقــت دروســا يف الرســم يف بل ـ‬ ‫التحاقها بأكاديمية الفنون يف أنقرة‪ ،‬حيث تدربت يف محرتفات‬ ‫ا ـلـريك نــور الديــن إرجوفــن وتورغــت زيــم‪ .‬واألرجــح أنهــا التقــت‬ ‫حبيــب سرســق يف إســطنبول‪ ،‬حيــث كان للعائلــة فــرع قديــم منــذ‬ ‫أواخــر عهــد األمرباطوريــة العثمانيــة‪.‬‬

‫أساطير‪ ...‬ووقائع‬

‫الليدي إيفون سرسق‬ ‫كوكرن (شاترستوك)‬

‫‪08/09/2023 13:04‬‬

‫جزء من املعرض املتضرر‬ ‫يف "متحف سرسق" جراء‬ ‫انفجار املرفأ (أ ف ب)‬

‫لكــن مــا هــي قصــة عائلــة سرســق ومتحفهــا الفنــي يف بــروت؟‬ ‫روى غربيــال ريــس وزوجتــه ‪ -‬أمــه وزوجتــه مــن آل سرســق‪ ،‬وهــو‬ ‫شـركة صناعــة مصاعــد كهربائيــة لألبنيــة ‪ -‬قصــة ـثـراء‬ ‫صاحــب ـ‬ ‫عائلــة سرســق األرثوذكســية‪ ،‬فــأرّخ بدايــات انتقالهــا مــن طبقــة‬ ‫العامة إىل حيازة املكانة والرثوة بالحرب بني السلطنة العثمانية‬ ‫وروســيا القيصريــة يف أواخــر القــرن الثامــن عشــر‪ .‬وذلــك عندمــا‬ ‫غــادر املدعــو مــري سرســق موطــن أهلــه يف الرببــارة الواقعــة عــى‬

‫‪100_AM.indd 102‬‬


‫‪103‬‬

‫بعض قصور عائلة سرسق‬ ‫شيدها جيلها الثاني وراحت‬ ‫تتزايد في جيلها الثالث‬ ‫على تلة األشرفية البيروتية‬

‫‪08/09/2023 13:04‬‬

‫المجلة‬

‫بلغ عدد أفراد الجيل الثالث‬ ‫من عائلة سرسق ستين‬ ‫شخصا توزعت عليهم‬ ‫الثروة العائلية الضخمة‬

‫أمكنة‬

‫الليدي إيفون سرسق كوكرن‬ ‫قضت نحبها في ‪ 31‬أغسطس‬ ‫‪ 2020‬إثر إصابتها داخل القصر‬ ‫صدعه انفجار مرفأ بيروت‬ ‫الذي ّ‬

‫‪100_AM.indd 103‬‬


‫المجلة‬

‫أمكنة‬

‫‪104‬‬

‫العالم الخارجي اليوم يف حي السراسقة وشارع سرسق يف بريوت‪،‬‬ ‫هادئ بسكانه القليلني وقصوره الخمسة شبه املهجورة‪ ،‬سوى متحف سرسق‬ ‫الذي انبعثت فيه الحياة بعد ترميمه وافتتاحه لعموم الزائرين‬ ‫التخــوم بــن جبــل لبنــان وشــماله‪ ،‬إىل بــروت‪ ،‬وتــزوج فيهــا ا ـمـرأة‬ ‫بريوتية أرثوذكسية من آل طراد‪ ،‬إحدى عائالت املدينة السبع‪،‬‬ ‫صاحبــة النفــوذ واملكانــة وا ـلـراء‪.‬‬ ‫الرقم سبعة‪ ،‬غالبا ما يرتدّد بوصفه عدد العائالت التأسيسية‬ ‫التــي كانــت تتــوارث املكانــات يف املــدن التقليديــة القديمــة‪ ،‬التــي‬ ‫كانت تحوطها األسوار‪ ،‬وبواباتها السبع أيضا‪ ،‬يف تلك األزمنة‪.‬‬ ‫ثم إن هذا الرقم‪ ،‬هو الشائع واملتداول يف أساطري الخلق والبدء‬ ‫والتكوين وروايتها‪.‬‬ ‫كانت امرأة عائلة طراد البريوتية‪ ،‬الرثية والنافذة‪ ،‬الجسر‬ ‫الــذي عــر عليــه مــري سرســق‪ ،‬باملصا ـهـرة‪ ،‬مــن الريــف واملرتبــة‬ ‫العاميــة‪ ،‬إىل املدينــة والوجاهــة واملكانــة فيهــا‪ .‬وبعــد إنجابــه مــن‬ ‫زوجتــه أب ـنـاء ســتة‪ ،‬هاجــر بكرهــم‪ ،‬لطــف اللــه‪ ،‬إىل بريطانيــا‪،‬‬ ‫فأثــرى هنــاك‪ .‬ويف األث ـنـاء كان إخوتــه‪ ،‬شــأن عائــات مســيحية‬ ‫ك ـثـرة يف تلــك الحقبــة‪ ،‬قــد توزعــوا يف مهاجــر ك ـثـرة‪ :‬مصــر‪،‬‬ ‫تركيــا‪ ،‬فلســطني‪ ،‬ولبنــان‪ .‬و هــذه مــن “مال حــم” اللبنانيــن‪،‬‬ ‫ومن عناصر انبعاث صورة بلدهم الحديثة منذ القرن التاسع‬ ‫عشــر‪ ،‬حســب الشــعار اللبنــاين الشــهري‪“ :‬لبنــان بجناحيــه‪،‬‬ ‫غـرب”‪ .‬وهــذا شــعار يؤكــد متانــة الروابــط العائليــة‬ ‫املقيــم وامل ـ‬ ‫الذي يتخذ طابعا “وطنيا” رومنطيقيا يف الفنون الفولكلورية‪.‬‬ ‫وبما أن املتانة هذه تأبى أن يظل الرثاء فرديا‪ ،‬أخذ لطف الله‬ ‫يرسل اىل إخوته بضائع من بريطانيا‪ ،‬يك يتاجروا بها يف تركيا‬ ‫ومصر وفلسطني ولبنان‪ ،‬إبان حروب السلطنة العثمانية مع‬ ‫جـرة‬ ‫حـرب‪ ،‬إىل جانــب اله ـ‬ ‫روســيا القيصريــة‪ .‬وهكــذا تدخــل ال ـ‬ ‫صـرا فاعــا يف ا ـلـراء‪.‬‬ ‫واملصا ـهـرة‪ ،‬عن ـ‬ ‫عىل خالف قصة الرقم ‪ 7‬األســطوري يف ثباته عددا للعائالت‬ ‫التأسيســية النافــذة واملرموقــة يف املــدن التقليديــة القديمــة‪ ،‬قلــب‬ ‫جـرة‬ ‫صـرة (باله ـ‬ ‫حـراك االجتماعــي يف األزمنــة الجديــدة أو املعا ـ‬ ‫ال ـ‬ ‫وبالشــبكات العائليــة التجاريــة) ثبــات املكانــات العائليــة املتقــادم‪،‬‬ ‫الــذي كان حراكــه البطــيء يقتصــر عــى املصا ـهـرة وحدهــا‪ .‬وربمــا‬ ‫علينــا أن نضيــف التعليــم يف هــذا الســياق‪ ،‬بوصفــه بابــا واســعا‬ ‫للحراك االجتماعي الكبري‪ ،‬إىل جانب الهجرة واألعمال التجارية‬ ‫خـرا زمنــا يف عائلــة‬ ‫جـاء دوره متأ ـ‬ ‫اللذيــن ســبقا التعليــم الــذي ـ‬ ‫سرســق‪ ،‬عــى مــا يبــدو‪.‬‬

‫آل سرسق وآل روتشيلد‬

‫حـرب‬ ‫املنعطــف الثــاين يف مســار عوملــة ثــروة آل سرســق‪ ،‬حققتــه ال ـ‬ ‫األهلية بني الدروز والنصارى املوارنة يف جبل لبنان (‪)1860 - 1840‬‬ ‫وتمادي انهيار السلطنة العثمانية‪ ،‬وصريورة بريوت عاصمة والية‬ ‫عثمانيــة ســنة ‪ ،1888‬بعــد انفتاحهــا وتوســعها خــارج أســوارها‪،‬‬ ‫وازدهارهــا وتكاثــر املهاجريــن املســيحيني إليهــا مــن بلــدان املشــرق‪،‬‬ ‫وح ـلـول البعثــات التبشــرية والتعليميــة الغربيــة وســفراء الــدول‬

‫‪08/09/2023 13:04‬‬

‫‪1860‬‬

‫شيد قصر سرسق‬ ‫ّ‬ ‫في األشرفية الذي‬ ‫تحول إلى “متحف‬ ‫ّ‬ ‫سرسق”‬

‫‪1961‬‬

‫افتتاح “متحف‬ ‫سرسق”‪ ،‬أول متحف‬ ‫عام للفن الحديث‬ ‫في بيروت‬

‫‪800‬‬

‫متر هي المسافة بين‬ ‫“ متحف سرسق”‬ ‫ومرفأ بيروت‬

‫‪40‬‬

‫عمال فنيا تضرر‬ ‫جراء انفجار المرفأ‬ ‫بينها أعمال زيتية‬ ‫ومنحوتات‬

‫‪5‬‬

‫قصور آلل سرسق‬ ‫في الشارع الذي‬ ‫يحمل إسمهم‬ ‫في بيروت‬

‫حـوالت تأســس “بنــك‬ ‫األوروبيــة الكــرى فيهــا‪ .‬ويف خضــم هــذه الت ـ‬ ‫سرســق” يف بــروت‪ .‬وملــا أرغمــت الســلطات العثمانيــة والــدول‬ ‫الكــرى الــدروز عــى دفــع “تعويضــات” ماليــة نتيجــة املجــازر التــي‬ ‫ارتكبوها بخصومهم املوارنة‪ ،‬أصدرت إسطنبول “سندات مالية”‬ ‫مؤجلة‪ ،‬ومنحتها للموارنة عىل أن يســدّ د الدروز قيمتها الحقا‪.‬‬ ‫وبمــا أن حامــي تلــك الســندات كانــوا يشـ ّـكون يف إمــكان تحصيلهــا‬ ‫مــن خزينــة الســلطنة التــي يعادونهــا واملأزومــة ماليــا‪ ،‬جعلــوا‬ ‫شـاءت الظــروف‬ ‫يبيعونهــا مــن “بنــك سرســق” بأبخــس األثمــان‪ .‬و ـ‬ ‫ّ‬ ‫يحصــل البنــك العائــي قيمــة‬ ‫ونفــوذ آل سرســق يف إســطنبول أن‬ ‫الســندات كاملــة‪ ،‬ومنهــا حيــازة العائلــة مســاحات مــن األرض‬ ‫األمرييــة يف ســهل الب ـقـاع وفلســطني وتركيــا ومصــر‪ ،‬فيمــا كان‬ ‫لطــف اللــه سرســق ي ـموّل خزينــة الخديــوي إســماعيل يف القا ـهـرة‪.‬‬ ‫كان أب ـنـاء مــري سرســق الســتة‪ ،‬مؤســي الــروة العائليــة‬ ‫الفاحشــة‪ ،‬ويتصدرهــم لطــف اللــه‪ .‬وجعلهــم تو ّزعهــم يف لنــدن‬ ‫والقاهرة وإسطنبول وبريوت وفلسطني‪ ،‬سفراء العائلة وثروتها‬ ‫املشــرقية واملعوملــة بمعايــر ذلــك الوقــت‪ .‬وكل واحــد مــن ـهـؤالء‬ ‫اإلخوة أنجب نحو ‪ 10‬أبناء‪ .‬وإىل أن كرثة اإلنجاب من تقاليد ذاك‬ ‫الزمن (نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين)‪ ،‬هي أيضا‬ ‫قرينــة عــى أن مؤســي الــروة العصاميــن‪ ،‬ظلــوا مقيمــن عــى‬ ‫ثقافة سابقة عىل حيازتها‪ .‬فأبو عيل سليم سالم (‪)1938 - 1868‬‬ ‫البــرويت الســني مثــا ‪ -‬وهــو مؤســس وجاهــة آل ســام ومكانتهــا‬ ‫وثرائهــا يف بــروت‪ ،‬ووالــد رئيــس الــوزراء اللبنــاين الراحــل صائــب‬ ‫ســام (‪ - )2000 - 1905‬أنجــب مــا يزيــد عــى ‪ 10‬أب ـنـاء‪.‬‬ ‫وإذا كان جيــل آل سرســق الثــاين الــذي أسّ ــس الــروة العائليــة‬ ‫الكربى‪ ،‬ال يتجاوز الســتة ‪ -‬عىل اعتبار أن والدهم مرتي سرســق‬ ‫كان املم ّهــد الفــرد واألول لــذاك ا ـلـراء‪ ،‬بعــد هجرتــه إىل بــروت‬ ‫طـراد املرموقــة والرثيــة فيهــا ‪ -‬فــإن عــدد‬ ‫وزواجــه مــن ا ـمـرأة عائلــة ـ‬ ‫أفراد الجيل الثالث من عائلة سرسق بلغ ستني شخصا توزعت‬ ‫عليهم الرثوة العائلية الضخمة‪ ،‬فيما كان بعضهم يوسّ ع انتشاره‬ ‫إىل إيطاليــا وفرنســا‪ ،‬إقامــة وعمــا وزواجــا‪ .‬لكــن رابــط آل سرســق‬ ‫العائــي بــدأ يتمـ ّزق ويختفــي يف هــذا الجيــل‪.‬‬ ‫وحســب غربيــال ريــس كانــت عائلــة سرســق يف ثرائهــا “مثــل‬ ‫عائلــة روتشــيلد”‪ .‬بعــض قصورهــا شــيدها جيلهــا الثــاين‪ ،‬فراحــت‬ ‫تتزايــد يف جيلهــا الثالــث عــى تلــة األشــرفية البريوتيــة‪ ،‬حيــث نشــأ‬ ‫حــي السراســقة وقصــوره الك ـثـرة‪ .‬واتســع تشــييد القصــور وترفهــا‬ ‫إىل بلــدة صوفــر يف جبــل لبنــان‪ ،‬موئــل املصطافــن مــن النخبــة‬ ‫املدنيــة العربيــة يف دمشــق والقا ـهـرة وبغــداد وفلســطني‪ .‬فمــوىس‬ ‫صـره األضخــم يف‬ ‫سرســق‪ ،‬وهــو مــن جيــل العائلــة الثــاين‪ ،‬شــيد ق ـ‬ ‫األشرفية سنة ‪ .1860‬ابنه ألفرد ورث القصر وتزوج الدونا ماريا‬ ‫اإليطالية‪ ،‬وشيد باسمها قصرا يف صوفر‪ ،‬غري بعيد من “فندق‬ ‫عـرب يف مطالــع‬ ‫صوفــر الكبــر” الــذي شـيّده لنخبــة املصطافــن ال ـ‬

‫‪100_AM.indd 104‬‬


‫‪105‬‬

‫أمكنة‬

‫المجلة‬

‫القرن العشرين‪ ،‬وظل يستقبلهم حتى أحرقته نريان حروب لبنان‬ ‫(‪ .)1990 - 1975‬ومبنــى الفنــدق مــع قصــر الدونــا ماريــا‪ ،‬ال ـيـزاالن‬ ‫حتى اليوم ينتصبان هيكلني متصدّعني‪ .‬أما قصر حي السراسقة‬ ‫األضخــم يف بــروت‪ ،‬فورثتــه ابنــة ألفــرد‪ ،‬الليــدي إيفــون سرســق‬ ‫كوكــرن‪ ،‬التــي تزوجــت مــن لــورد إيرلنــدي حملــت اســم عائلتــه إىل‬ ‫أن قضــت نحبهــا يف القصــر الــذي صدّ عــه انفجــار مرفــأ بــروت يف‬ ‫‪ 4‬أغســطس‪/‬آب ‪.2020‬‬

‫مضيف ملوك ورؤساء‬

‫من أعمال الرتميم‬ ‫يف "متحف سرسق"‬ ‫(متحف سرسق)‬

‫‪08/09/2023 13:04‬‬

‫واجهة "متحف سرسق"‬ ‫(متحف سرسق)‬

‫ثروة السراسقة كانت “دولية أو عاملية”‪ ،‬قال غربيال ريس‪ .‬وقالت‬ ‫متحسرة شاكية‪“ :‬الجيل الثالث من العائلة انصرف عن‬ ‫زوجته‬ ‫ّ‬ ‫العمل ومضاعفة الرثوة‪ ،‬إىل التبذير واللهو والتبذل”‪ .‬لكن ريس‬ ‫أضاف‪“ :‬النساء والقمار والزراعة”‪ .‬ما شأن الزراعة يف التبذير؟!‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫فكرت أنا املستمع إىل ريس‪ ،‬وظننت أنه يقصد اإلقبال عىل شراء‬ ‫األرايض األمريية يف العهد العثماين‪ .‬لكنه أوضح قائال‪“ :‬األوالد‪...‬‬ ‫األوالد”‪ ،‬مكنيا بالزراعة عن اإلكثار من إنجابهم الذي يو ّزع الرثوة‬ ‫إيل أن مــا حمــل محــدّ يث عــى هــذه الكنايــة‪ ،‬هــو‬ ‫ويبدّ دهــا‪ .‬وخ ّيــل َّ‬ ‫سـرته مــن عــدم إنجابــه أوالدا يورثهــم اســمه وثروتــه‪ .‬وإمــا رغبــة‬ ‫ح ـ‬ ‫سـرة عائلــة أمــه وزوجتــه التــي راح ســتون مــن‬ ‫منــه يف عــدم ت ـكـرار ـ‬ ‫أبناء جيلها الثالث يبدّ دون ثروتها الهائلة‪.‬‬ ‫لكــن مــا مصــر ثــروة ريــس؟ ‪ -‬ف ـك ُ‬ ‫ـرت ‪ -‬طاملــا لــن يرثهــا أحــد‪.‬‬ ‫أيكون مصريها شبيها باملصري الذي اختاره لقصره نقوال إبراهيم‬ ‫سرســق (وهــو مــن جيــل العائلــة الثالــث) املتوفــى ســنة ‪ ،1952‬بــا‬ ‫زواج وال إنجــاب؟‬

‫‪100_AM.indd 105‬‬


‫أمكنة‬

‫صـره الفخــم‬ ‫توفــى ن ـقـوال إبراهيــم سرســق عــن ‪ 65‬ســنة يف ق ـ‬ ‫الكبري‪ ،‬الذي ‪ -‬عشية الحرب العاملية األوىل‪ ،‬عندما كان يف أواسط‬ ‫العقــد الثالــث مــن ع ـمـره ‪ -‬شــرع يف تشــييده لصــق قصــر والــده‬ ‫القديم يف حي السراسقة‪ .‬وبعد حياة عاشها باذخا مرتفا وكثري‬ ‫األسفار‪ ،‬بال عمل وال زواج‪ ،‬كتب نقوال يف وصيته أنه يهب قصره‬ ‫شـرط تحويلــه متحفــا للفنــون الحديثــة‪ ،‬ويكــون‬ ‫ملدينــة بــروت‪ ،‬ـ‬ ‫رئيــس بلديــة املدينــة متوليــا عليــه‪ ،‬وتد ـيـره لجنــة مــن الشــخصيات‬ ‫البريوتيــة‪ ،‬بــا مقابــل‪.‬‬ ‫ظــل القصــر مقفــا حتــى ســنة ‪ ،1957‬وا ســتعمل بمو جــب‬ ‫مر ســوم جمهــوري يف عهــد كميــل شــمعون الر ئــايس (‪1952-‬‬ ‫مرات عدة الستضافة ملوك ورؤساء زاروا لبنان رسميا‪.‬‬ ‫‪)1958‬‬ ‫ٍ‬ ‫منهــم امللــك ســعود بــن عبــد العزيــز‪ ،‬وملــك اليونــان‪ ،‬و ـكـرة مــن‬ ‫الديبلوماســيني األجانــب‪ .‬لكــن الدكتــور لطــف اللــه ملــي (حافــظ‬ ‫املتحف بعد افتتاحه الثاين عقب سني حروب لبنان التي أقفلته‬ ‫بــن ‪ 1975‬و‪ )1990‬أســقط الســنوات الخمــس بــن ‪ 1952‬و‪1957‬‬ ‫مــن تاريــخ املتحــف وجعلهــا مــن تاريــخ القصــر‪ ،‬ألن اســتخدامه‬ ‫فيها كان “يخالف وصية صاحبه الذي شاءه متحفا للفنون‪ ،‬ال‬ ‫قصرا الستضافة أهل السياسة والديبلوماسية”‪ .‬فنقوال إبراهيم‬ ‫صـره باســتضافة نخبــة لبنــان مــن سياســيني‬ ‫سرســق كان أتخــم ق ـ‬ ‫وديبلوماســيني ووج ـهـاء وأهــل قلــم‪ ،‬وأراد بعــد رحيلــه جعلــه‬ ‫مرفقــا عامــا للفــن وأهلــه‪ ،‬حســب غربيــال ريــس الــذي أضــاف أن‬ ‫صـره مضافــة دائمــة ملعارفــه وأصدقائــه‪ ،‬أمثــال‬ ‫ن ـقـوال “جعــل ق ـ‬ ‫جـران توينــي (والــد غســان توينــي) والصحــايف التائــه إســكندر‬ ‫ـ‬ ‫ريــايش‪ ،‬وغريهمــا مــن العازبــن أمثالــه‪ .‬لــذا كانــت موائــد الغــداء‬

‫‪08/09/2023 13:05‬‬

‫المجلة‬

‫نكبة فلسطني‬ ‫أفقدت عائلة‬ ‫سرسق ثروتها‬ ‫يف فلسطني‪.‬‬ ‫والتأميم‬ ‫الناصري‬ ‫أفقدها ثروتها‬ ‫يف مصر‪.‬‬ ‫وسراسقة‬ ‫إسطنبول‬ ‫صاروا أتراكا‬ ‫وتقطعت‬ ‫أواصرهم‬ ‫بالعائلة‬

‫من أعمال ترميم الزجاج‬ ‫امللون (متحف سرسق)‬

‫‪106‬‬

‫شـاء ال تتوقــف يف القصــر‪ ،‬ولــم يكــن عــدد املدعويــن إليهــا‬ ‫والع ـ‬ ‫شـرة يف كل ـمـرة”‪.‬‬ ‫يقـ ّـل عــن الع ـ‬

‫ٌ‬ ‫ترف ممل وخوف‬

‫تحوّل القصر متحفا سنة ‪ ،1961‬بعدما بادر رئيس بلدية بريوت‬ ‫أمــن بــك بيهــم ســنة ‪ 1958‬إىل تعيــن لجنــة مهمتهــا إنفــاذ وصيــة‬ ‫صاحب القصر‪ .‬وهكذا بدأ تاريخ “متحف سرسق” عندما استضاف‬ ‫“معرض الخريف األول للفنون التشكيلية” يف خريف ‪ ،1961‬وكان‬ ‫انقىض ما ينوف عن قرن كامل عىل بلوغ آل سرسق الرثاء الفاحش‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫“متقلــب ا ـملـزاج واألطــوار ‪-‬‬ ‫عــاش ن ـقـوال إبراهيــم سرســق حياتــه‬ ‫قالت زوجة غربيال ريس ‪ -‬ففي مدرسة عينطورة‪ ،‬حيث أمىض‬ ‫سنواته الدراسية‪ ،‬كانت غرابة أطواره ورغبته يف اللهو والتميز‪،‬‬ ‫تحمالنه عىل صباغة شعره أشقر‪ُ ،‬‬ ‫فطرد من املدرسة”‪ .‬أما ريس‬ ‫فأضــاف أن ن ـقـوال “واحــد مــن السراســقة الســتني الذيــن بــدّ دوا‬ ‫الرثوة العائلية الدولية‪ .‬ولم يكن المعا وال مميزا شأن اثنني من‬ ‫مجايليــه‪ :‬اليــاس وميشــال سرســق اللــذان كانــا عضويــن يف أول‬ ‫برملان عثماين”‪ .‬وروى ريس أن نقوال‪ ،‬ما إن بنى قصره وأقام فيه‬ ‫منفــردا‪ ،‬حتــى اقتنــى ســيارة رولــز رويــس‪ ،‬وأكــر مــن التنـ ّزه عــى‬ ‫شــاطئ البحــر‪ .‬كان يرتجــل مــن الســيارة تــاركا ســائقه يقودهــا عــى‬ ‫الطريــق متمهــا‪ ،‬فيمــا يــروح هــو يتمــى منفــردا‪ .‬لقــد كان يخــاف‬ ‫عىل صحته حدّ‬ ‫التطرّي‪ ،‬ويحسب ألف حساب لئال تؤذيه نسمة‬ ‫ّ‬ ‫هواء‪ .‬وحني كان يريد الصعود إىل صوفر لقضاء أيام يف فندقها‬ ‫الكبري الفخم الذي يملكه قريبه‪ ،‬كان يرسل سائق سيارته إليها‬ ‫مع ميزان للحرارة‪ ،‬يقيس به درجتها ومستطلعا حال الطقس‬

‫‪100_AM.indd 106‬‬


‫‪107‬‬

‫فيهــا‪ .‬وب ـنـاء عــى هــذه املعلومــات الدقيقــة التــي يعــود بهــا الســائق‬ ‫من صوفر إىل بريوت‪ ،‬يق ّرر نقوال الصعود يف سيارته إىل صوفر‬ ‫صـره‪ ،‬فبلــغ بــه تق ّيــده‬ ‫أو العــزوف عنــه‪ .‬أمــا مأكلــه ومشــربه يف ق ـ‬ ‫بنظام غذايئ صارم أنه كان يشرف بنفسه عىل أعمال الطهي التي‬ ‫يقوم بها طباخه الخاص الذي كان يصطحبه يف رحالته وأسفاره‪.‬‬ ‫وختمت قريبته‪ ،‬زوجة ريس كالمها قائلة‪“ :‬غري أن هذا كله‬ ‫لم ينفعه يف يشء‪ ،‬وال دفع عنه تج ّرع كأس املنية من دون تأجيل‬ ‫سـرعان مــا‬ ‫عندمــا بلــغ الخامســة والســتني مــن ع ـمـره”‪ .‬لكــن ا ـملـرأة ـ‬ ‫ســألت زوجهــا‪“ :‬مــاذا حـ ّـل بســيارته الرولــز رويــس؟ مــن أخذهــا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫صـره؟”‪.‬‬ ‫متوقفــة يكســوها الغبــار أمــام ق ـ‬ ‫بعــد بقائهــا مــدة طويلــة‬ ‫لــم تنتظــر ا ـملـرأة جوابــا عــن ســؤالها‪ ،‬وتابعــت قائلــة‪“ :‬تصـوّر أن‬ ‫مــن أسســت مدرســة ز ـهـرة اإلحســان األرثوذكســية العريقــة يف‬ ‫األشــرفية‪ ،‬يعمــل حفيدهــا يف فنــدق بإحــدى عواصــم الخليــج!”‪.‬‬ ‫وهي عنت بذلك رجال من آل سرسق‪ ،‬أرغمه الدهر وتبدّ د الرثوة‬ ‫عىل العمل يف فندق‪ .‬أما إيفيت سرسق “املرحومة ‪ -‬قالت زوجة‬ ‫ريــس ‪ -‬فقــد دفعهــا عوزهــا إىل العمــل يف املســرح والتلفزيــون”‪.‬‬ ‫صـره‬ ‫خـرا قائلــة‪“ :‬ربمــا أحســن ن ـقـوال بوقفــه ق ـ‬ ‫وتداركــت ا ـملـرأة أ ـ‬ ‫ليصــر متحفــا ّ‬ ‫خلــد بــه اســمه وعائلتــه”‪.‬‬

‫المجلة‬

‫أمكنة‬

‫إعادة إفتتاح “متحف‬ ‫سرسق” يف ‪ 26‬مايو‬ ‫‪( 2023‬أ ف ب)‬

‫زمن الشتات والخلود‬

‫روى ريس أن “نكبة فلسطني أفقدت العائلة ثروتها يف فلسطني‪.‬‬ ‫والتأميم الناصري أفقدها ثروتها يف مصر‪ .‬وسراسقة إسطنبول‪،‬‬ ‫صاروا أتراكا وتقطعت أواصرهم بالعائلة املنتشرة يف عواصم بالد‬ ‫ك ـثـرة‪ .‬و ـهـؤالء إمــا تزوجــوا ولــم ينجبــوا أكــر مــن ولــد واحــد‪ ،‬وإمــا‬

‫أهم اللوحات التي رممت‬ ‫بريشة الفنان الهولندي‬ ‫كيس فان دانجن‬ ‫لصاحب القصر‬ ‫نقوال سرسق (أ ف ب)‬

‫‪08/09/2023 13:05‬‬

‫لم ينجبوا قط‪ ،‬وإما ظلوا بال زواج”‪ .‬ويف التسعينات من القرن‬ ‫املايض‪ ،‬كان من يمر يف شوارع حي السراسقة يف األشرفية‪ ،‬يشعر‬ ‫أن قصورهــم خاليــة إال مــن ســكان قليلــن يعيشــون يف الصمــت‬ ‫واإلضاءة الداخلية‪ ...‬والوحشة‪.‬‬ ‫حني افتتح قصر نقوال ابراهيم سرسق للمرة األوىل كمتحف‬ ‫للفــن ســنة ‪ ،1961‬كان لبنــان يشــهد انطالقــة جديــدة يف العهــد‬ ‫صـره الذهبــي يف الفنــون‬ ‫الشــهابي‪ ،‬فعــاش حتــى العــام ‪ 1975‬ع ـ‬ ‫والصحافــة والســياحة والرتفيــه‪ .‬ويف بدايــات الحــروب األهليــة‬ ‫(‪ )1990 - 1975‬كان متحــف سرســق يغلــق أبوابــه عندمــا تشــتد‬ ‫خـرا‬ ‫حـرب‪ .‬لكــن نشــاطه خفــت وتــاىش‪ ،‬قبــل إقفالــه أ ـ‬ ‫جـوالت ال ـ‬ ‫ـ‬ ‫يف الثمانينــات‪ ،‬ليفتتــح بعدهــا يف منتصــف التســعينات‪ ،‬حتــى‬ ‫تضـ ّرره بقــوة يف انفجــار املرفــأ‪.‬‬ ‫العالم الخارجي اليوم يف حي السراسقة وشارع سرسق (طوله‬ ‫‪ 400‬م) يف بــروت‪ ،‬هــادئ بســكانه القليلــن وقصــوره الخمــس‬ ‫شــبه املهجــورة‪ ،‬ســوى متحــف سرســق الــذي انبعثــت فيــه الحيــاة‬ ‫ضـاءل‬ ‫بعــد ترميمــه وافتتاحــه لعمــوم الزائريــن‪ .‬و ـلـوال املتحــف لت ـ‬ ‫عــدد قاصــدي الشــارع وعابريــه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫سكون يف الشارع مصدره ثروة عائلية قديمة تبدّدت‪ ،‬وتوزع‬ ‫بقايــا السراســقة يف جهــات العالــم‪ ،‬ولــم يبــق منهــا ومنهــم يف‬ ‫بريوت سوى القصور التي عصمت املكان من الفوىض والصخب‬ ‫والعمــوم‪ .‬وربمــا هــو تــوق ن ـقـوال ابراهيــم سرســق إىل الخلــود‪،‬‬ ‫صـره إىل متحــف للفــن الحديــث‪َّ ،‬‬ ‫خلــد اســم‬ ‫بوصيتــه تحويــل ق ـ‬ ‫عائلتــه‪ ،‬وأدخــل الشــارع يف الحيــاة الثقافيــة والعمــوم‪ ،‬لكــن بــا‬ ‫صخــب وال فــوىض‪.‬‬

‫‪100_AM.indd 107‬‬


‫شرق ‪ -‬غرب‬

‫جـرة الســورية متجــر‬ ‫تدخــل الســيدة (م‪ .‬ع‪ ).‬املها ـ‬ ‫البقالة العربي يف حي من أحياء شرق أمسرتدام‪.‬‬ ‫تجــد يف املتجــر الســلع التــي كانــت تجدهــا يف حلــب‪،‬‬ ‫أو عىل األقل الكثري منها‪ .‬وهناك تستطيع أن تقرأ‬ ‫أســماء البضائــع مكتوبــة بالعربيــة عــى لويحــات‬ ‫غـرة معلقــة عــى الرفــوف‪.‬‬ ‫ص ـ‬

‫اللغة تصنع المكان‬

‫أمام املتجر ويف داخله تلتقي السيدة (م‪ .‬ع‪ ).‬نساء‬ ‫من بالدها ومن البالد التي تتحدّ ث لغتها‪ .‬يتبادلن‬ ‫تحيات وأحاديث قصرية‪ .‬هنا‪ ،‬يف هذا النطاق‪ ،‬قد‬ ‫ال تح ـتـاج الســيدة الســورية إىل اللغــة الهولنديــة أو‬ ‫جـزت عــن‬ ‫اإلنكليزيــة‪ ،‬عــى اإلطــاق‪ .‬يكفيهــا‪ ،‬إن ع ـ‬ ‫معرفة سعر سلعة ما أو تفاصيل عنها‪ ،‬أن تطلق‬ ‫سؤالها بالعربية أليّ من العاملني يف املتجر‪.‬‬ ‫تفرتض مسبقا أن من تسأله يفهم ما تقول‪ .‬إن‬ ‫حدث ولم يفهم السامع كالمها‪ ،‬فإن السيدة غالبا‬ ‫مــا لــن تعتــذر عــن اســتخدامها العربيــة‪ .‬عكــس هــذا‬ ‫يحــدث خــارج حــدود البقالــة‪ ،‬أو يف متجــر آخــر غــر‬ ‫عربي‪ :‬العامل هو من يعتذر عن عدم فهمه العربية‪.‬‬ ‫ضـاء البقــاالت‬ ‫هكــذا‪ ،‬وعــى نحــو مــا‪ ،‬يعمــل ف ـ‬ ‫املغربية أو العربية يف بالد املهاجرين العرب‪ ،‬وفق‬ ‫ديناميــة قــوة ثقافيــة أو اجتماعيــة مختلفــة نســبيا‬ ‫ضـاءات أخــرى عامــة‪.‬‬ ‫عــن الديناميــة الســائدة يف ف ـ‬ ‫قد يبدو هذا املشهد بسيطا أو معتادا يف ظاهره‪.‬‬ ‫لكنه يستدعي شيئا من التأمل والتبصر يف جوهره‪،‬‬ ‫أو يف اختــاف ديناميــات القــوة ‪ -‬إذا جــاز التعبــر ‪-‬‬ ‫بني أطراف املشهد‪.‬‬ ‫ما الذي يؤسس لهذه الدينامية‪ ،‬وكيف تصبح‬ ‫أ ـمـرا اعتياديــا‪ ،‬أو طبيعيــا‪ ،‬يف تصرفــات النــاس مــن‬ ‫دون أن يلفت أحد للمفارقة فيه؟ وهذا عىل اعتبار‬ ‫أن البقاالت العربية الكثرية يف أمسرتدام‪ ،‬كما يف‬ ‫عواصــم ومــدن أوروبيــة عــدّ ة‪ ،‬تشـ ّـكل مســاحات‬ ‫لتجمّ عات بشرية يف فضاءات محدّ دة من املدينة‪.‬‬ ‫وهــي شــكل مــن أشــكال “الجغرافيــا اإلنســانية” يف‬ ‫تركيبتها الثقافية واالجتماعية‪ .‬ويمكننا أن نقرأها‬ ‫أو نقاربهــا بواســطة كتابــات األكاديمــي الصينــي‬ ‫األمريــي يــي فــو تــوان ‪ Yi-Fu Tuan‬الــذي اهتــم‬ ‫بف ـكـرة “الجغرافيــا اإلنســانية وصناعــة املــكان” ب ـنـاء‬ ‫عــى مك ّونــات عــدّ ة‪ ،‬أبرزهــا اللغــة‪.‬‬

‫توابل وقهوة وحالل‬

‫يــرى تــوان أن صنا عــة ا ملــكان تقــوم عــى عمليــة‬ ‫تفاعل بني األفراد‪ ،‬وبينهم وبني وبيئتهم املحيطة‪.‬‬ ‫وبواســطة هــذا التفاعــل يمثــل النــاس أنفســهم‪،‬‬ ‫غـرايف‬ ‫وينتجــون مــا يســمّ ى “املنطقــة أو النطــاق الج ـ‬ ‫اإلنســاين”‪ .‬لكــن هــذا النطــاق ال يعنــي مســاحة‬ ‫جغرافيــة محــدّ دة فحســب‪ ،‬بــل هــو ينــئ عالقــة‬ ‫تفاعلية مزدوجة‪ :‬بني األفراد‪ ،‬وبينهم وبني املكان‪.‬‬ ‫خـراط النــاس يف هــذه العمليــة فهمــا‬ ‫وينــئ ان ـ‬

‫‪06/09/2023 17:02‬‬

‫المجلة‬

‫نســاء أمســردام‬ ‫جـرات‬ ‫‪ ...‬مها ـ‬ ‫وســلع الــدفء والحنــن‬

‫‪108‬‬

‫كيف تعمل البقاالت عىل تشكيل مجتمعات املهاجرين‬ ‫أمسرتدام ‪ -‬رنوة العميص‬

‫وتفاهما عاطفيني‪ ،‬أو فضاء عاطفيا يف ما بينهم‪،‬‬ ‫يطورون فيه شكال من أشكال ارتباطهم العاطفي‬ ‫أو الوجداين بمحيطهم ويستثمرون فيه‪ .‬ويجادل‬ ‫توان بأن اللغة جزء ال يتجزأ وعنصر أساس يف بناء‬ ‫املكان‪ ،‬ويقول “إن الكلمات يمكن أن تجعل األشياء‬ ‫مرئيــة‪ ،‬أو تمنحهــا طابعــا معينــا”‪ .‬ويمكــن اعتمــادا‬ ‫ضـاءات العامــة‬ ‫عــى اللغــة ‪ -‬وفقــا لتــوان ‪ -‬ب ـنـاء الف ـ‬ ‫وصيانة استمراريتها‪ ،‬أو حتى تدمريها‪ /‬تفكيكها‪.‬‬ ‫إضافة إىل اللغة‪ ،‬تنبني هذه الجغرافيا اإلنسانية‬ ‫عىل أرضية ثقافية أكرث تعقيدا‪ .‬فالبضاعة املعروضة‬ ‫عــى رفــوف املتجــر (العربــي يف هــذا الســياق) تنــئ‬ ‫تفاهما مشرتكا بني البائع واملشرتين‪ ،‬وتشكل لغة‬ ‫ضـاء ثقافيــا واجتماعيــا‬ ‫شـركة بــن الزبائــن‪ ،‬وف ـ‬ ‫م ـ‬ ‫يجمعهم من دون سواهم‪.‬‬ ‫ورائحــة التوا بــل‪ ،‬القهــوة العربيــة‪ ،‬اللحــوم‬ ‫ضـراوات والفاكهــة التــي‬ ‫(الحــال)‪ ،‬وحتــى الخ ـ‬

‫رسوم ‪ -‬جيمي وينال‬

‫تسعّ ر وتباع بالكليوغرام يف متاجر العرب ‪ -‬وليس‬ ‫بالقطعة كما يف كثري من املتاجر الهولندية ‪ّ -‬‬ ‫تشكل‬ ‫تفاصيل تيش بفهم وسلوك مشرتكني ال يحتاجان‬ ‫إىل الكثــر مــن الشــرح‪ .‬والتفاصيــل هــذه‪ ،‬هــي مــا‬ ‫ضـاء‬ ‫يؤسّ ــس املســاحة الجغرافيــة اإلنســانية‪ ،‬والف ـ‬ ‫التفاعــي بــن النــاس‪ .‬ومــا يجعــل الســيدة (م‪ .‬ع‪).‬‬ ‫ترفــع صوتهــا مرتاحــة وتتكلــم بالعربيــة‪.‬‬

‫الطعام لغة عاطفية‬

‫وتبــدأ أمــارات هــذا الفهــم والتفاهــم مــن اختيــار‬ ‫البضائــع ومصــادر اســتريادها‪ .‬لكنهــا تتجــاوزه إىل‬ ‫أن تــي ب ـنـوع ا ـملـآكل واألطبــاق واملائــدة التــي تصنــع‬ ‫منهــا البضائــع أو املــواد املعروضــة يف املتجــر‪ .‬وهــي‬ ‫تــي أيضــا بمــا تركــه املهاجــر خلفــه يف البــاد التــي‬ ‫وفد منها‪ ،‬وبما يو ّد استعادته ولو جزئيا يف حياته‬ ‫اليومية يف مهجره األوروبي‪ .‬وهكذا يتحول الطهي‬

‫‪108_AM.indd 108‬‬


‫‪109‬‬

‫والطعام مادة‪ /‬لغة عاطفية للحنني‪ ،‬أو بحثا عن‬ ‫دفء اجتماعــي مفقــود‪.‬‬ ‫أبعــد مــن هــذا املســتوى النفــي‪ ،‬توفــر أشــكال‬ ‫ش ــراء الس ــلع فهـ ــم أمــور أخ ــرى‪،‬س ــوســيولوجي ــة‬ ‫وأنرثبولوجيــة‪ ،‬عــن زبائنهــا يف املتجــر‪ ،‬منهــا تركيبــة‬ ‫سـرة العربيــة التــي تكــون ممتــدّ ة أو موسّ ــعة يف‬ ‫األ ـ‬ ‫أحيــان ك ـثـرة‪.‬‬ ‫قــد نقــع هنـ ــا يف فــخ التعميــم‪ .‬لكــن الشــائع‬ ‫أن عــدد األب ـنـاء يف األسـ ــر العربيــة امله ــاجرة عــى‬ ‫سـرة‬ ‫وجــه التعميــم‪ ،‬يتجــاوز عددهــم غالبــا يف األ ـ‬ ‫األوروبيــة وكذلــك تختلــف العالقــات والوشــائج‬ ‫ف ــي كـ ـ ّـل مــن األس ــرتني‪ .‬ل ــذلك ي ـكـ ــون مــن األي ـ ــسر‬ ‫شـراء ســلع‬ ‫سـرة العربيــة ـ‬ ‫واألجــدى اقتصاديــا لأل ـ‬ ‫طازجة وبالكيلوغرام أو حتى الجُ ملة‪ ،‬بدل شرائها‬ ‫بالتجزئــة‪ ،‬أو بعــدد الح ّبــات‪.‬‬ ‫ويف هــذا الســياق تحضــر عالمــات املعرفــة بإي ـقـاع‬ ‫الحياة االجتماعية الذي يميل الشرقيون إىل جعله‬ ‫بطيئــا وأقـ ّـل عمليــة‪ .‬والبــطء يشــمل الطهــي عــى‬ ‫شـراء‬ ‫نــار خفيفــة‪ .‬وتجــد الشــرقيني أكــر تفضيــا ل ـ‬ ‫مك ّونــات الطهــي واملائــدة طازجــة‪ ،‬وليــس نصــف‬ ‫ّ‬ ‫املطهــوة أو‬ ‫املجلــدة والســريعة التحضــر‪.‬‬ ‫وتجد هــم أيضــا يعاملــون الطعــام واملا ئــدة‬ ‫بوصفهمــا طقســا ال روتينــا يوميــا‪ .‬وهنــاك كذلــك‬ ‫عادة أن تغلق البقاالت العربية أبوابها يف مناسبات‬ ‫وعطــل غــر هولنديــة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وتعلق لذلك الفتة عىل البقاالت املغلقة مكتوب‬ ‫عليهــا ‪ -‬بالهولنديــة هــذه ا ـملـرة ‪“-‬مغلــق بمناســبة‬ ‫عيــد الفطــر‪ ،‬أو األضحــى”‪ ،‬إذ ال حاجــة بالعربــي‬ ‫إىل توضيــح بهــذا الشــأن‪.‬‬

‫تفكيك المكان وإعادة بنائه‬

‫جـرة واللجــوء العربيــة وغــر‬ ‫مــع تزايــد موجــات اله ـ‬ ‫العربيــة وتوسّ ــعها إىل أوروبــا‪ ،‬راحــت بعــض مراكــز‬ ‫البحــث األوروبيــة تحــاول دراســة ظا ـهـرة البقــاالت‬ ‫العربية والصينية املتزايدة يف مدن أوروبية كثرية‪،‬‬ ‫تحت عنوان ‪ ،commerce ethnique‬أي األعمال‬ ‫أو األســواق اإلثنية‪.‬‬ ‫سـرعان مــا بــدأت تظهــر يف املتا جــر الكــرى‬ ‫و ـ‬ ‫األوروبيــة زوايــا خاصــة باملنتجــات العربيــة‪ .‬وذلــك‬ ‫كمجـ ّرد منافســة يف الســوق الرأســمالية‪.‬‬ ‫إنهــا‪ ،‬كمــا أســلفنا‪ ،‬مــن مظاهــر تفكيــك املــكان‬ ‫وإعادة تركيبه‪ ،‬التي أش ــار إليه ــا توان‪ .‬ومــا يفعل ــه‬ ‫الركن الش ــرقي يف املتاجر األوروبية‪ ،‬حيث ُتوضب‬ ‫أكيــاس الكســكس وز يــت الزيتــون ا ملـ ــغربي‪ ،‬أو‬ ‫الحمــص واملت َّبــل املص ّن ـ ــعان واملـ ـ ّ‬ ‫ـعلبان يف هولـ ــندا‪،‬‬ ‫إضافة إىل التوابل الشرقية‪ ،‬وركن اللحوم الحالل‪،‬‬ ‫ال يعــدو كونــه منافســة س ـ ــوق‪ .‬خاصــة إذا أخذنــا‬ ‫يف االعتبــار أن هــذه املنتـ ــجات أصبحــت مألوفــة‬ ‫للمستهلك الهولندي الذي صار ينتقي منها ويضيف‬ ‫منهــا إىل مائدتــه‪.‬‬

‫‪06/09/2023 17:02‬‬

‫المجلة‬

‫خـرا تتجــاوز مســألة‬ ‫لكــن هــذه الظا ـهـرة أخــذت أ ـ‬ ‫التجارة أو األعمال اإلثنية‪ ،‬إىل تفكيك املكان وأنماط‬ ‫العيــش والســلوك وإعــادة تركيبهــا‪ ،‬أو تعريفهــا‬ ‫املتغرّيات الديموغرافية‬ ‫وإعادة تعريفها بما يناسب‬ ‫ّ‬ ‫الراهنــة يف أورو بــا‪ .‬و هــذا ال يشــغل املهاجر يــن‬ ‫الباحثــن عــن وطــن أو مــا يشــبه الوطــن فحســب‪،‬‬ ‫بــل صــار مســألة أساســية يف مجتمعــات االســتقبال‬ ‫وسياساتها‪ ،‬أي أوروبا يف هذه الحال‪ .‬وهي تحاول‬ ‫اليوم بشكل أو بآخر أن تدير املسألة وتتدبّرها ثقافيا‬ ‫واجتماعيــا وسياســيا‪ ،‬وليــس اقتصاديــا فحســب‪.‬‬ ‫فمسألة الهجرة واللجوء صارتا املوضوع األسايس‬ ‫يف الــدول وانقســاماتها السياســية‪.‬‬ ‫لقد أصبح االحتكاك الكثيف بني الثقافات مسألة‬ ‫حيوية وصراعية يف أوروبا‪ ،‬وأحدث بدالالته ما يشبه‬ ‫الشرارة اإليجابية والسلبية يف دولها ومجتمعاتها‪.‬‬ ‫وهــذا مــا دفــع عل ـمـاء اجت ـمـاع أوروبيــن وساســة‬ ‫وباحثــن إىل فهــم مــا تنطــوي عليــه هــذه املســألة مــن‬ ‫معــان‪ ،‬أو مــا تقدّ مــه مــن ظواهــر وظــروف يمكــن‬ ‫مــن خاللهــا إعــادة اختبــار املفاهيــم التــي اعتقدنــا أننــا‬ ‫توصلنــا إىل فهــم نهــايئ لهــا‪ ،‬ومــن بينهــا مفهومــا‬ ‫الوطــن والدولــة‪.‬‬

‫عالقات القوة‬

‫ي ـقـول عالــم االجت ـمـاع الهولنــدي الشــهري يــان فيليــم‬ ‫دايفينــداك ‪ Jan Willem Duyvendak‬إن‬ ‫ضـاء‬ ‫الوطــن والشـ ــعور باالنت ـمـاء إىل الوطــن يف الف ـ‬

‫يعمل فضاء البقاالت املغربية‬ ‫أو العربية يف بالد املهاجرين‬ ‫العرب‪ ،‬وفق دينامية قوة ثقافية‬ ‫أو اجتماعية مختلفة نسبيا‬ ‫عن الدينامية السائدة‬ ‫يف فضاءات أخرى عامة‬

‫شرق ‪ -‬غرب‬

‫صـرة‪.‬‬ ‫العــام‪ ،‬أصبحــا ســؤاال حقيقيــا يف أوروبــا املعا ـ‬ ‫بــل ذهــب دايفينــداك بعيــدا يف دراس ـت ــه مفهــوم‬ ‫الوطن وال ــمواطن‪ ،‬عب ــر ثن ــائية األكث ــرية واألقل ــية‪/‬‬ ‫ضـاء أو الحيــز العــام‬ ‫األقل ــيات‪ .‬وهــو اعتــر أن الف ـ‬ ‫أصبــح “ســاحة قتــال” باملعنــى املجــازيّ ‪.‬‬ ‫خـرا مــن‬ ‫وإذا نظرنــا إىل مــا حصــل يف فرن ـ ــسا أ ـ‬ ‫هــذه الزاويــة‪ ،‬نجــد أن املس ــألة تجـ ــاوزت الرمـ ــزي‬ ‫واملجـ ــازي إىل العنــف املباشــر‪.‬‬ ‫ذلك أن املجموعات السكانية املختلفة تتنافس‬ ‫أو تتصارع لتحجز مساحة حضور تمثيل لها تجعل‬ ‫ضـاء العــام‪ ،‬كل ّيــا أو جزئيــا‪ ،‬ســاحة حــوار‬ ‫مــن الف ـ‬ ‫وتعــارف أو ـنـزاع‪ .‬أو ربمــا مســاحة تخالــط دافئــة‬ ‫يمكــن التفاعــل معهــا أو االرتبــاط بهــا عاطفيــا‪ ،‬كمــا‬ ‫ســبق وأخربنــا يــي فــو تــوان‪.‬‬ ‫أمــا حضــور معلبــات الحمــص املطحــون وســواها‬ ‫مــن مســتحضرات الطعــام وا ـملـآكل الشــرقية عــى‬ ‫رفوف املتاجر الهولندية‪ ،‬ودخولها لدى الهولنديني‬ ‫كنوع من الطعام املعجون القابل للدهن والسهل‬ ‫االســتهالك‪ ،‬فليــس إال مــن قبيــل إعــادة تركيــب‬ ‫ضـاءات العامــة‪.‬‬ ‫الف ـ‬ ‫وقــد ينطبــق الحــال كذلــك عــى ركــن اللحــوم‬ ‫“الحــال” وبعــض املنتجــات الشــرقية التــي توضــع‬ ‫ـامي‬ ‫كشــكل مــن أ شــكال التمثيــل العربي‪/‬اإل سـ ّ‬ ‫املشـ ِّر ف‪ .‬وإن كان هــذا ال يغنــي عــن البقــاالت‬ ‫العربيــة‪ ،‬فإنــه يعكــس مــا هــو أكــر مــن الرباغماتيــة‬ ‫والــمصـ ــلحـ ــة الرأس ــماليت ــن‪ .‬إن ــه ان ــعكاس لعمــلي ــة‬ ‫مــستمرة ومتجددة لتعريف املكان وإعادة تعريفه‪،‬‬ ‫ولكــن ضمــن ديناميكيــة القــوة التــي تنحــاز بطبيعــة‬ ‫الحــال ألكرثيــة الســكان “البيــض” أو “األصليــن”‪.‬‬ ‫وعــى نطــاق أوســع مــن املتجــر والبقـ ــالة‪ :‬إذا‬ ‫اعترب نــا أمســردام‪،‬عىل ســبيل املثــال‪ ،‬مســاحة‬ ‫جغرافيــة إنســانية‪ ،‬يــرز الســؤال التــايل‪ :‬كيــف‬ ‫يمكــن لهــذه املدينــة أن ّ‬ ‫تمثــل الجميــع أو تمنحهــم‬ ‫شــعورا باالنت ـمـاء واملعنــى والحضــور واألمــان‪ ،‬إذا‬ ‫لــم تتمكــن أمســردام نفســها (وهــذا ينطبــق عــى‬ ‫سواها‪ ،‬كباريس وبرلني‪ )...‬من إعادة تعريف نفسها‬ ‫بشكل مســتمر‪ ،‬لتصبح بالفع ــل مطابق ــة لواقعها‬ ‫املتغرّي يــن؟ هــذان الوا قــع والحقيقــة‬ ‫وحقيقتهــا‬ ‫ّ‬ ‫يظالن‪ ،‬بطبيعة الحال‪،‬خاضعني لديناميكية القوة‬ ‫التي تقيد السيدة (م‪ .‬ع‪ ).‬وتحدّ من حركتها بأريحية‬ ‫يف الشارع العام‪ ،‬لكنها تعمل بشكل مختلف داخل‬ ‫البقالــة العربيــة يف قلــب أمســردام!‬ ‫وليس من قبيل املبالغة اعتبار أن هذه العملية‬ ‫صــدى حالــة التمــاوج أو التدافــع الــذي يشــهده‬ ‫املجتمــع الهولنــدي وعــدد مــن مجتمعــات أوروبــا‬ ‫الغربيــة‪ .‬وأن عمليــة تعريــف وإعــادة تعريــف املــكان‬ ‫التــي التقطنــا خيطهــا مــن مشــوار الســيدة (م‪ .‬ع‪).‬‬ ‫إىل البقا لــة‪ ،‬ليســت معزو لــة عــى اإل طــاق عــن‬ ‫صـوال إىل ســقوط الحكومــة‬ ‫مظاهــر أخــرى كــرى‪ ،‬و ـ‬ ‫جـرة‪.‬‬ ‫الهولنديــة‪ ،‬إثــر خالفــات بشــأن اله ـ‬

‫‪108_AM.indd 109‬‬


‫األخيرة‬

‫‪110‬‬

‫المجلة‬

‫همــوم الــذكاء االصطناعــي‬

‫مصطفى ذكري كاتب وناقد وسيناريست مصري‪ ،‬له يف السينما‬ ‫“عفاريت األسفلت” و“جنة الشياطني” وعدد من املؤلفات‬ ‫رسم ‪ -‬بول رايدنغ‬

‫ّ‬ ‫التخيّل‬ ‫بمجرد‬ ‫عن كتابة اإلنسان‬ ‫اإلبداعية‪،‬‬ ‫والسماح‬ ‫لالستوديوهات‬ ‫باستخدام الذكاء‬ ‫االصطناعي لكتابة‬ ‫السيناريوهات‬ ‫الخاصة بهم‪،‬‬ ‫فلن تكون هناك‬ ‫عودة إىل الوراء‬ ‫‪06/09/2023 17:05‬‬

‫املمثل صامويل جاكسون من مواليد ‪ ،1948‬أي أنه اآلن‬ ‫يف سنة ‪ 2023‬يبلغ ‪ 75‬عاما‪ ،‬إال أن الذكاء االصطناعي‬ ‫قادر عىل ابتكار وتخليق صور جديدة لهذا املمثل من‬ ‫أرشيف أداءاته يف أفالمه‪ ،‬ودون حضوره الجسدي‪،‬‬ ‫ودون علمه‪ ،‬وبعد موته‪ ،‬واستخدامها يف إنتاج جزء‬ ‫ثان من فيلمه الشهري «بالب فيكش»‪.‬‬ ‫ما يُقال عن قدرة الذكاء االصطناعي عىل إعادة‬ ‫خلق املمثل من أرشيفه‪ ،‬يُقال عن مهن أخرى مثل‬ ‫الغناء‪ ،‬ويف صناعة السينما نفسها مثل كتابة‬ ‫السيناريو عرب برمجة الكومبيوتر بفكرة الفيلم العامة‪،‬‬ ‫وترك الذكاء االصطناعي يخلق التفاصيل‪ .‬هل املقصود‬ ‫من الذكاء االصطناعي طمس ملسة اإلبداع اإلنساين؟‬ ‫أم أن األمر يتعلق بهوس خفض التكلفة املادية‪،‬‬ ‫ومحو أجور املهن الصغرية‪ :‬الدوبلري‪ ،‬املكياج‪ ،‬املمثلون‬ ‫العابرون يف خلفيات الفيلم؟‬ ‫هوليوود حاليا عىل صفيح ساخن‪ .‬مئات املمثلني‬ ‫انضموا إىل صفوف ك ّتاب السيناريو لألعمال‬ ‫التلفزيونية والسينمائية يف احتجاج كبري أمام‬ ‫استوديوهات شركات كربى مثل «نتفليكس» و«وورنر»‬ ‫و«باراماونت»‪ .‬وردّد أعضاء النقابتني اللتني تنوب‬ ‫إحداهما عن حَ مَ لة أقالم التلفزيون والسينما‪ ،‬والثانية‬ ‫عن وجوه الشاشتني الصغرية والكبرية‪ ،‬هتافات «ال‬ ‫عقود‪ ،‬ال ممثلني‪ ،‬ال أجور‪ ،‬ال سيناريوهات»‪.‬‬ ‫يقول تشاريل كوفمان كاتب سيناريو فيلم «أن تكون‬ ‫جون مالكوفيتش» (‪ ،)1999‬إن الذكاء االصطناعي‬ ‫سيكون املسمار األخري يف نعش األفالم العالية الجودة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التخيّل عن كتابة اإلنسان اإلبداعية‪ ،‬والسماح‬ ‫وبمجرد‬ ‫لالستوديوهات باستخدام الذكاء االصطناعي لكتابة‬ ‫السيناريوهات الخاصة بهم‪ ،‬فلن تكون هناك عودة‬ ‫إىل الوراء‪ .‬قد يخىش كوفمان أن تصل املفارقة السوداء‬ ‫بالذكاء االصطناعي إىل ما وصل إليه املمثل روبن‬ ‫ويليامز يف فيلم «رجل الذكرى املئوية الثانية» (‪،)1999‬‬ ‫وهو رجل آيل يسعى إىل اكتساب صفات إنسانية مثل‬ ‫الحزن‪ ،‬والسعادة‪ ،‬والشيخوخة‪ ،‬والنسيان‪.‬‬

‫بربود‪ ،‬طلبت استوديوهات هوليوود من ممثيل‬ ‫الخلفية الثانويني مسح وجوههم وأجسامهم بتقنية‬ ‫ثالثية األبعاد‪ ،‬مقابل أجر يوم واحد من العمل‪ ،‬عىل‬ ‫أن تمتلك االستوديوهات حق استخدام صورهم إىل‬ ‫األبد دون موافقتهم‪ ،‬أو دفع تعويض لهم‪ .‬يرى كثري‬ ‫من املخرجني وك ّتاب السيناريو أن املشكلة ليست يف‬ ‫نقص ص ّناع األفالم بل يف أن الشركات ال ترى هوامش‬ ‫الربح كافية‪ ،‬ألنه إذا كان يف إمكان الشركات تقليص‬ ‫النفقات إىل حد صفري‪ ،‬ففي إمكانها اسرتضاء‬ ‫«وول سرتيت»‪ ،‬والحصول عىل تقارير أرباح أكرب‪ .‬من‬ ‫تداعيات أزمة الذكاء االصطناعي العاصفة‪ ،‬إعالن‬ ‫تأجيل جوائز «آيمي» لعام ‪ ،2023‬أربعة أشهر‪ ،‬إىل‬ ‫يناير‪/‬كانون الثاين ‪ .2024‬وهذه هي املرة األوىل التي‬ ‫تؤجّ ل فيها «آيمي»‪ ،‬أعىل وأرفع درجات التكريم يف‬ ‫التلفزيون األمرييك‪ ،‬منذ ‪ ،2001‬عندما أدت هجمات‬ ‫‪ 11‬سبتمرب‪/‬أيلول إىل تأجيل الحفل‪ ،‬وهذا يعني أن أثر‬ ‫الذكاء االصطناعي عىل مجال السينما والتلفزيون‪،‬‬ ‫أعنف من أثر سقوط الربجني عليهما‪.‬‬ ‫اآلن أصبحت هوليوود مغلقة‪ ،‬ك ّتاب السيناريو‬ ‫مضربون‪ ،‬املمثلون يرفضون الرتويج ألفالمهم‬ ‫ّ‬ ‫يتوصلوا يف مفاوضاتهم مع‬ ‫وبرامجهم‪ ،‬وإذا لم‬ ‫االستوديوهات إىل اتفاق‪ ،‬أخالقي يف العمق‪ ،‬عىل‬ ‫طريقة استخدام الذكاء االصطناعي التوليدي‪ ،‬فال أحد‬ ‫يعرف كم ستستمر مدّ ة اإلغالق‪ .‬يقول املدير التنفيذي‬ ‫لشركة «ميتافيزيك» للذكاء االصطناعي التوليدي‪:‬‬ ‫“نتحرك لجمع مكتبة بيانات رقمية للممثلني‪ ،‬إلعادة‬ ‫خلق أدائهم يف املستقبل‪ ،‬لكن ليست هناك ضمانات‬ ‫قانونية بعد‪ ،‬لطريقة استخدام تلك البيانات‪،‬‬ ‫وأعتقد أن املستقبل سيُظهر تلك الضمانات‪ ،‬لكننا ال‬ ‫نستطيع التوقف اآلن‪ ،‬ألي اعتبارات أخالقية‪ ،‬أو ألي‬ ‫تعقيدات يف حقوق امللكية‪ ،‬علينا أن نتعامل مع الذكاء‬ ‫االصطناعي التوليدي دون خوف‪ ،‬فهو ليس عدوا‬ ‫لإلنسان‪ ،‬إن ذعر الك ّتاب واملمثلني‪ ،‬وأصحاب املهن‬ ‫الصغرية‪ ،‬هستريي نوعا ما”‪.‬‬

‫‪110_AM.indd 110‬‬


FPC Sayidaty - Al Fardan.pdf

1

19/06/2023

10:09 AM

LAUREATO 56 diamonds STAINLESS STEEL 34 MM 80189D11A431-11A

110_AM.indd 111

06/09/2023 17:05



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.