غزة تحسم قضية فلسطين

Page 1


LAUREATO 56 diamonds STAINLESS STEEL 34 MM 80189D11A431-11A


‫األخيرة‬

‫‪98‬‬

‫المجلة‬

‫عــودة إىل مشــكلة قديمــة َ‬ ‫تت َجـ َّـدد‬

‫خالدة سعيد ناقدة وكاتبة سورية من املساهمني الفاعلني‬ ‫يف حركة الحداثة األدبية‬ ‫رسم ‪ -‬بول رايدنغ‬

‫حضور اللغة‬ ‫الحي املباشر يف‬ ‫ّ‬ ‫اليومي‬ ‫العالم‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫التواصل‬ ‫يدعم‬ ‫ويع ّزز فضيلة‬ ‫ال ّتقارُب وال ّت ُ‬ ‫كاتف‬ ‫بني العرب‬ ‫ال ّناطقني بها عىل‬ ‫اختالف األقاليم‬ ‫العربية ولهجاتها‬

‫ال يفارقنــي القلــق عــى اللغــة العرب ّيــة يف عصرنــا الرّاهِ ــن‪.‬‬ ‫طـرين واقعهــا‪ ،‬خصوصــا يف مــا يتعلــق بالكتابــة‬ ‫ويض ـ‬ ‫الروائيــة وبلغــة الرتجمــة ويف الصحافــة‪ ،‬وح ّتــى يف‬ ‫بعــض ّ‬ ‫الشــعر‪ ،‬للعــودة إىل مشــكالت العالقــة بــن‬ ‫الفصحــى والدارجــة‪.‬‬ ‫فهــذه‪ ،‬يف اعتقــادي‪ ،‬مســألة جوهريــة ألنهــا ترتبــط‬ ‫بهويــة الشــعب نفســه وليســت مجــرد مســألة تعليميــة‪.‬‬ ‫الفــوارق بــن العربيــة الفصحــى واللهجــات‪ ،‬أو‬ ‫اللغــات العربيــة املحل ّيــة تبلــغ‪ ،‬يف بعــض األحيــان‪ ،‬درجــة‬ ‫ر مــن األشــخاص إىل الــكالم باللغــة‬ ‫ك ـبـرة‪ .‬بــل يميــل كثـ ٌ‬ ‫األجنبيــة مــع عربـ ّـي مــن بلــدٍ آخــر‪.‬‬ ‫ال شـ ّ‬ ‫ـات أجنبيــة مهــمّ‬ ‫ـك يف أنّ معرفــة لغــة أو لغـ ٍ‬ ‫بــل ضــروريّ ‪ .‬ولــن كان األمــر كذلــك‪ ،‬فمــاذا ن ـقـول عــن‬ ‫ضــرورة إتقــان اللغــة القوم ّيــة؟‬ ‫هنــاك‪ ،‬أحيانــاً‪ ،‬شــكاوى‪ ،‬لــدى بعــض الطـاّب‪ ،‬مــن‬ ‫صعوبــة اللغــة العربيــة‪ ،‬بســبب الفــوارق بــن الفصحــى‬ ‫واملحك ّيــة‪ .‬لكــن‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫إذا كان الطالــب العربـ ّـي يتعلــم الــكالم باللغــة‬ ‫ّ‬ ‫الصـ ّ‬ ‫ويتكلــم بهــا يف ّ‬ ‫ـف وخارجــه‪ ،‬فلمــاذا ال‬ ‫األجنب ّيــة‬ ‫ّ‬ ‫يتعلــم الــكالم بالفصحــى‪ ،‬لغتــه‪ -‬األمّ ‪ ،‬يف الصـ ّ‬ ‫ـف‬ ‫عــى األقـ ّـل؟ فإضافـ ًـة إىل أنّ هــذا األمــر هــو يف مصلحــة‬ ‫فإنــه يســتعيد ّ‬ ‫الطالــب‪ ،‬بال ّتأكيــد‪ّ ،‬‬ ‫للغــة القوم ّيــة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ويدعــمُ ظــروف تفاعلهــا كمــا يدعــم‬ ‫موقعَ هــا وحيويّ َتهــا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـايت‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫والح‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫والعل‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫اري‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ّر‬ ‫و‬ ‫ـ‬ ‫ط‬ ‫الت‬ ‫ـردات‬ ‫اغتناءهــا بمفـ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـي‪ .‬وينبغــي أالّ ننــى أنّ الطـاّب‪ ،‬يف أيامنــا‪،‬‬ ‫العمـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫يشـ ّـكلون نســبة ك ـبـرة مــن الســكان‪ ،‬ويف هــذا مــا يجعــل‬ ‫القض ّيــة قوم ّيـ ًـة وطن ّيــة عامّ ــة ومعرف ّيــة بامتيــاز‪.‬‬ ‫ال جــدال يف أنّ اللغــة املحك ّيــة غن ّيــة‪ ،‬هــي أيضــا‪ً،‬‬ ‫ـعبي قومـ ّـي؛‬ ‫بتجــارب وتع ـبـرات و ـتـراث إنســاين شـ ّ‬ ‫وليــس التنــازل عنهــا تمامــاً محــور القضيــة كمــا هــو‬ ‫واضــح‪ .‬بــل إنّ ا ـنـزالق بعــض التع ـبـرات املعرفيــة اليوميــة‬ ‫إىل الفصحــى ال يضريهــا‪ ،‬وهــو مــا حصــل عــى امتــداد‬ ‫التاريــخ‪ .‬ويف املقابــل فــإنّ ا ـنـزالق املفــردات الفصحــى‬ ‫إىل املحك ّيــة يُغنيهــا ويق ِّربهــا مــن الفصحــى كمــا ي ـق ّرب‬ ‫الفصحــى نفســها مــن عالــم املصطلحــات الدّ خيلــة‬ ‫والتجــارب اليوم ّيــة‪.‬‬ ‫لكــن‪ ،‬بانتظــار هــذا ال ّتقــارُب أو هــذا ال ّت ُ‬ ‫فاعــل‪ ،‬يتوجّ ــب‬

‫تشــجيع الــكالم بالفصحــى‪ ،‬يف دروس اللغــة العربيــة‬ ‫واألدب العربـ ّـي‪ ،‬عــى األقـ ّـل‪ ،‬ويف املجالــس والل ـقـاءات‬ ‫العامّ ــة أو اإلذاع ّيــة‪.‬‬ ‫ألنّ الفصحــى لغـ ٌـة ح ّيــة‪ ،‬كمــا أنهــا لغـ َـة ال ّنـ ّ‬ ‫ـص‬ ‫ضـرة يف‬ ‫الدينـ ّـي ولغتنــا القوم ّيــة‪ ،‬هــي اآلن لغــة حا ـ‬ ‫الحيــاة اليوميــة ثقافـ ًـة وعمـا ً َ‬ ‫وت ُ‬ ‫واصـاً‪ :‬يف املذ ـيـاع‬ ‫والتلفزيــون والجريــدة والربملــان ومختلــف املجالــس أو‬ ‫بعضهــا‪ ،‬ويف اإلعــان‪ .‬فضـا ً عــن حضورهــا يف النــدوات‬ ‫واملجالــس الثقاف ّيــة والحكوميــة وغــر الحكوميــة ويف‬ ‫املــدارس والكتــب‪.‬‬ ‫هــذا علمــاً بــأنّ أســاتذة اللغــات األجنبيــة يفرضــون‪،‬‬ ‫سـونها؛ وليــس‬ ‫يف صفوفهــم‪ ،‬الــكالم باللغــة التــي يُدَ ِّر ـ‬ ‫أســهل وال أ ـقـرب إىل الطـاّب مــن اللغــة العرب ّيــة‬ ‫الفصحــى‪ .‬وباإلضافـ ًـة إىل الضــرورة املبدئ ّيــة ومصلحــة‬ ‫الطالــب‪ ،‬نعــرف أنّ اللغــة تحيــا وتغنــى وتتطـوّر‬ ‫باملمارســة وبحضورهــا وحياتهــا يف عالــم ال ّت ُ‬ ‫واصــل‪،‬‬ ‫تمامــاً كاغتنائهــا يف ميــدان التعبــر املباشــر والكتابـ ّـي‬ ‫األدبـ ّـي والعلمـ ّـي‪.‬‬ ‫بــل إنّ حضــور اللغــة الحـ ّـي املباشــر يف العالــم‬ ‫ُ‬ ‫التواصــل ويعـ ّزز فضيلــة ال ّتقــارُب‬ ‫اليومـ ّـي يدعــم‬ ‫وال ّت ُ‬ ‫عـرب ال ّناطقــن بهــا عــى اختــاف‬ ‫كاتــف بــن ال ـ‬ ‫األقاليــم العربيــة ولهجاتهــا‪.‬‬ ‫الواقــع أنّ املشــكلة هــي‪ ،‬أوالً‪ ،‬مشــكلة منهــج ودربــة‪.‬‬ ‫ضـوع مطــروح وال أزعــم أننــي أملــك الجــواب‬ ‫املو ـ‬ ‫الحاســم‪ ،‬عــى الرغــم مــن الســنوات الثالثــن التــي‬ ‫أمضيتهــا يف تعليــم العربيــة‪.‬‬ ‫لكــن‪ ،‬إضافـ ًـة إىل ذلــك‪ ،‬ويف الوقــت نفســه‪ ،‬ال بــدّ مــن‬ ‫خطــوات تبــدأ بدراســات ومناقشــات وتجــارب لتضييــق‬ ‫الهــوة بــن اللغتــن‪ ،‬ال ســيما يف بعــض األقاليــم العربيــة‬ ‫حيــث ال ّتفــاوُت بــن املحكيــة والفصحــى ال ُيسـ َتهانُ بــه‪.‬‬ ‫ض ٌ‬ ‫ضـوع قومـ ّـي أو‬ ‫ـوع مُ ِلــحّ ‪ ،‬وأكــر مــن مو ـ‬ ‫وهــذا مو ـ‬ ‫وطنـ ّـي‪ ،‬مــا دام ال ّتنــا ُز ُل عــن الفصحــى‪ ،‬كتابـ ًـة و ـق ً‬ ‫ـراءة‪،‬‬ ‫ر وار ٍد أو مطــروح‪ ،‬وال مصلحــة فيــه أليّ بلــد‪ ،‬وال‬ ‫غـ َ‬ ‫ـايف وال االقتصــادي‬ ‫ـايف واملســتوى الثقـ ّ‬ ‫يخــدم العمــق الثقـ ّ‬ ‫فضـا ً عــن القومـ ّـي؛ كمــا أنّ هــذا التنــازل ســيعزل‬ ‫امل َُت ّ‬ ‫علــمَ عــن ـتـراث قومــه وعــن البلــدان العربيــة األخــرى‬ ‫أو يزيــد ال ّتواصـ َـل صعوبـ ًـة‪.‬‬


‫‪97‬‬

‫المجلة‬

‫تتالحم مع الخوف الديموغرافي الراهن وتسبقه‬ ‫مخاوف من توطين الفلسطينيين منذ لجوئهم‬ ‫إلى لبنان‪ .‬خالل ‪ 75‬عاما أضحى “رهاب التوطين”‬ ‫بمثابة تقليد ثقافي‬

‫حـزاب السياســية وترجمــة االتفــاق بقانــون صــادر عــن الربملــان‬ ‫األ ـ‬ ‫أو بمرســوم جمهــوري‪.‬‬

‫توطين الفلسطينيين‬

‫تتالحــم مــع الخــوف الديمو ـغـرايف الراهــن وتســبقه مخــاوف مــن‬ ‫توطني الفلسطينيني منذ لجوئهم إىل لبنان‪ .‬خالل ‪ 75‬عاما عىل‬ ‫لجوئهم‪ ،‬أضحى “رهاب التوطني” بمثابة تقليد ثقايف مفاده أنّ‬ ‫الفلســطينيني يرغبــون يف التوطــن‪.‬‬ ‫يف ّند السؤال مدير مركز تطوير الدراسات هشام دبيس‪ ،‬قائال‪:‬‬ ‫“بداية ال بد من اإلشارة إىل أنّ املوقف الرسمي الفلسطيني واملمثل‬ ‫بمنظمــة التحريــر الفلســطينية والســلطة الوطنيــة‪ ،‬أصــدر وثائــق‬ ‫موجهــة للدولــة اللبنانيــة ولجميــع الطوائــف‪ ،‬ليعلــن اعتــذاره عــن‬ ‫املشاركة يف الحرب األهلية‪ ،‬ويتعهد برفض أي محاولة للتوطني‪.‬‬ ‫وتجــدر مراجعــة وثيقــة “إعــان فلســطني يف لبنــان” الصــادرة عــام‬ ‫‪ 2008‬ووثيقــة “كلمــة شــرف وعهــد و ـفـاء ألخوتنــا املســيحيني يف‬ ‫لبنان” املوجهة للعائالت الروحية يف عيد الفصح من ذلك العام‪.‬‬ ‫كما يَربز تقرير اإلحاطة ملندوب األمني العام لألمم املتحدة ملتابعة‬ ‫تنفيــذ ال ـقـرار األممــي ‪ ،1559‬ومــا ّ‬ ‫نصــه تقريــر مجلــس األمــن عــن‬ ‫تعاون الشرعية الفلسطينية لتطبيق هذا القرار داخل املخيمات‬ ‫وخارجها عىل قاعدة إنقاذ سيادة الدولة اللبنانية”‪.‬‬ ‫ويرصد دبيس الحراكات الشبابية الفلسطينية التي دعت إىل‬ ‫السماح لها بالهجرة إىل الضفة الغربية أو إىل أمريكا وأوسرتاليا‪،‬‬ ‫جـول عــى الســفارات ذات الصلــة لطلــب اللجــوء‬ ‫وشـ ّـكلت لجــان ت ـ‬ ‫حتى ال تضطر للهجرة غري النظامية‪ .‬وقد القى هذا الحراك أبوابا‬ ‫موصدة يف السفارات‪ ،‬كما واجهته فصائل فلسطينية‪ ،‬واتهمّ ته‬ ‫بأنــه مؤا ـمـرة إلســقاط “حــق العــودة”‪ ،‬ومارســت تلــك الفصائــل‬ ‫التهديدات والضغط عىل الحراك حتى أجهضته‪.‬‬ ‫ويذ ّكر بأنّ مجموعة تمثل الالجئني الفلسطينيني الذين لجأوا‬ ‫من سوريا إىل لبنان بعد تدمري مخيم الريموك وغريه يف سوريا‪،‬‬ ‫أعلنــت موقفــا يطالــب “األونــروا” و“مفوضيــة الالجئني”بحقهــم‬ ‫حـراك تفويضــا ّ‬ ‫موقعــا مــن‬ ‫يف التوطــن يف بلــد ثالــث‪ ،‬وحمــل ال ـ‬ ‫أكــر مــن ألــف عائلــة فلســطينية انتقلــت مــن ســوريا وعائــات‬ ‫فلسطينية من املخيمات اللبنانية تطالب بالتوطني يف بلد ثالث‪،‬‬ ‫وتعــاون مــع اللجنــة محامــون لبنانيــون‪ ،‬لكنهــم أيضــا فشــلوا يف‬ ‫إقناع “األونروا”و“املفوضية”‪ ،‬فتحولوا إىل السفارات لكنها أيضا‬ ‫أوصــدت أبوابهــا‪.‬‬ ‫حـراك فصا ئــل “املمانعــة” لتتهمهــم‬ ‫تحر كــت ضــد هــذا ال ـ‬ ‫بالعمالة‪ ،‬مما أدّى إىل اختفاء أغلب عناصره املعروفة‪ ،‬والحقا‬ ‫جـرة غــر النظاميــة‪.‬‬ ‫كان البحــر وســيلتهم لســلوك اله ـ‬ ‫يف مواجهةاملشهد العام الذي يعكس إرادة غالبية الفلسطينيني‬ ‫يف املخيمات‪ ،‬يلفت دبيس إىل أنّ القيادات اللبنانية األعىل صوتا‬

‫تحقيق‬

‫مجموعة تمثل الالجئين الفلسطينيين الذين‬ ‫لجأوا إلى لبنان بعد تدمير مخيم اليرموك‬ ‫وغيره في سوريا‪ ،‬طالبوا “األونروا” و”مفوضية‬ ‫الالجئين” بحقهم في التوطين في بلد ثالث‬

‫‪%91‬‬

‫نسبة الالجئين‬ ‫السوريين في لبنان‬ ‫الرافضين للعودة‬ ‫خالل ‪ 12‬شهرا‬

‫‪%27‬‬

‫نسبة الالجئين‬ ‫السوريين في لبنان‬ ‫الراغبين بالعودة‬ ‫خالل ‪ 5‬سنوات‬

‫‪%56‬‬

‫نسبة الالجئين‬ ‫السوريين الراغبين‬ ‫بالعودة‬

‫‪%32.2‬‬

‫نسبة الالجئين‬ ‫السوريين غير‬ ‫الراغبين بالعودة‬ ‫إطالقا‬

‫‪%26‬‬

‫نسبة الالجئين‬ ‫السوريين الراغبين‬ ‫بالتوطين في بلد ثالث‬

‫يف رفض التوطني الفلسطيني (عون‪-‬باسيل) منحت الجنسيات‬ ‫اللبنانيــة بمرســوم رئــايس لعــدد ال بــأس بــه مــن الفلســطينيني‬ ‫أصحاب املال لقاء مبالغ طائلة‪.‬‬ ‫وال يفــوت البا حــث أنّ أمهــات لبنانيــات متزو جــات مــن‬ ‫فلســطينيني ســعني مــن طريــق النضــال الســلمي للمطالبــة بمنــح‬ ‫ا ـملـرأة اللبنانيــة الجنســية ألطفالهــا‪ ،‬لكــن الربملــان يرفــض النقــاش‬ ‫يف هذا املطلب اإلنساين‪ ،‬وأبل َِغت الحملة بإيقاف مشروع القرار‬ ‫بســبب الزيجــات مــن الفلســطينيني‪.‬‬ ‫ويتــدارك دبــي‪“ :‬إذا كان ا ـملـزاج العــام الفلســطيني يســعى‬ ‫غـرة‬ ‫جـرة بفعــل تراكــم البــؤس يف املخيمــات‪ ،‬فــإن فئــة ص ـ‬ ‫اىل اله ـ‬ ‫صـول عــى الجنســية اللبنانيــة‪ .‬وهــذه الفئــة عاشــت‬ ‫ترغــب بالح ـ‬ ‫يف قــرى وأح ـيـاء ف ـقـرة يف املــدن مثــل صيــدا القديمــة‪ ،‬برجــا‪،‬‬ ‫قــرى الجنــوب‪ ،‬الضبيــة‪ ،‬بــرج حمــود‪ ،‬زحلــة‪ .‬ومعظــم ـهـؤالء‬ ‫مندمجــون يف محيطهــم‪ ،‬ويخفــون جنســيتهم مخافــة فقــدان‬ ‫عملهــم ومصــدر رزقهــم‪ ،‬وبحســب ســجالت األونــروا‪ ،‬ال يتجــاوز‬ ‫عــدد ـهـؤالء الفلســطينيني ‪ 3000‬إىل ‪ 4000‬عائلــة‪ ،‬وهــم يرغبــون‬ ‫يف التوطــن بشــدّ ة ولكنــه ال يحـ ّـق لهــم”‪.‬‬

‫التطبيع واحتماالت التوطين‬

‫أخريا‪ ،‬وعىل وقع خطوات التطبيع املتسارع مع إسرائيل‪ ،‬تبقى‬ ‫مسألة توطني الفلسطينيني يف لبنان محاطة بالشبهات‪.‬‬ ‫يف أيّ حــال‪ ،‬ينفــي هشــام دبــي إمــكان توطــن الفلســطينيني‬ ‫يف لبنان‪ ،‬منطلقا من مسار اتفاقات السالم بني مصر وإسرائيل‬ ‫واألردن وإسرائيل‪ ،‬ومع ذلك لم ي َّ‬ ‫ُوطن الالجئون الفلسطينيون‬ ‫يف األردن وعددهــم يصــل إىل ‪ 50‬يف املئــة مــن ســكان اململكــة‪،‬‬ ‫وكذلــك لــم يو ّ‬ ‫َطــن الالجئــون الفلســطينيون يف مصــر وعددهــم‬ ‫يقــارب ‪ 100‬ألــف‪.‬‬ ‫غـرب‬ ‫أمــا يف مســار تطبيــع اإلمــارات والبحريــن والســودان وامل ـ‬ ‫حيــث ال يوجــد الجئــون فلســطينيون‪ ،‬في ـقـول “يجــري العمــل‬ ‫سـرائييل‬ ‫اليــوم عــى إح ـيـاء مســار الســام الفلسطيني‪-‬اإل ـ‬ ‫عــى قاعــدة خيــار الدولتــن‪ .‬وهنــا يتوقــف املطلــب‪ ،‬حيــث أن‬ ‫سـرائيلية هــي الهــدف مــن إدراج‬ ‫عــودة املفاوضــات الفلسطينية‪-‬اإل ـ‬ ‫املوضوع الفلسطيني يف مسار التطبيع‪ ،‬عىل أن تتابع املفاوضات‬ ‫القيــادة الفلســطينية وليــس ســواها عــى ّ‬ ‫ملفــات الحـ ّـل النهــايئ‬ ‫املتعــارف عليهــا (الحــدود‪ ،‬القــدس‪ ،‬الالجئــن‪ ،‬األمــن)”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويحذر من التطبيع‬ ‫ويخلص هشام دبيس إىل أنّ من يخوّف‬ ‫عىل ّأنه “مدخل توطني يف لبنان”‪ ،‬فإنه يتحدث خارج املعطيات‬ ‫الدوليــة واالقليم ّيــة‪ ،‬ويريــد االســتثمار يف هــذا العنــوان مــن أجــل‬ ‫استخدام الحالة الفلسطينية يف لبنان كورقة مساومة‪ ،‬فضال عن‬ ‫مزايــدات الخطــاب اإليديولوجــي (اإلســامي‪ -‬القومــي‪ -‬اليســاري)‬ ‫ّ‬ ‫يشكل خلفية محور املمانعة بشكل عام‪.‬‬ ‫الذي‬


‫تحقيق‬

‫المجلة‬

‫أثبتت الحكومات اللبنانية المتعاقبة غياب‬ ‫اإلدارة المنهجية والشفافة للجوء السوري منذ‬ ‫اندالع الحرب‪ .‬ما يمكن تشخيصه اليوم انفجارا‬ ‫للجوء هو نتيجة االخفاقات طوال ‪ 12‬عاما‬

‫إلغاثــة الالجئــن الســوريني‪ .‬حينهــا‪ ،‬أوعــز املصــرف املركــزي بعــدم‬ ‫شـركات مدنيــة إن اتضــح‬ ‫فتــح حســابات مصرف ّيــة لجمعيــات و ـ‬ ‫ّأنهــا تنشــط إلغاثــة الســوريني‪ ،‬إال يف حــال جمّ ــدت املنظمــة مبالــغ‬ ‫مرقومــة تصــل إىل مليــون دوالر‪ ،‬وذلــك تحــت مســمى “مكافحــة‬ ‫اإلرهــاب وتبييــض األمــوال”‪.‬‬ ‫وترتفــع ال ـنـرة الحكوميــة ضــد الالجئــن يف املوجــة الجديــدة‬ ‫باعتبارهــم “الجئــن اقتصاديــن”‪ ،‬لإلشــارة اىل أنهــم يريــدون‬ ‫العمل والحصول عىل املساعدات األممية‪ ،‬ويدخل أغبلهم لبنان‬ ‫شـرعية وحدود برية غري مضبوطة شــماال وشــرقا‬ ‫من معابر غري ـ‬ ‫بتسهيل من امله ّربني‪ .‬يف حني يرى الحقوقيون أن الظروف األمنية‬ ‫واالقتصاديــة غــر املســتقرة يف ســوريا ونشــوب نزاعــات مســتجدة‬ ‫يف مناطــق محســوبة عــى النظــام هــي مســوغات هــذا اللجــوء‪.‬‬ ‫تستنتج شحادة أنّ إفالس املنظومة السياسية اللبنانيّة بكامل‬ ‫تناقضاتهــا‪ ،‬اقتادهــا إىل اســتنزاف امللــف الســوري مجــدّ دا‪ ،‬بينمــا‬ ‫األجدر ضبط لبنان حدوده واملعابر غري النظامية‪ ،‬وهي ممسوكة‬ ‫حـزب‬ ‫مــن مخا ـبـرات الجيــش اللبنــاين ومجموعــات محميــة مــن “ ـ‬

‫‪96‬‬

‫ترتفع النبرة الحكومية ضد الالجئين في الموجة‬ ‫الجديدة باعتبارهم “الجئين اقتصاديين”‪،‬‬ ‫لإلشارة إلى أنهم يريدون العمل والحصول‬ ‫على المساعدات األممية‬

‫إذا كان املزاج‬ ‫العام الفلسطيني‬ ‫يسعى إىل‬ ‫الهجرة بفعل‬ ‫تراكم البؤس‬ ‫يف املخيمات‪،‬‬ ‫فإن فئة صغرية‬ ‫ترغب بالحصول‬ ‫عىل الجنسية‬ ‫اللبنانية‬

‫الله” أو الجيش السوري النظامي‪.‬‬ ‫حـرب‬ ‫تم ّيــز شــحادة بــن شــبحية “التوطــن” الحائمــة منــذ ال ـ‬ ‫صـول القانونيــة لهــذه املســألة‪ ،‬والتــي يحجبهــا‬ ‫األهليــة‪ ،‬واأل ـ‬ ‫الخطاب السيايس امل ُ ّ‬ ‫ضلل‪ .‬فمَ ن يمنح الجنسية اللبنانية هو أوال‬ ‫رئيــس الجمهوريــة‪ ،‬وقــام بذلــك مســبقا‪ ،‬و“إن تكلمنــا باملنطــق‬ ‫ّ‬ ‫ممثــل املســيحيني يف الســلطة هــو مَ ــن‬ ‫الطائفــي الســائد‪ ،‬فــإن‬ ‫جـراء التجنيــس”‪.‬‬ ‫ي ّتخــذ إ ـ‬ ‫أمّ ــا الطــرف الثــاين فهــو مجلــس النواب‪،‬الــذي يمثــل أكرثيــة‬ ‫حـزاب الحاكمــة‪.‬‬ ‫األ ـ‬ ‫يف حالــة ثالثــة‪ ،‬يصــدر حكــم قضــايئ ألشــخاص لــم ُيســجلوا‬ ‫يف املســح الســكاين‪ .‬ويجــب تمييزهــم عــن “مكتومــي القيــد” مــن‬ ‫عشائر عربية تعيش يف ّ‬ ‫عكار منذ عقود‪ ،‬وتحتفظ بأوراق رسمية‬ ‫قديمــة‪ ،‬وجُ ّنســت عــام ‪.1994‬‬ ‫وعليــه‪ ،‬تؤ ّكــد شــحادة أنّ ا لــكالم عــن تو طــن الســوريني‬ ‫َطــن مــن لــه جنســية‪ ،‬وال ّ‬ ‫تهويــل‪ ،‬فــا يو ّ‬ ‫يوطــن مــن لــه جنســية‬ ‫ّ‬ ‫لــم يســع لالســتحصال عليهــا‪ .‬وال يوَطــن أحــد إال بتوافــق أكرثيــة‬


‫‪95‬‬

‫توضح شحادة أنّ لبنان ملتزم تجاه الالجئني السوريني عدم‬ ‫الرتحيــل‪ ،‬بموجــب القانــون الــدويل‪ ،‬فلبنــان لــم ّ‬ ‫يوقــع اتفاقيــة‬ ‫عام ‪ 1951‬الخاصة بوضع الالجئ‪ ،‬لكنه شارك يف صوغ اإلعالن‬ ‫العاملي لحقوق اإلنسان الذي يحفظ الحق يف اللجوء‪ .‬وإن اتضح‬ ‫ضـاء‬ ‫عـرض لالضطهــاد‪ ،‬يجــب عرضــه عــى الق ـ‬ ‫أنّ الشــخص غــر م ـ‬ ‫بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب‪ ،‬وهذا ال يفيض إىل الرتحيل‬ ‫بل إىل سلوك مسار قانوين يبدأ بالدستور ثم االتفاقيات الدولية‬ ‫وانتهاء بالنصوص الخاصة‪ .‬ولبنان ّ‬ ‫وقع مع املفوضية عام ‪2003‬‬ ‫اتفاقية تلحظ هذا املسار‪ ،‬ويتم تحريفها‪ ،‬فهي تعطي مهلة سنة‬ ‫إليجاد دولة ثالثة إلعادة توطني الالجئ‪.‬‬ ‫وت ـقـول شــحادة نقــا عــن مصــادر أمن ّيــة‪ ،‬أنــه يجــري ترحيــل‬ ‫الســوريني مــن مرتكبــي اإلرهــاب والقتــل والســرقات يف لبنــان‪،‬‬ ‫عــى أال يكونــوا ارتكبــوا جرائــم أمنيــة يف ســوريا‪ ،‬وبالتــايل ال يطــرح‬ ‫طـرا عــى حياتهــم‪ .‬وقــد تابعــت ملفــات لســوريّني مــن‬ ‫الرتحيــل خ ـ‬ ‫“الجيــش الحـ ّر”‪ ،‬لــم ُيرَحّ لــوا عــى الرغــم مــن إدانتهــم يف املحكمــة‬ ‫ضـاء محكوميتهــم‪.‬‬ ‫العســكرية اللبنانيــة وانق ـ‬

‫أخطار أمنية وديموغرافية‬

‫يستوجب ترحيل الالجئ السوري أن ّ‬ ‫يشكل خطرا أمنيّا عىل لبنان‪.‬‬ ‫يف هــذا الجانــب‪ ،‬ي ـقـول الباحــث يف “الدوليــة للمعلومــات”‬ ‫محمــد شــمس الديــن‪“ :‬هنــاك نحــو ‪ 9000‬موقــوف ومحكــوم يف‬ ‫السجون اللبنانية‪ 40 ،‬يف املئة منهم سوريون”‪ ،‬مضيفا “بحسب‬ ‫تقريــر املديريــة العامــة لألمــن العــام مــن ‪ 15‬يونيو‪/‬حز ـيـران إىل ‪15‬‬ ‫يوليو‪/‬تمــوز ‪ ،2023‬أوقــف ‪ 532‬متهمــا بالجرائــم‪ ،‬مــن بينهــم ‪291‬‬ ‫ـواز ألمــن الدولــة‪ ،‬أوقــف ‪ 161‬م ّتهمــا‪ ،‬مــن‬ ‫ســوريا‪ .‬ويف تقريــر مـ ٍ‬ ‫بينهــم ‪ 55‬لبنانيــا فقــط و‪ 106‬ســوريني”‪.‬‬ ‫ي ـفـرض شــمس الديــن أنّ شــبكات تشــغيل الســوريني يكــون‬ ‫فيهــا اللبنــاين هــو ا ـلـرأس واألداة هــو الســوري‪ ،‬بســبب وضعــه‬ ‫االجتماعي الهش‪ .‬ويقيّم الباحث املخاوف الديموغرافية كاآليت‪:‬‬ ‫يبلغ معدل زيادة اللبنانيني ‪ ،1%‬والسوريني ‪ 3%‬ويوجد يف لبنان‬ ‫اليوم ‪ 4‬ماليني و‪ 200‬ألف لبناين ومليون و‪ 600‬ألف سوري‪ .‬وإن‬ ‫اســتم ّرت هــذه الو ـتـرة‪ ،‬نصــل إىل ‪ 7‬ماليــن و‪ 116‬ألــف لبنــاين‪ ،‬يف‬ ‫مقابــل ‪ 7‬ماليــن و‪ 118‬ألــف ســوري بعــد ‪ 53‬ســنة‪ .‬وال شـ ّ‬ ‫ـك يف أنّ‬ ‫ّ‬ ‫يشكل بحسب‬ ‫التهديد الديموغرايف يطال املكوّن املسيحي الذي‬ ‫الباحث ‪ 28%‬من اللبنانيني املقيمني‪ ،‬وذلك اســتنادا إىل دراســة‬ ‫القوائــم االنتخابيــة لعــام ‪.2022‬‬ ‫ويشــر رئيــس مركــز الســكان والتنميــة الدكتــور عــي فاعــور إىل‬ ‫ضـاء ج ّزيــن يســجّ ل‬ ‫انكمــاش متســارع يف ا ـلـوالدات املســيحية‪ ،‬فق ـ‬ ‫سـرة األقــل لبنانيــا (‪ ،)3.3‬وتبلــغ النســبة يف‬ ‫متوســط حجــم األ ـ‬ ‫البــرون وكســروان وراشــيا (‪ ،)3.4‬واملــن (‪.)3.5‬‬ ‫ال يعــزل فاعــور الحالــة املســيحية عــن تراجــع عــام للســكان‬

‫المجلة‬

‫‪1.5‬‬

‫مليون الجئ سوري‬ ‫في لبنان وفق‬ ‫تقديرات الحكومة‬ ‫اللبنانية‬

‫‪795,322‬‬ ‫عدد السوريين‬ ‫المسجلين لدى‬ ‫مفوضية الالجئين‬

‫‪22,820‬‬

‫عدد الموقوفين‬ ‫السوريين الداخلين‬ ‫خلسة منذ بداية ‪2023‬‬ ‫حتى سبتمبر‪/‬أيلول‪،‬‬ ‫وفق بيانات الجيش‬ ‫اللبناني‬

‫تحقيق‬

‫اللبنانيــن‪ .‬و يــرز مقار نــات بــن عا مــي ‪ 2018‬و‪ ،2022‬حيــث‬ ‫لحــظ تراجعــا ك ـبـرا يف ا ـلـوالدات (‪ ،)%38-‬مقابــل زيــادة الوفيــات‬ ‫(‪ ،)%6.2+‬عازيا التغريات إىل “الحد الطوعي للنسل” جراء األزمة‬ ‫االقتصادية‪ ،‬وتراجع معامالت الزواج ( (‪ %24.6-‬وتزايد الطالق‬ ‫إىل مستوى ( (‪ %26.5+‬يف ‪ ،2022‬وهجرة الكفاءات اللبنانية ويف‬ ‫عدادهــا ‪ 260‬ألفــا غــادروا البــاد خــال املــدّ ة املذكــورة‪.‬‬

‫عودة السوريين‬

‫هل يرغب الالجئون السوريون بالعودة إىل بالدهم‪ ،‬ما قد يكسر‬ ‫املخاوف الديموغرافية؟‬ ‫“ليس عىل املدى القريب”‪ ،‬يجيب فاعور‪ .‬ويستشهد بالجولة‬ ‫الثامنة لـ “استطالع اآلراء والنوايا لدى الالجئني السوريني” الذي‬ ‫أصدرته املفوضية يف يونيو‪/‬حزيران ‪ 2023‬ويغطي لبنان واألردن‬ ‫عـراق ومصــر‪ .‬وتســتوقف نســبة الالجئــن الســوريني يف لبنــان‬ ‫وال ـ‬ ‫“الرافضــن للعــودة خــال ‪ 12‬شــهرا”‪ ،‬وتبلــغ ‪ ،%91‬فيمــا ترتفــع‬ ‫نسبة “الراغبني بالعودة خالل ‪ 5‬سنوات” لتبلغ ‪ .%27‬كما تشري‬ ‫النتائج العامة إىل رغبة ‪ %56‬من الالجئني السوريني بالعودة‪،‬‬ ‫مقابــل ‪ %32.2‬ال يرغبــون يف ذلــك إطالقــا‪ ،‬مــع رغبــة ‪ %26‬مــن‬ ‫ـهـؤالء بالتوطــن يف بلــد ثالــث‪.‬‬ ‫يضيــف فاعــور أنّ “نقــص ـفـرص العمــل” يتقــدّ م األســباب التــي‬ ‫تدفــع الســوريني اىل عــدم العــودة‪ ،‬فيمــا حـ ّـل “الوضــع األمنــي”‬ ‫يف املرتبــة الثانيــة‪ ،‬ويف املرتبــة الثالثــة “نقــص الخدمــات األساســية‬ ‫وانعــدام البنيــة التحتيــة”‪.‬‬

‫ابتزاز سوري‪ -‬لبناني‬

‫تحمّ ــل املحاميــة ديــاال شــحادة النظــام الســوري املســؤولية األوىل‬ ‫إلعاقة عودة الالجئني‪ .‬وتقول إنه يف ّ‬ ‫ظل مقاطعة املجتمع الدويل‪،‬‬ ‫باستثناء االغاثة اإلنسانية لسوريا جراء الزلزال املزدوج يف شباط‪/‬‬ ‫فرباير ‪ ،2023‬ال يمتلك النظام السوري إال ورقة الالجئني‪ .‬ففيما‬ ‫يطالب املجتمع الدويل سوريا بوقف االنتهاكات اإلنسانية‪ ،‬وإعالن‬ ‫مصري املفقودين‪ ،‬واإلفراج عن املعتقلني السياسيني وخصوصا‬ ‫النساء‪ ،‬لم يعلن النظام قبوله بهذه االجراءات‪.‬‬ ‫وتتابــع أنّ النظــام وضــع معوقــات شــتى لعــودة الالجئــن‪،‬‬ ‫منها املرسوم الرئايس ‪ ،2018/10‬الذي يهدّد ملكياتهم العقارية‪.‬‬ ‫ويفرض ‪ 100‬دوالر عىل كل سوري يدخل حدود البالد‪ ،‬ويتقاىض‬ ‫قيمتهــا عــى ســعر الصــرف الرســمي‪ ،‬كمــا ـفـرض رســوما خياليــة‬ ‫لالع ـفـاء مــن التجنيــد بقيمــة نحــو ‪ 4000‬دوالر‪ .‬ولذلــك موقــف‬ ‫شـرات برفضــه عــودة الالجئــن‪.‬‬ ‫النظــام الســوري واضــح املؤ ـ‬ ‫عــى املقلــب الثــاين‪ ،‬لبنــان “دولــة فاشــلة” وفاســدة يف منظــور‬ ‫املجتمع الدويل‪ .‬هذا ما تشدّ د عليه شحادة‪ ،‬مذ ّكرة بأنّ املانحني‬ ‫قـ ّرروا منــذ ‪ 2017‬االعتمــاد أكــر عــى منظمــات املجتمــع املــدين‬


‫تحقيق‬

‫“دولــة عرب ّيــة أعــداد مواطنيهــا يف تراجــع مســتم ّر‪ ،‬بــن ‪ 32‬دولــة‬ ‫عامليــا”‪ .‬عنــوان مثــر لالستكشــاف د ّوى يف املواقــع اإلخباريــة‪.‬‬ ‫البلــد هــو لبنــان‪ ،‬والوحيــد عرب ّيــا‪ ،‬وفــق التقريــر األممــي األخــر‬ ‫للتعــداد الســكاين‪.‬‬ ‫لــم يكــن التقريــر ضروريّــا لتصعيــد النفــور تجــاه الالجئــن‬ ‫السوريني يف لبنان‪ .‬الحالة مستنفرة منذ بدء األزمة االقتصادية‬ ‫اللبنانيــة‪ ،‬ويتوالــد منهــا عنــف يومـ ّـي بــن لبنانيــن وســوريني‪.‬‬ ‫الجديــد أنّ االحتقــان يغذيــه إج ـمـاع املوقــف الســيايس اللبنــاين‬ ‫النابذ لالجئني‪ ،‬يف ّ‬ ‫ظل موجة اللجوء الجديدة التي انطلقت يف‬ ‫الشتاء األخري‪ ،‬معطوفة عىل عنوان “التهديد الديموغرايف” من‬ ‫الالجئ السوري‪ ،‬إىل الحدّ ّالذي جعل وزير الداخلية والبلديات‬ ‫اللبنــاين يعتــر أنّ عمّ ــال “الدليفــري” الســوريني‪ ،‬يهــدّ دون األمــن‬ ‫األهــي ألنهــم ّ‬ ‫“يطلعــون عــى تفاصيــل حيــاة اللبنانيــن”‪.‬‬ ‫ينقلنــا املشــهد الراهــن إىل خلفيــة فاعلــة ومتفاعلــة منــذ قبــل‬ ‫لجوء السوريني‪ ،‬وتعني الفلسطينيني الذين أسس لجوؤهم إىل‬ ‫لبنان تهديد “التوطني”‪ .‬يؤبّد هذا التهديد يف الوجدان املسيحي‬ ‫ســؤال الزعيــم بيــار الجميــل يف أواخــر ســبعينات القــرن املــايض‪:‬‬ ‫“هــل فعــا تعتقــدون ّأنــه لــم يتــمّ توطــن الفلســطينيني بعــد؟”‪.‬‬ ‫حتــى اليــوم‪ ،‬ال ـتـزال املعالجــة العلميــة غائبــة يف خصــوص‬ ‫ّ‬ ‫وخطة “الرتحيل اآلمن” التي وضعها لبنان يف الصيف‬ ‫التوطني‪،‬‬ ‫صـرم غــر واضحــة املعالــم ل ـلـرأي العــام‪ ،‬يف حــن يتأثــر املعيــش‬ ‫املن ـ‬ ‫اللبنــاين بدوامــة املواقــف السياســية التــي تشــحن التو ـتـرات بــن‬ ‫املواطنني والالجئني‪ ،‬باعتبار أن هؤالء سيقضون عىل خصوصية‬ ‫لبنــان املســيحيّة‪.‬‬ ‫إذا‪ ،‬ويف ظـ ّـل غيــاب اليقــن وتسـ ّـلط الحوافــز الغريزيــة الن ـتـزاع‬ ‫التغرّي‬ ‫مقوّمات البقاء ضمن اقتصاد ومال منهارين‪ ،‬ما مالمح‬ ‫ّ‬ ‫الديمو ـغـرايف الــذي يشــق طريقــه إىل لبنــان عــى خطــى الالجئــن؟‬ ‫وعــى أي أســس مــن الحقيقــة ينبــع الخــوف مــن التوطــن؟‬

‫نازح أم الجئ سوري؟‬

‫املحاميــة املتخصصــة يف القانــون الــدويل ديــاال شــحادة‪ ،‬ت ـقـول‪:‬‬ ‫“البعــض يصـوّر أنّ الالجــىء سـيُمنح الجنســية‪ ،‬وهــذا اســتغالل‬ ‫للجهــل بثالثــة أمــور‪ :‬مــن الالجــئ؟ مــا االتفاقيــة الخاصــة بوضــع‬ ‫الالجــئ؟ ومــا التوطــن؟”‪.‬‬ ‫الالفــت أوّال بحســب شــحادة‪ ،‬تســميتهم بـ“النازحــن”‪ ،‬يف‬ ‫حني أنّ النازح ال يعرب حدودا دولية معرتفا بها‪ .‬تشرح أنّ لبنان‬ ‫يستخدم مصطلح “نازح سوري” بموجب البيان الوزاري املتعلق‬ ‫بالالجئني يف حكومة تمام سالم عام ‪ ،2014‬واعتمده إمّ ا لجهل‬ ‫لدى مَ ن أعدّ البيان‪ ،‬أو العتبار ساذج ّ‬ ‫بأنه يُح ّرر لبنان من التزامه‬ ‫تجاه الالجئني السوريني‪.‬‬ ‫وتتابع أنّ صفة الالجئ ملزمة بحسب القانون الدويل‪ ،‬وتسقط‬

‫المجلة‬

‫‪ ‬أوعز املصرف‬ ‫املركزي بعدم‬ ‫فتح حسابات‬ ‫مصرفيّة‬ ‫لجمعيات‬ ‫وشركات مدنية‬ ‫إن اتضح ّأنها‬ ‫تنشط إلغاثة‬ ‫السوريني‪ ،‬إال‬ ‫يف حال جمّ دت‬ ‫املنظمة مبالغ‬ ‫مرقومة تصل‬ ‫إىل مليون‬ ‫دوالر‪ ،‬وذلك‬ ‫تحت مسمى‬ ‫“مكافحة‬ ‫اإلرهاب‬ ‫وتبييض‬ ‫األموال”‬

‫‪94‬‬

‫عن السوريني فقط عندما يتبني ّأنهم قادرون عىل العودة‪ .‬وهذا‬ ‫جرى عام ‪ ،2015‬حني تشاركت “املفوضية” واألمن العام اللبناين‬ ‫بيانات حركة دخول السوريني وخروجهم‪ ،‬وبناء عليها شطبت‬ ‫املفوضية ‪ 200‬إىل ‪ 300‬ألفالجئ‪.‬‬ ‫تقدّر الحكومة اللبنانية أنّ عدد سكان البالد البالغ اليوم أكرث‬ ‫مــن ‪ 6‬ماليــن يشــمل نحــو ‪ 1.5‬مليــون الجــئ ســوري‪ ،‬معظمهــم‬ ‫ال يملــك أوراقــا نظاميــة‪ ،‬ولــدى مفوضيــة الالجئــن نحــو ‪ 795‬ألفــا‬ ‫و‪ 322‬مسجال‪.‬‬ ‫ووفق بيانات الجيش اللبناين‪ ،‬فإنّ عدد املوقوفني السوريني‬ ‫الداخلني خلسة بلغ منذ بداية ‪ 2023‬حتى سبتمرب‪/‬أيلول املايض‬ ‫قرابة ‪ 22‬ألفا و‪ 820‬نازحا‪.‬‬

‫حقائق حول الترحيل‬

‫أثبتــت الحكو مــات اللبنانيــة املتعاقبــة غيــاب اإلدارة املنهجيــة‬ ‫والشفافة للجوء السوري منذ اندالع الحرب‪ .‬ما يمكن تشخيصه‬ ‫اليــوم انفجــارا للجــوء هــو نتيجــة االخفاقــات طــوال ‪ 12‬عامــا‪،‬‬ ‫تراوحــت الح ـلـول خاللهــا مــا بــن طلــب مســاعدات مــن الــدول‬ ‫املانحــة‪ ،‬أو ترحيــل الجئــن‪.‬‬ ‫عمل ّيــا‪ ،‬يســتند لبنــان يف ترحيــل الالجئــن إىل قانــون تنظيــم‬ ‫الدخول إىل لبنان واإلقامة فيه والخروج منه الصادر عام ‪،1962‬‬ ‫ّ‬ ‫وينص عىل “صالحية املدير العام لألمن العام اللبناين يف إصدار‬ ‫قرارات برتحيل األجانب يف حاالت استثنائية حيث ّ‬ ‫يشكل األجنبي‬ ‫خطرا عىل السالمة واألمن العام”‪.‬‬ ‫كما يستند إىل قرار املجلس األعىل للدفاع الصادر يف ‪،2019‬‬ ‫الــذي انطلقــت عــى إ ـثـره أوىل قوافــل الالجئــن ضمــن “العــودة‬ ‫الطوعيــة واآلمنــة”‪.‬‬


‫‪93‬‬

‫المجلة‬

‫تحقيق‬


‫تحقيق‬

‫المجلة‬

‫الالجئــون يف لب ـنـان‪:‬‬ ‫رهــاب الديموغرافيــا‬ ‫تسييس “الخوف من توطني” السوريني والفلسطينيني‬ ‫بريوت ‪ -‬جودي األسمر‬ ‫رسوم ‪ -‬علياء أبو خضور‬

‫‪92‬‬


‫‪91‬‬

‫المجلة‬ ‫من الشاعر األميركي الذي تشعرين بقرب‬ ‫من شعره أكثر من سواه ولماذا؟‬

‫حوار‬

‫حول كتب‬ ‫هدي هبرا‬

‫شـ ُ‬ ‫ـعرت بقرابــة مــع تشــارلز ســيميك ألنــه لــم يكتــب‬ ‫بلغتــه األصليــة يف الوال يــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫بــل كتــب باإلنكليزيــة‪ .‬انجذبـ ُ‬ ‫ـت إىل شــعره بســبب‬ ‫التهجني (دمج التأثريات املختلفة وتنوع األساليب)‬ ‫الذي وســمه والصفة الســوريالية لقصائدة املكثفة‬ ‫أحب الطريقة التي يغادر بها امللموس‬ ‫والتصويرية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والعــادي لــي يثــر أســئلة وجوديــة عميقــة‪.‬‬ ‫الكوني‬ ‫الشعر‬ ‫ّ‬ ‫في مراجعتها لديوانك “طعم األرض”‬ ‫في مجلة “األدب العالمي اليوم” قالت‬ ‫الناقدة إنيال سليموفيتش إن شعرك‬ ‫يرسو بقوة في واقع الجماعات المحلية‬ ‫في الشرق األوسط من دون أن ينفصل‬ ‫تعرفين هذه الكونية‬ ‫عن الكوني‪ ،‬كيف ّ‬ ‫في الشعر؟‬

‫إيل‪ ،‬إن الطبيعــة هــي املصــدر األســايس‬ ‫بالنســبة ّ‬ ‫للنمــو الروحــي واإللهــام‪ .‬أنــا أنتبــه ملحيطــي لكننــي‬ ‫متأ ـثـرة بذكريــات املشــاهد الطبيعيــة والتضاريــس‬ ‫ـب ا ســتحضار العوا لــم‬ ‫الجغرافيــة الســابقة‪ .‬أ حـ ّ‬ ‫الخيالية وكذلك كتابة قصائد شخصية وسوريالية‪.‬‬ ‫يف مجموعايت الشعرية‪ ،‬قصائد مكتوبة من وجهة‬ ‫نظر الشخصيات يف اللوحات‪ ،‬أو وجهة نظر الفنان‪.‬‬ ‫وألن واليئ هــو للخيــال أ ـقـول إن كتابــة الجســد‬ ‫تقــود إىل حريــة التعبــر وإىل تأويــات غــر متوقعــة‬ ‫أشــبه بالحلــم‪.‬‬ ‫ما قصيدة النثر بالنسبة لك؟ كيف‬ ‫تعرفينها‪ ،‬وما الذي يجعلها خاصة‬ ‫ّ‬ ‫كجنس أدبي؟‬

‫أعتقد أن قصيدة النرث ال يمكن أن تع ّرف‪ .‬فهي أقرب‬ ‫إىل القصة املصغرة والكتابة الالسردية اإلبداعية‪،‬‬ ‫خاصة يف هذه األيام حيث تنشأ الكثري من األشكال‬ ‫الهجينة وتقود الطريق إىل التجريب‪ .‬لكن املرء يمكن‬ ‫أن يحرتم الشعر لدقته وحقيقة أن قصيدة واحدة‬ ‫يمكن أن تشمل عددا وافرا من التجارب الهادفة‪.‬‬

‫حني يرتبط الشعر بأماكن محدّدة فإن ذلك ال ينفي‬ ‫كونيته‪ .‬إن أصالة األفكار واملشاعر هي التي تجعلها‬ ‫عامليــة‪ .‬وحتــى لــو كانــت القصيــدة ث ـمـرة الخيــال‪،‬‬ ‫فإنهــا يمكــن أن تعــر عــن املشــاعر اإلنســانية وتكــون‬ ‫مقنعة ألنه عىل الرغم من أن اللغة تبتعد دائما عن‬ ‫شـرك كلنــا بإحســاس‬ ‫الواقــع‪ ،‬إال أن الفــن عاملــي‪ .‬ن ـ‬ ‫التوق إىل وطن وذوق ولغة وعناق وابتسامة‪ .‬ثمة‬ ‫كونيــة يف الخســارات والتنقــات والحــروب وكذلــك‬ ‫يف املثا ـبـرة والشــجاعة وتقديــر الجمــال الحاضــر يف‬ ‫شـركة لــكل النــاس‪ .‬إن‬ ‫جميــع مظاهــر الحيــاة امل ـ‬ ‫الشــعر مجــازيّ والقصائــد التــي تعــر عــن التجــارب‬ ‫الفرديــة تشــكل تموجــات‪ ،‬وتــردد أصداؤهــا عــر‬ ‫أمكنــة متوقعــة بصــرف النظــر أيــن تكــون أنــت حــن‬ ‫تقرأهــا‪.‬‬

‫شاي في القاهرة الجديدة‬ ‫تروي القصائد في هذا الديوان‬ ‫ً‬ ‫أحيانا مأساوية‬ ‫قصة عائلة هي‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا جميلة ً‬ ‫ً‬ ‫ودوما غرائبية‪،‬‬ ‫جدا‪،‬‬ ‫ومرئية من خالل عين رسام‪.‬‬ ‫تستلهم حياة عيشت في مصر‬ ‫وبيروت وأميركا‬

‫طعم األرض‬ ‫تنسج قصائد هذا الديوان التاريخ‬ ‫الشخصي مع التراث الثقافي‬ ‫للبلدين اللذين جاءت منهما‬ ‫الشاعرة‪ .‬قصائد مشحونة‬ ‫بذكريات الفقدان والحنين تزور‬ ‫تاريخ مصر األسطوري وتاريخ‬ ‫لبنان المضطرب‬

‫متى تشعرين أنك حققت ما تصبين إليه‬ ‫كشاعرة؟‬

‫ال أظن أن الشــاعر يصل إىل إحســاس بالكمال ألن‬ ‫الكتابة هي عملية مستمرة تؤدي إىل االستكشاف‬ ‫والتأمــل الــذايت‪ .‬عندمــا نعـ ّـر شــعريا عــن ذكرياتنــا‬ ‫وعواطفنا الحقيقية أو املتخيلة‪ ،‬فإننا ننطلق دائما‬ ‫نحو اكتشاف طرق جديدة للتعبري وتجربة األشكال‪.‬‬ ‫أشعر بالرضا عندما يستجيب القراء بشكل حديس‬ ‫لشــعري ويشــاطرونني انطباعاتهــم‪ .‬أحــب أيضــا‬ ‫القراءة للجمهور والتواصل معه‪ .‬وهذا يشعرين أن‬ ‫كتابة الشعر لم تعد حرفة يمارسها شاعر منعزل‬ ‫عن الناس‪ ،‬بل تبني شبكة من التواصل عىل الرغم‬ ‫من أنها غالبا ما تظل غري مرئية بالنسبة إلينا‪.‬‬

‫أم هل سبق لك أن رأيت‬ ‫الجانب اآلخر؟‬ ‫تنسج هدي هبرا في هذا‬ ‫الديوان نسيج حياة رائعة من‬ ‫خالل األحالم ولغة الذاكرة‪ ،‬وال‬ ‫تكتفي بتأويل الفن التشكيلي‬ ‫والموسيقى بل تتجاوز الحدود‬ ‫بين الشاعر والفن‬


‫حوار‬

‫نفســه‪ .‬أحببـ ُ‬ ‫ـت النقــد األدبــي ويف الوقــت نفســه لــم‬ ‫أســتطع التوقــف عــن الكتابــة اإلبداعيــة‪ .‬مــع مــرور‬ ‫الوقــت أدركـ ُ‬ ‫ـت أن التنقــل بــن األجنــاس ال ينطــوي‬ ‫عــى تناقــض ألنهــا تتالقــح‪ .‬وال أظــن أن عمليــات‬ ‫البحــث منفصلــة أو يمكــن أن تحظــى باألولويــة‪،‬‬ ‫خـرة ر ـك ُ‬ ‫ـزت عــى‬ ‫عــى الرغــم مــن أننــي يف األعــوام األ ـ‬ ‫كتابــة الشــعر‪ .‬كنــت متيمــة دومــا بالفــن ودرســته‬ ‫بانتظــام‪ ،‬وانكببـ ُ‬ ‫ـت يف األعــوام االثنــي عشــر املاضيــة‬ ‫عــى الرســم بالفرشــاة بالحــر الصينــي‪.‬‬ ‫كتبت قصائد ألهمتها اللوحات‪ .‬كيف‬ ‫ِ‬ ‫تصفين العالقة بين النص األدبي‬ ‫واللوحة؟‬

‫إن الر ســم والشــعر ال ينفصــان بالنســبة إىل‬ ‫الصينيــن‪ .‬إن البصــريّ يثــر خيــايل‪ ،‬ولهــذا ُت ْلهــم‬ ‫الطبيعــة والفــن كتابتــي‪ ،‬التــي بدورهــا تميــل إىل أن‬ ‫تكــون م ـثـرة للذكريــات وبصريــة‪ .‬ثمــة حــوار فنــي‬ ‫داخــي بــن اللوحــة وبــن قصيــدة دراميــة أو قصــة‬ ‫توسّ ع معنى عمل فني وتأويله‪ .‬تستحضر اللوحة‬ ‫غالبــا عاطفــة جماليــة تثــر ذكريــات غــر طوعيــة‬ ‫وحســية يمكــن أن ُترتجــم إىل كلمــات بينمــا تبــدو‬

‫‪90‬‬

‫المجلة‬

‫بعض القصائد كأنها تطلب أن ُت ّ‬ ‫سلط عىل قماشة‬ ‫رســم ويُعَ ـ َّـر عنهــا بضربــات الريشــة‪.‬‬

‫يفســرون القصيــدة ويعــاودون إبداعهــا بحســب‬ ‫ّ‬ ‫ثقافتهــم ومخزونهــم العاطفــي‪.‬‬

‫ما الذي يقدمه إلينا الشعر كقراء؟‬ ‫ما الذي هناك في القصيدة ال نعثر عليه‬ ‫في األجناس األدبية األخرى؟‬

‫تراثان‬

‫إن الشعر قريب من الرسم‪ .‬يستطيع املرء أن يشاهد‬ ‫عمــا فنيــا بلمحــة واحــدة أو أن يحــدّ ق فيــه لوقــت‬ ‫طويــل‪ ،‬كمــا يســتطيع أن ي ـقـرأ قصيــدة يف جلســة‬ ‫واحدة أو أن يعيد قراءتها مرات عدّ ة‪ّ .‬‬ ‫يولد ّ‬ ‫تشكل‬ ‫القصيدة عىل الصفحة تأثريات بصرية‪ ،‬ويبدو أن‬ ‫قصيــدة النــر تتأطــر كلوحــة‪ .‬ثمــة فجــوات وحــاالت‬ ‫صمت يف الشعر كما هناك فضاءات بيضاء يف لوحة‬ ‫تفتــح أبوابهــا للتأويــل‪ .‬عــاوة عــى ذلــك‪ ،‬فالبعــد‬ ‫املوســيقي واإليقاعــي يف اللغــة الشــعرية يخاطــب‬ ‫إحساســنا الجمــايل‪ .‬ويســاعدنا الشــعر يف تجــاوز‬ ‫الواقع اليومي والسكن يف عالم مواز يبنيه الخيال‬ ‫باســتمرار‪ .‬تســمح لنــا القــوة التحويليــة للقصيــدة‬ ‫بــأن نعيــد خلــق أنفســنا وفهمهــا ألنهــا تعمــل كمــرآة‬ ‫جـرب‬ ‫نجســد أنفســنا‪ .‬وي ـ‬ ‫نســتطيع مــن خاللهــا أن‬ ‫ّ‬ ‫ال ـقـراء بدورهــم رؤيــة أنفســهم يف هــذه املــرآة وهــم‬

‫تنتمين شعريا إلى تراثين‪ :‬التراث العربي‬ ‫والتراث األميركي‪ .‬هل أثر كالهما في‬ ‫كتابتك‪ ،‬أم أن شعرك ينتمي إلى التراث‬ ‫األميركي فحسب؟‬

‫عــى الرغــم مــن أننــي أنتمــي إىل الرتاثــن العربــي‬ ‫واألمرييك‪ ،‬فقد كان هناك املزيد من التأثريات عىل‬ ‫كتابتي‪ .‬كنت أؤلف الشعر بالفرنسية قبل مجيئي‬ ‫إىل الواليات املتحدة وعىل الرغم من أن كل شعري‬ ‫ُكتــب باإلنكليزيــة منــذ ذلــك الوقــت‪ ،‬فقــد كتبــت‬ ‫عــددا مــن القصائــد بالفرنســية واإلســبانية ُ‬ ‫شـرت‬ ‫ون ـ‬ ‫يف مجــات أدبيــة مرموقــة‪.‬‬ ‫الغوص في الطبيعة‪ ،‬واستقصاء‬ ‫األماكن البعيدة واستكناه عوالم الجسد‬ ‫من المواضيع الواضحة في شعرك‪ ،‬أية‬ ‫إمكانات يقدمها هذا الى القصيدة؟‬


‫‪89‬‬

‫حوار‬

‫المجلة‬

‫شاعرة أمريكية من أصل لبناين‪ ،‬وُلدت يف مصر الجديدة بالقاهرة‪ ،‬أجرت‬ ‫معها “املجلة” حوارا ملناسبة صدور ديوانها الجديد “أم هل سبق لك أن رأيتَ‬ ‫الجانب اآلخر؟” يف الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫حوار‪ -‬أسامة إسرب‬

‫رسوم ‪ -‬ايرين بالسكو‬

‫هِ دِ ي هربا‪ ،‬شاعرة أمريكية من أصل لبناين‪ ،‬وُلدت‬ ‫صـرة‬ ‫يف مصــر الجديــدة بالقا ـهـرة‪ .‬بعــد إقامــة ق ـ‬ ‫جـرت عائلتهــا إىل أ ـمـركا‬ ‫يف اليونــان وبلجيــكا ها ـ‬ ‫واســتقرت يف واليــة متشــيغان يف مدينــة كاالمــازو‪.‬‬ ‫تــدرّس هــدي ـهـرا اآلداب األمريكيــة الالتينيــة يف‬ ‫جامعــة “ويســرن متشــيغان”‪ ،‬صــدرت لهــا أربــع‬ ‫مجموعات شعرية منها “طعم األرض” الحاصلة‬ ‫عىل جائزة “نوتوليوس”‪“ ،‬تحت ضربات الريشة”‬ ‫الصــادرة عــن دار “بريــس ‪ ”53‬يف ‪“ ،2015‬شــاي يف‬ ‫مصر الجديدة” (‪“ ،)2013‬أم هل سبق لك أن َ‬ ‫رأيت‬ ‫الجانب اآلخر؟” (‪ .)2023‬صدرت لها أيضا مجموعة‬ ‫قصصــة بعنــوان “البســط الســحرية” (‪.)2013‬‬ ‫هــدي ـهـرا ناقــدة أدبيــة وفنانــة تشــكيلية أيضــا‬ ‫ودارســة مجتهــدة للغــات فهــي تتحــدّ ث بطالقــة‬ ‫الفرنسية والعربية واإلنكليزية واإليطالية‪ ،‬و َدرَسَ ت‬ ‫اليونانيــة والالتينيــة والصينيــة‪ ،‬كمــا أنهــا فنا نــة‬ ‫شـرت‬ ‫تشــكيلية ترســم بالفرشــاة بالحــر الصينــي‪ .‬ن ـ‬ ‫شعرها بلغات عدة يف مجالت أدبية مرموقة كما‬ ‫ُرشــحت لجوائــز أدبيــة رفيعــة‪.‬‬ ‫ملناســبة صــدور ديوانهــا الجديــد“أم هــل ســبق‬ ‫لــك أن رأيـ َ‬ ‫ـت الجانــب اآلخــر؟” يف الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكية عن دار “بريس ‪ ،”53‬أجرت معها “املجلة”‬ ‫الحــوار اآليت‪:‬‬ ‫تتنقلين في شعرك بين الماضي والحاضر‬ ‫لكنك تعودين دوما من الماضي دون أن‬ ‫تعلقي في شباكه‪ .‬كيف أثر االنتماء‬ ‫إلى ثقافتين مختلفتين في شعرك؟‬

‫حــن كنــت أعيــش يف مصــر يف بدايــة نشــأيت شـ ُ‬ ‫ـعرت‬ ‫ُ‬ ‫درست‬ ‫بأن ثقافات ولغات مختلفة جذبتني‪ .‬فقد‬ ‫يف مدرسة فرنسية ّ‬ ‫تعلمْ نا فيها العربية واإلنكليزية‪.‬‬ ‫وانتقلـ ُ‬ ‫ـت الحقــا إىل بــروت يك أدرس الصيدلــة يف‬ ‫جامعــة فرنســية‪ .‬بعــد رحيــي مــن لبنــان يف بدايــة‬ ‫حـرب األهليــة عشــنا يف بلجيــكا لســنوات عــدة‬ ‫ال ـ‬ ‫َسـ ُ‬ ‫ـت‬ ‫قبــل الســفر إىل الواليــات املتحــدة‪ .‬وهنــاك َدر ْ‬ ‫ُ‬ ‫أرسيت جذورا يف‬ ‫األدبني اإلنكليزي واإلسباين‪ .‬لقد‬ ‫ـت فيهــا وطـو ُ‬ ‫جميــع األمكنــة التــي عشـ ُ‬ ‫ّرت إحساســا‬ ‫باالنت ـمـاء يشــمل كل هــذه التأ ـثـرات‪ .‬وســاعدين‬ ‫التنقــل يف أن أكــون أكــر انفتاحــا عــى التغــر ورؤيــة‬ ‫العالــم ونفــي واآلخريــن أيضــا بعدســات جديــدة‪.‬‬

‫عيل وبقي‬ ‫لقد ترك شبابي ونشأيت عالمة ال ُتمحى َّ‬ ‫يف‪ ،‬بما أنه واصل االندماج مع‬ ‫هذا الرتاث محفورا ّ‬ ‫طبقات مكتسبة من النمو‪ .‬أشعر أن الجذور التي‬ ‫تشكلت مع مرور األعوام صارت تصل بني الزمان‬ ‫واملــكان‪ ،‬وبــن تجــارب املــايض والحاضــر‪ .‬إن شــعري‬ ‫يســتلهم هــذه التجــارب املتشــظية ويحــاول إعــادة‬ ‫خلقهــا يف الحاضــر‪.‬‬ ‫َ ت َحَّدث الشاعر األميركي ناثانييل تارن‬ ‫في كتابه “أطلنطس‪ :‬أنثروبولوجيا ذاتية”‬ ‫متعددة‪،‬‬ ‫عن الذات كنتاج لسياقات‬ ‫ّ‬ ‫وليس فقط للسياق الذي ولدت ونشأت‬ ‫فيه‪ .‬وبما أنك عشت في أمكنة كثيرة‬ ‫ونظمت الشعر في أكثر من لغة‪ ،‬كيف‬ ‫يعرفك هذا كشاعرة؟‬ ‫ّ‬

‫ّ‬ ‫نتعلمها نغوص يف ثروة ثقافية‪،‬‬ ‫مع كل لغة جديد‬ ‫جـزءا ال‬ ‫ويف تاريــخ وميثولوجيــا وتقاليــد تصبــح ـ‬ ‫جـزأ منــا‪ .‬نكتســب هويــة جديــدة مــن طريــق اللغــة‬ ‫يت ـ‬ ‫وكأنّ هنــاك مذاقــات مختلفــة لــذات جديــدة يف‬ ‫جـذع نفســه‪ .‬إن تعلــم اللغــة فاتــن ويغنينــا ألنــه‬ ‫ال ـ‬ ‫يسمح لنا بأن ننغمس يف عوالم النصوص األدبية‬ ‫األصلية ونتذوق الكونية والنماذج البدئية للطبيعة‬ ‫اإلنسانية‪ .‬آمل أن انفتاحا كهذا انعكس يف شعري‪.‬‬ ‫ما الذي ّ‬ ‫تبقى في داخلك من لبنان ومصر‬ ‫بعد مرور كل تلك األعوام؟‬

‫إن لبنــان ومصــر يقيمــان يف عقــي وقلبــي‪ .‬وأ نــا‬ ‫مرتبطة عىل نحو عميق بالناس فيهما وبالجغرافيا‬ ‫والحيوانات واألزهار والثقافة واملوسيقى وامليثولوجيا‬ ‫وطبعــا بفــن الطهــي‪ .‬واظبــت دومــا عــى إعــداد كل‬ ‫األطباق التقليدية أثناء تنقالتنا وحملت يف داخيل‬ ‫طعم الرتاب مع األلوان والنكهات والعطور املرتبطة‬ ‫ُ‬ ‫حاولت إعادة خلقها يف قصائدي‪.‬‬ ‫بالذكريات التي‬ ‫أنت شاعرة ورسامة وقاصة وناقدة‪ .‬ما‬ ‫يعرفك من بين كل هذه األنواع‬ ‫الذي ّ‬ ‫الفنية واألدبية على نحو أفضل؟‬

‫أمضيـ ُ‬ ‫ـت عقــودا وأنــا أطــرح عــى نفــي الســؤال‬


‫حوار‬

‫المجلة‬

‫هدي هبرا‪ :‬أستلهم‬ ‫ّ‬ ‫المتشظية‬ ‫التجارب‬

‫‪88‬‬


‫‪87‬‬

‫ذكرى‬

‫المجلة‬

‫كتب عددا من الروايات واملجموعات القصصية التي قدمت‬ ‫صورا مختلفة للمرأة يف املجتمع املصري وما تتع ّرض‬ ‫له من قسوة واضطهاد‬ ‫املرأة الشرقية‪ ،‬بل ذهب إىل صورة املرأة يف الغرب‪،‬‬ ‫فكتــب مجموعــة “الحــب الضائــع” التــي تنــاول فيهــا‬ ‫أكــر مــن نمــوذج لل ـمـرأة الغربيــة‪ ،‬مــا بــن املثقفــة‬ ‫املتعلمــة التــي تقــع يف براثــن الخيانــة أو الخادمــة‬ ‫البسيطة التي تواجه صعوبات الحياة لكنها تتعرث‬ ‫زواج ال تقبلــه وي ـفـرض نفســه عليهــا‪ ،‬وكأن طــه‬ ‫يف‬ ‫ٍ‬ ‫حسني أراد بتلك القصص أن يعرض أن مشكالت‬ ‫غـرب‪ ،‬عــى الرغــم ممــا‬ ‫ا ـملـرأة واحــدة بــن الشــرق وال ـ‬ ‫يبــدو مــن فــروق اجتماعيــة وثقافيــة بينهمــا‪.‬‬

‫تجريب‬

‫للمرأة يف املجتمع املصري وما تتع ّرض له من قسوة‬ ‫واضطهاد‪ ،‬ولعل أشهر هذه األعمال رواية “دعاء‬ ‫الكروان” التي صدرت عام ‪ 1934‬وحوّلت إىل فيلم‬ ‫ســينمايئ عــام ‪ 1959‬بطولــة فاتــن حمامــة وأحمــد‬ ‫مظهر‪ ،‬وكتب له السيناريو والحوار يوسف جوهر‬ ‫خـراج هــري ـبـركات‪ ،‬ويــروي يف الروايــة‬ ‫وكان مــن إ ـ‬ ‫مأســاة الفتــاة الريفيــة هنــادي وشــقيقتها آمنــة ومــا‬ ‫ـآس‪ ،‬كمــا تنــاول أحــوال ا ـملـرأة‬ ‫تتعرضــان لــه مــن مـ ٍ‬ ‫الف ـقـرة يف روايــة “شــجرة البــؤس”‪ ،‬حيــث البطلــة‬ ‫تتقلــب يف املــآيس واملشــكالت التــي تحيــط بهــا منــذ‬ ‫والدتهــا حتــى زواجهــا وإنجابهــا للبنــات ممــا يفاقــم‬ ‫بؤس حياتها‪ ،‬لكنه لم يقتصر يف تصويره املرأة عىل‬

‫كما ظهر عند طه حسني نوع من التجريب أو التمرد‬ ‫عــى الروايــة الكالســيكية يف روايتــه “مــا وراء النهــر”‬ ‫الــذي يبــدأ فيــه بمواجهــة ال ـقـراء أو تغيــر نظرتهــم‬ ‫عمــا اعتــادوه مــن أســاليب ال ـقـراءة‪ ،‬ولعــل ذلــك‬ ‫بأثر من أفكاره النقدية التي كان يحرص فيها عىل‬ ‫التشكيك يف املسلمات والتم ّرد عىل الثوابت‪ ،‬ويبدو‬ ‫أنه يطبق ذلك عىل الرواية يف هذا العمل‪ ،‬طامحا‬ ‫إىل جعــل القــارئ يعمــل عقلــه يف تفاصيــل الروايــة‬ ‫وأحداثها‪ ،‬ومستخدما أسلوب “كسر اإليهام” يف‬ ‫توجيه الخطاب إىل القارئ بعد كل فصل وحكاية‪.‬‬ ‫باإلضافة إىل ذلك كان لطه حسني دور اجتماعي‬ ‫وصحــايف بــارز‪ ،‬فقــد كتــب عــددا مــن املقــاالت‬ ‫املتفرقــة يف الصحــف املصريــة عالــج فيهــا عــددا مــن‬ ‫القضايــا واملشــكالت االجتماعيــة التــي جمعــت يف‬ ‫كتــب مثــل “مدرســة األزواج” و“لحظــات” و“يف‬ ‫الصيــف” وغري هــا‪.‬‬ ‫تر جــم طــه حســن عــن األدب الغر بــي عــددا‬ ‫مــن األعمــال الفكريــة واألدبيــة مثــل “روح الرتبيــة”‬ ‫لغوستاف لوبون‪ ،‬واألعمال الكاملة لراسني وعددا‬ ‫سـرحيات ســوفوكليس (“أوديبيــوس ملــكا”‬ ‫مــن م ـ‬ ‫و“أنتيغونــا”)‪ ،‬باإلضافــة إىل املســاهمة يف إح ـيـاء‬ ‫عــدد مــن كتــب ا ـلـراث العربــي القديــم وتحقيقهــا‪،‬‬ ‫شـراف” للبــاذري‪ ،‬و“ســر أعــام‬ ‫مثــل “أنســاب األ ـ‬ ‫النبــاء” للذهبــي‪ ،‬و“تجريــد األغــاين” البــن واصــل‬ ‫الحمــوي‪ ،‬وغريهــا‪.‬‬

‫رياده‬ ‫ّ‬

‫كل مــا ســبق يؤكــد ريــادة الدكتــور طــه حســن يف‬ ‫مجــاالت األدب والنقــد العربــي يف ذلــك الوقــت‬ ‫املبكر من القرن العشرين‪ ،‬وإذا أضفنا إىل ما سبق‬

‫كتاباته التي يستشرف فيها املستقبل أو يضع فيها‬ ‫رؤى وأفكارا خاصة بالفكر والثقافة‪ ،‬فسيظهر لنا‬ ‫صـره‬ ‫ضـوح كيــف كانــت رؤاه وأفــكاره ســابقة لع ـ‬ ‫بو ـ‬ ‫بكل ما يف الكلمة من معنى‪ .‬فهو يرسم بجالء يف‬ ‫كتــاب مثــل “مســتقبل الثقافــة يف مصــر” تصوراتــه‬ ‫ألهمية موقع مصر الثقايف والفكري‪ ،‬ويشري الكثري‬ ‫من داريس تراث طه حسني إىل تأثره يف وقت كتابة‬ ‫هذا الكتاب بالرؤية الغربية ملصر التي جعلته يراها‬ ‫تنتمي إىل الغرب ثقافيا‪ ،‬إال أن الكتاب يربط مصر‬ ‫أيضــا بأصولهــا الشــرقية‪ ،‬ثــم هــو يتجــاوز ذلــك كلــه‬ ‫بمــا يطرحــه مــن رؤى وأفــكار خاصــة يف مــا يتعلــق‬ ‫بإصالح التعليم‪ ،‬وأهمية تأسيس الطالب معرفيا‬ ‫وعلميــا يف مراحــل مــا قبــل الجامعــة‪ ،‬حيــث يكــون‬ ‫الطالب مهيأ علميا ومعرفيا ملا هو مقبل عليه‪ ،‬كما‬ ‫يشــر إىل ف ـكـرة شــديدة األهميــة وهــي “االســتقالل‬ ‫العقــي والنفــي” كمــا يســميه وهــو أن يعتمــد‬ ‫ـراث وفكـ ٍـر وحضــارة‬ ‫املصريــون عــى مــا لديهــم مــن ـت ٍ‬ ‫تجعلهــم قادريــن عــى أن يقدمــوا أنفســهم للعالــم‬ ‫عــى الوجــه األمثــل‪.‬‬ ‫ال شك يف أن أفكار العميد ورؤاه حول التعليم‬ ‫والثقافــة يف مصــر يمكــن أن تنســحب عــى أي قطـ ٍـر‬ ‫عربــي آخــر‪ ،‬وهــو بذلــك يقــدم ورقــة عمــل شــديدة‬ ‫الرثاء واألهمية لكل نهضة عربية حقيقية‪ ،‬واملثري‬ ‫للتأمــل أن أي قــارئ لهــذا الكتــاب ربمــا يتعجــب‬ ‫ممــا فيــه مــن رؤى وأفــكار لــم يؤخــذ بكثــر منهــا‬ ‫حتــى اليــوم‪.‬‬ ‫حصل طه حسني عىل عدد من درجات الدكتوراه‬ ‫الفخرية من جامعات الجزائر عام ‪ ،1964‬وبالريمو‬ ‫اإليطالية عام ‪ ،1965‬وجامعة مدريد عام ‪.1968‬‬ ‫كمــا حصــل عــى أعــى وســام مصــري‪“ ،‬قــادة‬ ‫النيــل”‪ ،‬عــام ‪ ،1965‬وعمــل رئيســا ملجمــع اللغــة‬ ‫العربية‪ ،‬ويف عام ‪ 1971‬رأس مجلس اتحاد املجامع‬ ‫اللغويــة يف العالــم العربــي‪.‬‬ ‫وأخريا أعلن القائمون عىل جائزة نوبل املرشحني‬ ‫للجا ـئـزة منــذ عــام ‪ 1901‬وظهــر يف تلــك القائمــة أن‬ ‫طــه حســن رشــح لجا ـئـزة نوبــل يف اآلداب ‪ 14‬ـمـرة‪،‬‬ ‫ومن بني ذلك ترشيح جامعة القاهرة له عام ‪1951‬ـ‬ ‫عـرب‬ ‫كمــا رشــحه عــدد مــن املفكريــن والكتــاب مــن ال ـ‬ ‫غـرب‪ ،‬منهــم أحمــد لطفــي الســيد‪ ،‬واملستشــرق‬ ‫وال ـ‬ ‫السويدي كارل زترستني واملستشرق الفرنيس شارل‬ ‫بال وغريهم وذلك من ‪ 1960‬حتى ‪.1964‬‬


‫المجلة‬

‫ذكرى‬

‫أفكار العميد ورؤاه حول التعليم والثقافة يف مصر يمكن‬ ‫قطر عربي آخر‪ ،‬وهو بذلك يقدم ورقة‬ ‫أن تنسحب عىل أي‬ ‫ٍ‬ ‫عمل شديدة الرثاء واألهمية لكل نهضة عربية حقيقية‬ ‫جـزاء) وعــن بدايــة الدعــوة اإلســامية كتابــه‬ ‫ثالثــة أ ـ‬ ‫سـرة أبــي بكــر الصديــق‬ ‫“الوعــد الحــق”‪ ،‬كمــا كتــب ـ‬ ‫ّ‬ ‫وخص مرحلة‬ ‫وعمر بن الخطاب يف “الشيخان”‪،‬‬ ‫الصراع عىل الحكم بني عيل ومعاوية بكتابه “الفتنة‬ ‫جـرأة عــن‬ ‫الكــرى” يف جزءيــن‪ ،‬تحــدث فيــه بــكل ـ‬ ‫أيــام حكــم عثمــان بــن عفــان‪ ،‬وعــي ابــن أبــي طالــب‬ ‫والحســن والحســن‪.‬‬ ‫كما ّألف عددا من الدراسات النقدية والفكرية‬ ‫أهمهــا “تجديــد ذكــرى أبــي العــاء” عــن الشــاعر‬ ‫الكبــر املعــري معتمــدا يف دراســته وتقديمــه عــى‬ ‫منهــج علمــي نقــدي لدراســة النصــوص األدبيــة‪،‬‬ ‫عـاء” و“مــن‬ ‫كمــا كتــب “مــع املتنبــي” و“حديــث األرب ـ‬ ‫حديــث الشــعر والنــر”‪ ،‬ويف هــذه الدراســات كلهــا‬ ‫يتبــدّ ى أســلوبه األدبــي الرصــن ومنهجــه النقــدي‬ ‫الفريد يف قراءة األدب العربي القديم ودراسته عىل‬ ‫نحــو أمثــل والتعريــف فيــه بشــكل شــيق‪ ،‬كمــا كان‬ ‫حريصا عىل ممارسة النقد التطبيقي عىل عدد من‬ ‫األعمال الحديثة التي يرى أنها تحتاج إىل الدراسة‬ ‫صـول‬ ‫والنقــد‪ ،‬يف كتابــن حمــل أولهمــا عنــوان “ف ـ‬ ‫مــن األدب والنقــد” قــدم فيــه قراءتــه لعــدد مــن‬ ‫أعمال األدباء املصريني مثل عباس محمود العقاد‬ ‫وتوفيق الحكيم وأحمد أمني مع كتاب غربيني مثل‬ ‫أندره جيد وجاك ريفري وجول رومان وغريهم من‬ ‫أدباء عصره‪ ،‬باإلضافة إىل مقاالت حول املشكالت‬ ‫املتعلقة بالثقافة واألدب التي عاصرها مثل قضية‬ ‫املجمع اللغوي بني القديم والحديث‪ ،‬وجاء الكتاب‬ ‫اآلخر بعنوان “من أدبنا املعاصر” قدم فيه قراءات‬ ‫لنجيب محفوظ وروايته “بني القصرين” وعبد الله‬ ‫الفيصــل وديوانــه “وحــي الحرمــان”‪ ،‬وثــروت أباظــة‬ ‫وروايتــه “هــارب مــن األيــام”‪ .‬كمــا ناقــش فيــه عــددا‬ ‫من املسائل األدبية والنقدية كالتجديد يف الشعر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتجدُ دها‪،‬‬ ‫والواقعية كمذهب أدبي‪ ،‬وجمود اللغة‬ ‫وتطـ ُّور الــذوق األدبــي وغريهــا‪.‬‬

‫“األيام”‬

‫باإلضافة إىل ذلك كتب طه حسني واحدا من أهم‬ ‫سـرة الذاتيــة‪ ،‬أي كتابــه الشــهري “األيــام”‬ ‫كتــب ال ـ‬ ‫سـرته الذاتيــة وحياتــه‬ ‫جـزاء‪ ،‬ـعـرض فيــه ـ‬ ‫يف ثالثــة أ ـ‬ ‫ومــا واجهــه مــن صعــاب وتحدّ يــات منــذ طفولتــه‬ ‫حتــى شــبابه‪ ،‬وســفره إىل باريــس وزواجــه‪ ،‬وتغــر‬ ‫حالــه بعــد ذلــك‪ ،‬ويعــدّ الكتــاب درســا مهمــا يف‬

‫اإلرادة والتحدي ملا رواه فيه طه حسني من قدرته‬ ‫عــى تجــاوز مرحلــة كونــه كفيفــا إىل أن أصبــح أهــم‬ ‫أستا ٍذ وعالم يف الجامعة املصرية‪ ،‬كل ذلك بلغة‬ ‫أدبيــة رصينــة وأســلوب شــيق‪ ،‬وال شــك أن هــذه‬ ‫الروايــة أصبحــت مصــدرا رئيســا مــن مصــادر كتــب‬ ‫السري الروائية‪.‬‬ ‫اهتــم طــه حســن باملجتمــع بشــكل عــام‪ ،‬وقــد‬ ‫ظهر ذلك يف كتاباته األدبية‪ ،‬فخصص عددا منها‬ ‫حـرص عــى‬ ‫لتنــاول قضايــا ا ـملـرأة بشــكل خــاص‪ ،‬و ـ‬ ‫التعبــر عــن مشــكالتها‪ ،‬فكتــب عــددا مــن الروايــات‬ ‫واملجموعات القصصية التي قدمت صورا مختلفة‬

‫‪86‬‬


‫‪85‬‬

‫ذكرى‬

‫المجلة‬

‫طــه حســن خمســون عامــا‬ ‫مــن الحضــور‬ ‫ّ‬ ‫رشح لجائزة نوبل لآلداب ‪ 14‬مرّة‬

‫القاهرة ‪ -‬إبراهيم عادل‬ ‫خمسون عاما م ّرت عىل رحيل أحد أهم وأبرز أدباء‬ ‫ّ‬ ‫ومفكريــه‪ ،‬وأحــد أعــام التنويــر يف‬ ‫العالــم العربــي‬ ‫العصــر الحديــث‪ّ ،‬‬ ‫لقــب بـ “عميــد األدب العربــي”‬ ‫سـرته اإلنســانية و األدبيــة درســا حقيقيــا‬ ‫وكانــت ـ‬ ‫لألجيال من بعده‪ ،‬بل وال يزال أثره وتأثريه وكتابته‬ ‫ضـرة يف الكثــر مــن قاعــات الــدرس‬ ‫وأفــكاره حا ـ‬ ‫األكاديمية لألدب يف الجامعات العربية والعاملية‪.‬‬ ‫ولــد طــه حســن يف قريــة الكيلــو بمحافظــة املنيــا‬ ‫صعيد مصر عام ‪ ،1889‬وعىل الرغم من أنه كان‬ ‫كفيفا منذ الرابعة من عمره إال أنه التحق بك ّتاب‬ ‫القريــة‪ ،‬وفوجــئ معلمــوه بذاكرتــه القويــة‬ ‫وقدرتــه عــى الحفــظ واالســتيعاب‪.‬‬ ‫حفــظ القــرآن الكريــم يف‬ ‫التا ســعة مــن‬

‫رسوم ‪ -‬علياء أبو خضور‬ ‫وكانت هذه أول مواجهة بينه وبني علماء األزهر‪،‬‬ ‫حيــث أثــارت األطروحــة انتقــادات الكثــر مــن‬ ‫املشــايخ الذيــن رأوا فيهــا “انحرافــا وخروجــا‬ ‫عن تعاليم الدين اإلسالمي”‪ ،‬وطالبوا‬ ‫عىل إثر ذلك بمنعه من الحصول‬ ‫عــى الشــها دة األزهر يــة‬ ‫الكــرى‪ .‬بالتزا مــن مــع‬ ‫ذلــك حصــل طــه‬ ‫حســن‬

‫معارك أدبية وفكرية‬

‫عمره‪،‬وانتقل‬ ‫إىل األزهــر بعــد ذلــك يف‬ ‫‪ 1902‬حيث تلقى هناك علوم اللغة‬ ‫العربيــة والشــريعة‪ ،‬وكان‬ ‫مــن أوائــل مــن التحقــوا‬ ‫بالج ــامعـ ــة ا لـ ـم ـص ــر يـ ـ ــة‬ ‫(جامعــة القا ـهـرة اليــوم)‬ ‫عام ‪ 1908‬فدرس يف كلية اآلداب وحصل‬ ‫عىل الدكتوراه يف أطروحة عن أبي العالء املعري‪،‬‬

‫عـ ـ ـلـ ــى مـ ـنـ ـ ـح ـ ــة‬ ‫مــن الجامع ــة املص ـ ــرية‬ ‫الســتكمال دراســته يف فرنســا‪،‬‬ ‫فسافر ودرس يف كلية اآلداب والفلسفة‬ ‫بجامعة السوربون وحصل عىل الدكتوراه هناك يف‬ ‫أطروحــة “الفلســفة االجتماعيــة عنــد ابــن خلــدون”‬ ‫عــام ‪ ،1918‬وهنــاك تــزوج مــن الســيدة ســوزان‬ ‫بريســو التي كانت خري داعم ومســاعد له للتعرف‬ ‫إىل الثقافــة الغربيــة عــن ـقـرب‪ ،‬ومواصلــة جهــوده‬ ‫البحثيــة والعلميــة‪.‬‬ ‫عاد طه حســن إىل مصر ‪ 1919‬أســتاذا للتاريخ‬ ‫اليونــاين والرومــاين بالجامعــة املصريــة‪ ،‬ثــم عميــدا‬ ‫لكلية اآلداب عام ‪ 1928‬إال أنه لم َ‬ ‫يبق يف هذا املنصب‬ ‫ك ـثـرا‪ ،‬وتفــرغ للكتابــة والعمــل يف الصحافــة‪ ،‬ثــم‬ ‫عني وزيرا للمعارف يف حكومة الوفد عام ‪.1950‬‬

‫يعدّ كتاب “الشعر الجاهيل” أشهر كتب طه‬ ‫حســن‪ ،‬الــذي كان ســببا يف محاكمتــه يف مــا بعــد‬ ‫بتهمة اإللحاد واإلساءة إىل اإلسالم‪ ،‬حيث تحدّث‬ ‫طــه حســن يف الكتــاب عــن أن الشــعر الجاهــي‬ ‫منتحــل‪ ،‬وأننــا يجــب أن نفكــر يف كل مــا وردنــا مــن‬ ‫أخبار وآثار من صدر اإلسالم‪ ،‬وشمل ذلك حديثه‬ ‫عــن القــرآن والحديــث النبــوي‪ ،‬وقــد واجــه هــذا‬ ‫الكتــاب وهــذه األفــكار العديــد مــن الكتــاب واألد ـبـاء‬ ‫عـرب يف ذلــك الوقــت‪ ،‬ممــا جعــل طــه‬ ‫املصريــن وال ـ‬ ‫حسني يرتاجع عن كثري مما ذهب إليه فيه‪ ،‬ويصدر‬ ‫كتابه (يف األدب األجاهيل) الذي حذف منه ما أثار‬ ‫حفيظــة املتزمتــن وأضــاف إليــه العديــد مــن دروس‬ ‫ضـرات كان يلقيهــا عــى طلبــة األدب العربــي‬ ‫ومحا ـ‬ ‫يف كليــة اآلداب‪.‬‬

‫بين التاريخ واألدب والنقد‬

‫كتــب طــه حســن أكــر مــن ســتني كتابــا تنوعــت بــن‬ ‫التاريــخ اإلســامي والروايــة والفكــر والنقــد‪ ،‬فقــد‬ ‫سـرة”‪،‬‬ ‫سـرة النبويــة (“عــى هامــش ال ـ‬ ‫كتــب يف ال ـ‬



‫‪83‬‬

‫نستثمر في مناطق لديها‬ ‫ترتيبات‪ ،‬مثل المنطقة الحرة‬ ‫في مصراتة‪ ،‬والمنطقة‬ ‫الخاصة في بنغازي‬

‫عندنا ثالثة أهداف‪ :‬أوال‪ ،‬االستقرار السيايس‪ ،‬هذا‬ ‫رقــم واحــد‪ ،‬ودول العالــم تســاعدنا يف االســتقرار‬ ‫الســيايس الــذي يــؤدي إىل توحيــد املؤسســات‪.‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬التنمية االقتصادية‪ ،‬فالتنمية االقتصادية‬ ‫تــأيت بتنو يــع االقتصــاد؛ حتــى ال نعتمــد عــى‬ ‫النفط فقط‪.‬‬ ‫إذن العالم الخارجي يعطيني االستقرار‪ ،‬حتى‬ ‫أحقــق التنميــة االقتصاديــة‪ ،‬والتنميــة االقتصاديــة‬ ‫يســاهم فيهــا االســتثمار األجنبــي الــذي نرحــب بــه‪،‬‬ ‫والصناديــق‪ ،‬والب ـنـوك الدوليــة والعربيــة‪ ،‬كالبنــك‬ ‫اإلســامي‪ ،‬والصنــدوق الكويتــي‪ ،‬وغريهمــا‪.‬‬ ‫ثالثــا املجتمــع الــدويل يســاعدنا باملســاهمة يف‬ ‫اإلدارة وتقديــم رؤيــة‪ ...‬الرؤيــة املقدمــة ملــدة عشــر‬ ‫سنوات لليبيا تعتمد عىل تنويع مصادر االقتصاد‪،‬‬ ‫مثلمــا قلــت‪ ،‬مثــل األنشــطة الزراعيــة والصناعيــة‬ ‫والخدمــات والبرتوكيماويــات‪ ،‬وهكــذا‪.‬‬ ‫وبســبب ال ـفـرة التــي حــدث فيهــا عــدم اســتقرار‬ ‫يف ليبيــا يمكــن لصناديــق إعمــار دوليــة أن تســاهم‬ ‫معنــا‪ ،‬مثــل صناديــق دول الخليــج بالدرجــة األوىل‬ ‫و هــي مر حــب بمســاهمتها إ مــا يف ا ســتثمارات‪،‬‬ ‫وإمــا يف صناديــق إعمــار بتمويــل مشــروعات البنيــة‬ ‫األساســية الرئيســة‪.‬‬ ‫نحن جزء من هذا العالم لذلك نطلب من دول‬ ‫الجامعــة العربيــة ودول االتحــاد األوروبــي وأ ـمـركا‬ ‫الشــمالية ودول مثــل الصــن أن تســاهم معنــا يف‬ ‫إعــادة إعمــار ليبيــا يف جميــع املجــاالت‪.‬‬ ‫أعلن رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد‬ ‫الدبيبة‪ ،‬منذ عامين‪ ،‬انطالق مشروع‬ ‫“عودة الحياة”‪ ،‬لبرامج ومشروعات‬ ‫التنمية في ليبيا‪ ،‬ما مصيره؟‬

‫لــم يكــن هنــاك اســتقرار يف املرحلــة الســابقة‪ ،‬لكــن‬ ‫اليــوم عند نــا مشــاريع ســمتها حكو مــة الو حــدة‬ ‫الوطنيــة “ عــودة الحيــاة” لجميــع املشــروعات‪،‬‬ ‫فقــد كانــت هنــاك عقــود ك ـبـرة يف الســابق توقفــت‬ ‫‪2011-2010‬؛ فرتكيا مثال لديها عقود كبرية ستعود‬

‫المجلة‬

‫قطاع النفط أيضا كان ميتا؛‬ ‫واآلن بدأت الحياة تعود‬ ‫إليه والخدمات النفطية‬ ‫بعمالة ليبية‬

‫لهــا‪ ،‬وحكومــة الوحــدة الوطنيــة تســعى اآلن‬ ‫إلح ـيـاء كل املشــروعات القديمــة مثــل الســكك‬ ‫الحديدية والطرق السريعة واملطارات واإلسكان‬ ‫وتطويــر املــدن والجامعــات‪ .‬هــذه كلهــا تهــدف‬ ‫إلعــادة اإلعمــار‪ ،‬خاصــة يف العقــود القديمــة‬ ‫التي توقفت مع كوريا وإيطاليا وتركيا؛ فنحن‬ ‫اآلن كحكومــة وحــدة وطنيــة نعيــد الحيــاة لهــذه‬ ‫املشــروعات ونطــور مشــروعات جديــدة‪ ،‬ومــن‬ ‫املهم مشاركة القطاع الخاص ورأسماله‪ ،‬فنحن‬ ‫اآلن انتقلنا من االعتماد عىل الدولة إىل االعتماد‬ ‫طـاع الخــاص ســواء كان قطاعــا خاصــا‬ ‫عــى الق ـ‬ ‫محليــا أو قطاعــا خاصــا أجنبيــا بحيــث ننهــض يف‬ ‫وقــت قصــر ألننــا نريــد توفــر الوقــت‪.‬‬ ‫ولقــد بدأ نــا يف ا لــوزارات املختصــة‪ -‬وزارة‬ ‫االقتصــاد‪ ،‬وزارة التخطيــط‪ ،‬وزارة املاليــة‪ -‬بدأنــا‬ ‫و ضــع رؤ يــة لتنو يــع االقتصــاد بهــدف تقليــل‬ ‫مســاهمة النفــط يف الناتــج املحــي اإلجمــايل‪،‬‬ ‫فعندنــا هــدف أن الناتــج املحــي اإلجمــايل بــدال‬ ‫مــن أن يشــكل النفــط فيــه حــوايل ‪ 70‬يف املئــة‪،‬‬ ‫يكــون ‪ 40‬يف املئــة فقــط‪ ،‬وحتــى النفــط بــدال مــن‬ ‫بيعه كمادة خام نحوله ملنتجات صناعية‪ .‬فكما‬ ‫تعلــم بــدأت الطاقــات البديلــة تنافــس النفــط‪،‬‬ ‫ضـراء‪ ،‬والطاقــة الشمســية‪ .‬وقــد‬ ‫كالطاقــة الخ ـ‬ ‫ركزنــا عــى الطاقــة الشمســية لتوليــد الكهر ـبـاء‪،‬‬ ‫وب ـنـاء نصــف مليــون وحــدة ســكنية‪ ،‬واملطــارات‪،‬‬ ‫وتجــارة العبــور والطــرق؛ حيــث نفكــر يف طريــق‬ ‫بــن مصراتــه والنيجــر‪ ،‬وطريــق مــن بنغــازي إىل‬ ‫بورسودان‪ .‬باإلضافة إىل استكمال الجامعات‪،‬‬ ‫واملالعب الرياضية‪ .‬وهذه هي البنية األساسية‪.‬‬ ‫أما موضوع القمح يف الجنوب فنشجع القطاع‬ ‫الخاص يف جنوب ليبيا‪ ،‬لنكتفي ذاتيا من القمح‪.‬‬ ‫طـاع النفــط أيضــا كان ميتــا؛ واآلن‬ ‫ق ـ‬ ‫بــدأت الحيــاة تعــود إليــه والخدمــات النفطيــة‬ ‫بعمالة ليبية‪.‬‬ ‫إذن يبدو أن من سيأتي أوال من‬ ‫المستثمرين إلى ليبيا اليوم‬ ‫سيربح أوال؟‬

‫مقابلة‬

‫من يأتي اآلن سيربح اآلن‪...‬‬ ‫ومن يريد أن يربح فليأت‬ ‫إلى ليبيا واالستثمار فيها‬ ‫فالقطاع الخاص واعد‬

‫نعم اآلن ندخل مرحلة االستثمار ونرحب بالجميع‪،‬‬ ‫من يأيت أوال يربح أوال‪ ،‬ونحن نوجه كالمنا لدول‬ ‫الخليج؛ فعندنا املوائن مثال‪ ،‬وهذا استثمار يجب‬ ‫أن نرحب به‪ ،‬وعندنا بعض القطاعات الصناعية؛‬ ‫فليبيــا بوابــة عبــور ألفريقيــا وبوابــة عبــور ألوروبــا‬ ‫وبهــا مجــاالت كثــرة‪ ،‬ونحــن ننتظــر ألن الجانــب‬ ‫االســتثماري ما زال ضعيفا لذلك نشــجعه‪.‬‬ ‫يف السابق كان كله حكوميا‪ ،‬لكن اآلن نشجع‬ ‫القطاع الخاص‪ ،‬ونشجع كل الدول التي تستثمر‬ ‫يف ليبيــا يف جميــع املجــاالت وال يوجــد تحفــظ عــى‬ ‫أي قطاع‪.‬‬ ‫ليبيا تتميز بالكثير من الثروات‪ ،‬ولكن‬ ‫ماذا عن األمن في ظل انتشار الكتائب‬ ‫المسلحة الموالية لحكومتين‬ ‫في الشرق والغرب؟‬

‫حاليــا نحــن نســتثمر يف مناطــق لديهــا ترتيبــات‪،‬‬ ‫حـرة يف مصراتــة‪ ،‬واملنطقــة الخاصــة‬ ‫مثــل املنطقــة ال ـ‬ ‫يف بنغــازي‪ ،‬ويف طــرق‪ ،‬كلهــا تعتــر آمنــة ليــس بهــا‬ ‫إشــكال‪ ،‬حتــى الجنــوب آمــن‪ ،‬نحــن نعالــج مشــكلة‬ ‫أذهان الكثريين طوال السنوات املاضية‪.‬‬ ‫رسخت يف‬ ‫ِ‬ ‫اآلن بالعكس أي مكان مؤمن وبه من يؤمنه وكل‬ ‫التشــكيالت املســلحة تؤمــن هــذه األماكــن خــاف‬ ‫الســنوات املاضيــة‪ ،‬فاملســتثمر مؤمــن يف أي مــكان‬ ‫يختــاره ملشــروعه‪ ،‬كمــا أننــا نؤمنــه مــن الناحيــة‬ ‫القانونيــة‪.‬‬ ‫يف النهايــة‪ ،‬أ ـقـول لــك‪ :‬مــن يــأيت اآلن ســربح‬ ‫اآلن‪ ...‬ومــن يريــد أن يربــح فليــأت إىل ليبيــا‪ .‬وكمــا‬ ‫طـاع النفــط أيضــا كان ميتــا؛‬ ‫ذ ـكـرت يف البدايــة ق ـ‬ ‫واآلن بــدأت الحيــاة تعــود إليــه والخدمــات النفطيــة‬ ‫بعمالة ليبية؛ وقد وضعت مؤسسة النفط برنامجا‬ ‫واضحــا وواعــدا‪ ،‬كمــا أســلفت‪ ،‬تحــت توجيهــات‬ ‫رئيــس الحكومــة‪ .‬وأيضــا أحــب أن أوكــد ـمـرة أخــرى‬ ‫أن االســتثمار آمــن‪ ،‬وكمــا ذ ـكـرت نحــن نســتثمر‬ ‫يف مناطــق وأيضــا نشــجع االســتثمار يف مجــاالت‬ ‫أخرى‪،‬خاصــة الزراعــة‪.‬‬


‫مقابلة‬

‫المجلة‬

‫صناديق دول الخليج‬ ‫مرحب بمساهمتها إما‬ ‫يف استثمارات‪ ،‬وإما يف‬ ‫صناديق إعمار بتمويل‬ ‫مشروعات البنية‬ ‫األساسية الرئيسة‬

‫‪82‬‬


‫‪81‬‬

‫المجلة‬

‫يف ليبيا نعاين من خلل‬ ‫بسبب انقسام مؤسسات‬ ‫الدولة‪ ،‬وعدم االستقرار‬ ‫السيايس‪ ،‬وتوقف‬ ‫املشروعات منذ عام‬ ‫‪2010‬‬

‫مقابلة‬


‫مقابلة‬

‫المجلة‬

‫‪80‬‬

‫بدأنا في رؤية جديدة‪ ،‬وهي‬ ‫تنويع اقتصاد وطني ال يعتمد‬ ‫على النفط‪ ,‬ونحن نعرف أن‬ ‫موقع ليبيا استراتيجي‬

‫عندنا مشاريع سمتها حكومة‬ ‫الوحدة الوطنية “عودة الحياة”‬ ‫لجميع المشروعات‪ ،‬حيث‬ ‫كانت هناك عقود كبيرة‬

‫ندخل مرحلة االستثمار ونرحب‬ ‫بالجميع‪ ،‬من يأتي أوال يربح‬ ‫أوال‪ ،‬فليبيا بوابة عبور ألفريقيا‬ ‫وبوابة عبور ألوروبا‬

‫ال تزال ليبيا يف مأزق سيايس مع وجود مراكز قوى‬ ‫متنافسة تدعي الشرعية للسيطرة عىل البالد‪ .‬ولم‬ ‫تتوصل املفاوضات حتى اآلن إىل اتفاق بشــأن إطار‬ ‫دستوري يمكن أن يمهد الطريق إلجراء انتخابات‬ ‫تسمح باستعادة حكومة موحدة‪.‬‬ ‫وقد تضرر االقتصاد الليبي بالفعل من الصراع‬ ‫يف ليبيــا‪ ،‬ومــن و ـبـاء “كوفيــد‪ ،”19-‬وتأثــر الغــزو‬ ‫الــرويس ألوكرانيــا‪ ،‬فضــا عــن تحديــات مســتقبلية‬ ‫تتعلــق بإعــادة إعمــار مدينــة درنــة شــرقي البــاد‪،‬‬ ‫بعــد فيضانــات كارثيــة يف ســبتمرب‪/‬أيلول‪ ،‬أدّت إىل‬ ‫مقتــل أكــر مــن خمســة آالف شــخص عــى األقــل‪،‬‬ ‫وفقــدان آالف آخريــن‪ ،‬يف حــن أن ربــع أحيائهــا‬ ‫مُ ســح مــن الخريطــة‪.‬‬ ‫إن هشاشــة البــاد بســبب االنقســام الســيايس‬ ‫املســتمر‪ ،‬لهــا آثــار اقتصاديــة واجتماعيــة بعيــدة‬ ‫املدى؛ فقد انخفض نصيب الفرد من الناتج املحيل‬ ‫اإلجمايل بنسبة ‪ 50‬يف املئة بني عامي ‪ 2011‬و‪،2020‬‬ ‫يف حني كان من املمكن أن يرتفع بنسبة ‪ 68‬يف املئة‬ ‫صـراع‪ ،‬وفقــا‬ ‫لــو أن االقتصــاد واصــل مســاره قبــل ال ـ‬ ‫صـاءات البنــك الــدويل‪ ،‬يف تقريــر حديــث‬ ‫آلخــر إح ـ‬ ‫بعــد كارثــة درنــة‪.‬‬ ‫وعــى الرغــم مــن التحديــات الك ـثـرة التــي تواجــه‬ ‫البالد‪ ،‬يمكن لالقتصاد الليبي أن يتعافى باالستفادة‬ ‫مــن املــوارد املاليــة الك ـبـرة لليبيــا‪ ،‬كمــا أوضــح وزيــر‬ ‫االقتصــاد يف حكومــة الوحــدة الوطنيــة‪ ،‬املعــرف‬ ‫بهــا دوليــا‪ ،‬محمــد عــي الحويــج يف مقابلــة خاصــة‬ ‫مــع “املجلــة” يف طرابلــس‪ ..‬وكان هــذا نــص الحــوار‪:‬‬

‫الفســاد املــايل فحســب‪ ،‬بــل يعنــي جرعــات فســاد‬ ‫كبرية‪ ،‬وهذا مؤشر واضح عىل انقسام املؤسسات‬ ‫ضـرار مثــل‬ ‫الليبيــة‪ ،‬وربمــا يــؤدي هــذا إىل بعــض األ ـ‬ ‫عــدم صيانــة الســدود عــى ســبيل املثــال وتوقــف‬ ‫املشــروعات التنمويــة‪.‬‬

‫وجميع املجاالت مفتوحة والقانون ضامن وهناك‬ ‫حوافز كبرية‪ ،‬والقانون ‪ 109/2010‬بمواده املحصنة‬ ‫معروف عىل مستوى القوانني الدولية‪ .‬ليس هناك‬ ‫أولويــة ألحــد دون آخــر‪ ،‬وتوجــد ضوابــط وشــروط‬ ‫تضعهــا مؤسســة النفــط‪.‬‬

‫صندوق النقد الدولي يحذر ليبيا من‬ ‫االعتماد الكامل على النفط رغم زيادة‬ ‫اإلنتاج‬

‫تحاول ليبيا رفع معدالت إنتاجها النفطي‬ ‫والوصول إلى المستويات الطبيعية خالل‬ ‫الربع األول من العام المقبل‬

‫بدأنا يف رؤية جديدة‪ ،‬وهي تنويع اقتصاد وطني ال‬ ‫يعتمد عىل النفط‪ ،‬حيث نحاول أن نرى األنشطة‬ ‫الزراعية‪ ،‬وذلك يرتكز يف األمن الغذايئ‪ ،‬مثل إنتاج‬ ‫القمــح‪ ،‬وإن ـتـاج زيــت الزيتــون وإن ـتـاج الحبــوب‪ .‬أو‬ ‫أنشطة صناعية‪ ،‬وهي التي تعتمد عىل املواد الخام‬ ‫الوطنية‪ .‬ونحن نعرف أن موقع ليبيا االسرتاتيجي‬ ‫يساعد يف هذا االتجاه‪ ،‬إضافة إىل أن ليبيا مواردها‬ ‫كثرية ويف الرؤية الجديدة إن شاء الله‪ ،‬بعد سبع‬ ‫ســنوات‪ ،‬أعتقــد أن االقتصــاد الليبــي ســيكون مــن‬ ‫أفضل االقتصاديات‪.‬‬

‫ننتج اآلن مليونا ومئتي ألف برميل يوميا‪ ،‬وكانت‬ ‫منظمــة أوبــك قــد حــددت لنــا حصتنــا‪ ،‬وهــي مليــون‬ ‫وأربعمئــة ألــف برميــل‪ .‬مؤسســة النفــط كانــت قــد‬ ‫جعلــت هدفهــا مل ـيـوين برميــل عــى املــدى القصــر‪،‬‬ ‫فال بد أن نطور اآلن حقولنا بحيث نصل إىل مليوين‬ ‫برميل‪ ،‬والهدف األسايس هو ثالثة ماليني برميل‪،‬‬ ‫لكننا نتكلم عن الهدف لفرتة قصرية‪ .‬وهذا الربنامج‬ ‫حقا كان مؤثرا يف التطوير؛ لذلك يُرحب بأي شركة‬ ‫تدخل معنا يف االستكشاف أو الحفر من أي دولة‪.‬‬ ‫وارتفاع أسعار النفظ له آثار إيجابية عىل أي اقتصاد‬ ‫يعتمد عىل النفط؛ فهو يزيد االحتياطي املايل‪ .‬كما‬ ‫يساعد يف تغطية النفقات‪.‬‬ ‫كمــا قلــت لــك النفــط والغــاز ي ـمـوالن ‪ 98‬يف‬ ‫املئة‪ ،‬يعني امليزانية الليبية تمول حاليا من النفظ‬ ‫والغاز‪ ،‬وكلما زاد سعر النفط يزيد اإليراد وأيضا‬ ‫تزيــد االحتياطيــات املاليــة‪ ،‬فهــذه ســلعة نبيعهــا‪،‬‬ ‫عـرض بالطبــع‪ ،‬فليبيــا‬ ‫وإذا زادت األســعار لــن ن ـ‬ ‫تدخــل إعــادة ب ـنـاء وإعمــار يف كل املجــاالت خاصــة‬ ‫إعمــار درنــة؛ إذن ال بــد مــن تمويــل‪ ،‬فمــن أيــن‬ ‫يــأيت التمويــل؟ إمــا مــن املــوارد املحليــة مــن النفــط‬ ‫طـاع الخــاص‪ ،‬وإ مــا مــن‬ ‫والغــاز‪ ،‬وإ مــا مــن الق ـ‬ ‫االســتثمار األجنبــي‪ ،‬وهنــاك ثالثــة مــوارد أساســية‬ ‫مــن الب ـنـوك الدوليــة‪ ،‬كالبنــك اإلســامي‪ ،‬والبنــك‬ ‫األفريقــي‪ ،‬والبنــك األوروبــي‪ .‬وهــذا اليــوم أحــد‬ ‫مصــادر التمويــل‪.‬‬

‫هل كشفت كارثة درنة عن عمق األزمة‬ ‫السياسية في ليبيا؟‬

‫الكــوارث تحــدث يف كل الــدول خصوصــا بســبب‬ ‫الســيول‪ ،‬لكــن يف ليبيــا نعــاين مــن خلــل بســبب‬ ‫انقســام مؤسســات الدو لــة‪ ،‬و عــدم اال ســتقرار‬ ‫الســيايس‪ ،‬وتوقــف املشــروعات منــذ عــام ‪،2010‬‬ ‫وتوقــف برامــج الصيانــة للســدود‪ ،‬وغريهــا‪ ،‬وأيضــا‬ ‫لعــدم وجــود ميزانيــات تشــريعية معتمــدة‪ ،‬أدى‬ ‫ذلــك ربمــا إىل ظهــور الفســاد‪ ،‬والفســاد ال يعنــي‬

‫هل ما زلتم تواجهون بيئة استثمارية‬ ‫صعبة بسبب االنقسام السياسي‪،‬‬ ‫رغم تعامل دول عدة وكبيرة مع حكومة‬ ‫الوحدة الوطنية؟‬

‫شـركات األجنبيــة‪،‬‬ ‫حاليــا كل املجــاالت مفتوحــة لل ـ‬ ‫ســواء كانــت أوروبيــة أو أمريكيــة أو عربيــة‪ .‬اآلن‬ ‫نقــدم لهــم كل التســهيالت‪ ،‬ســواء كانــت أجنبيــة‬ ‫شـراكة مــع ليبيــن‪ ،‬وخصوصــا‬ ‫‪ 100‬يف املئــة‪ ،‬أو بال ـ‬ ‫غـرايف يعتــر ثــروة‬ ‫يف التكنولوجيــا‪ .‬موقــع ليبيــا الج ـ‬ ‫يف تجــارة العبــور‪ ،‬ويف الطاقــة الشمســية‪ ،‬ويف‬ ‫قربهــا مــن أوروبــا وقربهــا مــن أفريقيــا‪ .‬وضعيــة‬ ‫ليبيــا كفرصــة اســتثمارية نــادرة يف منطقــة البحــر‬ ‫املتوســط وحتــى يف العالــم‪ .‬واآلن الفرصــة متاحــة‬ ‫لــكل الــدول‪ ،‬فليــس عندنــا تحفــظ عــى أي دولــة أو‬ ‫أي نشــاط بمــا يف ذلــك النفــط‪ ،‬فــاآلن النفــط متــاح‬ ‫أيضا الستثمار الشركات األجنبية يف التنقيب وغريه‪.‬‬

‫ما األهداف الرئيسة التي تسعون‬ ‫لتحقيقها في السنوات الخمس المقبلة؟‬


‫‪79‬‬

‫المجلة‬

‫مقابلة‬


‫المجلة‬

‫مقابلة‬

‫قصة الغالف‬

‫وزير االقتصاد‬ ‫الليبي لـ “املجلة”‪:‬‬ ‫االستثمار آمن‪...‬‬ ‫ومن يأيت أوال‬ ‫يربح أوال‬ ‫تضرر االقتصاد الليبي من الصراع‪ ،‬ومن وباء‬ ‫“كوفيد‪ ،”19 -‬وتأثري الهجوم الرويس عىل أوكرانيا‪،‬‬ ‫فضال عن تحديات مستقبلية تتعلق بإعادة‬ ‫إعمار مدينة درنة شرقي البالد‪ .‬هشاشة البالد‬ ‫بسبب االنقسام السيايس املستمر‪ ،‬لها آثار‬ ‫اقتصادية واجتماعية بعيدة املدى‪.‬‬ ‫طرابلس ‪ -‬أحمد ماهر‬ ‫رسوم ‪ -‬إدواردو رامون‬

‫‪78‬‬


‫‪77‬‬

‫اقتصاد‬

‫المجلة‬

‫الخليجي‪ ،‬وخاصة السعودية والواليات املتحدة وأفريقيا‪،‬‬ ‫تؤكد الديناميكيات املتطورة يف سوق املعادن العاملية واألهمية‬ ‫صـول إىل املــوارد املعدنيــة الحيويــة‬ ‫سـراتيجية لتأمــن الو ـ‬ ‫اال ـ‬ ‫النتقــال الطاقــة‪.‬‬

‫روسيا‪ :‬انتهازية فعالة‬

‫أفضــل و صــف للتد خــل ا لــرويس يف أفريقيــا هــو أ نــه‬ ‫انتهــازي‪ ،‬ولكنــه فعــال‪ .‬تنبــع مصالــح روســيا يف أفريقيــا‪،‬‬ ‫التــي كانــت تديرهــا مجموعــة “فاغــر” (حتــى وفــاة زعيمهــا‬ ‫يفغينــي بريغوجــن مؤخرا)‪،‬مــن الرغبـ ــة يف توس ــيع نفوذهــا‬ ‫الجيوسيايس وطموحاتها كقوة عظمى‪ ،‬وتقليل نفوذ الغرب‬ ‫يف املقابــل‪ .‬كمــا أنهــا تســعى إىل تعظيــم األربــاح مــن خــال‬ ‫ا ـلـوكالء التجاريــن‪ ،‬وذلــك إىل حــد كبــر لتجنــب العقوبــات‬ ‫الدولية‪ .‬وقد قدمت روسيا‪ ،‬من خالل الشركات العسكرية‬ ‫الخاصــة والكيانــات التجاريــة األخــرى‪ ،‬العتــاد والخدمــات‬ ‫األمنيــة والدعــم الســيايس واملســاعدة يف الحمــات اإلعالميــة‬ ‫للحكومات األفريقية وقادة امليليشيات‪ .‬واستفادت من مزيج‬ ‫من عدم االستقرار وأخطاء الحكومات الغربية فباتت شريكا‬ ‫رئيسا يف املنطقة‪ ،‬وخصوصا يف الدول التي تعاين من سوء‬ ‫اإلدارة مثــل الســودان وغينيــا وجمهوريــة أفريقيــا الوســطى‬ ‫وموزمبيــق‪ .‬وأدى ذلــك إىل منــح عقــود تفضيليــة للجهــات‬ ‫الروسية يف مجال الصناعات االستخراجية‪ .‬عىل سبيل املثال‪،‬‬ ‫يف جمهوريــة أفريقيــا الوســطى‪ ،‬قامــت مجموعــة “فاغــر”‬ ‫صـول عــى عقــود مربحــة‪.‬‬ ‫بتقديــم خدماتهــا يف مقابــل الح ـ‬

‫خاتمة‬

‫يدفع تحول الطاقة البلدان يف كل أنحاء العالم إىل النظر يف‬ ‫أمن وموثوقية سالسل التوريد الخاصة بها واالستفادة من‬ ‫الفرص االقتصادية التي يوفرها التحول إىل الطاقة النظيفة‪.‬‬ ‫ويف أعقاب الغزو الرويس ألوكرانيا عام ‪ ،2022‬أدت املنافسة‬ ‫بني القوى العظمى واالضطرابات يف أسواق املعادن العاملية‬ ‫إىل تركيــز االهتمــام عــى الحاجــة إىل تنويــع مصــادر كل مــن‬ ‫املعادن الخام واملعالجة‪ ،‬وبات هناك بالتايل اهتمام متجدد‬ ‫بأفريقيــا‪ .‬وقــد ســيطرت الصــن حتــى اآلن عــى الســوق‪ ،‬بعــد‬ ‫أن أمضــت الســنوات العشــرين املاضيــة يف ترســيخ نفســها يف‬ ‫أكرب خمس دول غنية باملعادن يف القارة‪.‬‬ ‫ولكن منافيس الصني غدوا اآلن يف وضع جيد لالستثمار‬ ‫يف صناعة املعادن الحيوية‪ ،‬يف القارة التي تضم ‪ 55‬دولة غنية‬ ‫باملعــادن‪ ،‬وكل مــن ـهـؤالء املنافســن عــى اســتعداد لتقديــم‬ ‫شروط أفضل من بكني‪ .‬وبعد أن تعلموا من العقود الكثرية‬ ‫املاضية‪ ،‬صار الزعماء األفارقة أكرث حرصا عىل اختيار شركاء‬ ‫طـاء األولويــة لتنميــة املــوارد املســتدامة ورفاهيــة‬ ‫ملتزمــن بإع ـ‬ ‫البلــدان املضيفــة‪ ،‬بــدال مــن أولئــك الذيــن يســعون فقــط إىل‬ ‫استخراج املوارد واملكافآت‪.‬‬ ‫مــن املؤكــد أن الهنــد وروســيا والواليــات املتحــدة ودول‬ ‫صـول إىل الــروة‬ ‫الخليــج العربيــة تتنافــس جميعهــا عــى الو ـ‬ ‫املعدنية املهمة يف أفريقيا‪ ،‬عىل أمل تأمني مكانها يف مستقبل‬ ‫الطاقــة‪ ،‬وهــي الســاحة الحصريــة املخصصــة ملنتجــي الطاقــة‬ ‫النظيفة‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن أفريقيا تستعد لتشكيل مشهد‬ ‫الطاقــة العاملــي يف املســتقبل‪.‬‬


‫اقتصاد‬

‫المجلة‬

‫‪76‬‬

‫دول الخليج العربية‬

‫يالحظ اآلن تسارع كبري يف مشاركة مجلس التعاون الخليجي مع‬ ‫أفريقيــا‪ ،‬يف تطــور ملحــوظ‪ ،‬مد ـفـوع بخطــط التنويــع االقتصــادي‬ ‫لدول مجلس التعاون الخليجي‪ ،‬التي تؤكد عىل إنشاء صناعات‬ ‫تعدينية محلية الستخراج االحتياطيات املعدنية املحلية ومعالجة‬ ‫املــواد الخــام املســتوردة مــن مناطــق أخــرى‪ .‬وتهــدف هــذه الخطــوة‬ ‫االسرتاتيجية إىل جعل دول الخليج مراكز رئيسة لتطوير تقنيات‬ ‫تحويل الطاقة وتصديرها‪ ،‬مع االستفادة من موقعها الجغرايف‬ ‫املناسب للوصول إىل األسواق يف الشرق والغرب‪.‬‬ ‫وتــرز أفريقيــا كمصــدر منطقــي لهــذه املــواد الخــام بســبب‬ ‫غـرايف مــن دول مجلــس التعــاون الخليجــي والعالقــات‬ ‫قربهــا الج ـ‬ ‫االقتصادية القوية بني القارتني‪ .‬وقد أثبتت دولة اإلمارات العربية‬ ‫املتحــدة بالفعــل التزامهــا باالســتثمار يف أفريقيــا‪ ،‬وتحتــل املرتبــة‬ ‫الرابعــة بــن أكــر مســتثمر يف القــارة‪ .‬وقامــت الجهــات الخاصــة‬ ‫والعامة يف دولة اإلمارات العربية املتحدة باســتثمارات كبرية يف‬ ‫خـرة‪.‬‬ ‫طـاع التعديــن يف الســنوات األ ـ‬ ‫ق ـ‬ ‫والجديــر بالذكــر أنــه تــم توقيــع صفقــة ك ـبـرة بقيمــة ‪ 1,9‬مليــار‬ ‫شـركة التعديــن الحكوميــة يف جمهوريــة الكونغــو‬ ‫دوالر مــع ـ‬ ‫الديمقراطية يف يوليو‪/‬تموز ‪ .2023‬وسبق ذلك اتفاق يف ديسمرب‪/‬‬ ‫كانون األول ‪ 2022‬بني مجموعة “‪ ”Primera Group‬اإلماراتية‪،‬‬ ‫وحكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية‪ ،‬بشأن حقوق تصدير‬ ‫الخامــات املســتخرجة حرفيــا‪ .‬أضــف إىل ذلــك‪ ،‬تعهــد املســتثمرون‬ ‫اإلماراتيــون بتقديــم مبلــغ كبــر قــدره مليــارا دوالر الســتثمارات‬ ‫التعديــن يف نيجرييــا عــام ‪.2021‬‬ ‫خـرا إىل املناقشــات الجاريــة بــن‬ ‫وأشــارت بعــض التقاريــر مؤ ـ‬ ‫السعودية والواليات املتحدة لتأمني الوصول إىل املوارد املعدنية‬ ‫يف أفريقيــا‪ .‬ويف حــال تنفيــذ هــذه االتفاقيــة فإنهــا ستســمح لكيــان‬ ‫صـول التعديــن يف دول‬ ‫شـراء حصــص يف أ ـ‬ ‫حكومــي ســعودي ب ـ‬ ‫مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا وناميبيا‪ ،‬باستثمار‬ ‫اجمــايل يبلــغ ‪ 15‬مليــار دوالر‪ .‬ســتحصل الواليــات املتحــدة عــى‬ ‫شـراكة‪.‬‬ ‫جـزء مــن إن ـتـاج املعــادن الناتــج عــن هــذه ال ـ‬ ‫شـراء ـ‬ ‫حقــوق ـ‬ ‫ويف الواقــع‪ ،‬أعربــت الســعودية عــن اهتمامهــا باالســتثمار يف‬ ‫املعادن مثل الكوبالت والنحاس والتنتالوم يف جمهورية الكونغو‬ ‫الديمقراطية من خالل مشروع “منارة للمعادن”‪ ،‬الذي تشرتك‬ ‫شـركة معــادن‪.‬‬ ‫فيــه مــع صنــدوق االســتثمارات العامــة و ـ‬ ‫وتحمل هذه الصفقة املحتملة ميزات اسرتاتيجية متعددة‪،‬‬ ‫ولعلها تساعد الواليات املتحدة عىل تقليل اعتمادها عىل الصني‬ ‫للحصول عىل املعادن الحيوية مثل الكوبالت والليثيوم‪ ،‬مع تحرير‬ ‫شـركات األمريكيــة مــن العمــل يف املناطــق عاليــة املخاطــر‪ .‬وهــذا‬ ‫ال ـ‬ ‫بــدوره يخفــف مــن املخــاوف بشــأن املســاس بالتزامهــم باملتطلبــات‬ ‫البيئيــة واالجتماعيــة والحوكمــة (‪ )ESG‬الصار مــة واالمتثــال‬ ‫شـركات األمريكيــة‪،‬‬ ‫للقوانــن واللوائــح األمريكيــة‪ .‬وعــى عكــس ال ـ‬ ‫فإن السعودية‪ ،‬ودول مجلس التعاون الخليجي األخرى املشاركة‬ ‫يف مفاوضات مماثلة‪ ،‬ليست ملزمة باملتطلبات القانونية نفسها‪،‬‬ ‫وهــذا يســمح لهــم باســتثمار رأس املــال والعمــل يف هــذه البيئــات‬ ‫عاليــة االخطــار بســهولة أكــر‪.‬‬ ‫شـراكة الســعودية مــن ب ـنـاء محفظتهــا مــن‬ ‫ســتمكن هــذه ال ـ‬ ‫صـول التعديــن عــى مســتوى العالــم‪ ،‬بمــا‬ ‫حصــص األقليــة يف أ ـ‬ ‫يتماىش مع اسرتاتيجيتها لتسريع تطوير صناعة التعدين الخاصة‬ ‫بها‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬فإن املشاركة املتزايدة بني دول مجلس التعاون‬

‫قدمت روسيا‪ ،‬من خالل الشركات العسكرية‬ ‫الخاصة والكيانات التجارية األخرى‪،‬‬ ‫العتاد والخدمات األمنية والدعم السيايس‬ ‫واملساعدة يف الحمالت اإلعالمية للحكومات‬ ‫األفريقية وقادة امليليشيات‬


‫‪75‬‬

‫(‪ ،)CIC‬ومجموعة جينتشوان‪ ،‬إىل حد بعيد يف مشاريع التعدين‬ ‫يف جمهوريــة الكونغــو الديمقراطيــة وجنــوب أفريقيــا‪ .‬واتخــذت‬ ‫َ‬ ‫حصص يف الشركات‪ ،‬وإنشاء مشاريع مشرتكة‪،‬‬ ‫شكل‬ ‫استثماراتها‬ ‫ٍ‬ ‫شـرة يف مشــاريع اســتخراج املــوارد‪.‬‬ ‫واســتثمارات مبا ـ‬ ‫وكان الرتكيــز األســايس للصــن منصبــا عــى الربــح االقتصــادي‬ ‫الفــوري‪ ،‬األمــر الــذي ســمح بتنفيــذ مشــاريع ـتـراوح بــن البنيــة‬ ‫التحتية واستخراج املوارد الطبيعية بشكل أسرع‪ .‬وقد اس ُتقبلت‬ ‫هــذه الخطــوة نحــو أفريقيــا برتحــاب يف البدايــة؛ إذ كان النهــج‬ ‫التعاقدي هو األكرث جاذبية بالنسبة لكثري من الزعماء األفارقة‪.‬‬ ‫وقد وعد هذا النموذج بفوائد اقتصادية فورية دون ما يصاحب‬ ‫شـركاء‬ ‫صـاح‪ ،‬والتــي كان ال ـ‬ ‫ذلــك مــن تدقيــق أو مطالبــات باإل ـ‬ ‫الغربيــون يقدمونهــا غالبــا‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬جاء هذا النهج مصحوبا بمجموعة من التحديات‬ ‫التي واجهته‪ .‬فقد ركزت الصني يف كثري من األحيان عىل تسليم‬ ‫املشاريع املكتملة‪ ،‬أو استخراج املوارد عىل حساب نقل التقنية أو‬ ‫املهــارات إىل القــوى العاملــة املحليــة‪ .‬ونتيجــة لذلــك‪ ،‬وعــى الرغــم‬ ‫مــن إمكانيــة اســتكمال مشــاريع البنيــة التحتيــة أو تنميــة املــوارد‬ ‫بكفاءة‪ ،‬فإنها ال تساهم دائما يف التنمية املستدامة طويلة األجل‬ ‫يف البلدان املضيفة‪.‬‬ ‫ويف حــن تحتفــظ الصــن بحضــور كبــر يف الــدول املنتجــة‬ ‫للمعــادن الحاليــة‪ ،‬وهــي يف وضــع جيــد يمكنهــا مــن توســيع هــذا‬ ‫الحضور بشكل أكرب‪ ،‬فإن كثريا من الدول األفريقية تتطلع حاليا‬ ‫شـركائها الدوليــن‪.‬‬ ‫إىل املزيــد مــن ـ‬

‫الهند “مصنع العالم”‬

‫تطمــح الهنــد إىل أن تصبــح “مصنــع العالــم” باعتبارهــا االقتصــاد‬ ‫األسرع نموا يف العالم‪ ،‬وذلك من خالل القيام بتحول اقتصادي‬ ‫واسع النطاق‪ ،‬والذي من شأنه أن يجعل البالد تنافس الصني‬ ‫كمركــز تصنيــع عاملــي‪ .‬ويواصــل العمــاق يف جنــوب آســيا أيضــا‬ ‫تحولــه إىل الطاقــة املســتدامة‪ ،‬كمــا أن لديــه هدفــا متمثــا يف‬ ‫تحقيــق الصــايف الصفــري لالنبعاثــات الكربونيــة عــام ‪ ،2070‬وهــو‬ ‫يمتلك واحدة من أسرع قدرات الطاقة املستدامة نموا يف العالم‪.‬‬ ‫وبطبيعة الحال‪ ،‬يتطلب نم ٌو مثل هذا الكثري من املعادن‪ ،‬فقد‬ ‫نما الطلب عىل النحاس يف الهند وحده بنسبة ‪ 27,5‬يف املئة عىل‬ ‫أســاس ســنوي عــى مــدار العــام يف ‪.2022-2021‬‬ ‫شـركات الهند يــة‪ ،‬التــي تعــد بالفعــل خا مــس‬ ‫وتســعى ال ـ‬ ‫أكــر مســتثمر يف أفريقيــا‪ ،‬إىل إيجــاد ـفـرص لتوســيع وجودهــا يف‬ ‫دول مثــل جمهوريــة الكونغــو الديمقراطيــة‪ ،‬وغانــا‪ ،‬ونيجرييــا‪،‬‬ ‫وتشاد‪ ،‬واالستفادة من العالقات التاريخية والثقافية التي تربط‬ ‫الهند بالقارة‪.‬‬ ‫شـركة التعديــن فيدانتــا املحــدودة تنشــط‬ ‫ويف الواقــع‪ ،‬فــإن ـ‬ ‫بالفعل يف جنوب أفريقيا‪ ،‬وليبرييا‪ ،‬وناميبيا‪ ،‬وتتودد إليها حاليا‬ ‫دول مثل جمهورية أفريقيا الوسطى‪ ،‬التي تتوق إىل االستفادة‬ ‫من خربات الشركة‪ .‬وستكون الصفقة مع اتفاقية التجارة الحرة‬ ‫األفريقية القارية التي ُنفذت عام ‪ 2021‬حاسمة للهند من أجل‬ ‫صـول إىل إمكانــات املعــادن يف القــارة‪،‬‬ ‫تحقيــق أقــى قــدر مــن الو ـ‬ ‫والتحصــن ضــد التأثــر الصينــي وســيطرته عــى هــذه األســواق‪.‬‬

‫الواليات المتحدة‪ :‬الطاقة النظيفة‬

‫تبنت الواليات املتحدة التحول إىل طاقة نظيفة بشكل كامل‪ ،‬كما‬

‫المجلة‬

‫كان الرتكيز‬ ‫األسايس‬ ‫للصني منصبا‬ ‫عىل الربح‬ ‫االقتصادي‬ ‫الفوري‪ ،‬األمر‬ ‫الذي سمح‬ ‫بتنفيذ مشاريع‬ ‫ترتاوح بني‬ ‫البنية التحتية‬ ‫واستخراج‬ ‫املوارد الطبيعية‬ ‫بشكل أسرع‬ ‫تطمح الهند‬ ‫إىل أن تصبح‬ ‫“مصنع‬ ‫العالم”‬ ‫باعتبارها‬ ‫االقتصاد‬ ‫األسرع نموا‬ ‫يف العالم‬

‫اقتصاد‬

‫يتضح من تنفيذ قانون خفض التضخم (‪ )IRA‬عام ‪ .2022‬وقد‬ ‫صمــم هــذا التشــريع لتشــجيع االبتــكار‪ ،‬وتعزيــز قــدرة التنافســية‬ ‫االقتصاديــة‪ ،‬وتعزيــز اإلنتاجيــة يف الواليــات املتحــدة‪ ،‬مــع الرتكيــز‬ ‫القــوي عــى مبــادرات الطا قــة النظيفــة وخفــض االنبعا ثــات‪.‬‬ ‫ويعتــر الهــدف األســايس للتشــريع األخــر هــو وضــع الواليــات‬ ‫املتحــدة يف مكانهــا الريــادي عــى صعيــد العالــم يف تطويــر تقنيــات‬ ‫الطاقــة الجديــدة‪ .‬وال يعــزز هــذا موقفهــا التنافــي يف مواجهــة‬ ‫الصــن فحســب‪ ،‬بــل ّ‬ ‫يمكنهــا أيضــا مــن تصديــر خرباتهــا وتقدمهــا‬ ‫التكنولوجــي‪ ،‬ممــا يضعهــا يف موقــع يســمح لهــا بالهيمنــة عــى‬ ‫طـاع الطاقــة النظيفــة‪.‬‬ ‫األســواق العامليــة يف ق ـ‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن هذه األهداف الطموحة تتطلب كميات كبرية‬ ‫مــن املعــادن األساســية املهمــة‪ .‬ومــع أن الواليــات املتحــدة تمتلــك‬ ‫احتياطيــات معدنيــة ك ـبـرة يمكــن اســتخراجها ومعالجتهــا عــى‬ ‫املــدى الطويــل‪ ،‬فثمــة الكثــر مــن التحديــات تقــف يف الطريــق‪ ،‬بمــا‬ ‫يف ذلــك الحاجــة إىل الرتخيــص االجتماعــي‪ ،‬وعمليــات التصاريــح‬ ‫البريوقراطيــة املرهقــة‪ ،‬واحتمــال نشــوب نزاعــات قانونيــة مكلفــة‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬من املتوقع أن تستمر الواليات املتحدة يف االعتماد‬ ‫عــى واردات املعــادن املهمــة مثــل الكوبالــت والليثيــوم والنحــاس‬ ‫والنيــكل عــى املــدى القصــر إىل املتوســط‪.‬‬ ‫ويف حني من املرجح أن تسعى الواليات املتحدة إىل الحصول‬ ‫عىل هذه املعادن من شركائها يف اتفاقية التجارة الحرة‪ -‬وخاصة‬ ‫أن قانون خفض التضخم يفرض ذلك عىل تكنولوجيات معينة‬ ‫مثــل بطاريــات الســيارات الكهربائيــة‪ -‬فــإن عليهــا أيضــا أن تتعامــل‬ ‫مع البلدان غري األعضاء يف اتفاقية التجارة الحرة (ما خال الصني‬ ‫واألرجنتني) لتأمني اإلمدادات الكافية‪ .‬ويف الوقت الحاضر‪ ،‬ليس‬ ‫هنالك سوى تجارة حرة واحدة تربط الواليات املتحدة مع دولة‬ ‫أفريقية‪ ،‬وهي املغرب‪ ،‬ولكنها ليست منتجا رئيسا للمعادن‪.‬‬ ‫شـراكة بــن الواليــات‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬هنــاك زيــادة ملحوظــة يف ال ـ‬ ‫املتحدة والقارة األفريقية‪ ،‬وهذا ما ُعرض بشــكل بارز يف مايننغ‬ ‫إندابا‪ ،‬أكرب مؤتمر للتعدين يف أفريقيا‪ ،‬يف فرباير‪/‬شباط املايض‪،‬‬ ‫حيث نقل آموس هوكشتاين‪ ،‬املنسق الرئايس األمرييك الخاص‬ ‫للبنية التحتية العاملية وأمن الطاقة‪ ،‬رسالة واضحة مفادها أن‬ ‫“تحول الطاقة يمثل فرصة للتحول األفريقي”‪ .‬ويؤكد هذا التزامَ‬ ‫شـركاتها لالســتثمار يف مشــاريع التعدين‬ ‫الواليات املتحدة بدعم ـ‬ ‫الهامــة يف أفريقيــا أو املبــادرات التــي تقــوم بهــا الــدول الشــريكة‪.‬‬ ‫يف الواقــع‪ ،‬يف يناير‪/‬كانــون الثــاين ‪ ،2023‬وقــع الرئيــس بايــدن‬ ‫مذ ـكـرات تفاهــم مــع جمهوريــة الكونغــو الديمقراطيــة وزامبيــا‪،‬‬ ‫تحــدد الخطــوط العريضــة لخطــط مســاعدة البلديــن يف تعزيــز‬ ‫سالســل توريــد بطاريــات الســيارات الكهربائيــة الخاصــة بهمــا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫شـركات األمريكيــة بالفعــل بنشــاط يف أفريقيــا‪،‬‬ ‫وتشــارك ال ـ‬ ‫شـركات األنجلو‪-‬أمريكيــة‪ ،‬عــى ســبيل املثــال‪ ،‬يف‬ ‫حيــث تعمــل ال ـ‬ ‫زيمبابــوي‪ ،‬وبوتســوانا‪ ،‬وجنــوب أفريقيــا‪ ،‬وناميبيــا‪ ،‬وتســاهم‬ ‫بنحــو ‪ 16‬يف املئــة مــن إجمــايل إن ـتـاج القــارة‪ .‬ويمتــد دور واشــنطن‬ ‫حـاء‬ ‫اآلن إىل مجالــن رئيســن‪ :‬الحــد مــن أخطــار االســتثمار يف أن ـ‬ ‫القــارة وتحويــل نهجهــا للتأكيــد عــى الفوائــد االقتصاديــة التــي‬ ‫تجلبهــا إىل الطاو لــة‪ .‬وستســتفيد كل مــن الوال يــات املتحــدة‬ ‫حـول الطاقــة‪ ،‬مــن‬ ‫شـراكة املتجــددة يف رحلــة ت ـ‬ ‫وأفريقيــا مــن ال ـ‬ ‫خالل مساعدة الدول األفريقية عىل بناء قدرات املعالجة املحلية‪،‬‬ ‫وتشــجيع ب ـنـاء القــدرات‪ ،‬وتنفيــذ الضمانــات البيئيــة واالجتماعيــة‬ ‫والحوكمــة (‪.)ESG‬‬


‫اقتصاد‬

‫كبــر‪ .‬ولتوضيــح ذلــك‪ ،‬تعتمــد الواليــات املتحــدة عــى الصــن يف‬ ‫مــا ي ـقـرب مــن ‪ 80‬يف املئــة مــن وارداتهــا مــن املعــادن‪ ،‬يف حــن أن‬ ‫اعتمــاد أوروبــا يذهــب إىل مســتوى أعــى مــن ذلــك‪ ،‬حيــث يــأيت مــا‬ ‫يصل إىل ‪ 98‬يف املئة من معادنها من هذه القوة العاملية الناشئة‪.‬‬ ‫وقد أثار هذا املستوى العايل من االعتماد مخاوف بني صناع‬ ‫السياسات يف كل من الواليات املتحدة وأوروبا بشأن التداعيات‬ ‫عـرض‪ ،‬بمــا يف‬ ‫الســلبية املحتملــة للقيــود أو االضطرابــات يف ال ـ‬ ‫ذلــك القيــود املفروضــة عــى الصــادرات الصينيــة‪ ،‬عــى التقــدم يف‬ ‫تحول الطاقة‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فقد دفع بعض البلدان إىل االتجاه نحو‬ ‫االســتثمار يف استكشــاف وإن ـتـاج وتكريــر املــوارد املعدنيــة بنفســها‪.‬‬ ‫ويف حــن توجــد املــوارد املعدنيــة يف جميــع القــارات الســبع‪،‬‬ ‫فــإن عــدة عوامــل‪ ،‬بمــا يف ذلــك التكاليــف البيئيــة الك ـبـرة املرتبطــة‬ ‫شـركات التعديــن الوطنيــة مــن العمــل يف‬ ‫بالتنقيــب‪ ،‬منعــت ـ‬ ‫األمريكتــن وأوروبــا‪ ،‬ممــا أدى إىل توجيــه تركيزهــا ـمـرة أخــرى‬ ‫نحــو أفريقيــا‪ .‬ولذلــك فــإن الســباق نحــو تحقيــق مســتوى الصفــر‬ ‫مــن االنبعاثــات الكربونيــة قــد أثــار منافســة أخــرى‪ ،‬وهــي الســباق‬ ‫الســتغالل الــروة املعدنيــة يف أفريقيــا‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬تمتعــت بكــن‬ ‫بميزة كبرية‪ ،‬هي وصولها مبكرا إىل خط البداية‪ ،‬وتفوقت بالفعل‬ ‫عــى منافســيها يف هــذا املســعى ملــدة عشــرين عامــا‪.‬‬

‫إمكانات أفريقيا غير المستغلة‬

‫تمتلــك أفريقيــا ‪ 30‬يف املئــة مــن احتياطيــات املعــادن يف العالــم‪،‬‬ ‫وحــوايل ‪ 40‬يف املئــة مــن احتياطيــات الذهــب العامليــة‪ ،‬وفيهــا أكــر‬ ‫احتياطيات من الكوبالت واليورانيوم والبالتني يف العالم‪ ،‬وهي‬ ‫منتــج رئيــس للكــروم‪ ،‬واملنغنيــز‪ ،‬والتنتالــوم‪ ،‬واملــاس‪ .‬ويف حــن‬ ‫أن الليثيوم‪ ،‬والكوبالت‪ ،‬والنحاس‪ -‬وكلها ضرورية للتحول إىل‬ ‫الطاقة املستدامة‪ -‬متوفرة يف جميع أنحاء أفريقيا‪ ،‬فإنها ترتكز إىل‬ ‫شـركات الصينيــة‬ ‫حــد كبــر يف الــدول الخمــس التــي تنشــط فيهــا ال ـ‬ ‫بشــكل أكــر‪ :‬غينيــا‪ ،‬وزامبيــا‪ ،‬وجنــوب أفريقيــا‪ ،‬وزيمبابــوي‪،‬‬ ‫وجمهوريــة الكونغــو الديمقراطيــة‪.‬‬ ‫وتنتج جمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها ‪ 70‬يف املئة من‬ ‫شـركات الصينيــة أو تمـوّل ‪ 15‬مــن‬ ‫الكوبالــت العاملــي‪ ،‬وتمتلــك ال ـ‬ ‫أصــل ‪ 19‬مــن مناجــم الكوبالــت املوجــودة لديهــا‪.‬‬ ‫وتحتــوي أفريقيــا أيضــا عــى احتياطــات ك ـبـرة مــن العناصــر‬ ‫النــادرة‪ ،‬وخصوصــا يف شــرقها وجنوبهــا‪ ،‬يف جنــوب أفريقيــا‪،‬‬ ‫ومدغشــقر‪ ،‬ومــاوي‪ ،‬وكينيــا‪ ،‬وناميبيــا‪ ،‬وموزمبيــق‪ ،‬وتنزانيــا‪،‬‬ ‫وزامبيــا‪ ،‬وبورونــدي‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن القارة لم تحقق إمكاناتها الكاملة حتى اآلن؛‬ ‫فقــد أدت التكاليــف املرتفعــة والظــروف السياســية‪ ،‬واألمنيــة‪،‬‬ ‫والتنظيميــة الصعبــة إىل إضعــاف شــهية املســتثمرين‪ .‬وبلــغ النمــو‬ ‫يف موازنــة استكشــاف التعديــن يف القــارة ‪ 12‬يف املئــة فقــط عــام‬ ‫‪ ،2021‬وهو أقل بكثري من النمو يف كندا (‪ 62‬يف املئة)‪ ،‬وأسرتاليا‬ ‫(‪ 39‬يف املئــة)‪ ،‬والواليــات املتحــدة (‪ 37‬يف املئــة)‪ ،‬وأ ـمـركا الالتينيــة‬ ‫(‪ 29‬يف املئــة)‪ .‬وتركــز االستكشــاف عــى نحــو أســايس عــى الذهــب‪،‬‬ ‫األمــر الــذي ـيـرك مخزونــات ك ـبـرة مــن املعــادن والف ـلـزات غــر‬ ‫مستكشــفة وغــر مســتغلة‪.‬‬

‫مسار جديد‬

‫ومع ذلك‪ ،‬يبقى هذا الحال ُعرضة للتغيري حاليا‪ ،‬بسبب بعض‬ ‫التحوالت الجيوسياسية التي أثرت سلبا عىل توافر بعض املعادن‬

‫المجلة‬

‫‪%30‬‬

‫من احتياطيات‬ ‫المعادن في العالم‬ ‫تمتلكها أفريقيا‬

‫‪%40‬‬

‫من احتياطيات الذهب‬ ‫تمتلكها أفريقيا‬

‫‪%70‬‬

‫من الكوبالت العالمي‬ ‫تنتجه جمهورية‬ ‫الكونغو الديمقراطية‬

‫‪74‬‬

‫الرئيســة‪ .‬فقــد أدى غــزو روســيا ألوكرانيــا‪ ،‬عــى ســبيل املثــال‪ ،‬إىل‬ ‫تعطيل كثري من شبكات التوريد الرئيسة‪ .‬فقبل غزوها ألوكرانيا‪،‬‬ ‫كانــت روســيا ُتنتــج مــا ي ـقـرب مــن ‪ 27‬يف املئــة مــن إن ـتـاج البالديــوم‬ ‫العاملــي‪ ،‬و‪ 10‬يف املئــة مــن إن ـتـاج النيــكل العاملــي‪ ،‬و‪ 6‬يف املئــة مــن‬ ‫إن ـتـاج األلومنيــوم العاملــي‪ .‬لكــن منــذ فرباير‪/‬شــباط ‪ ،2021‬أعــادت‬ ‫اآللــة الصناعيــة الروســية تنظيــم جهودهــا‪ ،‬وأعــادت تخصيــص‬ ‫بعــض املنتجــات لالســتخدام العســكري عوضــا عــن التصديــر‪.‬‬ ‫وعــاوة عــى ذلــك‪ ،‬منعــت العقوبــات والعقوبــات الذاتيــة التــي‬ ‫فرضتها الشركات عىل نفسها موسكو من الوصول إىل معدات‬ ‫التعديــن األجنبيــة‪ ،‬وتزويــد األســواق الدوليــة بســلعها‪ ،‬األمــر‬ ‫الــذي أدى إىل انخفــاض اإلن ـتـاج‪ ،‬ونقــص يف اإلمــدادات العامليــة‪،‬‬ ‫وارت ـفـاع يف األســعار‪.‬‬ ‫وتم إطالق شراكة أمن املعادن (‪ )MSP‬يف عام ‪ ،2022‬والتي‬ ‫سـراليا‪ ،‬وكنــدا‪ ،‬وفنلنــدا‪ ،‬وفرنســا‪،‬‬ ‫تضــم الواليــات املتحــدة‪ ،‬وأ ـ‬ ‫وأملانيا‪ ،‬واليابان‪ ،‬وكوريا الجنوبية‪ ،‬والسويد‪ ،‬واململكة املتحدة‬ ‫واملفوضية األوروبية كاستجابة للتأثري عىل وفرة املعادن‪ .‬وتهدف‬ ‫هــذه املبــادرة إىل ضمــان اســتخراج ومعالجــة املعــادن وفقــا ملعايــر‬ ‫بيئية واجتماعية وإدارية عالية املستوى‪ .‬ويالحظ أن أعضاء شراكة‬ ‫أمن املعادن يسعون أيضا بنشاط إىل تنويع سالسل التوريد‪.‬‬ ‫شـراكة أمــن املعــادن مــع‬ ‫ويف ســبتمرب‪/‬أيلول‪ ،‬التقــى ممثلــو ـ‬ ‫البلــدان الغنيــة باملعــادن‪ ،‬و مــن ضمنهــا جمهور يــة الكونغــو‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬وموزمبيق‪ ،‬وناميبيا‪ ،‬وتنزانيا‪ ،‬وزامبيا‪ ،‬الستكشاف‬ ‫الطريقــة التــي يمكــن أن تســتفيد بهــا هــذه الــدول مــن تمويــل‬ ‫وخربات البلدان املتقدمة‪ ،‬وتعزيز إنتاج العناصر األرضية النادرة‬ ‫ومعالجتهــا‪ .‬وكان هــذا الل ـقـاء بمنزلــة فرصــة اقتصاديــة ك ـبـرة‬ ‫بالنســبة للــدول األفريقيــة‪ .‬وســتتمثل أولويــة تلــك البلــدان يف‬ ‫اختيار شركاء يتوافقون مع رؤاها الخاصة بالنمو والتنمية‪ ،‬بما‬ ‫يف ذلــك تطويــر قــدرات التكريــر واملعالجــة املحليــة‪ ،‬بغــض النظــر‬ ‫عــن امل ـيـول السياســية‪.‬‬

‫الصين‪ :‬غزو استثماري‬

‫أدى النمــو االقتصــادي الســريع الــذي حققتــه الصــن إىل تزايــد‬ ‫الطلب عىل املوارد الطبيعية يف أفريقيا لتغذية قطاعاتها الصناعية‬ ‫والتصنيعيــة‪ ،‬وهــي املــوارد البالغــة األهميــة لدعــم و ـتـرة التنميــة‬ ‫يف أفريقيــا‪ .‬ومنــذ بدايــة األلفيــة الجديــدة‪ ،‬اختلــف نهــج الصــن‬ ‫تجــاه القــارة عــن النهــج الغربــي‪ .‬ففــي حــن ـتـويل الــدول الغربيــة‬ ‫األولويــة للحكــم الرشــيد‪ ،‬والصحــة والســامة والبيئــة‪ ،‬وحقــوق‬ ‫اإلنسان واملعايري البيئية‪ ،‬فإن بكني ُتقدم لنظرائها األفارقة الوعد‬ ‫بالبنية التحتية‪ ،‬والقروض امليسرة‪ ،‬والتمويل السهل يف مقابل‬ ‫صـول إىل املــوارد الطبيعيــة‪.‬‬ ‫الو ـ‬ ‫إن ا ســتثمارات الصــن وا ســعة النطــاق يف مــوارد أفريقيــا‬ ‫الطبيعية‪ ،‬وتشمل النفط‪ ،‬والغاز‪ ،‬واملعادن (تحديدا الكوبالت‬ ‫والليثيــوم‪ ،‬مــن بــن معــادن أخــرى)‪ ،‬واملــوارد الطبيعيــة األخــرى‪.‬‬ ‫شـركة النفــط الوطنيــة‬ ‫شـركات ك ـ‬ ‫فعــى ســبيل املثــال‪ ،‬اســتثمرت ـ‬ ‫شـركة الصــن الوطنيــة للنفــط‬ ‫الصينيــة (‪ ،)CNPC‬وســينوبك‪ ،‬و ـ‬ ‫البحــري (‪ )CNOOC‬يف مشــاريع الوقــود األحفــوري الكــرى يف‬ ‫غـوال والســودان ونيجرييــا‪ .‬أضــف اىل ذلــك‪ ،‬اســتثمرت كل مــن‬ ‫أن ـ‬ ‫الشركات الحكومية والخاصة‪ ،‬بما يف ذلك شركة الصني لتعدين‬ ‫املعادن غري الحديدية (مجموعة) املحدودة (‪ ،)CNMC‬وشركة‬ ‫شـركة الصينيــة لالســتثمار‬ ‫املوليبدينــوم الصينيــة (‪ ،)CMOC‬وال ـ‬


‫هنالك سباق محموم جديد عىل أفريقيا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن السعي وراء مواردها‬ ‫الطبيعيــة يحمــل معــه القليــل مــن األمــور الجديــدة‪ .‬فلقــد ســبق أن ُطــرق هــذا‬ ‫الســبيل ـمـرارا‪ ،‬فغا ـمـرت القــوى األوروبيــة بســلوكه يف أواخــر القــرن التاســع‬ ‫عشر‪ ،‬فيما سارت فيه حديثا القوتان الكبريتان الحاليتان املتمثلتان يف الصني‬ ‫والواليــات املتحــدة‪ ،‬باإلضافــة إىل القــوى اإلقليميــة املتمثلــة يف روســيا‪ ،‬واململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية‪ ،‬وقطــر‪ ،‬واإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬ســعيا وراء املعــادن‬ ‫والف ـلـزات املعدنيــة‪.‬‬ ‫تلعب املعادن والفلزات يف أفريقيا دورا حاسما يف دفع تحول الطاقة إىل طاقة‬ ‫نظيفــة‪ ،‬وترتبــط أهميتهــا املتزايــدة ارتباطــا ال انفــكاك لــه بوظائفهــا األساســية يف‬ ‫التقنيات املتطورة‪ ،‬بما يف ذلك تصنيع الهواتف الذكية‪ ،‬والسيارات الكهربائية‪،‬‬ ‫وتوربينــات الريــاح‪ ،‬واملعــدات العســكرية املتقدمــة‪ .‬وتشــمل هــذه املــوارد القيمــة‬ ‫الليثيوم‪ ،‬والنيكل‪ ،‬والكوبالت‪ ،‬واملنغنيز‪ ،‬والغرافيت (املستخدم يف البطاريات)‪،‬‬ ‫فضال عن النحاس واأللومنيوم (كجزء ال يتجزأ من االبتكارات املرتبطة بالكهرباء)‪.‬‬

‫باإلضافــة إىل ذلــك‪ ،‬تعــد العناصــر األرضيــة النــادرة (‪ ،)REEs‬وهــي مجموعــة‬ ‫مكونة من ‪ 17‬معدنا‪ ،‬مكونات محورية يف توربينات الرياح ومحركات السيارات‬ ‫الكهربائية‪ ،‬من بني مختلف التطبيقات التكنولوجية األخرى‪.‬‬ ‫ومن شأن تأمني الوصول إىل املوارد أن يمكن البلدان املستثمرة أو أبطالها‬ ‫صـول عــى مراكــز رائــدة يف اســتخراج‪ ،‬ومعالجــة‪ ،‬وإن ـتـاج‪،‬‬ ‫الوطنيــن مــن الح ـ‬ ‫وتوزيــع املعــادن املهمــة‪ .‬وبالتــايل‪ ،‬االســتيالء عــى حصــة مــن الســوق‪.‬‬ ‫تتفوق الصني عىل منافسيها يف السباق عىل املعادن‪ .‬فمع إدراكها ألهميتها‬ ‫االسرتاتيجية يف وقت مبكر‪ ،‬استثمرت الصني أمواال ضخمة يف تطوير القدرات‬ ‫الالزمــة الســتخراجها ومعالجتهــا‪ .‬ويف الوقــت الحــايل‪ ،‬تحتــل موقعــا رياديــا يف‬ ‫طـاع املعــادن الحيويــة ُ‬ ‫وتنتــج مــا ي ـقـرب مــن ‪ 60‬يف املئــة مــن العناصــر األرضيــة‬ ‫ق ـ‬ ‫وتعالج ُ‬ ‫النادرة عامليا‪ُ ،‬‬ ‫وتورد حوايل ‪ 85‬يف املئة من الســوق العاملية‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬تحتل الصني موقعا محوريا داخل سلسلة التوريد العاملية‪،‬‬ ‫حيث تعتمد عليها اقتصادات كربى أخرى مثل الواليات املتحدة وأوروبا بشكل‬


‫صـراع عــى أفريقيــا‬ ‫ال ـ‬ ‫من الغزو االستثماري للصني إىل سباق الشركات الهندية واألمريكية والسعودية‬ ‫لندن ‪ -‬أليس غاور‬

‫رسوم ‪ -‬جاي توريس‬


‫‪2,513‬‬

‫‪2,307‬‬ ‫‪3,474‬‬

‫‪2,678‬‬ ‫‪4,647‬‬ ‫‪7,741‬‬

‫‪1,498‬‬

‫‪1,165‬‬ ‫‪1,319‬‬ ‫‪1,751‬‬ ‫‪2,700‬‬ ‫‪2,212‬‬

‫‪1,300‬‬

‫‪3,301‬‬

‫‪1,225‬‬

‫‪900‬‬ ‫‪1,081‬‬ ‫‪1,000‬‬

‫‪985‬‬ ‫‪929‬‬ ‫‪850‬‬ ‫‪1,575‬‬

‫‪4,724‬‬

‫‪1,102‬‬

‫‪1,089‬‬

‫‪974‬‬

‫‪953‬‬

‫‪929‬‬

‫‪818‬‬

‫‪800‬‬ ‫‪800‬‬ ‫‪989‬‬

‫‪800‬‬ ‫‪1,086‬‬ ‫‪994‬‬

‫‪1870‬‬ ‫‪850‬‬

‫‪9,741‬‬

‫‪4,884‬‬

‫‪1,343‬‬

‫‪2,241‬‬

‫‪11,621‬‬

‫‪7,185‬‬

‫‪3,209‬‬

‫‪3,133‬‬

‫‪900‬‬

‫‪14,773‬‬

‫‪7,263‬‬

‫‪4,082‬‬

‫‪3,351‬‬

‫‪3,713‬‬

‫‪1,361‬‬

‫‪1,122‬‬ ‫‪2,393‬‬

‫‪2,331‬‬

‫‪1920‬‬ ‫‪2,146‬‬ ‫‪3,024‬‬

‫‪1,160‬‬

‫‪1,117‬‬

‫‪950‬‬

‫‪1,235‬‬

‫‪1,070‬‬

‫‪1,100‬‬

‫ﻣﻼﺣﻈﺔ‬

‫‪1,323‬‬

‫‪17,472‬‬

‫‪10,974‬‬

‫‪4,751‬‬

‫‪4,386‬‬

‫‪5,779‬‬

‫‪1,735‬‬

‫‪1,295‬‬

‫‪1,574‬‬

‫‪23,210‬‬

‫‪16,161‬‬

‫‪6,286‬‬ ‫‪5,952‬‬ ‫‪8,241‬‬

‫‪28,787‬‬

‫‪20,950‬‬

‫‪9,933‬‬

‫‪7,233‬‬ ‫‪8,728‬‬

‫‪6,742‬‬

‫‪35,619‬‬

‫‪25,440‬‬

‫‪10,344‬‬

‫‪8,132‬‬

‫‪8,222‬‬

‫‪6,435‬‬

‫‪6,121‬‬

‫‪1,801‬‬

‫‪2,574‬‬

‫‪44,329‬‬

‫‪32,536‬‬

‫‪8,986‬‬

‫‪10,225‬‬

‫‪9,915‬‬

‫‪9,640‬‬

‫‪8,164‬‬

‫‪1,981‬‬

‫‪3,437‬‬

‫‪48,090‬‬

‫‪37,318‬‬

‫‪17,021‬‬

‫‪13,179‬‬

‫‪13,453‬‬

‫‪16,716‬‬

‫‪12,853‬‬

‫‪3,156‬‬

‫‪5,367‬‬

‫‪2010‬‬ ‫‪53,756‬‬

‫‪51,668‬‬

‫‪38,511‬‬

‫‪14,090‬‬

‫‪14,700‬‬

‫‪18,010‬‬

‫‪19,446‬‬

‫‪15,698‬‬

‫‪6,991‬‬

‫‪39,790‬‬

‫‪20,681‬‬

‫‪18,430‬‬

‫‪16,327‬‬

‫‪15,212‬‬

‫‪I‬‬

‫‪3,491‬‬

‫‪VIII‬‬

‫‪14,076‬‬

‫اﻟﻤﺼﺪر‪ :‬ﻗﺎﻋﺪة ﺑﻴﺎﻧﺎت ﻣﺸﺮوع "ﻣﺎدﻳﺴﻮن"‬ ‫‪) 2020‬ﺑﻮﻟﺖ وﻓﺎن زاﻧﺪن‪(2020 ،‬‬

‫‪VII‬‬

‫‪IX‬‬

‫‪7,649‬‬

‫‪III‬‬

‫‪3,532‬‬

‫‪V‬‬

‫‪IV‬‬

‫‪II‬‬

‫‪II‬‬

‫‪IV‬‬

‫‪V‬‬

‫‪VI‬‬

‫‪VII‬‬

‫‪IX VIII‬‬

‫‪III‬‬

‫‪3,110‬‬

‫‪ .VI‬اﻟﻌﺎﻟﻢ‬

‫‪1980‬‬

‫‪ .IX‬أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺟﻨﻮب اﻟﺼﺤﺮاء‬

‫‪1,546‬‬ ‫‪4,801‬‬ ‫‪3,042‬‬

‫‪ .V‬ﺷﺮق آﺳﻴﺎ‬

‫‪1,897‬‬ ‫‪2,026‬‬ ‫‪4,212‬‬

‫‪ .VIII‬ﺟﻨﻮب وﺟﻨﻮب ﺷﺮق آﺳﻴﺎ‬

‫‪1,958‬‬

‫‪1970‬‬

‫‪ .VII‬أﻣﻴﺮﻛﺎ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ‬

‫‪1960‬‬

‫‪ .IV‬اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ‬

‫اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت ﺑﺎﻟﺪوﻻر‬ ‫ﺑﺄﺳﻌﺎر ﻋﺎم ‪.2011‬‬ ‫‪ .I‬اﻟﻔﺮوع اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ *‬

‫* ﺗﺸﻤﻞ اﻟﻮﻻﻳﺎت‬ ‫اﻟﻤﺘﺤﺪة وﻛﻨﺪا‬ ‫وأﺳﺘﺮاﻟﻴﺎ وﻧﻴﻮزﻳﻠﻨﺪا‬ ‫‪ .III‬أوروﺑﺎ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ‬

‫‪1950‬‬

‫‪ .II‬أوروﺑﺎ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ‬

‫‪1940‬‬

‫)ﺑﺎﻟﺪوﻻر اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ(‬

‫‪I‬‬

‫‪VI‬‬

‫‪1850‬‬

‫ﻧﺼﻴﺐ اﻟﻔﺮد‬ ‫ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﻤﺤﻠﻲ‬ ‫اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻣﻦ ‪1820‬‬ ‫إﻟﻰ ‪2018‬‬

‫‪2018‬‬

‫‪I‬‬

‫‪1900‬‬

‫اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت ﻣﻌﺪﻟﺔ ﺑﻬﺪف ﻣﺮاﻋﺎة‬ ‫اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ﻓﻲ ﺗﻜﻠﻔﺔ‬ ‫اﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺪول‪.‬‬

‫‪1820‬‬

‫‪1990‬‬

‫‪2000‬‬

‫‪2016‬‬


‫اقتصاد‬

‫‪70‬‬

‫المجلة‬

‫طـاع‬ ‫حجــم ال ـتـزام الصــن بشــكل كبــر‪ ،‬وبــات الق ـ‬ ‫حتمــا القــدرة التصنيعيــة الضخمــة للصــن‪ ،‬مــن‬ ‫واالســتثمارات يف الطاقــة املتجــددة‪.‬‬ ‫الخــاص هــو الطــرف الفاعــل عوضــا مــن الدولــة‪.‬‬ ‫اآلالت إىل قطــع غيــار الســيارات‪ ،‬إىل أســواق تكــون‬ ‫خالل أزمة “كوفيد‪ ،”19-‬تعهدت الصني بتقديم‬ ‫تكاليــف العمالــة فيهــا منخفضــة‪ُ .‬‬ ‫بعــد “كوفيــد‪ ،”19-‬تبــدو التوقعــات االقتصاديــة‬ ‫وتعَ ــدّ أفريقيــا‬ ‫‪ 1,5‬مليار جرعة من اللقاحات‪ ،‬وبنت املستشفيات‪،‬‬ ‫للصــن أقــل ورديــة بكثــر‪ ،‬ممــا يلقــي بظــال مــن‬ ‫إحــدى الوجهــات املثاليــة لذلــك‪ .‬كمــا تتطلــع الصــن‬ ‫ووفرت الطواقم الطبية للقارة األفريقية‪.‬‬ ‫عــدم اليقــن عــى قدرتهــا كأكــر م ـقـرض ومطــور‬ ‫الصناعــي‬ ‫للتوســع‬ ‫‪national‬هائلــة‬ ‫‪accounts‬ذات إمكانــات‬ ‫إىل ســوق‬ ‫تحتاج أفريقيا إىل تريليوين دوالر من االستثمارات‬ ‫‪World‬‬ ‫‪Bank‬‬ ‫خارجــي يف أفريقيــا‪.‬‬ ‫‪data,‬ـتهلكني‬ ‫‪and‬ـات املسـ‬ ‫‪OECD‬احتياجـ‬ ‫‪National‬لــة تلبيــة‬ ‫والزراعــي‪ ،‬ملواص‬ ‫يف البنيــة التحتيــة بح ـلـول عــام ‪ 2030‬لتوصيــل‬ ‫‪1990‬‬ ‫‪1995‬‬ ‫‪Accounts‬‬ ‫‪data‬‬ ‫‪files.‬‬ ‫يف عام ‪ ،2021‬كانت الصني قد أقرضت أفريقيا‬ ‫املتزايــدة يف الصــن‪ .‬لــدى أفريقيــا مســاحة شاســعة‬ ‫الكهرباء إىل ‪ 600‬مليون أفريقي ال يزالون محرومني‬ ‫‪2000‬‬ ‫‪1985‬‬ ‫نحــو ‪ 140‬مليــار دوالر‪ .‬بالنســبة إىل كــر‪ ،‬يشــكل‬ ‫وإطــاالت مثاليــة عــى املحيطــات‪ .‬وتح ـتـاج الصــن‬ ‫منها؛ حيث تمتلك الصني أكرث من ‪ 70‬يف املئة من‬ ‫“فــخ الديــون” مصــدر قلــق بالــغ‪ .‬مــع ذلــك‪ ،‬ي ـفـرض‬ ‫إىل مؤسسات متعددة األطراف يف الجنوب العاملي‬ ‫سلسلة اإلمداد العاملية للطاقة الشمسية وأكرث من‬ ‫‪1980‬‬ ‫‪2005‬‬ ‫تراجــع الصــن عــن التزامهــا باالســتثمار والتنميــة‬ ‫تدعــم رؤيتهــا ملســتقبل عاملــي‪.‬‬ ‫‪ 50‬يف املئــة مــن قــدرة تجميــع الريــاح العامليــة‪ ،‬ممــا‬ ‫طـرا أساســيا آخــر‪ ،‬وربمــا أكــر‪ ،‬عــى أفريقيــا‪،‬‬ ‫خ ـ‬ ‫وتتشارك الصني وأفريقيا تاريخا سياسيا حافال‬ ‫يخولها أن تكون شريكا أساسيا ألفريقيا يف “الثورة‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫والتكنولوج‬ ‫ـال‬ ‫ـ‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫رأس‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫تد‬ ‫يف‬ ‫ـز‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫بالع‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫يتم‬ ‫ـتعمار الغر بــي وبتطلعــات‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫اال‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـكاوى‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫بال‬ ‫‪ 2010‬موقعهــا املهيمــن يف مجــال‬ ‫ظـرا إىل‬ ‫ضـراء”‪ ،‬ن ـ‬ ‫الخ ـ‬ ‫‪1975‬‬ ‫وهــو الخطــر ذاتــه الــذي أحكــم الخنــاق عــى التنميــة‬ ‫النهــوض الوطنــي‪ ،‬ممــا يجعــل الرابــط الســيايس‬ ‫الطاقــة املتجــددة العامليــة‪ .‬وتعمــل الصــن بخطــى‬ ‫يف أفريقيــا عــى مــدى القرنــن املاضيــن‪ .‬وأي ـفـراغ‬ ‫بــن الطرفــن قائمــا عــى التعاطــف‪.‬‬ ‫ســريعة عــى تطويــر الطاقــة الكهرومائيــة يف جميــع‬ ‫يمكــن أن تخلفــه الصــن يف التنميــة يف أفريقيــا‪،‬‬ ‫حـرك للنمــو‬ ‫إن الصعــود االقتصــادي ألفريقيــا م ـ‬ ‫أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬والطاقة الشمسية‬ ‫‪2015‬‬ ‫سيكون كبريا إىل درجة ال يمكن سدّ ه بسهولة من‬ ‫العاملي يف حد ذاته‪ ،‬وسيمنح ذلك‪1970‬زخما لالقتصاد‬ ‫أفريقيا وجنوبها‪ ،‬وطاقة الرياح‪.5‬يف شمال‬ ‫يف غرب‬ ‫‪0‬‬ ‫‪5‬‬ ‫أفريقيــا‪ ،‬والطاقــة الحراريــة األرضيــة النا ‪5‬‬ ‫أي جهــة معنيــة أخــرى‪.‬‬ ‫الصيني الذي لم يعد مكتفيا بموارده الذاتية‪ .‬وقد‬ ‫شـ‪4‬ـئة يف‬ ‫‪4‬‬ ‫‪ 418.3‬تصبح أفريقيا املنقذ لالزدهار االقتصادي للصني‪،‬‬ ‫شــرق القارة‪.‬‬ ‫‪16.‬‬ ‫‪1.4‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪1‬‬ ‫وتطيل أمد صعوده‪.‬‬ ‫يف اجتماع “فوكاك” عام ‪ ،2021‬وعدت الصني‬ ‫إلى أين تتجه العالقات الثنائية؟ ‪17‬‬ ‫‪8.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2020‬‬ ‫‪1965‬‬ ‫‪1.4‬‬ ‫الجديدة‪،‬‬ ‫‪228.9‬ويف النهاية‪ ،‬قد تكون أفريقيا أمريكا‬ ‫ـاص‬ ‫باســتثمار ‪ 10‬مل‬ ‫كمــا هــو الحــال يف أي عالقــة مثاليــة‪ ،‬تقــدم أفريقيــا‬ ‫ـارات دوالر مــن قطاعهــا الخـ‪168‬‬ ‫‪.7‬يـ‪8‬‬ ‫‪1040‬‬ ‫مــا تفتقــر إليــه الصــن‪ .‬تواجــه الصــن قــوة عام‪2‬لـ‪3.‬ـة‪ 11‬وإذا ما ثبت هذا الواقع‪ ،‬فستكون كل من الصني‬ ‫‪ 2022‬يف أفريقيــا عــى مــدى الســنوات الثــاث املقبلــة‪.‬‬ ‫‪.8‬‬ ‫‪.2‬‬ ‫‪169.2‬‬ ‫‪12‬تعهد عام ‪ 2018‬بتقديم تمويل‪1488‬‬ ‫‪720‬‬ ‫وأفريقيــا شــريكتني ســاعيتني إىل تحقيــق نصــر‬ ‫مدعوم‬ ‫مع‬ ‫باملقارنة‬ ‫متناقصــة يف مقابــل قــوة عاملــة و ـفـرة يف أفريقيــا‪.‬‬ ‫‪(IN US‬‬ ‫‪98.5‬‬ ‫‪.4‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪9‬‬ ‫نهــايئ عــى صعيــد إعــادة تشــكيل النظــام العاملــي يف‬ ‫ومختلــف‬ ‫مــن الدو لــة بقيمــة ‪ 60‬مليــار دوالر‪16 ،‬‬ ‫ـتورد يف العا لــم للغــذاء‬ ‫والصــن هــي أ كــر مسـ‬ ‫)‪DOLLAR‬‬ ‫‪1960‬‬ ‫‪136.2‬‬ ‫سـرة واملســاعدات اإلنمائيــة‪ُ ،‬ق ِّلــص‬ ‫‪2025‬قــروض املي ـ‬ ‫ال‬ ‫القرن‪.‬‬ ‫والطاقــة‪ ،‬املتوفريــن يف أفريقيــا ب ـكـرة‪ .‬وســتنتقل‪ 89.5‬هذا‬ ‫‪175‬‬ ‫‪3.4‬‬

‫‪959‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪609.6 64‬‬ ‫‪0.7‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪.5‬‬

‫‪632‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪317.9‬‬

‫‪.5‬‬ ‫‪294‬‬

‫‪4.8‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪5.4‬‬ ‫‪72‬‬

‫‪.0‬‬ ‫‪567‬‬

‫‪726.7‬‬

‫‪GDP per capita - Sub-Saharan Africa, China‬‬

‫‪3K‬‬

‫‪1K 0‬‬

‫‪5K‬‬

‫‪7K‬‬

‫‪9K‬‬

‫‪11K‬‬

‫‪13K‬‬

‫‪Source: World Bank Data Bank‬‬

‫ﻧﺼﻴﺐ اﻟﻔﺮد ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﻤﺤﻠﻲ اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ ‪ -‬أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺟﻨﻮب اﻟﺼﺤﺮاء‪ ،‬اﻟﺼﻴﻦ‬

‫ﺑﻴﺎﻧﺎت اﻟﺤﺴﺎﺑﺎت اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻟﻠﺒﻨﻚ‬ ‫اﻟﺪوﻟﻲ وﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﻌﺎون‬ ‫اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ‬

‫‪1990‬‬

‫‪1995‬‬ ‫‪2000‬‬

‫‪1985‬‬

‫‪1980‬‬

‫‪2005‬‬

‫‪567‬‬ ‫‪.0‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪5.4‬‬

‫‪640.7‬‬

‫‪609.6‬‬

‫‪.4‬‬ ‫‪959‬‬ ‫‪.4‬‬ ‫‪632‬‬

‫‪19‬‬ ‫‪4.8‬‬

‫‪294‬‬ ‫‪.5‬‬

‫اﻟﻤﺼﺪر‪ :‬ﺑﻴﺎﻧﺎت اﻟﺒﻨﻚ اﻟﺪوﻟﻲ‬

‫‪726.7‬‬

‫‪1960‬‬

‫‪13K‬‬

‫‪11K‬‬

‫‪7K‬‬

‫‪5K‬‬

‫‪89.5 136.2‬‬

‫‪0 1K‬‬

‫‪16‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪45‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪.5‬‬

‫)ﺑﺎﻟﺪوﻻر‬ ‫اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ(‬

‫‪2015‬‬

‫‪80‬‬ ‫‪16.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪168‬‬ ‫‪1.4‬‬

‫‪.2‬‬ ‫‪113‬‬

‫‪169.2‬‬ ‫‪98.5‬‬ ‫‪3K‬‬

‫‪317.9‬‬

‫‪1965‬‬

‫‪.9‬‬ ‫‪228‬‬

‫‪.5‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪8.‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪8.‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪3.4‬‬ ‫‪175‬‬

‫‪1970‬‬

‫‪9K‬‬

‫‪RAB‬‬ ‫‪ION‬‬

‫‪2010‬‬

‫‪1975‬‬

‫‪2020‬‬

‫‪1040‬‬ ‫‪8.7‬‬

‫‪1488‬‬ ‫‪.8‬‬

‫‪1690.4‬‬

‫‪LISH‬‬ ‫‪ION‬‬

‫‪2022‬‬

‫‪12720.2‬‬ ‫‪2025‬‬


‫‪69‬‬

‫المجلة‬

‫اقتصاد‬

‫تشارك الصني يف البعثات الفضائية األفريقية؛ وعام ‪ 2019‬ساعدت يف‬ ‫إطالق أول قمر صناعي إلثيوبيا‪ .‬وعىل عكس شركاء أفريقيا التقليديني يف‬ ‫مجال الفضاء‪ ،‬ال تكتفي الصني بتزويد خدمات إطالق األقمار الصناعية‬ ‫فقط‪ ،‬بل تمول هذه األقمار أيضا‬ ‫انضمــت الصــن إىل منظمــة التجــارة العامليــة‪ ،‬ممــا‬ ‫بشــر بعهــد اقتصــادي ذهبــي‪ .‬وبــدأت الصــادرات‬ ‫الصينيــة تغــرق األســواق الغربيــة‪ ،‬لت ـتـوج الصــن‬ ‫بلقــب “مصنــع العالــم”‪.‬‬ ‫خالفــا للفائــض التجــاري الضخــم املحقــق مــع‬ ‫االقتصــادات الغربيــة‪ ،‬لطاملــا ر ـكـزت تجــارة الصــن‬ ‫مــع أفريقيــا عــى االســترياد‪ .‬خــال هــذه ال ـفـرة‪،‬‬ ‫استوردت الصني من الدول األقل نموا يف أفريقيا‬ ‫منتجات معفاة من الرسوم الجمركية‪ .‬وعىل مدى‬ ‫العقدين الالحقني‪ ،‬نمت تجارة الصني مع أفريقيا‬ ‫‪ 20‬ضعفــا لتصــل إىل نحــو ‪ 250‬مليــار دوالر‪ ،‬أي‬ ‫مــا يشــكل ‪ 35‬يف املئــة مــن حجــم تجــارة الصــن مــع‬ ‫الواليــات املتحــدة‪.‬‬

‫‪ :2015-2006‬الصيــن البلــد المصـّـدر‬ ‫لــرأس المــال‬

‫تم ـيـزت هــذه ال ـفـرة بحضــور صينــي متزايــد عــى‬ ‫صعيــد املســاعدات املاليــة واالســتثمارات األجنبيــة‬ ‫شـرة وتمويــل التنميــة يف أفريقيــا‪.‬‬ ‫املبا ـ‬ ‫ُ‬ ‫ـئ صنــدوق التنميــة الصينــي‬ ‫عــام ‪ ،2007‬أنـ ِ‬ ‫شـرة‬ ‫األفريقــي‪ ،‬ممــا عــزز االســتثمارات األجنبيــة املبا ـ‬ ‫الصينية يف أنحاء القارة السمراء كافة‪ .‬وتزامن هذا‬ ‫العقــد مــع ال ـفـرة التــي تلــت األزمــة املاليــة العامليــة‪،‬‬ ‫وشــهدت تراجــع االســتثمارات الغربيــة يف أفريقيــا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مخلفــة فجــوة أوســع يف تمويــل التنميــة‪ ،‬مألتهــا‬

‫الصــن بجــدارة‪.‬‬ ‫قامــت الصــن بب ـنـاء مجمعــات صناعيــة ومــوائن‬ ‫ومناطــق اقتصاديــة خاصــة عــى ســواحل أفريقيــا‪،‬‬ ‫شـراك يف ملكيتهــا‪ ،‬وهــي‬ ‫وتمويلهــا وإدارتهــا واال ـ‬ ‫حـايك نمــوذج التنميــة االقتصاد يــة‬ ‫مجمعــات ت ـ‬ ‫الســاحلية الصينــي‪ .‬وطــورت الصــن البنيــة التحتيــة‬ ‫للنقــل‪ ،‬وربطــت املناطــق الداخليــة الغنيــة باملــوارد‬ ‫يف أفريقيــا باملناطــق الســاحلية‪ ،‬وطــورت مــا ي ـقـرب‬ ‫مــن ثلــث شــبكات الطاقــة يف أفريقيــا‪ ،‬وأصبحــت‬ ‫م ـمـوال مهمــا لبنيتهــا التحتيــة وللمشــاريع الكثيفــة‬ ‫االســتخدام للمــوارد‪.‬‬ ‫ويف موازاة ذلك‪ ،‬نمت التجارة واالستثمار بني‬ ‫الصني وأفريقيا‪ ،‬وساهمت االستثمارات الصينية يف‬ ‫اإلنتاج‪ ،‬ومرافق املعالجة‪ ،‬وروابط النقل‪ ،‬واملناطق‬ ‫االقتصاديــة الخاصــة بتحويــل أســس االقتصــاد مــن‬ ‫التجارة املحلية إىل التجارة العاملية‪ .‬ويف عام ‪،2009‬‬

‫أصبحت الصني أكرب شريك تجاري ألفريقيا‪ ،‬فيما‬ ‫تجــاوزت الصــن الواليــات املتحــدة كأكــر مصــدر‬ ‫لالستثمار األجنبي املباشر يف القارة عام ‪.2013‬‬

‫‪ :2021-2015‬مصيــر مشــترك بيــن‬ ‫الصيــن وأفريقيــا‬

‫خالل هذه الفرتة‪ ،‬وسعت الصني وجودها الراسخ‬ ‫يف أفريقيــا مــن كونهــا املســتثمر األكــر يف القــارة إىل‬ ‫مــزود التكنولوجيــا األفضــل‪ ،‬وأضافــت إىل رؤيتهــا‬ ‫الثنائيــة املســاعدة األمنيــة املتبادلــة‪ ،‬وبــدأت قــوة‬ ‫الصــن الناعمــة تتجــذر يف أفريقيــا‪.‬‬ ‫عام ‪ ،2013‬أطلقت الصني االسرتاتيجية الكربى‬ ‫حـزام والطريــق‪.‬‬ ‫لعصــر يش جــن بينــغ‪ ،‬مبــادرة ال ـ‬ ‫وعــى مــدى عقــد مــن الزمــن‪ ،‬ســجلت هــذه املبــادرة‬ ‫العاملية لتطوير البنية التحتية أكرث من ‪ 2,2‬تريليون‬ ‫دوالر من التمويل يف جميع أنحاء العالم‪.‬‬ ‫سـراتيجية ملبــادرة‬ ‫شــهد عــام ‪ 2015‬أول ق ـفـزة ا ـ‬ ‫حـزام والطريــق التــي كانــت مرت ـكـزة عــى البنيــة‬ ‫ال ـ‬ ‫التحتيــة املاد يــة (الطــرق‪ ،‬والســكك الحديد يــة‪،‬‬ ‫واملــوائن‪ ،‬وإمــدادات الطاقــة‪ ،‬ومــا إىل ذلــك) قبــل‬ ‫ذلــك‪ ،‬لرتكــز بعدهــا عــى البنيــة التحتيــة الرقميــة‬ ‫والتكنولوجية‪ ،‬التي تكمن أهميتها يف تمكني تحول‬ ‫أفريقيا نحو االقتصاد الرقمي واملشاركة يف املوجة‬ ‫املقبلــة مــن الثــورة الصناعيــة‪ ،‬وقــد أثــار نجاحهــا‬ ‫غـرب‪.‬‬ ‫قلــق ال ـ‬ ‫ومــن بــن املنافســن العامليــن يف مجــال الجيــل‬ ‫الخامس لالتصاالت‪ ،‬حققت “هواوي” أكرب نجاح‬ ‫يف أفريقيا عىل املدى الطويل‪ .‬كذلك نجحت الشركة‬ ‫يف تشــغيل مراكــز لتخزيــن البيانــات وتطويــر أول‬ ‫ســحابة رقميــة عامــة يف أفريقيــا‪.‬‬ ‫وأنشأت شركة صينية كابل “السالم” (بيس)‪،‬‬ ‫وهــو عبــارة عــن شــبكة كابــات بحريــة تربــط أفريقيــا‬ ‫بآســيا وأوروبــا‪ ،‬وتوفــر بيانــات منخفضــة التكلفــة‬ ‫جـزاء ك ـبـرة مــن أفريقيــا‪ .‬وتوفــر‬ ‫سـرعة أل ـ‬ ‫وعاليــة ال ـ‬ ‫الصني أنظمة برمجيات للقطاعات العامة يف القارة‪.‬‬ ‫كما أطلقت منصة “عيل بابا” اإللكرتونية للتجارة‬ ‫العاملية (إي يت دبليو بي)‪ ،‬وهي إطار رقمي ملنظمة‬ ‫التجارة العاملية يدعم تجارة أفريقيا الدولية‪.‬‬ ‫خالل هذه الفرتة‪ ،‬شــاركت الصني يف البعثات‬ ‫الفضائيــة األفريقيــة؛ عــام ‪ ،2019‬وســاعدت يف‬ ‫إطالق أول قمر صناعي إلثيوبيا‪ .‬وعىل عكس شركاء‬

‫ضـاء‪ ،‬ال تكتفــي‬ ‫أفريقيــا التقليديــن يف مجــال الف ـ‬ ‫الصــن بتزويــد خدمــات إطــاق األقمــار الصناعيــة‬ ‫فقط‪ ،‬بل تمول هذه األقمار أيضا‪ .‬ومع تزايد تحول‬ ‫الفضاء إىل ساحة للمنافسة العاملية‪ ،‬يحظى نموذج‬ ‫الصــن الشــامل بجاذبيــة ك ـبـرة يف صفــوف الــدول‬ ‫األفريقيــة‪ .‬وبحســب املنتــدى االقتصــادي العاملــي‪،‬‬ ‫ضـاء أن تحقــق‬ ‫يمكــن للبيانــات التــي ُتجمَ ــع مــن الف ـ‬ ‫مكاســب ســنوية ألفريقيــا بقيمــة مليــاري دوالر‪.‬‬ ‫شـركات الخاصــة الصينيــة يف تصديــر‬ ‫بــدأت ال ـ‬ ‫الطاقــة اإلنتاجيــة والخدمــات إىل أفريقيــا‪ ،‬بقيــادة‬ ‫عمالقــة التكنولوجيــا الصينيــة‪ .‬ويف عــام ‪،2021‬‬ ‫شـركات الصينيــة التــي‬ ‫أضحــى ‪ 90‬يف املئــة مــن ال ـ‬ ‫تمارس أعماال يف أفريقيا مملوكة للقطاع الخاص‪،‬‬ ‫مدفوعــة بانخفــاض تكاليــف اإلن ـتـاج ونمــو الســوق‬ ‫االستهالكية؛ فأفريقيا التي تضم ‪ 300‬مليون نسمة‬ ‫مــن الطبقــة املتوســطة‪ ،‬تحبــط إمكانــات التحضــر‬ ‫بســبب تركيبتهــا الســكانية‪.‬‬ ‫ويسعى رواد األعمال الصينيون‪ ،‬الذين أفادوا‬ ‫من التوسع الحضري الهائل الذي شهدته الصني‬ ‫قبل عقدين فقط‪ ،‬إىل تكرار هذا النجاح يف أفريقيا‪،‬‬ ‫وتتقاطر الشركات الخاصة عىل قطاعات العقارات‪،‬‬ ‫والب ـنـاء‪ ،‬والرتفيــه‪ ،‬والخدمــات املاليــة‪ ،‬والرعايــة‬ ‫الصحية‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والتجارة اإللكرتونية‪.‬‬ ‫وخــال هــذه ال ـفـرة‪ ،‬أكــدت الصــن التعــاون‬ ‫األمنــي والســيايس كداعمــن أساســيني للعالقــات‬ ‫شـركا بــن‬ ‫صـرا م ـ‬ ‫الثنائيــة‪ .‬وتصــورت الصــن “م ـ‬ ‫الصني وأفريقيا”– مصريا عامليا بديال فرضته الصني–‬ ‫ال تح ـتـاج فيــه التنميــة إىل الديمقراطيــة وال يح ـتـاج‬ ‫فيــه التحديــث إىل التغريــب‪.‬‬ ‫يف اجت ـمـاع “ ـفـوكاك” عــام ‪ ،2018‬أكــد الرئيــس‬ ‫الصينــي يش د عــم الصــن للــدول األفريقيــة‬ ‫الستكشــاف مســارات التنميــة البديلــة التــي تناســب‬ ‫الخصوصيات الوطنية‪ ،‬عارضا رؤية الصني ألفريقيا‪.‬‬

‫‪ 2021‬وما بعده‪ :‬تحول استراتيجي‬

‫يف ال ـفـرة مــا بعــد “كوفيــد‪ ،”19-‬عــززت الصــن‬ ‫ـمـرة أخــرى وجودهــا يف أفريقيــا‪ ،‬إذ انتقلــت مــن‬ ‫موقــع املصــدّ ر للبضائــع و ـلـرأس املــال‪ ،‬إىل مصــدّ ر‬ ‫للتكنولوجيا‪ ،‬كما وسعت الصني التزاماتها املتعلقة‬ ‫بتزويد أفريقيا باملنتجات العامة‪ ،‬أبرزها يف مجاالت‬ ‫الصحــة العامــة والتعليــم والتدريــب عــى العمــل‬


‫اﻟﺘﺠﺎرة ﺑﻴﻦ اﻟﺼﻴﻦ‬ ‫وأﻓﺮﻳﻘﻴﺎ )‪(2022-1992‬‬

‫إﺟﻤﺎﻟﻲ اﻟﻮاردات‬ ‫اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﻣﻦ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ‬ ‫أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ‬

‫ﻣﻼﺣﻈﺔ‪:‬‬

‫ﺟﻤﻴﻊ اﻷرﻗﺎم ﺑﺤﺴﺐ اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت اﻟﺼﺎدرة‬ ‫ﻋﻦ اﻟﺼﻴﻦ‪ ،‬ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء ﺟﻨﻮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ‪.‬‬

‫)ﺑﻤﻠﻴﺎرات اﻟﺪوﻻرات(‬

‫‪1.26‬‬ ‫‪1.25‬‬ ‫‪1.35‬‬ ‫‪1.82‬‬ ‫‪1.84‬‬ ‫‪2.38‬‬ ‫‪3.13‬‬ ‫‪3.20‬‬ ‫‪5.01‬‬ ‫‪5.96‬‬

‫‪0.49‬‬ ‫‪0.58‬‬ ‫‪0.35‬‬ ‫‪0.73‬‬ ‫‪0.79‬‬ ‫‪1.67‬‬ ‫‪0.78‬‬ ‫‪1.51‬‬ ‫‪4.85‬‬ ‫‪4.08‬‬

‫‪1992‬‬

‫‪1993‬‬

‫‪1994‬‬ ‫‪1995‬‬

‫‪1996‬‬ ‫‪1997‬‬

‫‪1998‬‬ ‫‪1999‬‬

‫‪2000‬‬ ‫‪2001‬‬

‫‪6.92‬‬ ‫‪10.12‬‬

‫‪4.61‬‬ ‫‪7.41‬‬

‫‪2002‬‬ ‫‪2003‬‬

‫‪13.73‬‬

‫‪13.74‬‬

‫‪2004‬‬

‫‪18.60‬‬

‫‪18.99‬‬

‫‪2005‬‬

‫‪26.58‬‬

‫‪2006‬‬

‫‪26.79‬‬

‫‪37.37‬‬

‫‪2007‬‬

‫‪33.91‬‬

‫‪51.09‬‬

‫‪2008‬‬

‫‪51.04‬‬

‫‪47.64‬‬

‫‪2009‬‬

‫‪40.31‬‬

‫‪59.81‬‬

‫‪2010‬‬

‫‪60.27‬‬

‫‪72.92‬‬

‫‪2011‬‬

‫‪73.63‬‬

‫‪85.13‬‬

‫‪2012‬‬

‫‪78.91‬‬

‫‪92.57‬‬

‫‪2013‬‬

‫‪81.11‬‬

‫‪105.83‬‬

‫‪2014‬‬

‫‪79.86‬‬

‫‪155.70‬‬

‫‪2015‬‬

‫‪47.53‬‬

‫‪91.98‬‬

‫‪2016‬‬

‫‪41.27‬‬

‫‪94.50‬‬

‫‪2017‬‬

‫‪60.21‬‬

‫‪104.95‬‬

‫‪2018‬‬

‫‪80.34‬‬

‫‪113.05‬‬

‫‪2019‬‬

‫‪78.68‬‬

‫‪113.96‬‬

‫‪2020‬‬

‫‪61.95‬‬

‫‪145.52‬‬

‫‪2021‬‬

‫‪86.36‬‬

‫‪164.16‬‬

‫‪2022‬‬

‫‪96.66‬‬

‫‪260.8‬‬ ‫‪231.9‬‬

‫إﺟﻤﺎﻟﻲ اﻟﺼﺎدرات‬ ‫اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ إﻟﻰ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ‬

‫إﺟﻤﺎﻟﻲ ﺗﺠﺎرة‬ ‫اﻟﺼﻴﻦ ﻣﻊ‬ ‫أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ‬

‫‪146.5‬‬ ‫‪102.1‬‬

‫‪1.8‬‬

‫‪1.7‬‬

‫‪2.6‬‬

‫‪2.6‬‬

‫‪4.1‬‬

‫‪3.9‬‬

‫‪4.7‬‬

‫‪17.5 11.5 10.0 9.9‬‬

‫‪‘93 1992‬‬

‫‪‘94‬‬

‫‪‘95‬‬

‫‪‘96‬‬

‫‪‘97‬‬

‫‪‘98‬‬

‫‪‘99‬‬

‫‪‘03‬‬

‫‪1.7‬‬

‫اﻟﺼﻴﻦ‬

‫‪‘00‬‬

‫‪‘01‬‬

‫‪‘02‬‬

‫‪27.5‬‬

‫‪‘04‬‬

‫‪37.6‬‬

‫‪‘05‬‬

‫‪53.4‬‬

‫‪‘06‬‬

‫‪71.3‬‬

‫‪‘07‬‬

‫اﻟﻤﺼﺪر‪ :‬ﻣﺒﺎدرة "ﺟﻮﻧﺰ ﻫﻮﺑﻜﻨﺰ" ﻟﻸﺑﺤﺎث اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ اﻷﻓﺮﻳﻘﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻴﺎﻧﺎت "ﻳﻮ‪ .‬أن‪ .‬ﻛﻮم‪ .‬ﺗﺮاﻳﺪ" ﻣﻦ ‪ 1992‬إﻟﻰ ‪2022‬‬

‫‪‘08‬‬

‫‪164.0‬‬

‫‪173.7‬‬

‫‪185.7‬‬

‫‪203.2‬‬

‫‪133.3‬‬

‫‪120.1‬‬

‫‪154.7‬‬

‫‪191.7 185.3‬‬ ‫‪175.9‬‬

‫‪87.9‬‬

‫‪‘09‬‬

‫‪‘10‬‬

‫‪‘11‬‬

‫‪‘12‬‬

‫‪‘13‬‬

‫‪‘14‬‬

‫‪‘15‬‬

‫‪‘16‬‬

‫‪‘17‬‬

‫‪‘18‬‬

‫‪‘19‬‬

‫‪‘20‬‬

‫‪2022 ‘21‬‬


‫‪67‬‬

‫المجلة‬

‫مــن الســهل االســتخفاف بحجــم أفريقيــا‪ .‬جغرافيــا‬ ‫القــارة ك ـبـرة بمــا يكفــي لتناســب الواليــات املتحــدة‬ ‫والصني والهند واليابان واملكسيك واململكة املتحدة‬ ‫وفرنســا ومزيــدا مــن البلــدان األوروبيــة مجتمعــة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وتمثــل أكــر‬ ‫أفريقيــا هــي أصغــر قــارات العالــم ســنا‬ ‫احتياطــي للعمالــة فيــه‪ .‬يعيــش ‪ 1,3‬مليــار نســمة‬ ‫يف أفريقيــا حاليــا‪ ،‬بمتوســط عمــر يبلــغ ‪ 18,8‬ســنة‪.‬‬ ‫وبح ـلـول نهايــة القــرن‪ ،‬يتوقــع أن يبلــغ عــدد ســكان‬ ‫القــارة نحــو أربعــة مليــارات نســمة‪ ،‬أي ‪ 40‬يف املئــة‬ ‫مــن عــدد ســكان العالــم اإلجمــايل‪.‬‬ ‫و مــن الصعــب تصــور عــدم انجــذاب مرا كــز‬ ‫االقتصــاد العاملــي واالبتــكار نحــو أفريقيــا يف العقــود‬ ‫املقبلة؛ حيث تتمتع القارة بهبات غنية من الرتبة‬ ‫الخصبة‪ ،‬وإمكانات الطاقة املتجددة االستثنائية‪،‬‬ ‫وإطالالت واسعة عىل املحيطات‪ ،‬واملعادن النادرة‬ ‫واألساســية للموجــة املقبلــة مــن الثــورة الصناعيــة‪،‬‬ ‫وإذا التزمت الدول بضخ رأس املال املستدام ونشر‬ ‫التكنولوجيــا فيهــا‪ ،‬فقــد تصبــح أفريقيــا أ ـمـركا‬ ‫الجديــدة يف القــرن الحــادي والعشــرين‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬ربما تكون الصني قد شهدت‬ ‫للتو ذروة عصرها الذهبي‪ .‬لكن بعد “كوفيد‪،”19-‬‬ ‫لم يتحقق االنتعاش االقتصادي القوي الذي طال‬ ‫انتظــاره يف الصــن‪ .‬عــام ‪ ،2021‬كان الناتــج املحــي‬ ‫اإلجمــايل للصــن (بالقيمــة االســمية) يــوازي ‪ 78‬يف‬ ‫ظـره األ ـمـريك‪ .‬ويف الفصــل األخــر‬ ‫املئــة مقارنــة بن ـ‬ ‫مــن العــام‪ ،‬انخفضــت النســبة إىل ‪ 69‬يف املئــة؛‬ ‫حيــث تواجــه الصــن أزمــة ماليــة عامــة متصاعــدة‪،‬‬ ‫واقتصادا انكماشيا‪ ،‬وتقلصا ديموغرافيا‪ ،‬وقيودا‬ ‫تمنع الوصول إىل التكنولوجيات الغربية الفائقة‪.‬‬ ‫ويف عصر االنفصال بني الغرب والصني‪ ،‬تواصل‬ ‫خـرة إعــادة توجيــه سالســل اإلمــداد العامليــة‪،‬‬ ‫األ ـ‬ ‫وطرق التجارة‪ ،‬وتدفقات رأس املال والتكنولوجيا‬ ‫إىل الجنــوب العاملــي‪ .‬وللتعويــض عــن تقلــص القــوة‬ ‫العاملة وارتفاع تكاليف العمالة‪ ،‬تحول الشركات‬ ‫الصينيــة املتعــددة الجنســيات التصنيــع الكثيــف‬ ‫العمالة إىل الجنوب العاملي حيث مردود العمالة‬ ‫مرتفــع‪ .‬وتســعى الصــن إىل تنويــع وارداتهــا مــن‬ ‫البضائع األساسية‪ ،‬كاألغذية والطاقة‪ ،‬من الغرب‪،‬‬ ‫لصالــح املناطــق الناميــة‪ .‬ال شــك أن كال مــن الصــن‬ ‫شـراكتهما رغبــة وتكامــا بينهمــا‪.‬‬ ‫وأفريقيــا تريــان يف ـ‬

‫اقتصاد‬

‫مــع ذلــك‪ ،‬ال تقتصــر العالقــات الصينيــة األفريقيــة‬ ‫حاليــا عــى االقتصــاد‪ .‬منــذ إض ـفـاء الطابــع املؤســي‬ ‫عــى منتــدى التعــاون الصينــي‪ -‬األفريقــي ( ـفـوكاك)‬ ‫عــام ‪ ،2001‬وهــو آليــة للتعــاون الثنــايئ‪ ،‬ازدهــر‬ ‫التعاون بني الصني وأفريقيا من اقتصاره عىل البعد‬ ‫التجاري إىل عالقة اقتصادية شاملة واسرتاتيجية‪،‬‬ ‫وأمنيــة‪ ،‬ومجــاالت القــوة الناعمــة‪.‬‬ ‫اليــوم‪ُ ،‬تعَ ــد الصــن أكــر شــريك ألفريقيــا عــى‬ ‫صعيــد التجــارة‪ ،‬والد يــون الســيادية‪ ،‬وتو فــر‬ ‫االستثمار األجنبي املباشر‪ ،‬وتطوير البنية التحتية‪،‬‬ ‫واالستثمار يف الطاقة املتجددة؛ فهي توفر ما يقرب‬ ‫من نصف الهواتف الذكية يف أفريقيا‪ ،‬وتجهز البنية‬ ‫التحتيــة لالتصــاالت يف املراكــز الحضريــة والقــرى‬ ‫الريفية يف أفريقيا كلها‪ .‬وتعمل عىل تشغيل كابالت‬ ‫بحرية عىل طول سواحل القارة‪ ،‬وتمول طموحات‬ ‫أفريقيا الفضائية‪ .‬وتوفر الصني أكرب عدد من قوات‬ ‫حفظ السالم التابعة لألمم املتحدة يف أفريقيا‪ ،‬كما‬ ‫حلت مكان الواليات املتحدة واململكة املتحدة كأكرب‬ ‫وجهة للطالب األفارقة الناطقني باللغة اإلنكليزية‪،‬‬ ‫وهــي بالتــايل تهتــم بإطــاق كثــر مــن آليــات التعــاون‬ ‫يف مجــال القــوة الناعمــة‪ ،‬مــن السياســة واإلعــام‬ ‫إىل الفلســفة‪ .‬فكيــف تطــورت العالقــة إىل مــا هــي‬ ‫عليه اليوم؟ وماذا تعني أفريقيا ملستقبل الصني؟‬

‫نظــرة إلــى العالقــات الصينيــة‪-‬‬ ‫األفريقيــة فــي القــرن الحالــي‬

‫كانــت الصــن يف عــام ‪ 1996‬تتخلــف عــن أفريقيــا‬ ‫حـراء الكــرى عــى صعيــد نصيــب الفــرد‬ ‫جنــوب الص ـ‬ ‫من الناتج املحيل اإلجمايل‪ .‬وعىل الرغم من اإلصالح‬ ‫الــذي أطلقــه دينــغ واالنفتــاح الــذي شــهدته البــاد‪،‬‬ ‫وأنتــج ـفـرة مــن النمــو االقتصــادي املــزدوج األرقــام‪،‬‬ ‫ظلت الصني طرفا هامشيا يف السوق العاملية حتى‬ ‫مطلــع هــذا القــرن‪.‬‬

‫‪ :2006-2001‬عالقــة تتركــز علــى‬ ‫التجــارة‬

‫عندمــا أضفــت الصــن عــام ‪ 2001‬الطابــع املؤســي‬ ‫عــى “ ـفـوكاك”‪ ،‬أملــت القــدرة االقتصاديــة للصــن‬ ‫أن ال تكون عالقتها بأفريقيا محكومة برؤية كربى‪،‬‬ ‫بــل محــددة مــن خــال تقــدم تدريجــي‪ .‬عــام ‪،2001‬‬

‫اليوم‪ُ ،‬ت َعد الصني أكرب شريك ألفريقيا عىل صعيد التجارة‪ ،‬والديون‬ ‫السيادية‪ ،‬وتوفري االستثمار األجنبي املباشر‪ ،‬وتطوير البنية التحتية‪،‬‬ ‫واالستثمار يف الطاقة املتجددة؛ فهي توفر ما يقرب من نصف الهواتف‬ ‫الذكية يف أفريقيا‪ ،‬وتجهز البنية التحتية لالتصاالت يف املراكز الحضرية‬ ‫والقرى الريفية يف أفريقيا كلها‬


‫المجلة‬

‫اقتصاد‬

‫‪66‬‬

‫أفريقيا منقذ‬ ‫اقتصاد الصين ومالذه‬

‫شريكان متكامالن نحو تحقيق‬ ‫النصر إلعادة تشكيل النظام‬ ‫العاملي يف هذا القرن‬ ‫لندن ‪ -‬شرييل زيو‬ ‫رسم ‪ -‬لوكا دوربينو‬ ‫غرافيك ‪ -‬ديانا استيفانيا روبيو‬


‫‪65‬‬

‫المجلة‬

‫بخصــوص الزيــادة يف أســعار الخبــز أيــام الرئيــس‬ ‫الراحل الحبيب بورقيبة‪ ،‬بعد سقوط قتىل‪ .‬والسيد‬ ‫رئيس الجمهورية قيس سعيد يرفض تكرار ذلك‪.‬‬ ‫لديك عالقة طيبة مع روسيا وزرت‬ ‫موسكو‪...‬‬

‫قضيت يف روســيا خمس ســنوات يف فرتة طفولتي‪.‬‬ ‫وهــي بلــد كبــر ومهــم ومعــروف بتاريخــه وثقافتــه‬ ‫وأدبــه‪ .‬وربمــا ســاهمت معرفتــي باللغــة الروســية‬ ‫يف توطيــد العالقــة مــع الفــروف‪ .‬وقــد بــادر وزيــر‬ ‫الخارجيــة الــرويس بتهنئتــي عنــد تكليفــي بمهــام‬ ‫وزيــر الشــؤون الخارجيــة مــن قبــل الســيد رئيــس‬ ‫الجمهوريــة قيــس ســعيد‪.‬‬ ‫عملت في لندن ولديك عالقات في روسيا‪.‬‬ ‫زرت موسكو وكان هناك طلب‪ ،‬ما هو؟‬

‫حـرة يف عالقاتهــا‪ ،‬وروســيا‬ ‫أود أن أؤكــد أن تونــس ـ‬ ‫حـرب البــاردة‪ ،‬كانــت‬ ‫شــريك مهــم‪ .‬وحتــى خــال ال ـ‬ ‫لدينا عالقات طيبة مع االتحاد السوفيايت‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إىل عالقاتنا الجيدة مع الغرب‪ .‬لدينا عالقات ممتازة‬ ‫مــع روســيا‪ ،‬يجــب تطويرهــا‪ ،‬وهنــاك طلبــات مثــل‬ ‫صـول عــى كميــات مــن الحبــوب ألن‬ ‫إمكانيــة الح ـ‬ ‫الحرب الحالية أثرت علينا سلبا‪ .‬وتم التداول بشأن‬ ‫هذا املوضوع مع الجانب الرويس‪ .‬كما أن الجانبني‬ ‫منفتحــان عــى التعــاون يف مختلــف املجــاالت ومــن‬ ‫ضمنهــا التــزود بالحبــوب‪ ،‬والســياحة‪ ،‬والتجــارة‪،‬‬ ‫والتعليــم العــايل‪.‬‬ ‫هل هناك اتجاه لتعزيز العالقة العسكرية‬ ‫مع روسيا؟‬

‫من املهم التأكيد عىل أنه لم يتم التطرق إىل التعاون‬ ‫العسكري خالل لقايئ مع الفروف‪.‬‬ ‫هناك تنافس أميركي ‪ -‬روسي ‪ -‬صيني‬ ‫على أفريقيا‪ ،‬كيف ترى هذا التنافس؟‬

‫أنــا مقتنــع بــأن العالــم اآلن يف منعطــف‪ ،‬ومرحلــة‬ ‫حـرب العامليــة الثانيــة بالنســبة إيل انتهــت‪.‬‬ ‫مــا بعــد ال ـ‬ ‫اآلن نعيــش مخاضــا ومرحلــة جديــدة‪ ،‬علينــا أن ال‬ ‫نتوجــس منهــا وأن نســتعد لهــا‪ ،‬فالنظــام العاملــي‬ ‫حـرب العامليــة الثانيــة‬ ‫املــايل واالقتصــادي ملــا بعــد ال ـ‬ ‫انتهــى‪ .‬يجــب أن ال نتأســف عــى املــايض‪ .‬واملعطــى‬ ‫اإليجابــي هــو أن تونــس لديهــا رصيــد ســيايس كبــر‬ ‫مع البلدان األفريقية‪ ،‬فقد كنا مساهمني يف دعم‬ ‫حركات التحرر يف قارتنا األفريقية ضد االستعمار‪.‬‬ ‫ما سبب التنافس على أفريقيا؟‬

‫نريد الشراكة‬ ‫قبل أي يشء‪،‬‬ ‫مع السعودية‬ ‫ومع الدول‬ ‫الشقيقة‬ ‫األخرى‪،‬‬ ‫واالستثمار‬ ‫والتجارة‬ ‫والتواصل بني‬ ‫سيدات األعمال‬ ‫ورجال األعمال‬ ‫لخلق الرثوة‪،‬‬ ‫وهذا ممكن‬ ‫وموجود‪،‬‬ ‫فتونس بلد‬ ‫استثمار بامتياز‬ ‫رغم تعمد‬ ‫بعض النافذين‬ ‫يف الغرب‬ ‫تشويه صورة‬ ‫بلدنا‬

‫مقابلة‬

‫الســبب اقتصــادي ومــايل بالنســبة للفاعلــن الكبــار‪.‬‬ ‫خـرط‬ ‫تونــس تســعى إىل حمايــة مصالحهــا وأن ال تن ـ‬ ‫يف حلــف ضــد آخــر‪ .‬وحتــى عندمــا توجهــت إىل ســان‬ ‫بطرســبورغ يف روســيا مــع األفارقــة‪ ،‬ذ ـكـرت بــأن‬ ‫اجتماعنــا ليــس موجهــا ضــد مــن ليــس يف القاعــة‪.‬‬ ‫تونس تعمل مع الغرب وروسيا ومع الصني ولدينا‬ ‫عالقات طيبة مع الهند ومع كل الدول األفريقية‪،‬‬ ‫وهذه ميزة تونس‪ .‬وأكدت للربيطانيني خالل زياريت‬ ‫الحاليــة أن عليهــم اإلنصــات إىل تونــس‪ ،‬ألن لهــا‬ ‫رسائل كانت دائما قوية عرب التاريخ‪ .‬نحن لم نعا ِد‬ ‫نستول عىل أحد‪،‬‬ ‫أحدا ولم نشن حربا عىل أحد ولم‬ ‫ِ‬ ‫ودومــا حينمــا نتدخــل يكــون ذلــك للصلــح وللب ـنـاء‬ ‫وليــس للهــدم‪ .‬وحــن نتوجــه إىل البلــدان األفريقيــة‬ ‫فهــذا توجــه طبيعــي‪ ،‬ألننــا بلــد أفريقــي بامتيــاز‪.‬‬ ‫لدينا في أفريقيا “أفريكوم”‪ ،‬و”فاغنر”‪،‬‬ ‫وقاعدة صينية في جيبوتي‪ ...‬أين تقع‬ ‫تونس بين هؤالء؟‬

‫خـرط يف حلــف مــع أحــد ضــد آخــر‪ .‬نحــن‬ ‫تونــس ال تن ـ‬ ‫نراقــب وموقفنــا دومــا يف إطــار ب ـنـاء الســلم‪ .‬وب ـنـاء‬ ‫الســلم ال يــأيت باالصطفــاف مــع حلــف ضــد آخــر‪.‬‬ ‫ما موقف تونس من حرب روسيا‬ ‫وأوكرانيا؟‬

‫موقف تونس واضح‪ ،‬ما زال لدينا عالقات طيبة مع‬ ‫أوكرانيا‪ ،‬وليس هناك مشاكل بيننا‪ ،‬ولم نتدخل‬ ‫حـرب بــن أوكرانيــا وروســيا أو مــع جانــب ضــد‬ ‫يف ال ـ‬ ‫آخــر‪ .‬تصويتنــا يف األمــم املتحــدة كان واضحــا‪ ،‬فقــد‬ ‫كان ضد التدخل والهجوم العسكري‪ ،‬ونحن مع‬ ‫شـاكل بالطــرق الســلمية‪ ،‬وهــذا ال يمنــع أن‬ ‫فــض امل ـ‬ ‫لدينــا عالقــات طيبــة مــع كل مــن روســيا وأوكرانيــا‪.‬‬ ‫كنا نتعامل مع أوكرانيا من خالل استقبال السياح‬ ‫وإرســال طلبــة إىل جامعاتهــا‪ .‬ونتمنــى أن تنتهــي‬ ‫حـرب اليــوم قبــل الغــد‪.‬‬ ‫ال ـ‬ ‫هل لدى تونس مشكلة مع اإلسالم‬ ‫السياسي؟‬

‫هم من لديهم مشكلة مع تونس‪ .‬تونس بلد عاش‬ ‫تجربــة تبــن فشــلها‪ ،‬وعلينــا اســتخالص العــر مــن‬ ‫ذلــك‪ .‬املواطــن التونــي يحــب الحيــاة‪ ،‬وتونــس هــي‬ ‫مهد لتالقى الثقافات والحضارات‪ ،‬إذ تعاقبت عىل‬ ‫بالدنــا حضــارات عديــدة مختلفــة‪ .‬وإذا أردت تغيــر‬ ‫النمــط املجتمعــي باســتخدام العنــف‪ ،‬ويف الوقــت‬ ‫ذاته نتائجك السياسية واالقتصادية واالجتماعية‬ ‫كانت كارثية‪ ،‬ماذا تتوقع؟ التونسيون صرحوا بأنه‬ ‫“ال حاجة لنا بهم”‪.‬‬


‫مقابلة‬

‫وكانت لدينا اجتماعات بخصوص قانون املالية‪.‬‬ ‫وعــى مســتوى كل الــوزارات‪ُ ،‬تبــذل جهــود ك ـبـرة‬ ‫صـاح مــا تــم تد ـمـره بعــد ‪ 2011‬يف تونــس‪.‬‬ ‫إل ـ‬ ‫شـراكة قبــل أي يشء‪ ،‬مــع الســعودية‬ ‫نريــد ال ـ‬ ‫ومع الدول الشقيقة األخرى‪ ،‬واالستثمار والتجارة‬ ‫والتواصــل بــن ســيدات األعمــال ورجــال األعمــال‬ ‫لخلــق الــروة‪ ،‬فهــذا ممكــن وموجــود‪ ،‬فتونــس‬ ‫بلــد اســتثمار بامتيــاز رغــم تعمــد بعــض النافذيــن يف‬ ‫الغرب تشويه صورة بلدنا‪ .‬ورغم كل ذلك‪ ،‬تبقى‬ ‫قدرات تونس يف جذب االستثمارات قائمة ونتوقع‬ ‫أن تتحسن بعد اإلصالحات التي تقوم بها الحكومة‬ ‫حاليــا والتــي ســتتواصل خــال ال ـفـرة املقبلــة‪ .‬لســنا‬ ‫بلدا يعيش عىل اإلعانات‪ ،‬وهذه مســألة يجب أن‬ ‫تكــون واضحــة‪.‬‬ ‫تونس توافق على القيام ببعض‬ ‫اإلصالحات البنيوية الجوهرية التي لها‬ ‫عالقة باالقتصاد‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬ ‫كان هناك رفض لمطالب صندوق النقد‬ ‫الدولي و”خطاب النوايا”‪.‬‬

‫بالنسبة لصندوق النقد الدويل‪ ،‬لم يتم قطع قنوات‬ ‫االتصــال‪ ،‬نحــن ليــس لدينــا مشــكلة يف التواصــل‬ ‫مــع مســؤويل هــذه املؤسســة‪ ،‬وأبلغناهــم بضــرورة‬ ‫عــدم تجــاوز الخطــوط الح ـمـراء‪ ،‬وهــي‪ :‬اســتقرار‬ ‫البلد‪ ،‬والدفاع عن الفئات الهشة‪ .‬ال يمكننا العبث‬ ‫باستقرار تونس وال نضعه يف امليزان‪ .‬نحن مدركون‬ ‫جـراء إصالحــات لالقتصــاد التونــي مــن‬ ‫لضــرورة إ ـ‬ ‫دون أن يطلب صندوق النقد الدويل أو غريه ذلك‪،‬‬ ‫جار اآلن‪ .‬وتبقى القيادة التونسية والشعب‬ ‫وهذا ٍ‬ ‫التونــي األقــدر عــى تحديــد مــا يمكــن إنجــازه ومــا‬ ‫ال يمكــن تنفيــذه يف الوقــت الحاضــر‪ ،‬أكــر مــن أيــة‬ ‫جهــة أخــرى‪ ،‬بحيــث يكــون تحديــد الرزنامــة بيــد‬ ‫القيــادة التونســية‪.‬‬ ‫هل باإلمكان إعادة ذكر الخطوط الحمراء‬ ‫بالنسبة إلى تونس؟‬

‫الخطــوط الح ـمـراء هــي‪ :‬اســتقرار البــاد‪ ،‬والد ـفـاع‬ ‫شـرائية للفئــات الهشــة‪.‬‬ ‫عــن القــدرة ال ـ‬ ‫هل يعني هذا أن تونس لن توافق على‬ ‫التوقيع على “خطاب النوايا” كما طلب‬ ‫صندوق النقد الدولي؟‬

‫لقد أكدنا عىل ضرورة أن تكون اإلصالحات تونسية‬ ‫وأن تنــدرج ضمــن مــا ـنـراه ضروريــا‪ ،‬وليــس وفــق‬ ‫إمالءات من شأنها أن تؤثر سلبا عىل تونس‪ .‬فنحن‬ ‫ضد ذلك‪ ،‬وسبق أن تراجعت الحكومة التونسية‬

‫المجلة‬

‫‪64‬‬


‫‪63‬‬

‫مقابلة‬

‫المجلة‬

‫أنا مقتنع بأن العالم اآلن يف منعطف‪ ،‬ومرحلة‬ ‫ما بعد الحرب العاملية الثانية انتهت‪ .‬اآلن نعيش مخاضا‬ ‫ومرحلة جديدة‪ ،‬علينا أن ال نتوجس منها‬ ‫وأن نستعد لها‪ ،‬فالنظام العاملي املايل واالقتصادي‬ ‫ملا بعد الحرب العاملية الثانية انتهى‬ ‫أو تدخل يف الشؤون الداخلية‪ .‬وقد أعرب الجانب‬ ‫األوروبــي عــن تفهمــه وموافقتــه عــى ذلــك‪ .‬كمــا‬ ‫أ ـعـرب األوروبيــون عــن اســتعدادهم لتغيــر طريقــة‬ ‫تفكريهم حتى فيما يتعلق بموضوع الديمقراطية‬ ‫وحقــوق اإلنســان‪.‬‬ ‫ولكــن لــم يحصــل ذ لــك يف الوا قــع‪ ،‬فبعــض‬ ‫البلدان ربما تكون منقسمة فيما بينها وربما أثرت‬ ‫عليهــا أفــكار اإلداريــن لديهــا‪ ،‬فلــم تغــر طريقــة‬ ‫تفكريهــا واســتمرت يف نظرتهــا الضيقــة‪ .‬أبلغناهــم‬ ‫بضــرورة العــدول عــن هــذه الطريقــة يف التفكــر‪،‬‬ ‫وبأننــا ال نريــد املســاعدات‪ ،‬كمــا ال نقبــل مغالطــة‬ ‫ا ـلـرأي العــام بخصــوص مبلــغ ‪ 60‬مليــون دوالر‪،‬‬ ‫صـول عليــه ســابقا إثــر‬ ‫التــي كان مــن املفــروض الح ـ‬ ‫جائحــة “كوفيــد‪ .”19-‬وأكدنــا يف الســياق نفســه أن‬ ‫تونس لم تتسبب يف جائحة “كوفيد‪ ”19-‬أو الحرب‬ ‫األوكرانيــة التــي يعانــون بســببها أو الوضــع يف ليبيــا‬ ‫أو التغــر املناخــي‪ .‬هــم ال يعرتفــون بأيــة مســؤولية‪،‬‬ ‫ويف ظــل أوضاعنــا الصعبــة يطلبــون منــا املســتحيل‪.‬‬ ‫ماذا يطلبون؟‬

‫شـرعية‪ ،‬رغــم‬ ‫جـرة غــر ال ـ‬ ‫يطلبــون منــا غلــق بــاب اله ـ‬ ‫أننــا نقــوم مــن جانبنــا بمــا ال يقومــون بــه‪.‬‬ ‫لذلك أنتم ذكرتم أن هناك تخوفا من‬ ‫مشروع لتوطين المهاجرين في تونس؟‬

‫أكيد‪ ،‬هذا ما يتمنونه وهم يسعون إىل دفع تونس‬ ‫يف هــذا االتجــاه ويمارســون ضغوطــات عــر اإلعــام‬ ‫وبالتصريحات عن انهيار االقتصاد التونيس‪ ،‬مثل‬ ‫تلك التي أدىل بها السيد (جوزيف) بوريل‪ .‬وهو ما‬ ‫يعــد مــن قبيــل التحضــر للضغــط عــى تونــس حتــى‬ ‫تقبل بأن تكون “شرطي” أوروبا ُ‬ ‫وتوطن املهاجرين‬ ‫غري الشرعيني‪ .‬هذا مرفوض تماما‪ .‬ونحن كأي بلد‬ ‫حـرص عــى حمايــة حدودنــا‪ ،‬فرغــم‬ ‫حـرم نفســه ن ـ‬ ‫ي ـ‬ ‫محدودية اإلمكانيات‪ ،‬يقوم الجيش يوميا بإنقاذ‬ ‫شـرعيني‪ .‬وقــد طلبنــا مــن األوروبيــن‬ ‫مهاجريــن غــر ـ‬ ‫تغيــر طريقــة تفكريهــم‪ ،‬فاالتفــاق الــذي وقعنــاه يف‬ ‫قرطاج يوم ‪ 16‬يوليو‪/‬تموز تضمن عدة جوانب‪.‬‬ ‫األوروبيون يقولون إنكم غير ملتزمين‬

‫بمذكرة التفاهم‪...‬‬

‫بعــد توقيــع مذ ـكـرة التفاهــم‪ ،‬بعــض الــدول ربمــا‬ ‫لــم تكــن راضيــة عمــا ورد يف بعــض البنــود‪ ،‬هــي‬ ‫شـاكل داخليــة‪ .‬بعــض الــدول األوروبيــة‬ ‫لديهــا م ـ‬ ‫غــر موافقــة عــى مذ ـكـرة التفاهــم‪ ،‬وقلنــا لهــم هــذا‬ ‫شــأنكم‪ ،‬اتفقــوا فيمــا بينكــم‪ ،‬فنحــن لــم نحِ ــد عــن‬ ‫طـاج ولــم نحِ ــد عــن‬ ‫مذ ـكـرة التفاهــم املوقعــة يف قر ـ‬ ‫سـراتيجية‪.‬‬ ‫شـراكة اال ـ‬ ‫ال ـ‬ ‫هل ستبقى تونس رافضة لمبلغ الـ ‪60‬‬ ‫مليون دوالر؟‬

‫تونس رافضة‪ ،‬وهم اآلن يحاولون االتصال لتسوية‬ ‫األمور‪ .‬نحن لم ُنخل بالتزاماتنا أبدا‪.‬‬ ‫ننتقل إلى الموضوع السوري‪...‬‬

‫تونس من الدول األساسية التي كانت تدعم عودة‬ ‫سوريا إىل جامعة الدول العربية‪ .‬هذا يندرج يف إطار‬ ‫حـرم الشــعب‬ ‫عــودة تونــس إىل مبادئهــا‪ ،‬ونحــن ن ـ‬ ‫الســوري الــذي تربطنــا بــه وببلــده عالقــات تاريخيــة‬ ‫قويــة‪ .‬ومــا حصــل يبقــى وصمــة‪ .‬ومــن أوىل املهــام‬ ‫التــي كلفنــي بهــا الســيد رئيــس الجمهوريــة‪ ،‬قيــس‬ ‫سعيد‪ ،‬التسريع بإعادة العالقات مع سوريا‪ ،‬وقد‬ ‫ُعني سفري سوري يف تونس ولدي أفضل العالقات‬ ‫مع الوزير الســوري‪.‬‬ ‫كل ذلك انطلق‪ ،‬بعد بعض الدول‬ ‫العربية مثل اإلمارات وتونس وغيرهما‪،‬‬ ‫يوم ‪ 7‬مايو‪/‬أيار ‪ 2023‬عندما اتخذ قرار‬ ‫في الجامعة العربية بإعادة سوريا‪ ،‬بدور‬ ‫قيادي سعودي‪ ،‬بموجب خريطة طريق‬ ‫أعدت في مؤتمر عمان‪ .‬هناك مجموعة‬ ‫طلبات للدول العربية من دمشق‪ .‬بعض‬ ‫تف‬ ‫الدول العربية تقول إن دمشق لم ِ‬ ‫بالتزاماتها في خريطة الطريق تلك‪ .‬ما‬ ‫موقف تونس؟‬

‫نحــن ال نتدخــل لتعميــق أيــة أزمــة بــن اإلخــوة‬ ‫العرب‪ .‬تونس تتخذ مواقف ُتقرب وجهات النظر‪.‬‬

‫وجهــة نظــر تونــس واضحــة بخصــوص ســوريا‪ .‬كمــا‬ ‫أننا ال نتدخل يف طلبات الدول األخرى ومواقفها‪.‬‬ ‫راض عن مستوى التقارب العربي‬ ‫هل أنت ٍ‬ ‫مع دمشق؟‬

‫كل مــا نقــوم بــه هــو تقويــة العالقــات مــع دمشــق‬ ‫لتعــود إىل مكانهــا العــادي يف الجامعــة العربيــة‬ ‫ونؤيــد ذلــك‪ .‬ويف مــا يخــص العالقــات الثنائيــة‪،‬‬ ‫فنحن منفتحون عىل التعاون مع اإلخوة يف سوريا‬ ‫يف مختلــف املجــاالت‪.‬‬ ‫هناك مطالب عربية من دمشق تخص‬ ‫أمورا ثنائية مثل الكبتاغون‪ ،‬وموضوع‬ ‫الالجئين والنازحين‪ ،‬وهناك مطالب‬ ‫بإعادة تموضع سياسي له عالقة بإيران‪،‬‬ ‫ما موقفكم من هذه األمور بشكل عام؟‬

‫كما سبق أن أكدت ذلك‪ ،‬نحن ال نتدخل وال نتبنى‬ ‫مواقــف قــد تعمــق أيــة أزمــة بــن الــدول‪ ،‬نحــن مــع‬ ‫عــودة ســوريا‪ .‬مــن يحكــم ســوريا أو مــن يمثلهــا هــو‬ ‫ضـوع ســوري ال نتدخــل فيــه‪ ،‬نحــن نتعامــل مــع‬ ‫مو ـ‬ ‫الحكومــات‪ ،‬ومــع النظــام الســوري الــذي نعتــر أنــه‬ ‫يمثــل الســوريني‪ ،‬وهــذا هــو موقــف تونــس‪.‬‬ ‫كيف تصف العالقة السعودية–‬ ‫التونسية والدعم السعودي لتونس؟‬

‫كان لدي لقاء مع زمييل األمري فيصل بن فرحان‪،‬‬ ‫جرى يف جو إيجابي جدا‪ ،‬ولطاملا كانت لدينا عالقات‬ ‫ممتــازة مــع اململكــة العربيــة الســعودية الشــقيقة‪،‬‬ ‫وستظل كذلك بإذن الله ونحن نعمل عىل ذلك‪.‬‬ ‫ما القروض والهبات التي قدمتها‬ ‫السعودية إلى تونس‪ ،‬وقد كان هناك‬ ‫انطباع بأنه ستجرى بعض اإلصالحات؟‬

‫هنــاك ـقـرض بقيمــة ‪ 400‬مليــون دوالر‪ ،‬وهنــاك‬ ‫هبــة بقيمــة ‪ 100‬مليــون دوالر‪ ،‬ونحــن فعــا نقــوم‬ ‫بإصالحــات يوميــا يف تونــس‪ ،‬مــن دون اإلفصــاح‬ ‫عــن تفاصيلهــا علنــا‪.‬‬


‫مقابلة‬

‫‪62‬‬

‫المجلة‬

‫تونس من الدول األساسية التي كانت تدعم‬ ‫عودة سوريا إىل جامعة الدول العربية‪ .‬وهذا يندرج‬ ‫يف إطار عودة تونس إىل مبادئها‪ ،‬ونحن نحرتم الشعب‬ ‫السوري الذي تربطنا به وببلده عالقات تاريخية قوية‪.‬‬ ‫وما حصل يبقى وصمة‬ ‫هذا الحدث أو هذا الهجوم الذي قامت‬ ‫به “حماس” ثم إلى الهجوم اإلسرائيلي‬ ‫على غزة‪ ،‬وإلى أي حد سيترك أثرا على‬ ‫مستقبل القضية الفلسطينية؟ كيف‬ ‫تنظر إلى ذلك التاريخ؟‬

‫نحن يف تونس ندافع عن حق الشعب الفلسطيني‪.‬‬ ‫موقف تونس إزاء القضية الفلسطينية معلوم لدى‬ ‫الجميع ولم يتغري‪ ،‬ومنصوص عليه يف الدســتور‪.‬‬ ‫القضيــة الفلســطينية قضيــة حــق شــعب‪ ،‬ونحــن‬ ‫مقتنعــون بأنــه ال يمكــن طمــس حقــوق الشــعوب‬ ‫إىل األبــد‪ .‬وهــو أمــر غــر مع ـقـول وغــر مق ـبـول‪ ،‬ال‬ ‫سياســيا وال إنســانيا وال بــأي مقيــاس مــن املقاييــس‪.‬‬ ‫ال نــود أن ندخــل يف أي انقســام‪ ،‬ومتمســكون‬ ‫ب ـ ـه ـ ــذه ال ــرؤي ـ ـ ــة وهـ ـ ــذا املــوق ــف‪ .‬ولكـ ــن يف ظــل مــا‬ ‫نشهده م ــن تطــورات مؤخرا‪ ،‬يبدو أن هن ــاك ضوءا‬ ‫أخضــر للم ــحتـ ــل لــي يقــوم بعـ ــمليات ويقتــل مَ ــن‬ ‫يســتطيع قتلهم‪.‬‬ ‫إلى ماذا سيؤدي ذلك‬ ‫في المعايير الجيوسياسية؟‬

‫يجب أن يدرك أي إنسان عاقل أن الحل الجذري هو‬ ‫إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه وانتهاء االحتالل‬ ‫وكل تبعاته‪ .‬وإذا لم يتم ذلك‪ ،‬فكل املؤشرات تنذر‬ ‫بأن تتطور األمور يف املستقبل إىل األسوأ‪.‬‬ ‫هل تعتقد أن الذي حصل يساعد‬ ‫الشعب الفلسطيني في الحصول‬ ‫على حقوقه أم العكس؟‬

‫أعتقــد جاز مــا أن الشــعب الفلســطيني ســينال‬ ‫حقو قــه‪ ،‬و عــى الفاعلــن أن يفهمــوا أ نــه حــان‬ ‫الوقــت لتغيــر تفكريهــم‪ .‬والحــل يجــب أن يكــون‬ ‫طـاء الشــعب الفلســطيني حقوقــه‪.‬‬ ‫سياســيا وبإع ـ‬ ‫خـرة مــع املســؤولني الغربيــن‪،‬‬ ‫ويف محادثــايت األ ـ‬ ‫كنــت واضحــا جــدا‪ ،‬حيــث أ كــدت أن مــا حصــل‬ ‫هــو دليــل عــى فشــل كل مــا قــام بــه الفاعلــون‬ ‫فيمــا يخــص قضيــة الشــعب الفلســطيني‪ .‬ويجــب‬ ‫أن يغــروا طريقــة تفكريهــم وسياســتهم‪ .‬أبلغــت‬ ‫ذلــك لوزيــر الخارجيــة جيمــس كلي ـفـريل‪ ،‬واللــورد‬

‫طارق أحمد وزير الدولة لشــؤون الشــرق األوســط‬ ‫و شــمال أفريقيــا‪.‬‬ ‫هل كان هناك طلب بريطاني من تونس‬ ‫بأن تكون أقرب إلى الموقف الغربي؟‬

‫لم يُطلب مني ذلك إطالقا‪ ،‬فهم عىل دراية بموقف‬ ‫تونس وبمضمون تصريحاتنا‪ .‬وقد أبدوا موقفهم‬ ‫ورؤيتهم‪ ،‬ونحن من جهتنا أبدينا موقفنا ورؤيتنا‪.‬‬ ‫وبالعودة إىل تاريخ اإلنسانية‪ ،‬فمن املؤكد أن مثل‬ ‫هذه السياسات ال تؤدي إال إىل الفشل‪.‬‬ ‫لكن مسؤولين غربيين زاروا إسرائيل‪.‬‬ ‫تبن كامل للرواية اإلسرائيلية‬ ‫هناك ٍ‬ ‫وتعاون عسكري مع الهجوم على غزة؟‬

‫لــم يطلــب منــا يشء‪ .‬و قــد حاو لــوا أن يمــرروا‬ ‫مواقفهــم‪ ،‬ونحــن مــن جهتنــا أكدنــا عــى املوقــف‬ ‫التونــي‪ .‬وذكرنــا أن التاريــخ أثبــت أنــه ال يمكــن‬ ‫طمــس حقــوق الشــعوب‪ .‬وأبلغناهــم بضــرورة أن‬ ‫يغــروا مواقفهــم بمــا يتمــاىش مــع قيمهــم‪ ،‬ألن‬ ‫التمادي يف هذه السياسة سيفقدهم مصداقيتهم‬ ‫ويجعل منهم أقلية يف العالم‪ .‬كما أن القوة ليست‬ ‫حــا‪ ،‬ألنــه يف آخــر املطــاف عندمــا ت ـفـرض ذلــك بقــوة‬ ‫سـاح تفقــد املصداقيــة‪ ،‬والثابــت أن الشــعوب ال‬ ‫ال ـ‬ ‫سـاح مهمــا كان نوعــه‪.‬‬ ‫يمكــن هزيمتهــا بال ـ‬ ‫موقف الحكومة التونسية‬ ‫من اإلسالم السياسي معروف‪...‬‬

‫هــذا ليــس موقــف الحكومــة التونســية فقــط‪ ،‬بــل‬ ‫موقــف الشــعب التونــي أيضــا‪ .‬الشــعب التونــي‬ ‫ليس دوغمائيا بل برغمايت ويحب الحياة‪ .‬حكموا‬ ‫حـزاب أخــرى وفقــدوا كل‬ ‫البــاد منــذ ‪ 2011‬مــع أ ـ‬ ‫مصداقية بسبب ارتباطاتهم بالخارج‪ .‬الفشل كان‬ ‫عــى جميــع األصعــدة‪ ،‬فشــل ســيايس واقتصــادي‬ ‫ومــايل‪ ،‬وجعلــوا تونــس يف وضــع صعــب جــدا‪،‬‬ ‫ولفظهــم التونســيون‪.‬‬ ‫معروف أن إحدى الجهات اإلسالمية في‬ ‫تونس‪ ،‬وهي حزب النهضة‪ ،‬على “عالقة‬

‫ممتازة” أو “تحالف” مع “حماس”‪ .‬كيف‬ ‫تستطيع تونس أن توازن بين القضية‬ ‫الفلسطينية وموقفها الرافض لإلسالم‬ ‫السياسي المتمثل في حزب النهضة؟‬

‫نحن ال نربط بني املسألتني؛ قضية فلسطني‬ ‫قضية مبدئية‪ ،‬وهي قضية شعب‪ .‬ال نتدخل‬ ‫يف الشؤون الداخلية الفلسطينية‪ ،‬وال عالقة‬ ‫لنا بذلك‪ ،‬نحن نتحدث عن قضية الشعب‬ ‫الفلسطيني وحقوقه‪.‬‬ ‫هل هناك تواصل جدي على المستوى‬ ‫الدبلوماسي بين أصحاب الشأن بالتوازي‬ ‫مع العملية العسكرية الحاصلة وما‬ ‫يمكن أن يحدث‪ ،‬كأن تكون هناك صفقة‪،‬‬ ‫بحيث يكون جزء منها مسارا سياسيا؟‬

‫من املؤكد أنه يوجد تشاور بني بعض الدول‪ ،‬لكن‬ ‫موقــف تونــس معلــوم لــدى الجميــع‪ .‬وقــد يلجــأون‬ ‫إىل دول أخــرى ملحاولــة اســتعادة قنــوات االتصــال‪.‬‬ ‫هــي أفــكار لــم تتبلــور بعــد‪ .‬نحــن يف تونــس مــع كل‬ ‫مــا يفيــد القضيــة الفلســطينية‪.‬‬ ‫بالنسبة للعالقة مع االتحاد األوروبي‪،‬‬ ‫كانت هناك إشكالية حول موضوع‬ ‫المهاجرين وحول المساعدة األوروبية‬ ‫التي قدمت للموازنة وكان هناك اعتراض‬ ‫هل لكم أن تشرحوا لنا هذه المسألة؟‬

‫بالنسبة لالتحاد األوروبي‪ ،‬هم منقسمون واملشكلة‬ ‫من جهتهم‪ ،‬وليس من جهتنا‪ .‬نحن وقعنا مذكرة‬ ‫طـاج ب ـنـاء عــى‬ ‫التفاهــم يــوم ‪ 16‬يوليو‪/‬تمــوز يف قر ـ‬ ‫إلحاح الجانب األوروبي‪ ،‬ممثال يف رئيسة املفوضية‬ ‫األوروبية فاندرالين‪ ،‬والوزير األول الهولندي روت‪،‬‬ ‫ومي ـلـوين‪ .‬وأبلغنا هــم أن عليهــم تغيــر طريقــة‬ ‫سـراتيجية بــن الطرفــن‬ ‫شـراكة ا ـ‬ ‫سـاء ـ‬ ‫تفكريهــم إلر ـ‬ ‫يف إطار االحرتام املتبادل‪ ،‬ولم يكن الحديث مقتصرا‬ ‫جـرة‪ ،‬فــا يجــب أن يحــاول االتحــاد‬ ‫عــى مســألة اله ـ‬ ‫األوروبي الحصول عىل ما يريده من الشريك دون‬ ‫األخذ بعني االعتبار مصالحه وأولوياته‪.‬‬ ‫شـراكة دون اســتغالل‬ ‫ينبغــي أن نقيــم عالقــات ـ‬


‫‪61‬‬

‫المجلة‬

‫مقابلة‬

‫ال يت ـ ــردد وزي ـ ـ ــر الخـ ـ ــارجية وال ـه ــجرة الت ـ ــون ـسـ ــي‪،‬‬ ‫ضـاع‬ ‫نبيــل عـ ــمار‪ ،‬يف تقــدي ـ ــم رؤي ـ ــة بــاده عــن األو ـ‬ ‫الداخلية والع ــالقات الخارجية‪ ،‬خصوصا الحرب‬ ‫اإلســرائيلية األخــرة عــى غــزة‪ .‬يعرضهــا بوضــوح‪،‬‬ ‫يف مق ـ ــابلة شــاملة مــع “املجلــة” بمقــر الســفارة‬ ‫التونســية يف لن ــدن‪.‬‬ ‫بالنســبة إىل الوزيــر عمــار‪ ،‬موقــف تونــس مــن‬ ‫“قضية فلسطني واضح‪ ،‬فهي قضية مبدئية‪ ،‬وهي‬ ‫قضيــة شــعب” ‪ ،‬ذلــك “أننــا ال نتدخــل يف الشــؤون‬ ‫الداخلية الفلسطينية‪ ،‬وال عالقة لنا بذلك‪ ،‬نحن‬ ‫نتحدث عن قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه”‪.‬‬ ‫أما بالنسبة إىل األوضاع يف تونس‪ ،‬فإن موقفه‬ ‫مما حصل يف السنوات األخرية واإلسالم السيايس‬ ‫ظـرة أشــمل ملــا حصــل بعــد ‪.2011‬‬ ‫يضعــه يف ســياق ن ـ‬ ‫ويقول‪“ :‬حكموا البالد منذ ‪ 2011‬مع أحزاب أخرى‬ ‫وفقدوا كل مصداقية بسبب ارتباطاتهم بالخارج‪.‬‬ ‫الفشل كان عىل جميع األصعدة‪ ...‬إذا أردت تغيري‬ ‫النمــط املجتمعــي باســتخدام العنــف‪ ،‬ويف الوقــت‬ ‫ذاته نتائجك السياسية واالقتصادية واالجتماعية‬ ‫كانــت كارثيــة‪ ،‬فمــاذا تتوقــع؟ التونســيون صرحــوا‬ ‫بأنــه “ال حاجــة لنــا بهــم”‪.‬‬ ‫لكــن يف الوقــت نفســه‪ ،‬يشــر إىل أن الحكومــة‬ ‫تقوم باإلصالحات االقتصادية الالزمة لحل املشاكل‬ ‫التــي تعــاين منهــا البــاد‪ ،‬موضحــا‪“ :‬تبــذل جهــود‬ ‫كبرية إلصالح ما تم تدمريه بعد ‪ 2011‬يف تونس”‪.‬‬ ‫ويشــر عمــار إىل أن أطرافــا أوروبيــة تمــارس‬ ‫“ضغوطــات عــر اإلعــام وبالتصريحــات عــن انهيــار‬ ‫االقتصاد التونيس‪ ...‬وهو ما يعد من قبيل التحضري‬ ‫للضغط عىل تونس حتى تقبل بأن تكون “شرطي‬ ‫أوروبــا‪ُ ،‬‬ ‫شـرعيني”‪ .‬وقــال‪:‬‬ ‫وتوطــن املهاجريــن غــر ال ـ‬ ‫“الخطوط الحمراء هي استقرار البالد والدفاع عن‬ ‫شـرائية للفئــات الهشــة”‪.‬‬ ‫القــدرة ال ـ‬ ‫ودافع الوزير عمار عن عودة التقارب مع دمشق‬ ‫وتحســن العالقــات مــع روســيا يف جميــع املجــاالت‪،‬‬ ‫قائال إنه لم يبحث خالل زيارته األخرية إىل موسكو‬ ‫التعاون العسكري‪ .‬كما أشار إىل تنافس دويل عىل‬ ‫ثروات أفريقيا‪.‬‬ ‫وهنــا نــص الحــوار الــذي جــرى يف مكتــب الســفري‬ ‫التونــي يف لنــدن‪:‬‬ ‫كيف تنظر إلى ‪ 7‬أكتوبر‪/‬تشرين األول‪،‬‬


‫المجلة‬

‫مقابلة‬

‫وزيــر الخارجيــة‬ ‫لـ “املجلــة”‪:‬‬ ‫مـوا‬ ‫الذيــن حك ـ‬ ‫تونــس بعــد ‪2011‬‬ ‫نتائجهــم كارثيــة‬ ‫نبيل عمار أكد تمسك بالده بـ“الخطوط الحمراء”‬ ‫وأنها لن تكون “شرطي أوروبا” ولن توطن املهاجرين‬ ‫لندن ‪ -‬إبراهيم حميدي‬

‫الصور ‪“ -‬غيتي”‬

‫‪60‬‬


‫‪59‬‬

‫بروفايل‬

‫المجلة‬

‫ان ُتخب جونسون بأغلبية ‪ 220‬صوتا مقابل ‪ 209‬أصوات‬ ‫للمعارضة‪ ،‬بعد فرتة اتسمت بالفوىض واالضطراب‪ ،‬حيث‬ ‫بقي مجلس النواب دون زعيم منتخب ألسابيع‪ ،‬ما تسبب‬ ‫يف إضاعة وقت حرج قبل اإلغالق الحكومي املحتمل‬ ‫األ ـمـريك– أي املســاعدة األمريكيــة ألوكرانيــا– ادعــى‬ ‫جونســون أنــه كان يدعــم عــى الــدوام تمويــل تلــك‬ ‫املساعدة وأنه دعم “قانون اإلعارة والتأجري للدفاع‬ ‫عــن الديمقراطيــة يف أوكرانيــا لعــام ‪ .”2022‬ومــع‬ ‫ذلــك‪ ،‬فقــد واجــه انتقــادات بســبب تصويتــه ضــد‬ ‫الكثــر مــن التعديــات عــى قانــون تفويــض الد ـفـاع‬ ‫الوطنــي وقوانــن االعتمــادات التكميليــة التــي كان‬ ‫مــن شــأنها أن تقــدم دعمــا أكــر ألوكرانيــا‪.‬‬

‫أغلبية ضئيلة‬

‫مرشح توافقي‬

‫وفيمــا بــات جونســون اآلن هــو “املرشــح التوافقــي”‬ ‫لحزب جمهوري أكرث انقساما‪ ،‬تنمو مخاوف حول‬ ‫ســجله املحافــظ بشــدة؛ حيــث يذكــر أن جونســون‬ ‫لعب دورا نشطا يف تشجيع زمالئه أعضاء الحزب‬ ‫عــى الطعــن يف النتائــج يف أربــع واليــات متأرجحــة‪،‬‬ ‫خــال ال ـنـزاع االنتخابــي لعــام ‪ ،2020‬مــن خــال‬ ‫تقديــم الحجــج القانونيــة والدعــم ملوقفهــم يف تلــك‬ ‫الواليات األربع املتأرجحة‪ .‬وشارك أيضا بنشاط يف‬ ‫“الحرب الثقافية” املستمرة بني التيارات املحافظة‬ ‫والليرباليــة يف السياســة األمريكيــة‪ ،‬حيــث دافــع‬ ‫عن املواقف اإلنجيلية بشــأن قضايا مثل اإلجهاض‬ ‫ومعارضة زيادة تمثيل “مجتمع امليم” يف مجاالت‬ ‫الرتفيه واألدب‪ .‬ويف نهاية املطاف‪ ،‬يعكس نجاحه‬ ‫صـول عــى مطرقــة رئيــس مجلــس النــواب‬ ‫يف الح ـ‬ ‫النفـ َ‬ ‫ـوذ املتنامــي لعناصــر اليمــن املتطــرف داخــل‬ ‫غـرس األ ـمـريك عمومــا‪.‬‬ ‫حـزب الجمهــوري والكون ـ‬ ‫ال ـ‬ ‫وفيما يتعلق بالقضية املثرية للخالف التي غذت‬ ‫الكثري من االضطرابات السياسية يف مجلس النواب‬

‫حـزب الجمهــوري بأغلبيــة املقا عــد يف‬ ‫يتمتــع ال ـ‬ ‫مجلــس النــواب‪ ،‬وإن تكــن أغلبيــة ضئيلــة جــدا‪.‬‬ ‫ومع تويل جونسون منصب رئيس مجلس النواب‬ ‫الجديــد‪ ،‬مــن املرجــح أن تكــون هنــاك احتمــاالت يف‬ ‫حـزب الجمهــوري‬ ‫الدفــع ببنــود جــدول أعمــال ال ـ‬ ‫الرئيســة‪ ،‬مثــل تعزيــز مناهضــة اإلجهــاض‪ ،‬مــن‬ ‫خالل إلغاء إجراءات “رو ضد وايد” (حماية حرية‬ ‫ا ـملـرأة األمريكيــة يف اختيــار اإلجهــاض دون قيــود‬ ‫حـاء البــاد‪.‬‬ ‫حكوميــة) يف جميــع أن ـ‬ ‫وكانــت املبــادرة التشــريعية األوىل التــي صـوّت‬ ‫عليهــا مجلــس النــواب تحــت قيــادة جونســون ـقـرارا‬ ‫يؤكد رمزيا تضامن الواليات املتحدة مع إسرائيل‪،‬‬ ‫ودعم حق إسرائيل يف الدفاع عن النفس‪ ،‬وإعادة‬ ‫التزود باألسلحة‪ ،‬وتبادل املعلومات االستخبارية‪،‬‬ ‫وإدانة دعم إيران لـ “حماس”‪ ،‬وتشجيع الجهات‬ ‫حـرك‪ ،‬وإدانــة هجمــات‬ ‫الفاعلــة الدوليــة عــى الت ـ‬ ‫“حماس”‪ .‬وجرت املوافقة عليه بأغلبية ‪ 412‬صوتا‬ ‫مقابــل ‪ 10‬أصــوات فقــط‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بموضوع أوكرانيا‪ ،‬أشار جونسون‬ ‫إىل أنــه يؤيــد اســتمرار املســاعدة األمريكيــة‪ ،‬ولكــن‬ ‫بشروط مرتبطة بها لضمان املساءلة وزيادة الضغط‬ ‫عىل كييف لتحقيق املزيد من النتائج الفورية ضد‬ ‫االعتداء الرويس‪.‬‬ ‫وتعهد جونسون بتنفيذ “جدول زمني طموح”‪،‬‬ ‫وإنشاء لجنة من الحزبني ملعالجة الدين الوطني‪،‬‬ ‫ووضع إجراء مؤقت لتمويل الحكومة حتى يناير‪/‬‬ ‫كانــون الثــاين ‪ .2024‬كل ذلــك ردا عــى التهديــد‬ ‫الوشيك باإلغالق الحكومي‪.‬‬ ‫غـرس بشــكل عا جــل للتو صــل‬ ‫ويعمــل الكون ـ‬ ‫إىل اتفــاق بــن الحزبــن بشــأن اإلنفــاق الحكومــي‬ ‫بح ـلـول ‪ 17‬نوفمرب‪/‬تشــرين الثــاين‪ .‬ودعــا جونســون‬

‫أيضــا إىل تعليــق األحــداث االحتفاليــة التقليديــة‬ ‫التــي ترافــق عــادة انتخــاب رئيــس جديــد للمجلــس‪،‬‬ ‫مشــددا عىل حاجة الكونغرس إىل إعطاء األولوية‬ ‫ملعالجــة أزمــة الديــون‪.‬‬

‫مخاطر الفشل‬

‫ولكن عىل الرغم من ذلك كله‪ ،‬فإن خطر الفشل ال‬ ‫يزال كبريا‪ .‬كانت املحاولة السابقة للتوصل إىل اتفاق‬ ‫قصــر املــدى قــد أســفرت عــن إقالــة رئيــس مجلــس‬ ‫النــواب الســابق كيفــن مــكاريث‪ ،‬التــي كانــت ســابقة‬ ‫يف التاريخ األمرييك‪ ،‬حيث لم كيفن يحدث مطلقا‬ ‫من قبل أن تحرك النواب املنتخبون إلخالء منصب‬ ‫رئيس مجلس النواب‪ ،‬بل جرت العادة أن يتنحى‬ ‫الرؤساء طواعية‪ .‬وأشارت حملة إقالة مكاريث‪ ،‬التي‬ ‫قادها النائب عن فلوريدا‪ ،‬مات غيتز‪ ،‬إىل أن أعضاء‬ ‫حـزب الجمهــوري‬ ‫التيــار اليمينــي املتطــرف داخــل ال ـ‬ ‫كانوا أكرث استعدادا لتحمل املخاطر– حتى لو كان‬ ‫ضـاء حزبهــم– بشــأن قضايــا‬ ‫ذلــك يعنــي تحــدي أع ـ‬ ‫يعتربونهــا غــر قابلــة للتفــاوض‪ .‬مثــل عــدم ا ـلـوالء‬ ‫حـزب‪ ،‬وزيــادة املســاعدات ألوكرانيــا‪ ،‬واالتفاقــات‬ ‫لل ـ‬ ‫بني الحزبني‪ ،‬التي قد ال تلبي أهداف الجمهوريني‪.‬‬ ‫وال ـيـزال هنــاك نقــص يف اإلج ـمـاع دا خــل‬ ‫الكونغرس‪ ،‬سواء داخل الحزب الجمهوري أو عرب‬ ‫الخطوط الحزبية‪ ،‬فيما يتعلق بطلبات إدارة بايدن‬ ‫صـول عــى ‪ 50‬مليــار دوالر مــن اإلنفــاق املحــي‬ ‫للح ـ‬ ‫والطلب األخري بمبلغ ‪ 106‬مليارات دوالر ألولويات‬ ‫أمــن الحــدود والسياســة الخارجيــة‪ .‬وهنــاك قضيــة‬ ‫أخــرى مســتمرة وهــي مقاومــة التيــارات اليمينيــة‬ ‫حـزب الجمهــوري لق ـبـول تســوية‬ ‫املتطرفــة داخــل ال ـ‬ ‫بــن الحزبــن‪.‬‬ ‫أمــا يف حــال فشــل جونســون يف منــع إغــاق‬ ‫الحكومــة قبــل املوعــد النهــايئ‪ ،‬فســتتعرض رواتــب‬ ‫املوظفني الحكوميني للخطر‪ ،‬وستتوقف عمليات‬ ‫ا ـلـوكاالت الفيدراليــة املهمــة‪ .‬وقــد أ ـعـرب جونســون‬ ‫نفسه عن أن هذه النتيجة ستكون أمرا “ال يطاق”‪.‬‬ ‫فإذا لم يتم التوصل إىل اتفاق بحلول ‪ 17‬نوفمرب‪/‬‬ ‫تشرين الثاين‪ ،‬فقد يواجه جونسون انتقادات كبرية‬ ‫عــى املســتوى الوطنــي ومــن داخــل حزبــه‪ ،‬لفشــله‬ ‫ـرض بشــأن حــدود اإلنفــاق‬ ‫يف التوصــل إىل اتفــاق ـم ٍ‬ ‫الحكومي‪ .‬ما قد يضعه بالتايل أمام مصري مماثل‬ ‫ملصــر ســلفه‪ ،‬مــكاريث‪.‬‬


‫بروفايل‬

‫المجلة‬

‫مايــك جونســون‬ ‫‪ ...‬اإلبحــار يف‬ ‫عواصــف أ ـمـركا‬ ‫رئيس جديد ملجلس النواب األمرييك‬ ‫واشنطن ‪ -‬كارولني روز رسوم ‪ -‬ديف موراي‬

‫‪58‬‬

‫ـتـوىل رئيــس جديــد ملجلــس النــواب اال ـمـريك مهــام‬ ‫ألي‪ ،‬ولكنــه يواجــه وضعــا صعبــا‬ ‫منصبــه بعــد ٍ‬ ‫وسط هيئة تشريعية منقسمة بشدة وشبح إغالق‬ ‫حكومي يلوح يف األفق‪ ،‬فقد انتخب مجلس النواب‬ ‫غـرا‬ ‫مايــك جونســون‪ ،‬الــذي كان مــن قبــل نائبــا ص ـ‬ ‫حـزب الجمهــوري مــن لويزيانــا‪ ،‬فهــو لــم‬ ‫نســبيا عــن ال ـ‬ ‫يرأس لجنة قط‪ ،‬ولكنه بات اآلن الرئيس السادس‬ ‫والخمسني للمجلس‪.‬‬ ‫ان ُتخب جونسون بأغلبية ‪ 220‬صوتا مقابل ‪209‬‬ ‫أصــوات للمعارضــة‪ ،‬بعــد ـفـرة اتســمت بالفــوىض‬ ‫واالضطراب‪ ،‬حيث بقي مجلس النواب دون زعيم‬ ‫منتخــب ألســابيع‪ ،‬مــا تســبب يف إضاعــة وقــت حــرج‬ ‫قبل اإلغالق الحكومي املحتمل‪ .‬وتصاعدت التوترات‬ ‫الحزبية‪ ،‬قبل أن يصبحجونسوناملرشح الرابعملنصب‬ ‫رئيــس مجلــس النــواب بعــد حمــات فاشــلة قــام بهــا‬ ‫النواب‪ :‬ستيف سكاليز‪ ،‬وجيم جوردن‪ ،‬وتوم إيمري‪.‬‬ ‫ولــم يســتمر ترشــيح األخــر‪ ،‬عــى وجــه الخصــوص‪،‬‬ ‫سوى ساعات أربع‪ ،‬قبل أن ينسحب بعد أن فشل‬ ‫يف إرضاء املشرعني الجمهوريني من اليمني املتطرف‪.‬‬


‫‪57‬‬

‫ســوري ( ‪ 32‬ســنة)‬ ‫التقتــه “املجلــة” يف‬ ‫أواخر أغسطس‪/‬آب املايض‬ ‫يف مخيــم الجئــن ـقـرب مدينــة‬ ‫دورين األملانية الصغرية‪ -‬استهل كالمه عن تشوّش‬ ‫ذاكرتــه‪ ،‬ل ـكـرة مــا ازدحمــت فيهــا حــوادث مهولــة‪،‬‬ ‫فقــال‪“ :‬صــار عنــدي حالــة نســيان‪ .‬مــا عــدت أعــرف‬ ‫أميز بني التواريخ‪ .‬متى ركبنا البحر ومن أي مكان‬ ‫يف لبنان؟ ومتى وكيف وصلنا إىل تركيا؟ أتذكر اسم‬ ‫مرســن‪ .‬لكــن ليــس يف ذهنــي أي صــورة أو ذكــرى‬ ‫ملكان‪ .‬ابني البكر ربما عمره اآلن سنتني إال شهورا‪.‬‬ ‫األصغر الذي أنجبته أمه يف تركيا قد يكون عمره‬ ‫ـي تذكــر مــا عشــته‪ ،‬فتخنقنــي‬ ‫‪ 9‬شــهور‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫يعسـ ُر عـ ّ‬ ‫عـرة وأبــي‪ ...‬يكفينــا ظلــم وتشــريد وعنصريــة يف‬ ‫ال ـ‬ ‫عـرب واملســلمني”‪.‬‬ ‫بالدنــا‪ ...‬بــاد ال ـ‬ ‫من حطام ذكرياته وكلماته يمكن للمستمع إىل‬ ‫يونس أن يروي وقائعه املبعرثة عىل النحو اآليت‪:‬‬ ‫اشــتغل عامــا يف أماكــن وأعمــال ك ـثـرة بلبنــان‪.‬‬ ‫جـره‪.‬‬ ‫ـمـرات عــدة لــم يعطــه مــن اشــتغل عندهــم أ ـ‬ ‫أحيانا يسأله شبان وأوالد يف شارع القرية البقاعية‬ ‫حيث كان يقيم‪“ :‬لوين رايح واله؟!”‪ .‬يعلمون أنه‬ ‫سوري‪ ،‬فيضربونه‪ ،‬وعليه أن يظل ساكتا ويتابع‬ ‫طريقه‪ .‬ســنتان أو ثالث عىل هذه الحال يف لبنان‪.‬‬ ‫ركب البحر بعدها مع زوجته ورضيعه هاربني إىل‬ ‫تركيا بكلفة ‪ 1600‬دوالر‪ .‬املهرب اللبناين يف شتورا‬ ‫حشــر مــا بــن ‪ 20 - 15‬ســوريا يف بــاص قــاده بهــم‬ ‫سـاء لســاعات‪ .‬اتصــل ـمـرات هاتفيــا بأشــخاص‬ ‫م ـ‬ ‫وراح يحدّ ثهــم باللهجــة الســورية‪ ،‬واألرجــح أنهــم‬ ‫كانــوا يف تركيــا‪.‬‬ ‫البوليس الرتيك اعتقل السوريني الذين رماهم‬ ‫مركــب املهربــن عــى شــاطئ ـقـرب مرســن‪ ،‬فحقــق‬ ‫معهــم واعتــدى عليهــم‪ ،‬ثــم رماهــم مــن بوابــة تــل‬ ‫أبيض إىل داخل املناطق السورية املسماة “محررة”‪.‬‬ ‫شــهور هنــاك مــن العــذاب وأربــع محــاوالت فاشــلة‬ ‫قــام بهــا يونــس الجتيــاز (التيــل) الســلك الشــائك‬ ‫إىل تركيا مع زوجته وطفله‪ .‬يف املرة األخرية حطم‬ ‫جنــدي ـتـريك أســنانه األماميــة برفســة مــن حذائــه‬ ‫العســكري‪ .‬التهــب فمــه‪ ،‬ومكــث أيامــا ك ـثـرة يف‬ ‫خـرا‬ ‫مشــفى باملنطقــة “املحــررة” الســورية‪ .‬أ ـ‬ ‫دفــع ‪ 800‬دوالر مل ـهـرب ســوري قــاده مــع زوجتــه‬ ‫وطفلــه ومجمو عــة ســوريني إىل مــكان مــا ـقـرب‬

‫المجلة‬

‫الشــريط الشــائك‪ ،‬حيــث كان‬ ‫ينتظرهم مهرب سوري آخر قطع‬ ‫الشريط‪ ،‬واجتازت املجموعة الهاربة‬ ‫الحــدود الرتكيــة‪.‬‬ ‫مكث يونس نحو سنة يف تركيا‪ ،‬محاوال العمل‪.‬‬ ‫له أقارب هناك‪ ،‬فساعدوه‪“ .‬ذقت الويل يف تركيا‪.‬‬ ‫عنصر يــة لبنــان عســل مقار نــة بعلقــم عنصر يــة‬ ‫األ ـتـراك”‪ ،‬قــال‪ .‬مشــايخ طلــب مســاعدتهم هنــاك‪،‬‬ ‫قــال لــه أحدهــم‪ :‬اجلــب يل زوجتــك ألراهــا‪ .‬كانــت‬ ‫تخضع لعمليةوالدة قيصرية يف مستشفى‪ ،‬كلفتها‬ ‫مع حاضنة طبية للوليد ‪ 28‬ألف لرية تركية‪ .‬شتم‬ ‫يونــس الشــيخ‪ ،‬وقــال إلدارة املستشــفى‪ :‬خــذوا‬ ‫الطفــل‪ ،‬ال أريــده‪ .‬لكــن أقاربــه يف تركيــا وســوريا‬ ‫أعانــوه‪ ،‬فجمعــوا مــاال أخــرج بــه زوجتــه ووليدهــا‬ ‫مــن املستشــفى‪.‬‬ ‫قــرر الرحيــل مــن تركيــا إىل أوروبــا‪ ،‬بواســطة‬ ‫مهربــن ســوريني‪ .‬علــم أنهــم يتصلــون بشــبكات‬ ‫تركيــة‪ .‬البيــت الــذي اســتأجره مــن ـتـريك ودفــع لــه‬ ‫إيجار ‪ 6‬أشهر سلفا‪ ،‬طرده يف الشهر الرابع‪ .‬اضطر‬ ‫إىل العمــل يف مزرعــة أبقــار يف قريــة نائيــة‪ ،‬يجمــع‬ ‫الــروث يك يؤمّ ــن مســكنا مجانيــا يف غرفــة ملحقــة‬ ‫بالزريبــة‪ .‬انتقــل مــن مزرعــة إىل أخــرى‪ ،‬هربــا مــن‬ ‫معاملة أصحابها الذين حرموه أجره مرات‪ .‬نصحه‬ ‫م ـهـرب ســوري باللجــوء إىل شــيخ ـتـريك ليؤمّ ــن لــه‬ ‫مصاريــف رحلــة التهريــب ـبـرا إىل بلغاريــا‪ ،‬وقــال لــه‬ ‫إن الشــيخ تقــي ورع‪.‬‬ ‫هذه املرة قال لزوجته أن تتحجّ ب‪ ،‬واصطحبها‬ ‫ملقابلة الشيخ الورع‪ .‬ما إن رأى الشيخ الزوجة حتى‬ ‫بادرها قائال‪ :‬الله الله ما هاتان العينان الجميلتان!‬ ‫همّ يونس لضرب الشيخ‪ ،‬لكنه تراجع يف اللحظة‬ ‫خـرة‪ ،‬وأمســك زوجتــه مــن ذراعهــا وجذبهــا إىل‬ ‫األ ـ‬ ‫الخارج‪ ،‬وراح يبيك‪.‬‬ ‫عمــل شــهورا أخــرى يف مزرعــة أبقــار‪ .‬بــا اتفــاق‬ ‫مع مهربني‪ ،‬توجه وزوجته وطفاله مع أمثاله من‬ ‫السوريني إىل الشريط الحدودي الرتيك‪ -‬البلغاري‪.‬‬ ‫فشــلت محاولتهــم مرتــن‪ .‬يف الثالثــة ذهــب وحيــدا‬ ‫مع أسرته‪ .‬وصلوا إىل الشريط‪ ،‬ورأى خلفه جنودا‬ ‫بلغاريني‪ .‬أخذ وزوجته يبكيان ويتوسّ الن الجنود‪:‬‬ ‫نريد اللجوء إىل بلغاريا‪ ،‬خلصونا من ظلم األتراك‪.‬‬ ‫فجأة ظهرت عىل الجانب الرتيك من الحدود دورية‬ ‫عسكرية تركية بصحبتها كالب‪ .‬قال آمر الدورية‬

‫تحقيق‬

‫ليونس‪ :‬تريدون الهرب إىل بالد الكفر‪ .‬سوف يأخذ‬ ‫الكفار زوجتك‪ .‬ابتعدوا وإال أترك الكالب تمزقكم‪.‬‬ ‫خـرا قــرر يونــس إعــادة زوجتــه وطفليــه إىل‬ ‫أ ـ‬ ‫مخيمات البقاع يف لبنان‪ ،‬والفرار وحيدا عرب الطريق‬ ‫الربي البلغاري الطويل‪ ،‬بواسطة مهربني سوريني‪.‬‬ ‫مىش ‪ 12‬يوما يف غابات بلغاريا صحبة مجموعات‬ ‫سورية يتوىل مهربون سوريون قيادتها‪ ،‬فيسلمهم‬ ‫مهرب إىل آخر إىل ثالث‪ ...‬كل واحد منهم يحصل‬ ‫‪ 400‬دوالر من كل شخص يف املجموعة‪.‬‬ ‫ووصــل يونــس إىل أملانيــا بكلفــة ‪ 3‬آالف دوالر‪.‬‬ ‫يف رحلــة التهريــب ركــب ســيارات ك ـثـرة يقودهــا‬ ‫مهربــون ســوريون وأ ـتـراك‪ .‬وركــب قطــارات مــن‬ ‫مــدن أوروبيــة إىل أخــرى‪ .‬أمــام محطــة قطــارات يف‬ ‫مدينة دوسلدورف التقى رجال يمنيا استضافه ليلة‬ ‫يف بيتــه‪ ،‬واصطحبــه يف الصبــاح التــايل إىل مخيــم‬ ‫غـرة‪.‬‬ ‫الالجئــن ـقـرب مدينــة دوريــن الص ـ‬

‫حوار أخير‬

‫املخيــم الــذي ينــزل فيــه يونــس كان ثكنــة عســكرية‬ ‫قديمــة مهجــورة‪ .‬نزيــل ســوري آخــر‪ -‬يدعــى عبــد‬ ‫اإللــه (‪ 50‬ســنة) وســبقه بشــهور يف وصولــه إىل‬ ‫املخيــم‪ -‬حضــر شــطرا مــن تســجيل شــهادة يونــس‪.‬‬ ‫ويف نهايتــه دار بينهمــا الحــوار التــايل‪:‬‬ ‫يونــس‪ :‬أملانيــا وأوروبــا أفضــل مــن بــاد عربيــة‬ ‫وإسالمية تكرث فيها عصابات العنصرية واإلجرام‪.‬‬ ‫عبــد اإللــه‪ :‬هــذا مــا تريــده أوروبــا مــن دولنــا‪.‬‬ ‫الخريات كلها يف بالدنا‪ :‬النفط‪ .‬الزراعة‪ .‬الصناعة‪.‬‬ ‫يونــس‪ :‬ال‪ .‬هــم باألســاس ال يفكــرون بنــا‪ .‬وهــم‬ ‫إنســانيون‪ .‬معاملتهــم نابعــة مــن القلــب واألخــاق‪.‬‬ ‫عبد اإلله‪ :‬أعرف طبيبا هاجر إىل بريطانيا‪ .‬حاولوا‬ ‫هناك إجباره عىل إجراء عمليات ملتحولني جنسيا‪.‬‬ ‫رفض‪ ،‬وعاد إىل تركيا‪ .‬نحن ضيوف هنا‪ .‬غدا نظام‬ ‫دولتهــم ســيجربنا عــى أشــياء ك ـثـرة‪ ،‬قــد تضطرنــا‬ ‫للعودة إىل بالدنا‪.‬‬ ‫يونس‪ :‬الدول هنا ال عالقة لها بالدين‪ .‬والناس‬ ‫يعيشون دينهم يف ضمريهم‪ .‬ومن قال إن املسيحية‬ ‫ليست دينا؟!‬ ‫عبداإل لــه‪ :‬أ نــت مــا معنــى حيا تــك مــن دون‬ ‫اإل ســام؟!‬ ‫يونــس‪ :‬أنــا مســلم‪ .‬وهربــت مــن بــاد الوحــوش‬ ‫ألبقــى مســلما‪.‬‬


‫تحقيق‬

‫‪56‬‬

‫المجلة‬

‫السلطات يف دول شرق املتوسط وجنوبه‪ ،‬أي اليونان وتركيا ولبنان ومصر‬ ‫وليبيا وتونس‪ ،‬تريد دفع جماعات الهجرة السرية التي تصل إليها خارج‬ ‫حدودها‪ ،‬أي إىل أوروبا الغربية‪ ،‬يك ال تتحمل تبعات لجوئهم القانونية‬ ‫واملادية عىل أراضيها‬ ‫املشــمس اختبــأوا خو فــا حتــى الظ ـهـرة‪ ،‬عند مــا‬ ‫وصل إليهم رجل قادهم إىل طريق إسفلتي‪ ،‬وراح‬ ‫ينقلهــم بســيارته عــى دفعــات إىل آثينــا‪.‬‬ ‫كان سائق السيارة إيرانيا يتحدث اإلنكليزية‪ .‬ويف‬ ‫الدفعة املسائية التي كان زياد يف عدادها‪ ،‬سارت‬ ‫السيارة بهم نحو ‪ 8‬ساعات‪ ،‬فراحت شابة سورية‬ ‫تحــادث الســائق لئــا يغفــو مــن التعــب واإلرهــاق‪.‬‬ ‫وصلــوا إىل حديقــة عامــة يف آثينــا‪ ،‬كانــت قــد نقلــت‬ ‫إليها السيارة مجموعاتهم يف رحالتها السابقة‪ .‬وملا‬ ‫اجتمعوا يف الحديقة‪ ،‬التقط السائق اإليراين صورة‬ ‫جماعية لهم‪ ،‬وغادر قائال إن شخصا سواه سيأيت‬ ‫الصطحابهم‪ .‬وهنا انتهت صلة زياد باملجموعة ولم‬ ‫يعــد يعلــم عنهــم شــيئا‪ ،‬ألنــه ركــب ســيارة تاكــي‬ ‫وغادر الحديقة‪.‬‬ ‫كان لديــه عنــوان منطقــة يف آثينــا‪ ،‬يعلــم‬ ‫أنها مرتع شبكات مهربني ودعارة وترويج‬ ‫مخدرات وجريمة ّ‬ ‫منظمة‪ ،‬وبها مطعم‬ ‫سوري معروف‪ ،‬صاحبه وسيط شبكات‬ ‫تهريب‪ ،‬فتع ّرف إليه زياد واستأجر منه‬ ‫غـرة مكــث فيهــا حــواىل شــهر‪.‬‬ ‫غرفــة ص ـ‬ ‫تعــرف يف املطعــم إىل شــبكة مهربــن‬ ‫مختلطــة‪ ،‬تضــم ســوريني وأ ـتـراك‬ ‫وإيرانيــن ويونانيــن ومصريــن‪.‬‬ ‫امل ـهـرب املصــري الــذي اتفــق معــه عــى‬ ‫السفر بالطائرة من آثينا إىل إسبانيا‪ ،‬طلب‬ ‫منــه أن ال يحلــق ذقنــه طــوال ‪ 10‬أيــام‪ ،‬ثــم‬ ‫اصطحبــه إىل صالــون حالقــة يعرفــه ويتعامــل‬ ‫معه يف آثينا‪ ،‬يك يجعل شكل وجهه وشعره شبيها‬ ‫بصــورة شــخص ملصقــة عــى جــواز ســفر إســباين‪.‬‬ ‫وعلــم زيــاد مــن مه ّربــه املصــري أن الشــبكة لديهــا‬ ‫يف أوروبا عصابات شبان وفتيان مغاربية يعملون‬ ‫يف نشــل جــوازات ســفر أوروبيــة مــن أصحابهــا عــى‬ ‫أبــواب املطــارات ويف القطــارات والفنــادق‪.‬‬ ‫كلفة عملية تهريب الشخص الواحد يف الطائرة‬ ‫مــن آثينــا إىل مطــار عاصمــة أوروبيــة‪ -‬بار يــس‪،‬‬ ‫مدريــد‪ ،‬بروكســل‪ ،‬برلــن‪ ،‬رومــا‪ ،‬أمســردام‪،‬‬ ‫جـر ٍة ســرية‬ ‫بجــواز ســفر صحيــح يحملــه مســافر ه ـ‬ ‫يُتال عــب بشــكل وجهــه ليصــر شــبيها بصــورة‬ ‫الشــخص األوروبــي املســروق جــواز ســفره‪ -‬ـتـراوح‬ ‫بــن ‪ 5- 4‬آالف دوالر‪ .‬وزيــاد دفــع ‪ 4500‬دوالر‬ ‫لرحلتــه املوعــودة إىل مدريــد‪ .‬وعــى البــاب الــذي‬

‫يخرج منه املســافرون إىل الباص الذي ينقلهم إىل‬ ‫الطا ـئـرة يف مطــار آثينــا‪ ،‬شــك رجــل األمــن اليونــاين‬ ‫بعــدم مطابقــة هيئــة زيــاد للصــورة التــي عــى جــواز‬ ‫الســفر اإلســباين الــذي يحملــه‪ ،‬فأوقفــه‪ ،‬وأعــاده‬ ‫إىل داخــل املطــار‪ .‬وملــا اكتشــف أنــه ســوري وال صلــة‬ ‫لــه بإســبانيا‪ ،‬طــرده مــن املطــار مــن دون أن يصــادر‬ ‫جــواز ســفره اإلســباين‪.‬‬ ‫وروى زيــاد أنــه وأمثالــه مــن ســوريني عرفهــم يف‬ ‫آثينــا انكشــف أمرهــم مثلــه يف مطارهــا‪ ،‬لــم يوقــف‬ ‫جهاز أمن املطار أحدا منهم‪ ،‬بل طردهم من دون‬

‫أن يصــادر جــوازات ســفرهم املســروقة‪ .‬ومثــل هــذه‬ ‫الحاالت معروفة وشائعة يف أوساط طالبي الهجرة‬ ‫السرية الذين تكرث أعدادهم يف العاصمة اليونانية‪.‬‬ ‫وأفاد زياد أن السلطات يف دول شرق املتوسط‬ ‫وجنوبــه‪ ،‬أي اليونــان وتركيــا ولبنــان ومصــر وليبيــا‬ ‫وتونس‪ ،‬تريد دفع جماعات الهجرة السرية التي‬ ‫تصل إليها خارج حدودها‪ ،‬أي إىل أوروبا الغربية‪،‬‬ ‫يك ال تتحمــل تبعــات لجوئهــم القانونيــة واملاديــة‬ ‫عــى أراضيهــا‪ .‬أمــا اليونــان‪ -‬وهــي محطــة أساســية‬ ‫جـرة الســرية‪-‬‬ ‫لشــبكات التهر يــب وجما عــات اله ـ‬ ‫فتت ـه ّرب ســلطاتها مــن تحمــل تلــك التبعــات‪ .‬فــا‬ ‫تعتقل حاميل جوازات السفر األوروبية املسروقة‪،‬‬

‫بــل تغــض طرفهــا عنهــم يك يهاجــروا إىل أوروبــا‬ ‫حـول‬ ‫الغربيــة‪ .‬وخالفــات الحكومــات األوروبيــة ـ‬ ‫جـرة واللجــوء‪ ،‬صــارت مســألة‬ ‫مــا يرتتــب عــى اله ـ‬ ‫سياسية أوروبية ساخنة‪ ،‬تسقط حكومات وأحزابا‬ ‫سياســية ك ـثـرة‪.‬‬ ‫وروى زيــاد أن الطا ـئـرة التــي كان سيســافر عــى‬ ‫متنهــا إىل إســبانيا كان بــن ركابهــا ‪ 15‬شــخصا مــن‬ ‫أمثاله لشبكه تهريب واحدة‪ ،‬وهو وحده انكشف‬ ‫أ ـمـره‪ ،‬عــى مــا علــم بعــد طــرده مــن مطــار آثينــا‪،‬‬ ‫ووجد املصري الذي يعمل يف الشبكة ينتظر أمام‬ ‫املطــار‪ ،‬فأخــذ منــه جــواز الســفر اإلســباين‪ ،‬وعــادا‬ ‫معــا إىل آثينــا‪ ،‬وطمأنــه أن محاولــة ســفره الثانيــة‬ ‫ســوف تكــون ناجحــة‪.‬‬ ‫بعــد أســبوع ذهــب زيــاد إىل مطــار آثينــا‬ ‫مجــددا‪ ،‬حامــا هــذه ا ـملـرة جــواز ســفر‬ ‫شـرة (ف ـيـزا) شــنغن‪،‬‬ ‫ـتـريك عليــه تأ ـ‬ ‫فســافر بهــا يف طا ـئـرة متجهــة إىل‬ ‫شـاءت املصادفــات أن‬ ‫باريــس‪ .‬و ـ‬ ‫يكون بني املسافرين شخص إيراين‬ ‫شــك رجــال األمــن اليونانيــون بــه‪،‬‬ ‫فأعــادوه مــن البــاص املتجــه إىل‬ ‫سلم الطائرة‪ ،‬مثلما حصل لزياد‬ ‫يف محاولــة ســفره األوىل الفاشــلة‬ ‫إىل مدريــد‪.‬‬ ‫لــم يعلــم زيــاد أن الطا ـئـرة التــي‬ ‫ســافر عــى متنهــا إىل باريــس كان بــن‬ ‫ركابهــا شــخص رومــاين مــن العاملــن يف‬ ‫شــبكات التهريــب‪ ،‬إال عندمــا خــرج مــن املطــار‬ ‫واقرتب منه وقال له أن ينتظره قليال‪ .‬وعندما عاد‬ ‫خـران ملحهمــا زيــاد يف الطا ـئـرة‪،‬‬ ‫ومعــه شــخصان آ ـ‬ ‫طلــب مــن الثالثــة أن يســلموه جــوازات ســفرهم‬ ‫التــي خرجــوا بهــا مــن مطــار آثينــا‪ .‬كان الشــخصان‬ ‫اآلخران سوريني‪ ،‬فأعطاه الثالثة جوازات سفرهم‬ ‫املسروقة‪ ،‬وترك لهم جوازات سفرهم السورية‪،‬‬ ‫ثم اصطحبهم إىل محطة باصات باريسية‪ ،‬وحجز‬ ‫لهم يف واحدٍ منها بطاقات ّ‬ ‫أقلتهم إىل أمســردام‬ ‫التــي وصلــوا إليهــا بعــد ‪ 8‬ســاعات‪.‬‬

‫عذابات الســوري اللبنانية‬ ‫والتركية‬

‫يونــس الطبقــة‪ -‬وهــذا لقــب للكنايــة بــه عــن الجــئ‬


‫‪55‬‬

‫تحقيق‬

‫المجلة‬

‫املسلك الغربي وجهته إسبانيا عرب مضيق جبل طارق‪ ،‬أو برا عرب جيب سبتة‬ ‫ومليلة‪ ،‬الجزيرتني املتنازع عليهما بني املغرب وإسبانيا‪ .‬وبلغ عدد عابري هذا‬ ‫املسار ‪ 14582‬شخصا عام ‪2022‬‬

‫لكــن هــذا املســلك املغربــي‪ ،‬وإىل جانبــه املســلك‬ ‫الجزائري الخافت‪ ،‬ال يخلوان من بعض مهاجرين‬ ‫ســوريني‪ ،‬عــى مــا ب ّينــت اســتطالعات وشــهادات‬ ‫خاصــة جمعتهــا “املجلــة” يف أملانيــا وهولنــدا‪.‬‬

‫المقبرة البحرية‬

‫قد تبدو قصيدة الشاعر الفرنيس بول فالريي‬ ‫“املقربة البحرية”‪ُ -‬ن ِشرت سنة ‪ -1922‬مستوحاة‬ ‫من حال البحر املتوسط اليوم‪ ،‬بعد تح ّوله إىل‬ ‫مقربة بحرية فعلية وحقيقية‪ .‬فما ُعرفت منذ‬ ‫السبعينات بظاهرة “الح ّراقة” (مراكب صغرية‬ ‫لجزائريني وتونسيني ومغاربة يف موجات هجرة‬ ‫سرية إىل أوروبا)‪ ،‬صارت ظاهرة متوسطية عامة‪،‬‬ ‫يف خضم خراب العراق وسوريا وليبيا‬ ‫ولبنان أخريا‪ ،‬وتح ّو ل تركيا‬ ‫ولبنان خ ّزانا بشريا ضخما‬ ‫لالجئيـ ــن‪ .‬و ه ـك ــذا صار‬ ‫البحر املتوسط أمال‬ ‫مأساويا للفارين من‬ ‫بالدهم ودمارها‪،‬‬ ‫طلبا للوصول إىل‬ ‫شواطئه الشمالية‬ ‫األوروبية‪ .‬واالستعانة‬ ‫هنا بـ“مقربة” فالريي‬ ‫الش ـع ــرية “البحرية”‪،‬‬ ‫للتمث ــيل ب ــها ع ـل ــى هـ ــذه‬ ‫املآيس‪ ،‬ليست مجازا خالصا‪.‬‬ ‫فاملزاوجة أو الزواج الشعري بني البحر‬ ‫واملقربة تحول إىل واقعة متوسطية لكرثة تعساء‬ ‫الحظ الفارين عربه بقوارب موت‪.‬‬ ‫وما جعله فالريي عناصر قصيدته التعبريية ‪-‬‬ ‫أي املاء والزرقة والريح والنور واملوج وامللح والظالم‬ ‫سـاء‪ -‬هــي رفيقــة رعــب مــن‬ ‫والشــمس والفجــر وامل ـ‬ ‫يرتمــون يف املتوســط أمــا يف خــاص‪ ،‬وم ـقـرة مــن‬ ‫يبتلعهم البحر أثناء رحالتهم الخالصية املفجعة‪.‬‬

‫حمص‪ -‬القاهرة‪ -‬إســطنبول‬

‫نجــا زيــاد الســوري (‪ 47‬ســنة) مــن م ـقـرة املتوســط‬ ‫البحريــة‪ .‬فمركــب هجرتــه اجتــاز املســافة بــن إزمــر‬ ‫الرتكية والشاطئ اليوناين يف أربع ساعات ونصف‬ ‫الســاعة‪ .‬التقتــه “املجلــة” يف مخيــم لالجئــن ـقـرب‬

‫مدينــة الهــاي الهولنديــة‪ ،‬فــروى وقائــع رحلتــه مــن‬ ‫مدينته املحاصرة‪ ،‬حمص‪ ،‬سنة ‪ ،2012‬بعدما كان‬ ‫يف قيادة تنسيقيات انتفاضتها‪ .‬ضابط جيش سوري‬ ‫أمّ ــن انتقالــه إىل دمشــق‪ ،‬فغادرهــا إىل األردن‪،‬‬ ‫وانتقل يف عبّارة نظامية من خليج العقبة إىل مصر‪.‬‬ ‫مكــث يف القا ـهـرة ‪ 4‬ســنوات (‪)2015 - 2012‬‬ ‫ناشــطا سياســيا هنــاك‪ ،‬دعمــا للثــورة الســورية‪،‬‬ ‫فاعتقلته املخابرات املصرية مرتني‪ .‬وبعدما أطلقت‬ ‫سـراحه غــادر إىل إســطنبول مــن مطــار القا ـهـرة‪ .‬يف‬ ‫ـ‬ ‫إســطنبول أقــام ‪ 6‬ســنوات (‪ )2023 - 2016‬فعمــل‬ ‫يف مطاعم‪ ،‬وتأجري سيارات وشقق سكنية‪ .‬أشعره‬ ‫حـول الســيايس الحكو مــي حيــال الالجئــن‬ ‫الت ـ‬ ‫الســوريني يف تركيــا‪ ،‬بــأن الب ـقـاء فيهــا لــم يعــد‬ ‫يحتمــل‪ ،‬فقــرر مغادرتهــا إىل أوروبــا‪.‬‬ ‫وباإلضـ ــافة إىل املال ال ــذي ادخره‬ ‫يف تركيــا‪ ،‬ـبـاع قطعــة أرض‬ ‫يملكها يف حمص‪ ،‬لتأمني‬ ‫مصاريف رحلته السرية‪.‬‬

‫شبكات‬ ‫التهريب في‬ ‫تركيا‬

‫عـ ـبـ ــر “في ـ ـسـ ـب ـ ــوك”‪،‬‬ ‫تواصــل زيــاد مــع مهربــن‪،‬‬ ‫وآخر يــن يكــر ارتيا د هــم‬ ‫مقاهــي معروفــة يف إســطنبول‪.‬‬ ‫و ســطاء هــذه الشــبكات الســرية‬ ‫سوريون ومصريون ومن بلدان عربية أخرى‪.‬‬ ‫أمــا األ ـتـراك فــا يظهــرون ويعملــون يف الخ ـفـاء‪.‬‬ ‫أودع زيــاد نصــف كلفــة الرحلــة البحريــة (‪3500‬‬ ‫دوالر) لــدى شــبكة خدمــات ماليــة تعمــل باألســود‬ ‫يف إسطنبول (تسمى مكتب خدمات مالية) يدفع‬ ‫الراغبون يف الهجرة نصف كلفة الرحلة مقدما وال‬ ‫يمكــن اإل ـفـراج عــن هــذه املبالــغ إال وفــق اتصــاالت‬ ‫وكــودات ســرية هاتفيــة‪ ،‬بعــد ب ـلـوغ املهاجــر نهايــة‬ ‫رحلتــه‪ ،‬حيــث يســدّ د النصــف اآلخــر مــن كلفتهــا‪.‬‬ ‫وحسب زياد‪ ،‬فإن السوريني هم من ينشئون هذه‬ ‫الشبكات لصالح أتراك يظلون يف الخفاء‪ .‬والشرطة‬ ‫والسلطة الرتكيتان عىل علم بتلك الشبكات‪ ،‬لكنها‬ ‫تغــض عنهــا أرصادهــا مــدة مــن الزمــن ثــم تدهــم‬ ‫رجالهــا وتصــادر أموالهــم وتعتقلهــم‪ ،‬ثــم تطلــق‬

‫سراحهم بعد حني‪ ،‬فيعودون إىل عملهم‪ .‬وصارت‬ ‫مثل هذه العمليات روتينية يف تركيا‪ ...‬وعرف زياد‬ ‫رجــا ســوريا ظــل يديــر عملــه يف مقهــى إســطنبويل‪،‬‬ ‫إىل أن دهمت املخابرات الرتكية املقهى‪ ،‬فاعتقلته‬ ‫وصادرت منه ‪ 350‬ألف دوالر‪ ،‬وسجنته يومني ثم‬ ‫سـراحه‪ .‬وكان زيــاد قــد خســر ‪ 3500‬دوالر‬ ‫أطلقــت ـ‬ ‫أودعها لدى هذا السوري يك ينتقل بحرا إىل آثينا‪.‬‬ ‫لرحلتــه يف مركــب ســريع‪ ،‬أتــت ســيارة لنقلــه‬ ‫مــن إســطنبول إىل إزمــر‪ ،‬حيــث نــزل مــع مجموعــة‬ ‫مــن أمثالــه مــدة ‪ 5- 4‬أيــام يف منــزل قريــب مــن‬ ‫الشــاطئ‪ .‬هــذه العمليــة كلهــا قــام بهــا ســوريون‪.‬‬ ‫سـاء‬ ‫جـرا‪ ،‬بينهــم ن ـ‬ ‫بعــد يومــن نقلتهــم (‪ 35‬مها ـ‬ ‫وأطفــال‪ ،‬معظمهــم ســوريون) شــاحنة حُ شــروا‬ ‫يف صندوقهــا وســارت بهــم نحــو ‪ 8‬ســاعات‪ .‬ســائق‬ ‫الشــاحنة ـتـريك‪ ،‬أنــزل املهاجريــن مــن صندوقهــا‬ ‫عــى طــرف غابــة‪ ،‬حيــث ينتظرهــم مهربــون أ ـتـراك‪،‬‬ ‫فيمــا لــم يعــد لســوريي الشــبكة مــن وجــود قــط‪.‬‬ ‫هيــا اركضــوا‪ ،‬اركضــوا يف الغابــة‪ ،‬أمرهــم الرجــال‬ ‫األ ـتـراك‪ ،‬وغــادروا قائلــن لهــم‪ :‬بعــد قليــل نعــود‬ ‫ألخذكــم إىل املركــب‪.‬‬ ‫صـرا‪ ،‬لكــن املهربــن لــم يعــودوا‪،‬‬ ‫كان الوقــت ع ـ‬ ‫يأت إليهم‬ ‫فنام املهاجرون خائفني يف العراء‪ ،‬ولم ِ‬ ‫املهربون األتراك إال مساء النهار التايل‪ ،‬فقادوهم‬ ‫يف العتمة ساعات حتى الشاطئ‪ .‬واجتازوا يف املاء‬ ‫صـول إىل املركــب الــذي انطلــق‬ ‫صـرة للو ـ‬ ‫مســافة ق ـ‬ ‫سـرعة هائلــة‪ ،‬متقا ـفـزا عــى ســطح ا ـملـاء‪،‬‬ ‫بهــم ب ـ‬ ‫ّ‬ ‫خاضــا أجســامهم التــي ترتطــم ببعضهــا وبحديــد‬ ‫املركــب طــوال الرحلــة الليليــة التــي اســتغرقت ‪4‬‬ ‫ســاعات ونصــف الســاعة‪ .‬نزلــوا مــن املركــب يف ـمـاء‬ ‫البحر اللييل الذي غمرهم حتى صدورهم‪ ،‬ليبلغوا‬ ‫الشــاطئ اليونــاين‪.‬‬

‫شــبكة التهريب اليونانية‬

‫عىل األرايض اليونانية تتوىل‪ -‬حسب زياد‪ -‬شبكات‬ ‫يونانية أعمال التهريب‪ ،‬عرب وسطاء سوريني ومن‬ ‫جنسيات شرق أوسطية أخرى؛ فسيارات يقودها‬ ‫املهاجر يــن الســريني‬ ‫يونانيــون أقلــت مجمو عــة‬ ‫ِ‬ ‫الـ ‪ ،35‬وتوجّ هت بهم ليال إىل منطقة جبلية ريفيّة‪،‬‬ ‫وزودتهــم بشــريحة هاتــف يونانيــة‪ .‬بثيابهــم املبللــة‬ ‫ُتر كــوا يف ـعـراء جبــي حتــى شــروق الشــمس‪،‬‬ ‫فاستلقى بعضهم عىل الصخور وغفا‪ .‬يف الصباح‬


‫تحقيق‬

‫حسب تقارير وتحقيقات‬ ‫استقصائية عدة‪،‬‬ ‫وسواها من دراسات‬ ‫موسعة‪ ،‬ال تقتصر‬ ‫األعمال التي تحرتفها‬ ‫عصابات‪ ،‬عىل سوريا‪.‬‬ ‫ب ــل تش ــمل بـلــدانــا‬ ‫تتمادى فيها الحروب‬ ‫األهلية‪ ،‬مثل العراق‬ ‫وأفغانستان ولبنان‬

‫المجلة‬

‫رحــات املشـ ّردين املميتــة أحيانــا يف البحــر والــر‪.‬‬ ‫ثروات سوداء‪،‬‬ ‫فتجني املافيات من ذلك أمواال‪ ،‬بل‬ ‫ٍ‬ ‫شبيهة برثوات اإلتجار باملخدرات‪ ،‬ومافيات تبييض‬ ‫األمــوال‪ .‬وهــذه كلهــا منظمــات إجراميــة‪.‬‬ ‫لكــن مــا هــي البلــدان األساســية لتجميــع بشــر‬ ‫موجــات املهاجريــن الســرية والقســرية‪ ،‬ومــا هــي‬ ‫املســالك األساســية التــي تعتمدهــا مافيــات اإلتجــار‬ ‫بالبشــر لتهريبهــم إىل أوروبــا؟‬ ‫‪ ‬مسار جنوب البحر املتوسط‪ :‬تنطلق موجات‬ ‫الهاربــن ـعـره بالقــوارب مــن الشــواطئ التونســية‬ ‫والليبية‪ ،‬وصوال إىل الجزر اإليطالية‪ .‬وشبكات املافيا‬ ‫العاملــة عــى هــذا املســار تونســية وليبيــة بمشــاركة‬ ‫صـاءات املفوضيــة الســامية‬ ‫سورية‪.‬وحســب إح ـ‬ ‫لألمم املتحدة لشؤون الالجئني‪ ،‬تصدّرت الرحالت‬ ‫املنطلقة من تونس يف النصف األول من عام ‪2023‬؛‬ ‫حيث وصل من الشــواطئ التونســية إىل الشــواطئ‬ ‫جـرا ســريا‪ .‬وتلــت تونــس ليبيــا‬ ‫اإليطاليــة ‪ 37720‬مها ـ‬ ‫جـرا‪.‬‬ ‫التــي وصــل منهــا إىل إيطاليــا ‪ 28558‬مها ـ‬ ‫صـاءات منظمــة أط ـبـاء بــا حــدود‬ ‫وتشــر إح ـ‬ ‫الدوليــة للعــام ‪ 2022‬إىل أن ‪ 2327‬شــخصا لقــوا‬ ‫جـراء رحــات‬ ‫حتفهــم غرقــا يف البحــر املتوســط‪ ،‬ـ‬ ‫الهجرة السرية‪ .‬ومعظم هؤالء الضحايا انطلقت‬

‫‪54‬‬

‫قواربهــم مــن الشــواطئ التونســية والليبيــة‪.‬‬ ‫وال يخلو تحقيق استقصايئ عن الهجرة السرية‬ ‫من عمليات املطاردة والتعذيب والسجن والخطف‬ ‫وأعمال السخرة والطرد الجماعي خارج الحدود‪.‬‬ ‫وهــذه تعتمدهــا امليليشــيات الليبيــة حيــال الفاريــن‬ ‫حـراء وســواهم مــن بلــدان‬ ‫األفارقــة مــن جنــوب الص ـ‬ ‫أخرى‪ .‬ويف العام ‪ 2021‬وحده تجمّ ع يف تونس ‪21‬‬ ‫ألــف مهاجــر مــن بلــدان غــر مغاربيــة‪ ،‬أي أفريقيــة‬ ‫من جنوب الصحراء يف الغالب‪.‬‬ ‫لكــن رحــات ال ـفـرار مــن تونــس واملــوت غرقــا‪ ،‬ال‬ ‫تخلــو مــن عــدد كبــر مــن التونســيني الفاريــن مــن‬ ‫العيش يف بلدهم املشرف عىل اإلفالس الذي وقع‬ ‫فيه لبنان‪ .‬والهجرة الشرعية والسرية التونسية إىل‬ ‫أوروبا مسألة تاريخية مستمرة‪ ،‬اشتد زخمها بقوة‬ ‫بعد الربيع العربي (‪ .)2011‬وأصابت عدوى الهجرة‬ ‫التونسية أخريا معظم أعضاء فريق لكرة القدم‪،‬‬ ‫ما دفع إدارة نادي الفريق إىل تعليق نشاطه‪.‬‬ ‫أمــا ليبيــا فمضــت ســنوات ك ـثـرة عــى تح ّولهــا‬ ‫خـراب‪.‬‬ ‫ـيات و ـ‬ ‫إىل ديــار انقســامات حربيــة وميليشـ ٍ‬ ‫فــا عجــب يف تحوّلهــا إىل مــأوى عصابــات إجراميــة‬ ‫تعمــل يف اســتعباد الالجئــن إليهــا واإلتجــار بهــم‪.‬‬ ‫‪ ‬مســار ش ــرق املتوســط‪ :‬هــو مســار مــزدوج‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتشكل تركيا قلب هذا املسار النابض‬ ‫بحري وبري‪.‬‬ ‫والطارد نحو اليونان بحرا‪ ،‬ونحو بلغاريا والصرب‬ ‫ـبـرا‪ ،‬واملعــروف بطريــق البلقــان‪.‬‬ ‫فبعدمــا أقــدم أردوغــان وحزبــه عــى التالعــب‬ ‫بمصــر ســوريا وســواها مــن بلــدان الربيــع العربــي‪،‬‬ ‫فجمــع يف تركيــا مــا تخ ّيــل أنــه عمــاد انبعــاث ـكـريس‬ ‫جـاء وقــت التالعــب بمصــر‬ ‫الســلطنة العثمانيــة‪ ،‬ـ‬ ‫مئــات األلــوف‪ -‬بــل بضعــة ماليــن‪ -‬مــن الالجئــن‬ ‫الســوريني‪ ،‬وســواهم مــن اإلســاميني املتســلقني‬ ‫لتصــدّ ر الربيــع العر بــي‪ .‬و هــذا بعد مــا انبعثــت‬ ‫القومية الرتكية الشوفينية بنوابض إسالمية هذه‬ ‫املرة‪ ،‬ح ّركتها األزمة االقتصادية يف تركيا‪ .‬لذا راحت‬ ‫تركيا تضيّق عىل الالجئني السوريني وتضطهدهم‪،‬‬ ‫حـرا و ـبـرا إىل أوروبــا‪.‬‬ ‫يك يفــروا ب ـ‬ ‫صـاءات إىل أن عــام ‪ 2022‬شــهد‬ ‫وتشــر اإلح ـ‬ ‫عبــور ‪ 145600‬مها جــر غــر قا ـنـوين عــر مســلك‬ ‫تركيا‪-‬اليونــان البحــري‪ .‬وهنــاك عــدد مماثــل مــن‬ ‫املهاجريــن ســلكوا طريــق البلقــان الــري‪ .‬ويتصــدّ ر‬ ‫املهاجرون السوريون عىل هذين املسلكني‪ .‬ويليهم‬ ‫مهاجــرو أفغانســتان ومصــر وتونــس وبنغالديــش‬ ‫ونيجرييــا والكونغــو‪.‬‬ ‫‪ ‬مســار ـغـرب املتوســط‪ :‬هــذا املســلك مغربــي‪.‬‬ ‫وهو هاميش مقارنة باملسارين الكبريين السابقني‪.‬‬ ‫واملســلك الغربــي وجهتــه إســبانيا عــر مضيــق جبــل‬ ‫طارق‪ .‬أو برا عرب سبتة ومليلة‪ ،‬الجزيرتني املتنازع‬ ‫عليهما بني املغرب وإسبانيا‪ .‬وبلغ عدد عابري هذا‬ ‫صـرم‪.‬‬ ‫جـرا يف العــام املن ـ‬ ‫املســار ‪ 14582‬مها ـ‬


‫‪53‬‬

‫ضيــق‪ .‬ومــا لبثــت بعــد بعــض الوقــت أن توســعت‬ ‫وباتــت شــبكاتها واســعة االنتشــار‪ .‬وهــي شــبكات‬ ‫سـرايا العربيــة الســورية‪ ،‬عــى الجانــب‬ ‫شـرة البو ـ‬ ‫ع ـ‬ ‫األيمن من نهر الفرات بالقرب من مدينة دير الزور‪.‬‬ ‫بدأت فروع من هذه العشرية بتشكيل ميليشيا‬ ‫حـرب األهليــة الســورية‪ ،‬أســوة‬ ‫عســكرية أث ـنـاء ال ـ‬ ‫بباقــي القــوى االجتماعيــة املتصارعــة‪ .‬وانتشــار أب ـنـاء‬ ‫العشرية عىل نطاق واسع ويف بلدان كثرية‪ ،‬حولها‬ ‫إىل شــبكة تهريــب مهاجريــن‪ ،‬تمتــد أعمالهــا مــن‬ ‫سوريا وتركيا واليونان وصربيا إىل العمق األوروبي‪.‬‬ ‫والشبكة هذه تملك حافالت نقل (فانات وحافالت)‬ ‫عــر طريــق شــرق البلقــان‪ .‬وبعــض العاملــن فيهــا‬ ‫سـاح خفيــف‪ .‬وتقــود مجموعــات مــن‬ ‫مــزودون ب ـ‬ ‫األدالء املهاجريــن عــر الغابــات وإيصــال قوافلهــم‬ ‫إىل بلــدان أوروبيــة عــدة‪ .‬والســوريون يســمون هــذه‬ ‫الشــبكات “أ ـمـراء التهريــب”‪.‬‬ ‫سـرايا مــن جماعــة‬ ‫شـرة البو ـ‬ ‫هكــذا تحولــت ع ـ‬ ‫عســكرية محلية نطاق نشــاطها ال يتجاوز الحدود‬ ‫السورية‪ ،‬إىل شبكة تهريب دولية‪ ،‬فصار يحسب‬ ‫جـرام الكــرى‪،‬‬ ‫لهــا حســاب عــى نطــاق شــبكات اإل ـ‬ ‫كالشــبكات األفغانيــة واملغاربيــة‪ .‬وتلعــب القرابــة‬ ‫العائليــة والعشــائرية دورا‬ ‫حا ســما يف ب ـنـاء الثقــة بــن‬ ‫أ ـفـراد هــذه الشــبكات‪ .‬بينمــا‬ ‫تـ ـل ـ ــعب الـ ــعالقـ ــات الـ ـط ـ ــائـ ــفية‬ ‫دورا مهمــا ف ـ ــي تشـ ــكيل‬ ‫ب ـ ـ ـعـ ــض ا ل ـعـ ــصابات‬ ‫األخرى‪ ،‬كعصابات‬

‫المجلة‬

‫“الشبيحة” لتهريب املخدرات السورية‪ .‬وهي تنطلق‬ ‫من السواحل السورية واللبنانية‪ ،‬ويصل نشاطها‬ ‫اإلجرامــي إىل األردن والخليــج وأوروبــا‪ ،‬ملنافســة‬ ‫كارتيــات إجراميــة أخــرى يف العالــم‪.‬‬

‫مافيــات كالمنظمات اإلرهابية‬

‫تشري املعطيات والشهادات التي جمعتها “املجلة”‬ ‫إىل أن تركيا‪ ،‬وليبيا‪ ،‬وتونس‪ ،‬هي البلدان‪ -‬املراكز‬ ‫األساســية لتجميــع موجــات الفاريــن مــن بلــدان‬ ‫الشــرق األو ســط‪ ،‬و شــمال أفريقيــا‪ ،‬وجنــوب‬ ‫صحرائهــا الكــرى‪ ،‬ووســط آســيا‪ .‬ومراكــز التجميــع‬ ‫هــذه‪ ،‬إضافــة إىل اليونــان وســوريا وربمــا لبنــان‪،‬‬ ‫هــي مرتــع مافيــات التهريــب وشــبكاتها متعــددة‬ ‫ومختلطة الجنسيات الشرق أوسطية‪ ،‬من سوريّة‬ ‫إىل تونســية وليبيــة ومصريــة وتركيــة ولبنانيــة‪.‬‬ ‫لكن هذه املافيات السرية وشبكاتها اإلجرامية‪،‬‬ ‫ال تعمل وفق نظام متصل ومرتابط الشبكات‪ .‬بل‬ ‫إن عملها وتواصلها متقطعان وموزعان جغرافيا‪.‬‬ ‫شـرة بــن مجموعاتهــا‬ ‫فــا روابــط وال تواصــل مبا ـ‬ ‫املنتشرة يف بلدان كثرية‪ ،‬إال عرب وسطاء محليني ال‬

‫تحقيق‬

‫يجمعهم بتلك املجموعات سوى اتصاالت هاتفية‬ ‫ّ‬ ‫املشفرة‪.‬‬ ‫لها لغتها الرمزية الخاصة أو‬ ‫واألرجح أن هذه الشبكات املنفصلة واملرتابطة‬ ‫يف الخ ـفـاء‪ ،‬تعمــل عــى نحــو عنقــودي يشــبه‬ ‫خـرة مــن املنظمــات اإلرهابيــة‪،‬‬ ‫عمــل النســخ األ ـ‬ ‫شــأن “داعــش” مثــا‪ .‬وهــي مثــل هــذه املنظمــات‬ ‫تســتعمل يف عملهــا ونشــاطها منصــات التواصــل‬ ‫االجتماعي لجذب ضحاياها وابتزازهم‪ .‬وهم أصال‬ ‫عـراء أو مخيمــات‬ ‫مــن املشــردين والتائهــن يف ال ـ‬ ‫اللجــوء (الســورية خصوصــا) الك ـثـرة يف الشــرق‬ ‫األوسط‪ ،‬والتوّاقني إىل الفرار منها‪ ،‬ولو باملخاطرة‬ ‫بآخر ما يملكون من مال قليل وحياة ّ‬ ‫معلقة بني‬ ‫البــؤس واليــأس‪.‬‬ ‫جـرة الســرية واللجــوء‪،‬‬ ‫الســيل الكبــر لله ـ‬ ‫يظــل منبعــه األســايس دوال وأنظمــة ديكتاتوريــة‪،‬‬ ‫ومجتمعــات متصدّ عــة وبلدا نــا مفلســة ماليــا‬ ‫واقتصاديا‪ ،‬ومصبه أوروبا‪ ،‬ذاك الحلم التاريخي‬ ‫جـزت تاريخيــا عــن‬ ‫يف وعــي ومخيــات شــعوب ع ـ‬ ‫ب ـنـاء دول ومجتمعــات ديمقراطيــة متما ســكة‪.‬‬ ‫ويف خضــم الســيل البشــري التــواق إىل ال ـفـرار‬ ‫جـرة‪ ،‬تنبــت شــبكات مافيــات اإلتجــار بالبشــر‬ ‫واله ـ‬ ‫وأحالمهم‪ .‬فتستعمل أساليبها يف الحصول عىل‬ ‫أ مــوال ضحايا هــا‪ .‬وأحيا نــا‬ ‫تنبــت الشــبكات اإلجراميــة‬ ‫يف هوا مــش جما عــات‬ ‫التشـ ُّر د‪ .‬و هــي تسـ ّـر‬


‫تحقيق‬

‫معضلة الهجرة السرية القسرية‪ ،‬أو غري النظامية‬ ‫إىل أوروبا‪ ،‬تهز أركان الحياة السياسية األوروبية‪،‬‬ ‫وتكاد تصدّ ع االتحاد األوروبي‪.‬‬ ‫قامــت “املجلــة” باســتقصاءات ميدانيــة واســعة‬ ‫عــن هــذه املعضلــة‪ /‬الظا ـهـرة الدوليــة‪ .‬فجمعــت‬ ‫شــهادات خاصــة ك ـثـرة مــن بلــدان عــدة عــن أعمــال‬ ‫شبكات اإلتجار بالبشر ومآيس ضحاياهم وتهريبهم‬ ‫حـرا و ـبـرا‪ .‬وكذلــك مســالك التهريــب وال ـفـرار مــن‬ ‫ب ـ‬ ‫بلدان جنوب البحر املتوسط األفريقية‪ ،‬واآلسيوية‬ ‫يف شــرقه‪ ،‬إىل دول شــماله وشــرقه األوروبيــة‪.‬‬

‫شــبكات عشائرية‪ ...‬و”شبيحة”‬

‫روى ســوري (‪ 45‬ســنة)‪ -‬يقيــم منــذ ‪ 5‬ســنوات يف‬ ‫شـرة أهلــه‬ ‫غـرة‪ ،‬وع ـ‬ ‫مدينــة دوريــن األملانيــة الص ـ‬ ‫واســعة النفــوذ شــرقي ســوريا‪ -‬أن بعضــا مــن أب ـنـاء‬ ‫العشرية بدأوا يعملون يف خطف أشخاص وابتزاز‬ ‫أهلهــم لدفــع فديــة ماليــة يف خضــم تســلح الثــورة‬ ‫الســورية وعســكرتها‪ .‬وبعــد و قــت انتقــل بعــض‬ ‫شـرعوا يف تهر يــب‬ ‫شـرة إىل تركيــا‪ ،‬ف ـ‬ ‫أب ـنـاء الع ـ‬ ‫ســوريني راغبــن يف ال ـفـرار مــن تركيــا إىل بلغاريــا‪.‬‬

‫المجلة‬

‫توســعت أعمالهــم وتحولــت إىل شــبكة متنوعــة يف‬ ‫“األعمــال الســوداء” وتضــم‪ ،‬باإلضافــة إىل شــبان‬ ‫شـرة‪ ،‬أب ـنـاء عشــائر أ خــرى تربطهــا بهــا‬ ‫مــن الع ـ‬ ‫مصا ـهـرات ومصا لــح‪ ،‬ومنهــم ضبــاط ســابقون‬ ‫انشــقوا عــن الجيــش الســوري‪ ،‬وآخــرون يف أج ـهـزة‬ ‫أمنية‪ .‬وسرعان ما احرتف الحلف العشائري تهريب‬ ‫الســوريني عــر تركيــا إىل اليونــان وبلغاريــا وصربيــا‪.‬‬ ‫و مــا جمعتــه “املجلــة” مــن شــهادات الجئــن‬ ‫كثرييــن يف أملانيــا وهولنــدا وفرنســا يشــر إىل أن‬ ‫حـرب الســورية ومــا رافقهــا مــن مــآس‬ ‫ظــروف ال ـ‬ ‫وفــوىض وتفــكك وتحلــل اجتماعيــن‪ ،‬ومــن توســع‬ ‫نشاط ظاهرة ما سمي “الشبيحة” املتصلة شبكاتها‬ ‫شـرة بأج ـهـزة النظــام األمنيــة‪ ،‬ســاهمت يف‬ ‫مبا ـ‬ ‫نشــوء وتبلــور عصابــات مســلحة طائفيــة (يف حالــة‬ ‫“الشبيحة”) وعائلية وعشائرية (يف حاالت أخرى)‬ ‫كان نشاطها محليا يف البداية‪ .‬لكن نشاطها توسع‬ ‫يف خضم الحرب‪ ،‬فشملت أعمالها مناطق أخرى‪،‬‬ ‫وانتقلت إىل العمل عىل صعيد إقليمي‪ .‬ثم تمكنت‬ ‫من االنتشار يف دول عدة‪ ،‬من سوريا مرورا برتكيا‬ ‫صـوال إىل البلقــان وبلــدان أوروبيــة أخــرى‪.‬‬ ‫و ـ‬

‫ثالثة مسارات‬ ‫للعبور من‬ ‫“المقبرة‬ ‫البحرية” إلى‬ ‫“الحلم األوروبي”‬ ‫“املجلة” تتقىص وتكشف مسالك الهجرة‬ ‫السرية ومافياتها‬ ‫برلني ‪ -‬محمد أبي سمرا‬ ‫رسوم ‪ -‬إدواردو رامون‬

‫‪52‬‬

‫وحســب تقاريــر وتحقيقــات اســتقصائية عــدة‪،‬‬ ‫وسواها من دراسات موسعة‪ ،‬ال تقتصر مثل هذه‬ ‫األعمــال الســوداء التــي تحرتفهــا عصابــات‪ ،‬عــى‬ ‫ســوريا‪ ،‬بــل تشــمل بلدانــا تتمــادى فيهــا الحــروب‬ ‫عـراق وأفغانســتان ولبنــان؛‬ ‫األهليــة‪ ،‬مثــل ال ـ‬ ‫فالســوابق اللبنانيــة التــي زامنــت تصا عــد نفــوذ‬ ‫ميليشــيا حركــة أمــل الشــيعية منــذ النصــف الثــاين‬ ‫من الثمانينات تؤكد ذلك؛ فمنظمة أمل اخرتقت‬ ‫جـرة يف أفريقيــا‪.‬‬ ‫أو اســتقطبت عائــات شــيعية مها ـ‬ ‫وامتــدت شــبكات عائليــة و“تنظيميــة أمليــة” إىل‬ ‫أعمــال تجــارة الســيارات املســتعملة وســواها مــن‬ ‫أعمــال ســوداء عــر أملانيــا‪ ،‬حيــث تكاثــر الجئــون‬ ‫شيعة وانخرطوا يف تلك األعمال‪ .‬وشبكات “حزب‬ ‫اللــه” اللبنــاين فاقــت أنشــطتها الســوداء ســوابقها‬ ‫“األمليــة” بأشــواط‪ ،‬فشــملت لبنــان وســوريا ودوال‬ ‫صـوال إىل أ ـمـركا الالتينبــة‪.‬‬ ‫أفريقيــة وأوروبيــة‪ ،‬و ـ‬ ‫والعصا بــات الســورية بــدأت بمجمو عــة مــن‬ ‫النشــاطات اإلجراميــة املحليــة‪ ،‬كالخطــف واالب ـتـزاز‬ ‫طلبــا للفديــة‪ .‬وتشــر شــهادات جمعتهــا “املجلــة”‬ ‫إىل أن العصابــات مــا لبثــت أن وســعت نشــاطاتها‬ ‫يف تهريــب املهاجريــن عــر دول عــدة‪ .‬واملالحظــة‬ ‫املهمــة عــى هــذا الصعيــد تكمــن يف أن أ ـفـراد بعــض‬ ‫عصابــات تهريــب البشــر‪ -‬أي النــواة التــي تشــكلت‬ ‫منهــا‪ -‬كانــت تربطهــم يف األصــل عالقــات عائليــة‬ ‫وعشائرية ومناطقية‪ ،‬شكلت األساس الذي تكونت‬ ‫منــه الشــبكة املتوســعة إقليميــا وأوروبيــا‪.‬‬ ‫وثمة شبكة سورية أخرى لتهريب البشر‪ ،‬كانت‬ ‫قــد بــدأت نشــاطاتها اإلجراميــة عــى نطــاق محــي‬




‫‪49‬‬

‫بروفايل‬

‫المجلة‬

‫السياسية يف الخارج‪ ،‬كان لها دور مهم يف تطوير العالقات مع‬ ‫ع ــدة دول وأنظمــة سياســية‪ .‬تحديــدا يف الســنوات األخــرة‪ ،‬بــرز‬ ‫الكثــر مــن الخالفــات بــن قيــادة الداخــل والخــارج‪ ،‬حتى قبل أن‬ ‫يتسلم السنوار رئاسة الحركة يف الداخل‪ ،‬حينما كان إسماعيل‬ ‫هنيــة يشــغل املنصــب‪ ،‬وقبــل أن ينتقــل للخــارج مقيمــا يف قطــر‪،‬‬ ‫ويتســلم رئاســة املكتــب الســيايس للحركــة خلفــا لخالــد مشــعل‬ ‫الذي شغل املنصب لعدة دورات متتالية‪ ،‬إال أنّ قيادة “حماس”‬ ‫كانــت ومــا زالــت تنفــي أي خالفــات بــن قيــادة الداخــل والخــارج‪،‬‬ ‫وتصــر عــى أنّ كل مــا ي ــدور حــول الخالفــات ما هو إال شــائعات‪.‬‬ ‫ربمــا يعــود الثقــل الحقيقــي لقيــادة الداخــل لكــون العمــل‬ ‫العسكري يرتكز يف الداخل‪ ،‬كما أنّ القيادة العسكرية لـ “كتائب‬ ‫القســام” الجنــاح العســكري ل ـ “حمــاس” ترتكــز داخليــا حتــى يف‬ ‫الوقــت الــذي بــرز فيــه دور نائــب رئيــس املكتــب الســيايس للحركــة‬ ‫صالــح العــاروري تحديــدا يف ســاحة لبنــان‪.‬‬

‫تباين حول إيران‬

‫وكمــا تميــز يف عملــه العســكري واألمنــي‪ ،‬واســتطاع الوصــول‬ ‫والتقدم إىل أعىل املناصب القيادية يف حركته‪ ،‬تميز أيضا بإتقانه‬ ‫للغــة العربيــة‪ ،‬وأنجــز كثــرا مــن املؤلفات والرتجمات يف املجاالت‬ ‫السياســية واألمنية‪ ،‬ومن بني أبرز أعماله‪:‬‬ ‫ترجمة كتاب “الشاباك بني األشالء”‪ ،‬وهو كتاب يتناول جهاز‬ ‫األمن الداخيل اإلسرائييل‪.‬‬ ‫ترجمــة كتــاب “األحــزاب اإلســرائيلية عــام ‪ ،”1992‬وهــو كتــاب‬ ‫يتطــرق إىل األحــزاب السياســية يف إســرائيل خــال تلــك الفــرة‪.‬‬ ‫كتــاب “حمــاس‪ :‬التجربــة والخطــأ”‪ ،‬ويتنــاول الكتــاب تجربــة‬ ‫الحركــة وتطورهــا عــى مــر الســنوات‪.‬‬ ‫كتاب “املجد”‪.‬‬ ‫باإلضافــة إىل روايــة أدبيــة بعنــوان “شــوك القرنفــل”‪ ،‬تحــي‬ ‫قصة النضال الفلســطيني منذ عام ‪ 1967‬حتى انتفاضة األقىص‬ ‫عــام ‪.2000‬‬ ‫واتســمت مؤلفــات الرجــل باألســلوب الســيايس والتحليــي‪،‬‬ ‫وعكــس مــن خاللهــا رؤيتــه وتجار بــه يف الشــؤون السيا ســية‬ ‫واألمنيــة والعســكرية‪.‬‬ ‫ويف إحــدى املقــاالت التــي ر ـكـزت عــى شــخصيته‪ ،‬قالــت صحيفــة‬ ‫“يديعوت أحرونوت” اإلسرائيلية‪ ،‬إنه سيكون حلقة وصل قوية‬ ‫بني جناحي الحركة العسكري والسيايس‪ ،‬نظرا ملا يتمتع به من‬ ‫خربة أمنية ومهارات عسكرية‪ ،‬وهو ما استطاع تحقيقه بالفعل‪،‬‬ ‫بحسب ما يقول مراقبون وخرباء يف السياسة‪.‬‬ ‫ويف مقــال آخــر‪ ،‬وصفتــه الصحيفــة ذاتهــا‪ ،‬بأنــه “وزيــر د ـفـاع”‬ ‫حركــة حمــاس‪ ،‬وأشــارت إىل أنــه هــو مــن يتــوىل فعليــا إدارة حكم‬ ‫قطاع غزة‪ ،‬عىل الرغم من تويل “إسماعيل هنية” منصب رئيس‬ ‫املكتب السيايس لـ “حماس”‪ ،‬بعدما كان يشغل منصب السنوار‬ ‫الحايل‪ ،‬رئيس الحركة‪.‬‬ ‫خالل سنوات عملها التنظيمي‪ ،‬كان الثقل التنظيمي للحركة‬ ‫يعود لقيادة الداخل‪ ،‬وباألخص قيادة قطاع غزة‪ ،‬إال أنّ القيادة‬

‫تعود جذور‬ ‫عائلة يحيى‬ ‫السنوار إىل‬ ‫مدينة املجدل‬ ‫(عسقالن‬ ‫التاريخية)‪،‬‬ ‫والتي تقع‬ ‫شمال شرقي‬ ‫قطاع غزة‪،‬‬ ‫واحتلتها‬ ‫إسرائيل عام‬ ‫‪ 1948‬حني‬ ‫احتلت أكرث من‬ ‫ثلثي فلسطني‬ ‫التاريخية‪،‬‬ ‫وعرفت‬ ‫فلسطينيا‬ ‫بـ“النكبة”‪،‬‬ ‫لتغري إسرائيل‬ ‫اسم املدينة‬ ‫فيما بعد‬ ‫إىل “أشكلون”‬

‫التباين يف اآلراء بني قيادة الداخل والخارج‪ ،‬برز أيضا من خالل‬ ‫عالقــة حركــة “حمــاس” مــع الحليــف األكــر واألقــوى يف املنطقة‪،‬‬ ‫إيــران‪ ،‬حيــث بــدأت العالقــة بينهمــا يف بدايــة تســعينات الق ــرن‬ ‫املــايض‪ ،‬وبعــد تأســيس الحركــة بســنوات مع ــدودة‪ ،‬واســتمرت‬ ‫العالقــة يف تطــور مــن خــال تقديــم إيــران الدعــم املايل والســيايس‬ ‫والعســكري ل ـ “حمــاس” خــال ســنوات االنتفاضــة الفلســطينية‬ ‫الثانيــة‪ .‬إال أن هــذا التطــور يف العالقــة‪ ،‬وصــل إىل أوجّ ــه بعــد فــوز‬ ‫“حماس” بانتخابات املجلس التشريعي عام ‪ ،2006‬وسيطرتها‬ ‫طـاع غــزة عــام ‪.2007‬‬ ‫عــى الحكــم بق ـ‬ ‫كانــت إيــران‪ -‬ومــا زالــت‪ -‬تــرى يف دعمهــا لفصائــل فلســطينية‬ ‫م ـ ــن خ ـ ــال دع ـ ــم “حمــاس” مــادة تناف ـ ــسية دس ـم ــة داخليـ ــا‪،‬‬ ‫فيمــا تــرى الحركــة أنــه ال بديــل عــن الدعــم اإليــراين‪ ،‬يف املجــال‬ ‫العســكري والســيايس‪.‬‬ ‫وتراجعت العالقة بني الطرفني خالل فرتة “الربيع العربي”‬ ‫عندما وصل األمر إىل دمشــق‪ ،‬حينها كانت ســوريا الدولة التي‬ ‫تقيم فيها قيادة “حماس” بالخارج‪ ،‬ويحتضنها النظام السوري‪،‬‬ ‫إال أن إعالن الحركة وعىل لسان رئيس الحركة يف حينها إسماعيل‬ ‫هنيــة أن الحركــة تقــف مــع الشــعوب‪ ،‬تو ـتـرت العالقــة مــع إيــران‬ ‫التــي تدعــم النظــام الســوري بــكل الوســائل املتاحــة‪ ،‬حتــى وصــل‬ ‫األمر حينها التهام “حماس” بـ “الخيانة”‪.‬‬ ‫عــادت إيــران لتقديــم الدعــم‪ ،‬وبالتحديــد للقيــادة العســكرية‬ ‫لـ “حماس”‪ ،‬عندما شنت إسرائيل عملياتها ضد غزة عام ‪،2012‬‬ ‫وبعــد عــام واحــد مــن عقــد صفقــة شــاليط‪ ،‬التــي تحــرر خاللهــا‬ ‫يحيى الســنوار‪ ،‬وتعاظمت العالقة بني الطرفني‪ ،‬بعدما تســلم‬ ‫هنيــة رئاســة املكتــب الســيايس للحركــة‪ ،‬وتعــددت زياراتــه إليــران‬ ‫بهــدف إعــادة العالقــات وتوثيقهــا‪ ،‬إال أن القيــادة اإليرانيــة ورغــم‬ ‫تقديمهــا الدعــم الســيايس‪ ،‬اســتمرت بتمييــز دعمهــا العســكري‬ ‫بشكل أكرب‪.‬‬ ‫لـ “حماس”‬ ‫ٍ‬ ‫ولعــل آخــر مثــال عــن الفــرق يف العالقــة‪ ،‬بــرز يف االنتقــادات‬ ‫التي وجهها مشعل‪ ،‬مسؤول الخارج سابقا‪ ،‬إىل إيران و“حزب‬ ‫حـرب غــزة‪،‬‬ ‫اللــه” لعــدم فتــح جبهــة جنــوب لبنــان بالتــوازي مــع ـ‬ ‫حـزب اللــه” بانتقــاد مشــعل ومــدح الســنوار‬ ‫ثــم قيــام موالــن ل ـ “ ـ‬ ‫وقيــادة “القســام”‪.‬‬


‫بروفايل‬

‫والتحــق بالجامعــة اإلســامية يف غــزة‪ ،‬لدراســة اللغــة العربيــة‪.‬‬ ‫وخالل الدراسة الجامعية‪ ،‬التحق بـ “الكتلة اإلسالمية”‪ ،‬حتى‬ ‫ترأســها‪ ،‬وكانــت “الكتلة”هــي الفــرع الطالبــي لجماعــة “اإلخــوان‬ ‫املســلمني” يف فلســطني‪ ،‬لتكــون تلــك الفــرة والتجربــة‪ ،‬الحلقــة‬ ‫املحورية يف حياته والتي ساعدته ألداء أدوار قيادية توالها الحقا‬ ‫يف “حماس”‪ ،‬مع العلم أنه لم يكن من القيادة التأسيسية األوىل‬ ‫جـزءا مــن قيــادة “حمــاس”‪ ،‬وكانــت لــه‬ ‫للحركــة‪ ،‬إال أنــه أصبــح ـ‬ ‫مساهمات هامة يف إقرار التوجيهات واألسس للمقاومة اإلسالمية‬ ‫عىل مدار السنوات التالية للمرحلة الجامعية يف حياته‪.‬‬ ‫ويف بدايــة الثمانينــات‪ ،‬بــدأ الســنوار نشــاطه الســيايس ليكــون‬ ‫واحدا من رواد القيادة الفلســطينية يف مختلف أشــكال وأعمال‬ ‫مقاومــة االحتــال‪ ،‬خاصــة أنــه كان مؤمنــا بضــرورة القضــاء عــى‬ ‫جميع أدواته تمهيدا لهزيمته‪ ،‬مُركزا عىل عمالء وأعوان االحتالل‬ ‫الــذي كان يتســلل للنســيج الفلســطيني‪ ،‬فيمــا كان يــراه الســنوار‬ ‫أخطــر وأبــرز أدوات االحتــال التــي يجــب القضاء عليها‪.‬‬

‫المجلة‬

‫‪1962‬‬

‫ولد يحيى السنوار‬ ‫في مخيم خان يونس‬

‫‪1982‬‬

‫اعتقل السنوار ألول‬ ‫مرة من قبل إسرائيل‬

‫‪23‬‬

‫عاما قضاها السنوار‬ ‫وبشكل متواصل‬ ‫في السجون‬ ‫اإلسرائيلية‪ ،‬منها‬ ‫أربع سنوات‬ ‫في زنزانة انفرادية‬

‫“المجد” يالحق العمالء‬

‫وبحسب مقربني من السنوار يف تلك املرحلة‪ ،‬وتمهيدا لتحقيق‬ ‫الهدف الذي سيطر عىل تفكريه‪ ،‬اقرتح عىل الشيخ أحمد ياسني‪،‬‬ ‫أحــد أبــرز مؤســي “حمــاس”‪ ،‬بعــض األفــكار التــي تهــدف إىل‬ ‫تعزيــز الجانــب األمنــي للمقاومــة واملقاومــن‪ ،‬أبرزهــا‪ ،‬تأســيس‬ ‫جهــاز األمــن والدعــوة‪ ،‬سُ ــمي “املجــد”‪ ،‬حيــث قاده مع فريق من‬ ‫الكــوادر األمنيــة تتبــع مــن خاللــه عمالء تعاونوا مع إســرائيل ضد‬ ‫املقاومة الفلســطينية‪.‬‬ ‫وبتأسيســه ل ـ “املجــد”‪ ،‬وضــع النــواة األوىل والتــي تطــور مــن‬ ‫خاللهــا النظــام األمنــي الداخــي لحركــة “حماس”‪ .‬وبالتوازي مع‬ ‫التحقيق مع عمالء إســرائيل‪ ،‬أُضيف للجهاز مهمة تتبع ُ‬ ‫ضباط‬ ‫املخابــرات وأجهــزة األمــن اإلســرائيلية‪.‬‬ ‫مع تزايد نشاطه األمني والسيايس‪ ،‬والدور املهم الذي لعبه‬ ‫يف تلك امللفات مع “حماس”‪ ،‬تعرض لكثري من عمليات االعتقال‬ ‫من قبل إسرائيل‪ ،‬كانت أوالها عام ‪ 1982‬حيث استمرت أليام‪،‬‬ ‫ومن ثم اعتقل للمرة الثانية يف العام ذاته‪ ،‬وحُ كم عليه بالسجن‬ ‫‪ 6‬أشهر بعد استمرار نشاطاته ضد اسرائيل‪.‬‬ ‫كما اعتقل عام ‪ ،1985‬مرة ثالثة‪ ،‬ويف تلك املرة قىض ثمانية‬ ‫أشــهر بتهمــة تأســيس جهــاز األمــن الخــاص بحركــة “حمــاس”‪،‬‬ ‫طـاع غــزة خــال تلــك الســنوات‪ ،‬أي مــا‬ ‫والــذي تركــز عملــه يف ق ـ‬ ‫قبــل إعــان انطالقــة “حمــاس” الفعليــة عــام ‪ ،1987‬وهــو ذات‬ ‫العــام الــذي اعتقــل فيــه للمــرة الرابعــة‪ ،‬لكــن‪ ،‬ه ــذه املــرة حُ كــم‬ ‫عليه بالســجن املؤبد بتهمة تأســيس الجهاز األمني واملشــاركة يف‬ ‫تأســيس الجهــاز العســكري األول للحركــة‪.‬‬

‫سجون‪ ...‬وانفرادية‬

‫وبشكل متواصل يف السجون اإلسرائيلية‪،‬‬ ‫قىض السنوار ‪ 23‬عاما‬ ‫ٍ‬ ‫منهــا أربــع ســنوات يف زنزانــة انفراديــة‪ ،‬وخــال فــرة اعتقاله‪ ،‬لم‬ ‫يمنعــه ذلــك مــن تــويل املناصــب القياديــة يف الحركــة‪ ،‬حيــث تــوىل‬ ‫قيــادة الهيئــة العليــا ألســرى “حمــاس” يف الســجون‪ ،‬وشــارك يف‬ ‫سلسلة من اإلضرابات عن الطعام‪ ،‬والتي كان يخوضها األسرى‬ ‫طلبــا لتحســن ظــروف أســرهم‪ ،‬ومــن تلــك اإلضرابــات‪ ،‬إضرابات‬ ‫أعوام ‪.2004 ،2000 ،1996 ،1992‬‬

‫كما تميز‬ ‫السنوار يف‬ ‫عمله العسكري‬ ‫واألمني‪،‬‬ ‫واستطاع‬ ‫الوصول‬ ‫والتقدم إىل‬ ‫أعىل املناصب‬ ‫القيادية يف‬ ‫حركته‪ ،‬تميز‬ ‫أيضا بإتقانه‬ ‫للغة العربية‪،‬‬ ‫وكتب كثريا‬ ‫من املؤلفات‬ ‫والرتجمات‬ ‫يف املجاالت‬ ‫السياسية‬ ‫واألمنية‬

‫‪48‬‬

‫صمــد القيــادي يف “حمــاس” خــال ســنوات األســر‪ ،‬وطــور‬ ‫قدراته األمنية من خالل استمرار ممارسة عمله الذي برع فيه‪،‬‬ ‫أي التحقيق مع العمالء حتى داخل السجون اإلسرائيلية‪ ،‬حتى‬ ‫أُطلــق ســراحه عــام ‪ 2011‬ضمــن صفقــة “وفــاء األحــرار”‪.‬‬ ‫وقالــت وســائل إعــام فلســطينية ع ــدة يف وقــت ســابق‪ ،‬إن‬ ‫شقيقه (محمد السنوار) القيادي يف “كتائب القسام”‪ ،‬كان أحد‬ ‫مهنــديس “صفقــة شــاليط” مــع القيــادي محمــد الجعــري‪ ،‬قبــل‬ ‫أن تغتالــه إســرائيل عــام ‪.2012‬‬ ‫وبعد اإلفراج عن يحيى السنوار من األسر اإلسرائييل‪ ،‬شارك‬ ‫يف انتخابات “حماس” الداخلية عام ‪ ،2012‬وفاز بعضوية املكتب‬ ‫السيايس للحركة‪ ،‬كما توىل مسؤولية الجهاز العسكري لـ “كتائب‬ ‫القســام” خالل تلك الفرتة‪ ،‬وذلك تقديرا لخرباته وحنكته التي‬ ‫كان يتمتع بها واكتسبها مع مرور الزمن وخالل سنوات األسر‪.‬‬ ‫اســتمر يف عملــه ونشــاطه‪ ،‬حتــى زادت شــعبية الرجــل بــن‬ ‫أوســاط الحركة‪ ،‬ليُنتخب عام ‪ 2017‬رئيســا لحركة “حماس” يف‬ ‫قطاع غزة‪ .‬وقالت صحيفة “الغارديان” يف تلك الفرتة‪ ،‬يف مقال‬ ‫نشرته‪ ،‬إن وصول السنوار إىل ذلك املنصب‪ ،‬كان الخطوة الهامة‬ ‫إلعادة تعريف سياســة حركته‪.‬‬ ‫يف مايو‪/‬أيار ‪ ،2021‬أعلنت “حماس” انتخاب يحيى الســنوار‬ ‫رئيسا للحركة يف قطاع غزة‪ ،‬وللمرة الثانية‪ ،‬بعد منافسة شديدة‬ ‫طـرت الحركــة عــى أثرها إعادة‬ ‫مــع القيــادي نــزار عــوض اللــه‪ ،‬اض ـ‬ ‫جولــة االنتخابــات ع ــدة مــرات قبــل أن يحســم الســنوار النتيجــة‪.‬‬ ‫يف تلك املرحلة وخالل جوالت اإلعادة‪ ،‬انتشر الكثري من التكهنات‬ ‫واالدعاءات التي قالت إن انشقاقا داخليا يف الحركة قد يحدث‬ ‫بعدما لم تحسم نتائج االنتخابات األمر‪ ،‬إال أنه ويف نهاية املطاف‪،‬‬ ‫وبعد زيارة السنوار ومجموعة من قيادات الحركة لعوض الله‬ ‫يف منزلــه بغــزة‪ ،‬خرجــت الحركــة معلنــة حســم النتيجــة لصالــح‬ ‫الســنوار الــذي يعتقــد أنّ األمــر جــاء بعــد نقاشــات وتــداوالت بــن‬ ‫قيــادة الحركــة‪ ،‬األمــر الــذي نفتــه “حمــاس”‪ ،‬وقالــت إنّ النتيجــة‬ ‫كانــت بعــد جولــة إعــادة لالنتخابــات وأنّ االنتخابــات هــي التــي‬ ‫حسمت األمر‪.‬‬

‫على قوائم اإلرهاب‬

‫كان الســنوار يف الســابق يعمــل عــى تطويــر مكانتــه وعالقاتــه بــن‬ ‫أبناء الحركة وقياداتها‪ ،‬وعرف سابقا بأنه القيادي الذي يعرف‬ ‫كيــف يحســم األمــور بحنكتــه وخرباتــه وقدرتــه عــى فــرض الــرأي‬ ‫كشــخصية تحظــى باهتمــام مــن أبنــاء وقيــادات الحركة‪ ،‬ويُعمل‬ ‫لها حساب‪ .‬ويستمر السنوار حتى عام ‪ 2025‬يف رئاسته للحركة‬ ‫خــال ال ــدورة الحاليــة‪ ،‬حيــث تجــرى االنتخابــات كل ‪ 4‬ســنوات‪.‬‬ ‫وحاولــت الواليــات املتح ــدة ممارســة الضغــوط عــى الســنوار‬ ‫مــن خــال تصنيفــه ضمــن ثــاث شــخصيات إرهابيــة تنتمــي‬ ‫ل ـ “حمــاس”‪ ،‬هــم‪“ :‬يحيــى الســنوار‪ ،‬ومحمــد الضيــف‪ ،‬وروحــي‬ ‫مشــتهى”‪ ،‬لتوضــع أســماؤهم عــى قائمــة الشــخصيات اإلرهابية‬ ‫الدوليــة‪ ،‬فيمــا وضعــت إســرائيل الســنوار عــى قائمــة املطلوبــن‬ ‫طـاع غــزة‪.‬‬ ‫للتصفيــة يف ق ـ‬ ‫ودمرت إسرائيل منزل السنوار عام ‪ ،1989‬وذلك خالل عامه‬ ‫األول يف األسر‪ ،‬فيما قصفت منزله بالطائرات الحربية مرة أخرى‬ ‫عــام ‪ ،2014‬يف محاولــة الغتيالــه خــال الع ــدوان الشــرس الــذي‬ ‫شنته عىل قطاع غزة‪ ،‬والذي امتد ‪ 51‬يوما‪.‬‬


‫‪47‬‬

‫المجلة‬

‫التباين يف اآلراء بني قيادة الداخل والخارج برز أيضا من خالل عالقة حركة “حماس” مع الحليف‬ ‫األكرب واألقوى يف املنطقة‪ ،‬إيران‪ ،‬حيث بدأت العالقة بينهما يف بداية تسعينات القرن املايض‬ ‫غزة ‪ -‬سالم الريس رسوم ‪ -‬اندريه كوجوكارو‬

‫ربما لم تكن إسرائيل تتوقع عندما وافقت وأتمت عملية تبادل‬ ‫أســرى فلســطينيني بوســاطة مصريــة‪ُ ،‬عرفــت بصفقــة شــاليط أو‬ ‫صفقــة “وفــاء األحــرار” مقابــل الجنــدي اإلســرائييل األســر لــدى‬ ‫“حمــاس” جلعــاد شــاليط‪ ،‬يف أكتوبر‪/‬تشــرين األول ‪ ،2011‬لــم‬ ‫تكــن تعــرف أنهــا ســتفرج عــن واحــد مــن أســرى الحركــة الــذي‬ ‫ســيصبح خــال ســنوات رئيــس “حمــاس” وحليفــا ســنيا رئيســا‬ ‫ل ـ “محــور املمانعــة” الشــيعي اإليــراين يف غــزة‪ ،‬وســيكون العقــل‬ ‫املدبــر لهجــوم ‪ 7‬أكتوبر‪/‬تشــرين األول ‪.2023‬‬ ‫وأطلقــت تــل أبيــب ســراح يحيــى الســنوار‪ ،‬يف ‪ 18‬أكتوبــر‪/‬‬ ‫تشــرين األول ‪ ،2011‬كواحــد مــن ‪ 1027‬أســرا وأســرة‪ ،‬أفرجــت‬ ‫عنهم مقابل إطالق سراح شاليط الذي أسرته “كتائب القسام”‬ ‫الجناح العسكري لحركة “حماس” و“ألوية الناصر صالح الدين”‬ ‫التابعة لـ “لجان املقاومة الشعبية”‪ ،‬و“جيش اإلسالم”‪ ،‬يف عملية‬ ‫عســكرية متقدمــة ُتعــرف باســم “الوهــم املتبــدد” عــام ‪ 2006‬عــى‬ ‫الح ــدود الجنوبيــة الشــرقية لقطاع غزة‪.‬‬

‫أكبر العمليات‬

‫وتعــد تلــك العمليــة مــن أكــر العمليــات التــي نفذتهــا الفصائــل‬ ‫الفلســطينية تعقيــدا منــذ ب ــدء انتفاضــة األقــى الثانيــة والتــي‬ ‫انطلقت عام ‪ ،2000‬حيث استطاعت “كتائب القسام” الحفاظ‬ ‫عىل الجندي شــاليط عىل قيد الحياة ل ــخمس ســنوات‪ ،‬وبشــكل‬ ‫سري‪ ،‬فيما فشلت أجهزة االستخبارات اإلسرائيلية يف الوصول‬ ‫إىل مكانه‪ ،‬حتى خالل العملية العســكرية الشرســة التي شــنتها‬

‫كان السنوار‬ ‫مؤمنا بضرورة‬ ‫القضاء عىل‬ ‫جميع أدوات‬ ‫االحتالل تمهيدا‬ ‫لهزيمته‪،‬‬ ‫مُركزا عىل‬ ‫عمالء وأعوان‬ ‫االحتالل الذي‬ ‫كان يتسلل‬ ‫للنسيج‬ ‫الفلسطيني‪،‬‬ ‫فيما كان يراه‬ ‫السنوار أخطر‬ ‫وأبرز أدوات‬ ‫االحتالل التي‬ ‫يجب القضاء‬ ‫عليها‬

‫إســرائيل بــن عامــي ‪ 2008‬و‪ 2009‬ومل ــدة ‪ 21‬يومــا‪ ،‬معتق ــدة أنهــا‬ ‫كانــت ســتتمكن مــن فــك أســر شــاليط‪.‬‬ ‫طـرت إســرائيل‬ ‫وبعــد عامــن مــن العمليــة العســكرية‪ ،‬اض ـ‬ ‫إىل الجلــوس واالنص ـيـاع للحــل التفــاويض‪ ،‬حتــى دفعــت مقابــل‬ ‫شــاليط ثمنا باهظا كان أحدها‪ ،‬حرية رئيس “حماس” الحايل‪،‬‬ ‫يحيــى الســنوار‪.‬‬

‫من يحيى السنوار؟‬

‫تعود جذور عائلة يحيى الســنوار إىل مدينة املجدل (عســقالن)‪،‬‬ ‫والتي تقع شمال شرقي قطاع غزة‪ ،‬واحتلتها إسرائيل عام ‪1948‬‬ ‫حني احتلت أكرث من ثلثي فلسطني التاريخية‪ ،‬وعرفت فلسطينيا‬ ‫بـ“النكبة”‪ ،‬لتغري إسرائيل اسم املدينة فيما بعد إىل “أشكلون”‪.‬‬ ‫وبســبب النكبــة واالحتــال‪ ،‬نزحــت العائلــة إىل مخيــم خــان‬ ‫يونس لالجئني‪ ،‬حيث ولد الســنوار عام ‪ 1962‬يف املخيم‪ ،‬ونشــأ‬ ‫يف ظــروف صعبــة ومعانــاة بســبب الفقــر وقســوة حيــاة املخيــم‪،‬‬ ‫خاصــة بعدمــا أكملــت إســرائيل احتاللهــا للضفــة الغربية وقطاع‬ ‫غــزة– أي كامــل فلســطني‪ -‬عــام ‪ ،1967‬األمــر الــذي فاقــم مــن‬ ‫ضـاع االقتصاديــة للفلســطينيني بعــد فــرض منــع التجــوال‬ ‫األو ـ‬ ‫وتكثيــف اعتــداءات جنودهــا‪.‬‬ ‫الســنوار‪ ،‬تأ ثــر خــال مرحلــة الطفو لــة بتلــك االعتــداءات‬ ‫اإلسرائيلية عىل أهايل املخيمات والتي كان أحد أطفالها‪ ،‬لتكون‬ ‫سببا لبداية تشكيل وعيه السيايس والعسكري يف مراحله العمرية‬ ‫الالحقــة‪ ،‬حتــى أنهــى دراســته االبتدائيــة واإلعداديــة والثانويــة‪،‬‬

‫قصة الغالف‬

‫يحيى السنوار‪...‬‬ ‫“صائد الجواسيس”‬ ‫وحليف إيران يف غزة‬

‫بروفايل‬



‫‪45‬‬

‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫واالســتيطان‪ ،‬والعالقــة االقتصاديــة بــن الدولتــن‪.‬‬ ‫الجانب الفلسطيني قدم التزامه وكان الدكتور‬ ‫سالم فياض قد قدم خارطة طريق علمية ومهنية‬ ‫لكيفيــة االنتقــال إىل الدولــة الفلســطينية إال أن‬ ‫سـرائييل عر قــل كل محاو لــة إلن ـهـاء‬ ‫الطــرف اإل ـ‬ ‫االحتــال‪ ،‬بــل منــذ إعــان املبــادئ املســمى شــعبيا‬ ‫اتفاق أوسلو قامت إسرائيل بمضاعفة املستوطنات‬ ‫شـرعية ثــاث ـمـرات‪.‬‬ ‫غــر ال ـ‬

‫الجا نــب الفلســطيني ضغــط عــى الجمعيــة‬ ‫العامــة لال ـعـراف بالدولــة الفلســطينية‪ ،‬كدولــة‬ ‫مراقبــة غــر عضــو يف األمــم املتحــدة عــام ‪،2012‬‬ ‫وقــد اعــرف بهــا ‪ 138‬دولــة منــذ ذلــك التاريــخ إال أن‬ ‫الدول الغربية (باستثناء السويد) ترتدد يف االعرتاف‬ ‫بالدولة الفلسطينية‪ ،‬والواليات املتحدة مصرة عىل‬ ‫اســتخدام الفيتــو يف مجلــس األمــن الــدويل يف حــال‬ ‫تمت املطالبة باالعرتاف بفلسطني كعضو كامل يف‬ ‫األمــم املتحــدة عــى حــدود ‪ 4‬يونيو‪/‬حز ـيـران ‪.1967‬‬ ‫ت ـقـول أورو بــا إنهــا تفضــل اال ـعـراف بصــورة‬ ‫جماعيــة وليــس بصــورة فرديــة‪ ،‬رغــم رغبــة أســبانيا‬ ‫وأيرلنــدا واليونــان يف ذلــك‪ ،‬ورغــم صــدور ـقـرارات‬ ‫ملعظم الدول األوروبية واململكة املتحدة تحث عىل‬ ‫اال ـعـراف بفلســطني‪.‬‬ ‫القيادة الفلسطينية حاولت تجاوز االعرتاضات‬ ‫بالتقدم بفكرة جديدة تنص عىل قيام مجلس األمن‬ ‫الــدويل باال ـعـراف بفلســطني كدولــة مســتقلة حتــى‬ ‫لــو تحــت االحتــال‪ ،‬مــع الطلــب مــن ممثــي دولــة‬ ‫حـول‬ ‫سـرائيل بالتفــاوض ـ‬ ‫فلســطني وممثــي دولــة إ ـ‬ ‫كيفيــة حــل ال ـنـزاع الحــدودي و ـغـره بــن الدولتــن‪.‬‬ ‫يتفق املحللون السياسيون عىل أن حل القضية‬

‫الفلسطينية لن يتم إال من خالل طريقني ال ثالث‬ ‫لهمــا؛ إمــا الحقــوق املتســاوية لكافــة القاطنــن يف‬ ‫األرايض بــن نهــر األردن والبحــر األبيــض املتوســط‬ ‫أي التشارك يف الحكم‪ ،‬وإما قيام دولة فلسطينية‬ ‫سـرائيل‪.‬‬ ‫مســتقلة بجانــب دولــة إ ـ‬ ‫من الواضح أن إسرائيل التي تعتمد حكومتها‬ ‫عىل عقيدة متطرفة تصر عىل أنها دولة الشــعب‬ ‫اليهودي لن تقبل أن يشارك اليهود اإلسرائيليون‬ ‫الشــعب العر بــي الفلســطيني يف الحكــم ضمــن‬ ‫دولــة واحــدة‪ .‬إذن الحــل املنطقــي املتبقــي والقابــل‬ ‫للتنفيــذ هــو قيــام دولــة فلســطينية مســتقلة عــى‬ ‫األرض الفلســطينية والتفــاوض عــى أي نقــاط‬ ‫خالف بني الطرفني وبمســاندة دولية عىل أســس‬ ‫شـرعية الدوليــة‪.‬‬ ‫ال ـ‬ ‫إن كل إنســان عاقــل لديــه ضمــر اليــوم يطالــب‬ ‫سـرائييل ووقــف إلطــاق‬ ‫بوقــف فــوري للعــدوان اإل ـ‬ ‫النــار‪ .‬وفــور التوصــل إىل مثــل هــذا االتفــاق يجــب أن‬ ‫يجمع العالم عىل إجبار إسرائيل عىل إنهاء االحتالل‬ ‫الغاشــم الــذي اســتمر ‪ 56‬عامــا والعمــل عــى إيجــاد‬ ‫حــل مق ـبـول لالجئــن الفلســطينيني وقيــام دولــة‬ ‫فلســطينية مســتقلة‪.‬‬

‫القومي الديني اإلسرائييل املعلن هو املحو والطرد‪.‬‬ ‫عمليــا يحــدث تغيــر عرقــي يف القدس واألغوار‬ ‫ومناطق يف الخليل‪ ،‬ويتم وضع منظومة قوانني‬ ‫عنصريــة تشــطب الحقــوق الوطنيــة الفلســطينية‬ ‫يف أرايض فلســطني االنتدابيــة‪ .‬ومــا يحــدث اآلن يف‬ ‫طـاع غــزة مــن تهجــر ألكــر من مليون فلســطيني‬ ‫ق ـ‬ ‫من شمال القطاع إىل جنوبه‪ ،‬بالرتافق مع تدمري‬ ‫البنيــة التحتيــة وقتــل اآلالف‪ ،‬ومفاوضــات معلنــة‬ ‫طـاع‬ ‫وغــر معلنــة لطــرد معظــم املواطنــن مــن ق ـ‬ ‫غــزة إىل خار جــه‪ ،‬يحتمــل تحقيــق مســتوى مــن‬ ‫مشــروع الرتانســفري‪.‬‬ ‫و مــن املنطقــي‪ ،‬وا ســتنادا للوا قــع واأل هــداف‬ ‫املتناقضة‪ ،‬أن يكون الهدف الفلسطيني بناء كيان‬ ‫وطني شرعي ومعرتف به عامليا يضع األساس للبقاء‬ ‫والتطور من جهة‪ ،‬ويدافع عن الحقوق الفلسطينية‬ ‫يف العــودة وتقريــر املصــر‪ ،‬وعــن الحقــوق املدنيــة‬ ‫واإلنســانية للفلســطينيني يف كل مكان‪.‬‬ ‫لـ ـقـ ــد انت ـ ــزعت ال ـحـ ــرك ـ ــة الف ـل ــسط ــيني ـ ــة ال ـح ـ ــق‬ ‫الفلس ـ ـ ــطيني فـ ــي تـ ـق ــرير الـ ـمــصيـ ــر‪ ،‬وتأييـ ـ ــدا دولي ــا‬ ‫للحقوق املشروعة املعرفة يف قرارات األمم املتحدة‬ ‫واملنظمــات التابعــة لها‪.‬‬ ‫ويف ظل االنحياز األمرييك للسياسة اإلسرائيلية‬ ‫واملقوضة للحل السيايس‪ ،‬ويف ظل التواطؤ‬ ‫املعطِ لة‬ ‫ِ‬ ‫األوروبــي مــع االنحيــاز األمرييك‪ ،‬فإن حركة وطنية‬ ‫ديمقراطيــة مســتقلة– مفرتضــة‪ -‬معنيــة بإعــادة‬ ‫بنــاء املجتمــع الفلســطيني وتطويــر قدراته ومناعته‬ ‫مــن خــال منظومــة قوانــن‪ -‬أحــوال شــخصية‪،‬‬

‫وعقوبات‪ ،‬وقانون عمل‪ ،‬وقانون أحزاب‪ ،‬وقوانني‬ ‫ضامنــة للحريــات‪ ،‬والتبــادل الســلمي ملركــز القــرار‪-‬‬ ‫ونظــام تعليــم‪ ،‬ونظــام ضمــان اجتماعــي‪ .‬وه ــذه‬ ‫جميعــا ال تتحقــق مــرة واح ــدة‪ ،‬وال ببنيــة نظــام‬ ‫ذكــوري أبــوي عشــائري هــو الســلطة الحاليــة‪.‬‬ ‫ال تســتطيع منظمة التحرير الفلســطينية التي‬ ‫تنتمي بنيتها للنظام الشمويل املنهار تحقيق ذلك‪،‬‬ ‫وكل حديــث عــن تطويــر بنيتهــا أمامــه تحديــات‬ ‫كبــرة‪ .‬الطــرف املؤهــل لذلــك هــو دولــة فلســطينية‬ ‫معرتف بها‪ .‬وهناك اعرتاف ‪ 138‬دولة بفلســطني‬ ‫كعضــو مراقــب يف األمــم املتح ــدة‪ .‬وهنــاك حاجــة‬ ‫ما ســة إل عــادة صيا غــة مجتمــع فلســطيني عــى‬ ‫قاع ــدة النظــام والقانــون‪ ،‬وثقافــة االنفتــاح عــى‬ ‫الحدا ثــة املاد يــة والثقافيــة‪ .‬وبحا جــة إىل فكــر‬ ‫ســيايس وطنــي ديمقراطــي عقــاين يعيــد تعريــف‬ ‫الهو يــة الوطنيــة الجامعــة‪ ،‬والتحــرر الوطنــي‪،‬‬ ‫وتعريــف مــن هــو الفلســطيني ومــا هــي املصالــح‬

‫املشــركة والخاصــة بــكل تجمــع فلســطيني‪ ،‬فكــر‬ ‫يتجــاوز ثقافــة اإلقصــاء واآليديولوجيــا املتعصبــة‬ ‫واالســتخدام اإلقليمــي لفلســطني كورقــة ضغــط‬ ‫لتحســن الشــروط الخاصــة بهــذا البلــد أو ذاك‪،‬‬ ‫فكــر يعــرف املســألة اليهوديــة وحلهــا‪.‬‬ ‫أعتقد أن بقاء الشعب الفلسطيني دون مركز–‬ ‫دو لــة‪ -‬شــرعية ومعــرف بهــا‪ ،‬سَ ـيُبقي الشــعب‬ ‫عرضــة ملزيــد مــن التفــكك واإلقصــاء واالســتخدام‬ ‫والتحــوالت الرجعيــة‪.‬‬ ‫مقا بــل ذ لــك‪ ،‬فــإن ا ســتمرار احتــال أرايض‬ ‫ال ــ‪ 67‬أعــاد صياغــة املجتمــع اإلســرائييل يف قالــب‬ ‫دينــي قومــي عنصــري شــديد التطــرف‪ ،‬تجس ــده‬ ‫راهنا حكومة (نتنياهو وبن غفري وســموتريش)‪ .‬ال‬ ‫يمكــن لالحتــال وتحوالتــه أن يرتاجعــا دون دولــة‬ ‫فلسطينية‪ ،‬والعكس صحيح‪ .‬وهي عملية صعبة‬ ‫ومعقدة ومتداخلة لكنها الخيار الواقعي العقالين‬ ‫يف املــدى املباشــر واملتوســط‪.‬‬ ‫إن تراجعــا إســرائيليا عــن االحتــال ينطــوي عــى‬ ‫تراجــع املعســكر القومــي الدينــي وتأهيــل املجتمــع‬ ‫اإلسرائييل‪ ،‬وبناء وإقامة دولة فلسطينية تنطوي‬ ‫عــى إعــادة بنــاء مقومــات املجتمــع الفلســطيني–‬ ‫تشكيلة اقتصادية اجتماعية مفتوحة عىل التطور–‬ ‫وتأهيل املجتمع الفلسطيني‪ .‬لن تكون هذه خاتمة‬ ‫الصراع الفلسطيني اإلسرائييل‪ ،‬بل ستكون بداية‬ ‫البحــث يف حــل دولــة ديمقراطيــة ثنائيــة القوميــة‪.‬‬ ‫دون كولونياليــة وعنصريــة‪ ،‬ودون إعــادة اليهــود‬ ‫إىل البلــدان التــي هاجــروا منهــا‪.‬‬

‫يتفق املحللون السياسيون عىل‬ ‫أن حل القضية الفلسطينية لن‬ ‫يتم إال من خالل طريقني ال ثالث‬ ‫لهما؛ إما الحقوق املتساوية‬ ‫لكافة القاطنني يف األرايض‬ ‫بني نهر األردن والبحر األبيض‬ ‫املتوسط أي التشارك يف الحكم‪،‬‬ ‫وإما قيام دولة فلسطينية‬ ‫مستقلة بجانب دولة إسرائيل‬

‫بقاء الشعب الفلسطيني دون‬ ‫مركز– دولة‪ -‬شرعية ومعرتف‬ ‫بها‪َ ،‬سيُبقي الشعب عرضة‬ ‫ملزيد من التفكك واإلقصاء‬ ‫واالستخدام والتحوالت الرجعية‬


‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫رأي ورأي‬

‫الدولــة الفلســطينية‬ ‫املســتقلة مفتــاح الحــل‬ ‫داود ُك ّتاب‬ ‫صحايف فلسطيني‪ .‬مدير شبكة‬ ‫اإلعالم املجتمعي‬

‫نحــو دولــة ثنائيــة القوميــة‬ ‫مهند عبدالحميد‬ ‫صحايف وكاتب فلسطيني‬

‫رسم ‪ -‬بول رايدنغ‬

‫عىل هاتني الصفحتني‬ ‫يتواجه رأيان يعرب كل‬ ‫منهما عن وجهة نظر‬ ‫يف قضية راهنة‪ .‬يذهب‬ ‫صاحبا الرأيني إىل ما‬ ‫ُيعترب أساس التباين‬ ‫أو الخالف بني طريف‬ ‫القضية املطروحة‪،‬‬ ‫ويعلنان األسباب من‬ ‫دون تجميل أو تذويق‪،‬‬ ‫ومن دون مبالغة أو‬ ‫تجريح يف الوقت ذاته‬

‫‪44‬‬

‫حـاء العالــم عــى‬ ‫يركــز محبــو الســام يف كافــة أن ـ‬ ‫سـرائييل عــى‬ ‫املطالبــة الفوريــة بوقــف العــدوان اإل ـ‬ ‫ـغـزة مــن خــال ـقـرار م ـلـزم بوقــف إطــاق النــار‪ .‬ومــع‬ ‫األهميــة القصــوى لوقــف ســفك الد ـمـاء والدمــار‬ ‫والقمع لشعب مظلوم يعيش بعد تشرد دام ‪75‬‬ ‫طـاع ـغـزة‬ ‫عامــا واحتــال مســتمر لـ ‪ 56‬عامــا‪ ،‬ويف ق ـ‬ ‫حصــار مســتمر لـ ‪ 16‬عامــا‪ ،‬هنــاك حاجــة إىل تفكــر‬ ‫مــا بعــد وقــف إطــاق النــار‪.‬‬ ‫لقد جاء “طوفان األقىص” بسبب القهر وانسداد‬ ‫أي أفــق لحــل ســلمي مبنــي عــى التفــاوض إلن ـهـاء‬ ‫االحتالل‪ .‬ورغم مرور حوايل عشر سنوات عىل آخر‬ ‫لقاء مفاوضات وجاهي‪ ،‬فإن الشعب الفلسطيني‬ ‫ال يزال تواقا لحل دائم وشامل يستطيع من خالله‬ ‫العيش الحر والكريم‪.‬‬ ‫يقول الساسة يف كافة أرجاء العالم إن املطلوب‬ ‫هــو حــل الدولتــن‪ ،‬عــى أســاس أن ذلــك ســيكون‬ ‫الحل الجذري املقبول عامليا‪ .‬حسنا‪ .‬ولكن ما الذي‬ ‫يعيــق ذلــك رغــم أن اتفــاق املبــادئ الــذي و ُّقــع يف‬ ‫البيــت األبيــض عــام ‪ 1993‬وعــد ب ـفـرة انتقاليــة ال‬ ‫تتجاوز خمس سنوات يتم خاللها االتفاق عىل كافة‬ ‫األمــور؛ منهــا‪ :‬القــدس‪ ،‬والالجئــون‪ ،‬والحــدود‪،‬‬ ‫منــذ وعــد بلفــور‪ ،‬وصــك االنتــداب الربيطــاين عــى‬ ‫فلسطني الصادر عن “عصبة األمم”‪ ،‬جرى اعتماد‬ ‫مشــروع بنــاء وطــن قومــي لليهــود يف فلســطني‬ ‫يتجاهــل وجــود شــعب أصــاين‪ .‬وكانــت الرتجمــة‬ ‫العمليــة لهــذا القــرار ممارســة التهجــر العرقــي‬ ‫وطمس الهوية الفلسطينية ومحاولة إذابة الشعب‬ ‫الفلســطيني يف اإلقليــم‪.‬‬ ‫يف كل املراحل الالحقة‪ ،‬وتحديدا بعد احتالل‬ ‫طـاع‬ ‫الضفــة الغربيــة و مــن ضمنهــا القــدس وق ـ‬ ‫غــزة‪ ،‬حر صــت إ ســرائيل عــى تد مــر التشــكيلة‬ ‫االقتصاديــة االجتماعيــة الفلســطينية‪ ،‬وكبــح كل‬ ‫نمــو لهــا يعــزز وجــود كيــان وطنــي فلســطيني قابــل‬ ‫للتطور‪ ،‬بالتزامن مع استمرار إنكار وجود شعب‬ ‫فلســطيني‪ .‬وعندمــا اعــرف املجتمــع ال ــدويل بحــق‬ ‫الشعب الفلسطيني يف التحرر من االحتالل وتقرير‬ ‫مصــره بمــا يف ذلــك إقامــة دولتــه املســتقلة عــى‬ ‫األرايض الفلســطينية املحتلــة عــام ‪ ،1967‬وضعــت‬ ‫دولــة االحتــال يف مركــز اهتمامهــا تدمــر مقومــات‬ ‫تقرير املصري وأهمها إقامة دولة فلسطينة مستقلة‪.‬‬ ‫وكان السالح اإلسرائييل األقوى هو صناعة وقائع‪،‬‬ ‫كاملســتوطنات وبنيتها التحتية التي ُت َق ِّطع أوصال‬ ‫الضفة الغربية وتحولها إىل بنتوستونات وأرخبيالت‬ ‫خاضعــة لنظــام آبارتهايــد اســتعماري‪.‬‬ ‫وكان الهدف املركزي الدائم ملجلس املستوطنات‬ ‫الذي بات يضم ‪ 700‬ألف مستوطن هو منع وتدمري‬ ‫إقامــة دولــة تعــر عــن كيــان فلســطيني‪ ،‬حتــى لــو‬ ‫كانــت الدولــة مســخا‪ .‬كذلــك فــإن مشــروع اليمــن‬


‫‪43‬‬

‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫‪2023‬‬

‫‪4,900‬‬

‫اﻷﺳﺮى اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻮن ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻮن اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻴﺔ‬

‫)ﺣﺘﻰ أﺑﺮﻳﻞ‪/‬ﻧﻴﺴﺎن ‪(2023‬‬

‫‪554‬‬

‫‪237‬‬ ‫أﺳﺮى ﺗﻮﻓﻮا ﻣﻨﺬ‬ ‫ﻋﺎم ‪ 1967‬ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ‬ ‫أو اﻟﻘﺘﻞ اﻟﻌﻤﺪ ﺑﻌﺪ اﻻﻋﺘﻘﺎل‬ ‫أو اﻹﻫﻤﺎل اﻟﻄﺒﻲ‬

‫‪160‬‬

‫ً‬ ‫أﺣﻜﺎﻣﺎ‬ ‫أﺳﺮى ﻳﻘﻀﻮن‬ ‫ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ اﻟﻤﺆﺑﺪ‬

‫أﺳﺮى ﻣﻦ اﻷﻃﻔﺎل‬

‫اﻟﻌﺪد اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ‬

‫‪%49.90‬‬

‫ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻴﻬﻮد‬

‫ﺑﻤﻮﺟﺐ ّاﺗﻔﺎق أوﺳﻠﻮ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪،‬‬ ‫ﺟﺮى ﺗﻘﺴﻴﻢ ّ‬ ‫اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ‬ ‫اﻟﻀﻔﺔ‬ ‫ّ‬ ‫)ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺨﻠﻴﻞ( إﻟﻰ‬ ‫ﺛﻼث ﻣﻨﺎﻃﻖ وﻓﻖ اﻋﺘﺒﺎرات‬ ‫دﻳﻤﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﺗﺠﺎﻫﻠﺖ‬ ‫اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ‬ ‫واﻟﺴﻜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻷراﺿﻲ‬ ‫اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ‬

‫‪1995‬‬

‫‪2020‬‬

‫‪14,200,000‬‬

‫‪2023‬‬

‫ﻋﺪد اﻟﺴﻜﺎن‬

‫‪2020‬‬ ‫ﺗﻮزع اﻟﻼﺟﺌﻴﻦ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ‬

‫)دﻳﺴﻤﺒﺮ‪/‬ﻛﺎﻧﻮن اﻷول ‪(2020‬‬ ‫اﻟﻌﺪد اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ ﻟﻼﺟﺌﻴﻦ‬

‫‪ 6.4‬ﻣﻼﻳﻴﻦ‬

‫ﺑﺤﺴﺐ ﺳﺠﻼت اﻷوﻧﺮوا‬ ‫‪%100‬‬

‫غرافيك ‪ -‬ديانا استيفانيا روبيو‬

‫‪% 28.4‬‬

‫ﻣﻦ اﻟﻼﺟﺌﻴﻦ ﻳﻌﻴﺸﻮن‬ ‫رﺳﻤﻴﺎ‬ ‫ً‬ ‫ﻣﺨﻴﻤﺎ‬ ‫ً‬ ‫ﻓﻲ ‪58‬‬ ‫ً‬ ‫ﺗﺎﺑﻌﺎ ﻟﻸوﻧﺮوا‬

‫‪2022‬‬

‫‪9‬‬

‫ﺳﻮرﻳﺎ‬

‫‪12‬‬

‫ﻟﺒﻨﺎن‬

‫‪19‬‬

‫)ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻛﻞ ‪ 100‬ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻲ(‬

‫اﻟﻘﺪس‪ :‬ﻧﺤﻮ ‪ 69‬إﺳﺮاﺋﻴﻠﻴﺎ‬

‫ﻳﻘﻴﻤﻮن ﻓﻲ إﺳﺮاﺋﻴﻞ‬

‫اﻟﻀﻔﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﻧﺴﺒﺔ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻴﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ‬ ‫اﻟﻀﻔﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ‪ :‬ﻧﺤﻮ ‪ 23‬إﺳﺮاﺋﻴﻠﻴﺎ‬

‫‪7.1‬‬

‫‪8‬‬

‫‪10‬‬

‫اﻷردن‬

‫ﻣﻼﻳﻴﻦ ) ‪(%49.7‬‬

‫ﻏﺰة‬

‫‪14,300,000‬‬ ‫ﻋﺪد‬ ‫اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ‬

‫‪7.2‬‬

‫ﻣﻼﻳﻴﻦ )‪( %50.3‬‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻠﺠﻮء أو اﻻﻏﺘﺮاب‬


‫سياسة‬

‫‪42‬‬

‫المجلة‬

‫قصة الغالف‬

‫اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻮن وإﺳﺮاﺋﻴﻞ‬

‫أرﻗﺎم وﻣﻌﻄﻴﺎت ﺧﻼل ‪ 75‬ﺳﻨﺔ‬ ‫اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟﻜﻠﻴﺔ‬ ‫ﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ‬

‫‪%15‬‬

‫‪ 27,000‬ﻛﻢ‬

‫‪2‬‬

‫ﻓﻲ ﻳﻮﻧﻴﻮ‪ /‬ﺣﺰﻳﺮان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اﺣﺘﻠﺖ إﺳﺮاﺋﻴﻞ‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ‬ ‫اﻟﻀﻔﺔ‬ ‫ّ‬ ‫وﻗﻄﺎع ّ‬ ‫ﻏﺰة‬

‫‪%85‬‬

‫‪%31.50‬‬

‫ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻴﻬﻮد‬

‫‪1914‬‬

‫‪2,000,000‬‬

‫‪690,000‬‬ ‫ﻋﺪد اﻟﺴﻜﺎن‬

‫‪1967‬‬

‫ﻋﺪد اﻟﺴﻜﺎن‬

‫‪1948‬‬

‫‪%8‬‬

‫ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻴﻬﻮد‬

‫‪1,300‬‬

‫)‪(%100‬‬

‫ﻗﺮﻳﺔ وﻣﺪﻳﻨﺔ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ‬

‫‪ 51‬ﻣﺠﺰرة وأﻛﺜﺮ ﺑﺤﻖ‬ ‫اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ أدت‬ ‫إﻟﻰ ﻣﻘﺘﻞ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ‬ ‫ﻋﻦ ‪ 15‬أﻟﻒ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻲ‬

‫‪B‬‬

‫‪ 110‬آﻻف ﻗﺘﻴﻞ‬ ‫ﻣﻦ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ‬ ‫واﻟﻌﺮب ﻣﻨﺬ اﻟﻨﻜﺒﺔ‬ ‫ﻋﺎم ‪ 1948‬وﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم‬

‫‪A‬‬

‫‪774‬‬

‫)‪(%60‬‬

‫ﻗﺮﻳﺔ وﻣﺪﻳﻨﺔ‬ ‫ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﺳﻴﻄﺮت‬ ‫ﻋﻠﻴﻬﺎ إﺳﺮاﺋﻴﻞ‬ ‫ﺧﻼل ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻨﻜﺒﺔ‬

‫‪A‬‬

‫‪531 B‬‬

‫‪ 957‬اﻟﻔﺎ‬

‫ﻫﺠﺮوا ﻣﻦ‬ ‫ﻗﺮاﻫﻢ وﻣﺪﻧﻬﻢ‬

‫)‪(%40‬‬

‫ﻗﺮﻳﺔ وﻣﺪﻳﻨﺔ‬ ‫ﺗﻢ ﺗﺪﻣﻴﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ‬ ‫وﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﺗﻢ اﺧﻀﺎﻋﻪ‬ ‫ﻟﻠﻘﻮاﻧﻴﻦ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻴﺔ‬

‫اﻟﻤﺼﺪر‪ :‬وﻛﺎﻟﺔ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻹﻏﺎﺛﺔ وﺗﺸﻐﻴﻞ اﻟﻼﺟﺌﻴﻦ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ )اﻷوﻧﺮوا(‪ ،‬اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻤﺮﻛﺰي ﻟﻺﺣﺼﺎء اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ‪ ،‬وزارة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ‬

‫‪ 1.4‬ﻣﻠﻴﻮن‬ ‫ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻲ‬

‫ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻴﻤﻮن‬ ‫ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ‬



‫سياسة‬

‫تؤكــد أن هنــاك ب ـقـاء للفلســطينيني يف ظــل النكبــة عــام ‪1948‬‬ ‫والنكسة عام ‪ ،1967‬فمثال يشرح عادل مناع (‪ )2016‬ديناميات‬ ‫ب ـقـاء الفلســطينيني يف منطقــة الجليــل يف كتابــه “نكبــة وب ـقـاء‪:‬‬ ‫حكايــات فلســطينيني ظلــوا يف حيفــا والجليــل” (‪ ،)2016‬ويشــر‬ ‫عدد من الكتب واملقابالت الشفوية إىل فكرة بقاء الفلسطينيني‬ ‫أو جزء كبري منهم ورفضهم النزوح اثر حرب يونيو‪/‬حزيران عام‬ ‫‪ ،1967‬مع أن الجيش اإلسرائييل فتح األبواب لعمليات الرتحيل‪،‬‬ ‫لكــن اللجــوء عــام ‪ 1948‬لقــن الفلســطيني درس الصمــود والب ـقـاء‬ ‫يف األرض كــون الخــروج منهــا ليــس موقتــا وقــد يــدوم أكــر مــن‬ ‫ســبعة عقــود‪.‬‬

‫محاوالت بطيئة‬

‫قبل الحرب عىل قطاع غزة يف ‪ 7‬أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪ ،2023‬عملت‬ ‫إسرائيل عىل محاوالت بطيئة وجزئية من أجل الرتحيل والتهجري‬ ‫وتفكيك املجتمع الفلسطيني‪ ،‬فمثال خالل الشهور التسعة األوىل‬ ‫سـرائيل وميليشــيات املســتوطنني عــى‬ ‫مــن عــام ‪ 2023‬عملــت ا ـ‬ ‫تنغيــص التجمعــات البدويــة الفلســطينية يف األغــوار ويف مســافر‬ ‫يطا جنوب الخليل‪ ،‬والتضييق عليهم ومنعهم من رعي األغنام‪،‬‬ ‫وتخريــب ممتلكاتهــم وتهجريهــم‪ ،‬ومنعــوا مــن ممارســة حياتهــم‬ ‫اليوميــة بشــكل طبيعــي‪ ،‬كذلــك مــارس املســتوطنون هجمــات يف‬ ‫حــق الفلســطينيني يف حــوارة وبرقــة وغريهــا مــن القــرى والبلــدات‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬وتع ّرضــت املــدن الفلســطينية يف الضفــة الغربيــة‬ ‫ومخيماتهــا إىل عمليــات ترحيــل “موقــت” وقتــل كمــا جــرى يف‬ ‫مخيمــي جنــن ونــور شــمس يف طول ـكـرم‪ ،‬أي أن بنيــة العنــف يف‬ ‫ظل حالة الالحرب هي مستمرة ومتصاعدة ضد الفلسطينيني‪،‬‬ ‫مــن أجــل تهجريهــم وترحيلهــم واقتالعهــم مــن أرضهــم‪.‬‬ ‫يقابــل مفهــوم النكبــة املســتمرة مفهــوم وممارســة الصمــود‬ ‫والب ـقـاء‪ ،‬وممارســة الحيــاة اليوميــة كمقاومــة عنــد الفلســطينيني‬ ‫يف القدس ويف الضفة الغربية ويف املجتمع الفلسطيني يف األرايض‬ ‫املحتلــة عــام ‪ ،1948‬وهنــاك اقت ـنـاع فلســطيني وخصوصــا لــدى‬ ‫األجيال الفلسطينية الشابة‪ ،‬أي شريحة الشباب الذين ولدوا يف‬ ‫فرتة االنتفاضة الثانية ‪ ،2004- 2000‬أن إسرائيل نظام استعمار‬ ‫استيطاين نزع الفلسطينيني من سياقهم الطبيعي‪ ،‬وأحدث خلال‬ ‫يف حياة املجتمع الفلسطيني يف كل التجمعات الفلسطينية‪.‬‬ ‫أدت الثقافــة الفلســطينية ببعدهــا املؤســي وغــر املؤســي‬ ‫سـرائييل‪ ،‬ويف‬ ‫دورا مركز يــا يف تشــريح طبيعــة اال ســتيطان اإل ـ‬

‫المجلة‬

‫تمثل عمليات‬ ‫الرتحيل‬ ‫ومحاوالت‬ ‫الرتحيل‬ ‫اإلسرائيلية‬ ‫جريمة حرب‬ ‫وهي تعبري‬ ‫بشكل مكثف‬ ‫ملفهوم اإلبادة‬ ‫الجماعية‪،‬‬ ‫التي تمارس‬ ‫بخطاب وأدوات‬ ‫وحشية‪،‬‬ ‫ويف ظل توافق‬ ‫دويل غربي‬ ‫عىل جريمة‬ ‫الحرب يف حق‬ ‫الفلسطينيني‬ ‫يف قطاع غزة‬

‫نسبة اليهود منذ ما قبل النكبة عام ‪ 1948‬إلى اليوم‬ ‫‪%8 :1914‬‬ ‫‪%31.5 :1948‬‬ ‫‪%49.9 :2022‬‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي لإلحصاء الفلسطيني‬

‫‪40‬‬

‫فهم ماهية النكبة وجوهرها وصريورتها ودينامياتها‪ ،‬وعمّ مت‬ ‫حـول مــا جــرى يف فلســطني يف املراحــل‬ ‫فهمــا ووعيــا فلســطينيني ـ‬ ‫التاريخيــة املختلفــة‪ ،‬وأسّ ســت الثقافــة الفلســطينية وتعبرياتهــا‬ ‫من أطر ومؤسسات جماهريية وإعالمية وغريها يف التعبري عن‬ ‫الهوية الفلسطينية يف منتصف القرن املايض‪ ،‬يف ظل محاوالت‬ ‫اال ســتعمار تفكيــك املجتمــع وتذريتــه كجما عــات الهوياتيــة‪،‬‬ ‫وتفكيكــه سياســيا وجغرافيــا‪ ،‬فبقيــت الثقافــة الفلســطينية هــي‬ ‫املوحــدة للفلســطينيني والشــارحة لهــم ماضيهــم ومســتقبلهم‪،‬‬ ‫والثقافة ال تقتصر عىل الشعر والرواية وكتب التاريخ‪ ،‬بل تمتدّ‬ ‫إىل املمارســة الثقافيــة يف بعدهــا التعليمــي الجامعــي والشــعبي‬ ‫واإلعال مــي وغري هــا‪ ،‬فبقيــت فلســطني و حــدة ثقافيــة وا حــدة‬ ‫تعـ ّـر عــن هو يــة فلســطينية جمعيــة ومتخيلــة‪ ،‬و فــق تعبــر‬ ‫بندكــت أندرســون‪ ،‬وقــد اغتنــى الشــباب الفلســطيني مــن هــذه‬ ‫الــروة الثقافيــة ‪.‬‬

‫الحرب على غزة‬

‫ما يجرى يف قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪2023‬‬ ‫يمثل حالة من اإلبادة التي تهدف إىل تدمري املجتمع الفلسطيني‬ ‫طـاع ـغـزة‪ ،‬ومــا يحــدث هــو محــو ونكبــة‪ ،‬خصوصــا أن هنــاك‬ ‫يف ق ـ‬ ‫طـاع ـغـزة‪،‬‬ ‫حالــة مــن تركيــز للقصــف والدمــار يف منطقــة شــمال ق ـ‬ ‫سـرائيلية وال ـتـزال مســتمرة لرتحيــل أهــايل‬ ‫جـرت محــاوالت إ ـ‬ ‫وقــد ـ‬ ‫طـاع ـغـزة‬ ‫جـزء مــن أهــايل ق ـ‬ ‫طـاع إىل جنوبــه‪ ،‬وترحيــل ـ‬ ‫شــمال الق ـ‬ ‫حـراء ســيناء يف مصــر‪.‬‬ ‫إىل ص ـ‬ ‫سـرائيلية‬ ‫تمثــل عمليــات الرتحيــل ومحــاوالت الرتحيــل اإل ـ‬ ‫جريمة حرب وهي تعبري بشكل مكثف ملفهوم اإلبادة الجماعية‪،‬‬ ‫التــي تمــارس بخطــاب وأدوات وحشــية‪ ،‬ويف ظــل توافــق دويل‬ ‫طـاع ـغـزة‪.‬‬ ‫حـرب يف حــق الفلســطينيني يف ق ـ‬ ‫غربــي عــى جريمــة ال ـ‬ ‫تلــك الجريمــة التــي اســتهدفت الفلســطينيني أ ـفـرادا وجماعــات‪،‬‬ ‫سـاء وشــيوخا وأطفــاال‪ ،‬واســتهدفت املراكــز الطبيــة وطواقمهــا‬ ‫ن ـ‬ ‫ومستشــفياتها‪ ،‬وطالــت الكنائــس واملســاجد واألســواق واملخابــز‬ ‫واملــوائن والحلــم واملســتقبل‪.‬‬ ‫طـاع ـغـزة إىل ســيناء‬ ‫ليســت ف ـكـرة ترحيــل الفلســطينيني يف ق ـ‬ ‫وســيناريوهاتها جديــدة‪ ،‬وإنمــا هــي أفــكار قديمــة ـبـاءت بالفشــل‪،‬‬ ‫كــون الفلســطيني يرفــض النكبــة مــن جديــد‪ ،‬وقــد طـوّر ديناميــات‬ ‫غـراس يف األرض كتعبــر مكثــف عــن الب ـقـاء‬ ‫الصمــود والب ـقـاء واالن ـ‬ ‫املســتمر يف مواجهــة النكبــة املســتمرة‪.‬‬


‫‪39‬‬

‫المجلة‬

‫إن عملية ترحيل الفلسطينيين وحدوث نكبات‬ ‫فلسطينية جديدة بحجم نكبة عام ‪ ،1948‬أمر‬ ‫مستبعد‪ ،‬من حيث الخروج من األرض واالقتالع‬ ‫منها والترحيل‪ ،‬وهناك مؤشرات تاريخية تؤكد‬ ‫بقاء الفلسطينين في ظل النكبة والنكسة‬

‫بعد تسعة عشر عاما [‪ ،]1967‬نشبت املعركة الثانية‪ ،‬فلم تكن‬ ‫الكارثة الجديدة أخف هوال من األوىل‪ ...‬لقد كانت نكبة ال نكسة‪،‬‬ ‫ومثلهــا‪ ،‬بــل شــر منهــا‪ ،‬مــا أصابنــا اآلن [‪ .”]1967‬يــرى زريــق أن‬ ‫النكسة أو هزيمة عام ‪ 1967‬نكبة ثانية أشد وأصعب من النكبة‬ ‫األوىل عام ‪ 1948‬وهذا ربما لضياع فلسطني كلها‪ ،‬وهذا الوصف‬ ‫مرتبــط بالخســارة والفقــدان‪ .‬وحالــة الفقــدان لــم تتوقــف عنــد‬ ‫لحظتي ‪ 1948‬و‪ ،1967‬وإنما هي دينامية استعمارية متصاعدة‪.‬‬ ‫يكتف الفلسطينيون عند لحظة الهزيمة أو الخسارة‪ ،‬وإنما‬ ‫لم‬ ‫ِ‬ ‫بحثوا عن أسباب الهزيمة ومعانيها‪ ،‬وطبيعة عدوهم وماهيته‪،‬‬ ‫وقــد كتــب فايــز صايــغ‪ ،‬كتابــه التأســييس املعنــون “االســتعمار‬ ‫الصهيوين يف فلسطني” (‪ )1965‬الذي شرح فيه طبيعة االستعمار‬ ‫الصه ـيـوين الــذي يهــدف إىل االســتيالء عــى األرض‪ ،‬وترحيــل‬ ‫الســكان‪ ،‬والفصــل بــن آســيا وأفريقيــا‪ ،‬وتدمــر حركــة التحــرر‬ ‫جـاءت مدرســة االســتعمار االســتيطاين ومجالتهــا‬ ‫العربيــة‪ .‬وقــد ـ‬ ‫ومنظروهــا متأخريــن يف فهــم هــذه الحالــة االســتعمارية املتمثلــة‬ ‫يف الصهيونيــة‪ ،‬بينمــا شـ ّ‬ ‫ـخصها الفلســطينيون مب ـكـرا وخصوصــا‬ ‫تشــخيص الصايــغ ومــن بعــده إيليــا زريــق وغريهمــا‪.‬‬

‫أرض بال شعب‬

‫يف لحظــة مــن اللحظــات قــارب نــور مصالحــة‪ ،‬يف كتابــه “أرض‬ ‫بــا شــعب” (‪ )1997‬ف ـكـرة النكبــة ودينامياتهــا بقولــه “إن املعركــة‬ ‫الطويلــة املســتمرة للصهيونيــة ضــد الفلســطينيني املحليــن كانــت‬ ‫معركــة مــن أجــل (أرض أكــر و ـعـرب أقــل)‪ .‬هــذه املعركــة كانــت‬ ‫توجهها بصورة أساسية مقدمات وأولويات صهيونية‪( :‬تجميع)‬ ‫يهود العالم يف فلسطني؛ استمالك واحتالل األرايض‪ ،‬وتأسيس‬ ‫دولــة لليهــود‪ -‬الذيــن لــم يصلــوا بعــد إىل فلســطني‪ -‬عــى حســاب‬ ‫الفلسطينيني املرحلني‪ ...‬إن احتالل األرض كان دائما املهمة الكربى‬ ‫للصهيونية‪ ،‬األمر الذي يفسر أيضا الرأي الذي يسمع بصوت عال‬ ‫صـرة بأنــه ال مــكان لشــعبني يف‬ ‫سـرائيل املعا ـ‬ ‫وبصــورة متزايــدة يف إ ـ‬ ‫أرض إسرائيل”‪ .‬تشخيص مصالحة يضاف إىل فهم الفلسطينيني‬ ‫املتجدّ د لطبيعة املشروع االستعماري‪ ،‬تتالقى مع أفكار ّ‬ ‫منظري‬ ‫مدرســة االســتعمار االســتيطاين وخصوصــا با ـتـرك وولــف (‪)2006‬‬ ‫كون االستعمار االستيطاين بنية مستمرة وليست حدثا ينتهي‪،‬‬ ‫ويهدف إىل محو الســكان وإزالتهم والســيطرة عىل األرض‪.‬‬ ‫لقــد عــر الفلســطينيون عــن فهــم النكبــة ومعانيهــا وعملــوا‬ ‫عــى مقاومتهــا بــكل األســاليب العســكرية والثقافيــة والسياســية‬ ‫وغريها‪ ،‬ويف األدب تجلت املقاومة الثقافية والفهم العميق لحالة‬ ‫النكبــة‪ ،‬وقــد أدرك الــروايئ اللبنــاين إليــاس خــوري ماهيــة النكبــة‬ ‫بوسمها “النكبة املستمرة”‪-‬سيصدر كتاب بهذا العنوان لخوري‬ ‫وبنّي “أن النكبة ليست حدثا تاريخيا‬ ‫عن “دار اآلداب” يف بريوت‪ّ -‬‬ ‫أنجــز ســنة ‪ ،1948‬وإنمــا هــي مســار مســتمر لــم يتوقــف منــذ ثالثــة‬

‫سياسة‬

‫ليست فكرة ترحيل الفلسطينيين في قطاع‬ ‫غزة وسيناريوهاتها إلى سيناء جديدة‪ ،‬وإنما هي‬ ‫أفكار قديمة باءت بالفشل‪ ،‬كون الفلسطيني‬ ‫طور ديناميات‬ ‫يرفض النكبة من جديد‪ ،‬وقد ّ‬ ‫الصمود والبقاء واالنغراس في األرض‬

‫أ ّدت النكبة إىل‬ ‫عطب بنيوي‬ ‫ليس فلسطينيا‬ ‫فحسب‪ ،‬وإنما‬ ‫هو عطب‬ ‫يمس العرب‬ ‫ومجتمعاتهم‬ ‫وكياناتهم‬ ‫السياسية‪،‬‬ ‫كون النكبة‬ ‫أوجدت كارثة‬ ‫مستدامة‬ ‫متمثلة يف دولة‬ ‫استعمارية‬ ‫تحارب جوارها‬ ‫وتحاول توسيع‬ ‫حدودها بشكل‬ ‫دائم‬

‫وســتني عامــا‪ ،‬أي أن قراءتهــا بصفتهــا ماضيــا تحجــب حقيقتهــا‪،‬‬ ‫فاملسار النكبوي مستمر ويتخذ أشكاال متعددة‪ ،‬بحسب املراحل‬ ‫التاريخيــة‪ ،‬فالنكبــة هــي حاضــر فلســطني ال ماضيهــا”‪ .‬وعــاد مــن‬ ‫جديــد خــوري يف عــام ‪ 2023‬لي ـقـول إن “تاريــخ هــذه النكبــة ليــس‬ ‫خطيــا‪ ،‬فقــد شــهد مراحــل وانعطافــات شــتى‪ ،‬لكننــا نســتطيع أن‬ ‫نتحــدث عــن لحظــات ذروة متعــددة‪1948 :‬؛ ‪1967‬؛ ‪2002‬؛‬ ‫‪ ...2023‬فقدان االسم واألرض هما سمتا النكبة”‪ .‬ويشري خوري‬ ‫إىل أن النكبــة هــي الفقــدان‪ ،‬ويربطهــا بخســارة االســم واألرض‪،‬‬ ‫وهــذا يتقاطــع مــع طــرح عبــد الرحيــم الشــيخ (‪ )2010‬الــذي يــرى‬ ‫أن النكبــة أدّت إىل عمليــة التطهــر االســمي واســتبدال األســماء‬ ‫العربيــة والفلســطينية باألســماء العربيــة والصهيونيــة‪ ،‬ويصــف‬ ‫ساري حنفي (‪ )2009‬أن النكبة أدّت إىل التطهري املكاين (األرض)‬ ‫أي فقــدان األرض أكــر مــن فقــدان اإلنســان‪ ،‬ويشــر صالــح عبــد‬ ‫الجــواد (‪ )1998‬إىل “التطهــر االجتماعــي”‪ ،‬كــون النكبــة هــي‬ ‫تفكيــك للمجتمــع الفلســطيني وتد ـمـره اجتماعيــا واقتصاديــا‪،‬‬ ‫وقــد شـ ّ‬ ‫ـخص شــريف كناعنــة (‪ )1987‬وإيــان بابيــه (‪ )2007‬النكبــة‬ ‫كتطهــر عرقــي للفلســطينيني‪.‬‬ ‫يف ذلك كله‪ ،‬تبدو النكبة عملية إبادة للمجتمع الفلسطيني‪،‬‬ ‫إبــادة مســتمرة‪ ،‬محاولــة للمحــو واإلزالــة وتخريــب وتهديــم املبنــى‬ ‫االجتما عــي والثقــايف والســيايس واالقتصــادي الفلســطينيني‪،‬‬ ‫والرتحيــل والتهجــر والقتــل ألهــايل فلســطني‪ ،‬ومنــع أي محاولــة‬ ‫للنهــوض والب ـنـاء والتقــدم للفلســطينيني كجماعــة سياســية لهــا‬ ‫ارتبــاط بــاألرض وتعبــر هويــايت وطنــي‪.‬‬

‫النكبة المستمرة والبقاء المستمر‬

‫عملــت بريطانيــا عــى ترحيــل مــا يقــارب ‪ 750‬ألــف فلســطيني عــام‬ ‫‪ ،1948‬كمــا رحّ ــل عــام ‪ 1967‬عــدد آخــر مــن الفلســطينيني‪ ،‬لكــن‬ ‫الفلســطينيني تعلمــوا درس اللجــوء وذاقــوا مرارتــه واكتــووا‬ ‫بنريانــه‪ ،‬لذلــك يعتــر الرتحيــل القســري عــام ‪ 1948‬أكــر تهجــر‬ ‫وقع للفلسطينيني وبعدها يستبعد وقوع ترحيل خارج فلسطني‬ ‫بهذا الحجم‪ .‬يقول مصالحة‪“ :‬يصعب تنفيذ الرتحيل الجماعي‬ ‫يف وقــت الســلم‪ ،‬ومــن املســتحيل تحقيقــه بغــر الكثــر مــن ســفك‬ ‫الد ـمـاء‪ ،‬وأي محاولــة لتنفيــذه ســتواجه بمقاومــة عمليــة مــن‬ ‫جانــب الفلســطينيني‪ ،‬والتــي‪ ،‬طبعــا‪ ،‬ســتتطلب مــن الجيــش‬ ‫سـرائييل اســتخدام القــوة املفرطــة واملســتمرة‪ ،‬ويعــود ذلــك إىل‬ ‫اإل ـ‬ ‫أن الفلسطينيني يعون تاريخ خروجهم الجماعي مرتني يف سنة‬ ‫‪ 1948‬وســنة ‪ ،1967‬ويدركــون أن مــا ينتظرهــم اآلن يف املنفــى لــن‬ ‫يكــون أفضــل”‪.‬‬ ‫أي أن عملية ترحيل الفلسطينيني وحدوث نكبات فلسطينية‬ ‫جديدة بحجم نكبة عام ‪ ،1948‬أمر مستبعد‪ ،‬من حيث الخروج‬ ‫مؤشـرات تاريخيــة‬ ‫ّـ‬ ‫مــن األرض واالق ـتـاع منهــا والرتحيــل‪ ،‬وهنــاك‬


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫‪38‬‬

‫هناك شبه‬ ‫إجماع يف‬ ‫الكتابات األوىل‬ ‫حول النكبة‬ ‫التي كتبت‬ ‫من منظورات‬ ‫تاريخية‬ ‫وسياسية‬ ‫وتوثيقية‬ ‫وفكرية بأن‬ ‫النكبة هي‬ ‫كارثة بنيوية‬ ‫لها تداعياتها‬ ‫املختلفة عىل‬ ‫فلسطني‬ ‫والفلسطينيني‬ ‫والعرب‬ ‫العــارف حــدود النكبــة ومالمحهــا بالفقــدان والســلب والخســارة‬ ‫والطــرد والرتحيــل واملــوت‪ .‬وربمــا أسّ ســت النكبــة يف الوعــي ســؤال‬ ‫الهزيمــة والخــوف‪.‬‬

‫أبعد من فلسطين‬

‫كمــا كتــب آخــرون عــن “النكبــة” ووصفوهــا بمفاهيــم قريبــة مــن‬ ‫مفاهيــم زريــق والعــارف‪ ،‬وأجمــع وليــد الخالــدي ومــوىس العلمــي‬ ‫وقــدري حافــظ طوقــان وجــورج حنــا‪ ،‬عــى ـهـول وفداحــة النكبــة‬ ‫وما حدث يف فلسطني عام ‪ ،1948‬ولعل زريق هو أول من عمم‬ ‫تســمية النكبــة التــي يصفهــا أيضــا بـ“ال ـهـزة العنيفــة”‪“ ،‬الخطــر‬ ‫األعظم”‪“ ،‬األزمة الخانقة”‪ ،‬ويصفها حنا بـ“الفاجعة الفلسطينية‬ ‫أو باألحرى فاجعة العرب يف فلسطني”‪ ،‬يف حني يصفها العلمي‬ ‫بـ“الكارثة القومية الشديدة”‪ ،‬ويصفها طوقان بأنها “الكارثة التي‬ ‫حلت باألمة العربية يف فلسطني”‪ .‬يتضح أن هناك شبه إجماع‬ ‫يف الكتابات األوىل حول النكبة التي كتبت من منظورات تاريخية‬ ‫وسياســية وتوثيقيــة وفكريــة بــأن النكبــة هــي كارثــة بنيويــة لهــا‬ ‫عـرب‪ ،‬كــون‬ ‫تداعياتهــا املختلفــة عــى فلســطني والفلســطينيني وال ـ‬

‫النكبة أدّت إىل ه ّزة كربى يف املجتمع العربي‪ ،‬بخسارة جزء كبري‬ ‫من فلسطني‪ ،‬وطرد عدد كبري من الفلسطينيني من ديارهم‪ ،‬أي‬ ‫أنها ولدت أزمة الالجئني الدائمة يف املجتمعات العربية والعالم‪،‬‬ ‫وأدت إىل تجديــد حالــة االســتعمار ملجتمــع عربــي بالتزامــن مــع‬ ‫موجــات التحــرر العربيــة وإعــان عصــر نهايــة االســتعمار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫جـاءت النكبــة الثانيــة التــي خفــف‬ ‫بعــد “النكبــة” عــام ‪ ،1948‬ـ‬ ‫هولها بوسمها بالنكسة‪ ،‬ففي عام ‪ 1967‬استعمرت إسرائيل ما‬ ‫تبقى من فلسطني (الضفة الغربية وقطاع غزة) إىل جانب احتالل‬ ‫صحراء سيناء وهضبة الجوالن‪ .‬فكانت حرب عام ‪ 1967‬بمثابة ه ّزة‬ ‫شديدة أدّت إىل انقالب كبري يف الدول العربية ومجتمعاتها‪ ،‬فقد‬ ‫أدّت إىل تصاعد قوة الهوية الفلسطينية واملنظمات الفلسطينية‬ ‫املعربة عنها مطلع ستينات القرن املايض‪ ،‬وبدأت الدول العربية‬ ‫تعيد بناء جبهاتها‪ ،‬وبدأ سؤال الهزيمة والخسارة يعيد الحفر‬ ‫يف بنية الوعي العربي‪.‬‬ ‫يقول زريق يف كتابه املوسوم “معنى النكبة مجددا” والصادر‬ ‫عــام ‪ 1967‬أي بعــد الهزيمــة بشــهور قليلــة‪“ ،‬حدثــت الكارثــة التــي‬ ‫سـرائيل يف األمــم املتحــدة‪ .‬واليــوم‬ ‫أدّت إىل الهدنــة وإىل ق ـبـول إ ـ‬



‫سياسة‬

‫‪36‬‬

‫المجلة‬

‫قصة الغالف‬

‫راهنية “النكبة”‬ ‫في ‪2023‬‬ ‫ومخاوف التهجير‬ ‫إلى سيناء المصرية‬ ‫تمسك أهايل غزة برفض الرتحيل‬ ‫رام الله ‪ -‬أحمد األسعد‬

‫عىل الرغم من كل محاوالت املحو والرتحيل الجماعي يف غزة يف‬ ‫حرب أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪ ،2023‬إال أن الفلسطينيني ال يزالون‬ ‫باقــن يف بيوتهــم وديارهــم‪ ،‬ولســان حالهــم ي ـقـول “آن للنكبــة أال‬ ‫تستمر”‪ ،‬وأن الصمود خري وأبقى‪ .‬لكن ما معنى “النكبة”؟‬ ‫ورد يف “معجــم الدوحــة التاريخــي” معنــى كلمــة النكبــة بأنهــا‬ ‫“الجائحــة واملصيبــة مــن مصائــب الدهــر”‪ ،‬وكلمــة النكبــة مرتبطــة‬ ‫بمفهوم الكارثة الطبيعية‪ .‬لكن مصطلح النكبة أخذ دالالت أخرى‬ ‫بعد عام ‪ ،1948‬وخصوصا عندما وصف املؤرخ قسطنطني زريق‬ ‫هذه الواقعة يف كتابه “معنى النكبة” الذي صدر عام ‪ 1948‬بعد‬ ‫أحــداث فلســطني وكارثتهــا بشــهور قليلــة‪ -‬وهــو أول كتــاب عالــج‬ ‫قضيــة النكبــة ووســمها بهــذا الوســم‪ -‬وقــد اســتخدم زريــق وســم‬ ‫النكبة ليشرح ويفسر ما لحق بالفلسطينيني والعرب من هزيمة‬ ‫ومن تسلط االستعمار الصهيوين يف فلسطني‪ ،‬وبناء املستعمِ رين‬ ‫دولة استعمار استيطاين حملت اسم “إسرائيل”‪.‬‬ ‫عـرب يف فلســطني‬ ‫بــدأ زريــق كتابــه بال ـقـول‪“ :‬ليســت هزيمــة ال ـ‬ ‫بالنكســة البســيطة‪ ،‬أو بالشــر الهني العابر‪ ،‬وإنما هي نكبة بكل‬ ‫ما يف هذه الكلمة من معنى‪ ،‬ومحنة من أشد ما ابتيل به العرب‬ ‫ومآس”‪ .‬يرى زريق أن‬ ‫يف تاريخهم الطويل‪ ،‬عىل ما فيه من محن‬ ‫ٍ‬ ‫النكبة هي شر‪ ،‬ومحنة‪ ،‬ونكسة‪ ،‬ومأساة وغريها من األوصاف‬ ‫األخرى الواردة يف الكتاب‪ ،‬أي أن النكبة تعني الهزيمة والضعف‬ ‫واالبتالء الذي مني به الفلسطينيون والعرب‪ ،‬وأدّت النكبة إىل‬ ‫عطــب بنيــوي ليــس فلســطينيا فحســب‪ ،‬وإنمــا هــو عطــب يمــس‬

‫رسوم ‪ -‬منى ينغ ومايكل ميسرن‬

‫ّ‬ ‫لقن اللجوء‬ ‫عام ‪1948‬‬ ‫الفلسطيني‬ ‫درس الصمود‬ ‫والبقاء يف‬ ‫األرض كون‬ ‫الخروج منها‬ ‫ليس موقتا وقد‬ ‫يدوم أكرث من‬ ‫سبعة عقود‬

‫العرب ومجتمعاتهم وكياناتهم السياسية‪ ،‬كون النكبة أوجدت‬ ‫كارثــة مســتدامة متمثلــة يف دولــة اســتعمارية تحــارب جوارهــا‬ ‫وتحاول توسيع حدودها بشكل دائم‪.‬‬ ‫لقــد ربــط زريــق حالــة النكبــة بحالــة التقهقــر والرتاجــع‪ ،‬بقولــه‬ ‫“إن النكبــة التــي نزلــت بنــا اليــوم هــي إذن محــك لوضعنــا الداخــي‬ ‫الحاضــر‪ .‬فــإذا كانــت عوامــل الرجعيــة واالنحــال هــي املســيطرة‬ ‫علينــا‪ ،‬فــإن هــذه النكبــة ســتزيدنا ضعفــا وانحــاال وتفرقــا‪ .‬أمــا إذا‬ ‫كانــت لعوامــل التقــدم والنمــو بعــض القــوة‪ -‬حتــى لــو لــم تكــن‬ ‫هــي الســائدة‪ -‬فــإن الصدمــة العنيفــة التــي تلقيناهــا خليقــة بــأن‬ ‫تعـ ّزز هــذه العوامــل وتمــي بهــا قدمــا بمزيــد همــة‪ ،‬وتراكــم أثــر”‪.‬‬ ‫شـراف زريــق صحيحــا يف أن النكبــة ســتؤدي إىل‬ ‫ربمــا كان است ـ‬ ‫عـرب‪ ،‬كــون العقــل‬ ‫نكبــات مرتاصــة ومتعاقبــة للفلســطينيني وال ـ‬ ‫االستعماري‪ ،‬عقال اقصائيا وتوسعيا‪ ،‬يحاول ضرب كل نماذج‬ ‫التقــدم والنهــوض العربيــة‪.‬‬ ‫كانــت دراســة عــارف العــارف بعنــوان “النكبــة والفــردوس‬ ‫املفقــود” (‪ )2012‬مــن الكتــب التشــريحية يف تأريــخ تاريــخ النكبــة‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬وهو كتاب موسوعي يف ثالثة أجزاء‪ .‬يصف العارف‬ ‫يف مطلــع موســوعته “وكيــف ال أســميه النكبــة‪ .‬وقــد نكبنــا‪ ،‬نحــن‬ ‫معاشر العرب عامة والفلسطينيني خاصة‪ ،‬خالل هذه الحقبة‬ ‫مــن الزمــن‪ ،‬بمــا لــم ننكــب بمثلــه منــذ قــرون وأحقــاب‪ :‬فســلبنا‬ ‫وطننا‪ ،‬وطردنا من ديارنا‪ ،‬وفقدنا عددا كبريا من أبنائنا وأفالذ‬ ‫أكبادنا‪ ،‬وأصبنا فوق هذا وذاك بكرامتنا يف الصميم‪ .”...‬هنا يرسم‬


‫‪35‬‬

‫سـاع ال ـنـزاع تصــل‬ ‫هــذه النقطــة املتعلقــة بات ـ‬ ‫إىل تباعــد اقتصــادي واضــح بالفعــل‪ ،‬إذ تتخلــص‬ ‫أورو بــا والوال يــات املتحــدة مــن األخطــار املرتتبــة‬ ‫عليهمــا مــن الصــن‪ ،‬لكــن الصــن ونظرتهــا إىل‬ ‫األســواق الناشــئة تتطــور وفــق كل مــن العالقــات‬ ‫السياســية واالقتصاديــة‪ .‬وتمثــل مشــاركة بوتــن‬ ‫حـزام والطريــق جهــدا‬ ‫حـول ال ـ‬ ‫يف املؤتمــر العاملــي ـ‬ ‫جديدا ملا وصفه بأنه “ممر بني الشمال والجنوب”‬ ‫غـرايف‪ ،‬يمثــل‬ ‫يحقــق الرتابــط‪ .‬وعــى املســتوى الج ـ‬ ‫ربط الكتلة الربية الروسية عرب شمال آسيا بالكتلة‬ ‫سـراتيجيا‪،‬‬ ‫اآلســيوية الجنوبيــة يف الصــن أ ـمـرا ا ـ‬ ‫شـراكة بــن‬ ‫لكــن األجــواء السياســية يف جهــود ال ـ‬ ‫البلديــن أوســع بكثــر‪.‬‬ ‫الواقــع أن أثــر التباعــد‪ ،‬إىل جانــب ســيناريوهات‬

‫ال تزال فروق األسعار‬ ‫يف مبيعات النفط من‬ ‫إيران وروسيا بسبب‬ ‫العقوبات وآليات تحديد‬ ‫سقف لألسعار تشكل‬ ‫عبئا عىل أعضاء “أوبك”‬ ‫اآلخرين ينبغي عليهم‬ ‫التعامل معه‪ ،‬مع‬ ‫مواصلة اململكة العربية‬ ‫السعودية املنتجة للنفط‬ ‫تخفيضاتها الخاصة‬ ‫لالنتاج يف محاولة‬ ‫لتحقيق توازن‬ ‫يف األسعار‬

‫المجلة‬

‫النمو املنخفض أو حتى الركود‪ ،‬وإىل جانب تكاليف‬ ‫اال ـقـراض املرتفعــة‪ ،‬يــؤدي إىل طريــق مســدودة يف‬ ‫جهديــن مــن الجهــود الدبلوماســية العامليــة املهمــة‬ ‫الجاريــة‪ :‬يتعلــق األول بمفاوضــات املنــاخ يف مؤتمــر‬ ‫طـراف ا لــ‪ ،28‬إذ يصبــح مــن الصعــب بشــكل‬ ‫األ ـ‬ ‫متزايــد تلبيــة مطالــب اقتصــادات األســواق الناشــئة‬ ‫الحتياجاتها من الطاقة (وال سيما البلدان املنتجة‬ ‫للنفــط والغــاز وتلــك التــي لديهــا إمــدادات فحــم‬ ‫محليــة) مــع الدعــوات الشــاملة إىل إزالــة الكربــون‬ ‫من قطاع الطاقة‪ .‬ببساطة لن ُي َتاح تمويل للطاقة‬ ‫الجديدة أو وفرة يف املاليات العامةإلجراء تغيريات‬ ‫ك ـبـرة يف مزيــج الطاقــة‪ .‬والثــاين‪ ،‬ســتتعرث الجهــود‬ ‫الدبلوماسية العاملية الخاصة بإعادة هيكلة الديون‬ ‫وتخفيــف عبئهــا بســبب االفتقــار إىل التنســيق بــن‬

‫اقتصاد‬

‫مصارف التنمية املتعددة األطراف‪ ،‬والصني بوصفها‬ ‫طرفــا مقرضــا‪ ،‬والحكومــات الغربيــة واملؤسســات‬ ‫املالية الخاصة التي قد تكون عىل استعداد لتقليص‬ ‫أقســاط التســديدات‪.‬‬ ‫بطبيعة الحال‪ ،‬ليســت هذه املســائل‪ ،‬املتعلقة‬ ‫باملناخ وإعادة هيكلة الديون‪ ،‬ناجمة عن النزاع بني‬ ‫سـرائيل‪ .‬لكــن ال ـنـزاع يجعــل إ ـبـرام الصفقــات‬ ‫ـغـزة وإ ـ‬ ‫والتعاون العامليني أكرث صعوبة‪ ،‬ويرتبط سيناريو‬ ‫شـرا‬ ‫األخطــار املتزايــدة يف أســواق الطاقــة ارتباطــا مبا ـ‬ ‫بالســام واالســتقرار اإلقليميــن‪ .‬وتتجــاوز األخطــار‬ ‫سـاع نطــاق ال ـنـزاع املنطقــة‬ ‫شـرة املرتتبــة عــى ات ـ‬ ‫املبا ـ‬ ‫أيضا‪ ،‬إذ إن خطر انعدام أمن الطاقة واالستدامة‬ ‫املاليــة ســيصيب الحوكمــة يف كثــر مــن البلــدان يف‬ ‫حـاء العالــم كلــه‪.‬‬ ‫أن ـ‬


‫اقتصاد‬

‫‪34‬‬

‫المجلة‬

‫اﻟﺤﺮب ﻗﺪ ﺗﺪﻓﻊ اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ‬ ‫إﻟﻰ اﻻرﺗﻔﺎع‬ ‫اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﺳﻴﻨﺎرﻳﻮﻫﺎت ﻟﻠﺼﺮاع ﺑﻴﻦ إﺳﺮاﺋﻴﻞ و"ﺣﻤﺎس"‬ ‫خطــط إل صــدار ســندات أو ص ـكـوك جد يــدة مــن‬ ‫صندوق االستثمارات العامة‪ .‬وسيكون هذا الطرح‬ ‫الجديد للسندات مؤشرا عىل معنويات املستثمرين‬ ‫شـرة التــي‬ ‫ظـرة األســواق إىل اآلثــار غــر املبا ـ‬ ‫و ـقـراءة لن ـ‬ ‫مــن املحتمــل أن ترتتــب عــى دول الخليــج بســبب‬ ‫سـرائيل و ـغـزة‪.‬‬ ‫حـرب الدا ـئـرة بــن إ ـ‬ ‫ال ـ‬ ‫صـرم تمكــن صنــدوق االســتثمارات‬ ‫يف العــام املن ـ‬ ‫العامــة الســعودي مــن اال ـقـراض مــن أســواق املــال‬ ‫الدوليــة بســهولة‪ ،‬إذ حصــل عــى ـقـرض قيمتــه ‪17‬‬ ‫مليار دوالر يف نوفمرب‪/‬تشرين الثاين ‪ .2022‬واستفاد‬ ‫الصندوق أيضا من ضخ لرأس املال مع نقل ألسهم‬ ‫من “أرامكو الســعودية” بقيمة ‪ 80‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫و تــرز إ شــارة أ خــرى إىل األ ثــر االقتصــادي يف‬ ‫شـرات (‪ )index funds‬الخا صــة‬ ‫صناد يــق املؤ ـ‬ ‫باألسهم املستندة إىل األسواق الناشئة‪ ،‬أي أسهم‬ ‫الشركات املدرجة يف البورصات اإلقليمية واملدرجة‬ ‫شـرات رئيســة‪ ،‬مثــل مؤشــر “مورغــان‬ ‫أيضــا يف مؤ ـ‬ ‫ســتانيل كابيتــال إنرتناشــيونال”؛ ذلــك أن أســهم‬ ‫شـركات األســواق الناشــئة املدرجــة يف هــذا املؤشــر‬ ‫ـ‬ ‫انخفضــت بنســبة واحــد يف املئــة تقريبــا‪ ،‬بســبب‬ ‫التوترات يف الشرق األوسط واحتمال تمدد النزاع‪.‬‬ ‫ومن الصعب استخالص أدلة عىل حدوث إنكماش‬ ‫شـرة‬ ‫عاملــي بســبب االنكمــاش االقليمــي املرتبــط مبا ـ‬ ‫سـرائيل و ـغـزة‪.‬‬ ‫بال ـنـزاع بــن إ ـ‬ ‫خـرا‬ ‫وقــد وضــع اقتصاديــون يف “بلومــرغ” أ ـ‬ ‫نمــاذج لثال ثــة ســيناريوهات تتزا يــد احتماالتهــا‬ ‫(اقتصار الحرب عىل غزة وإسرائيل‪ ،‬وحرب إقليمية‬ ‫بالوكالة‪ ،‬ونزاع مباشر بني إيران وإسرائيل)‪ ،‬بغرض‬ ‫قياس األثر يف الناتج املحيل اإلجمايل العاملي للحرب‬ ‫سـرائيل و ـغـزة‪.‬‬ ‫الدا ـئـرة بــن إ ـ‬ ‫و قــد يكــون هنــاك ســيناريو را بــع لــم يضعــوا‬ ‫نموذجــا لــه‪ ،‬ويتعلــق باتخــاذ ال ـنـزاع نطاقــا عامليــا‪.‬‬ ‫يف الســيناريوهات كلهــا‪ ،‬يبقــى التضخــم مرتفعــا‬ ‫شـرة‬ ‫عامليــا والنمــو متواضعــا‪ ،‬يف حــن أن حربــا مبا ـ‬ ‫سـرائيل وإ ـيـران ســتدفع التضخــم العاملــي إىل‬ ‫بــن إ ـ‬ ‫ســبعة يف املئــة عــام ‪.2024‬‬ ‫ثــم تقــدر نمــاذج “بلومــرغ” أن معــدل النمــو‬ ‫العاملي لعام ‪ 2024‬يف سيناريو النزاع املباشر سيبلغ‬ ‫نحــو ‪ 1،7‬يف املئــة‪ .‬وعــى الرغــم مــن أن هــذا الرقــم‬ ‫إيجابي‪ ،‬فهو ال يزال يشري إىل ركود عاملي وإىل أدىن‬ ‫معــدل للنمــو العاملــي منــذ عــام ‪.1982‬‬

‫‪5.5‬‬

‫ﻣﻌﺪل اﻻرﺗﻜﺎز‬ ‫ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺮب‬ ‫‪3.2‬‬

‫‪5.6‬‬ ‫ﺣﺮب ﻣﺤﺼﻮرة‬ ‫‪3.2‬‬

‫‪5.7‬‬

‫ﺣﺮب ﺑﺎﻟﻮﻛﺎﻟﺔ‬ ‫‪3.2‬‬

‫‪6.7‬‬

‫ﺣﺮب ﻣﺒﺎﺷﺮة‬ ‫‪3.2‬‬

‫ﻣﻌﺪل اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﻔﻌﻠﻲ‪،‬‬ ‫ﻣﺘﻮﺳﻂ ‪2019-2015‬‬

‫ﺗﻮﻗﻌﺎت اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻟﻌﺎم ‪2024‬‬ ‫ﺑﺤﺴﺐ اﻟﺴﻴﻨﺎرﻳﻮ‬

‫ﻗﺪر ﻣﻌﺪل اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 2024‬ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام‬ ‫ﻣﻼﺣﻈﺔ‪ّ :‬‬ ‫اﻻﻧﺤﺪار اﻟﺘﻠﻘﺎﺋﻲ )‪ (BGVAR‬ﻟﻤﺘﺠﻪ ﺑﺎﻳﺰي اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ‬ ‫اﻟﻤﺼﺪر‪" :‬ﺑﻠﻮﻣﺒﻴﺮغ"‪ ،‬ﺻﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ‬


‫‪33‬‬

‫المجلة‬

‫اقتصاد‬

‫تستقطب اململكة العربية السعودية بنشاط ونجاح‬ ‫املستثمرين هذه السنة وتعلن عن خطط إلصدار‬ ‫سندات أو صكوك جديدة من صندوق االستثمارات‬ ‫العامة‪ .‬وسيكون هذا الطرح الجديد للسندات مؤشرا‬ ‫عىل معنويات املستثمرين وقراءة لنظرة األسواق‬ ‫إىل اآلثار غري املباشرة التي من املحتمل أن ترتتب يف‬ ‫دول الخليج عىل الحرب الدائرة بني إسرائيل وغزة‬

‫سـرائيل و ـغـزة‪ ،‬ترتتــب‬ ‫حـرب يف إ ـ‬ ‫عشــية اســتمرار ال ـ‬ ‫عــى ال ـنـزاع تكلفــة بشــرية هائلــة ومتزايــدة‪ .‬لكــن إىل‬ ‫جانــب العنــف واملــوت‪ ،‬ثمــة تداعيــات اقتصاديــة‬ ‫يمكــن أن تكــون متفاقمــة وغــر قابلــة للتصحيــح‪.‬‬ ‫عــى صعيــد االقتصــاد الــكيل‪ ،‬يتجــه االقتصــاد‬ ‫العاملي نحو الركود‪ ،‬حيث تجتمع معدالت النمو‬ ‫املنخفضــة والضغــوط التضخميــة املســتمرة‪ ،‬وال‬ ‫سيما يف مجايل الغذاء والوقود‪ ،‬مع ارتفاع تكاليف‬ ‫اال ـقـراض‪ ،‬وافتقــار كثــر مــن االقتصــادات املثقلــة‬ ‫بالديــون إىل فرصــة تحســن عــى صعيــد املاليــات‬ ‫العامــة‪ .‬يف حــن قــد تنتقــص السياســات الصناعيــة‬ ‫التنافســية يف مضمــار الطاقــة املتجــددة مــن حوافــز‬ ‫ضـاء عــى االنبعاثــات الكربونيــة‪.‬‬ ‫العالــم النامــي للق ـ‬ ‫ويف أســواق النفــط‪ ،‬ترتفــع األســعار كــرد فعــل عــى‬ ‫ال ـنـزاع وبســبب القلــق مــن تكاليــف التأمــن يف حــال‬ ‫توســع ال ـنـزاع يف املنطقــة‪.‬‬ ‫ويــرز أيضــا تهديــد صريــح مــن إ ـيـران وطلبهــا مــن‬ ‫ضـاء “أوبــك” اآلخريــن حظــر صــادرات النفــط إىل‬ ‫أع ـ‬ ‫سـرائيل بالطبــع النفــط مــن‬ ‫سـرائيل‪ .‬ال تشــري إ ـ‬ ‫إ ـ‬ ‫إ ـيـران‪ ،‬لكنهــا مســتوردة لــه‪ .‬والتهديــد أ ـقـرب إىل‬ ‫تذكــر باألجــواء السياســية التــي أحاطــت بحظــر‬ ‫سـاح‬ ‫عــام ‪ 1973‬والخــوف مــن اســتخدام النفــط ك ـ‬ ‫يف األســواق العامليــة‪ .‬وعــى نطــاق أوســع‪ ،‬ال ـتـزال‬ ‫فروق األسعار يف مبيعات النفط من إيران وروسيا‬ ‫بســبب العقوبــات وآليــات تحديــد ســقف لألســعار‬ ‫ضـاء “أوبــك” اآلخريــن ينبغــي‬ ‫تشــكل عبئــا عــى أع ـ‬ ‫عليهم التعامل معه‪ ،‬مع مواصلة اململكة العربية‬ ‫الســعودية املنتجــة للنفــط تخفيضاتهــا الخا صــة‬

‫لالنتاج يف محاولة لتحقيق توازن يف األسعار‪ .‬يُذ َكر‬ ‫أن العقــود اآلجلــة للنفــط ارتفعــت بنســبة ثالثــة‬ ‫يف املئــة إىل ‪ 93‬دوالرا للربميــل عــى خلفيــة قصــف‬ ‫مستشــفى املعمــداين يف ـغـزة‪.‬‬ ‫ويف حني تشكل أسواق الطاقة املجال األول لرد‬ ‫الفعــل االقتصــادي عــى ـنـزاع إقليمــي بهــذا التفاقــم‬ ‫والعنف‪ ،‬ثمة مخاطر بعيدة األجل يجب أن ُت َ‬ ‫راعى‪.‬‬ ‫تتقلص فرص الحصول عىل رأس املال لدى الكثري‬ ‫من االقتصادات ذات الدخل املنخفض‪ ،‬مع ارتفاع‬ ‫تكاليف االقرتاض وابتعاد املستثمرين عن األسواق‬ ‫الناشئة خوفا من اآلفاق العاملية الضعيفة بالفعل‬ ‫عـرض الديــون القائمــة‪،‬‬ ‫واالنكمــاش اإلقليمــي‪ .‬وتت ـ‬ ‫ومعظمهــا يف شــكل ســندات حكوميــة‪ ،‬وص ـكـوك‬ ‫حكوميــة يف الشــرق األوســط‪ ،‬إىل ضربــة بالفعــل‪،‬‬ ‫مــع انخفــاض قيمهــا يف التــداول‪ .‬وتفيــد تقاريــر بــأن‬ ‫السندات السيادية يف الشرق األوسط كانت من بني‬ ‫الســندات العاملية األســوأ أداء بعد اندالع الحرب‪،‬‬ ‫إذ تراجعــت ســندات دبــي التــي تســتحق عــام ‪2043‬‬ ‫صـوال إىل أدىن‬ ‫بمقــدار ثالثــة ســنتات لــكل دوالر‪ ،‬و ـ‬ ‫قيمة لها يف األشهر الـ ‪ 11‬املاضية‪ .‬كذلك انخفضت‬ ‫أسعار السندات السعودية والبحرينية‪ .‬وإذا كانت‬ ‫هذه هي حال الحكومات اإلقليمية ذات التصنيفات‬ ‫االئتمانية الجيدة إىل املمتازة‪ ،‬فستشهد الحكومات‬ ‫ذات التصنيفات األضعف حسما لديونها املتداولة‪،‬‬ ‫وسيصبح جذب املستثمرين إىل شراء ديون جديدة‬ ‫أكرث تكلفة وربما أكرث صعوبة‪.‬‬ ‫وتســتقطب اململكــة العربيــة الســعودية بنشــاط‬ ‫ونجــاح املســتثمرين يف الســنة الجاريــة وأعلنــت عــن‬


‫المجلة‬

‫اقتصاد‬

‫قصة الغالف‬

‫ردود الفعــل‬ ‫االقتصاديــة‬ ‫حـرب‬ ‫عــى ال ـ‬ ‫يف ـغـزة‬ ‫التداعيات االقتصادية تتوسع أو تضيق بحسب سيناريوهات الصراع‬ ‫واشنطن ‪ -‬كارين يانغ رسوم ‪ -‬سيباستيان تيبو‬

‫‪32‬‬



‫سياسة‬

‫يف منطقة “يهودا وشمرون”‪ ،‬وسجلت مدينة “الخضرية” أبعد‬ ‫حـزب اللــه” جنوبــا‪.‬‬ ‫مــدى تصــل إليــه صواريــخ “ ـ‬ ‫هذا وقد طالت صواريخ “رعد ‪ ،”2‬و “رعد ‪ ،”3‬مدينة حيفا‪،‬‬ ‫سـرائيليني بــن‬ ‫شـرات اإل ـ‬ ‫وأصابــت محطــة القطــارات وأوقعــت ع ـ‬ ‫قتــى وجرحــى‪ .‬ثــم دخلــت الصواريــخ مرحلــة مــا بعــد حيفــا‪،‬‬ ‫طـراز “خيــر” لل ـمـرة األوىل يف مناطــق‬ ‫وســقطت صواريــخ مــن ـ‬ ‫صـرة العليــا‪ ،‬وجفعــات إيــا‪ ،‬وهــذا‬ ‫قريبــة مــن العفولــة‪ ،‬والنا ـ‬ ‫سـرائيل‪ .‬وال يمكــن يف هــذا الســياق‬ ‫مــا أحــدث الصدمــة لــدى إ ـ‬ ‫تجا هــل الصد مــة الكــرى التــي أحدثهــا ا ســتهداف البار جــة‬ ‫طـراز “‪،”C–802‬‬ ‫“ســاعر ‪” 5 -‬بصــاروخ صينــي مضــاد للســفن مــن ـ‬ ‫سـرائيل البحريــة تطــورا‪.‬‬ ‫وهــي أكــر قطــع إ ـ‬ ‫‪ ‬املواجهة من مواقع محصنة‪ :‬يقول بنيامني المبث الباحث‬ ‫يف معهــد “رانــد”‪“ :‬إن أول غــزو بــري بقــوات تقليديــة بــدأ يف ‪17‬‬ ‫يوليو‪/‬تموز قرب قرية مارون الراس‪ ،‬حيث اكتشف اإلسرائيليون‬ ‫حـزب اللــه”‪ ،‬وهــو أمــر‬ ‫لل ـمـرة األوىل مــدى التحصــن يف مواقــع “ ـ‬ ‫لــم يكونــوا مدركــن لــه يف الســابق‪ .‬ولكــن مــع مــرور األيــام‪ ،‬كان‬ ‫واضحا أن كثريا من قادة الجيش اإلسرائييل غري راغبني يف شن‬ ‫سـرائيل عــام ‪ .”1982‬ويخلــص‬ ‫حملــة تشــبه تلــك التــي قامــت بهــا إ ـ‬ ‫المبــث إىل انتقــاد “االرتبــاك الهائــل يف املهمــة واألهــداف‪ ،‬الــذي‬ ‫شـرا إىل‬ ‫كان ســائدا عندمــا دخــل الجنــود إىل جنــوب لبنــان”‪ ،‬م ـ‬ ‫أن الهجمات الربية افتقرت إىل الرتكيز والقوة اللذين لطاملا ميزا‬ ‫سـرائييل يف الســابق‪.‬‬ ‫هجمــات الجيــش اإل ـ‬ ‫وبالفعــل فقــد تحو لــت القــرى الحدود يــة‪ ،‬التــي شــهدت‬ ‫تلــك املواجهــات الرب يــة إىل محطــات إذالل لو حــدات الجيــش‬ ‫سـرائيلية ال ـقـرار املتأخــر‬ ‫سـرائييل‪ ،‬فحــن ّاتخــذت الحكومــة اإل ـ‬ ‫اإل ـ‬ ‫يف ‪ 9‬أغسطس‪/‬آب بشن عملية برية واسعة‪ ،‬كانت تلك فرصة‬ ‫حـزب اللــه” لتدمــر كل مــا تبقــى مــن هيبــة الجيــش‪،‬‬ ‫مواتيــة لـ “ ـ‬ ‫بدءا من سهل الخيام حيث تعرض لنكسة كبرية‪ ،‬وعىل امتداد‬ ‫الجبهــة الربيــة مــن منطقــة البياضــة غربــا‪ ،‬حتــى بنــت جبيــل‪،‬‬ ‫وعيناتــا وســطا‪ ،‬حيــث ســقط أكــر مــن ‪ 30‬مــن جنــوده‪ ،‬وقــد‬ ‫ت ّوجــت يف وادي الحجــر حيــث تلقــى درســا أســطوريا بخســارة‬ ‫حــواىل ثالثــن دبابــة مريكافــا‪.‬‬ ‫سـرائييل يف منــع إطــاق‬ ‫‪ ‬محدوديــة قــدرة ســاح الجــو اإل ـ‬ ‫الصواريخ قصرية املدى من منصات منتشرة بشكل كثيف وسهلة‬ ‫سـرائيل أنهــا د ـمـرت مــا يزيــد عــى‬ ‫التشــغيل‪ .‬فبالرغــم مــن اد ـعـاء إ ـ‬ ‫صـرة‬ ‫‪ 90‬يف املئــة منهــا فــإن اســتمرار إطــاق صواريــخ الكاتيوشــا ق ـ‬ ‫املدى حتى اليوم األخري من الحرب أضحى رمزية النتصار “حزب‬ ‫حـرب‪.‬‬ ‫اللــه” يف ال ـ‬ ‫سـرائييل‪ :‬ســاهم القصــف‬ ‫‪ ‬نقــل املعر كــة إىل الدا خــل اإل ـ‬ ‫سـرائييل يف خلــق حالــة اســتنزاف‬ ‫الصاروخــي عــى الداخــل اإل ـ‬ ‫للجبهــة الداخليــة‪ ،‬مــن خــال إدارة هجــوم متواصــل ومكثــف‬ ‫ـس بنظــام حيــاة‬ ‫عــى مســتوطنات الشــمال بالــذات‪ ،‬بهــدف املـ ّ‬ ‫املســتوطنني يف تلــك املناطــق وإثــارة الرعــب يف نفوســهم وعرقلــة‬ ‫نظــام حياتهــم اليومــي‪ .‬هــذا األمــر أرىس حالــة مــن تــوازن الــردع‬ ‫بني استهداف “إسرائيل” للسكان املدنيني اللبنانيني واستهداف‬ ‫“حزب الله” للجبهة الداخلية اإلسرائيلية؛ حيث اضطر أكرث من‬ ‫مليون مستوطن إسرائييل للبقاء يف املالجئ طيلة فرتة الحرب‪،‬‬ ‫فيمــا ـتـرك نحــو ‪ 300‬ألــف منازلهــم مؤقتــا ولجــأوا إىل الجنــوب‪.‬‬ ‫سـرائيلية‬ ‫حـزب” يف جعــل الجبهــة الداخليــة اإل ـ‬ ‫وبذلــك‪ ،‬نجــح “ال ـ‬ ‫جـزءا مــن جبهــة القتــال‪.‬‬ ‫ـ‬

‫المجلة‬

‫االشتباكات‬ ‫الحدودية‬ ‫اليومية بني‬ ‫“حزب الله”‬ ‫والجيش‬ ‫اإلسرائييل منذ‬ ‫بدء العمليات‬ ‫يف غزة محكومة‬ ‫بتقييدات‬ ‫ميدانية منسقة‬ ‫ومنضبطة إىل‬ ‫أبعد الحدود‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يعرّب عن ذلك‬ ‫بشكل واضح‬ ‫العمق املحدود‬ ‫للمواقع‬ ‫املستهدفة من‬ ‫قبل الطرفني‪،‬‬ ‫والذي ال يتجاوز‬ ‫كيلومرتين‬

‫‪30‬‬

‫لقــد ـفـرض مهندســو “طوفــان األقــى” واملمســكون باألهــداف‬ ‫السياســية الكامنــة وراء العمليــة منــذ ‪ 7‬أكتوبر‪/‬تشــرين األول‬ ‫قواعد اشتباك جديدة عىل “حزب الله”‪ .‬واجه “الحزب” املوقف‬ ‫العسكري يف الجنوب مع تقييدات واضحة ال تسمح له باستخدام‬ ‫منظومتــه الصاروخيــة التــي كانــت ســببا يف إحــداث الصدمــة يف‬ ‫الداخل اإلسرائييل عام ‪ ،2006‬وال تتيح له التسلل عرب الحدود‬ ‫ومهاجمــة املســتوطنات عــى ـغـرار مقاتــي ـغـزة‪ .‬يف نظــام املعركــة‬ ‫الجديد ال يبدو متاحا إلسرائيل القيام بهجوم بري عرب الجنوب‬ ‫اللبناين الستعادة االعتبار لجيشها الذي أخفق عام ‪ ،2006‬كما‬ ‫ال يبدو متاحا للحزب استدراج العدو إىل الداخل لتكرار دروس‬ ‫وادي الحجــر‪ ،‬وســهل الخيــام‪ ،‬مجــددا‪.‬‬

‫قواعد االشتباك‬

‫حـزب اللــه” مــن إمكانيــة‬ ‫لقــد جـ ّردت قواعــد االشــتباك الجديــدة “ ـ‬ ‫انتظــار العــدو يف املواقــع املحصنــة وتســجيل االنتصــارات يف املــكان‬ ‫حـزب اللــه” هــذه ا ـملـرة فــوق األرض‬ ‫واللحظــة املناســبني‪ .‬يقاتــل “ ـ‬ ‫طـول الشــريط الحــدودي ويطلــق أســلحته املضــادة للدبابــات‬ ‫عــى ـ‬ ‫مــن مواقــع ظرفيــة مســتحدثة مرئيــة مــن العــدو ولــم يتســن لــه‬ ‫تحصينهــا‪ ،‬فيمــا يحتمــي جنــود العــدو يف مواقعهــم ومدرعاتهــم‬ ‫حـزب”‪.‬‬ ‫التــي وضعــت يف مرمــى ـنـران “ال ـ‬ ‫إن السؤال الذي يطرح نفسه ههنا‪ :‬ماذا يقدّم “الحزب” لغزة‬ ‫حـرب‬ ‫مــن خــال مــا يقــوم بــه؟ وهــل تقتــي األهــداف السياســية لل ـ‬ ‫عـراء‬ ‫حـزب اللــه” مــن مواقعــه املحصنــة إىل ال ـ‬ ‫يف ـغـزة أن يخــرج “ ـ‬ ‫صـره بشــكل يومــي ويمنــع مــن اســتعمال صواريخــه؟‬ ‫ليســقط عنا ـ‬ ‫وهــل تريــد ط ـهـران فعــا دعــم مقاتــي ـغـزة؟‬ ‫يف غزة تحول السقوف العالية لألهداف اإلسرائيلية املعلنة‪،‬‬ ‫ومنها تدمري “حماس” وتهجري الفلسطينيني‪ ،‬دون التوصل إىل‬ ‫وقف دائم إلطالق النار‪ .‬أما يف لبنان فال يسعى أحد لوقف إطالق‬ ‫سـرائيل بأســباب‬ ‫حـزب اللــه” وإ ـ‬ ‫النــار بالرغــم مــن جهــل كل مــن “ ـ‬ ‫هذا الرتاشق عرب الحدود‪.‬‬


‫المجلة‬

‫‪29‬‬

‫ط ـهـران واملوقــف اإل ـيـراين حيــال ـغـزة‪.‬‬ ‫وإىل جانب هذا االنضباط امليداين وما يقف خلفه من أهداف سياسية لكل‬ ‫مــن ط ـهـران وواشــنطن‪ ،‬والتــي ســتكون مواضيــع لدراســات متأنيــة بالتــوازي مــع‬ ‫حـرب وتداعياتهــا السياســية واألمنيــة عــى كل دول املنطقــة‪،‬‬ ‫تطــور مجريــات ال ـ‬ ‫وربمــا عــى صياغــة تحالفــات جديــدة‪ ،‬فــإن مقارنــة جــادة بــن األداء العســكري‬ ‫حـزب يف لبنــان وخارجــه مــن صــور‬ ‫حـزب اللــه” ومــا يختزنــه جمهــور ال ـ‬ ‫الحــايل لـ “ ـ‬ ‫ألداء “حزب الله” خالل عدوان يوليو‪/‬تموز ‪ 2006‬تفرض نفسها‪ -‬ال سيما مع‬ ‫حـزب” الذيــن يســقطون خــال االشــتباكات اليوميــة‪-‬‬ ‫ارت ـفـاع أعــداد مقاتــي “ال ـ‬ ‫بـالرغم من محدودية الوسائل املستخدمة من قبل العدو واالكتفاء باستخدام‬ ‫شـرة وطا ـئـرات الدرونــز‪.‬‬ ‫األســلحة املبا ـ‬ ‫حـرب عــام ‪ 2006‬واالشــتباكات الحاليــة العا ـبـرة‬ ‫ال شــك أن املقارنــة بــن ـ‬ ‫للحــدود إن كانــت جا ـئـزة عــى مســتوى الخســائر بعــد ‪ 23‬يومــا مــن االشــتباكات‬ ‫فإنها غري جائزة عىل مستوى الواقع امليداين‪ ،‬نظرا لالختالف الكبري بني ظروف‬ ‫املعركتني‪ ،‬ويف طليعتها األهداف التي أعلنها كال الفريقني عام ‪ 2006‬يف حني‬

‫لــم تتضــح األهــداف املنشــودة مــن أي منهمــا حاليــا‪ ،‬بمــا يدفــع لالســتنتاج بــأن مــا‬ ‫يجري عىل الحدود ليس سوى “اشتباك ملجرد االشتباك”‪ .‬وبمعزل عن البحث‬ ‫يف األهــداف السياســية ملــا يجــري عــى الحــدود الجنوبيــة اللبنانيــة أو مــا اصطلــح‬ ‫عىل تسميته الجبهة الشمالية‪ ،‬وأثر ذلك عىل تقييد املناورات يف امليدان‪ ،‬فإن‬ ‫املقارنــة بــن الظــروف امليدانيــة الحاليــة وتلــك التــي رافقــت عــدوان ‪ 2006‬والتــي‬ ‫فرضــت نظامــا مختلفــا للمعركــة يف كل منهمــا تقــدم لنــا مــا يــي‪:‬‬

‫نقاط القوة التي استند إليها “حزب هللا” عام ‪:2006‬‬

‫‪ ‬استخدام الصواريخ‪ :‬أدار “حزب الله” يف حينه إمكاناته الصاروخية بشكل‬ ‫فعّ ال‪ ،‬مما جعل القوات اإلسرائيلية عاجزة عن وقف وابل الصواريخ اليومية‬ ‫عــى شــمال البــاد‪ ،‬وقــد توزعــت الصواريــخ جغرافيــا عــى الشــكل التــايل‪530 :‬‬ ‫صاروخا عىل منطقة الجليل (من عكا حتى “كريات شمونة”)‪ ،‬و‪ 221‬صاروخا‬ ‫ضـرة إىل عــكا)‪ ،‬و‪ 217‬صاروخــا عــى منطقــة‬ ‫عــى منطقــة الســاحل (مــن الخ ـ‬ ‫األغوار (طربيا وبيسان والعفولة)‪ ،‬إضافة إىل سقوط صاروخني بعيدي املدى‬

‫‪ ...‬و”حزب هللا” ‪2023‬‬ ‫بريوت – خالد حمادة‬

‫رسوم – شانتال جاهشان‬

‫سياسة‬


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫قصة الغالف‬

‫مع انطالق عملية “طوفان األقىص” يوم ‪ 7‬أكتوبر‪/‬تشرين األول ونجاح عناصر‬ ‫سـرائيلية‪ ،‬توجهــت‬ ‫خـراق جــدار ـغـزة ومهاجمــة املســتوطنات اإل ـ‬ ‫“حمــاس” يف ا ـ‬ ‫األنظــار إىل الجنــوب اللبنــاين ترتقــب اخرتاقــا وشــيكا للحــدود تنفــذه مجموعــات‬ ‫حـزب اللــه” نحــو الجليــل املحتــل‪.‬‬ ‫مــن “ ـ‬ ‫حـزب اللــه” يف لبنــان ويف دول أخــرى بحتميــة‬ ‫قناعــة مقاتــي ـغـزة وجمهــور “ ـ‬ ‫حـرب الدا ـئـرة عــى ـغـزة‪ ،‬اســتندت إىل مبــدأ “وحــدة‬ ‫حـزب” يف ال ـ‬ ‫تدخــل “ال ـ‬ ‫الســاحات” الــذي أعلنتــه فصائــل املمانعــة ـمـرارا‪ ،‬كمــا اســتندت إىل تأكيــد أمــن‬ ‫عام “حزب الله” حسن نصرالله مرارا عىل أن “الحزب” يستطيع نقل املعركة‬ ‫سـرائييل‪.‬‬ ‫إىل الداخــل اإل ـ‬ ‫لم تكن االشتباكات املتقطعة التي بدأت يف مزارع شبعا وامتدت بعد ذلك‬ ‫عــى كامــل الحــدود كافيــة لإلجابــة عــى التســاؤالت حيــال حقيقــة املوقــف الــذي‬ ‫حـرب الدا ـئـرة يف ـغـزة‪ ،‬ال ســيما بعــد التأكيــدات األمريكيــة‬ ‫تتخــذه ط ـهـران مــن ال ـ‬ ‫عــى عــدم وجــود أي دليــل عــى تــورط ط ـهـران يف “طوفــان األقــى”‪ .‬املوقــف‬ ‫اإل ـيـراين الــذي عـ ّـر عنــه وزيــر الخارجيــة اإل ـيـراين حســن أمــر عبداللهيــان خــال‬

‫‪28‬‬

‫زيارتــه لبــروت وبعدهــا يف أكــر مــن عاصمــة‪ ،‬القــى املوقــف األ ـمـريك‪ ،‬وأكــد يف‬ ‫حـزب اللــه” الــذي يعــود لــه‬ ‫الوقــت عينــه عــى دعــم “فصائــل املمانعــة” بقيــادة “ ـ‬ ‫تقديــر مســتوى الــرد عــى مــا يجــري يف ـغـزة‪.‬‬ ‫هذا وقد توالت املواقف اإليرانية التي وإن حذرت من تصاعد العنف يف غزة‬ ‫واإلشارة إىل إمكانية انفجار املنطقة‪ ،‬إال أنها بقيت دون اإلشارة إىل أي رد فعل‬ ‫إيراين حيال التدمري اإلسرائييل لغزة‪.‬‬ ‫حـزب‬ ‫بــدت االشــتباكات الحدوديــة اليوميــة يف أكتوبــر‪ /‬تشــرين األول‪ ،‬بــن “ ـ‬ ‫الله” والجيش اإلسرائييل منذ بدء العمليات يف غزة محكومة بتقييدات ميدانية‬ ‫منســقة ومنضبطــة إىل أبعــد الحــدود‪ ،‬يعـ ّـر عــن ذلــك بشــكل واضــح العمــق‬ ‫املحــدود للمواقــع املســتهدفة مــن قبــل الطرفــن‪ ،‬والــذي ال يتجــاوز كيلومرتيــن‪،‬‬ ‫شـرك العابــر للحــدود بمعالجــة األهــداف العســكرية‬ ‫كمــا يعـ ّـر عنهــا االل ـتـزام امل ـ‬ ‫املباشرة فقط‪ ،‬واالنضباط يف استخدام املقذوفات والذخائر املناسبة‪ ،‬بما يفيض‬ ‫إىل االســتنتاج بأن إيقاع العمليات ليس ســوى إســقاط ميداين لقواعد اشــتباك‬ ‫سيايس تديرها إيران والواليات املتحدة‪ ،‬بما يتناسب مع املوقف األمرييك حيال‬

‫الفرق بين “حزب هللا” ‪2006‬‬ ‫تساؤالت حول األداء واألهداف السياسية‬


‫‪27‬‬

‫المجلة‬

‫ليســت بســيطة عــى اإلطــاق‪ .‬وهــذا يتطلــب بديــا قابــا للتطبيــق‬ ‫وخطة واقعية لبناء حكومة جديدة‪ ،‬خاصة بالنظر إىل األضرار‬ ‫الجسيمة التي قد يسببها الصراع يف غزة (وهو ما يحدث بالفعل)‪.‬‬ ‫والســؤال اآلن هــو مــا إذا كانــت الحكومــة التــي يقودهــا نتنياهــو‪،‬‬ ‫والتي سعت تاريخيا إىل تعزيز قوة “حماس” وإضعاف السلطة‬ ‫الفلسطينية من خالل نهج “فرق تسد”‪ ،‬قد باتت اليوم– وعىل‬ ‫حــن ـغـرة– عــى اســتعداد ملســاعدة محمــود عبــاس يف اســتعادة‬ ‫الســيطرة عــى ـغـزة‪.‬‬ ‫ظـرا لســجل نتنياهــو‪ ،‬ولكــن حتــى لــو‬ ‫ال رهــان عــى ذلــك‪ ،‬ن ـ‬ ‫حــدث فــإن الســلطة الفلســطينية قــد تكــون ميتــة بح ـلـول الوقــت‬ ‫سـرائيل ـغـزة‪ .‬ولنتذكــر أنــه حتــى قبــل الســابع‬ ‫الــذي “تحتــل فيــه” إ ـ‬ ‫من أكتوبر‪/‬تشرين األول‪ ،‬كانت السلطة الفلسطينية تعاين من‬ ‫شـرعية يف‬ ‫أزمــة طويلــة وعميقــة‪ .‬أزمــة قائمــة‪ ،‬بعــد أن فقــدت ال ـ‬ ‫جـزء مــن‬ ‫نظــر الفلســطينيني‪ ،‬بــل وفقــدت فعليــا الســيطرة عــى ـ‬ ‫الضفــة الغربيــة‪.‬‬

‫بدائل “حماس”‬

‫يجــري اآلن استكشــاف بدائــل أخــرى الســتعادة حكــم الســلطة‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬مثل استيالء مصر عىل السلطة‪ ،‬أو تشكيل حكومة‬ ‫برئاسة محمد دحالن‪ ،‬الخصم اللدود لعباس منذ فرتة طويلة‪.‬‬ ‫ولكن أيا من الخيارين ال يبدو واقعيا حقا؛ فمصر ليست مهتمة‬ ‫بــأي حــال مــن األحــوال باســتعادة املســؤولية عــن ـغـزة‪ ،‬يف وقــت‬ ‫تواجــه تحديــات داخليــة هائلــة‪.‬‬ ‫أمــا دحــان‪ ،‬املنفــي يف الخــارج‪ ،‬فلــم يتواجــد يف ـغـزة منــذ‬ ‫ســنوات‪ ،‬بــل إنــه هــو الــذي خســرها أمــام “حمــاس” عــام ‪.2007‬‬ ‫وهــو يف أحســن األحــوال شــخصية غامضــة وانتهازيــة‪ ،‬وعالقاتــه‬ ‫مــع “حمــاس” غــر واضحــة‪ .‬وإذا أعيــد إىل الســلطة يف ـغـزة‪ ،‬فإمــا‬ ‫أن يصبح رئيسا صوريا عاجزا‪ ،‬وإما أن يستمر يف عقد الصفقات‬ ‫من أجل بقائه؛ بما يف ذلك مع “حماس” إذا لزم األمر‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن أن أي شخص تعينه إسرائيل سيبدأ حياته املهنية كشخصية‬ ‫شـرعية يف نظــر الفلســطينيني‪.‬‬ ‫غــر ـ‬ ‫البديــل الــذي يشــكل مصــدر قلــق للفلســطينيني هــو احتمــال‬ ‫حــدوث “نكبــة” أخــرى‪ ،‬أي تهجــر جماعــي للفلســطينيني مــن‬ ‫غزة‪ .‬ويف حني أن بعض األفراد يف إسرائيل‪ ،‬بما يف ذلك مؤسسة‬ ‫فكرية هامشية يقودها مئري بن شبات‪ ،‬مستشار األمن القومي‬ ‫الســابق‪ ،‬قــد ذكــروا هــذا االحتمــال‪ ،‬فمــن غــر املرجــح أن يكــون‬ ‫سـرائيل الفعليــة‪.‬‬ ‫جـزءا مــن خطــط إ ـ‬ ‫ـ‬

‫يف إسرائيل‪ ،‬وجد خصوم السالم شريكا مفيدا‬ ‫لهم يف “حماس”؛ إذ اعتمدت اسرتاتيجية‬ ‫“فرق تسد” التي تبناها نتنياهو‪ ،‬والتي تهدف‬ ‫إىل تقسيم الفلسطينيني‬

‫سياسة‬

‫إن مثل هذه الخطوة من جانب إسرائيل من شأنها أن تخلف‬ ‫حـاء العالــم العربــي‪ ،‬وخاصــة يف‬ ‫تداعيــات عميقــة يف مختلــف أن ـ‬ ‫مصر‪ ،‬ومن شأنها أن تحول الحكومة التي تمكنت إسرائيل من‬ ‫التعاون معها إىل خصم لدود‪.‬‬ ‫ولن يؤدي هذا إىل الرتاجع عن سنوات من التقدم فحسب‪،‬‬ ‫بــل ســيؤدي أيضــا إىل تراجــع العالقــات بــن البلديــن عقــودا إىل‬ ‫الــوراء‪ ،‬عــى الرغــم مــن أننــي أفهــم ملــاذا قــد يخــى الفلســطينيون‬ ‫يف غزة مثل هذا السيناريو وملاذا يعتقدون أن إسرائيل قادرة عىل‬ ‫النظر فيه‪ ،‬فمن املرجح أن يُنظر إىل أي شخص يدافع عنه داخل‬ ‫سـرائيل عــى أنــه فــرد متهــور‪ ،‬ليــس فقــط مــن قبــل الشــخصيات‬ ‫إ ـ‬ ‫سـرائيل‪ ،‬بمــا‬ ‫سـرائيلية األخــرى‪ ،‬ولكــن أيضــا مــن قبــل حل ـفـاء إ ـ‬ ‫اإل ـ‬ ‫يف ذلــك الواليــات املتحــدة‪.‬‬

‫“حكومة تحت وصاية بالغين”‬

‫وبينما أظهرت الحكومة التي يقودها “بيبي” (نتنياهو) أن الحماقة‬ ‫متأصلة فيها بشكل طبيعي‪ ،‬إال أنها اآلن تحت وصاية “بالغني‬ ‫آخرين يف الغرفة” لن يسمحوا بتصرفات اضافية‪.‬‬ ‫سـرائيليون أيضــا أنهــم ســوف‬ ‫خـرا‪ ،‬زعــم املســؤولون اإل ـ‬ ‫وأ ـ‬ ‫“يدمــرون قــدرات حمــاس العســكرية”‪ .‬يبــدو هــذا بالتأكيــد وكأنــه‬ ‫خطــة أكــر واقعيــة‪ ،‬يف ظاهرهــا‪ .‬ولكــن حتــى هــذا الهــدف ســوف‬ ‫طـاء ف ـكـرة عــن نطــاق الحملــة‪ ،‬فقــد اســتمرت‬ ‫يكــون صعبــا‪ .‬وإلع ـ‬ ‫حملــة اســتعادة الرقــة مــن “داعــش” خمســة أشــهر‪ .‬واســتغرقت‬ ‫حملــة اســتعادة املوصــل مــن “داعــش” تســعة أشــهر‪.‬‬ ‫طـاع ـغـزة منطقــة أكــر بكثــر وأكــر كثافــة‪ .‬وتشــر التقد ـيـرات‬ ‫ق ـ‬ ‫إىل أن لــدى “حمــاس” أكــر مــن ‪ 30‬ألــف رجــل‪ ،‬أي أكــر بعــدة‬ ‫سـرائيل حشــدت أيضــا‬ ‫ـمـرات مــن “داعــش”– عــى الرغــم مــن أن إ ـ‬ ‫قــوة أوســع وهــي قــوة أكــر صالبــة بكثــر‪ .‬وقامــت “حمــاس” منــذ‬ ‫ســنوات باســتخدام الخرســانة بشــكل كبــر لب ـنـاء مدينــة تحــت‬ ‫جـزاء مــن‬ ‫األرض‪ ،‬معظمهــا تحــت مدينــة ـغـزة‪ ،‬ولكــن أيضــا يف أ ـ‬ ‫طـاع ـغـزة وشــرق خــان يونــس‪.‬‬ ‫وســط ق ـ‬ ‫وسيتعني عىل الطائرات اإلسرائيلية استخدام القنابل الخارقة‬ ‫للتحصينات لتدمري بعض األنفاق‪ ،‬معرضة لخطر القتل أولئك‬ ‫الرهائــن الذيــن مــن املحتمــل أن يكونــوا مختبئــن داخلهــا‪ .‬وبينمــا‬ ‫يواجه قطاع غزة أزمة إنسانية حادة‪ ،‬فمن املرجح أن “حماس”‬ ‫قامت بتخزين الوقود والغذاء واملياه ملدة أشهر‪ .‬وكانت إسرائيل‬ ‫سـاح املهندســن والقــوات‬ ‫تــدرب وحــدات محــددة‪ ،‬بمــا يف ذلــك ـ‬ ‫الخاصــة‪ ،‬عــى القتــال يف األنفــاق‪ ،‬ولكــن هــذه ســتكون حربــا‬ ‫شـرات القتــى مــن املدنيــن‪،‬‬ ‫وحشــية‪ ،‬مــن شــأنها أن تخلــف ع ـ‬ ‫وتدمــر القســم األعظــم مــن ـغـزة‪.‬‬ ‫شـركاؤهم قــد‬ ‫سـرائيليون و ـ‬ ‫أتوقــع اآلن أن يكــون القــادة اإل ـ‬ ‫فكــروا يف هــذه الســيناريوهات‪ ،‬وتناقشــوا فيهــا كمــا آمــل‪ .‬ال بــد‬ ‫أن األشــخاص األكــر هــدوءا يف الغرفــة هــم الذيــن أجــروا تلــك‬ ‫التقييمــات‪ ،‬ولــن يكــون مــن الصعــب عــى اإلطــاق التنبــؤ بهــا‪.‬‬ ‫سـرائيل أن‬ ‫ونأمــل أن يفهــم بعضهــم أنــه يف حــن يتعــن عــى إ ـ‬ ‫تــرد عــى همجيــة “حمــاس”‪ ،‬فإنهــا قــد ترتكــب بالســهولة نفســها‬ ‫طـاء ذات أبعــاد تاريخيــة‪.‬‬ ‫أخ ـ‬ ‫حـاء‬ ‫طـاء التــي لــن تخــدم ســوى املتطرفــن يف جميــع أن ـ‬ ‫واألخ ـ‬ ‫املنطقــة‪ ،‬بمــا يف ذلــك إ ـيـران‪ ،‬التــي كانــت دائمــا ســعيدة بالب ـنـاء‬ ‫عــى بــؤس الفلســطينيني‪ ،‬وتجنيــد املزيــد مــن الجنــود لتغذيــة‬ ‫طموحاتهــا اإلقليميــة‪.‬‬


‫سياسة‬

‫سـرائييل‪ -‬الفلســطيني‪ ،‬و ـغـره مــن‬ ‫صـراع اإل ـ‬ ‫إن النظــر إىل ال ـ‬ ‫الصراعــات– مــن منظــور تاريخــي– يوحــي بأنــه ربمــا ال ـتـزال هنــاك‬ ‫فرصة للسالم؛ ففي بعض األحيان‪ ،‬تكون للمآيس عواقب غري‬ ‫متوقعــة‪ ،‬حتــى بالنســبة ألولئــك الذيــن تســببوا فيهــا؛ إذ أدت‬ ‫سلســلة مــن الهجمــات الفلســطينية‪ ،‬يف أواخــر الســبعينات‪ ،‬بمــا‬ ‫يف ذلك ما عرف باسم “مذبحة الطريق الساحيل”– والتي أسفرت‬ ‫عن مقتل ما يقرب من ‪ 40‬إسرائيليا‪ ،‬بينهم أطفال– إىل الغزو‬ ‫سـرائييل لجنوب لبنان عام ‪ .1982‬وأدى طرد منظمة التحرير‬ ‫اإل ـ‬ ‫الفلسطينية من لبنان‪ ،‬وعزلتها املتزايدة عن األحداث يف إسرائيل‬ ‫وفلســطني‪ ،‬إىل دفعهــا تدريجيــا نحــو التفكــر يف الســام‪.‬‬ ‫بالطبــع هــذه مقارنــة غــر مالئمــة‪ ،‬وال تعنــي أن كل هــذه‬ ‫األحداث (الغزو اإلسرائييل للبنان‪ ،‬أو الهجمات الفلسطينية يف‬ ‫صـول إىل تلــك النقطــة‪.‬‬ ‫ذلــك الوقــت) كانــت مــررة أو ضروريــة للو ـ‬ ‫حـزب اللــه”‪ ،‬الــذي اســتغل القضيــة الفلســطينية برباعــة‬ ‫كمــا أن “ ـ‬ ‫لخدمــة مصالحــه الخاصــة كمــا فعــل راعيــه‪ ،‬ظهــر أيضــا نتيجــة‬ ‫لغــزو جنــوب لبنــان‪.‬‬ ‫ولكــن إذا أصبحــت “حمــاس” معزولــة ومنهكــة‪ ،‬ووقعــت‬ ‫مســؤولية الفشــل الــذي حــدث يف ‪ 7‬أكتوبر‪/‬تشــرين األول يف آخــر‬ ‫املطــاف عــى عاتــق نتنياهــو‪ ،‬فهــذا يعنــي إزالــة عقبتــن ال يســتهان‬ ‫بهمــا أمــام الســام‪ .‬وبصــورة أوســع‪ ،‬تثــر املجــازر التســاؤالت عــن‬ ‫صـول إىل‬ ‫إمكانيــة القيــام باألشــياء بشــكل مختلــف‪ ،‬لتفــادي الو ـ‬ ‫نفس النتائج‪ ،‬كما يقول املثل‪ ،‬الجنون هو القيام بنفس الفعل‬ ‫ـمـرارا وتوقــع نتائــج مختلفــة‪.‬‬ ‫هنــاك أســباب ك ـثـرة لعــدم التفــاؤل؛ فالعقبــات أمــام إحــال‬ ‫الســام كانــت ضخمــة حتــى قبــل الســابع مــن أكتوبر‪/‬تشــرين‬ ‫األول؛ إذ إن حكومة إسرائيل تتضمن بعضا من أعتى العناصر‬ ‫الراديكاليــة التــي رأيناهــا‪ ،‬بمــا يف ذلــك إيتمــار بــن غفــر الــذي ي ـلـوح‬ ‫سـاح‪ ،‬واألخطــر منــه بكثــر هــو بتســلئيل ســموتريش‪ ،‬الــذي‬ ‫بال ـ‬ ‫يهــدف إىل وأد أي احتمــال لحــل الدولتــن بشــكل فعــال‪.‬‬ ‫لقد توسعت املستوطنات بشكل كبري‪ ،‬بينما يدفع سموتريش‬ ‫وبكل هدوء بخطط لتوسيع وشرعنة املستوطنات غري الشرعية‬ ‫التي تقع يف عمق الضفة الغربية‪ .‬ومن شأن ذلك أن يجعل السالم‬ ‫أكرث صعوبة‪ ،‬وينبغي أن يكون أيضا بمثابة تحذير ألولئك الذين‬ ‫سـرائيل‬ ‫يزعمــون أن حــل الدولتــن قــد مــات‪ ،‬فالراديكاليــون يف إ ـ‬ ‫ال يوافقونكم الرأي؛ فبينما أنتم منشــغلون بالرتويج بأن الحل‬ ‫األكرث توافقية لهذا الصراع لم يعد موجودا‪ ،‬هم اآلن مشغولون‬ ‫بالعمل لجعل كالمكم حقيقيا بالفعل‪ .‬ويمكن للتلويح بحلول‬ ‫غــر تقليديــة أخــرى مثــل الدولــة ثنائيــة القوميــة‪ ،‬أن يجعــل ا ـملـرء‬ ‫يبدو ذكيا‪ ،‬ولكنه يجعله أيضا منفصال عن الواقع‪ ،‬إذ ال تحظى‬ ‫هذه الحلول بدعم الفلسطينيني أو اإلسرائيليني عىل حد سواء‪.‬‬

‫فقدان المصداقية‬

‫وعىل الجانب الفلسطيني‪ ،‬وبعيدا عن جهود “حماس” لتقويض‬ ‫الســام‪ ،‬فقــدت الســلطة الفلســطينية مصداقيتهــا؛ فالرئيــس‬ ‫عباس بالكاد يستطيع الخروج من أسوار القصر الرئايس يف رام‬ ‫الله‪ ،‬إذ إنه أصبح مكروها من القيادة الفلسطينية‪ ،‬وحتى داخل‬ ‫صفــوف حزبــه‪ ،‬حيــث تســتمر الخالفــات والصراعــات الســلطوية‪.‬‬ ‫سـاءل‬ ‫خـرط يف لعبــة إل ـقـاء اللــوم‪ ،‬ونت ـ‬ ‫و ـمـرة أخــرى‪ ،‬يمكننــا أن نن ـ‬ ‫ملاذا ال يحظى عباس بشعبية كبرية‪ .‬ولكن هذه اللعبة ستؤدي إىل‬ ‫االبتعاد عن الحل‪ .‬فعباس‪ ،‬الذي ال يزال ملتزما رسميا بالسالم‬

‫المجلة‬

‫‪2008‬‬ ‫‪2009-‬‬

‫عملية الرصاص‬ ‫المصبوب‪ /‬معركة‬ ‫الفرقان‬

‫‪2012‬‬

‫عامود السحاب‪/‬‬ ‫حجارة السجيل‬

‫‪2014‬‬

‫الجرف الصامد‪/‬‬ ‫العصف المأكول‬

‫‪2019‬‬

‫معركة صيحة الفجر‬

‫‪2021‬‬

‫حارس األسوار‪/‬‬ ‫سيف القدس‬

‫‪2022‬‬

‫الفجر الصادق‪/‬‬ ‫وحدة الساحات‬

‫‪2023‬‬

‫طوفان األقصى‪/‬‬ ‫السيوف الحديدية‬

‫‪26‬‬

‫واملقاومة السلمية لالحتالل‪ ،‬أصبح عقبة أمام السالم؛ فهو ال‬ ‫يحظى بشعبية كبرية ليضع ثقله يف أي حل عادل للصراع؛ حل‬ ‫يتطلب بعض التنازالت من الجانب الفلسطيني‪.‬‬ ‫ويف الوقت نفسه‪ ،‬فإن خليفة عباس ربما يكون أقل شرعية‬ ‫منه‪ ،‬أو أسوأ منه بكثري‪ ،‬وهذا يفسر سبب عدم تفاؤيل كمحلل‬ ‫بشأن آفاق السالم حتى قبل السابع من أكتوبر‪/‬تشرين األول‪.‬‬ ‫عىل كل‪ ،‬هناك معسكر آخذ يف االتساع وقطاعات عريضة من‬ ‫الجمهــور تعتقــد (بشــكل خاطــئ يف رأيــي) بإمكانيــة الفــوز يف هــذا‬ ‫صـراع‪ ،‬بــدال مــن إيجــاد ح ـلـول لــه‪ .‬لكــن بشــكل عــام‪ ،‬ثبــت خطــأ‬ ‫ال ـ‬ ‫أولئك الذين يعتقدون أن هذه املسألة مجرد “مسألة أمنية”‪.‬‬ ‫سـاء بعض أقوى‬ ‫سـرائيل‪ ،‬يف كثري من األحيان يعرتف رؤ ـ‬ ‫يف إ ـ‬ ‫سـرائيل‬ ‫األج ـهـزة األمنيــة يف البــاد (ممــن حاربــوا مــن أجــل أمــن إ ـ‬ ‫لعقــود) بــأن هــذه املشــكلة ال يمكــن حلهــا بتبنــي الح ـلـول األمنيــة‪،‬‬ ‫بــل مــن خــال الح ـلـول السياســية‪.‬‬ ‫وحتى اليوم‪ ،‬وبينما تسعى إسرائيل للتخلص من “حماس”‪،‬‬ ‫يجــب عليهــا أن تفكــر فيمــا إذا كان بإمكانهــا القيــام بهــذا‪ ،‬بينمــا‬ ‫تســتمر يف رفضها الحديث عن الســام‪ ،‬وكذلك يجب أن يفعل‬ ‫الفلســطينيون أيضــا‪ .‬لربمــا يبــدو هــذا األمــر ســاذجا‪ ،‬فأنــا كمحلــل‬ ‫عيل لقب ســوداوي‪ ،‬بدال من لقب ســاذج‪.‬‬ ‫أفضل أن يطلق ّ‬

‫ما هي بدائل “حماس” في غزة؟‬

‫سـرائيليون بعــدة‬ ‫منــذ ‪ 7‬أكتوبر‪/‬تشــرين األول‪ ،‬أدىل مســؤولون إ ـ‬ ‫حـول الهــدف املحتمــل لحملتهــم يف ـغـزة‪ .‬وشــهدت‬ ‫تصريحــات ـ‬ ‫سـرائيل “ســتمحو هذا‬ ‫األيام األوىل قول وزير الدفاع غاالنت إن إ ـ‬ ‫الــيء املســمى حمــاس”‪ ،‬مقارنــا “حمــاس” بتنظيــم “داعــش”‪،‬‬ ‫ووعــد ـمـرة أخــرى بأنهــا “ســوف ُتمحــى مــن عــى وجــه األرض”‪.‬‬ ‫ودون النظــر يف املعايــر املحــددة ملثــل هــذه العمليــة “إلزالــة‬ ‫حماس” من غزة‪ ،‬أو عدد القتىل الهائل الذي سيرتتب عىل مثل‬ ‫هذه الخطة‪ ،‬سأشري إىل أن كل الحمالت السابقة التي ُشنت يف‬ ‫كل مــكان آخــر يف العالــم‪ ،‬ســواء كانــت ضــد تنظيــم “داعــش” أو‬ ‫الحملــة ضــد حركــة “طالبــان” يف أفغانســتان‪ ،‬أثبتــت شــيئا واحــدا‬ ‫وهــو أن “النصــر” ليــس باألمــر اليســر‪.‬‬ ‫مــن املمكــن إضعــاف الجماعــات املســلحة مــن خــال الحمــات‬ ‫األمنيــة‪ ،‬لكــن تحقيــق هزيمــة نهائيــة وكاملــة‪ ،‬كمــا يريــد غاالنــت‪،‬‬ ‫نــادرا مــا يتحقــق‪ .‬ومــن املهــم أيضــا أن نــدرك أن أي حملــة أمنيــة‬ ‫كبرية يجب أن تتضمن عنصرا سياسيا ومكونا لبناء الدولة‪ ،‬حيث‬ ‫يتماىش ذلك مع الدروس املستفادة من الجهود السابقة ملكافحة‬ ‫الجماعات املتطرفة‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬ال بد من اإلشارة إىل أن‬ ‫عمليات مكافحة التمرد هذه تمتد عادة عىل مدى عدة سنوات‪.‬‬ ‫ولم تشن إسرائيل مثل هذه الحملة من قبل‪ ،‬والشروع يف مثل‬ ‫هذه الحملة دون استعدادات شاملة‪ ،‬وخاصة يف أعقاب هجوم‬ ‫مفاجئ‪ ،‬قد يتبني بسهولة أنه أمر غري حكيم‪ ،‬عىل أقل تقدير‪.‬‬ ‫املجمو عــة الثانيــة مــن األ هــداف التــي ذكر هــا املســؤولون‬ ‫سـرائيليون تتعلــق بف ـكـرة “اإلطاحــة” بقيــادة “حمــاس” يف‬ ‫اإل ـ‬ ‫ـغـزة‪ .‬لقــد عملــت “حمــاس” كنظــام اســتبدادي‪ ،‬حيــث قمعــت أي‬ ‫شكل من أشكال املعارضة داخل غزة وحولت املساعدات الدولية‬ ‫لصالحها‪ .‬كما أن أفعالها جعلت املنطقة أقرب إىل صراع محتمل‬ ‫أكــر مــن أي وقــت مــى‪.‬‬ ‫ورغــم أن ف ـكـرة “إزالــة حمــاس” قــد تبــدو جذابــة يف نظــر‬ ‫سـرائيليني‪ ،‬إال أن الجوانــب العمليــة لتحقيــق هــذه الغايــة‬ ‫اإل ـ‬


‫‪25‬‬

‫المجلة‬

‫وجد خصوم التسويات يف اسرائيل شريكا مفيدا لهم يف “حماس”‬ ‫القدس ‪ -‬مايكل هوروفيتز‬ ‫رسم ‪ -‬روب كارتر‬

‫يف ظــل كل هــذا العــدد مــن القتــى وكل هــذه القســوة‪ ،‬فــإن‬ ‫الحديــث عــن الســام يبــدو أ ـمـرا مســتبعدا يف أحســن األحــوال‪.‬‬ ‫يمكن أن يجادل البعض– وهم عىل حق– بأنه حتى قبل السابع‬ ‫سـرائييل‪-‬‬ ‫صـراع اإل ـ‬ ‫مــن أكتوبر‪/‬تشــرين األول‪ ،‬كان الســام يف ال ـ‬ ‫الفلســطيني احتمــاال بعيــد املنــال‪ .‬مــن منظــور تاريخــي‪ ،‬يعــدّ هــذا‬ ‫الحــدث واحــدا مــن الصراعــات القليلــة التــي أصبحــت فيهــا ف ـكـرة‬ ‫الســام واقعــا ملموســا‪ ،‬بعــد اتفاقــات أوســلو‪ ،‬لكنهــا تحطمــت‬ ‫بشــكل مأســاوي خــال العقــود التــي تلــت ذلــك‪ .‬ونتيجــة لذلــك‪،‬‬ ‫شـرائح‬ ‫تعتــر ف ـكـرة الســام بحــد ذاتهــا محــل تســاؤالت‪ ،‬يف نظــر ـ‬ ‫سـرائيليني والفلســطينيني‪.‬‬ ‫مــن اإل ـ‬ ‫ويبــدو أن ذكــر اســم اتفاقــات أوســلو يوحــي وكأنــه حديــث‬ ‫خـرط فيــه الطرفــان‪،‬‬ ‫عــن ـنـوع مــن الخيــال؛ فهــي وهــم جماعــي ان ـ‬ ‫واســتيقظا منــه بعــد ذلــك‪ .‬ويبــدو أن “االتفاقــات التــي ال يجــوز‬ ‫حـول‬ ‫ذكرهــا” تشــوه ســمعة كل مــن يجــرؤ عــى نطــق اســمها‪ .‬وت ـ‬ ‫ص ـنـاع ال ـقـرار عــى الجانبــن منــذ ـفـرة طويلــة‪ ،‬مــن موقــف يســمح‬ ‫بمناقشة الحلول‪ ،‬إىل موقف يعيد تكرار الحجج القديمة‪ .‬وكل‬ ‫طرف يرى نفسه ضحية لآلخر‪ .‬وأصبحت لعبة إلقاء اللوم عىل‬ ‫املــايض بديــا ســاما عــن التفكــر يف املســتقبل‪.‬‬ ‫ســتنتابك الرغبــة أث ـنـاء قيامــك ب ـقـراءة هــذه املقالــة بالســؤال‬ ‫حـول مــن يقــع عليــه اللــوم يف هــذا األمــر‪ .‬هــذا أمــر طبيعــي‪ ،‬ولكــن‬ ‫ـ‬ ‫عليــك أن تعلــم أن العدالــة الحقيقيــة نــادرا مــا تتحقــق يف أوقــات‬ ‫حـرب أو النزاعــات‪.‬‬ ‫ال ـ‬

‫هدنة بدل اتفاق‬

‫غـزة تحديــدا‪ ،‬فــإن كلمــة الســام اســتبدلت‬ ‫عندمــا يتعلــق األمــر ب ـ‬ ‫تدريجيــا بكلمــات أخــرى مثــل “هدنــة”‪ ،‬أو “وقــف إطــاق النــار”‪،‬‬

‫سـرائيليون غالبــا مــا‬ ‫أو “الهــدوء”‪ .‬يف املــايض‪ ،‬كان املســؤولون اإل ـ‬ ‫يقولــون إن هــدف العمليــات العســكرية الســابقة هــو “اســتعادة‬ ‫الهــدوء” وليــس الســام‪ .‬أمــا “حمــاس”‪ ،‬فلــم تعــرف إال بوقــف‬ ‫إطالق النار‪ ،‬حيث قالت‪“ :‬إن الهدوء سيقابل بالهدوء”‪ .‬إال أن‬ ‫الهدوء ليس سالما‪ ،‬الهدوء‪ ،‬هو التوقف املؤقت بني الحروب‪.‬‬ ‫ال ينبغــي للحديــث عــن الســام أن يكــون مــن املحرمــات‪،‬‬ ‫حتــى أث ـنـاء دفــن ا ـملـوىت‪ .‬يف الواقــع‪ ،‬فــإن بعــض عائــات الضحايــا‬ ‫سـرائيليني الذيــن ُقتلــوا بوحشــية عــى يــد “حمــاس”‪ ،‬والذيــن‬ ‫اإل ـ‬ ‫شاهدوا آباءهم يُعدمون بدم بارد‪ ،‬ما زالوا يدعون إىل السالم‪ .‬إنها‬ ‫ملفارقة مأساوية أن نفس املستوطنات اإلسرائيلية التي هاجمتها‬ ‫“حماس” يف صباح هادئ من يوم ‪ 7‬أكتوبر‪/‬تشرين األول‪ ،‬كانت‬ ‫يف الواقع من آخر معاقل معسكر السالم يف إسرائيل‪ .‬لكن تلك‬ ‫الحادثة لم تكن األوىل من نوعها‪ ،‬إذ إن “حماس” بنت مسريتها‬ ‫عىل أساس تدمري السالم؛ فتلك املجموعة نفسها مسؤولة عن‬ ‫كثري من التفجريات االنتحارية التي أعقبت أوسلو‪ ،‬وكان هدفها‬ ‫واضحا‪ :‬منع السالم‪ .‬أال تصدقني؟ إليك إذن كلمات ياسر عرفات‬ ‫التــي قالهــا عــام ‪“ :1996‬نواجــه وســنواجه اإلرهــاب ونقتلعــه مــن‬ ‫أرضنا ألن حلمنا يف الحرية واالستقالل وتقرير املصري ال يمكن أن‬ ‫يتحقق وسط بحر الدم والدموع وإنما بالعمل الدؤوب يف مواجهة‬ ‫هذا اإلرهاب بهذه األجنحة املتطرفة والخطرة لحماس والجهاد”‪.‬‬ ‫سـرائيل‪ ،‬وجــد خصــوم الســام شــريكا مفيــدا لهــم يف‬ ‫ويف إ ـ‬ ‫سـراتيجية “فــرق تســد” التــي تبناهــا‬ ‫“حمــاس”؛ إذ اعتمــدت ا ـ‬ ‫نتنياهو‪ ،‬والتي تهدف إىل تقسيم الفلسطينيني‪ .‬و“حماس” صدت‬ ‫الضغوط التي تدعو الستئناف محادثات السالم‪ .‬وبهذا املعنى فإن‬ ‫نتنياهو مســؤول عن فشــل أوســع بكثري من الفشــل االســتخبارايت‬ ‫والعســكري الــذي شــهدناه يف الســابع مــن أكتوبر‪/‬تشــرين األول‪.‬‬

‫قصة الغالف‬

‫هــل يصمــد الســام‬ ‫بعــد ‪ 7‬أكتوبــر؟‬

‫سياسة‬


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫‪24‬‬


‫‪23‬‬

‫السوفيايت يف الحرب الباردة‪ .‬وكما أوضح يف كتابه “األزمة” الذي‬ ‫ُنشر عام ‪ ،2004‬فإن كيسنجر كان مصمما خالل الحرب الباردة‪،‬‬ ‫ليس عىل إخراج مصر من املعسكر السوفيايت وجلبها إىل الكتلة‬ ‫األمريكيــة وحســب‪ ،‬بــل كان يهــدف فضــال عــن ذلــك إىل الســيطرة‬ ‫حـرب واســتبعاد موســكو‪ .‬ولتحقيــق‬ ‫عــىل عمليــة الســالم بعــد ال ـ‬ ‫ذلــك‪َ ،‬‬ ‫ـكري يف‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ع‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫لن‬ ‫ـرائيل‬ ‫س‬ ‫ـ‬ ‫إ‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫تحق‬ ‫ضمِ ــن كيســنجر أوال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حرب أكتوبر ‪ 1973‬بهدف إضعاف ســوريا ومصر املتحالفتني مع‬ ‫سـرائييل عــىل‬ ‫االتحــاد الســوفيايت‪ .‬وســاعد كيســنجر الجيــش اإل ـ‬ ‫خـرية‬ ‫هزيمــة الجيــش املصــري الثالــث ـغـرب ســيناء يف املرحلــة األ ـ‬ ‫حـرب مــن خــالل تأخــري وقــف إطــالق النــار الــذي أقرتــه األمــم‬ ‫مــن ال ـ‬ ‫املتحدة والذي أراده االتحاد السوفيايت‪ .‬لقد استوعب السوفيات‬ ‫لعبة كيسنجر وهددوا بقوة بالتدخل بوحدات املشاة السوفياتية‬ ‫املحمولة جوا‪ .‬ورد كيسنجر ونيكسون عىل ذلك التهديد بإصدار‬ ‫إنذار نووي‪ ،‬وإعالن التعبئة العسكرية األمريكية الكاملة‪ ،‬األمر‬ ‫الذي أرعب موســكو‪.‬‬ ‫وخالل تلك الفرتة الفاصلة األخرية‪ ،‬حاصرت إسرائيل الجيش‬ ‫ُ‬ ‫اضطرت القاهرة إىل طلب املساعدة من كيسنجر‬ ‫الثالث‪ .‬ومن ثم‬ ‫لتأمــني اإلمــدادات الطبيــة والغذائيــة الحيويــة لجيشــها املحاصــر‪،‬‬ ‫وضغط كيسنجر عىل اإلسرائيليني املرتددين لقبول وقف إطالق‬ ‫النــار‪ .‬وأظ ـهـرت تكتيــكات كيســنجر الصارمــة مــع الجيــش الثالــث‪،‬‬ ‫سـرائيل‪ ،‬أن األمريكيــني فقــط‪ ،‬وليــس الســوفيات‪،‬‬ ‫والحقــا مــع إ ـ‬ ‫سـرائيلية التــي كانــت‬ ‫هــم مــن يســتطيعون تقديــم التنــازالت اإل ـ‬ ‫الــدول العربيــة تريدهــا‪.‬‬ ‫لــم يتمكــن الســوفيات مــن إيقــاف كيســنجر عــام ‪ ،1974‬وبعــد‬

‫المجلة‬

‫لم يكن‬ ‫كيسنجر‬ ‫مصمما‬ ‫خالل الحرب‬ ‫الباردة‪ ،‬عىل‬ ‫إخراج مصر‬ ‫من املعسكر‬ ‫السوفيايت‬ ‫وجلبها‬ ‫إىل الكتلة‬ ‫األمريكية‬ ‫وحسب‪ ،‬بل‬ ‫كان يهدف‬ ‫فضال عن‬ ‫ذلك إىل‬ ‫السيطرة عىل‬ ‫عملية السالم‬ ‫بعد الحرب‬ ‫واستبعاد‬ ‫موسكو‬

‫سياسة‬

‫ميض خمسني عاما‪ ،‬ال نسمع سوى القليل عن النفوذ العسكري‬ ‫الرويس يف الشرق األوسط خارج سوريا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يزال بوتني‬ ‫ذا شــأن يف القضيــة؛ فعــىل ســبيل املثــال‪ ،‬لــدى روســيا‪ -‬وليــس‬ ‫األمريكيني‪ -‬قنوات مفتوحة مع كل من إسرائيل وإيران‪ ،‬ويمكنها‬ ‫مــن الناحيــة النظريــة أن تســاعدهما يف فهــم الخطــوط الح ـمـراء‬ ‫الجديدة لدولتيهما يف املنطقة بعد الهجمات التي ُشنت عىل غزة‪.‬‬ ‫فضال عن ذلك‪ ،‬أصبح لدى بوتني حاليا اتصاالت مباشرة مع قادة‬ ‫دول الخليــج بطريقــة لــم تكــن موجــودة لــدى القــادة الســوفيات‪.‬‬ ‫سـرتاتيجية‬ ‫لكــن الريــاض وأبوظبــي مهتمتــان أكــر باألعمــال واال ـ‬ ‫مــع الصــني والواليــات املتحــدة‪ .‬لقــد أرادت الريــاض وط ـهـران أن‬ ‫تكــون بكــني الضامــن التفــاق التطبيــع الــذي أُ ـبـرم عــام ‪ ،2023‬ولــم‬ ‫تريدا روسيا‪ .‬ويف الشرق األوسط الحديث‪ ،‬يمكن لدول كاململكة‬ ‫العربيــة الســعودية‪ ،‬واإلمــارات العربيــة املتحــدة االنضمــام إىل‬ ‫دا ـئـرة الربيكــس الصينيــة الروســية الهنديــة‪ ،‬بينمــا تســعيان يف‬ ‫الوقــت ذاتــه إىل إقامــة عالقــات جيــدة مــع الواليــات املتحــدة؛ إذ‬ ‫تطلب الرياض من أمريكا ضمانات أمنية ومساعدة يف برنامجها‬ ‫النووي‪ ،‬وال تطلبها من روسيا أو الصني‪ .‬إن سياسة التوازن هذه‬ ‫ممكنــة فقــط قبــل اللحظــة التــي تتدهــور فيهــا عالقــات واشــنطن‬ ‫مــع الصــني إىل حــد كبــري‪ .‬وبعــد ذلــك‪ ،‬وكمــا حــدث مــع كيســنجر‬ ‫حـرب البــاردة‪ ،‬فــإن‬ ‫ونيكســون يف تعاملهمــا مــع مصــر يف أث ـنـاء ال ـ‬ ‫الدول العربية سوف تقابل اختيارا أمام واشنطن‪ :‬إما االنضمام‬ ‫صـول عــىل‬ ‫إىل كتلــة تقودهــا الواليــات املتحــدة‪ ،‬وإمــا عــدم الح ـ‬ ‫معاملــة تفضيليــة مــن أ ـمـريكا‪.‬‬ ‫سـاءل إىل متــى سيســتمر تركيــز حامــالت‬ ‫ومــن العــدل أن نت ـ‬ ‫الطائرات األمريكية وكبار املسؤولني عىل املنطقة؟ الجواب أمامنا‪:‬‬ ‫سـرائيل يف منتصــف‬ ‫وزيــر الخارجيــة اإل ـيـراين حــذر األمريكيــني وإ ـ‬ ‫أكتوبر‪/‬تشــرين األول مــن أن حل ـفـاء “املقاومــة” ســيتدخلون إذا‬ ‫اتسعت أزمة غزة‪ .‬ولكن طهران تيسء فهم السياسة األمريكية‪.‬‬ ‫الغالبية العظمى من الجمهوريني والديمقراطيني تدعم إسرائيل‬ ‫بقــوة‪ .‬ويقــوم مجلــس النــواب الــذي يســيطر عليــه الجمهوريــون‬ ‫بإعــداد تفويــض لبايــدن باســتخدام القــوة العســكرية ضــد إ ـيـران‬ ‫ووكالئهــا إذا ـلـزم األمــر‪.‬‬ ‫غـرس مثــل هــذا التفويــض‬ ‫وكانــت آخــر ـمـرة أصــدر فيهــا الكون ـ‬ ‫عام ‪ 2002‬قبل الحرب مع العراق‪ .‬بل إننا رأينا عضوا جمهوريا يف‬ ‫الكونغرس يرتدي الزي العسكري اإلسرائييل يف مبنى الكابيتول!‬ ‫وهذا الدعم السيايس يتجاوز بكثري الدعم األمرييك للحرب ضد‬ ‫حـرب يف أفغانســتان‪ .‬ومــن الســهل أن نتصــور‬ ‫عـراق أو حتــى لل ـ‬ ‫ال ـ‬ ‫حـزب اللــه” يف لبنــان‪ .‬ومــن الســهل‬ ‫غــارات جويــة أمريكيــة ضــد “ ـ‬ ‫تصــور ضربــات أمريكيــة ضــد امليليشــيات املدعومــة مــن إ ـيـران يف‬ ‫عـراق‪ .‬بــل مــن املمكــن تصــور ضربــات أمريكيــة‬ ‫ســوريا وحتــى ال ـ‬ ‫شـرة‪ .‬وســيكون‬ ‫سـرائيل مبا ـ‬ ‫ضــد إ ـيـران نفســها إذا هاجمــت إ ـيـران إ ـ‬ ‫جـزء منــه عاطفيــا‪ ،‬بينمــا يهــدف يف‬ ‫رد الفعــل األ ـمـرييك الحــاد يف ـ‬ ‫جزء آخر إىل ردع إيران وحلفائها عن القيام بمزيد من العمليات‬ ‫سـرائيل‪.‬‬ ‫العســكرية ضــد إ ـ‬ ‫السيناريو األكر إثارة للخوف هو سماح روسيا إليران وحلفائها‬ ‫سـرائيل‬ ‫باســتخدام القواعــد العســكرية الروســية يف ســوريا ضــد إ ـ‬ ‫واألمريكيني‪ ،‬ردا عىل مساعدة واشنطن ألوكرانيا‪ .‬ومن الصعب‬ ‫معرفة إىل أين سيقود التصعيد بني واشنطن وإسرائيل من جهة‪،‬‬ ‫وإ ـيـران وحلفائهــا مــن جهــة أخــرى‪ ،‬ولكننــا نعلــم مــن التاريــخ أن‬ ‫الحروب لها دائما عواقب قد ال تكون مقصودة‪.‬‬


‫ﺳﻴﺎﺳﺔ‬

‫اﻟﻠﻪ“ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺷﻦّ ﺗﻠﻚ اﻟﻬﺠﻤﺎت‪ .‬وﻋﻰﻠ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ‬ ‫ﺳـﺮاﺋﻴﻠﻴﺔ‪،‬‬ ‫واﺷــﻨﻄﻦ ﺗﺮﺘدد داﺋﻤﺎ ﻲﻓ اﻧﺘﻘﺎد اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻌﺴــﻜﺮ�ﺔ اﻹ ـ‬ ‫واﻟﺘــﻲ أدت إﻰﻟ ﻣﻘﺘــﻞ آﻻف اﳌﺪﻧﻴــﻦﻴ ﻲﻓ ـﻏـﺰة‪ ،‬واﻟﻀﻔــﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴــﺔ‪،‬‬ ‫وﻟﺒﻨــﺎن ﻋــﻰﻠ ﻧﺤــﻮ ﻣﺒﺎﺷــﺮ‪ .‬وﻣــﻦ ﺷــﺄن اﻧﺘﻘــﺎدات ﻛﻬــﺬه أن ﺗﻔﺘــﺢ‬ ‫ﺳـﺮاﺋﻴﻞ‪،‬‬ ‫ﺣـﻮل اﳌﺴــﺎﻋﺪات اﻟﻌﺴــﻜﺮ�ﺔ اﻷﻣﺮﻴﻛﻴــﺔ اﳌﻘﺪﻣــﺔ ﻹ ـ‬ ‫ﻧﻘﺎﺷــﺎ ـ‬ ‫وإن ﻧﺤﻦ اﺳﺘﺜﻨﻴﻨﺎ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﻦﻴ ذوي اﳌﻴﻮل اﻟﻴﺴﺎر�ﺔ ﻛﺎﻟﺴﻴﻨﺎﺗﻮر‬ ‫ـﺑـﺮﻴﻲﻧ ﺳــﺎﻧﺪرز‪ ،‬ﻓــﻼ أﺣــﺪ ﻲﻓ اﻟﻄﺒﻘــﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳــﻴﺔ ﻲﻓ واﺷــﻨﻄﻦ ﻳﺮ�ــﺪ‬ ‫ﻣﻨﺎﻗﺸــﺔ ﻫــﺬه اﻟﺴﻴﺎﺳــﺔ اﻷﻣﺮﻴﻛﻴــﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳــﺔ‪.‬‬ ‫ﺧـﺮاج دول‬ ‫ﺳـﺮﺘاﺗﻴﺠﻴﺔ اﻷﻣﺮﻴﻛﻴــﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴــﺔ اﻟﺜﺎﺑﺘــﺔ ﻲﻓ إ ـ‬ ‫ﺗﺘﻤﺜــﻞ اﻻ ـ‬ ‫ﺳـﺮاﺋﻴﻞ‪ .‬ﻓﻘــﺪ ﻫــﺪف ﻫــﺮﻨي‬ ‫اﳌﻨﻄﻘــﺔ ﻣــﻦ اﳌﻌﺴــﻜﺮ اﻟــﺬي ﻳﻮاﺟــﻪ إ ـ‬ ‫ﻛﻴﺴــﻨﺠﺮ ﻲﻓ أواﺧــﺮ ﻋــﺎم ‪ 1973‬إﻰﻟ إ ـﺑـﺮام اﺗﻔــﺎق ﻋﺴــﻜﺮي أوﻲﻟ ﺑــﻦﻴ‬ ‫ﻣﺼﺮ وإﺳﺮاﺋﻴﻞ ﻳﺆدي ﻲﻓ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﳌﻄﺎف إﻰﻟ إﺟﺮاء ﻣﺤﺎدﺛﺎت ﺳﻼم‬ ‫ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ أﻣﺮﻴﻛﻴﺔ‪ .‬وﻗﺪ رُﺑﻄﺖ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺪأﻫﺎ ﻛﻴﺴــﻨﺠﺮ‪ ،‬وﻣﻦ‬ ‫ﺑﺮاع ﻋﺴﻜﺮي‬ ‫ﺛﻢّ أﻧﻬﺎﻫﺎ اﻟﺴﺎدات واﻟﺮﺋﻴﺲ ﻛﺎرﺗﺮ ﻲﻓ ﻛﺎﻣﺐ دﻳﻔﻴﺪ ٍ‬ ‫واﻗﺘﺼــﺎدي أ ـﻣـﺮﻴﻲﻛ‪ ،‬وﺿﻤﻨــﺖ أﻧــﻪ ﻻ ﻳﻤﻜــﻦ ﻷي ﺗﺤﺎﻟــﻒ ﻳﺘﺸــﻜﻞ‬ ‫ﺳـﺮاﺋﻴﻞ‬ ‫ﺑــﻦﻴ اﻟــﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ أن ﻳﺸــﻜﻞ ﺗﻬﺪﻳــﺪا ﻋﺴــﻜﺮ�ﺎ ﻛ ـﺒـﺮﻴا ﻹ ـ‬ ‫ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﻲﻓ ﺣﺮب أﻛﺘﻮﺑﺮ‪/‬ﺗﺸﺮ�ﻦ اﻷول‪ .‬وﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء ﺧﻤﺴﻦﻴ‬ ‫ﻋﺎﻣﺎ‪ ،‬واﺻﻠﺖ إدارة ﺗﺮﻣﺐ وﻣﻦ ﺛﻢ إدارة ﺑﺎﻳﺪن اﻟﺠﻬﻮد اﻷﻣﺮﻴﻛﻴﺔ‬ ‫ﺳـﺮاﺋﻴﻞ‪ .‬وﻛﺎن ﻓﺮ�ــﻖ ﺑﺎﻳــﺪن‬ ‫اﻟﺮاﻣﻴــﺔ ﻹﻗ ـﻨـﺎع دول اﳌﻨﻄﻘــﺔ ﺑﻘ ـﺒـﻮل إ ـ‬ ‫ﻳﺒــﺬل ﺟﻬــﺪا ﻛ ـﺒـﺮﻴا ﺑﻬــﺪف اﻟﺘﻮﺻــﻞ إﻰﻟ اﺗﻔــﺎق ﻟﺘﻄﺒﻴــﻊ اﻟﻌﻼﻗــﺎت‬ ‫ﺳـﺮاﺋﻴﻞ واﳌﻤﻠﻜــﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ اﻟﺴــﻌﻮدﻳﺔ ﺑﻌــﺪ اﺗﻔــﺎق أﺑﺮاﻫــﺎم‬ ‫ﺑــﻦﻴ إ ـ‬ ‫اﻟــﺬي ﻋﻘــﺪه ﺗﺮﻣــﺐ‪ .‬وﺗﻬــﺪف اﺗﻔﺎﻗــﺎت اﻟﺘﻄﺒﻴــﻊ ﻫــﺬه إﻰﻟ ﺗﺸــﻜﻴﻞ‬ ‫ﺳـﺮاﺋﻴﻞ واﻟــﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴــﺔ‬ ‫ﻣﺠﻤﻮﻋــﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴــﺔ ﺗﺘﺄﻟــﻒ ﻣــﻦ إ ـ‬ ‫ﺑﻬﺪف اﻟﻮﻗﻮف ﻲﻓ وﺟﻪ إﻳﺮان‪ ،‬وﺗﻬﺪف ﻲﻓ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ إﻰﻟ اﻟﺤﺪّ ﻣﻦ‬ ‫اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟﻌﺴــﻜﺮ�ﺔ اﻟﺘــﻲ ﺗﺮﺑــﻂ ﻫــﺬه اﳌﺠﻤﻮﻋــﺔ اﻟﺸــﺮق أوﺳــﻄﻴﺔ‬ ‫ﺑــﻜﻞ ﻣــﻦ اﻟﺼــﻦﻴ وروﺳــﻴﺎ‪.‬‬ ‫ﺳـﺮﺘاﺗﻴﺠﻴﺔ اﻷﻣﺮﻴﻛﻴــﺔ‪ ،‬واﻟــﺬي‬ ‫واﻟﺜﺎﺑــﺖ اﻟﺜﺎﻟــﺚ واﻷﺧــﺮﻴ ﻲﻓ اﻻ ـ‬ ‫ﻳﺘﻤﺘــﻊ ﺣﺎﻟﻴــﺎ ﺑﺄﻫﻤﻴــﺔ ﺧﺎﺻــﺔ‪ ،‬ﻣﻔــﺎده ﺗﺠﺎﻫــﻞ واﺷــﻨﻄﻦ ﻟﻠﻘﻀﻴــﺔ‬ ‫اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ؛ إذ إن ﻛﻴﺴﻨﺠﺮ ﻟﻢ ﻳﻌﺘﺮﺒ ﻗﻂ اﻟﻘﻀﻴﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ‬ ‫ﻗﻀﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ؛ وﻛﺎن ﻳُﻔﻀﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻊ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬وﻟﻴﺲ ﻣﻊ‬ ‫ﻣﺠﻤﻮﻋــﺎت ﻣﺜــﻞ ﻣﻨﻈﻤــﺔ اﻟﺘﺤﺮ�ــﺮ اﻟﻔﻠﺴــﻄﻴﻨﻴﺔ اﻟﺘــﻲ ﻛﺎن ﻳﻌﺘﺮﺒﻫــﺎ‬ ‫ﻣﺠﻤﻮﻋــﺔ ﻣــﻦ اﳌﻨﻈﻤــﺎت اﻹرﻫﺎﺑﻴــﺔ‪.‬‬ ‫ﺟـﺮت ﻋــﺎم ‪،1979‬‬ ‫وﺣﺘــﻰ ﻲﻓ ﻣﻔﺎوﺿــﺎت ﻛﺎﻣــﺐ دﻳﻔﻴــﺪ اﻟﺘــﻲ ـ‬ ‫أﻗﻨــﻊ اﻟﺪﻋــﻢ اﻟﺴــﻴﺎﻲﺳ اﻟﺪاﺧــﻲﻠ اﻟﻀﻌﻴــﻒ اﻟــﺬي ﻛﺎن ﻳﺘﻤﺘــﻊ ﺑــﻪ‬ ‫ﺳـﺮاﺋﻴﻲﻠ ﺑﻴﻐــﻦ‬ ‫اﻟﺮﺋﻴــﺲ ﻛﺎرﺗــﺮ ﺑﻌــﺪم ﻣﻮاﺟﻬــﺔ رﺋﻴــﺲ اﻟــﻮزراء اﻹ ـ‬ ‫ﺑﺸــﺄن اﻟﻘﻀﻴــﺔ اﻟﻔﻠﺴــﻄﻴﻨﻴﺔ‪ .‬وﻋﻮﺿــﺎ ﻋــﻦ ذﻟــﻚ‪ ،‬ﻋﻤــﻞ ﻛﺎرﺗــﺮ ﻋــﻰﻠ‬ ‫ﺳـﺮﺘاﺗﻴﺠﻴﺔ اﻷﻣﺮﻴﻛﻴﺔ اﻷﺳﺎﺳــﻴﺔ اﳌﺘﻤﺜﻠﺔ ﻲﻓ إﺑﺮام اﺗﻔﺎق‬ ‫ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻻ ـ‬ ‫ﺳـﺮاﺋﻴﻞ‪.‬‬ ‫ﺳــﻼم ﻣﻨﻔﺼــﻞ ﺑــﻦﻴ ﻣﺼــﺮ وإ ـ‬ ‫ﻟﻘــﺪ ﺗﻌﺎﻣﻠــﺖ إدارة ﺑﺎﻳــﺪن‪ ،‬ﻣﺜﻠﻬــﺎ ﻲﻓ ﻫــﺬا ﻣﺜــﻞ ﻛﻴﺴــﻨﺠﺮ‪،‬‬ ‫ﻣــﻊ دول اﳌﻨﻄﻘــﺔ وﺣﺴــﺐ‪ ،‬ﻛﻤــﺎ أن اﻟﺮﺋﻴــﺲ ﺑﺎﻳــﺪن‪ ،‬ﻣﺜﻠــﻪ ﻣﺜــﻞ‬ ‫ﻛﻞ ﻣــﻦ ﻛﻴﺴــﻨﺠﺮ وﻧﻴﻜﺴــﻮن وأوﺑﺎﻣــﺎ وﺗﺮﻣــﺐ‪ ،‬ﻻ ـﻳـﻮﻲﻟ اﻫﺘﻤﺎﻣــﺎ‬ ‫ﻛ ـﺒـﺮﻴا ﻟﻠﻘﻀﻴــﺔ اﻟﻔﻠﺴــﻄﻴﻨﻴﺔ‪ .‬ﻟﻘــﺪ ﺗﺠﺎﻫــﻞ اﻷﻣﺮﻴﻛﻴــﻮن اﻟﻘﻀﻴــﺔ‬ ‫اﻟﻔﻠﺴــﻄﻴﻨﻴﺔ ﻟﺴــﺒﺒﻦﻴ‪ :‬أوﻻ‪ ،‬ﺛﻤــﺔ ﻗﻠﻴــﻞ ﻣــﻦ اﻻﻫﺘﻤــﺎم اﻟــﺬي ﻳُﺒﺪﻳــﻪ‬ ‫ﺧـﻮل ﻲﻓ اﳌﻔﺎوﺿــﺎت‪.‬‬ ‫ﺳـﺮاﺋﻴﻠﻴﻮن واﻟﻔﻠﺴــﻄﻴﻨﻴﻮن ﺑﺎﻟﺪ ـ‬ ‫اﻟﻘــﺎدة اﻹ ـ‬ ‫وﺛﺎﻧﻴﺎ‪ ،‬ﺣﺘﻰ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻣﻦ أﻛﺘﻮﺑﺮ‪/‬ﺗﺸﺮ�ﻦ اﻷول‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ إدارة ﺑﺎﻳﺪن‬ ‫ﻣﻨﺼﺮﻓﺔ إﻰﻟ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺤﺮب أوﻛﺮاﻧﻴﺎ‪ ،‬واﳌﻨﺎﻓﺴﺔ ﻣﻊ اﻟﺼﻦﻴ أﻛﺮﺜ‬ ‫ﻣــﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻬــﺎ ﺑﻔﻠﺴــﻄﻦﻴ‪ ،‬وﻫــﻮ اﻷﻣــﺮ اﻟــﺬي ﻳﺸــﺒﻪ ﺗﻤﺎﻣــﺎ اﻫﺘﻤــﺎم‬ ‫ﻧﻴﻜﺴﻮن وﻛﻴﺴﻨﺠﺮ ﺑﺎﺳﺘﻐﻼل اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﻦﻴ‬ ‫اﻻﺗﺤــﺎد اﻟﺴــﻮﻓﻴﺎﻲﺗ واﻟﺼــﻦﻴ أﻛــﺮﺜ ﻣــﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻬــﺎ ﺑﺎﻟﺸــﺮق اﻷوﺳــﻂ‬ ‫ﺣـﺮب أﻛﺘﻮﺑﺮ‪/‬ﺗﺸــﺮ�ﻦ اﻷول ‪.1973‬‬ ‫ﻗﺒــﻞ اﻧــﺪﻻع ـ‬

‫اﻟﻤﺠﻠﺔ‬

‫‪2017‬‬

‫ﺗﻢ ﺗﺸﻐﻴﻞ ﺣﺎﻣﻠﺔ‬ ‫اﻟﻄﺎﺋﺮات اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ‬ ‫”ﻓﻮرد“‬

‫‪5000‬‬

‫ﻋﺪد اﻟﺒﺤﺎرة ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻦ‬ ‫اﻟﺤﺎﻣﻠﺔ ”ﻓﻮرد“ وﻫﻲ‬ ‫اﻷﻛﺒﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ‬

‫‪75‬‬

‫ﻋﺪد اﻟﻄﺎﺋﺮات‬ ‫اﻟﻤﻘﺎﺗﻠﺔ ﻋﻠﻰ‬ ‫ﻣﺘﻦ ﺣﺎﻣﻠﺔ‬ ‫اﻟﻄﺎﺋﺮات ”ﻓﻮرد“‬

‫‪1977‬‬

‫ﺗﻢ ﺗﺸﻐﻴﻞ ﺣﺎﻣﻠﺔ‬ ‫اﻟﻄﺎﺋﺮات ”آﻳﺰﻧﻬﺎور“‬

‫‪1991‬‬

‫أول ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺤﺎﻣﻠﺔ‬ ‫”آﻳﺰﻧﻬﺎور“ ﻓﻲ ﺣﺮب‬ ‫اﻟﺨﻠﻴﺞ‬

‫‪5000‬‬

‫ﻋﺪد اﻟﺒﺤﺎرة‬ ‫و‪ 9‬أﺳﺮاب ﻃﺎﺋﺮات‬ ‫ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻦ ”آﻳﺰﻧﻬﺎور“‬

‫‪22‬‬

‫وﻲﻓ اﳌﻨﺎﺳــﺒﺎت اﻟﺘــﻲ ر ـﻛـﺰت ﻓﻴﻬــﺎ إدارﺗــﺎ ﺗﺮﻣــﺐ وﺑﺎﻳــﺪن ﻋــﻰﻠ‬ ‫ﻣﻨﻄﻘــﺔ اﻟﺸــﺮق اﻷوﺳــﻂ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻬﻤــﺎ أﻛﺪﺗــﺎ أن اﻷﻋﻤــﺎل واﻟﻨﻬــﻮض‬ ‫اﻻﻗﺘﺼــﺎدي ﻫﻤــﺎ ﻣــﺎ ﺳــﻴﺠﻠﺐ اﻻﺳــﺘﻘﺮار إﻰﻟ اﳌﻨﻄﻘــﺔ‪ ،‬وﻟﻴﺴــﺖ‬ ‫اﻟﻌﺪاﻟﺔ ﻟﻠﻔﻠﺴــﻄﻴﻨﻴﻦﻴ‪ .‬ﻓﻘﺒﻞ أرﺑﻌﺔ أﺳــﺎﺑﻴﻊ ﻓﺤﺴــﺐ ﻣﻦ ﻫﺠﻮم‬ ‫”ﺣﻤﺎس“ ﻋﻰﻠ إﺳﺮاﺋﻴﻞ‪ ،‬اﻧﻀﻢ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﺑﺎﻳﺪن إﻰﻟ رﺋﻴﺲ اﻟﻮزراء‬ ‫اﻟﻬﻨــﺪي ﻣــﻮدي ورﺋﻴﺴــﺔ اﳌﻔﻮﺿﻴــﺔ اﻷوروﺑﻴــﺔ ﻓــﻮن دﻳﺮﻻﻳــﻦ ﻲﻓ‬ ‫ﺸـﺎء ﻣﻤــﺮ ﺗﺠــﺎري ﻳﺮﺑــﻂ اﻟﻬﻨــﺪ ﺑﺄوروﺑــﺎ ﻋــﺮﺒ‬ ‫اﻹﻋــﻼن ﻋــﻦ ﻣﺸــﺮوع ﻹﻧ ـ‬ ‫ﺳـﺮاﺋﻴﻞ‪.‬‬ ‫ﺷــﺒﻪ اﻟﺠﺰ ـ�ـﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ وإ ـ‬ ‫ووﺻــﻒ ﺑﺎﻳــﺪن اﳌﺸــﺮوع اﻟﺠﺪﻳــﺪ ﺑﺄﻧــﻪ ”ﺻﻔﻘــﺔ ﻛ ـﺒـﺮﻴة ﻟﻠﻐﺎﻳــﺔ“‪،‬‬ ‫ﺳـﻮﻟﻴﻔﺎن‪ ،‬ﺑــﺄن اﳌﺸــﺮوع‬ ‫وزﻋــﻢ ﻣﺴﺘﺸــﺎره ﻟﻸﻣــﻦ اﻟﻘﻮﻣــﻲ‪ ،‬ﺟﻴــﻚ ـ‬ ‫ﺳﻴﻐﺮﻴ اﳌﻨﻄﻘﺔ‪ .‬وأﺷﺎد ﻧﺘﻨﻴﺎﻫﻮ ﺑﺎﳌﺸﺮوع ﻲﻓ ﺧﻄﺎﺑﻪ أﻣﺎم اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ‬ ‫اﻟﻌﻤﻮﻣﻴــﺔ ﻲﻓ ﺳــﺒﺘﻤﺮﺒ‪/‬أﻳﻠﻮل اﳌــﺎﻲﺿ‪ .‬و�ﺆﻛــﺪ ﻫــﺬا ا ـﻟـﺮأي أن اﳌﻤــﺮ‬ ‫ﺳﻴﺴﺎﻋﺪ ﻋﻰﻠ ﺗﺮﺳﻴﺦ إﺳﺮاﺋﻴﻞ ﻲﻓ اﻗﺘﺼﺎد اﳌﻨﻄﻘﺔ اﻷوﺳﻊ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ‬ ‫ﺤـﺰام واﻟﻄﺮ�ــﻖ اﻟﺼﻴﻨﻴــﺔ‪.‬‬ ‫ﻳﻌﻴــﻖ ﻲﻓ اﻟﻮﻗــﺖ ذاﺗــﻪ ﺟﺎذﺑﻴــﺔ ﻣﺒــﺎدرة اﻟ ـ‬ ‫ﻳــﺄﻲﺗ ذﻟــﻚ ﻲﻓ أﻋﻘــﺎب اﻟﺠﻬــﺪ اﻷ ـﻣـﺮﻴﻲﻛ اﳌﺒــﺬول ﻟﻠﺤــﺪ ﻣــﻦ اﻟﺘﻐﻠﻐــﻞ‬ ‫اﻟﺼﻴﻨﻲ ﻲﻓ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ‪ ،‬وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺣﺚ دول اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻋﻰﻠ ﻋﺪم‬ ‫اﺳــﺘﺨﺪام ﻣﻌــﺪات اﻻﺗﺼــﺎﻻت اﻟﺼﻴﻨﻴــﺔ‪ ،‬واﻟﻀﻐــﻂ ﻋــﻰﻠ اﻹﻣــﺎرات‬ ‫اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﳌﺘﺤﺪة ﻟﻌﺪم اﻟﺴﻤﺎح ﳌﺸﺮوع ﻣﻴﻨﺎء ﺻﻴﻨﻲ ﺑﺎﳌﻲﻀ ﻗﺪﻣﺎ‬ ‫ﺑﺴــﺒﺐ اﺣﺘﻤــﺎل اﺳــﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻷ ـﻏـﺮاض ﻋﺴــﻜﺮ�ﺔ‪ .‬وﺧﻼﻓــﺎ ﳌــﺎ ﻛﺎن‬ ‫ﻋﻠﻴــﻪ اﻷﻣــﺮ ﻋــﺎم ‪ ،1973‬أﺻﺒﺤــﺖ اﻷﻋﻤــﺎل اﻟﺘﺠﺎر�ــﺔ ﺣﺎﻟﻴــﺎ ﺑﻤﻨﺰﻟــﺔِ‬ ‫ﺳـﺮﺘاﺗﻴﺠﻴﺔٍ ﻲﻓ ﺳﻴﺎﺳــﺔ أ ـﻣـﺮﻴﻛﺎ ﻲﻓ اﻟﺸــﺮق اﻷوﺳــﻂ‪.‬‬ ‫ا ـ‬ ‫ﻳُﺬﻛﺮﻧﺎ اﻟﺪاﻓﻊ ﻟﻠﺤﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻮذ اﻟﺼﻴﻨﻲ ﻲﻓ اﳌﻨﻄﻘﺔ ﺑﺎﻻﺳﺮﺘاﺗﻴﺠﻴﺔ‬ ‫اﳌﻨﺴــﻘﺔ اﻟﺘــﻲ اﻧﺘﻬﺠﻬــﺎ ﻫــﺮﻨي ﻛﻴﺴــﻨﺠﺮ ور�ﺘﺸــﺎرد ﻧﻴﻜﺴــﻮن أﺛ ـﻨـﺎء‬ ‫ﺣـﺮب أﻛﺘﻮﺑــﺮ ‪ 1973‬ﻟﺘﺤﻘﻴــﻖ اﻟﺘﻔــﻮق اﻷ ـﻣـﺮﻴﻲﻛ واﻟﺤــﺪ ﻣــﻦ اﻟﻨﻔــﻮذ‬ ‫ـ‬


‫‪21‬‬

‫المجلة‬

‫سياسة‬


‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫قصة الغالف‬

‫ثوابت أمريكا‬ ‫يف الشرق األوسط‬ ‫منذ خمسني عاما‬ ‫حددت الواليات املتحدة أمن إسرائيل باعتباره مصلحة وطنية تتمتع بأولوية‬ ‫واشنطن – روبرت فورد‬

‫رسوم ‪ -‬ناتايل ليز و سارة جريوين كارنيفيل‬

‫ثمــة ثابــت واحــد مهيمــن يف سياســة الواليــات املتحــدة يف الشــرق‬ ‫األوسط منذ عام ‪ ،1973‬هو أمن إسرائيل؛ فقد حددت الواليات‬ ‫سـرائيل باعتبــاره مصلحــة وطنيــة أمريكيــة تتمتــع‬ ‫املتحــدة أمــن إ ـ‬ ‫بأولوية لفرتة تزيد عىل خمســن عاما‪ ،‬بل اســتخدم األمريكيون‬ ‫سـرتاتيجيات نفســها بشــكل أســايس لتحقيــق هــذه املصلحــة‬ ‫اال ـ‬ ‫حـرب ‪ .1973‬ويف حــن تتغــري األســماء واألماكــن‪،‬‬ ‫الوطنيــة منــذ ـ‬ ‫حـول وال يــزول‪.‬‬ ‫فــإن النهــج األ ـمـرييك ال ي ـ‬ ‫سـرتاتيجيات األمريكيــة األساســية يف‬ ‫أوال‪ ،‬تتمثــل إحــدى اال ـ‬ ‫ضمان التفوق العسكري اإلسرائييل؛ ففي حرب عام ‪ ،1973‬حن‬ ‫تكبد الجيش اإلسرائييل خسائر فادحة يف األيام األوىل للحرب‪،‬‬ ‫نقل هرني كيسنجر‪ ،‬وريتشارد نيكسون‪ ،‬اإلمدادات العسكرية‬ ‫سـرعة‪ ،‬وأخرجــت إدارة‬ ‫والطا ـئـرات املقاتلــة الجديــدة عــىل وجــه ال ـ‬ ‫نيكسون طائرات الفانتوم األمريكية من طراز “ اف‪ ”4-‬من قواعد‬

‫سـرائيل بعــد أن ُرســمت‬ ‫القــوات الجويــة األمريكيــة‪ ،‬ونقلتهــا إىل إ ـ‬ ‫سـرائيليون‬ ‫نجمــة داود فــوق العَ َلــم األ ـمـرييك‪ ،‬وبــدأ الطيــارون اإل ـ‬ ‫فورا يف استخدام تلك الطائرات ضد سوريا ومصر‪ .‬وكان واضحا‬ ‫أن كيسنجر ونيكسون كانا يصران عىل أن يكون التوازن العسكري‬ ‫يف حرب أكتوبر‪/‬تشرين األول ملصلحة إسرائيل‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬تهدف إدارة بايدن‪ ،‬من خالل إرسالها قنابل وصواريخ‬ ‫سـرائيل عــىل أثــر هجــوم‬ ‫مضــادة للصواريــخ وإمــدادات أخــرى إىل إ ـ‬ ‫سـرائيل مــن قصــف ـغـزة وســوريا ولبنــان‬ ‫“حمــاس”‪ ،‬إىل تمكــن إ ـ‬ ‫سـرائيل ضروريــا‪ ،‬بينمــا تتمكــن‬ ‫عـراق عــىل الوجــه الــذي ـتـراه إ ـ‬ ‫وال ـ‬ ‫سـرائيل يف الو قــت عينــه مــن حما يــة نفســها مــن الهجمــات‬ ‫إ ـ‬ ‫الصاروخيــة‪ .‬ومتابعــة لهــذه السياســة‪ ،‬تســارع الواليــات املتحــدة‬ ‫سـرائيلين‪،‬‬ ‫باســتمرار إلدانــة الهجمــات اإلرهابيــة ضــد املدنيــن اإل ـ‬ ‫سواء كان تنظيم حماس أم الفدائيون الفلسطينيون أم “حزب‬

‫‪20‬‬



‫سياسة‬

‫يف هــذه اللحظــة‪ ،‬مــا إذا كان مــن املمكــن احتــواء‬ ‫صـراع‪ .‬ويف الوقــت الحــايل‪ ،‬فــإن األحــداث يف‬ ‫هــذا ال ـ‬ ‫املنطقة هي التي تصوغ السياسة األمريكية‪ ،‬وليس‬ ‫الداخــل األ ـمـريك‪.‬‬

‫انقسام أميركي‬

‫وال تزال الواليات املتحدة منقسمة حزبيا وسياسيا‬ ‫بشكل حاد‪ ،‬بشأن أغلب القضايا هذه األيام‪ ،‬حيث‬ ‫ال تزال العقلية الطائفية التي هيمنت عىل السياسة‬ ‫األمريكيــة لعــدة ســنوات متماســكة‪ .‬ال ـيـزال الوقــت‬ ‫حـرب الشــرق األوســط هــذه‪ ،‬لكــن أغلبيــة‬ ‫مب ـكـرا يف ـ‬ ‫كبرية من األمريكيني تدعم تصرفات إسرائيل ضد‬ ‫“حماس”‪ ،‬وتدعم أيضا تصرفات أمريكا حتى اآلن‪.‬‬ ‫خـرا قــال ‪ 76‬يف‬ ‫ويف اســتطالع ل ـلـرأي أجــري مؤ ـ‬ ‫سـرائيل يصــب يف‬ ‫املئــة مــن األمريكيــن إن دعــم إ ـ‬ ‫املصلحــة الوطنيــة األمريكيــة‪ .‬وترتبــط كيفيــة تقييــم‬ ‫الناخبني لتصرفات إدارة بايدن‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬بشكل‬ ‫كبري‪ ،‬باالنتماء الحزبي‪ ،‬حيث يقدم الديمقراطيون‬ ‫تقييمــات أقــوى ألداء بايــدن مــن الجمهوريــن‪.‬‬ ‫ال يشء مفاجــئ يف هــذا كلــه‪ ،‬ومــن غــر املرجــح‬ ‫أيضــا أن يحــدد مســار السياســة األمريكيــة األحــداث‬ ‫بقــدر مــا ســتفعله األحــداث نفســها‪ .‬ولكــن يف مثــل‬ ‫هــذه البيئــة املتقلبــة الغامضــة يف الشــرق األوســط‬ ‫اليوم‪ ،‬فإن هذه األهداف السياسية والديناميكيات‬ ‫السياسية املحلية يمكن أن تنقلب رأسا عىل عقب‬ ‫يف أيــة لحظــة‪.‬‬

‫كيف ينتهي هذا؟‬

‫خـرا للشــرق األوســط‬ ‫إن إعــادة اكتشــاف أ ـمـركا مؤ ـ‬ ‫سـراتيجية يشــكل واحــدا مــن أكــر‬ ‫وأهميتــه الجيو ـ‬ ‫االختبــارات تعقيــدا التــي واجهتهــا يف الســنوات‬ ‫حـرب التــي بــدأت عــام ‪2014‬‬ ‫خـرة‪ .‬عــى عكــس ال ـ‬ ‫األ ـ‬ ‫حـرب عــام ‪1991‬‬ ‫لهزيمــة تنظيــم “دا عــش” أو ـ‬ ‫خـراج ـعـراق صــدام حســن مــن الكويــت‪ ،‬ســوف‬ ‫إل ـ‬ ‫تكافــح الواليــات املتحــدة مــن أجــل ب ـنـاء‪ -‬والحفــاظ‬ ‫عىل‪ -‬تحالف إقليمي موحد للتقدم نحو األهداف‬ ‫الخمســة الرئيســة التــي حددتهــا لنفســها‪ .‬وترجــع‬ ‫هذه الصراعات يف الغالب إىل الديناميكيات املتغرية‬ ‫إىل حــد كبــر يف املنطقــة‪ ،‬حيــث تعمــل املزيــد مــن‬ ‫الــدول بشــكل حــازم مــن أجــل تحقيــق مصالحهــا‬ ‫الذاتيــة وتحد يــد أجنــدات سيا ســتها الخارجيــة‬ ‫بشكل أقل ارتباطا بالقوى الخارجية وأكرث ارتباطا‬ ‫شـرة‪ .‬لقــد ولــت األيــام التــي كان بوســع‬ ‫ببيئتهــا املبا ـ‬ ‫الواليــات املتحــدة فيهــا التلويــح بعصــا ســحرية‪ ،‬إن‬ ‫شـركائها يف الشــرق األوســط‬ ‫اســتطاعت‪ ،‬لحمــل ـ‬ ‫عــى أن يحــذوا حذوهــا‪.‬‬ ‫ومما يزيد من التعقيدات حقيقة أن هذه الحرب‬ ‫سـرائييل‪ -‬الفلســطيني‪،‬‬ ‫صـراع اإل ـ‬ ‫حـول ال ـ‬ ‫تتمحــور ـ‬ ‫وهو صراع له صدى عاطفي عميق يف جميع أنحاء‬ ‫املنطقــة لــدى القــادة والشــعوب أيضــا‪ .‬يف الســنوات‬

‫المجلة‬

‫الدعم األمرييك للحملة‬ ‫العسكرية اإلسرائيلية‬ ‫ضد غزة يجعل بالفعل‬ ‫هدف حماية املدنيني‪،‬‬ ‫وتقديم املساعدات‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬والحفاظ‬ ‫عىل عالقات جيدة مع‬ ‫الشركاء العرب أكرث‬ ‫صعوبة‪ .‬وقد اتخذ كثري‬ ‫من أقرب شركاء أمريكا‬ ‫العرب موقفا يدعو إىل‬ ‫وقف إطالق النار أو وقف‬ ‫التصعيد‪ ،‬وهو ما ترى‬ ‫إدارة بايدن وإسرائيل‬ ‫أنه يتعارض مع هدف‬ ‫القضاء عىل التهديدات‬ ‫التي تشكلها “حماس”‬

‫‪18‬‬

‫األخرية‪ ،‬عمل بعض القادة األمريكيني ونظراؤهم‬ ‫يف املنطقة كما لو كان بوسعهم أن يصرفوا أعينهم‬ ‫سـرائيلية‬ ‫عــن األز مــة املســتمرة عــى الجبهــة اإل ـ‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬واعتقد البعض أن بإمكانهم إخفاء‬ ‫هذه الديناميكيات تحت السجادة‪ .‬إن هذه الحرب‬ ‫األخرية هي بمثابة تذكري بأن الرؤى الكربى ملنطقة‬ ‫أكــر أمانــا وتكامــا وازدهــارا لــن تتحقــق أبــدا دون‬ ‫معالجة محنة املاليني من الفلسطينيني‪ .‬إن الحرب‪-‬‬ ‫وخا صــة الهجمــات الوحشــية األوليــة وعمليــات‬ ‫اختطاف املدنيني‪ ،‬وأيضا صور األطفال الذين قتلوا‬ ‫بسبب القصف الجوي‪ -‬تذكري حي للجميع بضرورة‬ ‫إعادة النظر يف إنسانية الفلسطينيني واإلسرائيليني‬ ‫عىل حد ســواء‪.‬‬ ‫وتلوح يف األفق أسئلة أوسع‪ ،‬بما يف ذلك ماذا‬ ‫سيحدث مع إيران‪ ،‬التي ال تزال تلعب دورا يقوض‬ ‫األمن اإلقليمي األوسع؟‬ ‫حـرب يجــب األخــذ بعــن‬ ‫ولكــن مــع انــدالع ال ـ‬ ‫االعتبــار أن للحــروب طبيعــة ال يمكــن التنبــؤ بهــا‬ ‫عنــد تغيــر الديناميكيــات السياســية يف املجتمــع؛‬ ‫فعندما غزت الواليات املتحدة العراق عام ‪،2003‬‬ ‫فعلــت ذلــك بطريقــة فشــلت فيهــا يف ديناميكيــات‬ ‫ترتيب السلطة يف العراق عرب العمليات العسكرية‪.‬‬ ‫ضـاء عــى ديكتاتــور كان اســميا‬ ‫ومــن خــال الق ـ‬ ‫مســلما ســنيا يف دولــة ذات أغلبيــة شــيعية تضــم‬ ‫ماليني من األكراد غري العرب‪ ،‬كانت أمريكا تفعل‬ ‫أشــياء ك ـثـرة عــن غــر قصــد‪ ،‬بمــا يف ذلــك التأثــر‬ ‫عــى سياســة ذلــك البلــد بطــرق معقــدة تتحــدى‬ ‫الفئــات البســيطة مــن الشــيعة والســنة وانقســام‬ ‫عـرب واأل ـكـراد‪.‬‬ ‫ال ـ‬ ‫وعــى نحــو مماثــل‪ ،‬ســوف تخلــف العمليــات‬ ‫العسكرية اإلسرائيلية يف غزة تأثريا سياسيا داخل‬ ‫املجتمــع الفلســطيني‪ ،‬فضــا عــن التكاليــف املاديــة‬ ‫واالجتماعيــة املد ـمـرة‪ .‬إن هــذه األعمــال العســكرية‬ ‫حـاء املنطقــة‪ ،‬وإذا‬ ‫لهــا بالفعــل أصــداء يف جميــع أن ـ‬ ‫حـرب أكــر‪ ،‬فســيكون لهــا تداعيــات‬ ‫مــا توســعت ال ـ‬ ‫سياسية أوسع‪ ،‬بما يف ذلك داخل النظام السيايس‬ ‫سـرائييل نفســه‪.‬‬ ‫اإل ـ‬ ‫حـول كيفيــة انت ـهـاء هــذا‬ ‫وعنــد طــرح الســؤال ـ‬ ‫صـراع‪ ،‬غالبــا مــا يبحــث مخططــو السيا ســات‬ ‫ال ـ‬ ‫والتكنو ـقـراط عــن إجابــات أو ح ـلـول ال تأخــذ يف‬ ‫حـوالت يف الســلطة‬ ‫االعتبــار‪ ،‬بشــكل كامــل‪ ،‬الت ـ‬ ‫حـرب‪.‬‬ ‫والسيا ســة الناتجــة عــن ال ـ‬ ‫ويختصــر الرتكيــز عــى الحد يــث عــن حجــم‬ ‫قــوات األمــن التــي ينبغــي تشــكيلها للحفــاظ عــى‬ ‫شـاء هيئــة‬ ‫القانــون والنظــام‪ ،‬أو عــن كيــف يمكــن إن ـ‬ ‫حكــم جديــدة‪ ،‬أو نمــوذج اقتصــادي جديــد‪ .‬ولكــن‬ ‫الحرب تجلب معها شيئا أكرث جوهرية وتأسيسية‪،‬‬ ‫وطبيعــة النهايــة ســتعتمد عــى كيفيــة تطــوره‪.‬‬ ‫هنــاك عاصفــة ك ـبـرة تتفا قــم ويبــدو أنهــا‬ ‫تزداد قوة‪.‬‬


‫‪17‬‬

‫المجلة‬

‫‪1991‬‬

‫‪2014‬‬

‫سياسة‬

‫‪%76‬‬

‫أخرج التحالف قوات الرئيس‬ ‫العراقي صدام حسين‬ ‫من الكويت بعد احتاللها‬ ‫في منتصف ‪1990‬‬

‫بدأت حرب التحالف الدولي‬ ‫قيادة أميركا لهزيمة "داعش"‬ ‫في سوريا والعراق‬ ‫في سبتمبر ‪2014‬‬

‫من األميركيين قالوا في‬ ‫استبيان رأي إن دعم إسرائيل‬ ‫يصب في المصلحة‬ ‫الوطنية األميركية‬

‫هذه األعمال العسكرية‬ ‫لها بالفعل أصداء يف‬ ‫جميع أنحاء املنطقة‪،‬‬ ‫وإذا ما توسعت الحرب‬ ‫أكرث‪ ،‬فسيكون لها‬ ‫تداعيات سياسية أوسع‪،‬‬ ‫بما يف ذلك داخل‬ ‫النظام السيايس‬ ‫اإلسرائييل نفسه‬

‫عندمــا يتعلــق األمــر بالشــرق األوســط‪ ،‬بــدال مــن‬ ‫سـراتيجية واســتباقية‪.‬‬ ‫القيــام بــدور أكــر ا ـ‬ ‫أرسل الرئيس بايدن املزيد من املعدات واملرافق‬ ‫واأل ـفـراد العســكريني وكبــر دبلوماســييه‪ ،‬أن ـتـوين‬ ‫بلينكــن‪ ،‬إىل املنطقــة يف األيــام التــي تلــت الهجــوم‪،‬‬ ‫وطلب تمويال إضافيا لتقديم مســاعدات عســكرية‬ ‫سـرائيل‪.‬‬ ‫إضافيــة إل ـ‬ ‫حـرب يف‬ ‫ســافر با يــدن نفســه إىل منطقــة ال ـ‬ ‫سـرائيل يف الد ـفـاع‬ ‫سـرائيل إلظهــار دعمــه حــق إ ـ‬ ‫إ ـ‬ ‫غـاء اجت ـمـاع كان مقــررا‬ ‫عــن النفــس‪ ،‬بينمــا تــم إل ـ‬ ‫عقده يف األردن مع امللك عبدالله ورئيس السلطة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬محمــود عبــاس‪ ،‬والرئيــس املصــري‬ ‫عبدالفتاح السييس بعد جدل حول هجوم مريب‬ ‫عــى مستشــفى يف ـغـزة‪.‬‬ ‫حـرب الشــرق األوســط‬ ‫ويف األســبوعني األولــن مــن ـ‬ ‫الجديدة هذه‪ ،‬حددت إدارة بايدن خمسة أهداف‬ ‫يف سياستها‪:‬‬ ‫‪ ‬دعم حق إسرائيل يف الدفاع عن نفسها وتحقيق‬ ‫ضـاء عــى التهديــدات التــي‬ ‫هدفهــا املتمثــل يف الق ـ‬ ‫تشــكلها “حمــاس” والجماعــات األخــرى‪.‬‬ ‫‪ ‬تأ مــن العــودة اآلمنــة للرها ئــن واملواطنــن‬ ‫األمريكيــن املحاصر يــن يف ـغـزة‪.‬‬ ‫‪ ‬منع نشوب حرب إقليمية أوسع نطاقا‪.‬‬ ‫‪ ‬حمايــة املدنيــن واالســتجابة لألزمــة اإلنســانية‬ ‫املتفاقمــة يف ـغـزة‪.‬‬ ‫‪ ‬الحفــاظ عــى عالقــات عمــل قويــة مــع الــدول‬ ‫العربية وغريها من الجهات املعنية بإدارة التداعيات‬ ‫والتخطيــط للمســتقبل‪.‬‬ ‫ويف ســعيها لتحقيــق التقــدم عــى كل مــن هــذه‬ ‫الجبهــات الخمــس‪ ،‬تشــهد إدارة بايــدن بالفعــل‬ ‫تو ـتـرات بــن تكتيكاتهــا التــي تســتخدمها لتحقيــق‬ ‫التقدم نحو كل من هذه األهداف الخمسة‪ .‬وتعد‬ ‫إحدى املهام األساسية يف اجتياز لحظة األزمة هذه‪،‬‬ ‫هي التوفيق بني التوترات املوجودة أو التي قد تنشأ‬ ‫يف محاولــة تحقيــق النتائــج‪.‬‬ ‫وعىل سبيل املثال فإن الدعم األمرييك للحملة‬ ‫العسكرية اإلسرائيلية ضد غزة يجعل بالفعل هدف‬ ‫حمايــة املدنيــن‪ ،‬وتقديــم املســاعدات اإلنســانية‪،‬‬ ‫عـرب‬ ‫شـركاء ال ـ‬ ‫والحفــاظ عــى عالقــات جيــدة مــع ال ـ‬ ‫شـركاء‬ ‫أكــر صعوبــة‪ .‬وقــد اتخــذ كثــر مــن أ ـقـرب ـ‬ ‫أمريكا العرب موقفا يدعو إىل وقف إطالق النار أو‬

‫وقف التصعيد‪ ،‬وهو ما ترى إدارة بايدن وإسرائيل‬ ‫ضـاء عــى التهديــدات‬ ‫أنــه يتعــارض مــع هــدف الق ـ‬ ‫التــي تشــكلها “حمــاس”‪ .‬وقــد طلبــت إدارة بايــدن‪،‬‬ ‫سـرائيل يف الد ـفـاع عــن النفــس‬ ‫مــن أجــل دعــم حــق إ ـ‬ ‫وعملياتها العســكرية الهادفة للحد من تهديدات‬ ‫“حماس” والقضاء عليها‪ ،‬طلبت مساعدة إضافية‬ ‫جـزء مــن حزمــة‬ ‫سـرائيل ك ـ‬ ‫بقيمــة ‪ 14‬مليــار دوالر إل ـ‬ ‫أوســع بقيمــة ‪ 105‬مليــارات دوالر‪ ،‬تشــمل دعــم‬ ‫أوكرانيــا وغري هــا مــن أولو يــات األ مــن القو مــي‪،‬‬ ‫املتضمن دعما إلسرائيل‪ ،‬بقيمة ‪ 10‬مليارات دوالر‬ ‫لدعم الدفاع الجوي والصاروخي وتجديد مخزون‬ ‫األسلحة األمريكية الذي يتم سحبه لدعم إسرائيل‪.‬‬

‫أهداف متنافسة‬

‫صـراع‪ ،‬كانــت‬ ‫ويف األســبوعني الثــاين والثالــث مــن ال ـ‬ ‫هنــاك حالــة أخــرى مــن التوتــر الناجــم عــن األهــداف‬ ‫املتنافسة‪ .‬فقد كان هناك هدف تأمني إطالق سراح‬ ‫أكــر مــن مئتــي رهينــة‪ ،‬وهــو مــا اصطــدم بشــكل‬ ‫ضـاء‬ ‫مباشــر مــع الحملــة العســكرية الراميــة إىل الق ـ‬ ‫عــى التهديــد املباشــر الــذي تفرضــه جماعــات مثــل‬ ‫“حمــاس”‪ ،‬و“الجهــاد اإلســامي” يف فلســطني‪،‬‬ ‫والتــي كانــت تطلــق الصواريــخ بشــكل متكــرر عــى‬ ‫سـرائيل قــد أرجــأت هجومهــا‬ ‫سـرائيل‪ .‬ربمــا تكــون إ ـ‬ ‫إ ـ‬ ‫الــري املتوقــع إلتاحــة املزيــد مــن الوقــت ملفاوضــات‬ ‫الرهائــن بقيــادة قطــر ووســطاء إقليميــن آخريــن‪.‬‬ ‫وقــد يكــون التوتــر األكــر أهميــة هــو املتمثــل يف‬ ‫دعم األعمال العسكرية اإلسرائيلية يف إطار حقها‬ ‫يف الدفاع عن النفس‪ ،‬ومنع نشوب حرب إقليمية‬ ‫أوســع نطاقا؛ ففي األيام األوىل من الصراع شــنت‬ ‫إ ـيـران وشــبكتها مــن امليليشــيات املســلحة‪ ،‬التابعــة‬ ‫لها‪ ،‬ضربات يف جميع أنحاء املنطقة ضد إسرائيل‬ ‫والواليــات املتحــدة‪ .‬وقــد أعفــى محــور إ ـيـران‪ ،‬لغايــة‬ ‫الساعة‪ ،‬شركاء أمريكا العرب يف األغلب من هذه‬ ‫الضربــات‪ ،‬بينمــا ردت كل مــن الواليــات املتحــدة‬ ‫سـرائيل باملثــل عــى مثــل هــذه الهجمــات‪ .‬ولكــن‬ ‫وإ ـ‬ ‫إحــدى املخاطــر الكــرى التــي تواجــه املنطقــة هــي أن‬ ‫النريان املشتعلة يف أخطر املناطق‪ ،‬إسرائيل وغزة‪،‬‬ ‫جـزاء أخــرى‪.‬‬ ‫قــد تمتــد إىل أ ـ‬ ‫ربما ستكون املحادثات الجارية بني دول الخليج‬ ‫العربــي وإ ـيـران أحــد أكــر العوائــق أمــام تصعيــد‬ ‫إقليمــي أوســع‪ ،‬لكــن ال ـيـزال مــن غــر الواضــح‪،‬‬


‫سياسة‬

‫‪16‬‬

‫المجلة‬

‫قبل اندالع الصراع يف الشرق األوسط‪ ،‬كانت إدارة بايدن تكثف مبادراتها‬ ‫الدبلوماسية يف املنطقة‪ ،‬فرتكزت جهودها عىل تعزيز “اتفاقات أبراهام” ‪،2020‬‬ ‫وتوسيع مناطق التطبيع والتكامل اإلقليمي‬

‫الرئيــس جــو بايــدن منصبــه عــام ‪ ،2021‬بــدءا مــن‬ ‫جائحة “كوفيد ‪ ،”19 -‬وانتشار البطالة‪ ،‬ومجموعة‬ ‫من األولويات املحلية األخرى‪ ،‬مثل معالجة القضايا‬ ‫صـراع‬ ‫املتعلقــة بالصــن‪ ،‬وتغــر املنــاخ‪ ،‬وانت ـهـاء بال ـ‬ ‫الــرويس يف أوكرانيــا‪ .‬ونتيجــة لذلــك‪ ،‬احتــل الشــرق‬ ‫األوسط مرتبة متأخرة يف جدول أعمال اإلدارة‪.‬‬ ‫وكانت لزيارة الرئيس بايدن إىل إسرائيل واململكة‬ ‫العربيــة الســعودية يف يوليو‪/‬تمــوز ‪ 2022‬دوافــع‬ ‫خارجية‪ ،‬حيث أدت الحرب القائمة يف أوكرانيا إىل‬ ‫زيادة كبرية يف أسعار الطاقة‪ ،‬تزامنا مع فرتة كان‬ ‫فيهــا بايــدن يعــاين مــن انخفــاض معــدالت املوافقــة‬ ‫الشــعبية عليــه‪ ،‬مدفوعــا جزئيــا باملخــاوف بشــأن‬ ‫التضخم وقضايا أخرى‪ .‬وقد دفع هذا األمر اإلدارة‬ ‫إىل التعامل مع دول الشــرق األوســط‪.‬‬ ‫صـراع يف الشــرق األوســط‪ ،‬كانــت‬ ‫قبــل انــدالع ال ـ‬ ‫إدارة با يــدن تكثــف مبادراتهــا الدبلوما ســية يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬فرت ـكـزت جهودهــا عــى تعزيــز “اتفاقــات‬

‫أبراهام” ‪ ،2020‬وتوسيع مناطق التطبيع والتكامل‬ ‫اإلقليمي‪ .‬وكانت الرؤية الطموحة لـ “كتاب الجوانب‬ ‫اإليجابية” تهدف إىل صياغة اتفاقات سالم جديدة‪،‬‬ ‫وتسهيل االتصال اإلقليمي من خالل مبادرات مثل‬ ‫شــبكات الطــرق والســكك الحديديــة‪ ،‬ومشــاريع‬ ‫شـراكات االقتصاديــة‪.‬‬ ‫ضـراء‪ ،‬وتعزيــز ال ـ‬ ‫الطاقــة الخ ـ‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬كان ال بد من وضع هذه الرؤية املوسعة‬ ‫جانبــا مؤقتــا‪ .‬وكان مصــدر القلــق الفــوري والحــرج‬ ‫هــو األزمــة املســتمرة يف الشــرق األوســط‪ ،‬والتــي‬ ‫تتطلب اهتماما عاجال من كل من الواليات املتحدة‬ ‫واملجتمــع الــدويل‪.‬‬ ‫ويف ذلــك الوقــت كانــت الف ـكـرة الرئيســة هــي‬ ‫خلــق فرصــة جديــدة للخــروج مــن الوضــع املتوتــر‬ ‫وغري املريح يف الشرق األوسط‪ ،‬من خالل اتفاقات‬ ‫الســام والتطبيــع التــي مــن شــأنها توحيــد املنطقــة‪،‬‬ ‫وجعلها أكرث ارتباطا بعضها ببعض‪ ،‬من خالل بناء‬ ‫الطــرق والقطــارات وتعزيــز البنيــة التحتيــة للطاقــة‬

‫ضـراء‪ ،‬وزيــادة التجــارة‪ .‬وقــد توقــف ذلــك كلــه‬ ‫الخ ـ‬ ‫جـراء الوضــع الراهــن‪ ،‬بينمــا تجــد الواليــات املتحــدة‬ ‫ـ‬ ‫ودول العالــم أنفســهم أمــام مواجهــة نــار مشــتعلة‬ ‫تهــدد باالنتشــار عــى نطــاق أوســع‪.‬‬

‫خمس أولويات‬

‫هناك خمس أولويات جديدة للسياسة األمريكية‬ ‫تجاه أزمة الشرق األوسط الراهنة؛ حيث سارعت‬ ‫شـرة بعــد هجــوم‬ ‫حـرك‪ ،‬مبا ـ‬ ‫إدارة بايــدن إىل الت ـ‬ ‫“حمــاس” يف الســابع مــن أكتوبر‪/‬تشــرين األول‪،‬‬ ‫يف سياق رد فعل عىل الحرب التي بدأتها “حماس”‪.‬‬ ‫وسرعان ما قفزت إىل أسلوب إدارة األزمات التكتييك‬ ‫القائــم عــى رد الفعــل‪ ،‬والــذي يمثــل يف كثــر مــن‬ ‫النواحي منطقة الراحة لسياسة الواليات املتحدة يف‬ ‫الشرق األوسط عرب اإلدارات املتعاقبة‪ ،‬سواء كانت‬ ‫ديمقراطيــة أو جمهوريــة‪ .‬ويبــدو كمــا لــو أن إدارة‬ ‫الطــوارئ هــذه‪ ،‬تقــع يف منطقــة الراحــة األمريكيــة‪،‬‬


‫‪15‬‬

‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫عاصفة كبيرة‪...‬‬ ‫أين وكيف‬ ‫تنتهي؟‬ ‫أمريكا تعيد اكتشاف الشرق األوسط‬ ‫واشنطن – براين كاتيوليس رسوم – سارة جريوين كارنيفيل‬

‫كانت الحرب الوحشية بني إسرائيل و “حماس” يف‬ ‫قطاع غزة سببا يف دفع الشرق األوسط الكبري إىل‬ ‫مرحلة جديدة عنوانها الخطورة والغموض‪ .‬وقد‬ ‫أدى هجوم “حماس”‪ ،‬يف ‪ 7‬أكتوبر‪/‬تشرين األول‪،‬‬ ‫إىل مقتل عدد من اإلسرائيليني فاق عددهم أعداد‬ ‫جميــع القتــى الذيــن ســقطوا يف الســنوات األربــع‬ ‫األوىل من الجانب اإلسرائييل يف االنتفاضة الثانية‪:‬‬ ‫‪ .2005 - 2000‬كما تجاوز عدد الفلسطينيني الذين‬ ‫خـرة مــن الغــارات الجويــة‬ ‫قتلــوا يف األســابيع األ ـ‬ ‫سـرائيلية عــى ـغـزة عــدد الذيــن فقــدوا أرواحهــم‬ ‫اإل ـ‬ ‫يف جميــع الصراعــات الدا ـئـرة بــن الطرفــن منــذ‬ ‫االنسحاب اإلسرائييل من غزة عام ‪.2005‬‬

‫سـرائيل‬ ‫أمــا سلســلة الضربــات املتزايــدة ضــد إ ـ‬ ‫من قبل “حزب الله” والجماعات األخرى املرتبطة‬ ‫بإ ـيـران‪ ،‬يف جنــوب لبنــان وســوريا‪ ،‬باإلضافــة إىل‬ ‫الهجمــات والتهد يــدات املتزا يــدة ضــد الو جــود‬ ‫العســكري األ ـمـريك يف الشــرق األو ســط‪ ،‬فإنهــا‬ ‫كلهــا تنــذر بإشــعال حريــق ســيكون أوســع نطاقــا‪.‬‬ ‫وال أحد يعرف كيف سينتهي كل ذلك‪ ...‬ولكن‬ ‫الحلــم بشــرق أوســط جديــد‪ ،‬الــذي كان يهيمــن‬ ‫حـول‬ ‫منــذ حــن عــى جميــع املحاد ثــات الجار يــة ـ‬ ‫هــذه املنطقــة‪ ،‬يبــدو أنــه ســيبقى بعــد الســابع مــن‬ ‫أكتوبر‪/‬تشــرين األول‪ ،‬مجــرد حلــم؛ ســواء كان‬ ‫سـرائييل‪ ،‬أو املمــر‬ ‫اتفــاق التطبيــع الســعودي‪ -‬اإل ـ‬

‫االقتصــادي بــن الهنــد والشــرق األوســط وأوروبــا‬ ‫الــذي أُعلــن عنــه يف اجت ـمـاع مجموعــة العشــرين‬ ‫بالهنــد‪ ،‬يف و قــت ســابق مــن هــذا الخر يــف‪ ،‬أو‬ ‫الجهــود الراميــة إىل تخفيــف التصعيــد يف منطقــة‬ ‫جـزاء أخــرى مــن املنطقــة‪ .‬كل ذلــك صــار‬ ‫الخليــج وأ ـ‬ ‫اآلن يف مهــب الريــح‪.‬‬

‫تراجع الشرق األوسط‬

‫خالل أول عامني ونصف العام من عمرها‪ ،‬خفضت‬ ‫إدارة بايــدن مــن أولويــة صياغــة سياســة أمريكيــة‬ ‫يف الشــرق األوســط‪ ،‬تحــت تأثــر التحديــات املحليــة‬ ‫الضاغطة التي واجهت الواليات املتحدة عندما توىل‬


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫‪14‬‬

‫قصة الغالف‬


‫‪13‬‬

‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫من غري املتوقع أن تستمر إسرائيل بتقديم الخدمات‬ ‫الكبرية إىل غزة يف ظل غياب ضمانات ملموسة بشأن‬ ‫األمن‪ ،‬وألن املجتمع الدويل يتحمل املسؤولية لتجنب‬ ‫تكرار هذه الحرب املروعة‬ ‫تخصيــص الدعــم املــايل مــن إ ـيـران للتســلح بــدال مــن مســاعدة‬ ‫شــعبها‪ ،‬واالســتفادة مــن أي رضــا شــعبي يمكــن أن ينتــج عــن‬ ‫املســاعدات الدوليــة‪.‬‬ ‫إال أن هذا الوضع يجب أن يتغري بعد ما حدث يف السابع من‬ ‫سـرائيل‬ ‫أكتوبر‪/‬تشــرين األول‪ ،‬ألنــه مــن غــر املتوقــع أن تســتمر إ ـ‬ ‫بتقديم الخدمات الكبرية إىل غزة يف ظل غياب ضمانات ملموسة‬ ‫بشأن األمن‪ ،‬وألن املجتمع الدويل يتحمل املسؤولية لتجنب تكرار‬ ‫هذه الحرب املروعة‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ال يمكن لتلك الجهات التي تقدم‬ ‫املساعدة الدولية ملا يرقى إىل مستوى دولة االستمرار يف العمل‬ ‫كاملعتــاد بمجــرد أن يصبــح واضحــا أن قــادة الدولــة املســتفيدة‬ ‫سيحاولون تدمري دولة جارة‪.‬‬ ‫و ســرفض منظمــات اإلغا ثــة ووكاالت األ مــم املتحــدة أي‬ ‫اســتغالل ســيايس ألعمالهــا التــي تســتحق الث ـنـاء‪ ،‬والتــي تجــري‬ ‫طـرة حاليــا‪ .‬ولكــن الوصيــة األوىل‬ ‫يف ظــل ظــروف رهيبــة‪ ،‬وخ ـ‬ ‫ألي جهــد ملســاعدة ســكان ـغـزة تتلخــص يف ضمــان عــدم ت ـكـرار‬ ‫صـراع‪ .‬ويتطلــب ذلــك اســتخدام جميــع الوســائل املمكنــة‬ ‫هــذا ال ـ‬ ‫لتشجيع “حماس” وغريها من املنظمات اإلرهابية والسكان يف‬ ‫غزة عىل دعم وعدم تقويض أي ترتيبات يمكن التوصل إليها يف‬ ‫النهاية للمحافظة عىل السالم‪ .‬ويعترب ربط بعض املساعدات‪،‬‬ ‫خاصة إعادة اإلعمار واملواد ذات االســتخدام املدين والعســكري‬ ‫املزدوج‪ ،‬بااللتزام بمتطلبات وقف التصعيد ووقف إطالق النار‬ ‫سـاح أ ـمـرا بالــغ األهميــة ألي حــل قابــل للتطبيــق‪.‬‬ ‫ونــزع ال ـ‬

‫دور المجتمع الدولي‬

‫يمكــن للعالــم أن يســاعد بشــكل كبــر يف هــذا األمــر؛ فاألمــم‬ ‫املتحــدة ال ينبغــي لهــا أن تحكــم ـغـزة‪ ،‬ولكــن‪ ،‬يمكــن لعمليــة‬ ‫سـرائيل ومصــر‬ ‫دوليــة مخصصــة‪ ،‬بالتعــاون مــع حكومــة ـغـزة وإ ـ‬ ‫واألمــم املتحــدة واملنظمــات غــر الحكوميــة والجهــات املانحــة‪،‬‬ ‫أن تســهم يف وقــف دائــم للعنــف وتحســن ظــروف الســكان يف‬ ‫ـغـزة‪ .‬وفيمــا يــي‪ ،‬ســنناقش التفويضــات والتنظيــم املحتملــن‬ ‫ملثــل هــذه العمليــة‪ ،‬ولكــن فهــم مهمتهــا يعتــر األولويــة األهــم‪.‬‬ ‫فبعيــدا عــن الدعــم الفنــي لألج ـهـزة الحاكمــة يف ـغـزة‪ ،‬ســتقوم‬ ‫العمليــة عــى تنســيق جهــود املســاعدة مــع شــروط أي هد نــة‬ ‫يجــري التو صــل إليهــا‪ ،‬وز يــادة أو تقليــص مســاعدات إ عــادة‬ ‫اإلعمــار وغري هــا عــى أ ســاس امتثــال “حمــاس” والجما عــات‬ ‫األخرى لشروط وقف إطالق النار ونزع السالح‪ .‬يمكن أن تثري‬ ‫هــذه الشــروط مقاو مــة مــن بعــض مقد مــي املســاعدة‪ ،‬ولكــن‬ ‫جـزء‬ ‫شـرط لتقديــم ـ‬ ‫يجــب عــى الجهــات املانحــة االل ـتـزام بهــا ك ـ‬ ‫مــن املســاعدة عــى األقــل‪.‬‬ ‫وباإلضافة إىل هذا الدور الحاسم‪ ،‬يمكن للعملية الدولية أن‬ ‫شـرطة الداخليــة يف مواجهــة‬ ‫توفــر األمــن املباشــر‪ ،‬بــدءا مــن دعــم ال ـ‬

‫الخال يــا اإلرهابيــة إىل تســيري دور يــات يف املنا طــق العاز لــة بــن‬ ‫سـرائيل و ـغـزة‪.‬‬ ‫إ ـ‬ ‫اس ُتخدمت نماذج مختلفة من هذه العمليات للمساعدة يف‬ ‫حل النزاعات‪ ،‬ومنها مقرتح الرئيس الفرنيس ماكرون‪ ،‬التحالف‬ ‫العاملي لهزيمة “داعش”‪ ،‬باإلضافة إىل نموذج مكتب املمثل األعىل‬ ‫للبوسنة والهرسك بعد عام ‪ ،1995‬وبعثة إيوليكس يف كوسوفو‬ ‫بعد عام ‪ .1999‬تستفيد مثل هذه البعثات من تفويض مجلس‬ ‫األمــن التابــع لألمــم املتحــدة‪ ،‬ولكنهــا ال تخضــع لســلطة األمــن‬ ‫العام لألمم املتحدة‪ ،‬وهذا يُعَ دُ اعتبارا هاما بالنسبة إلسرائيل‪.‬‬ ‫ويمنــح تفويــض األمــم املتحــدة املزيــد مــن الســلطة ألي دور‬ ‫أمنــي مســلح محتمــل تقــوم بــه العمليــة الدوليــة‪ .‬ولعــل نمــوذج‬ ‫مكتب املمثل األعىل للبوسنة هو األكرث توافقا مع الوضع يف غزة‪.‬‬ ‫إذ بعيــدا عــن تنســيق املســاعدة الدوليــة مــع الحكومــات املركزيــة‬ ‫واإلقليميــة البوســنية ووكاالت األمــم املتحــدة وغريهــا والــدول‬ ‫املانحة‪ ،‬تعاون هذا املكتب بشكل وثيق مع قوات األمن التابعة‬ ‫ملنظمة حلف شمال األطليس واستخدم النفوذ السيايس والتنمية‬ ‫وإعادة اإلعمار واملساعدة للضغط عىل القادة البوسنيني لاللتزام‬ ‫بأحــكام وقــف إطــاق النــار‪.‬‬

‫العالقة بين غزة والقضايا الكبرى‬

‫لن تتمكن أي مجموعة من جهود الحكم واملساعدة ونزع السالح‬ ‫الخاصة بـ “اليوم التايل” من حل الصراع يف غزة بشكل دائم من‬ ‫دون إحراز تقدم يف القضايا األساسية‪ ،‬عىل مستويني‪ .‬األول هو‬ ‫سـرائيلية الفلســطينية‪ .‬يظــل حــل ب ـنـاء الدولتــن الــذي‬ ‫القضيــة اإل ـ‬ ‫نــص عليــه اتفــاق أوســلو الحــل األقــل ســوءا عــى املــدى الطويــل‪،‬‬ ‫إال أن الظروف الحالية غري مناسبة إلحراز تقدم يف هذا االتجاه‪.‬‬ ‫سـرائيلية (وبعــض السياســات‬ ‫ولكــن السياســات الداخليــة اإل ـ‬ ‫سـرائييل‬ ‫األمريكيــة) هــي مــن يعيــق تجميــد النشــاط االســتيطاين اإل ـ‬ ‫يف الضفــة الغربيــة واســتئناف املفاوضــات املث ـمـرة بــن الحكومــة‬ ‫خـراط االســتثنايئ‬ ‫ظـرا لالن ـ‬ ‫سـرائيلية والســلطة الفلســطينية‪ .‬ون ـ‬ ‫اإل ـ‬ ‫للرئيس بايدن فيما يخص األمن اإلسرائييل‪ ،‬فإنه اكتسب الحق‬ ‫صـول عــى‬ ‫شـرط للح ـ‬ ‫يف املطالبــة باتخــاذ مثــل هــذه الخطــوات ك ـ‬ ‫الدعــم العســكري األ ـمـريك الضخــم‪.‬‬ ‫سـرائيلية‬ ‫وحتــى يف ظــل الهــدوء الــذي يســود الشــؤون اإل ـ‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬فــإن الح ـلـول طويلــة األمــد تصبــح عقيمــة دون‬ ‫التصدي بشكل أفضل للتهديد اإلقليمي اإليراين‪ ،‬الذي يستغل‬ ‫القضية الفلسطينية لصالح أجندته العدوانية يف املنطقة‪ .‬وهذه‬ ‫قضية ضخمة وطويلة األمد‪ ،‬ولكن لم يعد من املمكن أن تستمر‬ ‫واشــنطن يف تجاهلهــا بشــكل كبــر‪ .‬ويظــل األمــل الوحيــد يف هــذا‬ ‫سـاح “حمــاس” وردع إ ـيـران ووكالئهــا عــن‬ ‫صـراع هــو أن نــزع ـ‬ ‫ال ـ‬ ‫التدخل‪ ،‬سيبطئ مسرية طهران عرب العالم العربي إىل حد كبري‪.‬‬


‫سياسة‬

‫‪12‬‬

‫المجلة‬

‫يدرك القادة العرب والغربيون الدور الحيوي الذي تلعبه‬ ‫إسرائيل إقليميا يف مكافحة الحركات اإليرانية واملتطرفة‪.‬‬ ‫كما يدركون أيضا أن انتصار “حماس” يف غزة ربما يؤدي إىل‬ ‫عقدين آخرين مماثلني للعقدين املاضيني‬ ‫إ ـيـران ووكالؤهــا املنفــذ الرئيــس لــكل هــذه الصراعــات‪ .‬وبعيــدا عــن‬ ‫إراقة الدماء‪ ،‬أدى سعي إيران إىل الهيمنة عىل املنطقة إىل خلق‬ ‫دول فاشــلة يف اليمن وغزة وســوريا ولبنان‪ ،‬ووضع العراق عىل‬ ‫حافــة الهاويــة‪.‬‬ ‫عـرب والغربيــون هــذا الســياق تمامــا‪ ،‬ويعــون‬ ‫يــدرك القــادة ال ـ‬ ‫الدور الحيوي الذي تلعبه إسرائيل إقليميا يف مكافحة الحركات‬ ‫اإليرانية واملتطرفة‪ .‬كما يدركون أيضا أن انتصار “حماس” يف غزة‬ ‫ربما يؤدي إىل عقدين آخرين مماثلني للعقدين املاضيني‪ .‬وعىل‬ ‫الرغــم مــن أن التعاطــف مــع الضحايــا األبر ـيـاء يف ـغـزة والكراهيــة‬ ‫سـرائيل يعيقــان اال ـعـراف العلنــي بهــذه التفاهمــات مــن‬ ‫تجــاه إ ـ‬ ‫جانــب كثرييــن‪ ،‬فإنهــا تشــكل أهميــة بالغــة للنظــر يف مســتقبل‬ ‫ضـاع يف ـغـزة‪.‬‬ ‫األو ـ‬

‫االنسحاب اإلسرائيلي من غزة‬

‫سـرائيل‪ ،‬وهــي عــى حــق‪ ،‬بأنهــا تخــوض معركــة وجوديــة‪.‬‬ ‫تؤمــن إ ـ‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن مــدة القتــال ســتعتمد عــى النتائــج املحققــة يف‬ ‫ساحة املعركة وكذلك عىل الضغط الدويل‪ ،‬وخاصة من واشنطن‬ ‫ومخاوفهــا بشــأن التصعيــد اإلقليمــي وعــدم االســتقرار والخســائر‬ ‫يف صفوف املدنيني‪ .‬لكن انسحاب إسرائيل بعد وقف إطالق النار‬ ‫وإعــادة توفريهــا للكهر ـبـاء وامليــاه والوقــود واالتصــاالت واملــوارد‬ ‫األخــرى لــن يحــدث إال إن رأت نتائــج مقبولــة عــى املــدى الطويــل‪،‬‬ ‫سـاح والحكــم واملســاعدة‬ ‫بمــا يف ذلــك القضايــا املتعلقــة بنــزع ال ـ‬ ‫واملشــاركة الدوليــة‪ .‬وســتكون هــذه العناصــر الورقــة الرابحــة التــي‬ ‫سـرائيل يف املفاوضات املتعلقة بـ “اليوم التايل”‪.‬‬ ‫ســتعتمد عليها إ ـ‬

‫نزع سالح “حماس”‬

‫سـرائيلية تشــمل تدمــر “حمــاس” كقــوة‬ ‫رغــم أن األهــداف اإل ـ‬ ‫عســكرية وسياســية‪ ،‬إال أن ذلــك قــد ال يكــون ممكنــا بالكامــل‪.‬‬ ‫وبدال من ذلك‪ ،‬وكما فعل التحالف الدويل مع “داعش”‪ ،‬يمكن‬ ‫سـاح “حمــاس” (والجماعــات‬ ‫سـرائيل نصرهــا بنــزع ـ‬ ‫أن تحــدد إ ـ‬ ‫اإلرهابيــة األصغــر حجمــا) إىل درجــة تمنعهــا مــن الســيطرة عــى‬ ‫األرض وشــن هجمــات كتلــك التــي حدثــت يف ‪ 7‬أكتوبر‪/‬تشــرين‬ ‫األول‪ .‬وهــذا يعنــي تدمــر معظــم قذائفهــا وصواريخهــا املضــادة‬ ‫للدبابــات وقذائــف الهــاون وقتــل أو أســر كبــار القــادة ومعظــم‬ ‫وحــدات الصاعقــة النخبويــة وتفكيــك نظــام األنفــاق الخــاص بهــا‬ ‫ومصانع األسلحة والتحصينات ومنشآت القيادة والتحكم وإعادة‬ ‫جميع الرهائن‪ .‬ويمكن أن تكون إسرائيل قادرة عىل تحقيق ذلك‬ ‫بنفسها‪ ،‬إذا قبلت بتكبد خسائر عالية ورفضت االلتزام بالنداءات‬ ‫سـرائيل بوقــف‬ ‫الدوليــة لوقــف إطــاق النــار‪ .‬ولكــن حتــى لــو قبلــت إ ـ‬ ‫إطــاق النــار دون تحقيــق نصــر كامــل‪ ،‬كمــا ذكــر أعــاه‪ ،‬فإنــه مــن‬ ‫غــر املرجــح أن تغــادر ـغـزة أو تســتأنف توفــر الخدمــات‪ ،‬وبالتــايل‬

‫السماح بإجراءات ما بعد الحرب‪ ،‬دون موافقة “حماس” عىل‬ ‫وقــف إطــاق النــار ونــزع ســاحها بالكامــل‪.‬‬

‫الحكم‬

‫سـرائيلية اســتبعدتا االحتــال‬ ‫بمــا أن الحكومتــن األمريكيــة واإل ـ‬ ‫سـرائييل طويــل األمــد‪ ،‬فــإن هنــاك خياريــن وحيديــن متاحــن‬ ‫اإل ـ‬ ‫للحكم‪ :‬السلطة الفلسطينية‪ ،‬و“حماس” نفسها‪ .‬ورغم أن هناك‬ ‫إمكانية لوجود تنسيق دويل– كما سيُذكر الحقا– إال أن مثل هذا‬ ‫التنسيق ال يمكن االعتماد عليه بشكل كامل للحكم‪ .‬لذا‪ ،‬تعترب‬ ‫السلطة الفلسطينية الخيار األمثل‪ ،‬عىل الرغم من ضعفها‪ .‬إال‬ ‫أن هذا األمر ســيتطلب موافقة من حركة “حماس”‪ ،‬التي حتى‬ ‫وإن جُ ـ ّردت إىل حــد كبــر مــن أســلحتها الثقيلــة وقادتهــا‪ ،‬فإنهــا‬ ‫ســتبقى قــوة إرهابيــة يصعــب عــى الســلطة الفلســطينية هزيمتهــا‬ ‫بشــكل كامــل‪ ،‬كمــا شــهدنا يف الضفــة الغربيــة‪.‬‬ ‫ويمكــن أن يكــون مــن الصعــب عــى “حمــاس” ق ـبـول مثــل هــذا‬ ‫الســيناريو‪ ،‬ولكنــه ليــس مســتحيال‪ ،‬وذلــك يعتمــد عــى نتائــج‬ ‫املعركــة الحاليــة‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬يستلزم استمرار “حماس” يف الحكم موافقة‬ ‫إسرائيل‪ ،‬وهو األمر الذي يبدو متناقضا مع هدفها املعلن واملتمثل‬ ‫سـرائيل‬ ‫يف إن ـهـاء حكــم “حمــاس”‪ .‬إذن‪ ،‬كيــف يمكــن أن تقبــل إ ـ‬ ‫باستمرار حكم “حماس”؟‬ ‫يمكــن أن تجــر الضغــوط الدوليــة‪ ،‬باإلضافــة إىل النجــاح‬ ‫سـاح “حمــاس” وات ـبـاع نهــج مختلــف تجــاه املســاعدات‬ ‫يف نــزع ـ‬ ‫اإلنســانية وغريهــا مــن املســاعدات– كمــا هــو موضــح أدنــاه– وعــدم‬ ‫قــدرة الســلطة الفلســطينية عــى ـتـويل الحكــم بشــكل فعــال‪،‬‬ ‫سـرائيل عــى إعــادة النظــر يف موقفهــا واملوافقــة‬ ‫يمكــن أن تجــر إ ـ‬ ‫عــى هــذا الســيناريو‪.‬‬

‫تقديم المساعدة‬

‫تشــتمل املســاعدة املقدمــة للســكان الف ـقـراء يف ـغـزة عــى أربعــة‬ ‫عناصــر رئيســة‪ :‬اإلعاشــة اإلنســانية‪ ،‬وهــي األولويــة الرئيســة أث ـنـاء‬ ‫القتال؛ وتوفري الخدمات األساسية من قبل إسرائيل؛ باإلضافة‬ ‫إىل برنامج ضخم لتحقيق االستقرار والتنمية تديره وكاالت األمم‬ ‫املتحدة ومختلف املنظمات غري الحكومية؛ وجهود إعادة اإلعمار‬ ‫حـرب‪ .‬وألســباب إنســانية مفهومــة للغايــة‪ ،‬يســتمر أولئــك‬ ‫بعــد ال ـ‬ ‫الذين يقدمون املساعدة‪ ،‬ووكاالت األمم املتحدة‪ ،‬واملنظمات غري‬ ‫الحكومية‪ ،‬وحتى إسرائيل ومصر إىل حد ما‪ ،‬بالعمل وكأن هذه‬ ‫املساعدة ومجريات النزاع بني “حماس” وإسرائيل هما قضيتان‬ ‫منفصلتان تماما‪ .‬ومع ذلك فإن هذه املساعدات الدولية ّ‬ ‫تمكن‪،‬‬ ‫حـرب التــي تســتخدمها “حمــاس”‪،‬‬ ‫بطــرق غــر مقصــودة‪ ،‬آلــة ال ـ‬ ‫وتســمح لهــا باســتخدام املســاعدات لتلبيــة احتياجاتهــا‪ ،‬وكذلــك‬



‫سياسة‬

‫‪10‬‬

‫المجلة‬

‫قصة الغالف‬

‫“اليوم التايل”‬ ‫يف غزة‬ ‫اسرتاتيجيات لتحقيق االستقرار عىل املدى الطويل‬ ‫واشنطن – جيمس جيفري‬

‫طـراف‬ ‫حـرب الحاليــة يف ـغـزة‪ ،‬فــإن مــن مصلحــة أغلــب األ ـ‬ ‫أيــا كانــت نتيجــة ال ـ‬ ‫(باستثناء “حماس” ورعاتها اإليرانيني) ضمان حياة أفضل ألهل غزة‪ ،‬وضمان‬ ‫سـرائيل‪ .‬ولضمــان مثــل هــذه النتائــج‪،‬‬ ‫اســتقرار طويــل األمــد لــكل مــن ـغـزة وإ ـ‬ ‫فإن أي نتيجة لـ “اليوم التايل” يجب أن تعالج القضايا الست املذكورة أدناه‪.‬‬ ‫وال يهــدف املؤلــف مــن خــال مناقشــة هــذه القضايــا إىل تقديــم خرائــط طريــق‬ ‫مفصلة‪ ،‬بل إىل تسليط الضوء عىل األسئلة االسرتاتيجية التي يجب اإلجابة‬ ‫عليهــا قبــل تطويــر مناهــج محــددة‪.‬‬ ‫االنسحاب اإلسرائييل من غزة‬ ‫نزع سالح “حماس”‬ ‫الحكم يف غزة بعد االنسحاب‬ ‫تقد يــم املســاعدة اإلنســانية واملســاعدات الخا صــة بتحقيــق اال ســتقرار‬ ‫وإ عــادة اإلعمــار‬

‫رسم ‪ -‬ايفا فازكويز‬

‫دور املجتمع الدويل‬ ‫العالقة بني الوضع يف غزة والقضايا األكرب‪ :‬الصراع اإلسرائييل‪ -‬الفلسطيني‬ ‫ودور إيران يف الشرق األوسط‪.‬‬ ‫بداية‪ ،‬هناك استنتاجان‪ :‬أوال‪ ،‬من أجل التوصل إىل حل طويل األمد وقابل‬ ‫للتطبيــق‪ ،‬يجــب النظــر يف هــذه القضايــا الســت معــا‪ ،‬لكونهــا مرتابطــة بطــرق‬ ‫مختلفــة‪ .‬ثانيــا‪ ،‬يجــب أن يبــدأ النظــر يف هــذه القضايــا مــن خــال الســياق الــذي‬ ‫تــدور فيــه األحــداث املأســاوية يف ـغـزة‪ ،‬والــذي يمتــد إىل مــا هــو أبعــد مــن القضيــة‬ ‫الفلســطينية ليشــمل الــدور الــذي تلعبــه إ ـيـران‪ ،‬ليــس فقــط باعتبارهــا تهديــدا‬ ‫حـزب اللــه”‪ ،‬و“حمــاس”‪،‬‬ ‫سـرائيل بشــكل مباشــر ومــن خــال وكالء مثــل “ ـ‬ ‫إل ـ‬ ‫ولكن باعتبارها تهديدا للمنطقة ككل‪ .‬منذ عام ‪ ،2000‬أدت الحروب األهلية‬ ‫يف سوريا واليمن‪ ،‬والقتال يف العراق ويف لبنان‪ ،‬وحملة “داعش”‪ ،‬إىل مقتل‬ ‫مــا ي ـقـرب مــن مليــون شــخص ونــزوح مــا ي ـقـرب مــن ‪ 15‬مليــون عربــي‪ .‬وكانــت‬


‫القصة وراء الخبر‬ ‫شاهدها على جميع المنصات‬

‫‪NOW.ASHARQ.COM/DOC‬‬

‫عرب سات‬ ‫يوتلسات ‪ 7‬غرباً‬


‫المحرر‬

‫‪8‬‬

‫المجلة‬

‫ـغـزة تحســم قضيــة فلســطني‬ ‫‪ ...‬والفلســطينيني‬ ‫إبراهيم حميدي – مدير التحرير التنفيذي‬ ‫رسم ‪ -‬بول رايدنغ‬

‫خطط عىل‬ ‫وقع نزيف‬ ‫غزة وجروح‬ ‫أهلها وعروق‬ ‫نازحيها‬

‫غزة تحسم قضية فلسطني‪ .‬إن املآالت التي تنتهي إليها‬ ‫الحرب بني إسرائيل و“حماس”‪ ،‬سترتك أثرا كبريا يف‬ ‫مستقبل الفلسطينيني وإسرائيل ومنطقة الشرق األوسط‪.‬‬ ‫يف العدد السابق تناولنا‪ ،‬يف “املجلة”‪ ،‬أبعاد هجمات‬ ‫‪ 7‬أكتوبر‪/‬تشرين األول‪ ،‬و“املفاجأة” التي أوقعتها يف‬ ‫إسرائيل‪ .‬ونخصص قصة الغالف لشهر نوفمرب‪/‬تشرين‬ ‫ّ‬ ‫لتقيّص “اليوم التايل” يف غزة‪ ،‬وأبعاد الحرب‬ ‫الثاين‪،‬‬ ‫ونتائجها من جميع الجوانب املتعلقة بأفق السالم‬ ‫ومستقبل القضية والشعب والنزاع الفلسطيني‪-‬‬ ‫اإلسرائييل‪ ،‬والتداعيات اإلقليمية‪ .‬وأخرتنا الرتكيز‪ ،‬عرب‬ ‫خرباء وصحافيني‪ ،‬عىل مسارات محددة للمرحلة املقبلة‪:‬‬ ‫بادئ ذي بدء‪ ،‬التوقف عند نريان الحرب ولوعة‬ ‫التهجري وحملة القصف اإلسرائيلية املكثفة عىل غزة وبنيتها‬ ‫التحتية والطبية‪ُ ،‬قتل وجرح فيها آالف املدنيني‪ ،‬ودُفع‬ ‫أكرث من نصف السكان البالغ عددهم ‪ 2.4‬مليون نسمة‬ ‫للنزوح إىل جنوب القطاع‪ .‬ال شك أن استمرار كرة النار‬ ‫ولدغات الرعب‪ ،‬سيفاقم جروح املدنيني‪ .‬لكنه أعاد‪ ،‬يف‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬إحياء مشروع قديم لدى بعض املسؤولني‬ ‫اإلسرائيليني بتهجري مئات اآلالف إىل سيناء املصرية‪.‬‬ ‫مشروع التهجري‪ ،‬أيقظ لدى الفلسطينيني والعرب‬ ‫“سيناريو النكبة” عام ‪ ،1948‬عندما دُفع الناس للجوء‬ ‫مع مفاتيح بيوتهم ودفاتر ذكرياتهم وآهاتهم إىل مناطق‬ ‫ودول مجاورة‪ .‬إحياء املشروع الجديد‪ -‬القديم‪ ،‬قوبل‬ ‫بقمم ولقاءات عربية للتنسيق لوأده يف مهده‪ .‬الطموح‪،‬‬ ‫أن تقف دول رغم حروبها األهلية ونكباتها االقتصادية‪،‬‬ ‫سداً ضده‪ ،‬مقابل حملة إسرائيلية منظمة لكسب دعم‬ ‫غربي عرب الضغوط واإلغراءات عىل دول مجاورة لقبول‬ ‫اقتالع الناس من أرضهم ورميهم يف مجهول الصحارى‬ ‫وربما يف “قوارب املوت”‪.‬‬ ‫الرتقب الثاين هو زلزال الضفة الغربية‪ .‬وأمام تدفق‬ ‫مشاهد القتل يف غزة‪ ،‬وضيق األوضاع االقتصادية‬ ‫والحصار اإلسرائييل‪ ،‬وتهديدات املستوطنني وسالحهم‬ ‫وحملة االعتقاالت‪ ،‬األوضاع عىل فوهة بركان‪ .‬ويف حال‬ ‫تطاير لهيبه‪ ،‬فإن املرحلة األوىل يف الضفة‪ ،‬ستقابل‬ ‫بتعاضد اآلالم والخيبات‪ ،‬لكن لن يطول ظهور شقوق‬ ‫الخالفات يف السلطة وأجهزة األمن و“فتح”‪ ،‬خصوصا مع‬ ‫تنامي سؤال خالفة رئيس السلطة محمود عباس‪.‬‬ ‫كل هذا سيشكل تهديدا إضافيا عىل األردن‪ ،‬خصوصا‬ ‫مع وجود أعضاء يف الحكومة اإلسرائيلية الحالية يحملون‬ ‫برنامج التهجري وتفجري أسس أي هيكل فلسطيني‪ ،‬حيث‬

‫يجد هؤالء “فرصة تاريخية” يف “نكبة جديدة” وخوض‬ ‫“حرب استقالل ثانية”‪.‬‬ ‫مع لهيب القطاع والضفة‪ ،‬ال بد أن تصل الشظايا إىل‬ ‫إسرائيل‪ .‬من جهة‪ ،‬هناك توقع بتنامي الجدل اإلسرائييل‬ ‫حول املسؤول عن “مفاجأة” أكتوبر‪/‬تشرين األول والفشل‬ ‫الرهيب بالتوقع واالستجابة والردع‪ .‬التوحد تحت مظلة‬ ‫“الخطر الوجودي”‪ ،‬سيخضع الختبارات كثرية بعد بدء‬ ‫وصول جثث الجنود واألسئلة عن مصري عشرات األسرى‬ ‫لدى “حماس”‪ .‬ومن جهة ثانية‪ ،‬هناك اختبار جديد‬ ‫لفلسطينيي إسرائيل الذين يشكلون ‪ 20‬يف املئة‪.‬‬ ‫بالتوازي مع كل هذا‪ ،‬وهو غري قليل‪ ،‬يبقى اتساع‬ ‫الحرب اقليميا أمرا مقلقا وملحا‪ .‬ورغم الهجمات التي‬ ‫شنتها تنظيمات تابعة إليران‪ ،‬يف سوريا والعراق واليمن‬ ‫ولبنان‪ ،‬عىل مصالح أمريكية أو إسرائيلية‪ ،‬فإن السؤال‬ ‫يبقى عن قرار إيران بفتح “حرب شاملة” أو جبهة جنوب‬ ‫لبنان‪ .‬نقل وسطاء كرث رسائل تحذير إىل طهران و“حزب‬ ‫الله”‪ .‬كما أن أمريكا أرسلت قطعا عسكرية ضخمة إىل‬ ‫البحر املتوسط‪ .‬ردت باستهداف تنظيمات إيرانية يف سوريا‬ ‫بالتوازي مع قصف إسرائيل ملطاري دمشق وحلب عدة‬ ‫مرات‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬عادت أمريكا إىل الشرق األوسط‬ ‫الذي أرادت الخروج منه قبل سنوات‪ .‬ونعرض يف امللف‪،‬‬ ‫أولويات أمريكا يف املنطقة‪ ،‬الخاصة بأمن إسرائيل‪ .‬كما‬ ‫نعرض الفرق بني وضع “حزب الله” يف حرب ‪2006‬‬ ‫ووضعه يف ‪.2023‬‬ ‫هذه املسارات جميعا‪ ،‬تعرضها أقالم خبرية مغموسة‬ ‫بحرب املعرفة‪ .‬املفتاح لها جميعا‪ ،‬هو الوضع امليداين يف غزة‬ ‫و“اليوم التايل”‪ .‬ما تريده إسرائيل‪ ،‬بات معروفا‪ .‬والغطاء‬ ‫الغربي لها متوفر‪ .‬هناك افرتاض بأن “حماس” ستهزم‬ ‫عسكريا وتفكك تنظيميا‪ .‬مقرتحات كثرية ملا سيحصل لدى‬ ‫توقف صوت القنابل‪ .‬إعمار القطاع ونشر قوات شرطة‬ ‫أو مراقبة عربية وتشكيل إدارة لحكم القطاع قد تساهم‬ ‫بها السلطة الفلسطينية أو مؤسسات أممية ووجهاء‬ ‫محليون‪ .‬ويف هذا امللف‪ ،‬يقدم املبعوث األمرييك السابق‬ ‫جيمس جيفري تصوره لـ “اليوم التايل”‪.‬‬ ‫يف هذا العدد‪ ،‬كلمات عىل وقع نزيف غزة وجروح‬ ‫أهلها ونهر من القلق يف عروق النازحني وخطط لشرق‬ ‫أوسط جديد‪ ،‬ورهانات عىل بزوغ السالم من الركام‪،‬‬ ‫ورسائل تحذير وطمأنة بني “الالعبني”‪.‬‬ ‫التاريخ سيقرر يف أي صفحة يضع هجمات ‪ 7‬أكتوبر‪،‬‬ ‫وبصمتها عىل قضية فلسطني والفلسطينيني‪.‬‬


‫‪7‬‬

‫كتاب العدد‬

‫المجلة‬

‫كتــاب العــدد‬ ‫براين كاتيوليس‬ ‫"المجموعة السعودية‬ ‫لألبحاث واإلعالم"‬

‫زميل أول ونائب رئيس‬ ‫قسم السياسة يف معهد‬ ‫الشرق األوسط يف واشنطن‬

‫أسسها سنة ‪1987‬‬ ‫األمير أحمد بن سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫الرئيس التنفيذي‬ ‫جمانا راشد الراشد‬

‫مايكل هوروفيتز‬

‫‪Chief Executive Officer‬‬ ‫‪Jomana Rashed AlRashid‬‬

‫جيمس جيفري‬

‫أسسها سنة ‪1980‬‬ ‫هشام ومحمد علي حافظ‬

‫مساعد الرئيس األمرييك‬ ‫ونائب مستشار األمن‬ ‫القومي يف إدارة‬ ‫جورج و‪ .‬بوش‬

‫مدير التحرير التنفيذي‬ ‫إبراهيم حميدي‬

‫كارين يانغ‬

‫أسامة إسرب‬

‫باحثة يف جامعة كولومبيا‬ ‫يف مركز سياسية الطاقة العاملية‪،‬‬ ‫وزميلة غري مقيمة يف معهد‬ ‫الشرق األوسط يف واشنطن‬

‫كاتب وشاعر سوري‬ ‫مقيم يف أمريكا‬ ‫ترجم رواية “أحالم‬ ‫آينشتاين” آللن اليتمان‬

‫رئيس التحرير‬ ‫غسان شربل‬

‫مدراء التحرير‬ ‫حسام عيتاني‬ ‫خالد القصار‬ ‫سامر أبو هواش‬ ‫‪Editor-in-Chief‬‬ ‫‪Ghassan Charbel‬‬

‫‪editorial@majalla.com‬‬

‫داود ُك ّتاب‬

‫مديرة قسم اإلبداع‬ ‫سارة لون‬

‫رسم ‪ -‬بول رايدنغ‬

‫الوكيل اإلعالني‬

‫‪Saudi Media Company‬‬ ‫‪KSA +966 920033777‬‬ ‫‪Dubai UAE +971 45684155‬‬ ‫‪sales@smc.me‬‬

‫شرييل زيو‬

‫السفري األمرييك األسبق‬ ‫إىل سوريا والجزائر‪،‬‬ ‫يعمل باحثا وأكاديميا‪،‬‬ ‫مقيم يف أمريكا‬

‫زميلة زائرة يف كلية لندن‬ ‫لالقتصاد والعلوم السياسية‬ ‫وخبرية يف الشؤون الصينية‬

‫‪Executive Editor‬‬ ‫‪Ibrahim Hamidi‬‬

‫‪SRMG, 10th Floor, Building 7, Chiswick‬‬ ‫‪Business Park, 566 Chiswick High Road‬‬ ‫‪London W4 5YG, United Kingdom‬‬ ‫‪Tel: +44 20 7831 8181‬‬

‫خبري يف الجغرافيا السياسية‬ ‫والسياسات األمنية الدولية‬ ‫وشؤون إسرائيل‬

‫روبرت فورد‬

‫كارولني روز‬ ‫باحثة وأكاديمية أمريكية‬ ‫مختصة بشؤون األمن‬ ‫والسياسة وملف‬ ‫الكبتاغون يف سوريا‬ ‫تقيم يف واشنطن‬

‫صحايف فلسطيني‪،‬‬ ‫مدير شبكة اإلعالم املجتمعي‬ ‫حائز عىل جوائز عدة‬

‫سالم الريس‬ ‫صحايف فلسطيني‬ ‫مقيم يف قطاع غزة نزح‬ ‫بعد بدء الحرب‬

‫محمد أبي سمرا‬ ‫روايئ لبناين‬ ‫وصحايف استقصايئ‪،‬‬ ‫من مؤلفاته “وداع لبنان”‬ ‫و“نساء بال أثر”‬ ‫مقيم يف بريوت‬


‫المحتويات‬

‫‪6‬‬

‫المجلة‬

‫املحتويــات‬

‫‪10‬‬ ‫قصة الغالف‬ ‫غزة تحسم‬ ‫قضية فلسطين‬

‫‪58‬‬ ‫مايك جونسون‬ ‫‪ ...‬اإلبحار في‬ ‫عواصف أميركا‬

‫‪66‬‬ ‫أفريقيا منقذ‬ ‫اقتصاد الصين‬ ‫ومالذه‬

‫‪84‬‬ ‫طه حسين‪...‬‬ ‫خمسون عاما‬ ‫من الحضور‬

‫مخاوف من “نكبة” إىل سيناء‬ ‫‪ ...‬وأمريكا تعود إىل الشرق األوسط‬

‫تقدم كارولني روز بروفايل‬ ‫رئيس مجلس النواب األمرييك‬ ‫ووضعه الصعب ومخاطر الفشل‬

‫تعرض شرييل زيو‬ ‫الشراكة التكاملية بني الطرفني‬ ‫لتشكيل النظام العاملي‬

‫يستعيد إبراهيم عادل ريادة‬ ‫"عميد األدب العربي"‬ ‫بالذكرى الخمسني لرحيله‬

‫رسوم – لينا جرادات‬

‫‪8‬‬

‫غزة تحسم قضية‬ ‫فلسطني والفلسطينيني‬ ‫إبراهيم حميدي‬

‫‪28‬‬

‫“حزب الله”‬ ‫‪ 2006‬و ‪2023‬‬ ‫خالد حمادة‬

‫‪ 44‬الدولة الفلسطينية‬ ‫‪ ...‬مفتاح الحل‬ ‫داود ُك ّتاب‬

‫‪72‬‬

‫الصراع عىل أفريقيا‬ ‫واالستثمارات فيها‬ ‫أليس غاور‬

‫‪10‬‬

‫“اليوم التايل”‬ ‫يف غزة‬ ‫جيمس جيفري‬

‫‪32‬‬

‫ردود اقتصادية‬ ‫عىل حرب غزة‬ ‫كارين يانغ‬

‫‪ 44‬نحو دولة‬ ‫ثنائية القومية‬ ‫مهند عبدالحميد‬

‫‪78‬‬

‫وزير اقتصاد ليبيا‪:‬‬ ‫االستثمار آمن‬ ‫أحمد ماهر‬

‫‪14‬‬

‫عاصفة كبرية‪...‬‬ ‫أين وكيف تنتهي؟‬ ‫براين كاتيوليس‬

‫‪36‬‬

‫راهنية “النكبة”‬ ‫و التهجري إىل سيناء‬ ‫أحمد األسعد‬

‫‪ 46‬يحيى السنوار‬ ‫‪ ...‬حليف إيران‬ ‫سالم الريس‬

‫‪88‬‬

‫هدي هربا‬ ‫ّ‬ ‫املتشظية‬ ‫والتجارب‬ ‫أسامة إسرب‬

‫‪20‬‬

‫ثوابت أمريكا‬ ‫بالشرق األوسط‬ ‫روبرت فورد‬

‫‪42‬‬

‫انفوغراف‬ ‫الفلسطينيون وإسرائيل‬ ‫لندن – “املجلة”‬

‫‪“ 52‬املقربة البحرية”‬ ‫و“الحلم األوروبي”‬ ‫محمد أبي سمرا‬

‫‪92‬‬

‫الالجئون يف لبنان‪:‬‬ ‫رهاب الديموغرافيا‬ ‫جودي األسمر‬

‫‪24‬‬

‫صمود السالم‬ ‫بعد ‪ 7‬أكتوبر‬ ‫مايكل هوروفيتز‬

‫‪43‬‬

‫انفوغراف‬ ‫معطيات خالل ‪ 75‬سنة‬ ‫لندن – “املجلة”‬

‫‪ 60‬وزير خارجية تونس‪:‬‬ ‫لسنا شرطي أوروبا‬ ‫إبراهيم حميدي‬

‫‪98‬‬

‫عودة مشكلة‬ ‫قديمة تتجدّد‬ ‫خالدة سعيد‬




KELLY SLATER LIMITED EDITION



‫جونسون… واإلبحار‬ ‫في عواصف أميركا‬

‫وزير خارجية تونس‪:‬‬ ‫لسنا شرطي أوروبا‬

‫من “مقبرة البحر”‬ ‫إلى “الحلم األوروبي”‬

‫طه حسين‪ ...‬عقود‬ ‫من الغياب والحضور‬

‫العدد ‪ 1951‬نوفمبر ‪ /‬تشرين الثاني ‪2023‬‬ ‫‪majalla.com‬‬

‫غزة تحسم‬ ‫قضية فلسطني‬ ‫مخاوف من “نكبة” إىل سيناء‬ ‫وإسرائيل تعيد أمريكا للشرق األوسط‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.