bayt_alshier_7

Page 134

‫ديوان العرب‬

‫تعقبه الحركة‪ .‬حركة املاء كام جسدها النص الجاهيل‪.‬‬ ‫يقول «يوسف اليوسف» يف «مقاالت يف الشعر الجاهيل»‪:‬‬ ‫«ليس من قبيل املصادفة أن يستهل امرؤ القيس معلقته‬ ‫بالوقوف عىل الرسوم وأن ينهيها بوصف املطر‪ .‬وليس‬ ‫مصادفة أن يتحدث لبيد عن املطر أيضا‪ .‬وما هو فصيح‬ ‫الداللة كذلك أن تجد معجم معلقة عبيد بن األبرص‬ ‫غاصا مبفردات كهذه ‪ :‬أقفر‪ ،‬الجدب‪ ،‬املحل‪ ،‬مخلوس‪،‬‬ ‫مسلوب‪ ،‬محروب‪ ،‬سلب‪ ،‬جديب‪ ،‬ماء‪.‬‬ ‫قسيب (خرير)‪ ،‬سكوب‪ ،‬رسوب‪ ،‬جدول‪ ،‬واد‪ ،‬فلج (نبع)‪،‬‬ ‫ويف هذه املعلقة تتكرر كلمة «ماء» ثالث مرات‪ ،‬أما‬ ‫كلمة «جذب» ومشتقاتها فخمس» إذا كان امرؤ القيس‬ ‫يف مستهل معلقته قد ابتدأ ببكاء الطلل‪ ،‬فإنه ختمها‬ ‫بالحديث عن املطر‪ .‬فنصه من حيث املبتدأ والختام نص‬ ‫ينهض عىل التضاد ‪ :‬القحط يف تقابل مع البعث والحياة‪.‬‬ ‫لكن كيف يتضح حضور املاء؟‬ ‫يقول امرؤ القيس يف معلقته‪:‬‬

‫«أصاح ترى برقا أريك وميضه‬ ‫كلمع اليدين يف حبي مكلل‬ ‫ييضء سناه أو مصابيح راهب‬ ‫أمال السليط بالذبال املفتل‬ ‫قعدت له وصحبتي بني ضارج‬ ‫وبني العذيب بعد ما متأمل‬ ‫عىل قطن بالشيم أمين صوبه‬ ‫وأيرسه عىل الستار فيذبل‬ ‫فأضحى يسبح املاء حول كتفيه‬ ‫يكب عىل األذقان دوح الكنهبل‬ ‫ ‬ ‫ومر عىل القنان من نفيانه‬ ‫فأنزل منه العصم من كل منزل‬ ‫وتيامء مل يرتك بها جذع نخلة‬ ‫وال أطام إال مشيدا بجندل»‬

‫االشارة للامء تتم من خالل وميض الربق‪ .‬هذا يحمل‬ ‫الداللة عىل سقوط املطر‪ .‬فالشاعر وصحبه يرتقبون‬ ‫السقوط ليال‪ .‬علام بأن الليل يحيل عىل السكون والهدوء‪.‬‬ ‫وهو سكون سيخرقه هطول املطر‪ .‬لكأين بهم يتوسلون‬ ‫االستسقاء واالستمطار ولعل حضور الراهب مبصابيحه‬ ‫‪134‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )7‬كانون األول‪/‬ديسمبر‪2012/‬‬

‫كذلك يجسد التبتل واللهفة إىل املاء العذب‪ .‬املاء الذي‬ ‫يف حالة سقوطه سيلغي البكاء الذي طالعنا يف مفتتح‬ ‫املعلقة‪ .‬لكن السقوط جاء عنيفا‪ ،‬حيث جرف الشجر‬ ‫والحيوان‪ .‬إنه أشبه ما يضيف إىل الدمار املرتبط بالطلل‪.‬‬ ‫لوال أن الطلل افتقر ككل إىل املاء‪ .‬من ثم فامليسم الذي‬ ‫يتسم به مطر امرئ القيس قوته وعنفه يرى «مصطفى‬ ‫ناصف»‪:‬‬ ‫« املطر يف شعر امرئ القيس قيامة غري عادية‪ ،‬أو هو هزة‬ ‫كربى تنسخ التجارب اليومية املألوفة ‪»...‬‬ ‫ينجيل أثر هذا املطر العنيف فيام أضفاه عىل الحيوان‪.‬‬ ‫فالطيور أحست بالراحة واالستقرار والنشوة‪ ،‬بينام فارق‬ ‫الخوف والرعب السباع‪ .‬وتحقق هذا بعد أن توقف‬ ‫سقوط املطر‪ .‬يدل عىل ذلك ‪:‬‬

‫«كأن مكايك الجواء عذية‬ ‫صبحن سالفا من رحيق مفلفل‬ ‫كأن السباع فيه غرقى عشية‬ ‫بأرجائه القصوى أنابيش عنصل»‬

‫ومن املالحظ أن امرأ القيس مهد للحديث عن املاء‪ ،‬يف‬ ‫الحالة التي وصف فيها فرسه الخارق‪ .‬إنه يف رسعته‪،‬‬ ‫إقباله‪ ،‬ويف إدباره كصخرة عنيفة رمى بها السيل من عل‪.‬‬ ‫وهو تأكيد مجدد عن عنف مطر الشاعر‪:‬‬

‫«مكر مفر مقبل مدبر معا‬ ‫كجلمود صخر حطه السيل من عل»‬

‫حركة املاء‬

‫الوقوف عىل معلقة لبيد بن ربيعة يقود بشكل مغاير‬ ‫نحو نتائج بخصوص املاء عىل عكس ما اهتدينا إليه‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.