ديوان العرب
تعقبه الحركة .حركة املاء كام جسدها النص الجاهيل. يقول «يوسف اليوسف» يف «مقاالت يف الشعر الجاهيل»: «ليس من قبيل املصادفة أن يستهل امرؤ القيس معلقته بالوقوف عىل الرسوم وأن ينهيها بوصف املطر .وليس مصادفة أن يتحدث لبيد عن املطر أيضا .وما هو فصيح الداللة كذلك أن تجد معجم معلقة عبيد بن األبرص غاصا مبفردات كهذه :أقفر ،الجدب ،املحل ،مخلوس، مسلوب ،محروب ،سلب ،جديب ،ماء. قسيب (خرير) ،سكوب ،رسوب ،جدول ،واد ،فلج (نبع)، ويف هذه املعلقة تتكرر كلمة «ماء» ثالث مرات ،أما كلمة «جذب» ومشتقاتها فخمس» إذا كان امرؤ القيس يف مستهل معلقته قد ابتدأ ببكاء الطلل ،فإنه ختمها بالحديث عن املطر .فنصه من حيث املبتدأ والختام نص ينهض عىل التضاد :القحط يف تقابل مع البعث والحياة. لكن كيف يتضح حضور املاء؟ يقول امرؤ القيس يف معلقته:
«أصاح ترى برقا أريك وميضه كلمع اليدين يف حبي مكلل ييضء سناه أو مصابيح راهب أمال السليط بالذبال املفتل قعدت له وصحبتي بني ضارج وبني العذيب بعد ما متأمل عىل قطن بالشيم أمين صوبه وأيرسه عىل الستار فيذبل فأضحى يسبح املاء حول كتفيه يكب عىل األذقان دوح الكنهبل ومر عىل القنان من نفيانه فأنزل منه العصم من كل منزل وتيامء مل يرتك بها جذع نخلة وال أطام إال مشيدا بجندل»
االشارة للامء تتم من خالل وميض الربق .هذا يحمل الداللة عىل سقوط املطر .فالشاعر وصحبه يرتقبون السقوط ليال .علام بأن الليل يحيل عىل السكون والهدوء. وهو سكون سيخرقه هطول املطر .لكأين بهم يتوسلون االستسقاء واالستمطار ولعل حضور الراهب مبصابيحه 134
بيت الشعر
العدد ( - )7كانون األول/ديسمبر2012/
كذلك يجسد التبتل واللهفة إىل املاء العذب .املاء الذي يف حالة سقوطه سيلغي البكاء الذي طالعنا يف مفتتح املعلقة .لكن السقوط جاء عنيفا ،حيث جرف الشجر والحيوان .إنه أشبه ما يضيف إىل الدمار املرتبط بالطلل. لوال أن الطلل افتقر ككل إىل املاء .من ثم فامليسم الذي يتسم به مطر امرئ القيس قوته وعنفه يرى «مصطفى ناصف»: « املطر يف شعر امرئ القيس قيامة غري عادية ،أو هو هزة كربى تنسخ التجارب اليومية املألوفة »... ينجيل أثر هذا املطر العنيف فيام أضفاه عىل الحيوان. فالطيور أحست بالراحة واالستقرار والنشوة ،بينام فارق الخوف والرعب السباع .وتحقق هذا بعد أن توقف سقوط املطر .يدل عىل ذلك :
«كأن مكايك الجواء عذية صبحن سالفا من رحيق مفلفل كأن السباع فيه غرقى عشية بأرجائه القصوى أنابيش عنصل»
ومن املالحظ أن امرأ القيس مهد للحديث عن املاء ،يف الحالة التي وصف فيها فرسه الخارق .إنه يف رسعته، إقباله ،ويف إدباره كصخرة عنيفة رمى بها السيل من عل. وهو تأكيد مجدد عن عنف مطر الشاعر:
«مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل»
حركة املاء
الوقوف عىل معلقة لبيد بن ربيعة يقود بشكل مغاير نحو نتائج بخصوص املاء عىل عكس ما اهتدينا إليه