جدل
محاكمات شعرية باطلة عبد هللا أبوبكر
في
واحد من لقاءات عماّ ن الثقافية عندما تو ّجهت إحدى الشاعرات بسؤال للشاعر التونيس يوسف رزوقة حول قصيدة ملحمود درويش «البنت /الرصخة» التي مطلعها مأخوذ من قصيدة لرزوقة ،عن رأيه بهذا الفعل ،رد رزوقة« :محمود درويش شاعر كبري ،ومثل هذه ال تقلل منه». هكذا يرد الشعراء الكبار بالطبع ،أما الشاعر املتواضع ،فسيحاول يف مثل هذا الظرف الركوب عىل هذه القضية ،ويحل ويرتحل وهو يحملها يف حقيبته ،لرتويج اسمه وتسليط األضواء عليه . تحرض هذه الحادثة ،يف مناسبة تلك الهجمة التي يتعرض لها إرث درويش الشعري ،الذي أعاد للشعر والشاعر العريب حضوره يف زمن كادت الذائقة العربية أن تتجاوزه وتقفز عنه .هذا اإلرث الذي يكافأ اليوم بسيل من التشكيك ،واالتهامات التي ال محل لها من الفهم، وال يبدو أنها ذات بعد نقدي ،فهي تتغذي بأحقاد وأهواء أصحابها ،الذين ينهون عن فعل ويأتون مبا هو أكرب منه. قبل عام تقريبا كتب الشاعر الشاب محمد عريقات مقالة يف احدى الصحف ،تحدث فيها عن مسألة «الهضم الشعري» لكبار الشعراء، الذي اتكأؤوا عىل جمل وعبارات شعرية لشعراء آخرين ،مستشهدا بأمثلة عدة ،ومتحدثا عن درويش وأدونيس ونزار قباين الذين «هضموا» لغريهم .ويفهم من هذا الكالم عىل أنه بحث من شاعر شاب عن بعض املرجعيات لكبار الشعراء ،وتقيص أثرهم يف أعامل غريهم من الشعراء .ولكن كيف ميكن فهم أن «يهضم» كاتب آخر هذه املقالة ،ويتكئ عليها يف شن هجوم ضد واحد من هؤالء الشعراء؟ وان يحاكم اآلخر وينهاه عام يقوم به هو! ثم يتحدث عن بعض الجمل والعبارات التي استخدمها درويش يف قصائده وهي لغريه ،عىل الرغم من أنها عبارات تكاد تكون أقل من عادية ،وميكن أن تستخدم حتى يف حديث املجالس العادي؟! وبعد ذلك يأيت آخر لرمي حجارة الكالم عىل تجربة درويش الشعرية ،ويحاول أن يتعربش عىل أسوارها ليرتك يف كل محاولة بعضا من الخربشات التي ال ترض وال تنفع. اليوم ،يصعد الحديث عىل لسان بعض املثقفني الفلسطينيني والعرب إىل عناوين املقاالت و«األقاويل» ،وتبدأ التهم بالسري عىل ثالثة أقدام ،ويصبح درويش سارقا ،ومتواطئا مع العدو! هذا ما وصلت إليه أحدث التحليالت «النقدية» يف العاصمة عماّ ن ،وهذا ما افرتضته أقالم يبدو أنها استبدلت كتابة الشعر بكتابة الشعوذة النقدية .وكعادة البعض ،عندما يتابع شيئا من هذه التحليالت يجد لنفسه مساحة فيسري مع من سار خلفها ،ويبدأ بإطالق ما يريد من نظريات وآراء وتحليالت قارصة وغري صادقة ،وليست سوى «فزعة» من أجل تحقيق غايات شخصية تبدو مفهومة وواضحة. ليست هذه الكتابة من أجل الدفاع عن درويش ،وتقديم شهادة بحقه ،أو القول إن مرشوعه الشعري ال ميكن تناوله نقديا ،أو قراءته من جديد ،بل من أجل وضع عالمات تعجب أمام ما يحدث ،ودعوة بعض املحللني إىل ضبط النفس حني يكون الحديث عن منجز أديب عريب كبري ،ال يقلل من تجربة أحد ،أو يأخذ مكانه ،ألنه يف حقيقة األمر حامل ملا ننجزه نحن أبناء الجلدة الواحدة. إن درويش الذي قال عرب أكرث من لقاء إنه يتابع بحرص ما يكتبه الشعراء الشباب يف فلسطني ،ويتأثر بهم ،ال ميكن أن يكون متعاليا. كام ال ميكن الحكم عىل مرشوع شعري من خالل بعض الجمل والعبارات .وال بد ملن يتهم درويش باستغالل قضيته أن ينظر ملا قدمه مرشوع درويش الشعري للقضية وكيف حملها كبريا بعد ان حملته صغريا issue (7)- December - 2012
119