Bayt alshier 6

Page 53

‫الشعر والنقد‬

‫من انهيار التعليم‪ ،‬إىل التجريف الكامل له‪ ،‬مضيفاً‪« :‬أظن‬ ‫أننا لو نظرنا ألقسام اآلداب العربية وغريها‪ ،‬سنكتشف أن‬ ‫األساتذة «عىل قياس» ذلك التجريف‪ ،‬وبالتايل فإن سبب‬ ‫الفجوة بني الشعر والنقد‪ ،‬كامن يف التعليم وآلته‪ ،‬التي‬ ‫تراجعت متاماً عىل ما يزيد عن نصف قرن‪ ،‬طوال حكم‬ ‫مبارك‪ ،‬وهذا له تأثريه عىل النقد‪ ،‬فهذا من أبرز أسباب‬ ‫تراجع النقد عامة ليس فقط تراجع النقد الشعري»‪.‬‬ ‫ويضيف رمضان‪« :‬ال نزعم ألنفسنا أن تراجع الشعر‪،‬‬ ‫عائ ٌد لرتاجع النقد الشعري‪ ،‬إمنا تراجع النقد بشكل كبري‪،‬‬ ‫وهناك سبب آخر أن الزمن الحديث تطور‪ ،‬فام يحدث يف‬ ‫سنة واحدة‪ ،‬كان يستلزم قرناً كامالً فيام سبق‪ ،‬فام حدث‬ ‫من نهضة يف أوروبا‪ ،‬وتم استظهارها والتأثر بها يف مرص‪،‬‬ ‫يف عرشينينات القرن املايض‪ ،‬مل يعد يحدث اآلن بنفس‬ ‫املنوال إمنا النظريات األدبية تتتابع يف رسعة شديدة‪ ،‬ومبا‬ ‫أن نقادنا يريدون أن يكونوا عىل الحد األخري ملا ظهر يف‬ ‫الغرب‪ ،‬فهم ال يستظهرون كل ما ظهر من نظريات‪ ،‬إمنا‬ ‫يستظهرون آخرها فقط‪ ،‬مبا أنهم عالة عىل الغرب‪ ،‬ومبا‬ ‫أن وترية الزمن تغريت متاماً‪ ،‬وأصبح الوضع اآلن ال يتيح‬ ‫إعادة إحياء كل ما ظهر يف الغرب‪ ،‬فأصبح النقد اآلن‬ ‫مشقوقًا نصفني»‪.‬‬ ‫ويؤكد عبداملنعم رمضان أن أحد شقي النقد‪ ،‬ما يعرفه‬ ‫مختلف متا ًما عن شقه اآلخر النظري‪،‬‬ ‫بالنقد التطبيقي‬ ‫ٌ‬ ‫الذي ينقل مبارشة عام يقوله الغرب‪ ،‬ويعرف رمضان‬ ‫النقد التطبيقي بالنقد املحكوم عليه بعدم القدرة عىل‬ ‫تطبيق تلك النظريات الحديثة‪ ،‬ألنهم‪ -‬حسبام يشري‬ ‫رمضان‪ -‬مل يتمكنوا من تف ُّهمها متاماً‪ ،‬مضيفا‪« :‬نحن‬ ‫نعيش لحظة نقدية مرتبكة‪ ،‬نحن مبدعون فقط‪ ،‬ألن‬ ‫كل الشعوب سواء أكانت متقدمة أم متأخرة‪ ،‬قادرة عىل‬ ‫إنتاج فنونها‪ ،‬لكنها عندما تنتقل إىل العلم‪ ،‬يدخل التقدم‬ ‫يف املوضوع‪ ،‬والنقد علم‪ ،‬والشعر والرواية فن سهل‪،‬‬

‫لدينا نقاد ُمصابون بالفصام‪..‬‬ ‫لسانهم نظري حديث‪،‬‬ ‫وأدواتهم قديمة بالية!‬

‫ميكن للبالد املتخلفة جدا ً أن تنتج‬ ‫أعظم أشكال الشعر والرواية‪،‬‬ ‫لكن تخلفها ال ميكن أن يسمح‬ ‫لها أن تنتج أعظم أشكال النقد‪،‬‬ ‫وبالتايل‪ ،‬فالتق ُّدم يف الشعر ال‬ ‫يستتبعه بالرضورة تقد ٌم يف النقد‬ ‫ومالحقته مستواه الفني‪ ،‬فنقادنا‬ ‫جميعا ٌ‬ ‫«عيال عىل الغرب»‪ ،‬وبال‬ ‫استثناء»‪.‬‬ ‫وعن كيفية االستدالل بأن ما تنتجه‬ ‫الشعوب املتخلفة‪ ،‬إبداع جيد‪،‬‬ ‫يقول رمضان‪« :‬النقد يعطي أدوات‬ ‫للنظر‪ ،‬وميكن أن ترى بها أو ال ترى‪،‬‬ ‫املشكلة يف النقد‪ ،‬أنه عندما يتعامل مع النص‪ ،‬يستخدم‬ ‫أدواته القدمية‪ ،‬التي يعرفها‪ ،‬ويف هذه اللحظة يكتشف‬ ‫الجامل أو عدمه بنفس األدوات‪ ،‬لكنه عندما ينظّر ينقل‬ ‫لنا أحدث ما يكتب يف الغرب‪ ،‬فهذا فصام يعانيه النقاد‬ ‫ألن العلم ال ميكن أن يتحقق إال بنظريته األخرية فال ميكن‬ ‫للطبيب أن يعالج مرضاه بأدواته القدمية‪ ،‬هذا هو العلم‬ ‫الذي يجربك عىل أن تلتمس أحدث األدوات‪ ،‬لكن املشكلة‬ ‫أن النقاد يرون اإلبداع باألعني القدمية‪ ،‬ويتكلمون عنه‬ ‫باللسان الجديد‪ ،‬فال تصدق كالمهم‪ ،‬ألنه حصيلة لسان‬ ‫وعلم لسان جديد وعلم قديم‪ ،‬وأحياناً يدلوننا عىل‬ ‫األجمل‪ ،‬لكنهم يف النهاية حائرون»‪.‬‬ ‫وقال رمضان إن نقد الشعر أصعب من نقد الرواية‪ ،‬ألن‬ ‫األخرية تحتمل كل يشء‪ ،‬فيمكن الدخول إليها من طرق‬ ‫مختلفة‪ ،‬مثل طريق التاريخ‪ ،‬وعلم االجتامع وغريهام‪،‬‬ ‫وأضاف‪« :‬الرواية عبارة عن صندوق له أبواب عدة‪،‬‬ ‫أما الشعر فأصعب‪ ،‬اللغة يف الشعر ليست وسيلة ألداء‬ ‫أغراض كام يف الرواية‪ ،‬وهي موجودة فيه لذاتها‪ ،‬حتى لو‬ ‫أدت مها َم ما‪ ،‬وهي يف الشعر سيدة املهام‪ ،‬أما يف الرواية‬ ‫فهي تستخدم لغري ذلك‪ ،‬وبالتايل فالشعر يلزمه نقاد‬ ‫لديهم معرفة تامة بأرسار اللغة‪ ،‬وهذا متعذر حتى عىل‬ ‫بعض أساتذة اللغة يف الجامعات‪ ،‬فطريق الشعر طويل‬ ‫وصعب‪ ،‬وليس مثل الفنون األخرى‬

‫‪issue (6)- November - 2012‬‬

‫‪53‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.