الشعر والنقد
من انهيار التعليم ،إىل التجريف الكامل له ،مضيفاً« :أظن أننا لو نظرنا ألقسام اآلداب العربية وغريها ،سنكتشف أن األساتذة «عىل قياس» ذلك التجريف ،وبالتايل فإن سبب الفجوة بني الشعر والنقد ،كامن يف التعليم وآلته ،التي تراجعت متاماً عىل ما يزيد عن نصف قرن ،طوال حكم مبارك ،وهذا له تأثريه عىل النقد ،فهذا من أبرز أسباب تراجع النقد عامة ليس فقط تراجع النقد الشعري». ويضيف رمضان« :ال نزعم ألنفسنا أن تراجع الشعر، عائ ٌد لرتاجع النقد الشعري ،إمنا تراجع النقد بشكل كبري، وهناك سبب آخر أن الزمن الحديث تطور ،فام يحدث يف سنة واحدة ،كان يستلزم قرناً كامالً فيام سبق ،فام حدث من نهضة يف أوروبا ،وتم استظهارها والتأثر بها يف مرص، يف عرشينينات القرن املايض ،مل يعد يحدث اآلن بنفس املنوال إمنا النظريات األدبية تتتابع يف رسعة شديدة ،ومبا أن نقادنا يريدون أن يكونوا عىل الحد األخري ملا ظهر يف الغرب ،فهم ال يستظهرون كل ما ظهر من نظريات ،إمنا يستظهرون آخرها فقط ،مبا أنهم عالة عىل الغرب ،ومبا أن وترية الزمن تغريت متاماً ،وأصبح الوضع اآلن ال يتيح إعادة إحياء كل ما ظهر يف الغرب ،فأصبح النقد اآلن مشقوقًا نصفني». ويؤكد عبداملنعم رمضان أن أحد شقي النقد ،ما يعرفه مختلف متا ًما عن شقه اآلخر النظري، بالنقد التطبيقي ٌ الذي ينقل مبارشة عام يقوله الغرب ،ويعرف رمضان النقد التطبيقي بالنقد املحكوم عليه بعدم القدرة عىل تطبيق تلك النظريات الحديثة ،ألنهم -حسبام يشري رمضان -مل يتمكنوا من تف ُّهمها متاماً ،مضيفا« :نحن نعيش لحظة نقدية مرتبكة ،نحن مبدعون فقط ،ألن كل الشعوب سواء أكانت متقدمة أم متأخرة ،قادرة عىل إنتاج فنونها ،لكنها عندما تنتقل إىل العلم ،يدخل التقدم يف املوضوع ،والنقد علم ،والشعر والرواية فن سهل،
لدينا نقاد ُمصابون بالفصام.. لسانهم نظري حديث، وأدواتهم قديمة بالية!
ميكن للبالد املتخلفة جدا ً أن تنتج أعظم أشكال الشعر والرواية، لكن تخلفها ال ميكن أن يسمح لها أن تنتج أعظم أشكال النقد، وبالتايل ،فالتق ُّدم يف الشعر ال يستتبعه بالرضورة تقد ٌم يف النقد ومالحقته مستواه الفني ،فنقادنا جميعا ٌ «عيال عىل الغرب» ،وبال استثناء». وعن كيفية االستدالل بأن ما تنتجه الشعوب املتخلفة ،إبداع جيد، يقول رمضان« :النقد يعطي أدوات للنظر ،وميكن أن ترى بها أو ال ترى، املشكلة يف النقد ،أنه عندما يتعامل مع النص ،يستخدم أدواته القدمية ،التي يعرفها ،ويف هذه اللحظة يكتشف الجامل أو عدمه بنفس األدوات ،لكنه عندما ينظّر ينقل لنا أحدث ما يكتب يف الغرب ،فهذا فصام يعانيه النقاد ألن العلم ال ميكن أن يتحقق إال بنظريته األخرية فال ميكن للطبيب أن يعالج مرضاه بأدواته القدمية ،هذا هو العلم الذي يجربك عىل أن تلتمس أحدث األدوات ،لكن املشكلة أن النقاد يرون اإلبداع باألعني القدمية ،ويتكلمون عنه باللسان الجديد ،فال تصدق كالمهم ،ألنه حصيلة لسان وعلم لسان جديد وعلم قديم ،وأحياناً يدلوننا عىل األجمل ،لكنهم يف النهاية حائرون». وقال رمضان إن نقد الشعر أصعب من نقد الرواية ،ألن األخرية تحتمل كل يشء ،فيمكن الدخول إليها من طرق مختلفة ،مثل طريق التاريخ ،وعلم االجتامع وغريهام، وأضاف« :الرواية عبارة عن صندوق له أبواب عدة، أما الشعر فأصعب ،اللغة يف الشعر ليست وسيلة ألداء أغراض كام يف الرواية ،وهي موجودة فيه لذاتها ،حتى لو أدت مها َم ما ،وهي يف الشعر سيدة املهام ،أما يف الرواية فهي تستخدم لغري ذلك ،وبالتايل فالشعر يلزمه نقاد لديهم معرفة تامة بأرسار اللغة ،وهذا متعذر حتى عىل بعض أساتذة اللغة يف الجامعات ،فطريق الشعر طويل وصعب ،وليس مثل الفنون األخرى
issue (6)- November - 2012
53