Bayt alshier 6

Page 144

‫بورتريه‬

‫ماضوي‬ ‫ثم «أجلوه» أيضاً جامعاً بني حالتي زمن وشكل‬ ‫ٍّ‬ ‫يل سيكون‪ ،‬يقول املدين يف نصه «أغنية‬ ‫كان ومستقب ٍّ‬ ‫للحب»‪:‬‬

‫رفيقي‪ ،‬حياة حيايت‬ ‫سأترعُ ح ّبك أعامق ذايت‬ ‫نقياً‪ ،‬دفيئاً كهمس الرعا ِة‬ ‫النسامت‬ ‫ميوج عىل رائق‬ ‫ِ‬ ‫سأبعثه لك يف ّ‬ ‫كل نسمة‬ ‫حنيناً‪ ،‬ويف ِّ‬ ‫همس ونغمة‬ ‫كل ٍ‬ ‫وأجلوه يف أغنيايت نغمة‬ ‫ً‬ ‫من الغيب تنهل نورا ورحمة»‬

‫تحول الشاعر‬

‫كل شاع ٍر عريقٍ مقتد ٍر عىل أن يربط بخيط خفي‬ ‫وكام ّ‬ ‫األسطورة بالواقع‪ ،‬والوعي بالهذيان‪ ،‬والسحر باملوجود‬ ‫والكائن خارجه‪ ،‬يربط الشاعر املدين حالة الحب بأحوال‬ ‫الهذيان‪ ،‬كام لو أنه يشري إىل عميق الصلة بينهام‪،‬‬ ‫فالهذيان لو ٌن من ألوان الحب يف مراحله املتق ّدمة‪ ،‬بالوله‬ ‫كل ذلك شفيفاً خفيفاً‬ ‫والهيام والشغف‪ ،‬وهو يبقى يف ّ‬ ‫ال يقع يف إباحة‪ ،‬وال يقول بجرأة تجرتئ عىل املح ّرم‪،‬‬ ‫وتقتحم املحظور يف القول الشعري يف املكان الخليجي‬ ‫بعام ٍة واإلمارايت بخاصة‪ ،‬فالشاعر املدين يصنع بنيان شعره‬ ‫بقصيدته الكالسيكية الفصيحة‪ ،‬من حجارة هذا املكان‬ ‫ورمله وريحه وروحه‪ ،‬يعيش حاالت تح ّول الشاعر من أنا‬ ‫محايدة‪ /‬غري متورطة‪ ،‬إىل أنا‪ /‬شاعرة متحفزة ومدفوعة‬ ‫بكل الحب إىل عوامل الحلم الشهية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يتنازل الشاعر عن أدوار البطولة لذاته‪ ،‬وينسبها إىل جزء‬ ‫فيه هو القلب‪ ،‬وله لذة الخطاب والتحاور‪ ،‬ولذة الفرح‬ ‫بالنظر حتى‪ ،‬وله قيامة القصيدة يف محراب الحبيبة إىل‬ ‫أن تعرف مدى الشوق الذي يف القلب عليها‪ ،‬بل يتنازل‬ ‫الشاعر عن كلّه لجزئه‪ ،‬ويتمنى له أن يكون‪ /‬عىل حساب‬ ‫أن أكون «أنا» الشاعر‪ ،‬يقول يف نصه «أهواك»‪:‬‬

‫«ألين ُ‬ ‫رأيت بعينيك أجمل أحالم َيا‬ ‫مل ّونة برؤى حبيا‬ ‫فيا ليت قلبي يف جانحيك‬

‫‪144‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )6‬تشرين الثاني‪/‬نوفمبر‪2012/‬‬

‫ميوج‪ ،‬لتعرف‪ ،‬شوق إليك»‪.‬‬

‫وهو ال يبتعد عن صواب ما تعارف عليه البرش منذ‬ ‫القدم‪ ،‬أو رجوح حقيقة أن الحب شعو ٌر وال يكون إال‬ ‫يف القلب‪ ،‬أو هكذا علم الشعراء والعاشقون‪ ،‬فالقلب‬ ‫«يتلهف» شوقا‪« ،‬يخفق» عشقا‪« ،‬يتململ» خفقا‪ ،‬يف‬ ‫قل نظريها مبثل هذه الجاملية‪ ،‬اللهم إال يف‬ ‫أغنية عشقية ّ‬ ‫قصائد إلياس أبو شبكة‪ ،‬العاشق اللبناين عىل الطرف اآلخر‬ ‫من املرشق العريب‪ ،‬واملدين عىل أقىص رشق هذا املرشق‪،‬‬ ‫يف مكانه اإلمارايت‪ ،‬يتوافق النص بينهام لينقسم‪ ،‬كأننا مع‬ ‫املدين نردد ما قاله إلياس أبو شبكة‪:‬‬

‫القلوب‬ ‫تسع‬ ‫ُ‬ ‫«أح ّب ِك َفوق ما ُ‬ ‫بيب‬ ‫َوخ َّيل شا ِع ٌر َو َوعى َح ُ‬ ‫حاب ِعط ٍر‬ ‫السام ِء َس ُ‬ ‫لأَ َ ِ‬ ‫نت ِمنَ َ‬ ‫سح َع َّ‬ ‫َجيب‬ ‫نك َندىً ع ُ‬ ‫يل ِم ِ‬ ‫َي ُّ‬ ‫حس ِك يب َف ِعر ُق ِك صا َر ِعرقي‬ ‫ُأ ُّ‬ ‫َبيب»‬ ‫َومــــــــــا لِ َقذىً بعرقينا د ُ‬

‫واملدين يقرتب بقلبه من الحبيبة ل ُيسمعها نبضه الخافق‪،‬‬ ‫ويتمنى لو تعرف مقدار هذا الوجد والشوق‪ ،‬وهو «فوق‬ ‫ما تسع القلوب» متاماً‪ ،‬يقول يف نصه «أغنية للحب»‪:‬‬

‫أتعرف كم يتلهف شوقاً‬ ‫إليك فؤادي ويخفق عشقا‬ ‫مناه بأن يتململ خفقا‬ ‫ً‬ ‫بقربك آنا‪ ،‬عىس أن ترقا»‬

‫وككل حكاية‪ ،‬تنتهي سرية الشاعر العاشق بالخيبات أحياناً‬ ‫كثرية‪ ،‬ولكنها الخيبات الرائقة للشاعر‪ ،‬والتي تنكتب يف‬ ‫سريته كوجود محفور يف ذاكر ٍة من شغف وحب‪ ،‬رغم‬ ‫الشهي بالحرسة واكتواء القلب‬ ‫األمل أحياناً‪ ،‬وهو األمل‬ ‫ّ‬ ‫بنار عشقه‪ ،‬واملدين بار ٌع جدا ً يف هذا كام يف ذاك‪ ،‬فهو‬ ‫يتقن ف ّن الشغف مبحبوبته يف ما سبق‪ ،‬ولكنه هنا يتقن‬ ‫تجل واضح‬ ‫الشكوى منها‪ ،‬وهي التي «تنكر» حبه‪ ،‬يف ٍّ‬ ‫لقدرة الشاعر عىل الرسد بالحبكة الدرامية التي تجي ُد‬ ‫القول يف الحزن منذ بدايتها‪ ،‬كام يف فعل النكران والتمرد‪،‬‬ ‫لك ّن الشاعر يعاجلها برضبته القاضية التي تقول بالدعوة‬ ‫إىل اللقاء‪ ،‬كام عادة الشعراء الرومانسيني‪ ،‬اللقاء بينهام‬ ‫يف صفاء نية ورسيرة‪ ،‬ال تكون إال بإظهار فعل القاتل‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.