بورتريه
ماضوي ثم «أجلوه» أيضاً جامعاً بني حالتي زمن وشكل ٍّ يل سيكون ،يقول املدين يف نصه «أغنية كان ومستقب ٍّ للحب»:
رفيقي ،حياة حيايت سأترعُ ح ّبك أعامق ذايت نقياً ،دفيئاً كهمس الرعا ِة النسامت ميوج عىل رائق ِ سأبعثه لك يف ّ كل نسمة حنيناً ،ويف ِّ همس ونغمة كل ٍ وأجلوه يف أغنيايت نغمة ً من الغيب تنهل نورا ورحمة»
تحول الشاعر
كل شاع ٍر عريقٍ مقتد ٍر عىل أن يربط بخيط خفي وكام ّ األسطورة بالواقع ،والوعي بالهذيان ،والسحر باملوجود والكائن خارجه ،يربط الشاعر املدين حالة الحب بأحوال الهذيان ،كام لو أنه يشري إىل عميق الصلة بينهام، فالهذيان لو ٌن من ألوان الحب يف مراحله املتق ّدمة ،بالوله كل ذلك شفيفاً خفيفاً والهيام والشغف ،وهو يبقى يف ّ ال يقع يف إباحة ،وال يقول بجرأة تجرتئ عىل املح ّرم، وتقتحم املحظور يف القول الشعري يف املكان الخليجي بعام ٍة واإلمارايت بخاصة ،فالشاعر املدين يصنع بنيان شعره بقصيدته الكالسيكية الفصيحة ،من حجارة هذا املكان ورمله وريحه وروحه ،يعيش حاالت تح ّول الشاعر من أنا محايدة /غري متورطة ،إىل أنا /شاعرة متحفزة ومدفوعة بكل الحب إىل عوامل الحلم الشهية. ّ يتنازل الشاعر عن أدوار البطولة لذاته ،وينسبها إىل جزء فيه هو القلب ،وله لذة الخطاب والتحاور ،ولذة الفرح بالنظر حتى ،وله قيامة القصيدة يف محراب الحبيبة إىل أن تعرف مدى الشوق الذي يف القلب عليها ،بل يتنازل الشاعر عن كلّه لجزئه ،ويتمنى له أن يكون /عىل حساب أن أكون «أنا» الشاعر ،يقول يف نصه «أهواك»:
«ألين ُ رأيت بعينيك أجمل أحالم َيا مل ّونة برؤى حبيا فيا ليت قلبي يف جانحيك
144
بيت الشعر
العدد ( - )6تشرين الثاني/نوفمبر2012/
ميوج ،لتعرف ،شوق إليك».
وهو ال يبتعد عن صواب ما تعارف عليه البرش منذ القدم ،أو رجوح حقيقة أن الحب شعو ٌر وال يكون إال يف القلب ،أو هكذا علم الشعراء والعاشقون ،فالقلب «يتلهف» شوقا« ،يخفق» عشقا« ،يتململ» خفقا ،يف قل نظريها مبثل هذه الجاملية ،اللهم إال يف أغنية عشقية ّ قصائد إلياس أبو شبكة ،العاشق اللبناين عىل الطرف اآلخر من املرشق العريب ،واملدين عىل أقىص رشق هذا املرشق، يف مكانه اإلمارايت ،يتوافق النص بينهام لينقسم ،كأننا مع املدين نردد ما قاله إلياس أبو شبكة:
القلوب تسع ُ «أح ّب ِك َفوق ما ُ بيب َوخ َّيل شا ِع ٌر َو َوعى َح ُ حاب ِعط ٍر السام ِء َس ُ لأَ َ ِ نت ِمنَ َ سح َع َّ َجيب نك َندىً ع ُ يل ِم ِ َي ُّ حس ِك يب َف ِعر ُق ِك صا َر ِعرقي ُأ ُّ َبيب» َومــــــــــا لِ َقذىً بعرقينا د ُ
واملدين يقرتب بقلبه من الحبيبة ل ُيسمعها نبضه الخافق، ويتمنى لو تعرف مقدار هذا الوجد والشوق ،وهو «فوق ما تسع القلوب» متاماً ،يقول يف نصه «أغنية للحب»:
أتعرف كم يتلهف شوقاً إليك فؤادي ويخفق عشقا مناه بأن يتململ خفقا ً بقربك آنا ،عىس أن ترقا»
وككل حكاية ،تنتهي سرية الشاعر العاشق بالخيبات أحياناً كثرية ،ولكنها الخيبات الرائقة للشاعر ،والتي تنكتب يف سريته كوجود محفور يف ذاكر ٍة من شغف وحب ،رغم الشهي بالحرسة واكتواء القلب األمل أحياناً ،وهو األمل ّ بنار عشقه ،واملدين بار ٌع جدا ً يف هذا كام يف ذاك ،فهو يتقن ف ّن الشغف مبحبوبته يف ما سبق ،ولكنه هنا يتقن تجل واضح الشكوى منها ،وهي التي «تنكر» حبه ،يف ٍّ لقدرة الشاعر عىل الرسد بالحبكة الدرامية التي تجي ُد القول يف الحزن منذ بدايتها ،كام يف فعل النكران والتمرد، لك ّن الشاعر يعاجلها برضبته القاضية التي تقول بالدعوة إىل اللقاء ،كام عادة الشعراء الرومانسيني ،اللقاء بينهام يف صفاء نية ورسيرة ،ال تكون إال بإظهار فعل القاتل