حداثة القدماء
الشعر الكالسيكي يسبق الزمن إلى قلب الحداثة من يقرأ لبعض الشعراء القدماء ،دون االلتفات إلى المسافة الزمنية التي تفصل بينهم وبين العصر الحديث، سيدرك أن هؤالء الشعراء هم من معاصريه ومشاركيه في الحياة االجتماعية ،إضافة إلى الحالة النفسية الراهنة وانفعاالتها مع الواقع .من هنا تتالشى هذه المسافة الزمنية بين الشعر وقارئه ،وتتحقق الحداثة ويكون هذا الشعر مضارعا على الدوام.
محمد عريقات
هنالك
شاعر قديم ،لكن ليس هنالك شعر تأسيسا عىل هذه املقولة ،فإن قديم. ً امرئ القيس ،عىل سبيل املثال ،شاعر قديم لكن شعره الذي يخرتق الزمن عىل الدوام بتأثريه وفاعليته ليس قدميا ،كذلك ،كم من شاعر معارص تعود بك قصيدته إىل عصور سحيقة يف النسيان؟ أنت ال تطالبه برؤيوية حداثوية أكرث من تلك التي يختار بها ثيابه ،لكن فيام يتعلق بالقصيدة تجد أن هذا الشاعر الحديث «زمنيا» ال يجد أصالة وجزالة لها إال بعالقتها املبارشة ،بطبيعة الحال ،مع املوروث والتقوقع فيه دون تجاوزه ،ظنه أن مستقبل الشعر يف ماضيه كام لو أن الكامل الشعري قد تحقق وانتهى مع الشعر الجاهيل .كلنا نتذكر الرصاصة التي أطلقها محمود درويش يف مهرجان قرطاج الدويل حني قال قاصدا مجايليه من الشعراء :إن أبا الطيب املتنبي أكرث حداثة من كل الشعراء املعارصين ،فام يسمى بالشعر العريب الحديث وقع يف منطية مبكرة وأصبح مصاباً بالتشابه والتكرار .نقرأ آالف القصائد اليوم ،وال نعرف من يكتبها لتشابهها وتطابقها» ..ويف كالمه هذا إشارة كبرية عىل أن املسافة الزمنية بني الشعر والقارئ issue (6)- November - 2012
135