Bayt alshier 6

Page 106

‫شعرية القصة‬

‫ليس أمام العاشق العابث سوى الهرب إىل علّيتها (جبل‬ ‫التلصص عليه‪ ،‬إ َّن البحر منقذ‬ ‫قاسيون) ليخفت إيقاع ّ‬ ‫للحب بالرضورة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫قصيدة املدينة‬

‫تتصاعد من قصة «ال بحر يف بريوت» مساحات من‬ ‫التوصيف الشعري الالواقعي‪ ،‬فحجارة املدينة‪ ،‬التي تشبه‬ ‫جسامً هشّ اً‪ ،‬قدمياً جدا ً‪ ،‬مثقوباً ومعطوباً‪ ،‬أو حديثاً‬ ‫اليوم ُم ّ‬ ‫جدا ً‪ ،‬بالستيكياً وكرتونياً‪ ،‬تتح ّول أمام البطلة‪ ،‬لتتض ّمن‬ ‫فيها قوة سحرية كقوة شخصية «امليدوزا» يف األسطورة‬ ‫اليونانية‪ ،‬تلك الفتاة التي طارحت اإلله «بوسيدون»‬ ‫الغرام يف حرم معبد اآللهة «أثينا»‪ ،‬فغضبت عليها‬ ‫وح ّولتها إىل مخلوق بشع‪ ،‬له أنياب‪ ،‬وصار شعر امليدوزا‪،‬‬ ‫بعدها‪ ،‬ثعابني متف ّرقة تخرج من رأس‪ ،‬يتح ّول إىل حجر‬ ‫كل من ينظر إىل عينيه؛ لقد تح ّجرت البطلة يف مكانها‪ ،‬ال‬ ‫تستطيع مغادرة املدينة البحرية‪ ،‬وال تستطيع يف الوقت‬ ‫ذاته إيجاد بحرها‪ ،‬تح ّجرت يف منتصف غنائها لقصيدة‬ ‫املدينة‪ ،‬وتبني مع هذا التح ّجر شخصيتها سوسيولوجياً‬ ‫وسيكولوجياً‪ ،‬إنها «بريوت» أعطت األنتلجنسيا الصاعدة‪،‬‬ ‫يف زمن كتابة القصة‪ ،‬بحرا ً حقيقياً عىل األقل‪ ،‬يستطيع‬ ‫الجميع الوجود عىل شاطئه لكتابة القصيدة اآلرسة عن‬ ‫البحر‪.‬‬ ‫وإن كانت السماّ ن استدعت أسطورة «امليدوزا» يف قصتها‬ ‫الشعرية الطابع‪ ،‬بطريقة جعلت‪ ،‬فتاة الثعابني‪ ،‬متتلك‬

‫نص يمتلك‬ ‫«ال بحر في بيروت» ٌّ‬ ‫قدرة اكتشاف الواقع‪ ،‬وتكثيف‬ ‫الشعري‪ ،‬إنه يرصد‬ ‫معناه‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مدينة منهارة‪ ،‬من بحر يهجرها‬ ‫في الصباح والمساء‬

‫‪106‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )6‬تشرين الثاني‪/‬نوفمبر‪2012/‬‬

‫السطوة‪ ،‬واألب ّوة األسطورية‪ ،‬أكرث من األنوثة‪ ،‬كام يف‬ ‫معناها القديم‪ ،‬فإن يف بريوت وأبنيتها الحجرية‪ ،‬اليوم‪،‬‬ ‫معنى يقرتب من حضور «امليدوزا» يف الف ّن حني جعلها‬ ‫ً‬ ‫الرسم والنحت‪ ،‬بعد القرن السادس عرش‪ ،‬مصدرا ً برصياً‬ ‫للخوف‪ ،‬وبثّ الرعب يف الناظر إىل هيئتها القاسية عىل‬ ‫األبنية‪.‬‬ ‫ال ترتك بطلة القصة بريوت‪ ،‬حتى تجد نفسها املرسوقة‪،‬‬ ‫والقابعة تحت غبار هائل السامكة‪ ،‬رافقها من املدينة‬ ‫بحاسة الخيول الوحشية‪،‬‬ ‫السابقة دمشق‪« :‬لن أهرب‪ّ ،‬‬ ‫أش ّم رائحة املاء‪ ،‬البحر ال بد من أن يكون‪ ،‬يف مكان ما»‪.‬‬ ‫الحب النزق‪ ،‬القابع يف أعامق األنا‬ ‫إن الطائر املُلِ ّح‪ ،‬طائر ّ‬ ‫يف القصة‪ ،‬يتزعزع عند وصوله إىل مدينة مفتوحة عىل‬ ‫بيولوجي من‬ ‫أي موروث‬ ‫السهر‪ ،‬السهر املوروث كام ّ‬ ‫ّ‬ ‫اآلباء إىل األبناء‪ ،‬حتى اليوم‪ ،‬يف مدينة بريوت؛ فام تلبث‬ ‫تقصها‪،‬‬ ‫الجديلة أن تختفي شكالً عن كتفي البطلة بعد أن ّ‬ ‫حتى تأيت القصة عىل مقطع‪ ،‬هو أكرث بوهيمي ًة من أجواء‬ ‫الصخب الليلية يف املدينة‪ ،‬إذ يتقلّص الطائر ّ‬ ‫الدال عىل‬ ‫الحب إىل أن يختفي‪« :‬الطري يف أعامقها يحترض‪ ،‬يهذي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وريشه يتناثر‪ ،‬يتناثر من فمها وعينيها‪ ،‬ويختلط بشعرها‬ ‫املجزور املتناثر‪ ،‬ويستق ّر معه عىل األرض»‪ ،‬تستمر الصور‬ ‫هنا‪ ،‬بطريقة حاملة‪ ،‬وتصف السامن األمل الناتج من‬ ‫التح ّول يف الشخصية‪ ،‬بأمل وضع املرأة الحامل‪ ،‬إنها تغرق‬ ‫يف املعنى‪ ،‬وتح ّول الجمل القصرية إىل ومضات شعرية‬ ‫متحركة ومتطورة‪ ،‬كام لو أنها تصنع من قصائد ع ّدة‪،‬‬ ‫مقطعاً نصياً واحدا ً‪ ،‬يش ّد ويوجع يف تفاصيله املعتمة‪:‬‬ ‫«سوف تظل هنا حتى تجد بريوت البحر»‪.‬‬ ‫نص ميتلك قدرة اكتشاف الواقع‪،‬‬ ‫«ال بحر يف بريوت» ٌّ‬ ‫ً‬ ‫الشعري‪ ،‬إنه يرصد مدينة منهارة‪ ،‬من‬ ‫وتكثيف معناه‬ ‫ّ‬ ‫بحر يهجرها يف الصباح واملساء‪ ،‬وال يظهر إالّ عىل جسد‬ ‫شاب ريايض‪ ،‬يتلصص عىل ج ْمع ساهر‪ ،‬كحبيبات ماء‬ ‫ّ‬ ‫تلتصق بالجسد‪ ،‬إنه عرص من التح ّول يف الطبائع؛ واملدينة‬ ‫التي نسيت بحرها‪ ،‬تتذكّره يف وجوه أناس يعيشون‬ ‫ُمتخيَّلَه‪ ،‬مع االنشداد إليه يف صورته الحالية املبتورة عن‬ ‫املدينة‪ .‬قصيدة وحشية أخرى‪ ،‬يف القصة‪ ،‬تتكلّم عن‬ ‫رشه الجدد مع‬ ‫البحر األسفلتي الجديد‪ ،‬الذي يتعايش ب ُ‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.