1
2
3
3/5 نيسان 2018 رئيس التحرير بسام يوسف مدير التحرير حسين برو هيئة التحرير نور عبداهلل لؤي حاج بكري علي األعرج وائل قيس
الهيئة االستشارية عبد السالم حلوم الياس قيسو تميم بدره مصطفى حمو
الموقع االلكتروني آالء عثمان اإلخراج الفني Copia Graphic 4
مجلة سورية ثقافية ،فكرية ،مطبوعة، تصدربشكل شهري ،تأسست كصحيفة نصف شهرية في شهر شباط (فبراير) من عام 2014في مدينة غازي عينتاب التركية على يد مجموعة من الشباب السوريين من مختلف مكونات الشعب السوري ،تهتم بالشأن السوري، ً ً ً وتحاول أن تكون فضاء إعالميا مفتوحا لكل السوريين ،وساحة لتبادل الرأي والحوار. تسعى «كلنا سوريون» أن تكون حيادية في نقل املعلومة ،وتلتزم بمعياري املوضوعية واملصداقية ،ولكنها تعلن أنها منحازة نحو مشروع التحول الديمقراطي في سوريا .في وجه كل بنى االستبداد والطغيان التي تعرقل هذا املشروع. وهي عضو مؤسس للشبكة السورية لإلعالم املطبوع (SNP).إليمانها بالعمل التشاركي الجماعي ،وهي عضو مشارك في ميثاق "شرف" لإلعالميين السوريين.
أوديب والكرت ا الفطرة اليت أنهتها مشولية القيم
علي األعرج
11
عن الوطن واملؤامرة... بسام يوسف5 / أحباث ودراسات أوديب والكترا الفطرة التي أنهتها شمولية القيم علي األعرج11 / رأي من يردم الخنادق املحفورة في دمائنا عبد الحميد سليمان21 / مهمة األدب توثيق صورتنا النفسية الحقيقية. أحمد إبراهيم املحمد25 /
مهمة األدب
توثيق صورتنا النفسية احلقيقية
أمحد إبراهيم احملمد
25
ملف العدد
العنف الديني رؤية في النشوء
علي األعرج33 / التطرف واإلرهاب اإلسالمي و اقع أم فوبيا مختلقة زهرة محمد41/ العنف في التفكيرالعربي اإلسالمي عبدو نبي53/ شخصية العدد
زكريا تامرالحداد الدمشقي
خالد علوش67 / 5
التطرف واإلرهاب اإلسالمي واقع أم فوبيا خمتلقة شاقة
زهرة حممد
41
ما أمجل احلياة ممدوح شوكت أساندال ت :نور عبداهلل
89 قضايا املرأة واجملتمع رابطة املعتقالت السوريات زهرة محمد75 / أول على آخر… مكان املرأة في البيت! ماجدة عبد القادر81 / ما أجمل الحياة
أدب اآلخر
ممدوح شوكت أساندال ترجمة نور عبد هللا89 / ً شعراء من العالم يكتبون الحيوان شعرا ترجمة :عمارعكاش95 /
أمحد رائد يف رحلة البحث عن اجلمال حسني برو
111
آداب وفنون ً نزار قباني املرأة حين تتجلى شعرا ريم فاضل103 / في البحث عن مسرح جديد بشارفستق107 / أحمد رائد في رحلة البحث عن الجمال حسين برو111 / ً عاشقا ّ للريح كن علي محمد شريف121/ ملن نكتب اليوم؟ مصطفى أحمد125/ بوح 6
كن عاشقاً للرّيح علي حممد شريف
121
عن الوطن واملؤامرة... بسام يوسف لماذا تفقد كل كلماتنا الكبرى -والتي نتهجاها كما لو أننا نقبض على مفاتيح المعرفة -معناها ،وتذهب إلى معان معقدة ال تشي بمعناها الحقيقي ،فال الوطن وطن ،وال الدولة دولة ،وال الجامعة جامعة ،وال الصمود صمود ،وال الحق حق ،وال اهلل هو اهلل ،وال الصالة عبادة.
أوصلنا "جهابذة "املقاومة والصمود والتصدي ،وكل تلك املفردات املجعجعة بال طحن ،إلى أن نشهد الزمن الذي أصبحت فيه اسرائيل الرقم األول في هذه املنطقة ،ليس هذا فحسب ،بل والرقم الذي يفصل ّ ّ وينفذ ما يريد ،ويتسابق الجميع وفي مقدمتهم هؤالء الجهابذة إلى طلب ودها. 7
ال يمكن ملفردة في كل لغات األرض أن تتردد يوميا ولعقود طويلة طويلة ،وفي كل الجلسات ،ونشرات األخبار، وأحاديث املثقفين ،وربما في أغاني األطفال مثل كلمة "املؤامرة" ،لقد رددها العرب مئات ماليين املرات ،حتى أنها لكثرة ما ترددت فقدت معناها الحقيقي ،وأصبحت تحتل فضاء واسعا من املعاني والدالالت ...بدء من الخبز وحليب األطفال ومقاعد الدراسة ،وصوال إلى املطر والرعد والجفاف. هنا في السويد ..جاري الذي لم ينجح في امتحان قيادة السيارة يتنهد قائال إنها مؤامرة ،وابني الذي لم يتفوق هو أو أي من رفاقه القادمين من خارج السويد يفسرون األمر على أنه مؤامرة، وجارتنا التي أمضت ثالث سنوات في مدرسة تعلم اللغة السويدية وخرجت منها بثالث عبارات فقط ،اعتبرت عدم قبولها في املكان الذي تقدمت للعمل به هو مؤامرة ،رغم أن املكان هو روضة أطفال ،ويحتاج للتواصل معهم بلغة سويدية سليمة.
نس ي السوريون هنا ما يحدث في سوريا، فمعركتهم اليوم تتمحور حول ضرورة الحصول على موافقة لبناء مسجد، اجتماعات واتصاالت نقاشات واحساس بالرض ى والعظمة فهم يخوضون أم املعارك.. معركة اإليمان في أرض الكفر!!. وهناك في سوريا حيث العالم كله يشترك في املؤامرة الكونية ،تصبح هذه املفردة العجيبة أكثر قوة وبهاء وبالغة ،فهي تقطع الكهرباء، 8
وترسل القرش ليقرض كبل بحري ،وتقتل مليون سوري بأيد سورية ،وتعمر عشرات السجون...و..و....
فاملشكلة هي في مكان آخر ،واإلجابة على سؤال هل هي فعال مواقع سورية ،أهم بكثير من احساسه بالحزن أو عدمه ،فما بالك عندما تكون هذه املواقع مصدرا ملوته ولهدر كرامته وتهجيره؟؟!!.
ملاذا تفقد كل كلماتنا الكبرى -والتي نتهجاها كما لو أننا نقبض على مفاتيح املعرفة - معناها ،وتذهب إلى معان معقدة ال تش ي بمعناها الحقيقي ،فال الوطن وطن ،وال الدولة دولة ،وال الجامعة جامعة ،وال الصمود صمود ،وال الحق حق ،وال هللا هو هللا ،وال الصالة عبادة ،وال ..وال....
يعوم السوريون اليوم في عالم بال حدود ...لم يعودوا يؤمنون بش يء ،لقد تحطم كل ما حولهم من هللا وحتى رشفة املاء ،ال أرض صلبة يقفون عليها ،وال جهة ييممون وجوهم اليها فكل البالد أصبحت موتا لهم وكل الجهات مخادعة.
يسألني "رمادي" يقف في مساحة األمنيات والدعوات الخجولة املتسامحة مستنكرا :أال يحزنك قصف اسرائيل ملواقع سورية؟؟.
عندما يحاصرك املوت من ست جهات األرض ،يصبح السؤال عن معنى الوطن تافها وبال أي معنى ،وحده البقاء على قيد الحياة هو وطن الهاربين من املوت.
ليس األمر بالغة في اللغة ،وال هو اصطفاف غوغائي خلف مفردات فقدت معناها ،عندما ال يشعر السوري أن هذه املواقع تهمه في ش يء
بسام يوسف كاتب وصحفي سوري ،يقيم يف السويد ،رئيس حترير جملة كلنا سوريون
9
10
أبحاث ودراسات 11
12
أوديب والكرتا علي األعرج إن اإلنسان يولد بوعي جنسي صوتي ويجابه أول يوم في الحياة باضطراب أبدي ال ينتهي .فأوديب والكترا ليستا أسطورتين ،وليستا مزيجاً خيالياً مريضاً .إنهما واقع يتالشى تحت ضربات شمولية القيم.
في العصر الحالي ،قد يتفق البعض وقد يختلف حول سير العلوم وما وصلت إليه من تطور .لكن ال يمكن ألحد ،مهما كانت إيديولوجيته ،أن ُينكر أنه في فترة زمنية ،استطاع بعض العلماء والفالسفة تغيير وجه العالم القديم ،وتقديم نظريات ساهمت بالتطور البشري .وإن أصبحت هذه النظريات اآلن ،قديمة نسبيا وخضعت عبر قرن كامل من تطورات فكرية متسارعة لعلماء وفالسفة الحقين، إال أن الجـذر لهـذه النظريـات هـو أمـر واقـع. 13
ونتـ ّ حدث هن ـا عن ثالث نظريات قلبـت موازي ـن الفـكر ،وهي نظرية الطبيعة لتشارلز داروين ،ونظرية االقتصاد لكارل ماركس ،ونظرية علم النفس لسيغموند فرويد. وبرغم التطورات التي خضعت لها تلك النظرياتّ ، وحولها هذا التطور إلى نظريات كالسيكية ،إال أن إحدى هذه النظريات وصاحبها مازاال يمارسان دور املشاكس في العلم الحالي، ونقصد بالضبط سيغموند فرويد ونظريته النفسية. خضعت نظرية علم النفس الحديث لكثير من الدراسات والتأويالت وانشقت عنها مدارس ضخمة وعلماء وفالسفة ،وتحولت مع الزمن ،مثل النظريتين األخريين ،إلى نوع من الكالسيكية العلمية .وهنا نريد التوقف قليال للحديث عن جزء من هذه النظرية ،ليس بمعناها التجريبي والطبي ،بل محاولة للتأمل الفلسفي فيها ،وهو ما أطلقه فرويد يوما حول جزء من نظريته الجنسية (عقدة أوديب ،وأوديب األنثوية ،التي أطلق عليها يونغ فيما بعد اسم عقدة الكترا).
تناول فرويد هذه التسمية من أسطورة أوديب اليونانية ،التي ُبنيت على نبوءة العرافة دلفي ،أن طفال سيولد ويقتل أباه اليوس ويتزوج أمه يوكاسته ،وحرصا من الوالدين على عدم تحقيق النبوءة يقرران التخلص من الطفل ،فيعطيانه لراعي كي يتركه للوحوش على جبل كيثايرون ،لكن الراعي يشفق على الطفل ويعتني به حتى يكبر. وتتحقق النبوءة ويصبح أوديب ملكا على طيبة بعد قتل أبيه اليوس ويتزوج أمه يوكاسته دون أن يعلم أنها والدته.
14
ّ تجسدت مجمل األخطاء الفرويدية التي ببعض النقاط ،وأهمها:
بنى فرويد نظريته على تلك األسطورة ،وهي رغبة الطفل الجنسية بأمه ،وبنى نظريته املضادة وهي أوديب األنثوية التي ُسميت بالكترا ،على نفس املبدأ األوديبي وهي تعلق الفتاة بوالدها ،بأسطورة يونانية مماثلة وهي أسطورة انتقام الكترا من والدتها بعد مقتل أغمامنون األب. بعيدا عن األسطورة ،ما يهمنا هو الشكل الجنس ي الذي طرحه فرويد ،والقى معارضة تاريخية من الناس والعلماء ،وهو سؤال قديم قدم النظرية نفسها ،هل فعليا ما ّ قدمه ِ فرويد حول التعلق الجنس ي يمكن إثباته؟ لست هنا ألجد تبريرا حول هذا السؤال ،لكن هناك حالة ُ يمكن أن تدلنا على أهمية هذه الفكرة. بالطبع ليس الهدف هو الدفاع عن فرويد ونظريته ،بقدر ما هي مناقشة سؤال خاص في هذا الجانب. مع موت فرويد وتطور املدارس النفسية ونظرياتها العاملية ،اتفق الجميع تقريبا على 15
-
أن فرويد اعتمد غالبية نتائجه ُ على املالحظات املتعلقة أساسا ًّ عاطفيا ،وهو بأشخاص مضطربين ما يعتبره ُمعارضوه أمرا غير دقيق، فمن وجهة نظرهم ُهناك شخصيات سليمة ،وهو ما يدحض تعميمات فرويد.
-
النقطة الثانية ،هي أن الوقت الذي ظهر فيه فرويد كان الحديث عن الجنس عموما محظورا ًّ جدا، لذلك وجدت نظريته بيئة خصبة، حيث ُمعظم املرض ى ُيعانون من مشاكل جنسية ،ويالحظ ُمعارضوه اآلن أنه وبرغم مشاكل الجنس التي تقل مع الوقت ،إال أن املرض الذهني ما يزال موجودا ،بل حتى أنه يتطور.
-
والنقطة الثالثة ،هي وضع فرويد فرضيات عامة لم ُيفسرها ،وهو ما جعلها غامضة حتى على تالميذه؛ مثال ما هو السلوك الذي يشير إلى أن الطفل في مراحله األولى ،كما يقول فرويد ،يحدث له تطور نفس ي جنس ي؟
ُ هذه النقاط الثالثة التي تعتبر انشقاقات في النظرية الفرويدية ،تم تطوير نظريات الحقة عليها .لكن بالوقوف عند هذه النقاط وباألخص النقطة الثالثة فيما تم نقده ،يلوح لنا سؤال ،وهو أن فرويد ّ تحدث عن التطور النفس ي الجنس ي للطفل في مراحل نشأته األولى ،بعد والدته واختالطه باملجتمع .بالطبع هذه النقطة تعاني بعض الضعف ،لكن ليس ألن العلماء بعد فرويد أخضعوا املعيار الجنس ي للسلوك واالكتساب والثقافة املجتمعية ،بل ألن فرويد لم يملك أدوات ّ إثبات فكرة الجنس املتشكل قبل الوالدة، ليس بمعناه الجيني ،بل بمعنى الثقافة الصوتية األولى التي تتركز في الوعي األول.
والدين والفلكلور وتأثيراتها على البشر كما عالجها يونغ يوما. ُ كتسب ،لكن بالتأكيد اإلنسان هو عنصر م ِ تختلف زمنية االكتساب وأشكالها .بمعنى أن األقرب لصيغة االكتساب هي فطريته ،ثقافة الجنس ،االنطباعات األولى بحسب السلوكيين الذين يبنون اإلنسان بطريقة إمكانيته تلقي كل الثقافات املحتملة ،لكن السؤال ما هي أولى الثقافات التي تتشكل في الجزء املظلم من الدماغ؟
الجنس ثقافة صوتية: من منطق علم النفس الوجودي ،فإن اإلنسان يشارك في تشكيل العالم ،وفي ذات الوقت يخضع الضطرابات هذا التشكيل ،من قلق واكتئاب وبحث عن معنى للوجود البشريُ ،مسقطين أي نوع من أنواع الفطرة البشرية في تأثيراتها على اإلنسان ،إن كان بمعناها التحليلي الفرويدي (صورة الجنس) أو حتى التأثيرات الجماعية ملبدأ األسطورة
ال أحد يختلف من علماء النفس ـ بمن فيهم فرويد ـ أن اإلنسان ُيبنى سلوكه بتأثيرات املجتمع ،لكن كل الخالف الذي طرحه فرويد هو حول أولى االنطباعات ،والتي أعادها إلى 16
باإلضافة إلى آخر خمسة عشرة عاما ،قامت كثير من الجامعات بدراسات مشابهة ،حتى في املجال الديني وتأثير الصوت على األجنة، بقراءة القرآن والتراتيل اإلنجيلية ،انتشرت في السنوات األخيرة ،ومالحظة الفروقات بعد الوالدة عند األطفال من الهدوء والذكاء والتأقلم واالنفعال.
صورة الجنس .وهذا ما نريد التوقف عنده قليال .قلنا إن رؤية فرويد للجنس النفس ي الطفولي تعاني ضعفا بسبب عدم قدرته على إثبات فكرة الجنس املتشكل قبل الوالدة، وقد يبدو هذا االفتراض متطرفا قليال بالنسبة للعلم ،لكن دعونا نأخذ هذا االفتراض ضمن سياقات البحوث العلمية نفسها.
هذه الدراسات أثبتت تأثيرات الصوت الخارجي على األجنة ،وقدرتها على حضور مميز وفاعل ،وال يملك أحد أي مشكلة مع هذه الثقافة األولى التي تتركز في وعي الجنين قبل والدته .إنها ثقافة تأثير الصوت البدائي على اإلنسان ،والخطوة األولى لتستقبله الحياة بوعي مختلف.
قامت جامعة هلسينكي الفنلندية ،بإجراء ًّ دراسة على ّ 12أما حامال ،من خالل منحنهن أسطوانة مدمجة سجل عليها أغنيات لألطفال ،لعرضها على الجنين في األشهر الثالثة األخيرة من الحمل ملدة 5مرات يوميا، والتخلص من األسطوانة بعد الوالدة نهائيا لضمان عدم االستماع مرة أخرى لتلك األغنيات.
لكن أليس بنفس املنطق يحق لنا التساؤل ،أن أي صوت له ذات التأثير ،ونقصد هنا بالضبط الفعل الجنس ي، األكثر تأثيرا على الجنين من األصوات الخارجية كاملوسيقى والقراءة ،فعل تأوه وتأثر ّ الشبقية األم الحامل أو الزوج باملعطيات املباشرة أثناء املضاجعة ،وهي باملعنى الصوتي أكثر تأثيرا من األفعال الصوتية الخارجية،
وبعد إعادة االستماع لألغاني مرة أخرى بعد الوالدة بـ 4أشهر ،ومقارنة النتائج على أطفال لم يستمعوا لتلك املوسيقى أثناء فترة الحمل، لوحظ أن املجموعة األولى من األطفال هللوا وتفاعلوا مع األغنية التي استمعوا إليها أثناء فترة الحمل ،وأن إشارات املخ أشارت إلى أن األغنية مألوفة لديهم ،بينما املجموعة الثانية التي لم تستمع إلى املوسيقى لم تسجل لديهم نفس ردود األفعال واإلشارات العصبية.
17
ألنها تنبع من الصلة الحميمية والتأثيرية املادية لفعل الجنس. إن كان الجميع مقتنع بتأثير الصوت الخارجي على الجنين، أليس بنفس السياق يجب أن يكونوا مقتنعين بأن األجنة يتأثرون بالفعل الصوتي الجنس ي ،بل حتى تأثير مضاعف ملباشريته في الجسد األمومي ،وقدرة زرع الصوت الشبقي في الوعي األول للجنين .وأكثر من ذلك ،يمكن للجنين أال يسمع أي أصوات خارجية كاملوسيقى أو تراتيل وقراءات نصوصية دينية، لكن ال يمكن له إال أن يتلقى كل مفرزات الصوت الجنس ي األول ،وعليه فإن الطفل يولد بوعي جنس ي بدائي ،إنها أولى االنطباعات الثقافية قبل أن يكون في الحياة .وهذا يضعنا أمام جميع الرؤى البحثية النفسية حول مفهوم االكتساب ومعنى الوجود ،أن جميع ما نكتسبه من املجتمع والثقافات ليست سوى انطباعات الحقة على االنطباع األول وهو الجنس كثقافة صوت لها بناءات خاصة وتأثيرات ال تمحى في الجزء املظلم من الوعي.
بهذا املعنى ال يمكن لنا سوى التسليم بصحة الوعي الجنس ي األول قبل الوالدة ،وعليه تكون نتائج االضطرابات الذهانية التي تم معارضة فرويد فيها ناتجة عن تعقيدات الحياة الالحقة التي تطمر وعي الجنس البدائي. الواقع اضطراب جنس ي: إن اإلنسان في ّ تلقيه الجنس كصوت في املرحلة األولى ،ينشأ وينمو في البيئة الثقافية 18
ُ ّ التي تفترض مسارات توعوية ،التي تشكل البذرة األولى الضطرابات اإلنسان مع الواقع، فلحظة الوالدة والنشوء هي لحظة االضطراب ُ الذهاني التي تلغي فعل التعلق الصوتي الجنس ي بالوالدين ،ضمن مجموعة القوانين املجتمعية ،وعليه فإن السلوك يأخذ مسارات أخرى تاركا الرغبة األولى في الجزء املظلم من العقل ،لكن كل التطورات السلوكية ال تمحي تلك الرغبة وهي التي تحدث عنها فرويد بعقدة أوديب.
إن البشر بأكملهم ذهانيون ،يعانون اضطراب مع الواقعُ ،ويعيدون هذا االضطراب إلى تعقيدات نظام الحياة ،وإن كان هذا األمر نسبيا على ش يء من صحة، لكنه ليس الجانب الوحيد .إننا نولد مضطربين ،وعملية مناقشة أسئلة املعنى الوجودي الكبرى ناتجة فعليا عن السؤال االول الذي يتجلى بكثير من الصيغ التي تدور حول املعنى الجنس ي (ملاذا أنا موجود؟ ما الفائدة من الوجود؟ وكيف سأستمر في الوجود؟ وملاذا استمر؟ وإلى أين سأنتهي؟ وملاذا انتهي؟) كل هذه األسئلة ترتبط بصورة الجنس الذي هو معطى أول للوعي الثقافي والسؤال الجوهري ..ما هو االنطباع األول الذي تلقيته وفقدته؟ ..أليس هو الجنس كصوت!.
إن لحظة قدوم اإلنسان إلى الحياة ،تخلق منه شخصا مضطربا الزدواجية القوانين ُ االجتماعية التي تلغي صورة الجنس الصوتي، ويتعامل اإلنسان ضمن املعطيات أن ذلك االنفصال عن وعيه الجنس ي األول ،هو حالة طبيعية ،لذلك ال يرى بنفسه االضطراب الذهني ،وربما كان أكبر دليل على هذا االضطراب هو االنسالخ الجنس ي ،في صورته التمردية على نظام العائلة ،فما ال يمكن الحصول عليه يحتاج إلى إفناء لحماية الشخصية من السقوط ،وهذا ما يتم تسميته بعالقات العاطفة مع الشركاء ،لكنه ليس سوى رفض سقوط الشخصية االضطرابية أمام القوانين املجتمعية والرغبة األولى.
يأتي هكذا اإلنسان إلى الحياة بجاهزية لالنفصال واالضطراب مع في الواقع منظومة القوانين ،فعملية اضطرابات العقل مع تطور الحياة نابعة من تعقيدات الجنس رغم اتساعه وحريته في العصر الحالي، فاضطرابات الواقع هي جنسية في األصل. 19
على هذا البناء الذي قد يراه البعض متداع لكنه ريبي وخاضع للمناقشة، نتوصل إلى فكرة االرتباط الجنس ي األول ،وهو الحقد على ما ال نحصل عليه ،والذي نتمرد اتجاهه ،ونعيش الوهم املجتمعي السوي جنسيا ،دون القدرة على الوصول إلى إجابة ما الذي فقدناه بعد أن اكتسبناه! وهذا ما يبرر الشعور النفس ي بالعجز واإلحباط ،رغم التمرد ،على وفاة الوالدين .فلحظة فقدانهما هي أشبه بمجابهة العالم وحيدا رغم االستقالل الكامل في تفاصيل الحياةُ .يعيد البعض هذا الشعور النفس ي إلى املستوى األخالقي والديني ،وهو بطبيعة الحال أمر مهم كي يستطيع اإلنسان مجابهة الكارثة الجنسية التي ُ ف ِقدت لألبد.
فأوديب والكترا ليستا أسطورتين ،وليستا مزيجا خياليا مريضا .إنهما واقع يتالش ى تحت ضربات شمولية القيم.
إن اإلنسان يولد بوعي جنس ي صوتي ويجابه أول يوم في الحياة باضطراب أبدي ال ينتهي.
علي األعرج روائي وصحفي سوري ،عضو هيئة حترير جملة كلنا سوريون
20
رأي 21
22
احلرب السورية عبد احلميد سليمان وهذا ما يجعل الخروج من الخندق والغناء سينمائياً في لحظة نشوة ،أمر صعب ،فالخندق هنا مليء برائحة العقيدة والمشهدية الدينية التاريخية مما يجعل من الصعب إيجاد مكان للموسيقى ،وللنوافذ المشرعة لخالص السوريين.
بعي ـ ــدا ع ـ ــن األزم ـ ــات السياس ـ ــية املتراكم ـ ــة ف ـ ــوق دم ـ ــار م ـ ــدننا الت ـ ــي بات ـ ــت تتك ـ ــور خراب ـ ــا ف ـ ــي حيرته ـ ــا؛ يأتي سؤال الخالص؟ الخالص الذي يبتعد شيئا فشيئا عن سماواتنا. 23
منـ ـ ـ ــذ أيـ ـ ـ ـام وبعيـ ـ ـ ــدا عـ ـ ـ ــن املقارنـ ـ ـ ــة ذكرن ـ ـ ـ ـي أح ـ ـ ـ ــد األفـ ـ ـ ــالم الفرنس ـ ـ ـ ــية املنتجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام 2005والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي يتن ـ ـ ـ ـاول قص ـ ـ ــة حقيق ـ ـ ــة ج ـ ـ ــرت ف ـ ـ ــي الح ـ ــرب العاملي ـ ــة األول ـ ــى ف ـ ــي واح ـ ــدة م ـ ـ ـ ــن الجبه ـ ـ ـ ــات املش ـ ـ ـ ــتعلة ش ـ ـ ـ ــمال فرنس ـ ـ ـ ــا ،م ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ــين اس ـ ـ ـ ــكتدلنديين وأملـ ـ ـ ـ ــان وفرنسـ ـ ـ ـ ــيين ،حيـ ـ ـ ـ ــث كـ ـ ـ ـ ــان س ـ ـ ـ ـ ــعير الح ـ ـ ـ ـ ــرب يل ـ ـ ـ ـ ــتهم أجس ـ ـ ـ ـ ــاد الجن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود املق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتلين ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي قع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الخن ـ ــادق ،والت ـ ــي نس ـ ــجت ال ـ ــدم ف ـ ــي أوص ـ ــار املـ ـ ـدن املتص ـ ــارعة م ـ ــا ب ـ ــين التحرير ،واالحتالل ،والدفاع. الف ـ ـ ــيلم الفرنس ـ ـ ـ ي "م ـ ـ ــيالد مجي ـ ـ ــد" أو "ج ـ ـ ـ ـ ـ ــوي نوي ـ ـ ـ ـ ـ ــل" (بالفرنس ـ ـ ـ ـ ـ ــية: )Joyeux Noëlيحك ــي ع ــن هدن ــة ليل ـ ـ ــة امل ـ ـ ــيالد الت ـ ـ ــي ح ـ ـ ــدثت خ ـ ـ ــالل الحـ ـ ــرب العامليـ ـ ــة األولـ ـ ــى فـ ـ ــي ديسـ ـ ــمبر .1914 يصـ ـ ـ ـ ئـور علـ ـ ـ ــى نحـ ـ ـ ــو كئيـ ـ ـ ــب ومأسـ ـ ـ ــاوي األرق واإلره ـ ـ ــاق والتعـ ـ ـ ــب ال ـ ـ ــذي تعـ ـ ـ ــاني من ـ ـ ــه كـ ـ ـ ــل فئـ ـ ـ ــة مـ ـ ـ ــن فئـ ـ ـ ــات الص ـ ـ ـ ـراع نتيجـ ـ ـ ــة السـ ـ ـ ــهر املتواصـ ـ ــل والت ـ ــربص فـ ـ ــي الخنـ ـ ــادق املتقابلـ ـ ــة. يبلـ ـ ـ ــغ ذلـ ـ ـ ــك أوجـ ـ ـ ـ ُـه مـ ـ ـ ــع اقت ـ ـ ـ ـراب احتفـ ـ ـ ــاالت الع ـ ــالم بعي ـ ــد امل ـ ــيالد املجي ـ ــد ف ـ ــي ش ـ ــتاء ع ـ ــام .1914حينم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأتي مغني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أوب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرا دانماركي ـ ــة األصـ ـ ــل لقضـ ـ ــاء ليل ـ ــة املـ ـ ــيالد مـ ـ ــع ُ عشـ ـ ــيقها مغنـ ـ ــي األوب ـ ـ ـرا األملـ ـ ــاني الـ ـ ــذي ألـ ـ ــزم
خ ـ ــوض املع ـ ــارك م ـ ــع بقي ـ ــة الجن ـ ــود ويغني ـ ــان للجنـ ـ ـ ــود القـ ـ ـ ــابعين فـ ـ ـ ــي خنـ ـ ـ ــادق مصـ ـ ـ ــائرهم. م ـ ــع ب ـ ــدء احتف ـ ــاالت ليل ـ ــة عي ـ ــد امل ـ ــيالد يظه ـ ــر م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــين الخن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادق االس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكتلندية ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البريطاني ـ ـ ــة أص ـ ـ ــوات تص ـ ـ ــدح بالغن ـ ـ ــاء قب ـ ـ ــل أن ت ـ ــرد عليه ـ ــا الخن ـ ــادق األملاني ـ ــة الت ـ ــي تك ـ ــون قـ ـ ـ ـ ــد ازدانـ ـ ـ ـ ــت بمجـ ـ ـ ـ ــاميع الهـ ـ ـ ـ ــدايا املرسـ ـ ـ ـ ــلة للجنـ ـ ــود .تأخـ ـ ــذ أصـ ـ ــوات الغنـ ـ ــاء بالتص ـ ـ ــاعد التـ ـ ـ ــدريري وكـ ـ ـ ــل طـ ـ ـ ــرف يـ ـ ـ ــرد علـ ـ ـ ــى الطـ ـ ـ ــرف املقابـ ـ ـ ــل قبـ ـ ـ ــل أن تتجـ ـ ـ ــاوب معهـ ـ ـ ــم أصـ ـ ـ ــوات
24
باس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتمناء بع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــض الجن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود النظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاميين البس ـ ـ ـ ـ ـ ــطاء ،وبع ـ ـ ـ ـ ـ ــض األش ـ ـ ـ ـ ـ ــخاص ال ـ ـ ـ ـ ـ ــذين اض ـ ـ ـ ـ ـ ـطروا لحمـ ـ ـ ـ ـ ــل السـ ـ ـ ـ ـ ــالح دفاعـ ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ــن أنفس ـ ــهم وأعراض ـ ــهم ،فيم ـ ــا تبق ـ ــى وباملجم ـ ــل نجـ ـ ـ ــد أن حمـ ـ ـ ــل السـ ـ ـ ــالح كـ ـ ـ ــان خيـ ـ ـ ــارا لـ ـ ـ ــدى املقـ ـ ـ ــاتلين .وهـ ـ ـ ــذا مـ ـ ـ ــا يجعـ ـ ـ ــل الخـ ـ ـ ــروج مـ ـ ـ ــن الخن ـ ـ ـ ـ ــدق والغن ـ ـ ـ ـ ــاء س ـ ـ ـ ـ ــينمائيا ف ـ ـ ـ ـ ــي لحظ ـ ـ ـ ـ ــة نشـ ـ ــوة ،أمـ ـ ــر صـ ـ ــعب ،فالخنـ ـ ــدق هنـ ـ ــا ملـ ـ ــيء برائح ـ ـ ـ ـ ـ ــة العقي ـ ـ ـ ـ ـ ــدة واملش ـ ـ ـ ـ ـ ــهدية الدينيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة التاريخي ـ ــة مم ـ ــا يجع ـ ــل م ـ ــن الص ـ ــعب إيج ـ ــاد مكـ ـ ـ ـ ـ ــان للموسـ ـ ـ ـ ـ ــيقى ،وللنوافـ ـ ـ ـ ـ ــذ املشـ ـ ـ ـ ـ ــرعة لخالص السوريين. ال شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ يء إذا يوقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الرصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص بعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد سـ ـ ـ ــنوات عـ ـ ـ ــدة مـ ـ ـ ــن التراكمـ ـ ـ ــات االنتقاميـ ـ ـ ــة الحاص ـ ـ ــلة فيم ـ ـ ــا ب ـ ـ ــين أطـ ـ ـ ـراف الصـ ـ ـ ـراع .أي أداة إنس ـ ـ ــانية ق ـ ـ ــادرة أن توق ـ ـ ــف القت ـ ـ ــال ف ـ ـ ــي الجبهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات علـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى األرض السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورية ليـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم واحـ ـ ـ ــد ،لتبـ ـ ـ ــدأ صـ ـ ـ ــيغ مـ ـ ـ ــن التواصـ ـ ـ ــل بلغـ ـ ـ ــة مش ـ ـ ـ ـ ـ ــتركة .ربم ـ ـ ـ ـ ـ ــا العدي ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ــن األس ـ ـ ـ ـ ـ ــئلة س ـ ـ ـ ـ ــتتراكم ف ـ ـ ـ ـ ــي مخيل ـ ـ ـ ـ ــة أي ق ـ ـ ـ ـ ــار ومت ـ ـ ـ ـ ــابع لحركة الصراع في الداخل السوري. أي داعشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ي باس ـ ـ ـ ـ ـ ــتطاعته ّ تقب ـ ـ ـ ـ ـ ــل اآلخ ـ ـ ـ ـ ـ ــر بعي ـ ـ ـ ـ ـ ــدا ع ـ ـ ـ ـ ـ ــن فك ـ ـ ـ ـ ـ ــرة الث ـ ـ ـ ـ ـ ــورة االس ـ ـ ـ ـ ـ ــالمية والخالفـ ـ ـ ــة؟ فالداعش ـ ـ ـ ـ ي يقاتـ ـ ـ ــل نيابـ ـ ـ ــة عـ ـ ـ ــن هللا وي ـ ـ ــذبح نياب ـ ـ ــة ع ـ ـ ــن هللا وي ـ ـ ــوزع ص ـ ـ ــكوك الغفـ ـ ـ ـ ـران والتوبـ ـ ـ ـ ــة نيابـ ـ ـ ـ ــة عـ ـ ـ ـ ــن هللا ويفـ ـ ـ ـ ـرز املقتـ ـ ـ ــولين إلـ ـ ـ ــى جنـ ـ ـ ــة ونـ ـ ـ ــار نيابـ ـ ـ ــة عـ ـ ـ ــن هللا.
جمي ـ ـ ـ ـ ــع الفرق ـ ـ ـ ـ ــاء بالغن ـ ـ ـ ـ ــاء م ـ ـ ـ ـ ــن الخن ـ ـ ـ ـ ــادق املتقابل ـ ـ ــة ويص ـ ـ ــل األم ـ ـ ــر ب ـ ـ ــالبعض م ـ ـ ــنهم أن يخ ـ ــرج م ـ ــن مت ـ ــاريس الجبه ـ ــة بج ـ ـرأة ن ـ ــادرة ف ـ ــي محاولـ ـ ـ ــة لـ ـ ـ ــزرع شـ ـ ـ ــجرة املـ ـ ـ ــيالد غيـ ـ ـ ــر آبهـ ـ ـ ــين ب ـ ــإطالق الن ـ ــار عل ـ ــيهم م ـ ــن الخص ـ ــم املقابـ ـ ــل. ش ـ ــيئا فش ـ ــيئا يغ ـ ــامر الجمي ـ ــع ب ـ ــالخروج م ـ ــن الخن ـ ـ ـ ـ ــادق ويق ـ ـ ـ ـ ــدمون التهنئ ـ ـ ـ ـ ــة كأش ـ ـ ـ ـ ــخاص طبيعي ـ ـ ــين ال كخص ـ ـ ــوم ويتص ـ ـ ــافحون بب ـ ـ ـراءة وسعادة. حادث ـ ــة غريب ـ ــة وربم ـ ــا غي ـ ــر طبيعي ـ ــة بالنس ـ ــبة لوقائع االحداث. تمنيـ ـ ـ ـ ــت وأنـ ـ ـ ـ ــا أشـ ـ ـ ـ ــاهد أحـ ـ ـ ـ ــداث القصـ ـ ـ ـ ــة الفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيلم ،بهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذه النمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاذج اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانية، وطريقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة إنص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتهم للغنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء والتراتيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل، تواصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلهم ،مبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادلتهم األحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم والذكريات ....إلخ. تمنيـ ـ ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـ ــو أن جبهـ ـ ـ ـ ــة مـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ــن الجبهـ ـ ـ ـ ــات املش ـ ــتعلة ف ـ ــي س ـ ــوريا م ـ ـ ّـر عليه ـ ــا واح ـ ــدة م ـ ــن ه ـ ــذه النم ـ ــاذج الت ـ ــي ق ـ ــد ال تك ـ ــون مس ـ ــتحيلة كأنس ـ ــنة نمـ ـ ــاذج مقاتلـ ـ ــة فـ ـ ــي سـ ـ ــبيل أحالمهـ ـ ــا ومرادهـ ـ ـ ــا ،ربمـ ـ ـ ــا علينـ ـ ـ ــا البحـ ـ ـ ــث عميقـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ــي شـ ـ ـ ــكل الص ـ ـ ـ ـراع ضـ ـ ـ ــمن الحالـ ـ ـ ــة السـ ـ ـ ــورية، ففـ ـ ـ ـ ــي سـ ـ ـ ـ ــوريا املتقـ ـ ـ ـ ــاتلون ليسـ ـ ـ ـ ــوا جنـ ـ ـ ـ ــودا ُ فرض ـ ـ ـ ــت الح ـ ـ ـ ــرب عل ـ ـ ـ ــيهم فرض ـ ـ ـ ــا إنم ـ ـ ـ ــا ه ـ ـ ـ ــي خي ـ ـ ــار وتط ـ ـ ــوع .املقات ـ ـ ــل ف ـ ـ ــي س ـ ـ ــوريا م ـ ـ ــد ّ بث ـ ـ ـ ـ ــأر شخ ـ ـ ـ ـ ـ ي أو جمع ـ ـ ـ ـ ــي ،ل ـ ـ ـ ـ ــم تجب ـ ـ ـ ـ ــرهم منظوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة عسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكرية لالنض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمام إليهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
25
وجنـ ـ ـ ا ـدي سـ ـ ــوري تائـ ـ ــه يقاتـ ـ ــل سـ ـ ــوريا مـ ـ ــدنيا ّلق ـ ــب نفس ـ ــه ب ـ ــالحر تج ـ ــاه نظ ـ ــام قات ـ ــل وغي ـ ــر شـ ـ ــرعي وأط ـ ـ ـراف أخـ ـ ــرى متهافتـ ـ ــة يومـ ـ ــا بعـ ـ ــد يوم. مـ ـ ــا ال يقـ ـ ــارن فـ ـ ــي القصـ ـ ــتين ،املـ ـ ــادة الفلميـ ـ ــة والحال ـ ـ ـ ـ ـ ــة الس ـ ـ ـ ـ ـ ــورية ه ـ ـ ـ ـ ـ ــي فك ـ ـ ـ ـ ـ ــرة الع ـ ـ ـ ـ ـ ــدو واالحـ ـ ـ ـ ــتالل والت ـ ـ ـ ـ ـراكم العقائـ ـ ـ ـ ــدي والـ ـ ـ ـ ــذهني عن ـ ـ ـ ـ ـ ــد األخي ـ ـ ـ ـ ـ ــر قص ـ ـ ـ ـ ـ ــة الخ ـ ـ ـ ـ ـ ــالف التبع ـ ـ ـ ـ ـ ــي والتيـ ـ ــارات الدينيـ ـ ــة التـ ـ ــي لهـ ـ ــا إر هـ ـ ــا التـ ـ ــاري ي في العملية االنتقامية.
م ــا مـ ــن قواس ــم مش ــتركة ب ــين ح ــرب ف ــي فـ ــيلم ي ـ ــتمكن عاش ـ ــق م ـ ــن إيق ـ ــاف البن ـ ــادق بس ـ ــيل م ـ ــن املوس ـ ــيقى والقب ـ ــل ،وب ـ ــين ح ـ ــرب س ـ ــورية دائـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرة فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبيل مصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالح ومشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاريع متنوعـ ـ ــة ،وحـ ـ ــده الشـ ـ ــعب السـ ـ ــوري الغـ ـ ــارق فـ ـ ـ ـ ــي العجـ ـ ـ ـ ــز ،والـ ـ ـ ـ ــذي ربمـ ـ ـ ـ ــا هـ ـ ـ ـ ــو الطـ ـ ـ ـ ــرف الوحيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد املق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ي عـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرار حسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم الص ـ ـ ـ ـ ـراع ،هـ ـ ـ ـ ــو الطـ ـ ـ ـ ــرف الوحيـ ـ ـ ـ ــد املتمنـ ـ ـ ـ ــي انتهاء الحرب في بالده بالقبل واملوسيقى.
عبد احلميد سليمان صحفي ومسرحي سوري ،يقيم يف أملانيا
26
مهمة األدب أمحد إبراهيم احملمد إن كانت مهمة األدب هي تحديد الهوية ،فيجب أن تبقى في حيز تحديد الهوية بعيدة كل البعد عن أي صراع إيديولوجي ،وهذا ما ال يحصل في تجربة أدب الحرب التي
عايشناها.
منذ أن ّ تحولت الثورة السورية إلى حرب بمعناها الواقعي ،وبقيت الثورة حبيسة ذهنية حاملة ،جرى التطور فيها مثل ما يجري في التطور الطبيعي والتاري ي للحروب ،وهو الرفض لصورة االنتهاك، ّ وتجسدت أهم أشكالها بعيدا عن السياسية ،في النسق الفني ،وبالذات في األفعال األدبية ،الشعرية
27
والقصصية والنثرية والروائية، وأصبح من الحري بنا أن نطلق على هذه الصورة األدبية ،مجازا ،اسم أدب الحرب .لكن في هذه الصورة يلوح ش يء غامض ،غير ُم ّ حدد املعالم ،وهو طبيعة هذه الكتابة التي تخضع في الدرجة األولى لنسق عاطفي ورثائي ،بدور في حلقة من اجترار النوستالجيا ،ويخضع في الدرجة الثانية ُ للعصاب السياس ي الذي يدور في فلك النقد (مباشر وغير مباشر) لتشريح البنية السياسية التي يعيشها الفرد تاريخيا .ضمن هذين الشكلين تراوحت معظم النصوص التي ُ كتبت في زمن الحرب السورية. قد يكون من الطبيعي أن مثل هذه النصوص جائزة الحضور في لحظة عدم استيعاب اإلنسان لصدمة الثورة والحرب ،التي قد تستغرق عامين أو ثالثة للخروج منها ،لكن البقاء في ذات الفلك ُ العصابي" لسبع سنوات "النوستالري متواصلة ،دون القدرة على تطوير هذه الذهنية ،يضعنا أمام سؤال ،ملاذا يستمر األدب في هذا الشكل وأين يكمن الخطأ؟ مع األخذ بعين االعتبار أن مهمة األدب ليست
التغيير .وكي يكون املعنى واضح دعونا نبحث في إحدى التجارب األكثر حضورا في العالم. قد يكون من املبالغة الشديدة ومن الحماقة أيضا ،إن نظرنا إلى تاريخية الفعل األدبي، وحتى هذه اللحظة املعاصرة ،أنه فعل تأثيري في البنية السياسية ،أو حتى في البنية ّ املجتمعية .إن الفعل األدبي بعيد كل البعد عن التأثير في أي بناء للمجتمع .وبالطبع ليس الحديث هنا عن عدم أهمية هذا الفعل بقدر
28
فكيف يتجلى ذلك االرتباط واالنسالخ بآن معا!
ما هو تحديد طبيعته الذهنية وفهم مهمته. فالفعل األدبي يملك أهمية بالغة ،لكن ليس بمعناها التأثيري املباشر. ّإن أشد املؤمنين بأهمية األدب في التغيير
إن الصورة األكثر افتضاحا في معنى التناقض ّ هذا ،تجلت في أوروبا بعد الحرب العاملية الثانية ،عند انتهاء الحرب اجتاح الصورة األدبية ما يمكن لنا تسميته بـ "اجتياح الالمعنى" النظرة العدمية للفعل البشري، من غريب كامو إلى غثيان سارتر إلى خراتيت يونسكو إلى انتظار بيكيت إلى نثريات سيوران. لكن في ذات الوقت ،كان هذا الفعل "لالمعنى" ّ وانتشاره وتجذره عميقا في إيديولوجيا األدب األوروبية ،قد اقتصر بشكل حقيقي في تكوين الصورة النفسية والتاريخية لتوثيق معنى االنهيار البشري فقط ،إنما على األرض ،كانت تجتاح أوروبا نظرة جديدة للعالم ،أهمها فكرة التوحيد األوروبي ،لقد خرجت أوروبا من عنق الزجاجة .في لحظة التعبير األشمل عن االنهيار والتدمير الذي صنعه اإلنسان، ُ كانت أوروبا تبنى من جديد بطريقة متسارعة وأكثر سلمية .لم تتوقف أوروبا بالتعاطي مع الواقع بنظرة رثائية أو بكائية رومانسية ،بل تجاوزت املعنى االنتهاكي والتدميري لإلنسان لتحديد هويته الجديدة .وبقي الفعل األدبي الجتياح "الالمعنى" منحصرا في بنية إيديولوجية خاصة ،لم تتعاطى مع اإليديولوجيات األخرى وأهمها االقتصاد السياس ي ،الذي كان يعيد تشكيل أوروبا من
االجتماعي -من مجموع ّ القراء عامة وجزء من ُ املثقفين وبعض الك ّتاب االعتباطيين ،الذين يدورون في فلك الوهم ّأن نصوصهم يجب أن تتحول إلى نصوص مقدسة لتغيير العالم - يتشابهون قطعا مع مجموع الناس املؤمنين في ّ الخفية التي ستنقذهم لحظات اليأس بالقوة من مستنقعات الوحل الحياتي ،أو بالزعيم الكاريزماتي الذي ّ يتحمل مسؤولية انعتاقهم من البؤس الذي يعيشونه .فمؤمنو التأثير األدبي ونمطيته في التغيير ،يمارسون العالقة الوهمية مع األدب ويعتبرونها جزء مهما في ّ تغيير العالم ،دون فهم على ماذا يتشكل الفعل األدبي أو على ماذا يقتصر. إن أحد عناصر املأساة في فهم الفعل األدبي، هو عدم إدراك طبيعته االزدواجية ،ارتباطه الخفي مع الواقع وانسالخه عنه بذات الوقت. هذه الصيغة التناقضية لألدب هي ما تجعله غير قادر على التأثير املجتمعي ،رغم ما يوحي به النص األدبي من عالقة أثيرية مع الواقع. فاألدب يقتصر تأثيره فعليا في تحديد الهوية النفسية لتاريخ املجتمع ،كصورة توثيقية في أحد جوانبها ،وليس في تغييره لنمط املجتمع.
29
لو كنا سننظر لذلك الفعل العدمي األدبي األوروبي بعين االستمرار ،كان األحرى بأوروبا اليوم أن تتخلى عن الحياة ،ولو كان لذلك الفعل األدبي "الالمعنى" من تأثير حقيقي ومباشر في تغيير نمطيات املجتمع ،لكانت أوروبا اآلن غارقة بالجهل وعدم االكتراث ،ملا يحمله ذلك االنتشار األدبي من اكتشاف جديد ومهم لعدم جدوى األشياء .تلك التجربة األدبية األوروبية توضح لنا بشكل جلي ،أن الفعل األدبي هو فعل مقتصر على عدم التأثير في تغيير البنية املجتمعية .إنه ال يغير املجتمع لكنه يوثق الصورة النفسية والتاريخية إلعطائه هويته الجديدة.
جديد .كان "اجتياح الالمعنى" صورة انعزالية ال شأن للصراعات اإليديولوجية أي دور فيها، إنها انعزال قائم على طبيعة األدب نفسه ،ملا يحمله األدب في جوهره من طبيعة ّ نصية تخيلية أوال ،وراديكالية متطرفة في الدرجة الثانية بأحد أهم دعائمه التكوينية وهي ّ املنوعة في شخوصه ،وبنتيه الالعقالنية ُ تحميل اللغة أكثر من طاقة املراد قوله نتيجة طبيعة اللغة املطاطية .هذه العناصر الثالثة التي تحدد مفهوم األدب وبنيته ،تجعل منه صيغة انعزالية كمنحى إيديولوجي خاص بها، وهو ما يجعلها فعليا غير تأثيرية في التغيير االجتماعي والسياس ي.
بهذا املعنى نستطيع تحديد طبيعة األدب االزدواجية ومهمته بعالقته مع الواقع وانسالخه عنه بذات الوقت ،ويصبح من الحري بنا أن نفهم املهمة األدبية كصورة لتحديد تاريخية البناء النفس ي للمجتمع وتحديد هويته وليس التغيير .فضمن معنى إعطاء الهوية ،تتجسد أهمية الفعل األدبي، لكن كيف؟.
30
سبع سنوات؟ ونحن فعليا غارقون في متاهة الصراع السلطوي التاري ي اإلثني؟.
لقد كانت الحرب العاملية بمثابة تالش ي الهوية ،ليست القومية فقط ،بل الهوية اإلنسانية ،وكان ال ُب ّد من عودة للتاريخ األوروبي كي يستطيع اإلنسان واألدب تحديد املعنى الجديد ،وذلك ما جرى .بعد الحرب، استقدمت أوروبا النسق الفلسفي التاري ي لتبني عليه صورة اجتياح الالمعنى، التشاؤمية ،عدم جدوى األشياء ،والتي كان حاملها األساس ي األب الروحي للعدمية التاريخية "آثر شوبنهاور" وبمساعديه "فريدريك نيتشه وسيغموند فرويد" اللذان أطاحا العالم بنظرية الحيونة البشرية، ورسخا بنظرياتهم املعنى لهامشية اإلنسان وصغر حجمه في هذا العالم بشكل علمي ممنه وعقلي صريح .ذلك االستقدام كان العجلة التي أعادت تدوير الفلسفة والتفكير وتجلى بأبهى صورة أدبية ،عملت على توثيق تاريخية أوروبا النفسية املجتمعية ،وساهمت بخروجها من عنق الزجاجة فعليا.
إن كانت مهمة األدب هي تحديد الهوية، فيجب أن تبقى في حيز تحديد الهوية بعيدة كل البعد عن أي صراع إيديولوجي ،وهذا ما ال يحصل في تجربة أدب الحرب التي عايشناها. ما زلنا نكتب عن نقد السلطة ،عن املوت بالطريقة ابتذاال األكثر ومدعاة للسخرية والشفقة ،ما زلنا نتعامل مع الواقع والفكر برؤية الخوف من كشف الذات وتعريتها ،ليست التعرية باملعنى السياس ي السلطوي ،بل باملعنى االجتماعي والنفس ي لتفاهة تاريخنا وطرق تفكيرنا وتجميلنا ألكثر األسباب التي جعلتنا على ما نحن عليه. التعرية املباشرة لذواتنا بمعناها العقلي، وعدم االختفاء وراء مفهوم األصالة بينما نمارس النقد العصابي. إن كان تاريخنا ال يحمل ُ البعد الفلسفي إال
لكن ما الذي يجب علينا أن نستقدمه نحن لنخرج من عمق الرثاء والبكاء الذي هو مصدر تشري عي لتراثنا العربي ،ما هو الحامل الثقافي التاري ي الذي يمكن االستناد عليه لنتخلص من رومانسية ونوستالجيا الفكر ونحدد املعنى العميق لهويتنا الجديدة بدل الهوية القديمة التي تالشت في حرب خالل
بارتباطه مع البنية السياسية ،فيصبح من الضروري أن ينعزل األدب عن العصاب والنوستالجيا ،ويحدد قيمته الفلسفية
31
الذاتية دون ارتباطها بأي بنية أخرى في املقام األول ،كي يساهم فيما بعد ليحدد نوع الهوية التي سيكون األدب مهمته املثلى فيها .إننا غير قادرون على تحديد هويتنا الجديدة ألن الفعل األدبي في تاريخنا وحاضرنا مرتبط بصيغة التاري ي الصراع ومتشرب بكائيات التراث. ما نحن بحاجة إليه ليس مجموعة من أدب الرثاء أو النقد السلطوي السياس ي ،بل تأسيس الرؤى الفلسفية الذاتية العميقة اتجاه الحياة ومكوناتها ،اتجاه الفكر واملعنى .إنها الخطوة األولى لتحديد هويتنا
املقبلة والتي ستساهم في توثيق صورتنا النفسية الحقيقية.
.
أمحد إبراهيم احملمد كاتب سوري ،يقيم يف حلب.
32
ملف العدد العنف والنص المقدس 33
34
العنف الديين علي األعرج إن ما نعانيه على األرض ،لم تعد المسألة فيه مسألة اختالف تأويلي وفقهي فقط ،بل تمتد إلى نشوء أصيل للعنف في صورته اإللهية .تتجلى صورة العنف األولى في الجذر األلوهي ،قبل وجود اإلنسان ،ضمن ميثيولوجيا الدين.
ُ إن أهم الدفاعات التي تستخدم في النماذج اإلصالحية الدينية الحديثة ،لتبرئة صورة األديان من جوهرها العنفي وأصوليتها التدميرية ،هي أن القطيعة التي مارستها االقتصاديات الناشئة في أوروبا، قبل ثالثة قرون ،مع تصاعد شعار إيديولوجيا الدولة القومية العلمانية ،اتجاه صورة العالم القديم (الديني) ،كانت السبب األساس ي في إحالل العنف الحديث ،من خالل املشاريع القومية
35
الديني، النص (الذي هو بطبيعته يقوم في جزء منه على العنف) بل التركيز على شكل الخلق ،الذي ُوِلد كصورة عنفية أصيلة ،وما ترتب عنه بعد ذلك من ّ نصية أشكال ّ مجدت العنف إلى أق ى حد ،بعيدا عن املوقف الفردي من مسألة األلوهة، إن كان الشخص مؤمنا أم ال .فالوعي املجتمعي يفترض على الجميع مناقشة أصولية الخلق (ضمن ُ الشكل الذي طرح في سياقاته التاريخية ّ النصية) كي نستطيع تفصيل وفهم دفاعات العقالنيين املحدثين ،وكي ّ نقدم مفهوما منطقيا ،ألحد أكثر اإلشكاليات التي ما زلنا نعاني منها كبشر ،وهو سؤال ،هل األديان التي أتت بها الرسل ،كأشكال اجتماعية ،هي حقا ّ العنفية؟ بريئة من أصوليتها
االستعمارية ،التي لم تكتفي بنهب ثروات العالم واستعباد البشر فقط ،بل قامت بتفكيك وحل الجذور املجتمعية الثقافية والدينية، وتركتها فيما بعد تشوهات لتعاني بنيوية ،لم يعد من السهل إزالتها ،فقد استعصت وتمركزت في الوعي ،في مرحلة الدولة الوطنية بعد ذلك. تلك الدفاعات التي دعاة يتبناها الوسطية الدينية ،الذين يصفون أنفسهم بالعقالنيين املحدثين ،هي أشبه بمحاولة إخفاء املعنى الحقيقي لجوهر الدين ،ورمي مشكلة تاريخية ،على جزء وحيد من طبيعة مفهوم الحضارة وجدليته ،القائمة أصال على ُ ديناميكية الصراع التي تفض ي بشكل تلقائي إلى الجديد. يتجاهل الدينيون دائما بنية العنف في الخلق األول ،ونحن هنا ال نتحدث عن التحليل لبنية
إن ما نعانيه على األرض ،لم تعد املسألة فيه مسألة اختالف تأويلي وفقهي فقط ،بل تمتد
36
وجود نسبية تمايزية تحدد القيمة املطلقة لوجوده نفسه ،فاملعنى الحقيقي للوجود املطلق ال يتحدد إال بالكشف عن املعنى النسبي لتمايزية الصورة املطلقة وهي هللا، بمعنى ال يمكن فهم املطلق وتحديده كمطلق دون وجود النسبي .إذا فاهلل بحاجة إلى ثيمة تعريفية تمايزية ونسبية ليتحدد مطلقه ،وهو نسبية والشر، الخير بمعنى أن اإلله خلق اإلنسان من أجل ُ تحديد طبيعته املطلقة في الوعي اإلنساني، فإن لم يوجد اإلنسان فال معنى لتمايز الخير والشر ،وبالتالي سيبقى املطلق مطلقا تعبديا وخيرا دون وجود نسبية التمايز الذي هو بحاجة إليها لتتحدد طبيعته املطلقة.
إلى نشوء أصيل للعنف في صورته اإللهية. تتجلى صورة العنف األولى في الجذر األلوهي، قبل وجود اإلنسان ،ضمن ميميولوجيا الدين .إنها تتجلى قبل خلق آدم ،وبالضبط في لحظة خلق ّ الجنة والنار{ ،والجان خلقناه من قبل نار السموم} الحجر.27 إذا فاهلل خلق الجنة وجهنم قبل أي عصيان، وهنا ينبع سؤال إشكالي ،ما السبب لخلق العنصرين الخالدين إن لم يكن هللا يعلم بالعصيان اآلدمي مسبقا! .إن صورة خلقهما دليل قطعي على معرفته بالعصيان ومحاكمته لإلنسان ،وهنا ينبع أيضا سؤال، إن كان هللا يعلم بالعصيان فلماذا خلق آدم في الجنة ثم أنزله األرض! أهو بحاجة ليبرر للبشر سبب وجودهم على األرض؟ بالطبع لن نناقش الرغبة اإللهية أو تناقضية املعنى لهذه اإلشكالية الفلسفية ،لكن السؤال الذي يتبادر للذهن ،ما هو السبب الذي دعا هللا كي يخلق جهنم التي وردت في جميع األديان السماوية قبل خلق اإلنسان؟.
من هذا املبدأ الفلسفي الواضح لرغبة اإلله في صناعة هذا التمايز وخلق اإلنسان، يتوضح جليا معنى خلق جهنم ،التي خلقها قبل وجود اإلنسان ،وصنع منها أهم مالئكته وهو إبليس الذي من خالله أيضا سيتحدد املحور الذي يصنع مفهوم التمايز ونسبية الخير والشرُ ،ويعطي لإلله صفته املطلقة في الوعي اإلنساني الالحق ،من خالل الدور اإلشكالي الذي سيلعبه إبليس.
وكي نصل إلى الجواب دعونا ندخل إلى تعريف العملية للمعنى الوجودي اإللهي. إن هللا ضمن صورته السرمدية ،هو موجود ومطلق ،وهناك املالئكة التي ّ تسبح بحمده، لكن في هذه الصورة هناك ش يء ناقص ،وهو التمايز .فاملطلق هو مطلق تعبديا وخيرا دون
37
املالئكة ملا سيجري على األرض مستقبال من قتل، وهذه املعرفة تستند بدورها على تجربة سابقة كان املالئكة شاهدين عليها ،وهي أن قبل آدم كان هناك كائنات خلقهم هللا من النار ويسمون (الحن) وهم قوم من الجن، (وهنا تأكيد على وجود جهنم قبل الجن أيضا ألنهم ُ ص ِنعوا من نار) .خلق هللا الحن وأسكنهم األرض ،ويقول املفسرون بحديث عن ابن عباس ،والطبري بسند عن الربيع بن أنس، (أن هللا خلق املالئكة يوم األربعاء ،وخلق الجن يوم الخميس ،وخلق آدم يوم الجمعة، فكفر قوم من الجن ،فكانت املالئكة تهبط إليهم في األرض فتقاتلهم ،فكانت الدماء ،وكان الفساد في األرض).
اآلن نحن أمام ُمعطى عنفي أصيل ومبرر، وهو جهنم ،صورة العنف األول .لكن قبل ّ التبحر في هذه الصورة التي هي هدف هذه الدراسة ،ال ّبد من الوقوف قليال عند أمر واإلشارة إليه ،وهي الحياة قبل آدم. بالطبع ال يوجد دليل واحد في الكتاب والسنة يشير إلى وجود حياة وكائنات قبل آدم على األرض ،لكن بعض املفسرين والصحابة والفقهاء ،أشاروا لوجود تلك الحياة ،وكان دليلهم قول هللا {وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل في األرض خليفة ،قالوا أتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ،قال إني أعلم ما ال تعلمون} البقرة .30استند املفسرون في هذه اآلية على معرفة
إذا اعتبرنا أن ما دعا إليه املفسرون من صحة هذه النظرية ،فهي دليل قطعي على ما سردناه سابقا من مفهوم التمايز والنسبية ،أن في األرض لم يكن هناك معنى لنسبية الخير والشر في الكائن ذاته ،بل كانت صراعا بين السماء (املالئكة األخيار) واألرض (الجن األشرار) ،بمعنى أن املطلق لم يكن لتتحدد نسبيته ،ألن الخير السماوي املطلق ال يوجد
38
لإلنسان ،وعليه يجب أن يكون راديكالي ومتجذر ومتطرف إلى أق ى حد ،لذا كانت جهنم ضرورية كمخيال عنفي ونفس ي مؤثر تماما كما الجنة ،وبرغم ديمقراطية املشروع اإللهي في اختيار اإلنسان ملصيره ،لكننا ال نستطيع أن نفهم نسبية الجنة كمصير إال بوضع جهنم كمصير مقارن ،وبالتالي ضرورة االختيار للخير واملصير اإليجابي هي إجبارية، كي ال يسقط اإلنسان في مشروع جهنم ،من خالل التصوير الذي جاءت به الكتب والرسل. ما جاء من تصورات ّ نصية لجهنم (باعتبار
تنازع عقلي حوله لدى الشر املطلق في األرض، فكان هللا بحاجة لكائن جديد يحتمل جانب التمايز بين (الخير والشر في الذات الواحدة) لتتحدد مفهوميته املطلقة .وإذا اعتبرنا أن النظرية بدعة فقهية ،فما سردناه لن يتعارض مع صحة التحليل الذي قلناه آنفا. لكن في كل هذا ،هناك جانب واضح وجلي، وهو أن جهنم ُو ِجدت قبل كل ش يء. رغم أن جهنم قبل خلقت اإلنسان ،لكنها لم معناها تأخذ الفلسفي العنفي والتدميري إال بعد العصيان األول (ألنها بحاجة إلى وعي نسبي وليس ألنها غير ّ عنفية) ،مع اإلدراك الكلي للجميع بأن هللا أراد ،قبل خلق آدم ،هذه الصيرورة لتحقيق نسبية التمايز (الخير والشر في الذات الواحدة) .لكن هذه الذات الصلصالية النسبية لتدرك املطلق ،يجب عليها إدراك املصير الذي ستختاره الحقا (إما الجنة النورانية وإما جهنم النارية) ،وهنا تكمن املعضلة األساسية في املشروع اإللهي ،فكي ندرك املصير ،يجب أن يكون هذا املصير متفوقا بخياالته على الوعي البشري ،بمعنى يجب أن يكون فوق اإلدراك الطبيعي
أنه ال يمكن إدراكها إال من خالل النصوص)، يحيلنا إلى فهم مشهدية العنف غير الطبيعي الذي أراده هللا ،تكسير ،تمزيق ،تهشيم، سلخ ،ش ي ،حمم ،صديد ،قيح ،الخ .هذا التكوين السابق لإلنسان ووجوده ،ال يمكن أن يكون له سوى معنى وحيد ،وهو انتزاع الوعي الالحق لدى اإلنسان (الذي سيأتي) باتجاه أبدية العنف في املشروع اإللهي بحجة ردعه ،بمعنى تصوير العنف األزلي ،لم يوقف العنف األرض ي ،بل لعب الدور العكس ي، فالعنف األرض ي بدأ يأخذ مشروعيته من صورة العنف األزلي ،إن كان بمستواها التخيلي النفس ي في الدين اإلسالمي ،وإن كان بمستواها السلوكي املمارس في اليهودية واملسيحية.
39
فمن يؤمن أنه ُ صلب وقام ،يفهم العنف كمعنى خالص ي لحقيقة اإلنسان الذي يشعر ّ جسدا ،ومن يؤمن أنه شبه لهم ُورفع ،يفهم العنف كصورة إنقاذية ذاتية للمقدس، فليس املهم إن ُ صلب غيره ،لكن املهم أن املسيح كذات لم ُيصلب ،وهذا ُيحيلنا إلى فهم بنية العنف في كل دين ،لكنه قطعا ال يمكن أن يخرج من دائرة العنف اإللهي ،من خالل أن مشهد صلب املسيح ال تكمن استمراريته للوقت الحاضر فقط من معناه املقدس والن ي ،بل تنبع في الدرجة األولى من املعنى العنفي كصورة خالدة لتفاهة القيمة البشرية أمام مفهوم القوة ،وهي ذات الصورة التي تصورها جهنم ،وهي تفاهة القيمة
وهنا يمكن أن نتوقف عند أهم مشهديات ُ العنف البشري املستقى واملشروع من مشهدية العنف األزلي كجهنم ،باعتبار أن جهنم تتفوق تخيليا على اإلدراك البشري، فيصبح من الطبيعي واملنطقي أن أي صورة عنفية بشرية هي قطعا جزء من الصورة العنفية األزلية في جهنم حتى وإن لم ترد كصورة تعذيبية في النصوص. من أهم مشهديات العنف في التاريخ اإلنساني هو مشهد صلب املسيح في اليهودية .على خالف كل دين وطريقة تفسيره لعملية ُ الصلب ،إن ُ صلب أم ش ّبه لهم ،فنحن أمام حقيقة مثبتة لجسد مصلوب ،وهذه بحد ذاتها تدلل على فهم كل دين ملعنى العنف،
40
بالطبع ال يمكن إحصاء ماليين األفعال العنفية في التاريخ الديني ،لكن ما أوردناه ليس سوى توضيح صورة االقتباس الدنيوي ملعنى العنف األول األزلي ،رغم اعتراض جميع املفسرين واملفكرين الدينين على هذا الطرح، من أن هذه السلوكيات هي أمور فردية وال تمت لحقيقة األديان بصلة ،وهذا الرفض طبيعي ضمن منطق الدفاع ،ألن مجرد االعتراف بجوهريته الدينية هو اعتراف قطعي بأصوليته األزلية الجهنمية. وبالتأكيد املسألة ال تتوقف عند اليهودية واملسيحية ،بل تتعداها بمعناها التخيلي النفس ي لدى اإلسالم لتكون صورة مذهلة وغير قابلة للتصديق ،ومنها ما استقاه املعتضد من مفهوم خروج الروح عند اإلنسان ،فيذكر املسعودي في مروج الذهب ،أن املعتضد كان يقتل بطريقة حفر حفرة ليوضع النصف العلوي فيها ثم ُ يردم التراب فوقه لتسد جميع املنافذ كالفم واألنف واألذان ملنع الروح من الخروج، وإجبارها للخروج من املنفذ الوحيد وهو الدبر .هذه اآللية النفسية التخيلية مستقاة تماما من العنف الجحيمي ،ليس بمعنى املوت فقط ،بل اإلهانة البشرية أمام منطق القوة بأقذر صورة متاحة.
البشرية أمام القوة املطلقة ،هذا التشابه بين ُ الصورة الكبرى واملصغرة يضعنا أمام تفسيرات عقلية للمعنى اإلنساني في العنف األزلي ومحاكمته .ويطبع أيضا معناه البشري بوصمة عار لشكل الدين الذي يفسره املحدثون العقالنيون في تبرئة األديان من سلوكياتها املنحرفة والخاطئة بلحظات تاريخية. وأيضا من أشنع مشاهد العنف التاري ي ،هي محاكم التفتيش اإلسبانية التي صدرت بحق مسلمي األندلس ومالحقتهم ،وإبادة حتى املوريسكين (املسلمين املتنصرين) الحقا .وهذه الصورة إضافة لصور أخرى (كالصلب) تجعلنا نصل لتلك ّ تطرف البديهية أنه كلما وتجذر العنف ،كانت القوة أكبر ،بمعنى كلما ّ العنفية، تحولت إلى مطلق اشتدت النزعة وهذا يتوافق مع استنتاج فكرة جهنم (العنف األزلي). ما فعله مسيحيو إسبانيا باملسلمين ينطبق تماما مع جميع التصويرات العنفية في الجحيم ،من سلخ األحياء وحرقهم وصلبهم والتمثيل بجثثهم.
41
إن ّ تنوع العنف البشري ليس سوى صورة مأخوذة بشكل كلي عن العنف الذي ابتكره هللا قبل إيجاد اإلنسان، وهو بهذا املعنى ليس سوى شكل ممنه في النصوص .إن املشروع اإللهي كي يتحدد كمطلق قام أصال على صورة ّ عنفية وسابقة لإلنسان ،وكل النصوص السماوية ترتبت على هذه الرغبة في تحديد املطلق اإللهي ،املبني على صورة ترهيبية أزلية ،وبالتالي أي نص ديني يستمد حضوره اليومي من صورة الجذر العنفي لألزل وهي جهنم. ومثيولوجي العنف هذا لم يرتبط فقط بالديانات السماوية ،بل أيضا في مشاريع تعدد اآللهة الوثنية والديانات األرضية، وهو ما يوصلنا إلى حقيقة مؤملة ،أن فكرة األلوهة ال يمكن لها أن تقوم سوى على صورة ترهيبية تتجسد نصا .وعليه لم تعد مسألة العنف اليومي ومحاولة تجميل األديان كنصوص ناشئة عن األلوهة هي أزمة فقهية
أو تأويلية فردية لشخصيات ،بل امتدت إلى الجذر األساس ي الذي ناقشناه هنا ،القاعدة السماوية التي فتحت أبواب تمكين الشر البشري.
املراجع -
حقول الدم ،الدين وتاريخ العنف .كارين آرمسترونغ .الشبكة العربية لألبحاث.
-
تاريخ جهنم .جورج بنوا .منشورات عويدات. من تاريخ التعذيب في اإلسالم .هادي العلوي .داراملدى.
-
42
التطرف واإلرهاب اإلسالمي زهرة حممد ال يرى المتطرفون إال ما يريدون من القرآن ويعاني أغلبهم من قلة االطالع والتعمق بأمور الدين وفهمه وفهم المراد منه ،فعلى األرجح هم يرددون بعض األحاديث النبوية واألحاديث القرآنية ،ويجهلون أسباب وأهداف نزول اآلية والمراد منها.
يأخذ التطرف أشكاال كثيرة ويبدأ بفكر متشدد ينتهي بآخر املطاف لنزعة تبغض كل اختالف ،وكل رأي حتى رفض النقاش بأي وجهة نظر تكون ضد ما يراه املتطرف ،وأطلق العلماء قديما كلمة التطرف الديني على القائل املخالف للشرع .فهو فهم النصوص الشرعية فهما بعيدا عن مقصود الشارع وروح اإلسالم وهو االبتعاد عن صلب املعنى والفهم الصحيح واملتطرف في الدين هو املتجاوز حدوده ،واملغال في دينه.
43
التطرف اإلسالمي والذي يطلق عليه البعض مرض العصر الحالي ،حيث بات هاجسا ووسواسا يستحوذ على فكر الجميع وخاصة في املجتمع الغربي والذي يعتبر أن التطرف اإلسالمي يهدده ويهدد وجوده ،وهناك تخوف عاملي من الجماعات اإلرهابية التي باتت شبكة منظمة ولها أتباع في بعض الدول،
عمليات في 2015منها حادثة الهجوم على مقر مجلة شارل إيبدو وقتل عدد من محرري الجريدة والتي كانت تنشر صورا لالستهزاء بالدين اإلسالمي ،وتفجير مسرح في باريس والذي قتل فيه 128شخصا وأصيب 180وهذا حصل ضمن سلسلة هجمات اعتبرت األعنف منذ عام ..2004
ومنذ أحداث الحادي عشر من أيلول في أمريكا الذي كان نقطة لتحول التاريخ والسياسة الغربية في التعاطي مع األحداث و أول عمل تفجيري يثير الرأي الغربي تجاه التطرف وبداية الحرب على اإلرهاب بدأت نظرة العالم بأسره تأخذ منحى سلبيا للمسلمين بشكل عام ،وأخذت الدول بتصعيد جاهزيتها للحيلولة دون وقوع أي عمل متطرف ،و شهدت دول اوروبا عمليات تفجيرية فقد شهدت فرنسا وحدها عدة
وبات الكثيرون يعتقدون في العالم الغربي أن اإلسالم هو دين التطرف وأنه مصدر لإلرهاب وأن اإلسالم واملسلمين هم جماعات تريد قتل كل مختلف ،حتى بات هاجس الخوف من املسلمين مرضا يحيط بأكثرية الشعوب الغربية و تنامت مؤخرا الحركات اليمينية التي تدعو لنبذ املسلمين والتحريض عليهم في معظم دول أوروبا ولعل أكبر مثال على تنامي هذا الظاهرة هو مرشح الرئاس ي األمريكية (دونالد ترامب) والذي جعل حملته هي مروجا
44
املرجعية التي يستقي منها املتطرف كل ما يصبو لتعلمه ،وتأتي الفتاوى التي تبالغ ّ وتحرم ّ وتنفر من كل ش يء حسب ما يريدون و هكذا فإن األمور تجري نحو تطرفا أكثر وتشددا أكثر.
لنبذ املسلمين وتوعدهم في كل أنحاء أمريكا ووصل به األمر أن صرح بأنه يجب طرد كل مسلم حتى لو كان يحمل الجنسية األمريكية، وكل ذلك تولد كنتيجة عكسية ملا يدعيه أو تدعيه بعض الجماعات املتطرفة والتي ال تطبق الدين أبدا ،وال تفقه منه شيئا على األغلب وإن أكثر الجماعات هذه تطبق بعض آيات محفوظة دون فهم أو وعي بحسب املفكرين في الدين اإلسالمي.
وبحسب الباحث واملفكر في علوم القرآن "إبراهيم ّ جمال"" :إن املتطرف يأخذ اآلية دون فهم النزول والسياق فال يقرأ ما قبلها وما بعدها من آيات وال يتفكر فيها ئ ئ وبالغيا، لغويا فيحفظها ويطبقها وينشرها دون فهم" ..ومن أكثر اآليات التي يتم حفظها بشكل أعمى كما ّ الجمال" :هي قوله تعالى يقول الباحث {اقتلوهم حيث ثقفتموهم} وهذه اآلية تعني اقتلوهم حين تجدوهم وهنا يقع الخلط والخطأ فهم يقتطعون نصفا ويجهلون نصفه فمثال ال يجوز أن نقرأ أية {ويل للمصلين} ونصمت بل تجب قراءتها كاملة {ويل للمصلين الذين هم عن صالتهم ساهون} وهنا يتضح لنا فهم اآلية أو ملاذا وجدت ،فالقرآن الكريم ُ ٌّ ا يجوز أن نأخذ ما يعجبنا متكامل ال نص ونهمل تتمة النص وإال فلن نفهم الغاية والرسالة من اآلية" .وضيف الجمال" :وقوله ُ ُ تعالى{ :وأخر ُج ُ وهم ِّمن حيث أخر ُجوكم} ِ يذكرنا بمنطق مشابه في آية أخرى في قوله تعالى{ :و ِإن عاقب ُتم فع ِاق ُبوا ِب ِمث ِل ما ُعو ِقب ُتم ا ّ ئ ُ ُ لصابرين}[ ..النحل: ِب ِه ول ِئن صبرتم لهو خير ِل ِ .]126إذا ال نقتل البريء وال نعتدي على
املتطرفون ال يعرفون الدين اإلسالمي وحيفظون بعض اآليات بشكل أعمى!!
ال يرى املتطرفون إال ما يريدون من القرآن ويعاني أغلبهم من قلة االطالع والتعمق بأمور الدين وفهمه وفهم املراد منهم ،فعلى األر ح هم يرددون بعض األحاديث النبوية واألحاديث القرآنية ويحفظون بعض األمور املنقوصة بشكل كبير ،ويجهلون أسباب وأهداف نزول اآلية واملراد منها ،ويكون عقلهم أشبه بمرآة ال ترى إال رأيهم وتعكس فقط توجهاتهم وانفرادهم باألمر دون غيرهم، وتكفير كل من يخالفهم الرأي والتفسير لدرجة أنهم قد يكفرون شيخا أو عاملا ملجرد أن تفسيره ال يأتي على أهوائهم أو منطقهم بفهم الدين ،ولعل الخطاب الديني املتعنت للكثير من الشيوخ وتكفير معظم الناس هو
45
ّ الجمال أنه "ال املظلوم" ويضيف السيد يمكن للمتطرف أن ُيقنع أحدا من املفكرين بما لديه ألنه ال علم لديه بالبالغة العربية وحيميات علوم الدين" ،ويضيف أيضا " ...من اآليات التي يستدل بها املتطرفون هي آية دعاء نوح على الكافرين {وقال ُن ا وح ئر ِ ّب ال تذر على ض ِمن الك ِاف ِرين د ئياراِ ،إ ئنك ِإن تذر ُهم األر ِ ُ ئ ُّ ئ ُي ِضلوا ِعبادك وال ي ِلدوا ِإال ف ِاجرا كفارا} وفي هذا اآلية يتضح لنا أن نوحا يدعو هللا للخالص من الكافرين ..وهنا نسأل املتطرفين بقولنا من هو الكافر وكيف ئ عرف ُه القر ُآن الكريم؟؟ الكافرون في القرآن هم الظاملون املفسدون القاتلون الذين يقتلون املؤمنين ُويحاربونهم ألنهم مؤمنين ويمنعون الناس من ممارسة ُح ّرياتهم ومعتقداتهم فالكافر ليس فقط من ال يؤمن بوجود خالق بل هو مع عدم إيمانه ال يسمح ألحد أن يمارس حريته
واعتقاده ...فالكافر بالقرآن هو من يهدد أمن ُ تقصد كل الناس ،ويعتدي عليهم فاآليات ُ أناسا رفعوا السالح بوجه من آمن واعتقد باإلسالم دينا واآليات تتحدث عن الكافرين بمكة الذين قتلوا من املسلمين الضعفاء واألبرياء ما قتلوا ،إذا هم ُأ ا ناس في رقابهم دماء ُ وإن ت ِركوا سيقتلون املزيد من األبرياء {ولكم ا ُ صاص حياة يا أولي األلباب} هذا تفسير الق في ِ ِ ُ اآلية التي تفهم من ِقب ِل املتطرفين بشكل خاطئ مختلف ئ كل االختالف ،وهناك أيضا ُّ يستدل بها املتطرفون في سورة الح قوله آية تعالى ُ { :أذن ل ئلذين ُيقات ُلون بأ ئن ُهم ُظل ُموا ۚ وإنئ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ئ َّللا عل ٰى نص ِر ِهم لق ِد اير} وهنا يلعب املتطرفون لعبتهم الجاهلة على معنى اآلية ُوي ِهم ُلون اآلية التي ت ِليها ُّ وتدل على املعنى بشكل ُ ّ املفسد والظالم والذي قتال حقيقي وهو ِ مارس القتل ّ الضعفاء من الناس قال بحق ِ ِ
46
ُ ئ تعالى في اآلية التي بعدها {ال ِذين أخ ِر ُجوا ِمن ديارهم بغير ح ّق إ ئال أن ي ُق ُولوا رُّبنا ئ ُ َّللا ۗ ولوال ِ ِِ ِ ِ ِ ئ ُ ئ ّ ئ ُ ُ َّللا الناس بعضهم ِببعض له ِدمت دفع ِ صوام ُع وبي اع وصلو ا ات ومس ِاج ُد ُيذك ُر ِفيها ِ ِ نص ُر ُه ۗ إنئ نصر ئن ئ ُ َّللا من ي ُ اس ُم ئَّللا كثيرا ۗ ولي ُ ِ ِ ِ ئ ا َّللا لق ِو ٌّي ع ِزيز} إذا هنالك ظلم وقع عليهم لذلك أذن ُ هللا ُلهم الدفاع ومقاومة الظلم ِ ُ والظاملين وهذا القتال يباح لكل من يعتدى عليه وهذا موجود في كل الشرائع عبر كل العصور وفي الدول املتحضرة التي توجب التأهب والدفاع عن نفسها في الحروب.
اإلصرار على القتال .وأشار التقرير أن الدراسة كشفت ّأن %61من املتطوعين هم من غير املتزوجين ،و %9امتنعوا عن شرح حالتهم االجتماعية. ربما من أهم األسباب والتي ساهمت في تطرف الشباب هي األزمات السياسية األخيرة في البلدان العربية ،والكثير من الظلم الذي حاق بهم كفئة كبرى باالنخراط في هذا االتجاه ،فالبطالة والتهميش ،والتربية الشديدة أحيانا قد تدفع بالشاب للدفاع عن فكر وتبني قضية تخصه وتمنحه بعض من نشوة االنتصار الذي يعطيه بعدا مختلفا عمن حوله ،أيضا فهم الدين اإلسالمي بشكل مغاير عن الواقع تماما ،وتسميم األفكار التي تعطى للناش ئ والطالب ،و لألسف فامللقن واملعلم في غالبية األحيان ال يفقه من الدين إال إنكار وتكفير الطرف اآلخر والدين املختلف.
من األكثر اخنراطا يف اجلماعات املتطرفة وملاذا يتجه بعض الشباب املسلم حنو التطرف أو اإلرهاب الديين؟
رغم أن املتطرف ليس له بيئة معينة أو عمرا محدد ،إال أن غالبية املنخرطين في هذه اآلفة الفكرية إن صح التعبير ،هم الشباب الذين يكونون في غمرة الغضب من كل ما حولهم من ظروف تأتي ضدهم ،أسباب تتراكم لتصنع وحشا قد يكون في منزل كل عائلة مسلمة، وقد ذكرت دراسة أعدها مركز أبحاث تابع لألكاديمية العسكرية األميركية في نيويورك أهم صفات الشباب املنضمين إلى تنظيم داعش ،بأن أعمارهم ال تتعدى الـ 26عاما، ويفضل أن يكون أعزبا ولديه الرغبة في
ويقول املفكر و الباحث اإلسالمي موفق زريق متحدثا عن أهم األسباب "إن أسباب التطرف معقدة ومتراكمة ومتشابكة ،ولعل أهم األسباب ،هي انسداد أفق املستقبل في اآلونة األخيرة على وجه الخصوص ،والحنين الردة إلى املاض ي ،وعنف السلطة الحاكمة في املجتمعات الشرقية ،والجهل الشديد بأصول الدين وحقيقته ،أيضا املوروث الديني
47
الخالفة» ،أن حوالي 16في املائة من مغاربة «داعش» عمليات نفذوا انتحارية. وعال خبراء املركز استمارات 4173 مقاتال أجنبيا في «الدولة صفوف اإلسالمية» ،ومن بين 260مغربيا ،كان هنالك 41انتحاريا أو من يستعدون لتنفيذ عمليات انتحارية ،أي ما نسبته 15.8في املائة .وحل االنتحاريون املغاربة في الرتبة الثالثة بعد السعوديين والتونسيين ،ويليهم في املرتبة الرابعة الليبيون .وكتب 240مغربيا في استمارة الولوج إلى منطقة نفوذ تنظيم «داعش» أنهم مغاربة بالجنسية .ورغم أن الدين هو الذريعة التي يعلق عليها املتطرف ّردات فعله العنيفة ،إال أن الكثير من األمور يراها املفكرون تلعب دورا في تغيير النه والفكر لديهم ،ويرى املفكرون أيضا أن التطرف ليس إسالميا بحتا فهناك الكثير من التراكمات عبر أالف السنين أدت للعنف بكل األشكال وحسب سياسات القوي الذي يحكم ويتبعه من ورائه إتباعا أعمى.
التكفيري الذي ينشأ عليه البعض ،وألن الدكتاتوريات الحاكمة في سوريا وليبيا واليمن ساعدت في انتعاش التطرف فلكل تطرف هناك تطرف يعاكسه فضال عن أن ضعف السلطة في الصراع الراهن يشكل فرصة للقوى املتشددة دينيا مللء الفراغ". اتجه الشباب العربي املسلم نحو الجماعات املتطرفة نظرا ملا يحيط بهم من ظروف جعلتهم في موقف الهجوم الشرس ،من املمكن أن تكون برأيهم هي وجهة نظر لفرض كل ما يرونه وذلك ألن دولهم لم تعكس ولم تمنحهم الفرص بشكل إيجابي ،وبحسب تقارير فإن الشباب العربي يعيش في محيط مفصول عنه ،ورؤى ال تعكس توجهاته وأحالمه وطموحاته وأشارت الدراسة التي قام بها مركز مكافحة اإلرهاب ،التابع لألكاديمية العسكرية للواليات املتحدة األمريكية ،والذي يحمل عنوان« :القوة العاملة لدولة
48
ويرى األستاذ محمد بوفراحي باحث وأستاذ جامعي مغربي أن "التطرف ظاهرة طبيعية وأزلية وجدت مع اإلنسان ،ويؤكد أن هذه الظاهرة ليست حصرا على املجتمع اإلسالمي، كما يجب التأكيد على أنها تهم بعض األشخاص ،هي فقط أقلية التي تجنح الي التطرف الدموي ،وهي نتيجة التعصب ألفكار أو اعتقاد ديني أو إيديولوجي يظهر في رفض أفكار اآلخرين والتغيرات السياسية بالتأكيد ليست سببا مباشرا في توجه الشباب للتطرف فال ش يء تغير بشكل جذري في العالم العربي، االستبداد قائم و خطب املساجد لم تغير خطابها الذي يمجد الحاكم و يهلل للكراهية وأن من أهم ما يدفع للتطرف هو النشأة و الفقر الذي يؤدي إلى الجهل و اإلنسان الفقير الجاهل يجنح بسهولة إلى الجريمة بشكل عام".
وعادي إلى شخص متطرف بحسب الضغوط وممارسة العنف من حولهم ،ويرى الدكتور النفس ي محمد دندل "أن اإلحباط واضطرابات القلق وتعرض الشخص لالعتقال مثال أو عنف يمارس عليه أو على املحيطين حوله من أهله قد تدفعه رغبة انتقامية أو ثأرية لهذا السلوك فيما بعد، ولكن ليس كل مرض نفس ي يؤدي للتطرف، أما بالنسبة لبعض األشخاص املضطربين أو ما يسمى بالشخصية (الزورانية) وهؤالء لديهم نزعة لالنخراط بكل التنظيمات اإلجرامية و للعنف وحتى االنخراط في منظمات كاملافيا مثال ،ولديهم عداء للسلطة والحكم ،وتكون حالته شكاكة حقودة وال تثق باآلخرين ووجوده ضمن هذه التنظيمات املتطرفة تعطيه فرصة للتحكم بدل أن يكون هو من يتحكم به فيكون هو السلطة ويتاح له التعبير عن رأيه املنحرف".
تراكمات نفسية أيضا ودور األهل هو األهم!!
ويضيف الدكتور محمد دندل أن "لألهل الدور األكبر في تنامي التطرف أو الشعور املتطرف لدى أبنائهم ،فالتربية هي البذرة األولى والتي تكبر مع الطفل حتى يصبح له شخصية مستقلة" ،ويضيف أن "أفكار أألهل دائما ما تنتقل إلى االبن بشكل كبير ويجب توخي الحذر عند ظهور أي انطباع شاذ يأخذه االبن للعداء تجاه املحيط واآلخرين" ،ويشير أن "األسرة واملدرسة والبيئة التي ينشأ بها
صراعات كثيرة يمر بها الشباب املسلم ويعاني من انكسارات كبيرة نفسية وخاصة في مرحلة املراهقة أو بعدها بقليل ويشهد هذا العمر تحوالت جسدية ونفسية وعقلية كبيرة وبدورها تجعله ما هو عليه بعد ذلك وفي مراحل عمرية أخرى وتنحت شكل شخصيته، ومن املمكن جدا أن يتحول من شخص هاد
49
مجريات األحداث رغم أن رسالة اإلعالم هي الوقوف على الحياد والتحليل والتعمق وإيجاد وسيلة ناجعة للتوعية.
الطفل واملراهق هي مؤثر رئيس ي في انطباعاته وتكوين فكره تجاه اآلخرين وخاصة املختلفين عنه".
لقد ساعد اإلعالم بتطوير وتحفيز الرؤية املتطرفة للمجتمعات ،وابتداء من الصحافة املكتوبة ،وليس انتهاء بالتلفزيون ،ووصوال لوسائل التواصل االجتماعي ،في صفحات الفيس بوك ومقاطع الفيديو نرى التحريض الواضح على القتل برسائل واضحة تماما عبر اإلعالم ،فتظهر مقاطع قطع األعناق، والتقطيع والسلخ ،وتبرز املشكلة في تنامي هذه الصورة وكثرة املتابعين لها والتأييد األعمى أحيانا للقاتل باعتباره الحاكم بأمر الدين واملتصرف ضد الظلم بما براه مناسبا.
دور اإلعالم وهل له يد يف التضخيم والرتويج للتطرف واإلرهاب؟؟
إن من أبرز الالعبين على الخط الساخن للتطرف هو اإلعالم ،فلإلعالم أكبر سلطة محركة في عصرنا الحالي بل وأحيانا قد تدخل في صناعة القرار بشكل كبير ،ورغم أنه يجب على اإلعالم املساعدة على التثقيف ،فقد يحدث العكس أحيانا في وسائل اإلعالم الغربية والعربية بشكل أكبر ،فقد نشهد دعوة للعنف بشكل علني وسافر وتدخال في
50
اإلسالم بريء من هؤالء ،ويكون ذلك باستضافة رجال دين يتحدثون عن سماحة اإلسالم وأن ما فعله التنظيم املتطرف جريمة بكل معنى الكلمة".. .
ويرى الصحفي السوري أسامة سعد الدين مدير جريدة العرب وصحفي في جريدة تشرين السورية سابقا أن "اإلعالم بات يهتم بالسبق الصحفي والضربة اإلعالمية القوية والتي تشد املشاهد بعيدا عن التحليل والتعمق والذي هو دورها األول كوسيلة إعالم للناس" مضيفا "لقد أصبح هدفا تعتبره هذه الفضائية وتلك الوسيلة اإلعالمية انفرادا يحقق لها الشهرة املأمولة ،متناسين دور اإلعالم في نقل الخبر واملعلومة بموضوعية أقرب إلى الحياد ،فعندما يظهر قائد تنظيم محسوب على القاعدة ،ويبث فكره وعقيدته وتطرفه عبر شاشة فضائية ما ،نراها تعيد الحديث لغير مره ألم تكن هذه الفضائية تساهم في نشر ظاهرة “التطرف ” الديني؟ إن الخطأ الذي وقعت به وسائل اإلعالم ،ليس في استضافة أصحاب الفكر املتطرف ،ولكن بعدم إشباع هذا الفكر للدراسة والبحث والتقويم من قبل أصحاب االختصاص، وحتى في تناول األخبار أو األحداث ،سيما ما يتعلق بالتنظيمات “اإلرهابية” كتنظيم الدولة أو ما يعرف بـ”داعش” فعندما تقوم هذه الفضائية أو تلك ببث خبر قيام التنظيم بإعدام صحفي أجنبي ،وقطع رأسه أو نحره أمام الكاميرات ،وذكر بيان التنظيم حول الحادثة والتي تمت باسم “اإلسالم” او على أيد ”إسالميين” يفترض بالفضائية أن تبين لنا أن
وهكذا؟ باختصار يجب أال يقتصر على دور وسائل اإلعالم في نقل أخبار التطرف واإلرهاب فقط بل يجب أن تتعداه إلى توعية الناس بمخاطر الفكر املتطرف الذي يسهم في هدم املجتمعات وتدمير العقول واألفكار االيجابية. في الواقع لم تقف بعض وسائل األعالم على تهميش دورها أو االكتفاء بنقل الخبر دون تحليل ،ولكن بعض وسائل اإلعالم ترى بهذا الطرح املتطرف بيئة مناسبة لتضخيم التطرف واتهام الدين اإلسالمي باإلرهاب وذلك لخدمة مصالح سياسية كبرى تستخدم هذا الخط لتوجيه الرأي العاملي ضد املسلمين والدين اإلسالمي ،واللعب في الصيد باملاء العكر كي تخدم أجندات كبيرة وقوى متحكمة بالخطاب اإلعالمي القوي يؤثر بشكل كبير في تسيير األمور لصالحه. الصحفي السوري ومعلق البرامج في قناة الجزيرة فاروق القاسم يرى أن "هناك مؤامرة سياسية موجهة ومنظمة ،وهدفها تشويه الدين اإلسالمي" ،وبحسب رأيه أن هذا مخطط كبير جدا حيث يقول "يمكن أن يكون
51
اإلعالم قد ساهم في نشر اإلرهاب أحيانا وفي بعض وسائل اإلعالم ،إال أنه بشكل عام ليس عمدا أو لربما غباء في بعض األحيان ،أو ربما أن اإلرهابيين استغلوا اإلعالم ،يجب أن نعلم أن مهمة اإلعالم هي نشر الحقيقة والواقع وأن نعلم أن الغرب املتمثل بأمريكا وأوروبا، هو الذي دعم اإلرهاب في وذلك بالدنا، على لالنقضاض العظيم ديننا وتشويه معتقدنا، ولجعلنا حقل تجارب لسالحه وسوقا لتصريفه من دمائنا ،وأحب أن أضيف أن اإلرهاب ،ما هو إال نتيجة طبيعية ملا خلفته أنظمة االستبداد املدعومة غربيا منذ نهاية االستعمار القديم".
املسلم يف مناطق النزاع بني فكي كماشة لنظرة الغرب وهل له دور يف التوضيح ونبذ التطرف
قد يكون الوضع املسيطر لدى غالبية الشعوب العربية في مناطق النزاع ،وفي الظروف الراهنة هي حالة القلق وعدم املوازنة للمعادلة الصعبة واملسيطرة عليهم بشكل عام ،من أمرين األولى أن يتهموا بالتكفير من املنظمات التي تسعى للتمدد والسيطرة بأسلوب القتل والتدمير أينما حلوا سيما في الدول التي يسود فيها النزاع كسوريا وليبيا واليمن، والثانية أن يتهم املسلمين منهم باإلرهاب من قبل املجتمعات الغربية ،وقد حصل ذلك كثيرا في اآلونة األخيرة ،ويمكن للكثير أن يتهموا بهذه التهمة ملجرد أنهم مسلمون!
ويضيف املفكر موفق زريق موضحا كيف تساعد على ذلك قائال" :اإلعالم هو األخطر طبعا الذي يتضافر مع جهل ديني وسياس ي مدقع وخصوصا القنوات الدينية املتطرفة، هناك فعال تطرف في العالم اإلسالمي لكن هناك تضخيم إعالمي متعمد ألسباب سياسية ومصالح كبرى فضال عن العداء التاري ي بين الغرب املسيحي والعالم اإلسالمي".
خاصة من الهاربين من الحروب وبشكل خاص الالجئين السوريين ،واللذين كانوا في حالة اتهام دائم وردة فعل دفاعية مسبقة، كي يستطيعوا الخالص من لعنة تطاردهم. وقد واجه الكثير من املسلمين مؤخرا تهما لكونهم متواجدين في أوروبا وقد أتوا أو لجأوا من بالد تعاني من تواجد حركات إرهابية متطرفة ،كاتهامهم بأحداث اعتداءات
52
والظروف الراهنة تضع املسلم في مواجهة دائمة وفي موقف مدافع ،يجعله مسؤوال عن كل تصرف أو كلمة يلقيها ،ويمكن أن يعكس كل فرد منا في املجتمعات املسلمة ،وجهة نظر مخالفة للنظرة السائدة ،واالندماج في املجتمعات األخرى ،بشكل إيجابي يوصل رسالة سلسة غايتها القول أن الدين اإلسالمي دين مسامحة ومحبة، وأن التطرف هو حالة ينبذها املسلم قبل كل احد آخر ،في العالم ،ويمكن أن نقول انه ومن أهم األسس التي تجعل األجيال املقبلة تنبذ التطرف في كل ما يشهده العالم العربي من تحوالت ،هو التوليفة السحرية هي في أسلوب التربية والتعليم في طرح أسلوب مغاير للنمطية السائدة في شروحات الدين ،واالنفتاح بشكل أكثر على العالم ،ألخذ اإليجابي والتعلم منه، وعدم الذوبان في السلبي ،وإعطاء االبن أو االبنة أسس في التعامل الديني القويم مع األديان األخرى ،وفي النهاية ديننا اسمه اإلسالم ،ومعناه السالم..
كولونيا في أملانيا في مطلع العام الحالي بشكل متسرع قبل أي تبين للتحقيقات بعالقتهم باألمر ،أيضا أحداث باريس واتهام بعض الالجئين السوريين أيضا قبل أن يتم نفي أي من االفتراضات وتحليلها بشكل حقيقي وشامل ،وقد تعرضت فرنسا النتقاد شديد واتهمت حينها بالتحريف!! في الحقيقة هناك رسالة إسالمية يتوجب على املسلم تبينها وهو أن الدين اإلسالمي جاء برسالة سالم للعالم أجمع وتحريم وتجريم القتل لكل الناس. ويوضح الباحث إبراهيم ّ جمال هذه الغاية في اآلية القرآنية وأنها تعكس نه حرما نية القتل ألي نفس دون ذكر ما هي هل كان مسلمة أو غير مسلمة وقدسية الروح للدين اإلسالمي والذي بعث لنشر املحبة وإعالء الشأن اإلنساني {ومن قتل نفسا ِبغي ِر نفس أو فساد في األرض فكأ ئنما قتل ئ الناس ج ِميعا ومن ِ ِ ئ ئ أحياها فكأنما أحيا الناس ج ِميعا}
زهرة حممد صحافية سوريةـ حتضر للماجستري يف اإلعالم ،تقيم يف اململكة املغربية.
53
54
العنف يف التفكري العربي اإلسالمي عبدو نيب قامت الثقافة التي أنجبت التطرف السلفي ،بعملية بحث في كل التاريخ اإلسالمي سعياً وراء فكر يتالءم وتوجهاتها ،وهكذا إلى أن وجدت ابن تيمية ،وفتاويه ،أي أنها نجحت بالتالي من إيجاد ثوب إسالمي يناسب مقاسات واقعها (القبائلي /الصحراوي).
مقاربة يف نشأة املفهوم
قراءة بسيطة ملا تشهده منطقتنا من الصعود القوي والسريع للتيارات السلفية الجهادية التكفيرية اإلسالمية كالقاعدة والدولة اإلسالمية في العراق والشام املعروفة اختصارا بداعش ،تدفع إلى البحث والتساؤل عن البنية العميقة التي ترتكز عليها منطلقات هذه الجماعات وعقيدتها وإيديولوجيتها العامة التي تنطلق منها.
55
واإلسالمية والتي ساهمت في خلق الشخصية الحالية.
ال يخفى على أي قار أن الثقافة الشمولية التي تطبع املجتمعات اإلسالمية عامة والعربية خاصة ،تقوم على العنف وإلغاء اآلخر ،وبذلك ال تدع وجودا لآلخر للتحاور معه ،هذه الثقافة املختلفة هي نتاج ّ ترسبات تاريخية تراكمت في عقل اإلنسان العربي واملسلم خالل حقبة طويلة من الزمن ،والتي أنتجت ذاك النمط من الثقافة العربية املتزمتة والشخصية العدوانية التي نراها اليوم ،واملبنية على الكراهية والعنف واإلرهاب وروح الثأر واالنتقام واإلقصاء واإللغاء ،لذلك عند الحديث عن موضوع الثقافة العربية هذه ،يجب البحث عن العوامل التي أوجدت تلك الثقافة ،والبيئة التي ترعرعت فيها املجتمعات العربية
بعد ظهور الدعوة اإلسالمية في شبه الجزيرة العربية بين مجموعة من القبائل العربية البدوية ،قام هؤالء العرب البدو بنشر الدين اإلسالمي ،بإشهار سيوفهم بوجوه الشعوب األخرى وغزو بلدانها ونهبها وفرض الدين الجديد على شعوب تلك الدول أو فرض الجزية عليها وسبي نسائها ملن يرفض الدخول في الدين الجديد. إذن ،العامل الرئيس واألساس لفقدان لغة الحوار واملناقشة في املجتمعات العربية واإلسالمية وطغيان روح اإلرهاب والعنف والقتل والكراهية واإلقصاء واإللغاء في هذه املجتمعات ،هو سيادة الثقافة البدوية على
56
التعسف ،الذي تمليه الثقافة وربما البيئة أو الظرف السياس ي أو االقتصادي.
هذه املجتمعات التي اكتسبت هذه الثقافة نتيجة استمرار وقوعها تحت هيمنتها لفترة تمتد أكثر من أربعة عشر قرنا.
لقد قامت الثقافة التي أنجبت التطرف السلفي ،بعملية بحث في كل التاريخ اإلسالمي سعيا وراء فكر يتالءم وتوجهاتها، وهكذا إلى أن وجدت ابن تيمية ،وفتاويه ،أي أنها نجحت بالتالي من إيجاد ثوب إسالمي يناسب مقاسات واقعها (القبائلي الصحراوي).
البيئة كذلك (االجتماعية والطبيعية) أيضا بكل مؤثراتها ،ابتداء بجفاف الصحراء وما تنتجه من جفاف في األرواح وانتهاء بكل مظاهر التخلف والجهل الذي تسبح به ّ فعاليات التعليم أو التنشئة االجتماعية أو ما إلى ذلك ،كلها عوامل ساهمت ببقاء ذاك الجانب العنيف وطغيانه على بقية املظاهر التي رافقت عملية احتكاك هؤالء الغزاة والفاتحين بغيرهم من الشعوب والحضارات.
وقد أشار وائل حالق الباحث الكندي (من أصل فلسطيني) في دراسة مهمة حول جذور العنف الديني في اإلسالم إلى أن أحد األسباب الرئيسية لإلرهاب اإلسالمي »هو انحسار دور الفقيه التقليدي واملنظومة الفقهية الكالسيكية التي كانت توفر العدة التأويلية للجماعة املسلمة ،مما ولد حالة اغتراب حادة عمقتها املحاوالت التجديدية املؤدلجة العقيمة والضعيفة علميا ،بهذا املعنى تكون التجديدية املذكورة من الشرايين املغذية للتطرف الديني بدال من أن تكون من وسائل محاربته.
باملقابل الدين اإلسالمي فاعل مهم ،بكل ّ التطرف ويستدعى تراثه الذي يملي الفردانية ويسبغ بالتالي القدسية ،على كل األفعال التي من نشأنها نشر هذا الدين، والتاريخ اإلسالمي بغزواته وفتوحاته فيه من القصص التي توضح آلية التبرير لذاك النمط من التفكير العنيف في عملية الغزو للشعوب األخرى.
فأصبح الفرد يعيش متناقضات القيم التي تربيها شريعته ومنجزات الحداثة املادية وما تتيحه لهّ .إن هذا املزيج من الحداثة والقيم ّ يشوش على الفرد واملجتمع بشكل عام لدرجة تغيب فيها القدرة على التحليل
ففي الدين مجموعتان من النصوص املتعارضة ،نصوص تدعوا للغلظة والخشونة ،وأخرى تدعوا للرأفة واإلحسان، واملجتمع وهو يختار ،يمارس نوع من أنواع
57
واالستيعاب من أجل االختيار، اختيار سلطة اإلله وقيم الشريعة، أو اختيار سلطة الدولة الحديثة ومنجزاتها التي ّ تسر الناظرينّ .إن قرنان من الزمن أنتجا فردا يمكن أن نسميه شبه مسلم ،ألنه لم ّ يحدد بعد املسار الذي يريده .وما التطرف اإلسالمي وفشل اإلسالم ّ يسمى السياس ي قبل وخالل ما ّ بالربيع العربي إلى ّ حد اآلن إال ّ والتردد نموذج لهذا االضطراب الداخلي بين عاملين وبين سلطتين؛ سلطة اإلله ،وسلطة الدولة. العنف ظاهرة عاملية عرفتها املجتمعات البشرية منذ فجر التأريخ ،لكنه ظل منطقا مستحكما داخل املجتمعات غير املتحضرة أي املجتمعات التي ترفض االحتكام إلى القانون ومنطق العقل ،وترتكز على القوة في تحقيق أهدافها وأغراضها املشبوهة ،وانتزاع حقوقها وتسوية خالفاتها القائمة ،واستمر العنف دهورا ِطوال ،حتى أصبح صفة مالزمة لكثير من الشعوب رغم اختالف الظروف وتطور الحضارات ،وتوغل مفهوم العنف داخل العمق الجغرافي ألغلب بلدان العالم املعاصر.
منابع وأسباب العنف وقد تعددت منابع وأسباب العنف تبعا لطبيعة املجتمع دينيا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا ..ولكن ثمة منابع تعد األهم واملؤثر الرئيس ي في بلورة التعصب الديني أو القومي أو السياس ي ،..أعطت الضوء األخضر لبعض الحركات اإلسالمية املعاصرة من انتهاج العنف واإلرهاب بحجة ُ الحسبة ،أو اإلصالح والتغيير) (الجهاد ،أو وجعلته شعارا براقا ملسيرتها السياسية
58
ومنهم من ذهب إلى أن األصل في القرآن الكريم هو مبدأ الحرب والقتال ،والسلم حالة استمناء ال غير! وهذا ما قرره زعيم تنظيم الجهاد اإلسالمي في مصر الشيخ محمد عبد السالم فرج في كتابه التكفيري (الجهاد .الفريضة الغائبة في زمن الردة) إذ يقول صراحة "والذي الشك فيه أن القرآن الكريم دعانا إلى إزالة طواغيت األرض ،ولن تزول إال بقوة السيف قال تعالى{ :وقاتلوا أئمة الكفر} التوبة /اآلية . 9ويجدر بنا في هذا الصدد الرد على من قال إن الجهاد في اإلسالم للدفاع فحسب ،وإن اإلسالم لم ينتشر بالسيف (وهذا قول باطل) ُ رده عدد كبير من رجال الدعوة اإلسالمية{ .قاتلوا الذين ال يؤمنون باهلل واليوم اآلخر وال يحرمون ما حرم هللا ورسوله وال يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} التوبة /اآلية .29
والفكرية ،وظهر واضحا في خطاباتها التي اتسمت بالعنف واللجوء إلى القوة ،نتيجة الرتكازها على القراءات األحادية واملجتزئة للنصوص القرآنية واألحاديث النبوية ،والتي أفضت إلى تصورات ظالمية وال إنسانية ّ شكلت خطرا كبيرا على مستقبل الرسالة املحمدية ،وال بد من التنويه إلى أن التركيز على نقطة محددة في هذا البحث ال يعني إطالق أحكام عامة أبدا على املنظومة الدينية اإلسالمية أو غيرها ،بل هو مجرد إشارة للجانب املسكوت عنه تاريخيا ،والذي تظهر أثاره في الواقع الراهن بأبهى تجلياته، ولتوضيح هذه املسألة الخطيرة بمثل حي واقعي لهذه التنظيمات املتطرفة ،جاء في مجلة صوت الجهاد في إحدى افتتاحياتها، وهي ناطقة باسم تنظيم طالئع القتال في سوريا " ئإن ِمن ِنع ِم هللا على أهل هذا البلد أن أكرم ُ أهله بالجهاد املبارك الذي ئ قل ما يكرم به الناس ....وهلل الحمد على هذه النعمة التي شاء هللا أن يحييها في أرض األمة اإلسالمية ليجدد لها دينها الذي ارتضاه، ومن سنن هللا تعالى في الجهاد أن جعل من سياسته القتل فقال تعالى {وقاتلوا في سبيل هللا الذين يقاتلونكم} البقرة /اآلية . 190وهو إلى يوم الدين ماض ،ونحن إذ نهجنا نه القرآن فال يسعنا إال أن ننتظر إحدى ُ الحسنيين، الشهادة أو النصر ".
تعتبر الحركات اإلسالمية األصولية أن الجهاد هو الغاية من الوجود ،وأنه سنة ئ ربانية ال تكتمل الحياة إال ِب ِه وهو ممارسة وتطبيق في سبيل هللا ملن عاند وأبى قبول دعوة اإلسالم ،قال تعالى {فاقتلوا املشركين حيث وجدتموهم} التوبة /اآلية .5 وقال بهذا الرأي الشيخ األلباني السلفي وغيره ،ومنهم من يرى الجهاد في اإلسالم
59
اآلن قول أسامة بن الدن ،إن الجهاد في اإلسالم ليس ّ لرد العدوان بل هو جهاد هجومي مباح يسمونه (جهاد الطلب) واستدل القرآنية باآليات واألحاديث النبوية على رأيه ،إذ يقول "إن من أنكر جهاد الطلب ،كالذين يقولون إن اإلسالم ال يقاتل إال للدفاع وصد العدوان ،فهو مكذب باآليات واألحاديث ،ومن تعسف في تأويل ما وقع لسلفنا الصالح من جهاد الطلب ،وقال إنه ّ لرد العدوان فقد ضل ضالال بعيدا...، وجهاد الطلب :هو أن تطلب العدو وتغزوه في عقر داره ،ودليله قول هللا تعالى {فاقتلوا املشركين حيث وجدتموهم وخذوهم وٱحصروهم وٱقعدوا لهم ُك ئل مرصد} التوبة/ اآلية . 5وقال تعالى {قاتلوا الذين ال يؤمنون باهلل واليوم اآلخر وال يحرمون ما حرم هللا ورسوله وال يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب} التوبة /اآلية . 29فأمر الحق ّ جل وعال بالخروج لقتالهم أينما كانوا وترصدهم ومحاصرتهم ،وهذه اآليات محكمات من أواخر ما نزل من القرآن ،وال ناسخ لها، وعليها سار النبي (ص) والصحابة معه ،ومن بعدهم حتى فتح هللا تعالى عليهم مشارق
هجومي ودفاعي معا يقول أبو املودودي األعلى ُ الباكستاني رأيه في الجهاد " ّ فإن الجهاد اإلسالمي ،إذا أردت الحقيقة ،هجومي دفاعي معا ،هجومي؛ أل ئن االتجاه اإلسالمي ُيضاد ويحارب ويعارض املمالك القائمة على املباد املناقضة للقرآن والسنة ،ويريد قطع دابرها ،وال يتحرج في استخدام القوة ّ والعنف في إدارة الحرب؛ أل ئن ُه جهاد مشروع. ُ فألنه ُمضطر إلى تشييد وأما كونه دفاعيا بنيان دولة إسالمية ،كاملة البنيان ،حتى يتسنى له العمل وفق برنامجه وخطته املرسومة ،فليس هناك جهاد هجومي وآخر دفاعي وإنما هو جهاد طلب ودفع" .وهو نفس ما ُ قرره سيد قطب ،إذ يقول بهذا الصدد "واملهزومون روحيا وعقليا ممن يكتبون عن الجهاد في اإلسالم ليدفعوا عنه هذا االتهام، بأنه ليس هجومي ،فإنهم يخلطون بين منه هذا الدين في النص على استنكار اإلكراه على العقيدة ،وبين منهجه في تحطيم القوى السياسية". وهناك رأي ثالث تزعمه ُمنظر السلفية الجهادية وكل الحركات السلفية القتالية
60
االخر وال يحرمون ما حرم هللا ورسوله وال يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزيه عن يد وهم صاغرون} التوبه 29
األرض ومغاربها ...وهذه نصوص واضحة صريحة في وجوب الخروج لقتال العدو وقصده في داره ،وهذا هو جهاد الطلب". وكذلك أقوال ابن كثير الدمشقي ،إذ يقول بجواز الهجوم على الكفار وإن كانوا آمنين" :فإن بعض حروب الرسول (ص) تلبية كانت للقيام بفريضة الجهاد من اجل نشر اإلسالم بغض النظر عن وجود اعتداء من الكفار أم ال ،بل غزاهم في عقر ديارهم".
{وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب تقتلون فريقا وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم} (سورة األحزاب )36:37
وبعد كل هذا التشدد في الدين لدى تلك الحركات املتطرفة أخذ مفهوم الجهاد عندهم يسري على الكل ،بل أخذ بهم الغلو إلى وجوب محاربة املسلمين املرتدين وتقديم قتالهم على الكفار األصليين.
ومن هنا ليس غريبا أن نجد هذه الحالة العنفية املتشظية عند جماعات القاعدة والسلفية التكفيرية ،بحيث أنها تأكل األخضر واليابس في سبيل ممارسة قناعتها وفرض إيديولوجيتها القمعية اإلرهابية على كل من يخالفها.
أما اآلية الثانية التي هي من أقوى ما استدلت به الحركات اإلسالمية املتطرفة في تبرير العنف واإلرهاب مع القريب والبعيد ،وهي {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو هللا وعدوكم وآخرين من دونهم ال تعلمونهم هللا يعلمهم} األنفال60 /
حيث لم يقتصر القرآن على التحريض على قتل الكافرين فقط بل تعداه التحريض على قتال أهل الكتاب من اليهود والنصارى، {قاتلوا الذين ال يؤمنون باهلل وال باليوم
61
الجهاد؛ ألنه ع ئد الجهاد فقط بالنوع القتالي والهجومي ،وهذا ما ُ أكده رسول هللا بزعمه!
جذور العنف يف بنية النص الديين اإلسالمي
انطلقت الجماعات اإلسالمية األصولية إلى كتب الحديث النبوي الشريف كي تستدل على أعمالها القتالية من السنة النبوية دون النظر إلى صحة الحديث من عدمه ،أو تفسير الحديث تفسيرا خاطئا معوجا يناسب أفكارها ،ويعضد أفعالها ،وبالذات التركيز على أحاديث الغزوات النبوية دون غيرها ،وجعلها شعارا براقا في مقاتلة الحكام املسلمين والفتك بحياة املؤمنين ،واالعتداء على الناس اآلمنين ،بحجة الجهاد وإقامة شعار اإلسالم ،أو األمر باملعروف والنهي عن املنكر ورفع راية القرآن!
أما أقوى األدلة التي استندت عليها تلك الحركات في تبرير الهجوم والعدوان من السنة النبوية املطهرة هو ما ورد في األحاديث النبوية املبينة كاآلتي: قال رسول هللا (ص)( :لوال أن اشق على أمتي ما قعدت خلف سرية ،ولوددت أن أقتل في سبيل هللا ثم أحيا ،ثم أقتل ثم أحيا ،ثم أقتل) رواه البخاري ومسلم. وقد روى اإلمام جعفر الصادق أن رسول هللا قال( :الخير ُ كله في السيف ،وتحت ظل ّ السيف ،وال يقيم الناس إال السيف، والسيوف مقاليد الجنة والنار) رواه العاملي في وسائل الشيعة.
فنجد كتاب (العمدة في إعداد العدة) للشيخ عبد القادر بن عبد العزيز السلفي ،وهو من أهم كتب ومراجع تنظيم القاعدة ،ويعتبر املحرك الفكري ألسامة بن الدن ،فهذا الكتاب من أوله إلى آخره مملوء باألحاديث النبوية التي تبرر االغتيال واعتباره عمال شرعيا ثابتا في السنة النبوية ،وأكد علة وجوب مقاتلة العدو القريب قبل العدو البعيد ،ورد بهجوم عنيف على كل من قال بتعطيل الجهاد اآلن ولو مؤقتا ،أو من قال بوجوب تعلم العلم أوال ،وترسيخ اإليمان واألخالق ،وتربية النفس فهي إحدى صور
(من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية) رواه الحاكم في مستدركه. ُ ) ُ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال اله إال هللا ئ وأن محمد رسول هللا ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة ،فإذا فعلوا ذلك ئ ُعصموا مني دمائهم وأموالهم إال بحق اإلسالم وحسابهم على هللا تعالى) رواه مسلم في صحيحه باعتقادي أن هذه اآليات القرآنية واألحاديث النبوية كافية ووافية لالستدالل على النه
62
نفسية املؤمنين بالدين الجديد{ ،ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في األرض} األنفال آية ،67ومعنى يثخن في اللغة العربية: يطعن باألسلحة ويبالغ في القتل.
العنيف الذي كان يدعو إليه الدين اإلسالمي مقارنة بما يقابلها من اآليات واألحاديث التي تحث على السلم والسكينة. وقد يكون من مجافاة الحقيقة أن نشير إلى دور البيئة االجتماعية التي انطلق منها عرب شبه الجزيرة (باعتبارهم كانوا نواة انطالق الغزوات والفتوحات الجهادية اإلسالمية) وثقافتها البدوية القائمة أساسا على فكرة الغزو والسبي بحيث لم يستطع اإلسالم التخفيف من آثارها في صفوف أتباعه ،ومن هنا جاءت اآليات القرآنية محملة أحيانا بذاك الجانب العنفي الذي يتماش ى مع
طبعا يميل بعض الباحثين ومنهم الدكتور يوسف زيدان في كتابه (الالهوت العربي وأصول العنف الديني) إلى إرجاع الجانب العنفي في الدين اإلسالمي إلى تصرفات السلطة السياسية أو الرغبة في تعزيز سلطة الدين أمام سلطة السياسة...؟ وإن كنا ال نميل الى هذا الرأي ،كون أغلب النصوص الداعية الى العنف والقتل
63
ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم اال بحق اإلسالم وحسابهم على هللا) رواه البخاري
والقتال كانت في مرحلة ما قبل نشوء ما يسمى بالدولة االسالمية وتبلور مشروع السلطة السياسية.
في الختام: ئإن مفهوم العنف لدى الحركات السياسية
ختاما ،إليكم هذا الحديث املشهور والذي بموجبه أن اإلنسان مهما ارتكب من الكبائر فإن مأواه الجنة وجزاءه الكثير من الحوريات ،مما يعني أن كل الضربات مشروعة ،وكل الكبائر تغتفر مع وجود ذرة إيمان في قلب مرتكبها ،للترمذي وحسنه عن أنس رض ي هللا عنه أنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،ان هللا تعالى قال( :يا بن آدم ،لو أتيتني بقراب األرض خطايا ،ثم لقيتني ال تشرك بي شيئا ألتيتك بمثل قرابها مغفرة).
اإلسالمية املعاصرة له جذور شائكة وقديمة وما أشبه اليوم باألمس؛ ّ ألن الذين يمارسون العنف باسم الدين اإلسالمي ويستبيحون به دماء املسلمين ،وينتهكون أرواح الناس اآلمنين ،لهم حظ ونصيب من سنة األولين القائمة على (اإلرهاب والتكفير ،والعنف والتهجير. الحركات األصولية اإلسالمية أصبحت واقعا ال يمكن تهميشه أو إلغاءه ،وأنها ظهرت بسبب عوامل موضوعية كان ال بد أن تظهر بتوافرها ،وان اختالف أساليب عملها وتعددها يعود بالدرجة األولى إلى اختالفها في تفسير النصوص الدينية ومسألة األولويات عند كل منها ،وساعد في ذلك اعتبار القرآن وسنة الرسول الدستور الذي يجب أن تسير عليه األمة اإلسالمية وإتباعها لألبد ،بحيث تسقط حج الرافضين للحديث عن هذا الجانب العنفي بالقول اننا نأخذ اآليات القرآنية واألحاديث النبوية من خالل إخراجها عن سياقها الزماني واملكاني ،وهو قول يحمل التناقض في داخله ،اذ انه يؤدي إلى االعتراف الواضح والصريح بوجود هذه
وهل هناك أوضح من هكذا نص ينمي البنية العنفية لدى املسلم ويصعدها ..بل يصبح السؤال هنا عن جدوى ما يسمى بيوم الحساب وعن جدوى الجنة والنار طاملا لدى املسلم ومهما فعل صكوك غفران محمدية. ُ ونختم بفتوى ابن تيمية القائلة( :كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع اإلسالم الظاهرة املتواترة ،فانه يجب ُمقاتلتها وان نطقت بالشهادتين؛ أل ئن رسول هللا (ص) يقول( :أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال هللا وأ ئن محمدا رسول هللا، ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة ،فإذا فعلوا
64
الحالة العنفية وتجذرها في تاريخ الدين اإلسالمي ،والتزال مستمرة الى يومنا هذا ضمن سياق تاري ي غير منقطع التسلسل، وما الحركات الجهادية التكفيرية وممارستها اليوم اال انعكاس تاري ي واقعي لحالة كانت موجودة منذ انطالق الدعوة اإلسالمية وانتشارها بقوة السيف غالبا والترهيب والترغيب أحيانا واالختالفات بين تلك الجماعات التي تؤمن بالعنف والجهاد كتنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات اإلسالمية ليس اختالف تضاد وتناقض ولهذا فإننا نجد أكثرية األعضاء املنتمين إلى الحركات اإلسالمية املتطرفة والتي تؤمن بالعنف حتى اليوم كانوا في الغالب منتمين إلى جماعة من الجماعات اإلسالمية املعروفة باعتدالها . إن سائر الجماعات اإلسالمية لم تهمل قضية الجهاد ولم تلغه من برامجها ولم تنكر أنه من وسائلها لكن الفرق أن الحركات اإلسالمية املتطرفة جعلت الجهاد وسيلتها األولى واألخيرة ،فالتغيير للوصول إلى دولة
الخالفة اإلسالمية يتم عن طريق القتال واملواجهات وسحق الخصوم وإبادة األعداء هو األسلوب األوحد.
عبدو نيب باحث سوري ،بكالوريوس يف الفلسفة ،مقيم يف أملانيا (املادة من أرشيف صحيفة كلنا سوريون)
65
66
شخصية العدد 67
زكريا تامر خالد علوش خلق خصوصية قصصية سورية كانت ثورة حداثية في ذلك الزمن ،فمن أهم تلك األفكار هي قدرتها على تقديم شخوص وأحداث بسيطة وقاسية لدرجة تجعل القارئ يقف متحيراً عن حقيقة العالم الذي يعيشه ،أو هي أول مرة يخرج إنسان ليقول لنا ما نعرفه ونخفيه.
عندما ال تجد في كتاب جملة مستقلة بذاتها ،تنفع لتكون معلومة تتداول ،وال تستطيع إيجاد اقتباسات كثيرة من نصوص ما ،وال تستطيع الفهم إال كبنية متكاملة ،إذا فأنت أمام إبداع فذ .هذا بالضبط ما هو عليه أحد أهم رواد القصة في سوريا والوطن العربي ،زكريا تامر.
69
محببة إلى قلبه دائما وكان يعود إليها باستمرار هي الحدادة.
في نصوص زكريا القاص، حكايات من مختلف األجناس واألحداث والشخوص، تتداخل بطريقة سلسة وجميلة ّ لتكون عاملا خاصا في كل منها، ويصيبك أحد نوعين ،إما االبتسام بشعور بالضحك داخلي املجلجل دون الخروج للعلن ،وإما شفتين مطبقتين أملا بشعور حزين ومبكي دون إطالق نواح إلى الخارج .من يتعامل مع نصوص زكريا تامر يصاب بحالة من الرغبة بالبصاق على ش يء نعلمه لكن في لحظة القراءة يكون ضبابيا.
نشأ زكريا في بيئة تقليدية، فكان وعيه مرتبطا مثل أي إنسان طبيعي باملكان الذي فيه ،يحمل النوستالجيا بشكل تلقائي، حيث تتركز في الذاكرة ،وبلسانه نفسه الذي يكرر دائما "أنا ابن الحارات الشعبية" .هذا الوعي الذي نشأ مع تامر واستمر حتى اليوم وواضح في جميع نصوصه ،لم ُيخرج زكريا ونصه من دائرة البحث عن معنى هذا اإلحساس ،فأتت نصوصه دائما تحمل هذا القلق والتساؤل الوجودي للمعنى بحبكات قصصية وأحداث بسيطة.
ولد زكريا تامر ألسرة دمشقية بسيطة عام 1931في حي البحصة ،وتلقى تعليمه األساس ي في مدارسها دون أن يكمل إلحساسه الدائم بالفاقة والعوز ،فترك الدراسة بسن الثالثة عشر ،وانخرط مباشرة في العمل الحياتي، ّ وبدل الكثير من املهن ،لكن املهنة التي بقيت
منذ شبابه خاض تامر تجربة السجن واالعتقال واملالحقة ،نتيجة األوضاع التي كانت عليها سوريا ،تراوده األحالم في قدرته
70
ّأن ،كيف يمكن لحداد أن يخترق عالم الفن والحداثة والقصة ،وهذه التساؤالت خلقت باملقابل ردود أفعال لدى زكريا ،واستمرت هذه اآلراء التصارعية دون توقف.
على التغيير ،وهي ذات الرؤى التي تراود جميع الشباب في ذلك العصر ،لكن اليأس كان باملرصاد نتيجة قوة الحياة الطاحنة ،وخالل ربع قرن كامل لم يجد زكريا ضالته ،عاش متنقال بين السياسة والعمل اليدوي والقراءة الفردية ،وانضم إلى الحزب الشيوعي السوري بطبيعة الوضع العملي لزكريا ،لكن تلك ُ التجربة السياسية لم تدم طويال ،وطرد من الحزب عام 1956ألسباب شرحها تامر في وقت الحق ،وهي إشكالية عالقاته مع املثقفين والتي كان الحزب الشيوعي يحوي منهم الكثير، حيث يقول( :أشتاق إلى مهنة الحدادة كثيرا وأحن إليها أكثر ،والسبب أن إنسان املعمل له وجه واحد ،الصديق صديق ،والعدو عدو، ولكن اضطراري إلى االختالط بأوساط املثقفين ،جعلني أكتشف أن الشخص الذي يمكن أن ُيعتبر تش ي غيفارا في هذه األوساط، له مئة وجه على األقل .وأحار بين الوجوه وتصعب علي كيفية االختيار ،ففي مجتمع املثقفين ال صداقات وال عداوات .من هنا أقول :إن حياة املعمل تمنح اإلنسان ثقة أكثر ،بينما العيش مع املثقفين يزعزع هذه الثقة باإلنسان ،فإذا أردنا تصنيف شعبنا على أنه من املثقفين فحتما سيكون رأيي فيه أكثر من سلبي) .هذا الرأي الذي بقي مالزما لزكريا تامر طوال حياته ،قد فتح أمامه صراعات هائلة ،وأهمها ما كان ُيقال في حقه،
بعد طرده من الحزب بعام ،بدأ بكتابة أول قصة وهو في سن السادسة والعشرين، وتوالت الكتابات حتى شاءت األقدار أن يصل اسم زكريا إلى بيروت ،وبالذات إلى أصحاب مجلة شعر برئيسها يوسف الخال ،وبرغم قسوة نصوص زكريا إال أن يوسف الخال بشاعريته ورقته كان يشعر بأهمية وعبقرية هذا الحداد الدمشقي ،وبأن العنف الذي ّ ولدته الظروف الحياتية ،ليس إال شكال حداثيا في فن القصة ،وهكذا تم تبني زكريا تحت جناح مؤسس ي مجلة شعر ،وبدعم كامل منهم صدرت أول مجموعات زكريا "صهيل الجواد األبيض" والتي وضعته في مكان بارز داخل الشارع األدبي والثقافي. مع ارتفاع اسم تامر في الوسط الثقافي داخل بيروت والوطن العربي ،اتخذت حياته مسارا عمليا ،فانغمس في أعمال عديدة دون التوقف عن كتابة القصة ،وكانت له مساهمات كبيرة في الثقافة السورية بالذات، فعمل في وزارة الثقافة مديرية التأليف والنشر ،ورئيس تحرير جريدة املوقف العربي ،ووزارة اإلعالم ،وساهم بتأسيس
71
يحمل اسم تامر ،والعواطف أيضا ،لست في حاجة إليها .أبدا ،هذه ليست أنانية، واملوضوع ليس طرحه سهال ،بل له جوانب عدة متشابكة بعضها ببعض).
اتحاد الكتاب وأصبح عضوا فيه ،وعمل في مؤسسة السينما كرئيس لجنة السيناريوهات ،ومدير تحرير مجلة الدستور بلندن ،ومحرر ثقافي في مجلة التضامن لندن، ومدير تحرير مجلة الناقد ،ومحرر ثقافي لدى شركة رياض الريس للنشر ..وغيرها الكثير.
هذا الرأي الذي قد يراه البعض أنانيا ،ليس سوى نزعة مفرطة للحرية والحياة بطريقة خاصة ،وعمل الش يء الذي يحبه .وبرغم أن الكثير من نصوص زكريا تحمل ذلك الطابع اإلنساني العميق واملحزن في عالقات مشابهة، إال أنها تدلل بعمق عن رفضه النسبي ملسألة االرتباط ،وربما ّ مرد ذلك لطبيعة حياته القديمة والطفولية.
تزوج فيما بعد دون أن يكون له شغف بفكرة االرتباط ،حيث يقول عن ذلك( :لم أحلم في يوم من األيام ،أن يكون لي ولد ،وأن تكون لي زوجة وبيت .أحب األطفال لغيري ،وحتى بعد زواجي لم تخطر لي أني سأنجب أطفاال وأصبح أبا .كانت هناك اعتبارات جعلتني سلبيا في هذا اإلطار .ألن هناك أسبابا معينة تدفع اإلنسان إلى الزواج ،وهذه األسباب لم أكن أعانيها؛ مثال :اإلنسان يحب االستقرار ،وأنا ال أحب ذلك .وهو يحب أن ينجب ذرية تحمل اسمه ،وهذا موضوع لم يكن واردا بالنسبة إلي ،بل العكس ،رغبتي أن أكون آخر شخص
بعد الشهرة التي تلقاها في حياته ،انتقل عام 1980إلى لندن ،حيث ما يزال إلى اآلن هناك، وعمل في مجلة الدستور األسبوعية ،وانقطع عن إصدار املجموعات القصصية حوالي 16 عام إلى منتصف تسعينيات القرن املاض ي.
72
إنسان ليقول لنا ما نعرفه ونخفيه .لعب زكريا ّ دور املوضح لنا أزمة اإلنسان البسيط وهواجسه وقوة السلطة املتحكمة فيه بشكل غير مباشر ،وهذه كانت ميزته األساسية ،مع بناءات القصة الجديدة التي تقوم على مزج املنطقي والالمنطقي وتوتر الشخصيات بين الواقعي واألسطوري ،فهو بحق أول من أسطر الواقع ،هذه املفارقة الخيالي بن املترعة والالمنطقي هي التي صنعت هذا األدب املميز وجعلت زكريا أحد أهم رواد القصة السورية. باإلضافة إلى ميزته بجعل ّ الراوي يطلع على كل ش يء، ويعرف أدق خفايا شخوصه ويتدخل بها بطريقة غامضة غير مباشرة ليمزج نصه بساللة تصل إلى أبسط العقول البشرية.
نال تامر بعض الجوائز كالعويس للقصة، ووسام االستحقاق السوري ،وجائزة ميتروبوليس ،وجائزة القاهرة ،وجمعت قصصه في 10كتب (صهيل الجواد األبيض، ربيع في الرماد ،الرعد ،دمشق الحرائق، النمور في اليوم العاشر ،نداء نوح، سنضحك ،الحصرم ،تكسير القنفذ. ركب، ملاذا ولألطفال، سكت النهر ،قالت الوردة للسنونو، 37قصة). ما يميز أدب زكريا، الحالة هو التجديدية في عصر كانت فيه القصة تعاني نماذج اإلتباع والتقليد في مكون أساس ي منها ،إال أن زكريا خلق خصوصية قصصية سورية كانت ثورة حداثية في ذلك الزمن ،فمن أهم تلك األفكار هي قدرتها على تقديم شخوص وأحداث بسيطة وقاسية لدرجة تجعل القار يقف متحيرا عن حقيقة العالم الذي يعيشه ،أو هي أول مرة يخرج
ولقب شيخ القصاصين هو أقل ما يمكن قوله عن ذلك الحداد الدمشقي الذي أنشأ بقدرة فذة عالم القصة السورية الحديث.
خالد علوش ناشط إعالمي سوري ،يقيم يف تركيا.
73
74
قضايا المرأة والمجتمع 75
76
رابطة املعتقالت السوريات زهرة حممد وإن كنت ال أرى ضرورة لعملها ،إال أن ظروف الحياة وعوائقها االقتصادية تضطر بعض الرجال إلى التنازل عن مبدأ أن مكان المرأة هو البيت ،فيضطر بذلك أيضاً للمساهمة بشكل أكبر في شؤون البيت.
من رحم املعاناة واملجتمع الذي ال يرحم ،من قلب ثورة جعلت السوريين منقسمين بين مؤيد معتقل ومعتقل ،يبدأ البحث في عالم مليء بالتناقضات من حولك ومعارض وبين قاتل ومقتول ،بين ِ كسوري ،إال أن مأساة املعتقلين قد تكون هي األكبر بين كل ما نتج عن الثورة ،ولعل املعتقل هو األقدر على أن يوصل لك تلك الصورة التي عاشها بين أربع جدران باردة رطبة ،ال تحتوي أمله وال تسكن جروحه.
77
االغتصاب والقتل في سجون األسد والذين قد يبقى طي التعتيم والكتمان.
لكن لم تتوقف الحكاية هنا ،فالسوريات املعتقالت كن أكثر (أهل الثورة) كرما تجاه فلم الثورة يقدمن الروح بل قدمن ما هو أغلى بكثير، وكن ينتظرن أن يبادلهن الناس نظرة الرفعة ال الشفقة بعد خروجهن.
ولعل هذه األرقام قد توحي لك كقار بحجم املأساة التي عانت منه وأخت أم وابنة ولربما تكون أنت! وهذا ما شكل حافزا لبعض النساء السوريات في تشكيل رابطة املعتقالت السوريات في خطوة منهم لكسر حاجز الصمت والخوف ،خاصة بعد خروجهن والصدمة الكبيرة ألغلبهن من مجتمع شكل عائقا آخر أمامهن ،منى بركة مديرة الرابطة تقول إن الرابطة جاءت لتعكس روح املعتقالت الثوريات ونابعة من معاناة كل واحدة تنضم للرابطة ،وحتى القابعة في السجون إلى اآلن ،ويتواجد مقر الرابطة في الريحانية في هاتاي في تركيا والذي بدأ بنشاطات متعددة" .انبثقت الرابطة من ألم كل واحدة منا ،وحكايتها في املعتقل واملجتمع الذي لم يرحمها أحيانا ،رغم أن املتعلقة قدمت الكثير ،وتشكل الرابطة نقلة
ولكن ما حدث ملؤسسات رابطة املعتقالت السوريات كان مختلفا تماما ،وهنا بدأت رحلة التحدي بين مجتمع ال يرحم وطريق محفوف بالصعوبات إلثبات الذات. كيف انطلقت الفكرة الرابطة وما هدفها؟ وفق معطيات الشبكة السورية لحقوق اإلنسان ،فإن 8633سيدة على األقل معتقلة في السجون في سورية ،منهن 7009على األقل في سجون تابعة لنظام األسد. واإلحصائيات ليست دقيقة ألن هناك أعداد أكبر منها لم يصرح عنها عدا عن ضحايا
78
نوعية في مسيرة املعتقالت ،حيث ستكون منبرا يتكلم باسمهن".
وتحقيق قدراتها الكبيرة والتي واجهت الكثير من العوائق والظروف املحيطة والتي حاول طمس هويتها وروحها.
وتردف بركة أن الرابطة تهدف إلعادة هيكلة النظرة النمطية عن املعتقلة وتقديم الخدمات لها ،ومساعدتها على تخطي محنتها نفسيا وجسديا.
صعوبات عاشتها نساء الرابطة قبل تأسيسها بعد االعتقال! "إن أكبر التحديات التي تواجهها املعتقالت هي التأقلم مع املحيط الخارجي بعد الخروج من سجون املعتقل والتي القت فيها أشد أنواع العذاب" هذا ما تقوله هنادي عتمة من مدينة درعا من مؤسسات الرابطة األوائل، والتي وجدت أن الرابطة هي النافذة الوحيدة للمعتقالت كي يخرجن إلى العالم بقوة وثقة بعد أن لفظهن املجتمع وتجاهلهم الجميع بشكل كبير ،تروي لنا حكايتها ،كانت تعمل كممرضة ،استشهد زوجها قبل اعتقالها بسنة واحدة ،تم اعتقالها في 2014وهي متوجهة ملكان عملها في أحد مشافي درعا البلد ،وقد ُح ِولت ألكثر من فرع أمني منها فرع فلسطين ،وتم حبسها بشكل انفرادي ملدة شهر ونصف قبل أن تبدأ عذابات السجون والتعذيب والضرب واإلهانة بشتى الطرق والوسائل التي أتيحت ملعتقليها ممارستها، ُو ِ ّجه لها عدد من التهم ،منها عمل دورات تمريضية ملا يسمى (باإلرهابيين) التمويل الخارجي والداخلي ،وإنشاء جمعيات غير حكومية لأليتام واملعتقلين! ،استمر اعتقال
وتتحدث بركة ،أن الرابطة تحاول جاهدة تأمين العديد من الخدمات ،منها التأهيل النفس ي والجسدي في التواصل مع أطباء نفسيين ومختصين لتخطي املرحلة الصعبة وهي التأقلم من املجتمع بعد الخروج من املعتقل ،أيضا تأمين العمل للمعتقالت الالئي يجدن صعوبات في إيجاد العمل وسط الظروف املعيشية الصعبة في املناطق املحررة وغيرها من الدول املجاورة التي لجأن إليها ،والتي يعاني منها الالجئ السوري بشكل عام واملعتقالت بشكل خاص من حيث التضييق والتهميش وقلة الفرص في حياة كريمة وعمل الئق يناسب التطلعات. ويضم فريق الرابطة فريقا صغيرا مؤلفا من مديرة الفريق ومسؤولة العالقات العامة، ومديرة املكتب في درعا ،وأيضا نساء مكلفات عن املكتب في إدلب ومنسق عام في أوربا ومساعد مالي داخل مقر الرابطة في تركيا. وتضيف بركة أن هدف الرابطة األساس ي هو تمكين املعتقلة السورية من إثبات نفسها
79
هنادي ثالث سنوات، ولكن املرحلة التي تلت اعتقالها وبعد اإلفراج عنها ،كانت ليست أقل صعوبة، وشكلت لها عذابا من نوع آخر ،ولعله يكون أكبر على الصعيد النفس ي "اعتقالي ّ غير حياتي تاركة ورائي أربع أطفال أكبرهم في عمر 14عاما ،وعندما خرجت كان عمره 17عاما وأصغرهم بات عمره ثمان سنوات ،لقد كانت هذه املرحلة كفيلة بأن تكون شرخا كبيرا بيني وبين أطفالي الذين كبروا بعيدا عني ولربما تعودوا عدم وجودي لتربيتهم".
مشفى تقبل توظيفي وكانت املنظمات الداعمة تقابل تقدمي بالرفض دائما مع حجة أن العدد كاف وال يلزمهم ممرضات جدد"!!، واستمرت بعد قصف منزلها بالكفاح وتربية أبناءها بقوة رجل ،حتى وجدت عمال تسد به رمق العيش ،رغم أنه ال يكاد يغطي ربع مصاريفها مع عائلتها ،ولعل أكثر ما أحزن هنادي هو ذلك السؤال الذي يلوح على الشفاه والجباه ملجتمع كثير التساؤالت وهمهم الكبير واألول (هل اغتصبت) تعلق هنادي بأسف كبير "الغريب أنهم يسألونك عن االغتصاب ولكن ال يسألوك عن إحساسك عن شعورك وما تريد كي تتخطى هذه املرحلة السوداء من حياتك ،كان سؤالهم يشكل خنجرا آخر وحبسا ولكن دون قضبان"!!
وتكمل هنادي حكايتها مع املجتمع الذي لم يكن عونا ،بل شكل عائقا كبيرا في وجهها لتكمل تحديات كبيرة واجهتها وحدها دون عون إال باليسير والقليل "عندما خرجت أحسست بتغيير كبير بي وبمن حولي ،لقد كانت رحلة االعتقال مفصال وحدثا غير معالم روحي ونفس ي ،املرأة املعتقلة حملت هم األمن واملجتمع بعد خروجها ،ونظرتها لنفسها ونظرة ذويها إليها ،كان ذلك موجعا خرجت وأنا محرومة من كل حقوقي املدنية وحتى السفر ،ولدى بحثي عن عمل لم أجد أي
80
توقفت بشكل كبير عن عملي نظرا ألثر االعتقال في نفس ي لدرجة أني لم أعد أطيق التواصل بشكل كبير ،كنت عندما أريد البحث عن عمل أو الحديث مع أي أحد يتم تنبيهي بأن ال أبوح بقصة اعتقالي وكأن اعتقالي وصمة عار!"
بعد سنة من البحث والتعب وجدت هنادي أن فكرة الرابطة هي حق يجب البحث عنه والدفاع ألجله حيث يكون للمعتقلة مكان يتحدث باسمها وبفكر بأملها ويجده لها حلوال تساعدها. لدى صفاء مدرسة اللغة االنكليزية في دمشق ،قصة قد ال تكون مختلفة في الشكل ولكنها مختلفة في تفاصيل كثيرة ،اعتقلت صفاء في 2014واستمر اعتقالها لسنتين ونصف، بعيدا عن أهلها وذويها دون أي اتصال ،ودون أن تعرف ما يدور حولها إال ممن يدخل إلى املعتقل حديثا" ،اعتقالي كان حكاية مؤملة جدا ،فقد عشت في املعتقل أسوأ أيام حياتي إال أني بعد خروجي وجدت أن آثار ذلك لم تمح بسهولة أبدا رغم أني قوية ومكافحة وال أضعف بسهولة"
في لبنان واملعروفة بأنها أصبحت عبئا على السوري، واملالحقات األمنية عانت صفاء من خوفها من الحواجز األمنية وكان لديها هوسا بأنه سيتم توقيفها ومساءلتها ،وعرفت أنها لم ترتح بشكل نهائي من تبعات النظام املخابراتي الذي كانت تعيشه في سوريا حتى بعد اإلفراج عنها. وتقول صفاء أن كل املعتقالت اللواتي عرفتهن وتواصلت معهن ،عانين من نفس املشكلة سواء في الداخل السوري أو في الدول املجاورة ،كالتهميش وعدم املباالة بمشاكلهن، واملشكالت النفسية التي تتعرضن لها ،عدا عن سوء الظروف املعيشية والفقر واللجوء ألغلب املعتقالت.
كان أهل صفاء سندا وعونا ،ولكن نظرة املجتمع النمطية والسلبية كانت هي معاناة كبيرة وظلما من نوع آخر" ،عند خروجك من املعتقل تبدأ مشاكلك بالدوران حولك ككابوس ،وعند سفري إلى لبنان شعرت بأني مكبلة ومقيدة ،وال أستطيع العمل وقد
ومن املشاكل التي قد تعترض املعتقلة عند خروجها هو عدم وجود طريقة للعيش الكريم
81
خاصة إن لفظها واألهل املجتمع والزوج ،وقد يحصل هذا لبعض املعتقالت فتلجأن إلى طرق كثيرة لـتأمين قوت يومهن ،أو البحث بأساليب غير الئقة ،كأن تبحث إحداهن عن عمل ويتم استغاللها وعدم منحها حقها ألنها بحاجة شديدة للعمل ،بعد أن أغلقت كل األبواب في وجهها. وتعمل الرابطة على مساعدة املعتقالت بشكل جدي والفت وليس فقط بـ (املواساة) بل قامت بعمل خطوات جدية تجاههن، ودعت مديرة الرابطة منى بركة الجهات املعنية واملنصات اإلنسانية والحقوقية بالوقوف بجانب الرابطة ودعمها جيدا كي يتم تفعيل عملها بشكل كبير وعلى صعيد دولي وليس محلي فقط.
تطلعات رابطة املعتقالت السوريات تتطلع الرابطة لالهتمام بكل املعتقالت السوريات سواء داخل السجون أو خارجها، والتواصل مع محامين ومنظمات تدافع عن حقوقهن ،واحتواء آمالهن على الصعيد املادي والنفس ي ،وتخطي املعتقلة للمراحل الصعبة بعد خروجها من املعتقل سواء مع أسرتها أو بمفردها ،وعمل خطة موحدة بين كل أعضاء الرابطة في الدول املتواجدات فيها.
82
أول على آخر … !
ماجدة عبد القادر وإن كنت ال أرى ضرورة لعملها ،إال أن ظروف الحياة وعوائقها االقتصادية تضطر بعض الرجال إلى التنازل عن مبدأ أن مكان المرأة هو البيت ،فيضطر بذلك أيضاً للمساهمة بشكل أكبر في شؤون البيت.
أظهرت دراسة استقصائية أجريت في منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا غلبة النظرة الذكورية ،حيث أن آراء الرجال في موضوع املساواة بين الجنسين تتعارض وطموحات الشابات في الوقت الحاضر.
83
وأظهر استبيان لآلراء أجري في كل من مصر ولبنان واملغرب وفلسطين ،تحيزا جنسيا في مواقف الذكور تجاه دور املرأة في مكان العمل وفي املنزل ،وحيال مشاركتهن في الحياة العامة. مواقف تقليدية شارك ،في االستبيان ،قرابة 10،000شخصا ،تتراوح أعمارهم بين 18و 59عاما ،وتبين تأييد غالبية الرجال ملجموعة من املواقف التقليدية ،وغير املنصفة تجاه املرأة ،بما في ذلك االعتقاد بأنها ليست مناسبة لتولي مناصب قيادية ،وال ينبغي أن تعمل خارج املنزل ،وأنه من األھمیة بمكان مفاضلة تعلیم البنين على البنات. وتحدثت الدراسة ،التي أجراها مركز الدراسة االستقصائية ُ الدولية ،عن مشروع أطلق عليه اسم “ايميجس” ،نشر دراسات أسرية مستفيضة حول مواقف تتعلق بقضايا الجندر في جميع أنحاء العالم، أظهرت بأن شابات شاركن في الدراسة عبرن عن رغبة ثابتة في تحقيق قدر أكبر من املساواة بين الجنسين.
الكلمة النهائية وردا على معظم األسئلة ،أبدى الرجال مواقف أقل تقدمية بخصوص املساواة مع النساء .ففي مصر ،اتفق أكثر من ٪90من
84
الرجال على القول بأن“ :الرجل يجب أن تكون له الكلمة النهائية في املنزل” .بينما كانت نسبة موافقة أغلبية املشاركات من النساء في الدراسة على ذلك املوقف . ٪58.5
أكثر إنصافاً وفي لبنان ،كانت آراء الرجال األصغر سنا بشأن نوع الجنس أكثر إنصافا من آراء الرجال األكبر سنا .بيد أن مجموعة الرجال األصغر سنا ،واألكثر تقدمية في لبنان، والذين تتراوح أعمارهم بين 18و 24عاما ،لم يحصلوا سوى على درجة أفضل بقليل على مقياس جيم ( )1.74من املجموعة األكبر سنا ،واألقل تقدمية من النساء اللواتي شملتهن الدراسة االستقصائية في البلد – والالئي تتراوح أعمارهن بين – 59-50والذي سجل .1.73
ووافق أكثر من نصف الرجال املصريين الذين شملتهم الدراسة االستقصائية على أن “هناك أوقات تستحق فيها املرأة الضرب”، مقارنة بأقل من ثلث النساء .وفي حين أن ٪75 من النساء املصريات يعتقدن أن املتزوجات يجب أن يتمتعن بنفس الحقوق في العمل خارج املنزل كأزواجهن ،فإن ٪31فقط من الرجال املصريين أيدوا هذا األمر. أقل وأعلى مستوى
طريق طويل
وفي الدراسة االستقصائية ملقياس(جيم) بشأن رأي الرجال حيال املساواة بين الجنسين ،والذي يتراوح بين صفر (أقل وجهات النظر إنصافا) إلى ( 3األكثر إنصافا) أعطي املشاركون من مصر أدنى الدرجات في الجدول ،بينما أعطي املشاركون من لبنان أعلى مستوى.
وقال غاري باركر ،مشارك في وضع الدراسة ورئيس حملة املساواة ( بروموندو)“ :هناك طريق طويل أمام الرجال لقبول ودعم املساواة الكاملة للمرأة في املنطقة العربية، كما هو الحال في مناطق عدة من العالم”. وأضاف باركر“ :في جميع البلدان األربعة ،نرى أن واحدا من أكبر املعوقات التي تقف حائال أمام املساواة بين الجنسين ،هو عندما يقوم الرجال بعدد من األعمال املنزلية التي تعتبر تقليديا من مهام النساء”.
أما بالنسبة للنساء ،فقد لعب عامل العمر دورا في مدى سعة آفاقهن ،حيث عبرت النساء األصغر سنا عن آراء تقدمية تختلف عن آراء املتقدمات في السن ،بينما ،لم تختلف املواقف كثيرا بين الرجال من أعمار مختلفة األعمار في املغرب وفلسطين ومصر.
ووجدت الدراسة أن أهم العوامل في كيفية نظرة الناس إلى املساواة هي مقدار ثروتهم،
85
ومستوى تعليمهم، واملثل والقيم التي زرعها آباؤهم في نفوسهم .وكان من املقدر للرجال والنساء أن يكونوا أكثر قابلية إلبداء آراء متكافئة بشأن نوع الجنس لو كانت أمهاتهم قد حزن على قسط أوفر من التعليم ،ولو مارس اآلباء دورا أكبر في األعمال املنزلية. وتطرقت الدراسة أيضا ملخاوف الرجال وصحتهم العقلية ،وأظهرت تعرضهم لضغوط كبيرة ،تتجلى في التحدي املتمثل في الحصول على وظيفة مدفوعة األجر في خضم هذا الوضع االقتصادي املضطرب ،وال سيما في البلدان املتأثرة بصراعات وحروب أهلية.
ضد ومع يرى بعض الخبراء بوجوب التفاهم حول عمل املرأة قبل الزواج ،وخاصة قبل تسجيل عقد الزواج .هذا ما أكد عليه شاب مغربي (مناف 30عاما) وهو صحفي عازب .يقول مناف: “وإن كنت ال أرى ضرورة لعملها ،إال أن ظروف الحياة وعوائقها االقتصادية تضطر بعض الرجال إلى التنازل عن مبدأ أن مكان املرأة هو البيت ،فيضطر بذلك أيضا للمساهمة بشكل أكبر في شؤون البيت، والسبب هو انشغال املرأة بالعمل لساعات طويلة خارج املنزل ،فهي ال تستطيع التوفيق بين البيت والوظيفة .وذلك ليس بسبب تقصيرها ،لكن عندما تعود إلى البيت وتجد
وكثيرا ما يشار إلى آثار النزاع والبطالة كعاملين مسببين لالكتئاب بين الرجال .وقد أفاد نصف الرجال تقريبا بأنهم يخجلون من مواجهة أسرهم نتيجة نقص العمل أو املدخول. ونستعرض في السطور التالية بعض التجارب ووجهات النظر في موضوع مشاركة املرأة الرجل في ميدان العمل.
86
الكتفاء ذاتي مادي تضمن به ضروريات حياتها دون بقائها تحت رحمة املجتمع”.
زوجها يعاني من األعراض نفسها ،فمن سيلقي برأسه في حضن اآلخر ليفرغ شحنة العمل السلبية؟ على أحدهما أن يكون جاهزا نفسيا وبدنيا لرعاية اآلخر ،ومع أنني ضد عملها إال أنني ضد جلوسها في البيت أيضا”.
مواكبة اجملتمع وقد عبر عن الرأي نفسه ماهر (مصر26 ، عاما ،أعزب) ،وقال“ :املرأة بحاجة ملواكبة تطور املجتمع وأسلوب الحياة .كما يمكنها التطلع لتطوير ذاتها بمتابعة دراستها، وشعورها بالذات واالستقاللية فيما لو حدث ووجدت نفسها مطلقة أو غير متزوجة أو أرملة .وعندها تستطيع تحمل مسئولية أطفالها .كما تشعر باالستقاللية والزهو لتمكنها من شراء احتياجاتها من دخلها، باإلضافة لشعورها بالسعادة لتمكنها من مساعدة زوجها ن خالل عملها لتحقق بذلك استقرارا اجتماعيا أو ماديا قادرا على تحمل أعباء الحياة”.
شرط تعاون الرجل وبدوره أكد عالء (لبنان 41 ،عاما ،أعزب) أن: “التفاهم حول موضوع العمل ضروري، واملرأة تستطيع تبوء كل املناصب وعدم االكتفاء بالتعلم والزواج ،والرضا بأداء دور هامش ي في الحياة” .كما يرى عالء بأن“ :عمل املرأة أصبح ضرورة من أجل تغطية التكاليف املادية التي باتت عالية ،ال يوجد أمان وطمأنينة مع الرجل الشرقي الذكوري ،ويمكن أن يتخلى عنها وعن أطفالها ،فهي بحاجة
خاص “شبكة املرأة السورية”
87
88
أدب اآلخر 89
90
ما أمجل احلياة ممدوح شوكت أساندال
فتاةٌ صغيرة تحمل باقة من البقدونس مرَّت وهي تطقطق بقبقابها .ابن الجّار غفّار ،يجاهد إلدخال سلّتي ظهرٍ كبيرتين من باب البستان .امرأتان تسيران بسرعة إلى البيت ،من الواضح أنهما كانتا في مكان ما وتأخّرتا، صوتُ طقطقة قبقاب أمّه آتٍ من المطبخ ،فكّر نوري :ما أجمل الحياة ،ال يلزم اإلنسان إلّا عمراً ليعيشها.
ّ الظهيرة ،صوت امرأة من بيت الجيران ،ال ُيعرف سبب صراخهاّ ،ربما كانت ّ توبخ ابنها، ّتموز ،ساعة ا ّ ّا املؤذن إلى منشر الغسيل ،على مسافة ّ عدة بيوت هناك دجاجة تقاقي قفزت قطة من حائط بيت ّ ا ّ وكأنه يساعدهاّ ، ويردد خلفها. بصوت متقطع ،وبقربها ديك
91
ّأمه تجلس تحت مع ا جارتيها ،منرفزة لسبب ّ ما ،تتكلم بعجالة، ّ الظاهر ّأن ئ هن يمارسن النميمة القط املبرقع ّ يتمطمط متمد اد بأرجله األربعة وهو نائم على الوسادة فوق الكومودينو املكسورة، الفوانيس تحت املكسورة وزوج من ّ الكؤوس الحلزونية وذات النجوم الباقية من جهاز ُعرس ّأمه ،كتاب “حيلة السعادة” في الزاوية تحت الغطاء األسود ،كل ش يء في مكانه ،والحياة كما كانت في كل وقت. أخذ الحافظ نوري أفندي شمسيته من خلف الباب ،وخرج إلى الشارع ّ بتمهل ،ملاذا!؟ هل كان لديه عمل في الخارج!؟ هل كان سيقابل أحدا!؟ ليس لديه ّ أي ش يء ،كان يمكن ّأال يخرجّ ، لكنه خرج. قادته رجاله إلى مفرق الطرق األربعة ،على جانبه ّ البقال وعلى جانبه اآلخر حائط مقبرة ّ ّ الت ّ كية ،ظهرت له سكة الحديد في فسحة األرض الخاوية ّ املرئية من بين البيتين مقابله، ا ا هناك أرجوحة مقلوبة على األرض في هذه ا ّ وبيت جلسوا ظهره املحني الفسحة الخاوية، بثالثة أعمدة طويلةّ ، مرت عربة ترامواي
مصنوعة من التنك األصفر ّ مهتزة مرتجفة، ّ واتجهت صوب “يدي قوال” .الشوارع خالية، رجل معلو ال بمياب درويش ُّ مر ا ئ يهز إحدى يديه أمامهُّ ، ويجر إحدى رجليه .عاد الشارع خاويا من جديد. ُ فجأة ُس ِمع صوت ضجيج عال ،القطار آت، ُ قطار أحمال آت من “آدرنة” ئ مر بسرعة مرورا باهرا جعل األرض والبيوت تهتز ،مرور العربات يرى من بين البيتينّ ، مرت الواحدة تلو األخرى ،وانتهت ،أوووه. كان نوري أفندي منزعجا ،الترامواي قادم من أدرنة وقد وصل إلى اسطنبول ،لم يبق ليصل “سيركه جي” ّإال ّ عدة خطوات ،لم ال يسير ّ ّ بتمهل ،وكمال!؟ مثل املجنون ،وكأنه هارب. كان الحافظ نوري أفندي واقفا في زاوية الشارع ،فجأة ئ أحس بأحد بجانبهّ ،إنه شكري
92
ّ ّ الجو حار ،معطفه الطويل معلق على كتفيه، طربوشه يكاد يلصق برأسه من العرقّ ، لكنه غير مهتم ،يمش ي. ّ مع أن الوقت كان باكرا إال أن حمامات السباحة في “قوم قابي” كانت مزدحمة ،بائعتا أغطية الرأس نشرتا األغطية على الصخور لتجف ،مش ى نوري أفندي ،وعبر املمش ى، ّ ودار خلف املحطة من طريق داخل الحارة، ّ ّ السكة وبينما هو يجتاز الطريق إلى ّ الحديدية ،صادف بائع الفحم خليل: خير يا نوري أفندي ،إلى أين؟ا ذاهب هكذا ...كما ترى... وهللا ال أعرف،ألقى نظرة خلفه واستدرك: كان شكري آت ورائي. ّأي شكري؟ شكري ّالقواف! هل أنتم ذاهبون إلى مكان ما؟ال ،هكذا ...كان قد قال لي لنذهب ،لكنه لميلحقني. بحبل شكري! دعك منه! وهل تنزل البئرِ وحده هللا يعلم أين هو اآلن ،ومع من! أنا عائدا الحي اآلن ،تعال لنعد ّ إلى ّ سوية. طأطأ نوري رأسه: حسناُ ،لنعد ّ ّ امش هيا هياِ ،سارا ،وبدأ خليل يحكي لنوري أفندي كيف أنه جاء لشراء الفحم ،لكنه لم ّيتفق على
القواف ،هل جاء من الشارع الخلفي؟ ّ ّ توجه إلى نوري أفندي: هل تنتظر أحدا ؟الاا..ُّ ستظل واقفا إذا؟ هلّ ال أعرف ،إني واقف اآلن.إذن فلديك اعمل خاص. الُّ ،أي عمل هكذا هي الحياة ،لم ال!لم ي ُر ّد نوري أفندي ،وبعد صمت قصير عاد وسأل: ّ ستظل واقفا هكذا؟ –هل ّ ال أعرف إني واقف اآلن.تعال معي إن أردت ،نذهب إلى “كوم كابي”طأطأ نوري أفندي رأسه: آتي إن أردتُ ّ ّهيا ،تكون قد تجولت قليال. سارا ،وعبرا الشارع إلى الرصيف املقابل، دخلوا الزقاق على اليمين ،ووصلوا إلى ّ السكة ّ الحديدية ،فقال شكري: أكمل مسيرك أنت وأنا سألحق بك.ودخل مخزنا للحطب ،سار نوري أفندي مستندا على شمسيتهّ ، متفرجا على بساتين الخس والخيار على جانبي الطريق ،يستدير ويقف عندما يسمع صوت القطار ،ثم يعاود سيره وهو ّ يهز شمسيته.
93
–نوري أفندي ،اآلن ننه هذه اللعبة عندما ِ سألعب معك. أخرج الحافظ نوري عصا أفندي الشمسية من فمه: أنا ال أعرف لعبالطاولة! ال تعرف لعبالطاولة! ال أعرف...ما دمت ال تعرف اللعبة ،ملاذا كنت تشاهدنانلعب؟! رفع نوري أفندي كتفيه: هكذا ،كنت أشاهدكم.رتب ّ الرابح في اللعبة أحجاره وأخذ الزهر بيده: غريب! أنت ترتاد املقهى منذ أن كنت فيّ الخامسة عشرة ،كيف لم تتعلم لعبة الطاولة؟ بدأ اللعب من جديد ،وخسر الالعب نفسه من جديد ،فلم يتمالك نفسه: –نوري أفندي وهللا جئت ونحست زهري، اذهب واجلس بعيدا قليال من هنا ،انزع نوري أفندي من هذا ،وكان سيقول: يضرك جلوس ي هنا؟! ّ وبماذا ّلكنه لم يقل، ّ وقف ّ وتوجه إلى باب املقهى ،وفكر :هل أعود
ّ السعر ،لم يكونا قد سارا أكثر من خمسة عشر خطوة ،عندما نده صاحب مخزن الفحم لخليل ،فهم خليل ئأن هذه الصفقة سوف تتم ،وقال لنوري أفندي: تابع أنت املسير وأنا سوف ألحق بك.سار نوري أفندي وسلك الطريق الذي جاء منه لوحده ،ووصل إلى باب مقهى الحي. رجالن جالسان قبالة بعضهما على كرسيين ّ واطئين من الحصير ،يلعبون الطاولة ،اقترب وجلس على الكرس ي الثالث الفارغ ،وأسند كوعيه على ركبتيه ،وعصا الشمسية على فمه ،وبدأ يشاهد لعب الطاولة. أحد الالعبين خسر اللعبة ّ مرة ،عاد وخسر اللعبة ّ مرة أخرى ،فغضب وألقى خسارته على ّ النحس الذي جلبه نوري أفندي ،وفكر بأنه” جاء ونحس له زهره” لكنه لم يقلها صراحة،
94
ا فتاة صغيرة تحمل باقة من البقدونس ئ مرت الجار ّ وهي تطقطق بقبقابها .ابن ّ غفار، ّ يجاهد إلدخال سلتي ظهر كبيرتين من باب البستان .امرأتان تسيران بسرعة إلى البيت، ّ من الواضح أنهما كانتا في مكان ما وتأخرتا، ُ صوت طقطقة قبقاب ّأمه آت من املطبخ، ّ فكر نوري :ما أجمل الحياة ،ال يلزم اإلنسان ّ إال عمرا ليعيشها.
إلى البيت ،الوقت بعد الظهيرة ،وقد اقترب املساء ،اشترى خبزا من ّ البقال أثناء مروره من أمامه ،وذهب إلى البيت ،فتحت ّأمه الباب، ّ كان البيت مشبعا برائحة الطبيخ ،صعد إلى ّ الش ّ امية ،وجلس أمام غرفته ،ولبس سترته ّ ّ النافذة ،ئ مر البائعون املتجولون ،وهبط لون املساء على الحي ،صاح ا ولد في زاوية الحي: -خيري ،تعااالّ ،أمي تريدك،
*ممدوح شوكت أساندال ((Memduh Şevket Esendal
ولد في اسطنبول ،لم يستطع الدراسة ألسباب ّ عائلية ،دخل حزب االتحاد والترقي عام ،1906وعمل بالزراعة بعدها ،شغل بين عامي 1950-1920منصب عضو سميةّ ، الر ّ في البرملان ،وسفير ،نشر كتبه بتوقيع :م .ش .أ .بسبب مهامه ّ يعد مؤسس ي القصة الحديثة في ت ّ ركيا ،له العديد من القصص والرو ايات :من ّ مجموعاته القصصية :الحكايات :الكتاب األول -1946الحكايات :الكتاب الثاني -1946فيصل جاويش -1984زهرة صغيرة -1984ثمن الهواء ّ -1984 النجار العجوز -1984نسيبة -1985القلب يالحق الهارب .1993
نور عبداهلل صحفية ومرتمجة سورية ،تقيم يف تركيا ،عضو هيئة حترير جملة كلنا سوريون
95
96
شعراء من العامل الرتمجة عن اإلنكليزية :عمار عكاش
( الببغاوات ) للشاعر املكسيكي ألبريتو بالنكو ّ ال تكف عن الكالم طيلة النهار وحين يزحف الظالم تخفض أصواتها ِ ّ كي تتحدث إلى ظاللها وإلى الصمت *****
97
مثلها مثل ّ كل الكائنات تثرثر طيلة النهار وفي الليل تحلم أحالما سيئة ***** بحلقاتها الذهبية التي تغطي وجوهها الذكية، بريشاتها املتألقة وبقلب ال يهدأ من صخب الكالم، هذه الببغاوات الكائنات مثل كل ِ أكثرها براعة في الكالم يحظى بقفص منفصل عن الباقين
من ديوان :من فجر األحاسيس Alberto Blancoواحد من أهم شعراء املكسيك املعاصرين ،عمل إلى جانب الشعر في حقل الترجمة والفن البصري .ولد عام 1951في مدينة نيو مكسيكو ،درس الفلسفة والكيمياء والدراسات الشرقية ،له أكثر من 30 ً مؤلفا في الشعر. املصدر: https://www.poets.org/poetsorg/poem/parakeets
98
( التمساح ) قصيدة للشاعر االنكليزي لويس كارول
واعجباه كيف ّ يجمل التمساح الصغير ذيله الالمع ويسكب ماء النيل على ّ كل حرشفة من حراشفه الذهبية ***** كم يبدو مبتهجا وهو يبتسم ملء شدقيه لكم ّ يمد مخالبه بأناقة ُمر ِ ّحبا بسمكة صغيرة ّ بفكين مبتسمين بلطف
ً Lewis Carroll, 1832 – 1898ولد في ديرزبيري في جيشرفي انكلترا ،اسمه الحقيقي شارلز َد ْج َسن ،كان محاضرا في الرياضيات ،أشهرمؤلفاته في أدب األطفال :أليس في بالد العجائب. املصدر https://www.poets.org/poetsorg/poem/crocodile
99
حين أشيخ وينال مني التعب والحنين السوداو ُّي سأبني ضريحا أخضر األوراق قريبا من هذا املكان ،هنا وسط هذا الرذاذ البهيج وأموت حاملة بالعصور ***** ُ يقولون إن الديدان تبعث من جديد ُ ُ تخفق ترفرف بأجنحة بيضاء لكنني ال أكترث لهذا الكالم ّ ُ أكنت مجنحة ّأم كنت أغط في فسواء نوم عميق في كلتا الحالتين أنا لن أنال ما أستحقّ ***** تحت أنشوطة شجرة العسلية هذه ا مكسو بالشعر ا ا جائع يسروع أزحف على كرس ّ ِي العالي املتأر ح وآكل ،ثم آكل ،ثم آكل ألنه ينبغي على املرء أن يأكل
(اليسروع) قصيدة للشاعر األمريكي لروبرت غريفز ّ العسلية تحت أنشوطة شجرة ُ ا يسروع ّ ملو ان يزحف وأنا ألتهم رذاذ الزعرور البر ّي األخضر الطازج أقضمه ورقة ورقة حتى النهاية ***** في األسفل تنمو الهندباءات واألقاحي ،ومرايا عجوز ا وغربان ترفرف ناعبة في درب تشق الحقول آكل وأبتلع ،وآكل مرة أخرى ***** هنا تريء قطرات املطر على عجل تمضغ وتقضم صاخبة دونما اكتراث ا وأوراق الزعرور البري ٌّ غض وصلبة سوف ألتفت لشؤوني الخاصة ،فأنا دودة طيبة
ً , 1895 - 1985 Robert Gravesغالبا ما أثارالشاعراألمريكي روبرت غريفزالجدل في محاوالته الشعرية وكتاباته الرو ائية وكتاباته النقدية ،وترجماته .لم يكترث بما هو سائد من مدارس شعرية ،فاستحق ّ الخصوصية واللمسة الكالسيكية. شهرته بسبب فرادة أسلوبه وجمعه بين املصدر: https://www.poets.org/poetsorg/poem/caterpillar
100
تقول أن شعر الكالب يتساقط ودائما ما تسمح للغرباء بالدخول ال و بل تنبح في وجه األصدقاء بدال عنهم ( أي الغرباء) وتقوم بأفعال فاضحة على السجادات ّ األرضية وتخلف في سيرها طينا على ّ وتحط فجأة على سريرك ليال ّ الكلبي وتشخر شخيرها ******
( أمي ال تريد كلب ًا ) للشاعرة األمريكية جوديث فيورست أمي ال تريد كلبا، تقول إن رائحة الكالب كريهة وإنها ال تجلس حين تقول لها اجلس ي حتى لو صرخت في وجهها ***** وحين ترجع إلى البيت متأخرا في الليل والدنيا ثل ا ا وبرد ّ سيتوجب عليك الخروج مرة أخرى ألن الكالب ّ ّ املغفلة ترغب في الخروج ***** أمي ال تريد كلبا
أمي ال تريد كلبا إنها ترتكب خطا ألنني ال أعتقد أنها ترغب في هذه األفعى أكثر من الكلب
Judith Viorstشاعرة وروائية أمريكية ولدت عام ،1931وباحثة في مجال التحليل النفس ي ،كتبت في أجناس فنية ّ متنوعة ،وهي كاتبة ذائعة الصيت في أدب األطفال ،أشهر كتبها في هذا املجال " ألكسندر واليوم الرهيب، ً جدا" وبيعت منه مليونا نسخة كما ّ حولت إلى فلم رو ائي طويل عام .2014 الفظيع ،غيرالجيد ،الس يء املصدر: https://www.poets.org/poetsorg/poem/mother-doesnt-want-dog عمار عكاش كاتب ومرتجم سوري ،يقيم يف تركيا
101
102
آداب وفنون 103
104
نزار قباني ريم فاضل نزار قباني كان من القلة الذين أدركوا أن الكبت االجتماعي للنساء سيولد عالقات يصفها المجتمع بالشذوذ ،لذلك لم يتناول القباني الشذوذ الجنسي النسوي من حيث الرغبة التي تعود إلى طبيعة فيزيولوجية في تكوين جسد المرأة.
لطاملا كانت الوشائج التاريخية تنس ترابطا بين بداية كسر التابهوات االجتماعية في الوسط السوري األدبي وبين جرأة أشعار نزار قباني ،إذ تفاوتت األحكام في حقه األدبي وفقا لذلك .وقد يظن البعض أن تلك الجرأة تتجلى في آلية طرحه شعريا لتفاصيل الجسد األنثوي واختراق خصوصيته الحميمية بشفافية العشق الذي ال يبالي بأعراف املجتمع الشرقي وتقاليده.
105
ملاذا؟ منحت لقلبي الهواء فلما أضاء بحب كعرض السماء ذهبت بركب املساء وخلفت هذي الصديقة هنا ..عند سور الحديقة على مقعد من بكاء ملاذا؟
غير أن جرأة نزار قباني الشعرية ال تقف عند تمثله لألنثى والنطق بلسان حالها ،بل يمكن القول إنه تفوق على األنثى وتجاوزها في البوح عن مكنوناتها، والسيما في مجتمعنا الشرقي حيث تتخذ املرأة من ستار الصمت حجابا يقيها من أحكام هذا املجتمع وقسوته فيما يخص شؤونها الحميمية ،فتنطوي على ذاتها ،لتبقى عاجزة عن حماية ماهية أنوثتها وقيمتها اإلنسانية من مقاصد تجار الجسد وتجار القلوب على السواء .وال يختلف الحديث عن الفترة الزمنية التي عاصرها نزار قباني عن أيام عصرنا هذا ،فما زلنا نعاني من ذلك التقوقع االجتماعي الذي يسهم في تردي حال املرأة العربية واضطهادها ،ومازالت تقول:
غير أن تأطير تلك الجرأة الشعرية بهذه الرؤية فيه من اإل حاف الكثير ،ملا لها من منحى آخر يتبدى بمدى تماهي الشاعر مع األنثى ُ خرج املنطوق الشعري من بجزئيات دقيقة ت ِ تجليات العالقة ما بين الذكر واألنثى لتنهض به على تخوم ما يمكن أن نصفه دخائل الرجل األنثوي .فلقب شاعر املرأة الذي يسم نزار قباني ،ال يش ي بدفاعه عن املرأة وال حتى عشقه للمرأة أو غير ذلك من املواضيع التي تع باإلبداعات األدبية ،إن ذلك اللقب ا مستمد من مقدرة نزار قباني على تقديم خطاب أنثوي بصوت املرأة ال الرجل ،عبر لوحات شعرية ينثال منها مونولوج أنثوي ،وفي حضرتها لن يكون بوسع املتلقي إال أن ينصت إلى تلك املرأة ،وهي تتجلى أمامه عارية الروح من كل أدلجة ذكورية لقضاياها ،فيعجز عن التقاط صوت الرجل الشاعر بين ثنايا البوح الشعري ،فال ش يء سوى صرخة أنثوية:
معذرة يا َّ سيدي ُ إذا تطاولت على مملكة الرجال ً طبعاُ - أدب الرجال فاألدب الكبير- ً ُّ والحب كان دائما ...من حصة الرجال..
106
ً ُ والجنس كان دائما ً مخدرا ُيباع للرجال ٌ ُّ حرية النساء في بالدنا خر افة
وما يزال ،لذا نراه يتقمص تلك األنثى بكل تفاصيل إشكاليتها وبما يجتاحها من الجفاف الروحي في صحراء مجتمع ال يرحم فتقول لصديقتها:
فليس من ّ الرجال.. حرية أخرى سوى حرية ِ ولعل نزار قباني كان من القلة الذين أدركوا أن الكبت االجتماعي للنساء سيولد عالقات يصفها املجتمع بالشذوذ ،لذلك لم يتناول القباني الشذوذ الجنس ي النسوي من حيث الرغبة التي تعود إلى طبيعة فيزيولوجية في تكوين جسد املرأة ،بل سلط الضوء على الشذوذ الناتج عن الحرمان النفس ي ُ والجسدي والكبت االجتماعي في مدن تلقب اإلناث اللواتي تجاوزن الثالثين من العمر بالعانسات ،وتعاملهن كسلع منتهية الصالحية ،متناسين أن الروح والجسد ال انفصال بينهما ،وأن هذا الكبت سيولد انفجارا ،وأن األعراف االجتماعية التي تحط من شأن النساء الناضجات ،هي ذاتها األعراف التي قللت فرص أن يحظين بحياة طبيعية ال يقيدها تقاليد املجتمع وشروطه املادية والوظيفية واالجتماعية التي تعرقل سبل االرتباط بين الذكر واألنثى ،وتزيد من نسبة ما يصفونه بلقب العنوسة ،مما يؤدي إلى ما ال يوافق عليه املجتمع في الخفاء ،وربما كانت قصيدة نزار قباني املعنونة "القصيدة الشريرة" من أكثر القصائد جرأة في عصره بما تنطوي عليه من موضوع كان شائكا اجتماعيا
ً ُ ُ ُ أتراني ك ّونت امرأة كي تمضغ نهدي األشباح أشذوذ ،أختاه ،إذا ما َ ّ َ ّ التف ُ اح لثم التفاح نحن امرأتان ..لنا قممٌ ُ ولنا ُ ورياح أنواء
وملا كانت قضية املرأة قد أخذت اليوم ّ جل أصداء االهتمام في مجتمعاتنا ،وأصبحت حريتها وكرامتها موضوعا أدبيا بامتياز ،كان من الطبيعي أن يبرز ما يصطلح عليه اليوم باألدب النسوي الذي اتخذ من كسر التابهوات االجتماعية ركيزة إلبداعه ،وحين نمعن النظر اليوم سنجد أن املبدعات السوريات هن اللواتي يشكلن نواة هذا األدب في الوطن العربي ،غير أنه ال شك أن نزار قباني قد أسس أولى إرهاصات هذا األدب في بنية املجتمع السوري ،وهنا تكمن املفارقة إذ حفز الكثيرات على البوح اإلبداعي للنهوض باملرأة السورية ،فتألم بأجسادهن ،ونطق بقلوبهن ،من خالل معايشته لجزئيات األنوثة الكامنة في كل رجل ،تلك الجزئيات التي يصعب على الرجال إيقاظها في مجتمعات
107
تقيد الرجل بالصالبة ،فيصبح بكاؤه عارا، ويغدو تعاطفه مع األنثى وهنا،
متى َتفـ ْ ـهم؟ متى يا س ــيدي تفـ ْ ـهم؟ ً بأنـي لسـت واحدة.. ك ــغيري ،من صديقاتـ ْـك ً ً وال فتحا نسائــيا.. يضــاف إلى فتوحاتك ً ُ وال رقمــا من األرق ــام يعب ُرفي ســجالتك.. متى تفـ ْ ـهم؟
وأهم ما ُيقال هنا في هذا املقام أن نزار قباني يمتط ركاب املدافعين عن األنثى من لم ِ منظور ذكوري ،كحال الكثيرين في األمس واليوم ،ولم يسع إلى حريتها الشكلية الهشة وحسب ،بل ّ عبر عن مطالبتها بحرية كرامتها األنثوية ،تلك الحرية التي تأمل أن تتخلص من تشييىء الرجل لألنثى وامتهانها باستبدالها بامرأة أخرى كلما أصابه الضجر العاطفي فيتألم بصوتها:
وأهنتني.. ُ َ من بعد ما كنت الضياء بناظريك
يبقى نزار قباني بتلك الجرأة اإلبداعية من أكثر الشعراء املثيرين للجدل ،غير أن الحقيقة التي ال جدال فيها أن القباني حين أحب املرأة تماهى بكينونتها ،فلما تجلى الشعر كان هي وكانت هو..
يا من وقفت دمي عليك وذللتني ونفضتني كذبابة عن عارضيك ودعوة سيدة إليك
ريم فاضل كاتبة سورية ،حتمل ماجستري يف اللغة العربية ،تقيم يف فرنسا
108
يف البحث عن مسرح جديد بشّار فستق يمكن أن نستفيد من كلّ التجارب ،من مسرح خيال الظلّ ومن مسرح العبث والملحميّ والشوك و ،...ولكنّ مسرح الغد هذا ،سيكون مختلفاً تماماً عن كلّ ما سبقه ،فالمزيج سيخلق مسرحاً جديداً.
ّ ّ وتأثر األدباء ّ ّ والفنانون العاملية الثانية ()1945 – 1939 طال الدمار أوروبا كلها في أعقاب الحرب بنتائجها فظهر مسرح العبث ومثاله الشهير "في انتظار غودو" عام 1953لصموئيل بيكيتّ ، وتطور ّ ّ ّ الجدلي، املحصلة باملسرح األملاني برتولد بريشت أسماه في مسرح هائل األثر للشاعر ورجل املسرح
109
ّ ولكن ذروة نتائج ّ التغيرات كانت في ّ ثورة الطالب 1968 التي بدأت في فرنسا، ّ وامتد ّ التغير الثق ّ افي ّ ّ الذي ولدته إلى جميع ّ وخاصة املجاالت الثقافية باعتبار أنّ ّ ّ الجامعي في املسرح باريس كان شعلة لتلك الثورة ،وال يمكن إهمال تأثير ّ كل ذلك في العالم بشكل مباشر ،من اليابان – طبعا ّ - وحتى الواليات ّ املتحدة. ّ وفي الدول العربية ،التي نال أكثرها خالل تلك ّ ّ االجتماعية التحوالت الفترة استقالله ،بدأت ّ تموج في قلبها ،حتى ُ صدمت شعوبها -وخاصة في محيط فلسطين -بالهزيمة التي كشفت عن أكاذيب األنظمة وحجم املأساةّ ، مما ّ حرك ّ الفكر وجعل سعد هللا ونوس يطرح من جهته ّ ّ السياسية "حفلة سمر من أجل مسرحيته خمسة حزيران" ُبعيد النكسةّ ، ولكن املسرح ّ وظلت في ّ ّ حيز النخبة؛ في الرسمي احتواها ّ التجارية بعيدة الوقت الذي بقيت املسارح ّ ّ عن ساحة الفكر عموما ،فهذه ظلت تقدم مفرداتها من األلفاظ والحركات املضحكة أو
الجنسية فتجلب إلى ّ ّ شباكها من التلميحات يدفع مقابل ذلك. ّ السوري، في توصيف تلك الفترة من املسرح قال ّ الفنان عمر ّ حجو في حوار معه نشر في ّ اإللكتروني :في 2010-6-5على موقع "نوح" عام ّ 1961 ّ تأسس املسرح القومي بدمشق وبدأ ّ ّ مسرحيات مترجمة للقليل من يقدم جمهور النخبة ّ املثقفة؛ وكان هنالك مسرح ّ فك ُ ّ تجار ّي رت أن أعمل شعبي بدون مضمون. بين االثنين ،كيف؟ أن ّ أقدم اختصارا ّ ّ املكونة من بداية وعرض للمسرحية ّ وحلّ ، الشخصيات وحبكة وعقدة ّ كل ذلك ّ مسرحية) ،وفعال أختصره إلى (صندويشة قد ُ ّ مت في عام 1969تجربة أولى على مسرح ّ السوفياتي في نصف ساعة املركز الثقافي نموذج ّ مكون من 7لوحاتّ ، ثم في عام 1970
110
ولكن ،ما لم يذكره ّ الفنان ّ حجو هو ّأن دريد ّ لحام استولى على هذا املسرح الناش ئ وبدأ ّ يوجهه إلى انتقاد املواطن، بدل فضح السلطة التي ُهزمت، ّ حتى وصل إلى ّ مسرحية "ضيعة وامتدح تشرين" ّ ّ "االنتصارات" ونال بندقية كهدية من رفعت األسد على خشبة املسرحُ ،منهيا بذلك ّ ّ جوهرية حول أي أثر ملسرح يطرح أسئلة واقعه ،فما بالك بمستقبله! وصحيح ّأن مسرح الشوك ينتمي إلى املسرح السياس ّي من ناحية املضمونّ ، لكن محاولة الدكتور رياض عصمت تصنيفه بما يشبه نماذج ّ غربية مثل مسرح (الشانسونيه) أو ّ ّ الوثائقي، كالتسجيلي غير من التصنيفات كانت غريبة ،بل وغير دقيقة؛ في الحقيقة لو شاهدت بعضا من لوحات مسرح الشوك ُ(متاح على اليوتيوب) فستجد ّ بأنها ال تشبه ما ذكره الناقد عصمت أو غيره .فإن كانت بعض
ّ قدمناه ضمن مهرجان ّ املسرحي دمشق ّ األول عرضا باسم مسرح الشوك، وقيل بعد تقديمه ّ "إنه نقلة ّ نوعية في املسرح" في الحقيقة "الحاجة أمّ ّ كنا االختراع" بحاجة لهكذا مسرح. ّ بمقولة الضرورة أنهى حجو رأيه عن ّ قصة تأسيسه ملسرح الشوكّ ، وممن عمل أيضا في مسرح الشوك :نهاد قلعي -رفيق السبيعي -أحمد ّأيوب -أحمد قنوع -عمر قنوع -ياسين ّبقوش -عدنان بركات -أحمد قبالوى -إنعام الصالح -طلحت حمدي -ناجي جبر -مظهر الحكيم -زياد مولوي -هدى شعراوي ،وغيرهم .وبالفعل ّ تحول مسرح الشوك في عروضه ،ومنها "مرايا وجيرك" و "براويظ" إلى مدرسة ّ فن ّية جديدة في نهاية ّ ّ الست ّ السبعينيات من مسيرة ينيات وبداية املسرح في سورية.
111
يعترف به النظام ،الذي ّرد بالقتل ّ ثم القتل؛ فأين من هذا ما كان ُيعرض على املسرح؟! لقد أصبحت الفرجة على ما ُي ّ صور من ّ جم ّ ّ السلمية أو على اليات التظاهرات بشاعات ما يقوم به النظام من إبادة للشعب، ّ الرسمي مسخرة أمام صدق صور وبدا اإلعالم ّ السوريين عن أنفسهم الثوار ،وال ينفي دفاع ّ ضد النظام فيما بعد بالسالح حقيقة سلميةّ خروجهم طلبا ّ لحريتهم وكرامتهم؛ فكيف ّ ّ سيتناول خاصة املسرح – هذه الفن – الثورة؟ يمكن أن نستفيد من ّ كل التجارب ،من مسرح ّ ّ وامللحمي الظل ومن مسرح العبث خيال ّ والشوك و ،...ولكن مسرح الغد هذا ،سيكون مختلفا تماما عن ّ كل ما سبقه ،فاملزيج سيخلق مسرحا جديدا.
اللوحات ذات مضمون سياس ّي مباشر مثل: ّ الصيادين ،حيث يطلب من العرب أن لوحة ّ ّ ّ يوحدوا اتجاه بنادقهم إلصابة العدو (الضبع أو الوحش) فال يفعلون .ولكن في لوحة أخرى ُيدين املواطن (لوحة حجز التذاكر) الذي ال ينتظم في الدور وال ّ يتقيد باألوامر فيبدو ّأن املواطن هو سبب املشاكل! وهذا ال يشبه ّ حتى مسرح (الكباريه) السياس ّي. في إحدى آخر محاوالت ّ الفنان ّ حجو إلعادة إحياء مسرح الشوك بداية عام ّ ،2011 شجع مجموعة من الهواة على إعادة تقديم تلك ّ ّ حتى أنه جلب أشرطة (فيديو) اللوحات، ّ ّ ّ ليطلعوا عليها ،ثم دعا دريد لحام ليحضر ّ ويقدم مبلغا من املال إليهم! وكان العرض يشبه علكة مستعملة فقدت ّ كل ش يء وبقي منها القرف. عندها ،كانت مظاهرات الثورة تنتشر في كلّ مكان من سورية صانعة ّ ّ اجتماعيا لم تحوال
بشار فستق خمرج مسرحي سوري يقيم يف أملانيا
112
أمحد رائد
حسين برو وتمثل تجربة الفنان أحمد رائد واحدة من هذه التجارب التي تعتمد اإلنسان والوجه بشكل خاص مادة ومختبراً وبؤرة لصنع لوحة معاصرة .والوجه في تجربة الفنان أحمد رائد يخضع إلضاءة نفسية تتأتى من خطوط بسيطة على خلفية لونية تحتفي بتشكله وحضوره الرمزي والتعبيري.
يقول هنري ماتيس" :كثير من الهموم تنغص علينا حياتنا فال تحتاج اللوحة ألن تزيدنا غما ،ناهيك أن هناك فرحا مبتذال عاهرا ،وهناك غبطة ذوقية رهيفة تبعث على االطمئنان وهو البديل عن الحرب .إذا اللوحة شاهد على املأساة وبديل عنها".
113
كانت حصة الرسم ،تشبه الحصة التي بدون مدرس ،حيث أن العادة درجت على تكليف املدير أو املوجهة أو أمين السر أو مسؤول الوحدة الطالئعية أو الشبيبية بهذه الحصص الدرسية ،مثلها مثل حصة الرياضة أو املوسيقا ..وحتى هو ذاته ال يدعي أن عالقته مع التشكيل واللون كانت فطرية، فلم يجد نفسه فجأة يبدع بتشكيل أشكال مختلفة عما يبدعه أبناء جيله ،لم يولد وموهبة الرسم عنصرا أصيال في جيناته!
هذا هو حال الفنان السوري أحمد رائد الذي يحاول رغم مساحة القهر الكبيرة التي تحاصره في منفاه أن يرسم ويرسم ويرسم كي يقول لنفسه ولآلخرين أن الحياة مستمرة وأنه علينا أن نقدم لها ما يليق بها من جمال. لم تالحظ عائلته اهتمامه باللون وبتشكيل البياض ليغدو شيئا مختلفا ،وال حتى معلمات الرسم في املرحلتين اإلعدادية واالبتدائية ،لم يشدهن ما يخربش به على دفتر الرسم ،إذ أنهن جعلن األطفال يكرهون البيت الريفي مع الجبل والنهر من كثرة ما أجبروهم على رسم ذات املنظر الطبيعي، ليتفرغن للحياكة أو احتساء القهوة ،فلطاملا
كانت تستوقفه لوحات اآلخرين وهي معروضة على حيطان املدرسة ،أو في فاترينات املحالت املخصصة لبيع اللوحات الفنية ،طاملا كانت
114
ربما كان حظه جيدا ،ربما كما تقول جداتنا: (كانت أمه راضية عنه) ليكون أستاذه في مادة اإلعالن الفنان ألبير كندورة ،الذي نشأت خالل مرحلة التزامه باملعهد عالقة فنية من نوع مختلف بينهما ،فجر األستاذ بطالبه مكامن اإلبداع ،وتلقف الطالب من معلمه الوصفة السحرية لخلق الجمال عبر اللوحة، جمال ال يمكن أن يتشكل دون وعي بأهمية الجمال ،ووعي بالتعامل مع الخيال بحرية، دون قيود مدرسية ،ودون تقاليد صارمة، ودون االنسياق مع الحالة القطيعية .وهنا اكتشف أحمد كيف يمكن أن يستفيد من اآلخر وبذات الوقت يبدع ما ينتجه هو..
تسحره األلوان وهي تتشكل فضاء جديدا من لون ورسم ،ولطاملا حلم أن يرسم على الفراغ ما يخطر بباله من أحالم ورؤى وتصورات.. هنا بدأت لعبة األلوان والفراغ تستهويه ،وبدأ بالبحث عن سبيل ما يجعله يبدع جمال خياله الخاص بعدما ّ شدته لعبة الجمال ليدخل ميدانها دون تخطيط مسبق ،وال نوايا أنوية ،ذاتوية ،تتلخص بحب البروز والشهرة، كان ّ جل ما يبحث عنه البحث عن طريقة لفك سحر الجمال الذي ركبه وما استطاع عنه فكاكا. كان مركز فتحي محمد للفنون التشكيلية فرصة ألحمد كي يبحث عن فضاء يستطيع من خالله أن يتعامل مع تميمة الجمال التي هيمنت عليه ،مبلغ مالي بسيط يستطيع تأمين ه بأي طريقة كانت ،ومساحة مفتوحة ليمارس من خاللها لعبته املفضلة بتشكيل البياض بعلب األلوان ليخلق شكال جديدا ومختلفا ،رغم علمه أن هذا املكان محكوم بعقلية مؤسسات الدولة التي تهتم أكثر ما تهتم بخلق أصناف من الفنانين تمجد القائد الفرد أكثر مما تسمح لفضاء الجمال أن ينمو حرا كطير باشق يشق الفضاء ،ومع ذلك كان ال بد أن يبدأ تجربته من هنا ،وأن يبحث لنفسه عن درب مختلفة يكون فيها هو، ويكون فيها لريشته بصمة خاصة ،تحكمها قيم الحرية والجمال التي يعشق.
حينما تسمعه يتحدث عن أستاذه ألبير كندورة وكأنك في حضرة صوفي ينشد أشعاره وهو يصعد درجات التماهي مع الجمال املطلق ...يذكر أنه كان كثيرا ما يزوره في مرسمه األنيق ،وكيف كانا معا يجربان كثيرا، ويرسمان كثيرا ،ويحاوالن عمل مشاريع جديدة ،ما كان هدفهما التحضير ملعرض ما، وال تجهيز لوحات قابلة للبيع ،كان الهدف أمامهما هو كسر كل التقاليد القواعدية لفن الرسم وخلق فضاءات جديدة تستطيع اللوحة من خاللها أن تتنفس حرية الفنان. لم يكمل أحمد مرحلته الدراسية الكاملة في مركز فتحي محمد ،إذ أنه شعر أن ما يرغب
115
أن يكتشفه ،قد اكتشفه ،وأن ما تبقى من تعليم وتطوير لألدوات، مسؤول عنه هو لوحده بتعامله مع العالم من جهة ،ومع ذاته كفنان في تحد حقيقي لخلق الجمال، وتشكيل البياض لوحة تقول ما تريد روحه التواقة للجمال أن تقوله. في عام 2003وحين حاول مجموعة من طالب جامعة حلب أن يبدعوا شكال جديدا في رسم االحتجاجات املدنية السلمية ،فدعوا ،ونفذوا اعتصاما مفتوحا في ساحة جامعة حلب ،أمام مدرج كلية الطب الكبير ،والذي استمر ملدة خمسة عشر يوما متتالية دون توقف ال نهارا وال ليال ،أذكر أنه في اليوم الرابع أو الخامس جاء على االعتصام شاب نحيف أسمر ،يلبس نظارات طبية ،يحمل "سيبة" للرسم ،وحقيبة فيها "ماسورات" األلوان ،وقال بخجل ،ولكن بثقة كبيرة ،هل يمكنني املشاركة في هذا االعتصام عبر الرسم ،كانت فرحة املعتصمين كبيرة أن يبدأ اآلخرون ودون دعوة بمشاركة هذا الفعل االحتجاجي..
نصب أحمد "السيبة" وأخذ بصمت رافقه طيلة أيام مشاركته ،يرسم ،ويخلق من بياض اللوحة عمال فنيا يض بالحياة ،كان فقط يتبادل القليل من الكالم مع زميل فنان تشكيلي كان يلعب معه لعبة خلق الجمال ،أو مع بعض الجمهور واملدهوش بهذا الفعل املدني املعجون بالحرية ولغة الجمال ..وفي اليوم الذي هجمت فيه قطعان الشبيحة من بعثيي جامعة حلب ،ودمرت كالجراد كل ما
116
أنتجه املعتصمون من رسم وكاريكاتير وكتابات على كرتون معلق على الجدران، بهمجية ال يستطيع تخيلها أحد ،كانوا وكأنهم يخافون من الجمال ،ومن تفاصيل الحرية البسيطة التي بدأ يتنفسها البشر في محيط كانت تهيمن عليه قيم الفرد املستبد الذي ال ّ يمكن أن يتصور شيئا ما يتشكل خارج دائرة طغيانه .يومها التهم الجراد البعثي لوحات أحمد وزميله ،وكسروا "سيبة" الرسم ،والتي عرفنا فيما بعد أن أحمد قد استعارها من أحد الباعة في حلب على أن يعيدها له بعد حين ،وأنه اضطر فيما بعد ليدفع ثمنها من جيبه الخاص وبالتقسيط ودون أن يطالب املعتصمين بأي تعويض عن الضرر الحاصل.
لذا شارك في مجموعة من املعارض الجماعية كمعرض شتاء حلب في صالة الخانري بحلب في عام ،2005واملعرض املقام بحلب في العام 2007بمناسبة اعتماد حلب كعاصمة للثقافة اإلسالمية في ذلك العام ،ومشاركته في ورشة العمل مع الفنانة السويسرية كلير دومبل في العام 2007أيضا ،ليقدم لجمهوره ومتابعيه معرضه الفردي الثالث في العام 2008والذي أقامه في صالة عشتار في دمشق .ليأت بعده معرضه الفردي الرابع واألخير ،والذي يعتبره حالة مفصلية مهمة في تجربته الفنية ،والذي كان في كان في صالة كارما بحلب برعاية من القنصلية الفرنسية فيها ،وذلك في العام .2010
في عام 2004وفي صالة الخانري بحلب أقام أحمد معرضه الفردي األول ،حمل املعرض كل هواجسه ،كل قلقه ،كل دأبه في بحثه عن لحظة اقتناص الجمال عبر التشكيل ،ال شك ،وكأي فنان فرح أحمد بأعماله وهي ُ تعرض لآلخرين ،فرح بإعجاب اآلخرين ،وفرح أكثر بانتقاداتهم ،وتجلى قلقه بلغة فنية جديدة قدمها عبر لوحاته في معرضه الفردي الثاني عام 2005في صالة سرمد بحلب أيضا ،بعدها توقف قليال عن تقديم نفسه في معارض فردية ،كان يشعر أن كل معرض فردي يجب أن يقول جديدا ،ويجب أن يشكل نقلة جديدة وأدوات جديدة في خلق الجمال،
ال يدعي أحمد أنه يملك مشروعا فنيا متكامال ،بل ،ربما هو يرفض أن يعتبر نفسه مرهونا ملشروع واحد محدد ،وال يقبل كثيرا أن يكون ابن مدرسة فنية بعينها ،يقول أن طموحه الفني ،وبحثه الدائم عن قول ما يريد عبر اللوحة هو ما يهيمن عليه ،وهو ما يقوده نحو الرسم من جديد ،يحاول أحيانا أن يستفيد من الهندسة ،من تناظر األشياء، وأحيانا أخرى يبحث عن املدى املفتوح في تشكيل اللوحة ،إلى الحد الذي تشعر فيه وكأن األلوان تتماهى مع بعضها بانسيابية تجعل املشاهد يقرأ اللوحة بأكثر من طريقة وطريقة ،ربما العالقات الحية والداخلية
117
ما تشعر به في هذا العالم رغم صمتها الظاهري.
لألشياء واألشكال مندمجة مع القلق الروحي والهاجس الفني ،وتداخل عالقة هذه األمور مع بعضها ،هو ما يشكل العمل الفني عند أحمد ،هي حالة معقدة ،ال تستوي ضمن نمطية ما.
اهتم كثيرا برسم الوجوه ،يقول إنه أحب الوجوه ورسمها عندما شاهد لوحات الفنان السوري مروان قصاب باش ي ،وازداد هذا الحب عنده عندما تعرف على املدرسة األمريكية الحديثة في رسم الوجوه ،واشتغل كثيرا على هذا الجانب ،يقول عنه الفنان عصام درويش" :سجل االهتمام بالبورتريه مكانة خاصة بالفن السوري الحديث .ويمكن القول إن الوجه اإلنساني كقيمة تعبيرية عالية كان وما يزال هاجس الكثيرين من فناني
تعامل أحمد مع عالم الطبيعة الصامتة في بداياته ،لكنه لم يتجه لرسم الطبيعة الصامتة بشكلها التقليدي ،بل اندفع ليرسم األشياء بكل صخب العالم الذي يحيط بها، حتى ليمكننا القول إن صمت األشياء في لوحته يتجلى لعين املتلقي صخبا هادرا ،تقول
118
ويرسم دون كلل وال ملل ..ال يمكن أن يتصور نفسه دون اللوحة واأللوان ،يقول :خريف آخر .ش يء ما يشبهنا لعله ذاك القابع على سطح القماش .مؤلم أن تعيش بدون رائحة التربنتين .أن تكون بدون حلب"..
سورية ،وتمثل تجربة الفنان أحمد رائد الشابة واحدة من هذه التجارب التي تعتمد اإلنسان والوجه بشكل خاص مادة ومختبرا وبؤرة لصنع لوحة معاصرة .والوجه في تجربة الفنان أحمد رائد يخضع إلضاءة نفسية تتأتى من خطوط بسيطة على خلفية لونية تحتفي بتشكله وحضوره الرمزي والتعبيري ،وتمثل هذه البساطة نفسها في حضور الخطوط واأللوان متمما الختبارات أعمق في صياغة الشكل ،والسعي نحو خلق خلطات تلمح تاريخ وجودها في تلك الطبقات فوق بعضها، والتي تمثل تاريخا لخلق اللوحة .وأيضا تعزيزا لحضور املعنى الذي يكمن وراء كل هذه الجماليات على السطح".
املمر في منزل أحمد الصغير القابع في أحد األحياء الشعبية في مدينة إسطنبول محجوز لكثير من اللوحات املنجزة والتي ال تجد من يمنحها الفرصة لترى الضوء وتحاكي عين املشاهد ،وكأن يقول مع عبقري السينما أندريه تاركوفسكي" :املرء ال يحتاج إلى الكثير ليكون قادرا على العيش .الش يء الجوهري هو أن تكون حرا في عملك .طبعا من املهم أن تطبع كتابك أو تعرض لوحاتك ،لكن إذا لم يكن ذلك ممكنا ،فإن لديك أهم ش يء :القدرة على العمل دون أن تطلب إذنا من أحد".
اليوم يعيش أحمد في إسطنبول التركية، ويعمل في ورشات التطريز ليحصل ما يمكنه أن يكفي به قوت عائلته ،وما زال يرسم
أحمد رائد ،فنان تشكيلي من مدينة حلب ،تولد العام .1977درس في مركز فتحي محمد للفنون التشكيلية بحلب ،تفرغ منذ العام 2003 للعمل الفني .يعيش حاليا في مدينة إسطنبول التركية.
119
120
121
122
كن عاشق ًا للرّيح علي حممد شريف
كن مشرقًا وقت الغياب كن شاهدًا حيًّا على دمع القرنفل واحتطب خوف اإلياب احمل مظلتك األنيقة واتّئد في موتك الموقوت أمطر حيث شئت يكون عشبك ملهمًا للماء والموتى وأرباب التراب
123
كن عاشقًا كي ترتقي درج الحقيقة دونما ضجرٍ ودون قذيفة مشفوعةٍ ببذاءة الجنديّ تحتاج ابتسامتها ومرفقها لتعبر برزخًا ما بين موتين وبابًا الحتمال الورد تحرسه الذئاب
كن موقنًا بالبحر ال تأمن لغيمٍ عابرٍ أو تنتظر مطرًا مزاجيًّا يقرّره السحاب كن عاشقًا للريح فاألسماء تأفُلُ والنجوم البيض، واألحالم تأفلُ والخطايا والبالد فمن سيشعل قرب نعشك شمعة الميالد من سيقول للنوتيّ مهالا كي تمرّ قوارب الدّفلى ومن سيدسّ أزهار البنفسج بين طيّات الكفن ويعيد لك ما كان يحمل أوّلك
كن عاشقًا فالريح ذاكرة المرافئ قبلة العاصي .وسادة متعبٍ من موته البخس. انتماء. تحتاج رقّتها لتغدو مترفًا بالماء والحلوى فكن ظالًّ لقلبك حين يُشرق بالنداء وحين يهدل باسمها والريح أنثى تستردّ الحزن
124
من نايٍ تكسّر وحدها من تستعيد الليل لألرض اليباب كن واضحًا كالليل أنت اآلن أوسع من مداك هذا قرارك أن تموت وأن أترجم رغبة األحياء في لغةٍ تحيد عن المجاز، وقل كالمًا ال يغادر متنهُ
ال شأن للعادي في نصٍّ يجاوز ضفتيه ويُغرق المعنى بزهر االرتياب
علي حممد شريف شاعر وحمام سوري له أكثر ممن جمموعة شعرية ،يهتم بقضايا حقوق اإلنسان. مقيم يف تركيا.
125
126
ملن نكتب اليوم؟ مصطفى أمحد
إلى أي سر تحب أن يمض ي عمرك يا محمود؟ وإلى أي حالة مطر غامض تمض ي؟ وكم تستطيع ،اآلن ،أن تصمد أمام مفردات لغتك؟ وإلى أي مدى؟؟؟ وماذا ستفعل؟ والعمر ّ يساقط منك ّ كالشعر ،ومطر الشتاء يتواطأ مع آخر العمر يا محمود! ماذا جرى ملحمود؟ ذاك الذي صرخ يوما: يا أيها البطل انكسر فينا؛ لكي ال ننكسر وماذا جرى لي أيضا؟ وما هذا التعب الذي انتابني كلما نظرت إليك؟ وما هذا الوجع...؟ كم فعلت بنا في املاض ي القريب؟ وكم
127
ال يزال هناك من يستطيع إجهاض الخوف في أعماقه ولكن ،أما زالت هي املهمة املستحيلة نفسها تلك التي تراودك حتى اآلن؟؟ تنهال علينا كاملطر ،كلمات كأنها تخرج من عمق األرض ،فتصيبنا الدهشة والذهول ونفيق عاجزين أمام اللغة والصمت، ونعجز عن الهتاف ،ونعجز عن البوح، ونبقى عاجزين ونعود إلى منازلنا كالفئران ،نفترش أرض زوجاتنا ،ونهرب وراء أوالدنا؛ لنحتس ي القبل؛ فيكون ذهابنا الدائم إلى قيلولتنا اململة املضجرة... ألن نكتب اليوم؟ ملن نكتب اليوم؟
تفعل اآلن؟؟ فضحك كتابك األخير ،وفضحنا معك .لم أقترب مثلك كثيرا من حواف العمر ،لكني أنظر إليه اآلن ال تزال تتقن لعبة الحب ،ومازالت رائحة الكستناء والقطن وطعم الزنجبيل تفوح في هواك؛ فانتبه ...يا صديقي! ...وانتبه: فما برحت تعصر القلب؛ فينجب حليبا طازجا وياسمين ابحث عن الحب واألمل معنا .هناك ظالم عاثر ،وهناك خراب في النفوس .ينتابنا الكره من أنفسنا ،ونكره الناس ،وهم يسرعون إلى حافالتهم ،أو إلى منازلهم، قانعين ،مستسلمين ألبسط األشياء، ونسأل ملن نكتب اليوم؟؟
مصطفى أمحد قاص سوري ،رحل قبل أن يطبع جمموعته القصصية األوىل.
128
هل للكذب عيد؟ هيئة التحرير
ال نعرف بالحقيقة ما هو الجذر األساس ،أو املناسبة التي على إثرها تم اعتماد يوم األول من ً ً ً ً نيسان ،عيدا للكذب ،ولكنها فعال قصة تثيرالكثيرمن التساؤالت ،هل كان الكذب سائدا وكثيرا حتى تم اعتماد يوم واحد في السنة كي يتبارى الناس في اختراع الكذب؟ أم هل كان الكذب ً ممنوعا وغير متاح لذا تم منح رخصة لإلنسان كي يمارس ما هو ممنوع عليه في يوم محدد من ً السنة؟ هل الحقيقة متعبة دائما فتم ترخيص يوم لنمارس فيه كل ما نرغب من أكاذيب ومقالب؟ ولكن ما يثير التساؤل اليوم ،هل ما زال من الضروري أن يكون للكذب يوم وعيد ،وهل من الضروري أن ننتظراألول من نيسان في كل عام لنكذب على راحتنا؟ ونحن نرى ونتابع أن الكذب بات سيد املوقف ،فالكل يكذب على الكل عالنية ودون أن يرف له جفن ،الحكومات تكذب على الشعب ،والشعب يكذب على الحكومات ،الرجل يكذب على زوجته ،واألم تكذب على ابنتها، واألوالد يكذبون على املعلمة ،واملعلم يكذب على التالميذ ،دائرة ال متناهية من األكاذيب التي نعيشها كل يوم. رئيس األمم املتحدة يكذب حتى في قلقه ،الدول الكبرى تكذب حتى في قيمها الدستورية العليا، الشيخ يكذب وهو ّ يروج للسلطان ولي األمرفي خطبته ووعظه ،والخوري يكذب وهويلهج بالدعاء للحاكم الفاجروينفخ فيه روح القدس ،الكل يكذب.. ً ً ً ً القاتل يصبح بطال ،واملحتل يصبح صديقا ،والطائفي البغيض مقاوما وممانعا ،واللص ً ً ً ً ً ً املحترف ثائرا وبطال ،والتاجرمناضال مدنيا ،وكاتب التقاريرشاعرا وروائيا!!! عالم قائم على الكذب... ومع هذا للكذب في هذا العالم عيد ويوم!!؟
129
من أعمال الفنان كيتو سينو 130
131
132