178

Page 1

‫‪www.facebook.com/ZaitonMagazine | zaiton.mag@gmail.com | www.zaitonmag.com‬‬

‫محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة‬ ‫السنة الثالثة | ‪ 15‬تشرين األول ‪2016‬‬

‫العدد‬

‫‪141‬‬

‫محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد ‪ 1 | 178‬حزيران ‪2018‬‬

‫‪1‬‬


‫تقارير‬

‫رحيل الشاعر ال ُمرتجِل «محمد الشيخ علي» غريبا‬ ‫بسخرية ابن الرومي وكبرياء المتنبي وحكمة المعري‪ ،‬رحل الشاعر محمد عبد الجبار الشيخ‬ ‫علي ابن بلدة كنصفرة بريف إدلب الجنوبي‪ ،‬بعد أن توفي غريبا في بلدة الريحانية‬ ‫التركية في ‪ 24‬من أيار الحالي عن عمر ‪ 67‬عاماً‪.‬‬ ‫ربيع زيتون‬

‫يصنف الكثير من الكتاب‬ ‫والشعراء في سوريا الشيخ علي‬ ‫على أنه من أبرز الشعراء العرب‬ ‫المعاصرين‪ ،‬ليشكل موته‬ ‫خسارة لألدب العربي تضاف إلى‬ ‫خسارات سوريا ومأساتها‪.‬‬

‫ولسانه الذي يغني لألبد‪ ،‬كنت‬ ‫تكتب الشعر ألمة عشقتها‪،‬‬ ‫لكنها كانت في غرفة الموت‬ ‫السريري‪ ،‬فلم تكن قادرة‬ ‫على احتضانك‪ ،‬وأنت ظلمت‬ ‫نفسك»‪.‬‬

‫وشهدت صفحات الكثير من‬ ‫األدباء واألصدقاء للشاعر‬ ‫مشاعر الحزن والفقد‪ ،‬في‬ ‫عزاء افتراضي تجلى فيه قامة‬ ‫الشاعر ومحبتهم له‪.‬‬

‫كما رثاه صديقه الشاعر عبد‬ ‫الرحمن اإلبراهيم على صفحته‪:‬‬ ‫«الشاعر الكبير ملك القوافي‪،‬‬ ‫وأمير البيان‪ ،‬الصديق األستاذ‬ ‫محمد شيخ علي‪ ،‬رحل مبكراً‬ ‫من غير وداع قبلما تحققت‬ ‫أمنيته بالعودة إلى الوطن الذي‬ ‫أرغمته العصابة على فراقه»‪.‬‬

‫وصور الكاتب عبد العزيز‬ ‫الموسى على صفحته ذلك‬ ‫الزخم من المحبين قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫«كالعادة‪ ..‬لم يسمحوا ألحد‬ ‫من عائلة أبو عبدو المتوفي‬ ‫في الريحانية بمرافقته للضيعة‬ ‫باستثناء ابنه مالذ الصغير‪،‬‬ ‫قدرت صعوبة الوضع لوال أنني‬ ‫فوجئت بأعداد لم أرها وال‬ ‫رأيتها في كنصفرة مصطفة‬ ‫تتقبل العزاء‪ ،.‬أكثر من عشرين‬ ‫شخصا ال أعرفهم باستثناء‬ ‫اثنين ولكنهم أفهموني أنهم‬ ‫الذين أحبوا أبو عبدو بصمت‬ ‫وما زالوا»‪.‬‬ ‫فيما كتب رياض نعسان آغا‬ ‫مرثية جاء فيها‪« :‬يفجعني‬ ‫رحيلك‪ ،‬ألنك غادرت قبل أن‬ ‫تشرق شمس الحلم‪ ،‬ويصير‬ ‫حقيقة‪ ،‬بقيت وحدك معتصماً‬ ‫بجبلك‪ ،‬تنتحي زاوية منه‬ ‫في كنصفرة‪ ،‬كنت حارس‬ ‫الجبل‪ ،‬وعينه التي ال تغفو‪،‬‬

‫‪2‬‬

‫بالشاعر المرتجل وصفه مودعا‬ ‫صديقه الكاتب عبد الرزاق‬ ‫كنجو‪« :‬كأوراق الورد الجوري‪،‬‬ ‫لي سياج كروم كنصفرة‪،‬‬ ‫يتف ّلتون هرباً من واقع يلفّه‬ ‫هواء آسنٌ ملوّث بأنفاس‬ ‫الغزاة‪ ،‬يبحثون عن شفاه التربة‬ ‫المتعطشة للقائهم بعد غربة‬ ‫َ‬ ‫ليُقـ ِّبـلوها شوقاً‬ ‫قسريّة‪،‬‬ ‫بعد البعاد الذي قتلهم شوقاً‪،‬‬ ‫لروحك الرحمة يا شاعر ادلب‬ ‫المفوّه‪ ،‬وصاحب القصائد‬ ‫المرتجلة‪ ،‬سامحنا أيها الصديق‬ ‫الخجول المتواضع‪ ،‬فلقد اعتدنا‬ ‫جميعا أن نتذكر الصاحب ‪-‬بكل‬ ‫أسف‪ -‬فقط بعد الفراق»‪.‬‬ ‫وأشار محمد زيدان العلوش‬ ‫إلى عزوف الشاعر عن طلب‬ ‫الشهرة مؤثرا العزلة على مديح‬ ‫المجرمين فكتب‪« :‬لقد اختار أن‬

‫يظل بعيدا عن الشهرة وحب‬ ‫الظهور ألنه أصر أن يبقى حرا‬ ‫ولم ينضم لقافلة المنافقين‬ ‫المسبحين بحمد الحكام الظلمة‬ ‫ولم يرض أن يكون بوقا لهم‬ ‫وهنا تظهر معادن الرجال»‪.‬‬ ‫وطن ليس للعقالء هذا ما عبر‬ ‫به رضوان الحسين واصفا وفاة‬ ‫الشاعر غريباً‪« :‬عاش غريبا‬ ‫ومات غريبا‪ ،‬من هنا نعلم أننا‬

‫تأثره بحكمة أبي العالء‬ ‫المعري وسخرية ابن الرومي‬ ‫وكبرياء المتنبي يبدو واضحا‬ ‫في أشعاره وتعتبر قصيدة‬ ‫المنحوس التي لقب بها‬ ‫إحدى أشهر قصائده التي‬ ‫يقول فيها‪« :‬إني امرؤ‬ ‫شؤم وأنحس كل فال‪ ،‬أمي‬ ‫بعيد والدتي مرضت بأورام‬ ‫الطحال‪ ،‬وأبي تعرض العتقال‪،‬‬ ‫وأخي رآه مقيداً فبكى وبال‪،‬‬ ‫عمري بعمر االحتالل‪ ..‬وختنت‬ ‫في يوم فكان االنفصال‪،‬‬ ‫وبعرسي الميمون قد عبر‬ ‫اليهود من القنال‪ ،‬وحججت‬ ‫للبيت العتيق فعاث فيه أبو‬ ‫رغال‪ ،‬أحببت فاتن ًة فماتت‬ ‫بغت ًة‪ ،‬وألن شخصاً كاد‬ ‫يشبهني تدلى عنقه تحت‬ ‫الحبال‪ ،‬يا نحس هل لك من‬ ‫زوال؟»‪.‬‬

‫محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد ‪ 1 | 178‬حزيران ‪2018‬‬

‫في وطن يحكمه أعداء ألنهم‬ ‫حاربوا كل المخلصين والنجباء‬ ‫فنمّوا الغباء وحكمونا بالغباء‬ ‫حتى صار كل العقالء غرباء»‪.‬‬ ‫ترك لنا إرث انساني مليء‬ ‫بالحب هذا ما عبر كتبه إبراهيم‬ ‫بيرقدار عن ترجل الشاعر‬ ‫محمد الشيخ علي عن صهوته‬ ‫هذا المساء إثر نوبة قلبية لم‬ ‫ترحم شعره وفكره وطيبته‬ ‫وحبه الكبير لكل الناس‪ ،‬ترك‬ ‫لنا ارثه االنساني المليء‬ ‫بالحب والفلسفة واالدب وصدق‬ ‫التعامل المرصع بالبساطة‬ ‫المحببة مع كل المحبين»‪.‬‬ ‫ونعته رابطة الكتاب السوريين‬ ‫قائلة‪« :‬رحل غريباً كما جاء‬ ‫كأي شاعر حقيقي يتوق للحرية‬ ‫والجمال‪ ،‬بمزيد من األسى‬ ‫واللوعة تنعي رابطة الكتاب‬ ‫السوريين الشاعر والذي وافته‬ ‫المنية في بالد النزوح عن عمر‬ ‫مديد من الشقاء واألمل»‪.‬‬ ‫تأثره بحكمة أبي العالء المعري‬ ‫وسخرية ابن الرومي وكبرياء‬ ‫المتنبي يبدو واضحا في أشعاره‬ ‫وتعتبر قصيدة المنحوس التي‬ ‫لقب بها إحدى أشهر قصائده‬ ‫التي يقول فيها‪« :‬إني امرؤ شؤم‬ ‫وأنحس كل فال‪ ..‬أمي بعيد‬ ‫والدتي مرضت بأورام الطحال‪..‬‬ ‫وأبي تعرض العتقال‪ ..‬وأخي‬ ‫رآه مقيداً فبكى وبال‪ ..‬عمري‬ ‫بعمر االحتالل‪ ..‬وختنت في‬

‫يوم فكان االنفصال‪ ..‬وبعرسي‬ ‫الميمون قد عبر اليهود من‬ ‫القنال‪ ..‬وحججت للبيت العتيق‬ ‫فعاث فيه أبو رغال‪ ..‬أحببت‬ ‫بغتة‪ ،‬وألن شخصاً‬ ‫فاتنة فماتت ً‬ ‫ً‬ ‫كاد يشبهني تدلى عنقه تحت‬ ‫الحبال‪ ..‬يا نحس هل لك من‬ ‫زوال؟»»‪.‬‬ ‫كما يتبدى كبرياءه في قصيدة‬ ‫هالل يقول فيها‪ « :‬وأخيرا‬ ‫قيل جاء‪ ،‬لم يواكبن بيان ولم‬ ‫تعلن جريدة‪ ،‬حينما فاجأت‬ ‫دنياي بأسبوع بكاء‪ ،‬وككل‬ ‫األمهات العامالت ولدتني في‬ ‫الحصيدة‪ ،‬عيد ميالدي مجهول‬ ‫ولكني كبرت بين ترنيمات‬ ‫امي والقصيدة‪ ،‬راعيا شبابتي‬ ‫من نزق الجوع وآهات احتراق‬ ‫العشب من غزو الشموس‪ ،‬جئت‬ ‫من غير طقوس‪ ،‬غير أني رقم‬ ‫ال يتكرر في سجالت النفوس»‪.‬‬ ‫من دواوينه‪« :‬المدّ في زمن‬ ‫االنحسار»‪« ،‬فضاء لنجمة‬ ‫مستحيلة»‪« ،‬مقلوب البكاء»‪،‬‬ ‫«جغرافيا األنهار»‪« ،‬طرائد‬ ‫سانحة»‪« ،‬كي تكوني»‪ ،‬عمل‬ ‫مديرا للمركز الثقافي في بلدته‬ ‫كنصفرة ساهم في عدة لجان‬ ‫تحكيم شعرية‪ ،‬كما شارك بعدة‬ ‫مهرجانات شعرية شارك في‬ ‫العديد من المهرجانات الشعرية‬ ‫كمهرجان أبي العالء المعري‬ ‫والشيخ صالح العلي‪ ،‬مهرجان‬ ‫الشعر الرابع في القامشلي‪،‬‬ ‫نشر بعض إنتاجه في الصحف‬

‫والمجالت المحلية والعربية مثل‬ ‫الرأي العام والدستور والوحدة‬ ‫فضال عن الصحف السورية‪.‬‬ ‫حاز على جائزة نقابة المعلمين‬ ‫المسرح‬ ‫وجائزة‬ ‫للشعر‪،‬‬ ‫المدرسي بالكويت‪ ،‬كما حصل‬ ‫على براءة تقدير وشكر من‬ ‫المؤتمر السنوي الرابع عشر‬ ‫لتاريخ العلوم لمشاركته‬ ‫الشعرية‪.‬‬ ‫مرثاة للشاعر محمد الشيخ علي‬ ‫كتبها عبد الرّزاق الدّرباس‬ ‫والشّتاتُ‬ ‫ونسمعُ‬

‫المنايا‬ ‫وتدنو‬ ‫ ‬ ‫مصيرُنا‬ ‫ّق داعيا‬ ‫للموتِ المُحق ِ‬ ‫األرض ندفنُ‬ ‫نجوم‬ ‫وتحتَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بالدمع‬ ‫ونكتبُ‬ ‫ا‬ ‫ ‬ ‫بعضَن‬ ‫ِ‬ ‫السّخين القوافيا‬ ‫ِ‬ ‫لزيتو ِننا الحاني ُّ‬ ‫مواجع اً‬ ‫نبث ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫مازال‬ ‫فهل يا ترى‬ ‫ ‬ ‫في الموتِ حانيا؟‬ ‫ٌ‬ ‫غربة وقصيد ٌ ة‬ ‫لقد ذبحَتْنا‬ ‫وطن مازالَ‬ ‫على‬ ‫ ‬ ‫ٍ‬ ‫بالحرب باكيا‬ ‫ِ‬ ‫رح ْلتَ أبا عبدو وكنصفر ُة التي ‬ ‫جوع‬ ‫تصومُ على‬ ‫ ‬ ‫ٍ‬ ‫وقهر لياليا‬ ‫ٍ‬ ‫«المنحوس» وجهُكَ‬ ‫ويَغدو معَ‬ ‫ِ‬ ‫الصُّبح‬ ‫باسِماً كسيجارةِ‬ ‫ِ‬ ‫الذي مَرَّ خا ِويا‬ ‫لكَ الرّحَماتُ الغُرُّ من جودِ‬ ‫ْ‬ ‫األجيال‬ ‫وَذِكرٌ معَ‬ ‫ربِّنا ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫مازال باقِيا‬


‫تقارير‬

‫رمضان جديد يستقبله السوريون باآلمال واآلالم نفسها‬ ‫طقوسه معاني ومقتضيات العبادة‪ ،‬حيث‬ ‫ما إن يحل شهر رمضان حتى تتجاوز‬ ‫ُ‬ ‫تتداخل األجواء الحميمية فيه من تقاليد وعادات‪ ،‬إلى جلسات األصدقاء واألقرباء‬ ‫وثقل للذكريات على نفوس الماليين من‬ ‫وسهراتهم‪ ،‬بما يحمله رمضان من وق ٍع‬ ‫ٍ‬ ‫السوريين‪ ،‬بعد أن ش ّوهت آلة الحرب الدائرة في سوريا منذ سبعة أعوام بالدهم‪،‬‬ ‫عالو ًة على ما أثقلت به األشهر واأليام‪.‬‬

‫خاص زيتون‬ ‫من‬ ‫الماليين‬ ‫يستقبل‬ ‫السوريين في الداخل والخارج‬ ‫رمضان هذا العام منقوصاً‪،‬‬ ‫إذ تُعمّقُ ذكرياتُ موائدهم‬ ‫القديمة في سوريا بجانب‬ ‫أهلهم وذويهم وجيرانهم‬ ‫الجرحَ في نفوسهم‪ ،‬ما‬ ‫اإلفطار‬ ‫لحظات‬ ‫يجعل‬ ‫عند المساء تغص بالدمع‬ ‫وباالشتياق لمن غيّبتهم‬ ‫الحرب أو أخذتهم بعيداً‪.‬‬ ‫ما من عائلة سورية إال‬ ‫وتفتقدُ أحد أفرادها في‬ ‫رمضان؛ «فاطمة أم حسين»‬ ‫خسرت ابنين لها خالل‬ ‫الحرب‪ ،‬وكسائر السيدات‬ ‫في مدينة إدلب التزال‬ ‫تستقبل رمضان كعادتها‪،‬‬ ‫وإن كانت غير قادرة على‬ ‫ّ‬ ‫تذكر‬ ‫أن تمنع نفسها من‬ ‫(أحمد‪ ،‬ومحمد) تقول‪« :‬لن‬ ‫أنسى كيف كانوا يصرّون‬ ‫عليّ ألجل طبخة يحبّونها‬ ‫في رمضان‪ ،‬وكيف يثقلون‬ ‫عليّ بدعاباتهم ومزاحهم»‪،‬‬ ‫وتضيف‪« :‬لست أنا فقط من‬ ‫ّ‬ ‫يتذكر محبّيه‪ ..‬لقد دعتني‬ ‫والدة أحد الشهداء في أول‬ ‫أيام رمضان إلى أن أتناول‬ ‫طعام اإلفطار معهم‪ ،‬كانت‬ ‫(األم زينة) تودّ كما لو أنها‬ ‫تمأل مكان ابنها بي؛ حين‬ ‫أخبرتني بذلك عمّقت من‬ ‫جراحي أنا أيضاً»‪.‬‬

‫من جانبها تفتقد «سهى‬ ‫أم أحمد» مدينتها (داريا)‬ ‫التي هجّرت قوات النظام‬ ‫أهلها قسراً إلى الشمال بعد‬ ‫حصار دام أعواماً‪ ،‬تقول‪« :‬ما‬ ‫ينقصني في رمضان هو‬ ‫داريا بأكملها‪ ...‬كل مساحات‬ ‫(أطمة) ال تكفيني عود حبق‬ ‫هناك»‪ ،‬وبينما هي تتحدث‬ ‫عن خسارتها بيتها وجيرانها‬ ‫وأماكن اعتادتها وأحبّتها‪،‬‬ ‫وعن خسارتها بعض إخوتها‪،‬‬ ‫تكفكف دمعها بين الفينة‬ ‫واألخرى‪.‬‬ ‫طالبة‬ ‫وهبيّة»‬ ‫«ربى‬ ‫في جامعة حلب‪ ،‬حالت‬ ‫ممارسات النظام ضد الطلبة‬ ‫المعارضين بينها وبين‬ ‫متابعة الدراسة‪ ،‬تقول‪:‬‬ ‫«لعل أكثر شيء أذكره مع‬ ‫بداية رمضان كيف كنت‬ ‫أقضي أيامه في جامعتي بين‬ ‫زميالتي‪ ،‬أما اآلن فقد حرمنا‬ ‫النظام من متابعة الدراسة‪،‬‬ ‫لم يعد بإمكاني إال ّ‬ ‫تذكر تلك‬ ‫األيام فقط»‪.‬‬ ‫ويعبّر «اسماعيل البكور»‬ ‫المقيم في جبل الزاوية عن‬ ‫حسرته واشتياقه لليالي‬ ‫رمضان القديمة في أسواق‬ ‫ّ‬ ‫المكتظة بالناس‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫إدلب‬ ‫«كنا نسهر حتى الصباح‪،‬‬ ‫تسير في شوارع إدلب فتجد‬ ‫الدكاكين والطرقات مليئة‬

‫منظومة إسعاف‬ ‫مركزية ونظام‬ ‫إحالة طبي‪..‬‬ ‫مشاريع على‬ ‫وشك االنطالق‬ ‫في إدلب‬

‫بالناس‪ ،‬أما اآلن فبعد الساعة‬ ‫العاشرة إلى الحادية عشرة ال‬ ‫تجد غير السواد‪ ،‬كل شيء‬ ‫تغير؛ لقد كان أبي بيننا‬ ‫أيضاً‪ ،‬كان لرمضان رونق آخر‬ ‫حين كان بجانبنا»‪.‬‬ ‫أما «مالك الخليل» وهو أحد‬ ‫الذين حملتهم ظروف الحرب‬ ‫إلى بالد اللجوء‪ ،‬فيقول من‬ ‫جانبه لـ «زيتون» واصفاً‬ ‫حاله مع بداية شهر رمضان‪:‬‬ ‫«من األجواء التي أفتقدها‬ ‫اآلن وأحن إليها فع ً‬ ‫ال هي‬ ‫تلك اللحظات حين يجتمع‬ ‫الناس عقب صالة التراويح‬ ‫خارج المسجد ليتّفقوا أين‬ ‫سيقضون سهرة المساء»‪.‬‬ ‫في حين يحنّ «مصعب‬ ‫الشهاب» لعائلته وسهراتها‪،‬‬ ‫وسهرات األصدقاء التي كانت‬ ‫تمتد حتى طلوع الشمس‪،‬‬ ‫ويتمنى الشهاب تناول ولو‬ ‫وجبة إفطار واحدة على‬ ‫مائدة تجمع كل أفراد عائلته‬ ‫كما كانت سابقاً‪ ،‬قبل أن‬ ‫تفصل بينه وبينهم القارات‬ ‫والمسافات‪.‬‬ ‫أم الطاهر والدة لمعتقل‬ ‫صار له أكثر من ‪ 5‬سنوات‬ ‫ال تعلم عنه شيئا‪ ،‬كتبت‬ ‫على صفحتها برجاء المبتهل‬ ‫برنامجها لرمضان‪ ،‬أوضحت‬ ‫فيه دعائها لولدها قبيل‬

‫تستعد مديرية صحة إدلب‬ ‫إلطالق مشروع “منظومة إسعاف‬ ‫مديرية صحة إدلب المركزية”‬ ‫في األول من حزيران القادم‪،‬‬ ‫وذلك من أجل تغطية مدن‬ ‫وبلدات إدلب بعدد من سيارات‬ ‫اإلسعاف مع كوادرها‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى تأسيس عدد من المراكز‬ ‫اإلسعافية في المحافظة‪.‬‬ ‫ويأتي المشروع كخطوة لتوحيد‬ ‫جهود منظومات اإلسعاف التابعة‬ ‫لمديرية صحة إدلب ضمن غرفة‬ ‫عمليات واحدة تقوم بالتنسيق‬ ‫ما بين المراكز والمشافي‬ ‫لالستجابة للحاالت الحرجة‪ ،‬وسد‬ ‫الحاجات الطبية بحسب الحاجة‬ ‫من خالل جمع المعلومات ووضع‬ ‫خريطة صحية تكون بمثابة دليل‬ ‫للحركة الطبية في المحافظة‪.‬‬ ‫رئيس دائرة اإلسعاف والطوارئ‬

‫أسواق ريف إدلب في رمضان ‪ -‬زيتون‬

‫لكل‬ ‫ودعائها‬ ‫السحور‬ ‫المعتقلين أثناء السحور‪ ،‬فيما‬ ‫شملت ولدها والمعتقلين في‬ ‫فترة بعد السحور‪.‬‬ ‫وأما «جابر المحمد» فحاله‬ ‫كحال أهالي أكثر من ‪400‬‬ ‫قرية من ريفي إدلب وحماة‬ ‫الشرقيين‪ ،‬مئات اآلالف من‬ ‫نازحي مناطق شرق السكة‪،‬‬ ‫لم يعتادوا بعد على أجواء‬ ‫رمضانية جديدة عليهم بكل‬ ‫ظروفها‪.‬‬ ‫يقول «المحمد» لزيتون‪« :‬إنه‬ ‫أول رمضان سأقضيه خارج‬ ‫قريتي وأرضي التي كبرت‬ ‫فيها‪ ،‬وبيتي الذي بنيته‬ ‫بيديَّ‪.‬‬ ‫بينما يفتقد «فادي الحمد»‬ ‫لسوريا بأكملها‪ ،‬ويشعر‬ ‫بالغربة‪ ،‬فقد تغيرت معالمها‬

‫في مديرية صحة إدلب الطبيب‬ ‫مصطفى مناع قال لزيتون‪:‬‬ ‫“يؤسس المشروع لـ ‪ 13‬مكتباً‬ ‫إسعافياً و‪ 50‬سيارة إسعاف‬ ‫مع كوادرها لرفد المحافظة‬ ‫على مدار ‪ 24‬ساعة بالخدمة‬ ‫اإلسعافية”‪.‬‬ ‫وحدد المناع المراكز اإلسعافية‬ ‫التي أنشأها المشروع هي ك ً‬ ‫ال‬ ‫من مركز “أطمة‪ ،‬وسرمدا‪،‬‬ ‫وحارم‪ ،‬وسلقين‪ ،‬ودركوش‪،‬‬ ‫وجسر الشغور‪ ،‬وإدلب المدينة‪،‬‬ ‫وكفرتخاريم‪ ،‬وسراقب‪ ،‬وتفتناز‪،‬‬ ‫وخان شيخون‪ ،‬ومعرة النعمان‪،‬‬ ‫وكنصفرة”‪ ،‬وأن حوالي ‪140‬‬ ‫موظفاً تم تعيينهم كسائقين‬ ‫ومسعفين مدربين بعد اختيارهم‬ ‫ضمن مسابقة تم مراعاة الكفاءة‬ ‫والتدريب في اختيارهم‪.‬‬

‫وتغير كل ما فيها‪ ،‬على حدّ‬ ‫تعبيره‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولعل أقسى ذكريات رمضان‬ ‫وآمالها ترتبط بأولئك الذين‬ ‫التزال قوات النظام السوري‬ ‫تعتقلهم حتى اآلن في أقبية‬ ‫سجونها‪ ،‬ويتصور الكثير‬ ‫من السوريين أن الموت‬ ‫نفسه أسهل من الوجود‬ ‫في معتقالت النظام‪ ،‬حيث‬ ‫يتلقى اآلالف من القابعين‬ ‫في غياهب سجونه مختلف‬ ‫أشكال وأصناف التعذيب؛‬ ‫ّ‬ ‫تتذكر‬ ‫«فاطمة الحمصي»‬ ‫مع بداية رمضان زوجها‪،‬‬ ‫تقول‪« :‬كلما حل موعد طعام‬ ‫اإلفطار أتذكره‪ ...‬أتذكره‬ ‫في كل لحظة‪ ،‬في رمضان‬ ‫وخارجه‪ ،‬لقد أخذوه‪ ،‬أبعدوه‬ ‫عني وعن أوالده»‪.‬‬ ‫أم الطاهر والدة لمعتقل‬

‫مسؤول العالقات الخارجية‬ ‫في مديرية الصحة الطبيب‬ ‫عبد الحكيم رمضان أفاد بأن‬ ‫المشروع الذي تم دعمه من‬ ‫مديرية الصحة بالجانب المتعلق‬ ‫بالرواتب والمدعوم من قبل‬ ‫منظمة الصحة العالمية بالتعاون‬ ‫مع منظمة الهالل األحمر القطري‬ ‫فيما يتعلق بالصيانة والديزل‪ ،‬قد‬ ‫نظم الجهد اإلسعافي وضبطه‪.‬‬ ‫وشدد رمضان على أهمية‬ ‫نظام اإلحالة الذي يتم العمل‬ ‫عليه حاليا‪ ،‬والذي بدأ بمركزين‬ ‫اثنين هما إدلب المدينة ومعرة‬ ‫النعمان‪ ،‬إلى جانب منظومة‬ ‫اإلسعاف المركزية لمديرية‬ ‫الصحة‪ ،‬ما سيوفر الكثير من‬ ‫الجهد والهدر‪ ،‬مؤكداً أن نظام‬ ‫اإلحالة سيتم التوسع فيه على‬ ‫مراحل ليشمل جميع المراكز في‬

‫صار له أكثر من ‪ 5‬سنوات‬ ‫ال تعلم عنه شيئا‪ ،‬كتبت‬ ‫على صفحتها برجاء المبتهل‬ ‫برنامجها لرمضان‪ ،‬أوضحت‬ ‫فيه دعائها لولدها قبيل‬ ‫لكل‬ ‫ودعائها‬ ‫السحور‬ ‫المعتقلين أثناء السحور‪ ،‬فيما‬ ‫شملت ولدها والمعتقلين في‬ ‫فترة بعد السحور‪.‬‬ ‫هكذا يستقبل السوريون‬ ‫شهر رمضان بالكثير من‬ ‫الذكريات واألحزان واآلمال‪،‬‬ ‫وبحال ال تختلف صوره‬ ‫ٍ‬ ‫وأشكاله بين شخص وآخر‪،‬‬ ‫وبين مدينة أو أخرى‪ ،‬بعد أن‬ ‫أثقل الصراع المس ّلح الذي‬ ‫دخل عامه الثامن كاهلهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وحال بينهم وبين أحبائهم‬ ‫وذويهم‪ ،‬وأدخل البالد في‬ ‫متاهة دمويّة وتفرقة دون‬ ‫شكل واضح أو معلوم‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫للمستقبل‪.‬‬

‫الشهور القادمة‪.‬‬ ‫ويرى رمضان أن مشروع‬ ‫المنظومة المركزية ومشروع‬ ‫اإلحالة بحاجة إلى المزيد من‬ ‫العمل ووضع الدراسات وتوفير‬ ‫التدريبات الالزمة للوصول إلى‬ ‫الحالة المثلى للمشروع‪.‬‬ ‫المشرف وسائق سيارة اإلسعاف‬ ‫رامز باكير يعتبر أن هذه الخطوة‬ ‫مهمة وإيجابية سواء للمواطن‬ ‫من حيث سرعة الخدمة وجودتها‪،‬‬ ‫أو سواء للمديرية وتوفير الهدر‬ ‫وتنظيم الكوادر والعمل‪ ،‬مؤكداً‬ ‫توفير سيارات إسعاف في مناطق‬ ‫لم يكن يتوفر بها سيارات إسعاف‬ ‫سابقاً‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن منظومات لم‬ ‫تكن تابعة لمديرية الصحة تم‬ ‫ضمها ضمن غرفة العمليات‪ ،‬ما‬ ‫سيؤمن عدداً أكبر من السيارات‬ ‫وخدمة أفضل للمواطن‪.‬‬

‫محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد ‪ 1 | 178‬حزيران ‪2018‬‬

‫‪3‬‬


‫تقارير‬

‫استمرار اعتقال فاطمة إدريس في سجون “النصرة”‬ ‫النتقادها “جامعة إدلب”‬ ‫تواصل اللجنة األمنية والذراع‬ ‫التنفيذية التابعة لما يسمى بـ‬ ‫“حكومة اإلنقاذ” اعتقال الطالبة‬ ‫“فاطمة إدريس”‪ ،‬وذلك عقب‬ ‫انتقاداتٍ وجّهتها لجامعة إدلب‬ ‫والكادر التدريسي العامل فيها‪.‬‬ ‫وكانت إدريس قد ظهرت في‬ ‫تقرير مصوّر أجراه مركز‬ ‫إدلب اإلعالمي‪ ،‬انتقدت فيه‬ ‫“المعهد التقني لإلعالم” في‬ ‫جامعة إدلب‪ ،‬بما فيه الكادر‬ ‫التدريسي‪ ،‬واآلليات التي يعمل‬ ‫بها أفراده في الجامعة‪ ،‬ما دفع‬ ‫“حكومة اإلنقاذ” إلى اعتقالها‪،‬‬ ‫إضافة إلى عميد معهد اإلعالم‬ ‫في الجامعة “عالء العبد اهلل”‪،‬‬ ‫وأحد المحاضرين فيها ويدعى‬ ‫“إبراهيم يسوف”‪ ،‬قبل عن‬ ‫تفرج عن العبد اهلل وتحتفظ‬ ‫بالطالبة والمحاضِر لليوم‬ ‫الثامن على التوالي‪.‬‬ ‫كما اتهمت الطالبة “إدريس”‬ ‫مزاجية المدرسين كالمدرس‬ ‫ودور‬ ‫يسوف”‬ ‫“إبراهيم‬ ‫والعالقات‬ ‫المحسوبيات‬ ‫الطالب‬ ‫بين‬ ‫الشخصية‬ ‫واألستاذة‪ ،‬مشيرة إلى تهديدها‬

‫من قبل “يسوف” بترسيبها في‬ ‫جميع المواد في حال تقدمها‬ ‫بشكوى‪.‬‬ ‫وأكدت فاطمة على عدم‬ ‫استجابة اإلدارة لشكاوي‬ ‫الطالب واستقواء المدرسين‬ ‫ومدير المعهد بوزارة التعليم‬ ‫العالي في الحكومة اإلنقاذ‪،‬‬ ‫وذلك في تقرير مصور لوكالة‬ ‫سمارت‪.‬‬ ‫وزير التعليم العالي في حكومة‬ ‫اإلنقاذ “جمعة العمر” قال في‬ ‫بيان صدر عن الوزارة أمس‬ ‫الثالثاء‪ ،‬إن الطالبة فاطمة‬ ‫إدريس لم تعتقل‪ ،‬إنما هي‬ ‫“قيد التحقيق في قضية ادعاء‬ ‫شخصي‪ ،‬تم تسليمها مذكرة‬ ‫التبليغ أصو ً‬ ‫ال‪ ،‬وذهبت بشكل‬ ‫إداري إلى النيابة العامة”‪ ،‬وهو‬ ‫ما ينفيه ناشطون وشهود عيان‬ ‫ّ‬ ‫اطلعوا على حادثة االعتقال‪.‬‬ ‫وأضاف العمر في بيانه أن‬ ‫زوج الطالبة إدريس قد راجع‬ ‫“النيابة العامة‪ ،‬حيث ّ‬ ‫اطلع على‬ ‫جميع الحيثيات والتحقيقات”‪،‬‬ ‫وطلبَ (الزوج) منهم عدم‬

‫إطالع اإلعالم على ما يجري‪،‬‬ ‫والـ “الحفاظ على خصوصية‬ ‫الدعوى وسرّيتها” حسب البيان‪.‬‬ ‫ونفى البيان أن تكون المعلومات‬ ‫التي تتداولها صفحات التواصل‬ ‫االجتماعي صحيحة‪ ،‬محمّ ً‬ ‫ال‬ ‫القضية بُعداً شخصياً‪ ،‬حيث‬ ‫اعتبرَ أن إدريس قد تم االدّعاء‬ ‫عليها بشكل شخصي من قبل‬ ‫شخص آخر لم يذكره‪ ،‬ليختم‬ ‫باآلية الشهيرة “يا أيها الذين‬ ‫آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ…‪،”.‬‬ ‫فيما هدد العمر في تسجيل‬ ‫صوتي سابق له بمقاضاة‬ ‫كل من ينشر أخباراً مسيئة‬ ‫للجامعة‪ ،‬معتبراً أن ذلك ليس‬ ‫من مهام الجهات اإلعالمية‪.‬‬ ‫وفي رد له نفى المركز‬ ‫اإلعالمي في إدلب استهدافهم‬ ‫لسمعة المعهد بل تسليط‬ ‫الضوء على مكامن الضعف‬ ‫في أدائه مشيرين في ذلك‬ ‫إلى تصريحات مدير المعهد‬ ‫عالء العبد اهلل وإقراره بذلك‪،‬‬ ‫مؤكدين على صحة المعلومات‬ ‫الواردة في التقرير المصور‪.‬‬ ‫وشهدت‬

‫صفحات‬

‫التواصل‬

‫المعتقلة فاطمة إدريس ‪ -‬سمارت‬

‫االجتماعي استنكارا شديدا‬ ‫من قبل اإلعالميين واألهالي‬ ‫حول اعتقال الطالبة فاطمة‬ ‫إدريس متهمين الجامعة‬ ‫وحكومة اإلنقاذ بتكميم األفواه‬ ‫وممارسة القمع على الطالب‬ ‫واعتقالهم على أبواب الجامعة‬ ‫في حال انتقادهم لها‪.‬‬ ‫وكتب اإلعالمي في وكالة‬ ‫األناضول أكرم المصري ساخراً‪:‬‬ ‫“شكراً مركز إدلب اإلعالمي‬ ‫خليتنا نشوف رئيس حكومة‬ ‫اإلنقاذ بالساحة وعم يتفقد‬ ‫أحوال الرعية‪ ،‬قال تضليل‬ ‫إعالمي قال”‪.‬‬

‫كما علق براء عبد الكريم‬ ‫البكور قائ ً‬ ‫ال‪ “ :‬انتقاد جامعة‬ ‫صار هيك‪ ،‬كيف لو منتقدين‬ ‫شي أمني أو سيادي‪ ،‬يعني‬ ‫رجعنا لمحل ما كنّا نظام بعثي‬ ‫طبق األصل‪ ،‬ال أيام البعث كان‬ ‫فيك تنتقد معاهد وكليات من‬ ‫دون ما تتحاسب”‪.‬‬ ‫وكانت جامعة إدلب قد امتنعت‬ ‫خالل افتتاح معهد اإلعالم‬ ‫فيها عن استقبال اإلناث‬ ‫وفقاً لقرار صدر عن رئاستها‬ ‫في العام ‪ ،2016‬قبل أن‬ ‫تسمح لهن بالدخول بداية‬

‫العام الحالي‪ ،‬وذلك تزامناً مع‬ ‫ازدياد الضغوطات على هيئة‬ ‫تحرير الشام كتنظيم إرهابي‬ ‫يحاول التم ّلص عبر التمويهات‬ ‫السياسية والمدنيّة‪.‬‬ ‫وتتبع جامعة إدلب نفسها لما‬ ‫يسمى بـ “حكومة اإلنقاذ”‬ ‫التي تعد أحد األذرع السياسية‬ ‫لـ “هيئة تحرير الشام” والتي‬ ‫تطوّرت بدورها عن تنظيم‬ ‫“جبهة النصرة” المدرج على‬ ‫الئحة الجماعات اإلرهابية في‬ ‫سوريا‪.‬‬

‫مشروع جديد للنقل يهدف لربط مناطق ريف حلب بإدلب‬ ‫ّ‬ ‫وأكد القرنفل أن المرحلة األولى‬ ‫من مشروع النقل العام قد بدأت‬ ‫بالفعل في ‪ 16‬أيار الجاري حين‬ ‫“سيتم ربط مناطق ريف حلب‬ ‫الغربي بريف إدلب الشمالي‪،‬‬ ‫وذلك عبر خطين للسير‪،‬‬ ‫سيبدآن من بلدة كفرناها‪،‬‬ ‫يتّجه األول إلى بلدة عين جارة‪،‬‬ ‫ثم دارة عزة‪ ،‬ليصل إلى سرمدا‬ ‫مروراً بـ الدانا؛ بينما يتجه األول‬ ‫من كفرناها إلى أورم الكبرى‪،‬‬ ‫ثم األتارب‪ ،‬والدانا‪ ،‬وسرمدا؛‬

‫إحدى سيارات النقل في المشروع الجديد ‪ -‬مجلس محافظة حلب‬ ‫أطلقت “مديرية الخدمات‬ ‫لمجلس‬ ‫التابعة‬ ‫والنقل”‬ ‫محافظة حلب الحرة يوم‬ ‫األربعاء ‪ 16‬أيار الجاري‬ ‫مشروعاً لتنظيم رحالت نقل‬ ‫الركاب بين قرى وبلدات ريف‬ ‫حلب الخارج عن سيطرة قوات‬

‫‪4‬‬

‫النظام بنظيراتها في مدينة‬ ‫إدلب وذلك بهدف ربط المناطق‬ ‫الخارجة عن سيطرة النظام في‬ ‫ريفي حلب الشمالي والجنوبي‬ ‫بمدن وبلدات إدلب بشبكة‬ ‫مواصالت كاملة‪.‬‬

‫مدير الخدمات والنقل في‬ ‫المديرية “علي قرنفل” قال في‬ ‫تصريح لزيتون إن المشروع‬ ‫يسعى لنشر الثقة واالستقرار‬ ‫واألمن على الطرق التي‬ ‫تصل تلك المناطق ببعضها”‪،‬‬ ‫مشيراً إلى أهمية دوره في‬

‫محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد ‪ 1 | 178‬حزيران ‪2018‬‬

‫منع استغالل “القطاع الخاص”‬ ‫للسكان‪ ،‬إضافة إلى تقليل‬ ‫ساعات انتظار العمال وطلبة‬ ‫المدارس والجامعات للحصول‬ ‫على نقل آمن ومريح‪ ،‬على حد‬ ‫وصفه‪.‬‬

‫وستنتطق الرحالت بمعدّل‬ ‫‪ 40‬رحلة كل نصف ساعة‪،‬‬ ‫منوهاً إلى أن القائمين على‬ ‫المشروع قد أخذوا باإلجراءات‬ ‫والتراتيب الالزمة لسيره على‬ ‫أكمل وجه‪ ،‬مضيفاً‪“ :‬لدينا‬ ‫نقطة انطالق ومكاتب مراقبة‬ ‫على امتداد خطوط السير‬ ‫التي انطلق العمل عليها منذ‬ ‫أيام‪ ،‬ونسعى إلى وضع خطوط‬ ‫نقل دائرية وعكسية لتغطية‬ ‫جميع المناطق المستهدفة في‬ ‫المرحلة األولى‪ ،‬ونستعدّ لتلقى‬ ‫الشكاوى على مدار الساعة عبر‬ ‫األرقام الموجودة على التذاكر‪،‬‬

‫وعبر بريد صفحة مديرية‬ ‫النقل على فيس بوك”‪.‬‬ ‫وتقوم مديرية النقل والخدمات‬ ‫في مجلس محافظة حلب‬ ‫بدراسة تذكرة الركوب مع‬ ‫الفعاليات المدنية والمجالس‬ ‫المحلية وتجمعات السائقين‪،‬‬ ‫لوضع وتوحيد التذاكر على كل‬ ‫خطوط السير المعتمدَة في‬ ‫الريف المحرر‪.‬‬ ‫وتعرف مناطق الشمال السوري‬ ‫الخارج عن سيطرة النظام سواء‬ ‫في محافظة إدلب أو ريف حلب‬ ‫بتعدادها السكاني الضخم‪،‬‬ ‫وذلك بسبب استقبال هذه‬ ‫المناطق للعديد من النازحين‬ ‫الذين تركوا مدنهم وبلداتهم‬ ‫بعد أن هجّرتهم قوات النظام‬ ‫السوري منها وفقاً لسياسة‬ ‫تغيير ديموغرافي انتهجتها‬ ‫في ريف دمشق وحمص وحلب‬ ‫وغيرها‪ ،‬ما يجعل مثل هذه‬ ‫المشاريع ضرورة ملحّة في‬ ‫تنظيم الحركة االجتماعية‬ ‫واالقتصادية في الشمال‬ ‫السوري‪.‬‬


‫تقارير‬

‫الهوية السورية‪..‬‬ ‫بين الخرائط المنقسمة والمستقبل المجهول‬ ‫عبد اهلل الحسن‬ ‫ال شك أن أحد أكثر األسئلة‬ ‫إلحاحاً على مستوى الفرد‬ ‫والجماعة داخل وخارج سوريا‪،‬‬ ‫بات في الوقت الراهن السؤال‬ ‫عن الهوية‪ ،‬خصوصاً بعد‬ ‫أن دخلت الحرب فيها عامها‬ ‫الثامن‪ ،‬وبرزت معها أشكال‬ ‫الهويّات ما قبل الوطنية؛‬ ‫ّ‬ ‫ولعل السوريين جميعاً اليوم‬ ‫متساوون أمام هذا السؤال‬ ‫المفصلي‪ ،‬والذي تُعتبر‬ ‫محاوالت اإلجابة عليه ‪-‬أياً‬ ‫كانت‪ -‬ضرباً من ضروب‬ ‫الجنون‪ ،‬أو العبث ربما‪ ..‬من‬ ‫أنا اآلن؟ ولمن أنتمي؟ الدين‪،‬‬ ‫الطائفة‪ ،‬القومية‪ ،‬أم األرض؟‬ ‫وما الذي يعنيه ذلك؟‬ ‫ما يؤرق حقاً ليس محضر‬ ‫اإلجابة وحدها‪ ،‬بقدر ما يؤسف‬ ‫حال أبناء سوريا أنفسهم‪،‬‬ ‫الشبّان تحديداً‪ ،‬نماذج عدة‬ ‫تلتقيها هنا وهناك‪ ،‬يعتقد‬ ‫معظمهم وبشكل جاد حقاً أن‬ ‫ما جرى في بالدنا ال يعدو أن‬ ‫يكون مؤامرة‪ ،‬على الدين‪ ،‬أو‬ ‫على «قلب العروبة النابض»‬ ‫سورية بالتاء المربوطة‪ ،‬التي‬ ‫يرأسها بشار األسد؛ وهذا‬ ‫لوحده كفيل بتحجيم سؤال‬ ‫الهوية نفسه‪ ،‬عالو ًة على‬ ‫تحجيمه اإلجابة أيضاً‪.‬‬ ‫في مطلع العام ‪ 2011‬خرج‬ ‫السوريون إلى الشارع‪ ،‬من‬ ‫كل المدن‪ ،‬ومن شتى األديان‬ ‫والطوائف‪ ،‬مطالبين النظام‬ ‫بمنحهم حريّة أن يكونوا ما‬

‫يريدون‪ ،‬حريّة ومسؤولية أن‬ ‫يشاركوا في عملية النهوض‬ ‫ببالدهم إلى مستوى ما‪،‬‬ ‫حملوا الورود‪ ،‬ووزّعوا في‬ ‫مظاهراتهم المياه على جنود‬ ‫النظام تعبيراً عن سلميّتهم‪،‬‬ ‫وآخرون حملوا يافطات تقول‬ ‫«ال سلفية وال إخوان» كي‬ ‫يتجاوزوا بها أزمة الثمانينيّات؛‬ ‫إال أن النظام من جانبه سعى‬ ‫وبشكل منهجي إلى تفتيت‬ ‫ّ‬ ‫والحط من‬ ‫تلك المطالبة‬ ‫شأنها‪ ،‬فأخرج من سجونه‬ ‫معظم من تراهم اليوم من‬ ‫قادة الفصائل الدينية‪ ،‬وأعطى‬ ‫جنوده األوامر بأن يتعاملوا مع‬ ‫ما يجري على أساس طائفي‬ ‫بحت‪ ،‬وبذلك تنبّأ بردّة فعل‬ ‫معارضيه‪ ،‬وأحكم قبضته‬ ‫على خطابهم‪َ ،‬‬ ‫وأخذهم معه‬ ‫للمشاركة في عملية إنتاج‬ ‫الهوية الدينية والطائفية‬ ‫والعرقيّة والقبَليّة‪ ،‬ليحتفل‬ ‫الجميع بعد ذلك في هذا‬ ‫الكرنفال الدموي الصاخب‪،‬‬ ‫كرنفال الحرب األهليّة‪.‬‬ ‫باركت معظم دول العالم‬ ‫سيئة السمعة هذه الحرب‪،‬‬ ‫حتى عبر طريقة معارضتها‪،‬‬ ‫سعت بعضها للتشديد على أن‬ ‫سوريا دولة مسلمة أو ً‬ ‫ال‪ ،‬دعمت‬ ‫اإلخوان والحركات الجهادية‬ ‫التي أطلق النظام من جانبه‬ ‫سراح قاداتها‪ ،‬وفتحت الباب‬ ‫أمامهم ليدخلوها من كل حدب‬ ‫وصوب بذرائع «الدفاع عن‬ ‫نساء المسلمين»‪ ،‬ودعمتهم‬

‫ٌ‬ ‫ودول أخرى‬ ‫باألموال والعتاد؛‬ ‫قالت إن سوريا دولة عربية‬ ‫ٌ‬ ‫ودول قالت إنها رأس‬ ‫فقط‪،‬‬ ‫حربة المقاومة ضد إسرائيل؛‬ ‫بينما تكف َ‬ ‫ّل السوريون أنفسهم‬ ‫بالباقي‪ّ ،‬‬ ‫تنطعوا للدين‪،‬‬ ‫والمذهب‪ ،‬والقومية‪ ،‬والعرق‪،‬‬ ‫والمدينة‪ ،‬والقبيلة‪ ،‬ولون‬ ‫البشرة‪ ،‬حتى على مستوى‬ ‫الجنس ميّزوا بين الذكور‬ ‫واإلناث‪ ،‬كحال الدول الغارقة‬ ‫في رجعيتها وجهلها‪ ،‬وإن كانت‬ ‫معظم مجتمعاتنا تميّز بين‬ ‫الرجال والنساء أص ً‬ ‫ال قبل العام‬ ‫‪.2011‬‬

‫بات يبدو أن الشرخ‬ ‫المتفاقم أصالً خالل‬ ‫السنوات األخيرة بين‬ ‫السوريين قد وصل إلى‬ ‫حدود مأساوية‪ ،‬وال عجب‬ ‫أن يظهر المزيد إلى ما‬ ‫هو كارثي‪ ،‬شّتان بين‬ ‫ما هو مأساوي‪ ،‬وبين ما‬ ‫هو كارثي بالطبع؛ أياً‬ ‫يكن‪ ،‬الهوية السورية‬ ‫اليوم مفتتة‪ ،‬ومشّتتة‪،‬‬ ‫ماسة للسوريين‪،‬‬ ‫وبحاجة ّ‬ ‫السوريين فقط‪ ،‬قبل أن‬ ‫يتح ّول السؤال بحد ذاته‬ ‫إلى تهمة‪ ،‬أو إلى جريمة‪.‬‬ ‫بعد أن كان للنظام السوري‬

‫ما أراد حين دفع الناس إلى‬ ‫تحكيم غرائزهم والتشبّث‬ ‫بانتماءاتهم الصغيرة‪ ،‬حكمَ‬ ‫على جميع معارضيه بأنهم‬ ‫يشبهون بعضهم البعض‪،‬‬ ‫جميعهم أبناء شكل واحد‪،‬‬ ‫وفكرة واحدة‪ ،‬دينية كانت أم‬ ‫غيرها‪ ...‬بعد أن تم له ذلك‬ ‫أخذ يعزلهم ديموغرافياً‪،‬‬ ‫حصرهم في منطقة واحدة‬ ‫لتقتتل انتماءاتهم الصغيرة‬ ‫ضمن حدودها‪ ،‬واستفردَ‬ ‫بالريادة‪ ،‬وإن كان اآلن ال يملك‬ ‫من أمره شيئاً فاألمر بيد دول‬ ‫أخرى‪ ،‬إال أنه عملياً أداة ناجحة‪،‬‬ ‫بينما المعارضة أداة فاشلة بيد‬ ‫تركيا وقطر وغيرها من دول‬ ‫العالم البراغماتي القذر‪ ،‬التي‬ ‫ال تزال تستثمر فيهم يوماً بعد‬ ‫يوم‪ ،‬على حسابنا جميعاً‪.‬‬ ‫نعم‪« ،‬بوسع النيّة الصادقة‬ ‫إن لم تكن نيّرة متبصّرة‬ ‫أن تُحدث من األضرار مثلما‬ ‫يُحدث الخبث وسوء النيّة»‬ ‫يقول ألبير كامو في روايته‬ ‫«الطاعون» المنشورة عام‬ ‫‪ ،1947‬هذا ما يجري اآلن‪،‬‬ ‫لكن على الرغم من أنه حين‬ ‫يقاسي الناس ظرفاً معيناً‬ ‫تتولد في أنفسهم مشاعر‬ ‫بالعدالة النسبيّة إذ الجميع‬ ‫يعاني‪ ،‬ويمأل األرض بصراخه‬ ‫وعويله داخل سوريا وخارجها‪،‬‬ ‫والجميع محكوم عليه أيضاً من‬ ‫وجهة النظر العليا للحرب‪ ،‬على‬ ‫الرغم من تو ّلد هذه المشاعر‬ ‫بالعدالة إال أنهم يسقطون‬

‫أعمق كلما تشبّثوا بانتماء‬ ‫ضيّق أكثر‪ ،‬حتى يصل األمر‬ ‫إلى أن يتشبّث المرء بذاته‬ ‫وحدها بغض النظر عن كل ما‬ ‫يمكن أن يحدث‪ ،‬وهنا ينتقل‬ ‫عالم اإلنسان المُعاش من‬ ‫المستوى البشري إلى مستوى‬ ‫الغابات‪ ،‬أو ربّما أدنى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ذاتيّة كانت‬ ‫سؤال الهوية‪،‬‬ ‫أم مجتمعيّة‪ ،‬والذي هو‬ ‫جزء ت ِبعات الحرب وسياسات‬ ‫األطراف المتنازعة تجاوزَ‬ ‫حدودَ األرض إلى دول اللجوء؛‬ ‫معظم المدن التركية على‬ ‫سبيل المثال باتت ذات طابع‬ ‫خاص بالنسبة للسوريين‪،‬‬ ‫النسبة العظمى من أبناء الرقة‬ ‫ودير الزور الالجئين تجدهم‬ ‫في أورفا‪ ،‬ومن أبناء الشمال‬ ‫الشرقي فيما يقابله داخل‬ ‫تركيا أو في العراق‪ ،‬والالجئون‬ ‫من أهالي حلب في غازي‬ ‫عينتاب وهكذا‪ٌ ،‬‬ ‫كل في منطقة‬ ‫يجد أقرانه فيها‪ ،‬أو انتما َءه‬ ‫الصغير الذي بات من الصعب‬ ‫تجاوزه اآلن‪.‬‬ ‫في اليونان‪ ،‬تحديداً جزيرة‬ ‫«ميتيليني» وهي إحدى الجزر‬ ‫التي يتجمع فيها الالجئون‬ ‫السوريون بانتظار فرزهم‬ ‫إلى دول االتحاد األوروبي‬ ‫أو ترحيلهم‪ ،‬أخذت الهويّة‬ ‫ومخ ّلفات أسئلتها التي تقض‬ ‫مضاجعنا ليل نهار‪ ،‬أخذت شك ً‬ ‫ال‬ ‫دموياً قبل عدة أيام‪ ،‬حيث‬ ‫هاجم مجموعة من الالجئين‬

‫ً‬ ‫مجموعة‬ ‫في مخيّم «موريا»‬ ‫أخرى بالعصي والقضبان‬ ‫المعدنيّة‪ ،‬وهو ما أظهرته‬ ‫مقاطع فيديو تناقلتها حسابات‬ ‫عدة على مواقع التواصل‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫على الرغم من أن األنباء قد‬ ‫تضاربت حول أسباب الشجار‬ ‫ونتائجه بين من يقول إن‬ ‫األسباب كانت تتعلق بكون‬ ‫المجموعة المعتدَى عليها قد‬ ‫امتنع أفرادها عن الصيام‪ ،‬أو‬ ‫كان حول خالف في الرأي‪ ،‬وأنه‬ ‫قد قتل أربعة أشخاص خالله‬ ‫وأصيب العشرات بجروح‪ ..‬إال‬ ‫أنه كان ذا بعد عنصري بحت‪،‬‬ ‫فالجهة التي تم االعتداء عليها‬ ‫كانت من السورين الكرد‪ ،‬أما‬ ‫المعتدون فلم يتوانوا لحظة‬ ‫واحدة في الفيديو من القول‬ ‫بأنهم من مدينة دير الزور‪.‬‬ ‫بات يبدو أن الشرخ المتفاقم‬ ‫أص ً‬ ‫ال خالل السنوات األخيرة‬ ‫بين السوريين قد وصل إلى‬ ‫حدود مأساوية‪ ،‬وال عجب أن‬ ‫يظهر المزيد إلى ما هو كارثي‪،‬‬ ‫شتّان بين ما هو مأساوي‪،‬‬ ‫وبين ما هو كارثي بالطبع؛ أياً‬ ‫يكن‪ ،‬الهوية السورية اليوم‬ ‫مفتتة‪ ،‬ومشتّتة‪ ،‬وبحاجة‬ ‫ماسّة للسوريين‪ ،‬السوريين‬ ‫فقط‪ ،‬قبل أن يتحوّل السؤال‬ ‫بحد ذاته إلى تهمة‪ ،‬أو إلى‬ ‫جريمة‪.‬‬

‫محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد ‪ 1 | 178‬حزيران ‪2018‬‬

‫‪5‬‬


‫تحقيق‬

‫استمرار جهود توحيد الخطاب‬ ‫السياسي في إدلب وتحديات‬ ‫الدمج‬ ‫«أك���ب���ر ن��ق��ط��ة ض��ع��ف ل���دى ال��ت��ج��م��ع��ات‬ ‫السياسية على مستوى محافظة إدلب هي‬ ‫تعدد هذه التجمعات‪ ،‬وغياب الوضوح في‬ ‫ال��رؤي��ة‪ ،‬ولذلك يجب أن يكون ل��دى هذه‬ ‫التجمعات خطة عمل واضحة على األرض‪،‬‬

‫ومنهج صحيح‪ ،‬ب��اإلض��اف��ة إل��ى األه���داف‬ ‫المحددة والمعلنة‪ ،‬والتي تسعى لتحسين‬ ‫حياة األهالي‪ ،‬وتتضمن الجانب السياسي‬ ‫والخدمي‪ ،‬وأن ال يكون كل ما ُيرى مجرد إعالن‬ ‫تشكيل على وسائل التواصل االجتماعي»‬

‫خاص زيتون‬ ‫وكان الكثير من النشطاء السياسيين والمدنيين والمهتمين بالشأن السياسي‪ ،‬قد وجهوا انتقاداً للتجمعات‬ ‫السياسية في المحافظة‪ ،‬تمثل بتشرذم هذه التجمعات وتعددها‪ ،‬وبالتالي تشتت الخطاب السياسي في‬ ‫المحافظة‪ ،‬من بينهم الناشط اإلعالمي «محمد العبد اهلل» الذي رأى أن التشكيالت السياسية السورية‬ ‫يعيبها التعداد‪ ،‬وعلى هذه األجسام السياسية أن تتحد ضمن جسم واحد شامل لكل السوريين‪.‬‬ ‫بينما اعتبر الناشط «عمر حاج أحمد» أن الساحة الثورية السورية أنتجت الكثير من المسميات السياسية‪،‬‬ ‫وهو أمر صحي في حال تظافرت تلك المسميات للعمل مع بعضها إلسقاط النظام‪ ،‬ثم البدء بعمل‬ ‫سياسي وحزبي إلنتاج نظام أكثر انفتاحاً‪.‬‬ ‫التجمعات السياسية نفسها لم تكن بعيدة عن هذا الواقع‪ ،‬بل أدركته تماماً‬ ‫ً‬ ‫مؤمنة بجدوى توحدها‬ ‫وبضرورة العمل السياسي الموحد‪ ،‬فما كان منها إال أن ترجمت ذلك على األرض‪ ،‬في محاولة لتالفي‬ ‫أبرز نقطة ضعف في عملها‪ ،‬والعمل للوصول إلى نتيجة أفضل‪.‬‬

‫مبادرة الثورة السورية في إدلب‬ ‫أصدرت أربعة تجمعات سياسية‬ ‫في محافظة إدلب السبت‬ ‫‪ 5‬أيار الجاري‪ ،‬قراراً يقضي‬ ‫بتوحيدها تحت جسم سياسي‬ ‫واحد في خطوة هي األولى‬ ‫من نوعها ضمن جهود مبادرة‬ ‫لتوحيد الخطاب السياسي في‬ ‫المحافظة وتوحيد التجمعات‪.‬‬ ‫وأتت خطوة توحد األجسام‬ ‫ً‬ ‫استجابة‬ ‫السياسية األربعة‪،‬‬ ‫منها لمبادرة أطلقها ناشطون‬ ‫من أبناء المحافظة تحت عنوان‬ ‫“مبادرة الثورة السورية في‬

‫‪6‬‬

‫محافظة إدلب”‪.‬‬ ‫وجاء في بيان المبادرة الصادر‬ ‫في ‪ 15‬نيسان الماضي‪:‬‬ ‫“تماشيا مع ضرورة المرحلة‬ ‫التي تشهدها الثورة السورية‬ ‫المباركة‪ ،‬والتي تستوجب من‬ ‫الجميع العمل بروح الفريق‬ ‫الواحد على المستوى الثوري‬ ‫والسياسي تحت مسمى واحد‪،‬‬ ‫نتوجه بهذه المبادرة إلى جميع‬ ‫األجسام الثورية والسياسية في‬ ‫محافظة إدلب لالندماج بجسم‬ ‫ثوري سياسي”‪.‬‬

‫وحدد البيان أولى مهام الجسم‬ ‫السياسي الجديد‪ ،‬وهي قيادة‬ ‫المرحلة السياسية في محافظة‬ ‫إدلب في الوقت الراهن‪،‬‬ ‫والعمل على تحقيق تطلعات‬ ‫وأهداف الشعب السوري‪ ،‬مشيراً‬ ‫إلى أن هذه المبادرة تعتمد‬ ‫على ثقافة التواضع والتنازل‬ ‫وتغليب المصلحة الوطنية‬ ‫على المصلحة الخاصة‪ ،‬بحسب‬ ‫البيان‪.‬‬ ‫واقترحت لجنة المبادرة على‬ ‫األجسام السياسية التي تم‬ ‫إرسال المبادرة إليها‪ ،‬االندماج‬

‫محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد ‪ 1 | 178‬حزيران ‪2018‬‬

‫بهذه النقاط لخص عضو مجلس إدارة تجمع‬ ‫أبناء إدلب ومسؤول مكتب العالقات العامة‬ ‫واالرتباط في التجمع «صالح غفير» وضع‬ ‫التجمعات السياسية في محافظة إدل��ب‪،‬‬ ‫مضيفاً‪« :‬وجود حكومتين في المحافظة أدى‬ ‫في جسم ثوري سياسي تحت‬ ‫مسمى “التحالف الوطني لقوى‬ ‫الثورة في محافظة إدلب”‪ ،‬أو ما‬ ‫يتم االتفاق عليه من قبل جميع‬ ‫األجسام‪ ،‬مبينة ً أن االندماج‬ ‫سيكون على مرحلة واحدة أو‬ ‫ً‬ ‫متأملة الموافقة من‬ ‫مرحلتين‪،‬‬ ‫الجميع‪ ،‬وفقاً لما جاء في نص‬ ‫البيان‪.‬‬ ‫وذكر البيان أن المبادرة قد تم‬ ‫إرسالها إلى ٍّ‬ ‫كل من‪“ :‬الهيئة‬ ‫السياسية في محافظة إدلب‪،‬‬ ‫تجمع سورية الثورة‪ ،‬المجلس‬ ‫الثوري السوري‪ ،‬تجمع اتحاد‬ ‫النقابات المهنية‪ ،‬تجمع أبناء‬ ‫إدلب‪ ،‬هيئة الحراك الثوري‪،‬‬ ‫وشخصيات مستقلة”‪.‬‬ ‫أحد مؤسسي مبادرة الثورة‬ ‫السورية في محافظة إدلب‬ ‫والرئيس السابق للهيئة‬ ‫السياسية في محافظة إدلب‬ ‫“رضوان األطرش” تحدث‬ ‫لزيتون عن انطالقة المبادرة‬ ‫وظروفها قائ ً‬ ‫ال‪“ :‬تماشيا مع‬ ‫الظروف الحالية التي تعيشها‬ ‫الثورة السورية بشكل عام‬ ‫ومحافظة إدلب بشكل خاص‪،‬‬ ‫وال سيما بعد عمليات التهجير‬ ‫القسري من الجنوب إلى‬

‫إلى تشتيت األهالي‪ ،‬ما يوجب إيجاد جسم‬ ‫سياسي وليد في المحافظة‪ ،‬فجاءت مبادرة‬ ‫لتوحيد التجمعات وتوحيد الخطاب السياسي‪،‬‬ ‫وأثمرت باندماج عدة تجمعات‪ ،‬ونتمنى أن‬ ‫يترجم هذا العنوان بمشاريع تخدم البلد»‪.‬‬

‫الشمال‪ ،‬وتجميع أكبر عدد‬ ‫من الثوار في محافظة إدلب‪،‬‬ ‫كان لزاما علينا أن نطلق‬ ‫مبادرة لتوحيد العمل السياسي‬ ‫والثوري في المحافظة‪ ،‬وتوحيد‬ ‫هذه األجسام الموجودة بشكل‬ ‫مبدأي”‪.‬‬ ‫وأضاف “األطرش”‪“ :‬جميع‬ ‫األجسام السياسية التي تم‬ ‫توجيه المبادرة إليها لبت‬ ‫النداء‪ ،‬وعقدنا اجتماعاً فيزيائياً‬ ‫في ريف إدلب الجنوبي لبحث‬ ‫هذه المبادرة‪ ،‬واالطالع على‬ ‫األجسام السياسية وطريقة‬ ‫تكوينها وتشكيلها‪ ،‬واستمعنا‬ ‫إلى شرح وافي منهم‪ ،‬واستلمت‬ ‫لجنة المبادرة األنظمة الداخلية‬ ‫لالطالع عليها”‪.‬‬ ‫الحالية‬ ‫الظروف‬ ‫وعن‬ ‫والمحاوالت السابقة التي انتهت‬ ‫بالمبادرة تحدث رئيس تجمع‬ ‫سورية الثورة «عثمان بديوي»‬ ‫لزيتون قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫«كان هاجسنا الوحيد منذ‬ ‫بداية الثورة أن تكون لهذه‬ ‫الثورة مؤسسة تضمن لها‬ ‫عملها المؤسساتي وديمومتها‬ ‫ونجاحها‪ ،‬غير أن الساحة‬

‫تخبطت كثيرا بين عسكرة‬ ‫وسياسة وناشطين‪ ،‬ودخل‬ ‫في الثورة المدسوسون أو‬ ‫من هم ليسوا أه ً‬ ‫ال لحمل‬ ‫فكر الثورة ومبادئها‪ ،‬حاولنا‬ ‫في بداية تشكيل الفصائل‬ ‫أن ندعم تشكيل جيش واحد‬ ‫له مكاتب سياسية‪ ،‬وطرحنا‬ ‫على العسكريين مبادرة قبل‬ ‫عامين ودعينا لمؤتمر وطني‪،‬‬ ‫ولم ننجح بسبب الفصائلية‬ ‫العسكرية‪ ،‬وحتى المؤتمر‬ ‫الوطني مؤتمر اإلنقاذ الذي دعا‬ ‫له األكاديميون‪ ،‬وجدنا أن من‬ ‫يهيمن عليه هي تحرير الشام»‪.‬‬ ‫وأضاف «بديوي»‪« :‬بعد هذه‬ ‫المرحلة‪ ،‬وبعد ما جرى بـ‬ ‫االئتالف والمجلس الوطني‬ ‫وغيرهما من أجسام المعارضة‬ ‫في اآلونة األخيرة‪ ،‬وجدنا أنه‬ ‫البد من توحيد الساحة‪ ،‬وأن‬ ‫من الضروري أن نشكل نحن‬ ‫المدنيين النواة األساسية‬ ‫لمجلس قيادة الثورة‪ ،‬أو لما‬ ‫يسمى الجهة المؤسساتية‬ ‫للثورة‪ ،‬فانطلقنا نبحث عن‬ ‫الكتل السياسية التي تؤمن‬ ‫بهذا الفكر‪ ،‬وتكللت األمور‬ ‫بالنجاح مع بعض الصعوبات»‪.‬‬


‫تحقيق‬

‫األهداف والرؤية‬ ‫الهدف من توحيد التجمعات‬ ‫السياسية في إدلب ضمن اتحاد‬ ‫قوى الثورة في المحافظة هو‬ ‫مأسسة ال��ث��ورة‪ ،‬أي تشكيل‬ ‫مجلس مؤسساتي واحد بغض‬ ‫النظر عن تسميته سواء مجلس‬ ‫قيادة ثورة أو أي تسمية أخرى‪،‬‬ ‫يقود الثورة ويحقق التغلب على‬ ‫التبعيات واألدلجة وتأثير المال‬ ‫السياسي‪ ،‬ب��اإلض��اف��ة لوضع‬ ‫هيكلية للثورة وإدارة وفاعلة‪،‬‬ ‫وف��ق��اً لرئيس تجمع سورية‬ ‫ال��ث��ورة‪ ،‬وال��ذي أك��د أن اتحاد‬ ‫قوى الثورة في إدلب حالياً في‬ ‫طور تشكيل نواة حقيقية لهذا‬ ‫المجلس‪.‬‬ ‫أما رؤية المبادرة لهذا الجسم‬ ‫السياسي الجديد ال��ذي دعت‬ ‫إليه‪ ،‬فتتعدى حدود المحافظة‬ ‫ل��ت��ش��م��ل ك���اف���ة األراض�����ي‬ ‫السورية‪ ،‬إال أن بدايتها في‬ ‫إدلب وستتطور وتتوسع الحقاً‬ ‫وبشكل تدريجي‪ ،‬وع��ن ذلك‬ ‫قال “األطرش”‪:‬‬ ‫“آث��رن��ا نحن كلجنة م��ب��ادرة‬ ‫االنطالق من محافظة إدلب‪،‬‬ ‫وم��ن ث��م بعد تشكيل جسم‬ ‫م��وح��د م��ن ه��ذه المحافظة‪،‬‬ ‫بالتأكيد سننطلق باتجاه بقية‬ ‫المحافظات الشمالية أو ً‬ ‫ال ومن‬ ‫ث��م الجنوبية‪ ،‬ول��دي��ن��ا همة‬ ‫عالية بالعمل للوصول إلى‬ ‫جسم يمثل الثورة السورية في‬ ‫الداخل‪ ،‬وهذا الجسم بالتأكيد‬ ‫سيعمل على رس��م خارطة‬ ‫طريق جديدة للثورة‪ ،‬ونأمل أن‬ ‫يلبي طموحات الشعب السوري‬ ‫المطالب بحريته وكرامته”‪،‬‬ ‫مضيفاً‪:‬‬ ‫“بعد النقاش ووض��ع النقاط‬

‫موقف الهيئة السياسية‬ ‫على ال��ح��روف‪ ،‬اتفق الجميع‬ ‫على العمل تحت مسمى “اتحاد‬ ‫قوى الثورة في محافظة إدلب”‪،‬‬ ‫واتفق المجتمعون على تشكيل‬ ‫مجلس إدارة مؤقت مؤلف من‬ ‫تسعة أعضاء‪ ،‬يقود هذا االتحاد‬ ‫ريثما يتم استكمال النظام‬ ‫الداخلي الموحد لهذه األجسام‬ ‫والعمل برؤية ثورية واضحة‬ ‫للجميع”‪.‬‬ ‫وكمرحلة أولى سيتم تنسيق‬ ‫العمل بين األجسام المنضوية‬ ‫تحت ات��ح��اد ق��وى ال��ث��ورة في‬ ‫محافظة إدل��ب‪ ،‬بحيث يصدر‬ ‫عنها بيان واح��د‪ ،‬وفي مرحلة‬ ‫الح��ق��ة وق��ري��ب��ة سيتم دمج‬ ‫هذه األجسام في جسم واحد‪،‬‬ ‫وف��ق ن��ظ��ام داخ��ل��ي مكتوب‬ ‫ومتفق عليه من قبل الجميع‪،‬‬ ‫وسيبقى الباب مفتوحاً أمام‬ ‫كافة األج��س��ام والشخصيات‬ ‫المستقلة لالنخراط في هذا‬ ‫االتحاد‪ ،‬وصوال إلى كلمة ثورية‬ ‫واحدة في هذه المحافظة التي‬ ‫باتت اآلن محط أنظار العالم‪،‬‬ ‫وفقاً ألحد مؤسسي المبادرة‪.‬‬ ‫وال ت��زال عملية البحث عن‬ ‫التجمعات السياسية التي‬ ‫تؤمن بأهمية توحدها ضمن‬ ‫جسم واح��د مستمرة‪ ،‬وهناك‬ ‫أسماء كثيرة مطروحة كتجمع‬ ‫«ال��ش��ب��اب المثقف»‪ ،‬وتجمع‬ ‫«ش���ب���اب س���وري���ا»‪ ،‬وتجمع‬ ‫«سنعيدها لسيرتها األول��ى»‬ ‫وغيرها من التجمعات‪ ،‬والعمل‬ ‫ج���ار الس��ت��ق��ط��اب أك��ب��ر ع��دد‬ ‫ممكن من التجمعات وتحقيق‬ ‫أفضل نتيجة‪ ،‬بحسب «بديوي»‬ ‫وال��ذي يرى أن خطوة تشكيل‬ ‫اتحاد قوى الثورة ما تزال في‬

‫بدايتها ولم تنته بعد‪ ،‬وأنها‬ ‫تسير ف��ي االت��ج��اه الصحيح‬ ‫ليس فقط على صعيد توحيد‬ ‫التجمعات السياسية‪ ،‬ولكن في‬ ‫مبادرات توحيد الصفوف كافة‪،‬‬ ‫وتشكيل جسم حقيقي للثورة‪،‬‬ ‫فهناك ناشطون وسياسيون‬ ‫وع��س��ك��ري��ون ب��اإلض��اف��ة إلى‬ ‫منظمات المجتمع المدني‪،‬‬ ‫مضيفاً‪:‬‬ ‫«المبادرة التي نعمل عليها‬ ‫هي م��ب��ادرة توحيد الصفوف‬ ‫عامة‪ ،‬وك��ل ي��وم ن��زور طرف‬ ‫معين أو جهة معينة ونستمع‬ ‫منها‪ ،‬وحتى الحكومة المؤقتة‬ ‫وحكومة اإلنقاذ موضوعتين‬ ‫ض��م��ن ج�����دول ال����زي����ارات‪،‬‬ ‫وسنستمع للجميع‪ ،‬لنقدم‬ ‫مشروع توافقي فيه الحل لهذه‬ ‫المعضلة التي وقعنا بها»‪.‬‬ ‫من جانبه أشاد عضو المبادرة‬ ‫ون��ق��ي��ب المحامين األح���رار‬ ‫ورئ��ي��س ت��ج��م��ع االت���ح���ادات‬ ‫وال��ن��ق��اب��ات ال��م��ه��ن��ي��ة في‬ ‫محافظة إدل��ب «عبد الوهاب‬ ‫الضعيف» بهذه الخطوة‪ ،‬مباركاً‬ ‫وح���دة األج��س��ام السياسية‬ ‫باتجاه اتحاد كافة التجمعات‬ ‫السياسية الثورية‪ ،‬مؤكداً على‬ ‫استمرار سعيهم ف��ي سبيل‬ ‫توحيد الصوت السياسي في‬ ‫ال��م��ن��اط��ق ال��م��ح��ررة‪ ،‬وخلق‬ ‫جسم سياسي واح��د تندمج‬ ‫فيه التجمعات السياسية في‬ ‫محافظة إدل��ب‪ ،‬وذل��ك بهدف‬ ‫الدفع بالعمل السياسي إلى‬ ‫الواجهة لتجنيب وإبعاد شبح‬ ‫الدمار عن المحافظة في ظل‬ ‫السيناريوهات الخطرة التي‬ ‫ترسم لها‪.‬‬

‫اقتتال الفصائل إحدى العوائق‬ ‫االقتتال الفصائلي‪ ،‬كان من‬ ‫أبرز المعوقات التي واجهت‬ ‫المبادرة‪ ،‬إلى جانب صعوبة‬ ‫التنقل من مكان إلى آخر‪ ،‬ما‬ ‫جعل المبادرة تتأخر نوعاً ما‬ ‫في إنجاز المهمة الموكلة إليها‪،‬‬ ‫بحسب «األطرش» الذي أوضح‬ ‫أن التجمعات الستة التي دعيت‬ ‫للمبادرة حضرت االجتماعين‬ ‫األول والثاني‪ ،‬في حين تخ ّلفت‬ ‫الهيئة السياسية في االجتماع‬ ‫الثالث للمبادرة ألسباب خاصة‪،‬‬ ‫وحضر االجتماع ك ً‬ ‫ال من‪“ :‬تجمع‬ ‫سورية الثورة‪ ،‬المجلس الثوري‬ ‫السوري‪ ،‬تجمع اتحاد النقابات‬ ‫المهنية‪ ،‬تجمع أبناء إدلب”‪.‬‬ ‫وكانت لجنة المبادرة قد‬ ‫عقدت عدة اجتماعات سابقة‬ ‫لتذليل بعض الصعوبات التي‬ ‫واجهتها أمام تمسك بعض‬ ‫التجمعات بتسمياتها واإلصرار‬ ‫على انضواء اآلخرين تحتها‪،‬‬ ‫إال أن اللجنة تمكنت من‬ ‫تشكيل جسم سياسي من‬ ‫القانعين بالتوحد‪ ،‬ليكون هناك‬ ‫جسمين سياسيين يصبح من‬ ‫األسهل اتحادهما معاً‪ ،‬بحسب‬

‫«الضعيف»‪ ،‬معتبراً أن نزعة‬ ‫األنا المنتشرة في العمل‬ ‫الثوري بشكل عام هي سبب‬ ‫الفشل المتالحق في معظم‬ ‫المجاالت‪ ،‬وأن عدم التخلص‬ ‫من هذه النزعة يعني االستمرار‬ ‫ضمن سمة الفشل التي طبعت‬ ‫مؤسسات الثورة‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن‬ ‫أن الهيئات السياسية لم تصل‬ ‫لمرحلة النضوج السياسي وما‬ ‫تزال تغلب المصالح الضيقة‬ ‫على مصلحة البلد‪ ،‬وهو أحد‬ ‫أسباب ابتعاد الناس عنها نوعاً‬ ‫ما‪ ،‬على حد تعبيره‪.‬‬ ‫كذلك يرى رئيس تجمع سورية‬ ‫الثورة أن «األنا» هي أهم‬ ‫الصعوبات التي واجهها اتحاد‬ ‫قوى الثورة في إدلب‪ ،‬وأنه‬ ‫بعد سنوات من العمل تشكلت‬ ‫مجموعات وفرق‪ ،‬وكل فريق‬ ‫يريد أن يحافظ على مكاسبه‪،‬‬ ‫فغلبت «األنا» أو «النحن»‪ ،‬التي‬ ‫تقتصر على نحن كمجموعة‬ ‫وليس نحن كوطن أو نحن‬ ‫كثوار سوريا‪ ،‬مضيفاً‪« :‬إال أن‬ ‫هذه العقبة بدأت تتزلزل عندما‬ ‫كانت الساحة تنهار‪ ،‬فكان من‬

‫الواجب أن نرفع من سوية‬ ‫التفكير الوطني مقابل التخلي‬ ‫عن المكاسب الشخصية‪ ،‬هناك‬ ‫من آمن بهذا الفكر واستجاب‬ ‫للمبادرة‪ ،‬وهناك من ال يزال‬ ‫بحالة انتظار‪ ،‬وهذه المبادرة‬ ‫لم تُغلق بعد‪ ،‬وفي كل يوم‬ ‫يتم البحث عن تشكيل جديد‬ ‫لضمه إلى اتحاد قوى الثورة في‬ ‫إدلب»‪.‬‬ ‫كما تقف األدلجة الفكرية‬ ‫واالرتباطات والتبعيات وال سيما‬ ‫بالناحية العسكرية في وجه‬ ‫توحد التجمعات السياسية في‬ ‫إدلب‪ ،‬ويلعب المال السياسي‬ ‫دوراً كبيراً‪ ،‬وهو ما يشكل عائقاً‬ ‫أمام توحيد الصفوف‪ ،‬ولتتوحد‬ ‫الصفوف يجب على األقل‬ ‫اإليمان أوال بالفكر الثوري‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن اختالف البيئة‬ ‫والثقافة والتوعية السياسية‪،‬‬ ‫ما يجعل للفوضى نصيباً‬ ‫في عملية دمج التجمعات‬ ‫السياسية‪ ،‬وفقاً لرئيس تجمع‬ ‫سورية الثورة‪.‬‬

‫رئيس الهيئة السياسية‬ ‫في محافظة إدلب “عاطف‬ ‫زريق” قال لزيتون‪“ :‬نحن‬ ‫مع أي خطوة نحو االتحاد‬ ‫بجسم واحد‪ ،‬كنا وما زلنا مع‬ ‫توحيد كامل لجميع األجسام‬ ‫تحت اسم جامع له سمعته‬ ‫ووجوده على المستوى‬ ‫الداخلي والخارجي‪ ،‬ولكن‬ ‫لألسف نحن لدينا آلية التخاذ‬ ‫القرار في الهيئة السياسية‪،‬‬

‫وكان توجه المكتب التنفيذي‬ ‫ورؤساء الدوائر أن تنخرط‬ ‫جميع األجسام تحت اسم‬ ‫الهيئة السياسية كجسم‪،‬‬ ‫ونعلن عن انتخابات مبكرة‬ ‫للهيئة السياسية‪ ،‬ونحافظ‬ ‫على جسم الهيئة‪ ،‬ولكننا ال‬ ‫نستطيع إهمال عمل الهيئة‬ ‫السياسية لمدة سنتين”‪.‬‬ ‫وأضاف “زريق”‪“ :‬نحن نرى‬ ‫في الهيئة السياسية أن نبني‬

‫على المبني وليس البدء من‬ ‫نقطة الصفر‪ ،‬وخاصة بعد أن‬ ‫وصلت الهيئة السياسية بإدلب‬ ‫إلى ضم أغلب الناشطين‬ ‫على مستوى إدلب‪ ،‬وبات لها‬ ‫حضور قوي بين الفعاليات‪،‬‬ ‫وإننا نرى كأبناء إدلب الوقوف‬ ‫خلف هذا المشروع‪ ،‬وخاصة‬ ‫أن هناك مشروع يشمل عشر‬ ‫محافظات‪ ،‬ونسعى لتوحيد‬ ‫الهيئات السياسية السورية”‪.‬‬

‫من اجتماعات الهيئة السياسية وتجمع اتحادات النقابات المهنية‬

‫مكونات اتحاد قوى الثورة‬ ‫يضم اتحاد قوى الثورة في‬ ‫محافظة إدلب أربعة تجمعات‬ ‫سياسية هي “تجمع سورية‬ ‫ال��ث��ورة‪ ،‬المجلس ال��ث��وري‬ ‫ال��س��وري‪ ،‬تجمع االت��ح��ادات‬ ‫والنقابات المهنية‪ ،‬باإلضافة‬ ‫لتجمع أبناء إدلب الذي يعتبر‬ ‫أحدثها عهداً‪ ،‬إذ تم تأسيسه‬ ‫ف��ي ‪ 15‬آذار الماضي‪ ،‬من‬ ‫اندماج ثالثة تجمعات في‬ ‫مدينة إدلب هي تجمع «إدلب‬ ‫ال��م��دن��ي» وت��ج��م��ع «إدل���ب‬ ‫الثوري» و «البيت اإلدلبي»‪.‬‬ ‫أما تجمع االتحادات والنقابات‬ ‫المهنية في إدل��ب فقد تم‬ ‫تشكيله في ‪ 19‬آب ‪،2017‬‬ ‫ب���ه���دف إغ���ن���اء م��ن��ظ��م��ات‬ ‫المجتمع ال��م��دن��ي‪ ،‬ولكي‬ ‫يكون لها صوتاً مؤثراً على‬ ‫الساحة السياسية داخلياً‬ ‫وإقليمياً ودول��ي��اً‪ ،‬ولتقديم‬ ‫صورة أن هناك مجتمع مدني‬ ‫بمنظمات ذات أث���ر ق��وي‬ ‫وم��ؤث��ر وح��ض��اري‪ ،‬وليست‬ ‫منطقة م��ت��روك��ة للسالح‬ ‫والعنف‪ ،‬بحسب رئيس تجمع‬ ‫االتحادات والنقابات المهنية‪.‬‬ ‫وي��ض��م تجمع االت���ح���ادات‬ ‫والنقابات المهنية في إدلب‬ ‫كً‬ ‫ال من «نقابة األكاديميين‬ ‫حاملي الشهادات العليا‪ ،‬نقابة‬ ‫المهندسين ال��ح��رة‪ ،‬نقابة‬ ‫المحامين األح����رار‪ ،‬نقابة‬ ‫األط��ب��اء‪ ،‬نقابة الصيادلة‪،‬‬ ‫ن��ق��اب��ة المعلمين‪ ،‬نقابة‬ ‫المهندسين الزراعيين‪ ،‬نقابة‬ ‫عمال الخدمات الصحية‪ ،‬نقابة‬ ‫والمقاولين‪،‬‬ ‫االقتصاديين‬

‫اتحاد الفالحين بإدلب‪ ،‬اتحاد‬ ‫العمال‪ ،‬اتحاد الطلبة‪ ،‬تجمع‬ ‫المرأة السورية»‪.‬‬ ‫أما المجلس الثوري السوري‬ ‫فقد كانت انطالقته بداية‬ ‫تموز ‪ ،2017‬وقال المجلس‬ ‫على صفحته الرسمية في‬ ‫ف��ي��س ب����وك إن شرعيته‬ ‫تأتي م��ن حوامله الفكرية‬ ‫وال��س��ي��اس��ي��ة وال��ق��ان��ون��ي��ة‬ ‫واالج��ت��م��اع��ي��ة المتمثلة‬ ‫بأعضائه ومناصريه مع التفاف‬ ‫الشارع السوري الثائر حوله‬ ‫عندما يقف بمسؤولية أمام‬ ‫تحديات مصيرية تتحقق من‬ ‫خاللها آمال و تطلعات الشعب‬ ‫السوري‪.‬‬ ‫كما أعلن عن بنيته التنظيمية‬ ‫وأهدافه ضمن نظام داخلي‬ ‫للتجمع‪ ،‬ودع��ا عبر الصفحة‬ ‫أيضاً جميع السوريين األحرار‬ ‫م��ن ع���رب وك���رد وت��رك��م��ان‬ ‫وآشوريين ومسيحيين ودروز‬ ‫وأرم��ن وعلويين‪ ،‬ومن جميع‬ ‫الطوائف واألعراق واإلثنيات‪،‬‬ ‫و من جميع المشارب الدينية‬ ‫والسياسية‪ ،‬إلى وحدة الصف‬ ‫والكلمة وإنقاذ وطنهم من‬ ‫ب��راث��ن االح��ت�لال والطغيان‬ ‫والتطرف بجميع أشكاله‪.‬‬ ‫في حين تجمع سورية الثورة‬ ‫أق��دم التجمعات المنضوية‬ ‫ض��م��ن ات��ح��اد ق���وى ال��ث��ورة‬ ‫في إدل��ب‪ ،‬ففي ‪ 22‬تشرين‬ ‫الثاني ‪ 2015‬قامت اللجنة‬ ‫التحضيرية لمشروع التجمع‬ ‫بوضع أهداف التجمع ورؤيته‬

‫ال��ع��ام��ة‪ ،‬وال��ت��ي تلخصت‬ ‫بالعمل على وح��دة الصف‬ ‫واح��ت��رام ال��ح��ري��ات العامة‬ ‫والخاصة‪ ،‬وضمان الحقوق‬ ‫وتحقيق العدالة االنتقالية‬ ‫ال��ت��ي تضمن رد الحقوق‬ ‫ومحاسبة المجرمين‪ ،‬والسعي‬ ‫لبناء مجتمع وسطي ومشهد‬ ‫ديني معتدل‪ ،‬وقضاء ثقافي‬ ‫أصيل ومتعدد‪ ،‬وفقاً لمؤسس‬ ‫التجمع «عثمان بديوي»‪.‬‬ ‫وللتجمع نظام داخلي مكون‬ ‫من ستة فصول وأربع وثالثين‬ ‫مادة‪ ،‬يضبط هذا النظام كل‬ ‫برامج عمل وخطوات التجمع‪،‬‬ ‫ويقود التجمع مجلس ثوري‬ ‫أعلى‪ ،‬يضم رئيس ونائبا له‬ ‫ورؤس��اء لتسعة مكاتب تدير‬ ‫أع��م��ال التجمع‪ ،‬م��دة والي��ة‬ ‫المجلس سنة قابلة للتجديد‬ ‫مرة واحدة‪ ،‬وهو يمثل قيادة‬ ‫التجمع‪ ،‬ويتبع له عدة أفرع‬ ‫في محافظات إدل��ب‪ ،‬حلب‪،‬‬ ‫حماة‪ ،‬ريف دمشق‪ ،‬وحمص‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن ست دوائر بحسب‬ ‫مناطق محافظة إدلب وهي‬ ‫“خان شيخون‪ ،‬معرة النعمان‪،‬‬ ‫ح��ارم‪ ،‬أريحا‪ ،‬جسر الشغور‪،‬‬ ‫وإدل��ب”‪ ،‬وفقاً لرئيس مكتب‬ ‫التنظيم “معين العبد القادر”‪.‬‬ ‫ي��ذك��ر أن ان��ت��ق��ادات أهلية‬ ‫وجهت للتجمعات السياسية‬ ‫في محافظة إدل��ب اتهمتها‬ ‫بالتفكك والشرذمة‪ ،‬وعدم‬ ‫القدرة على توحيد خطابها‬ ‫السياسي‪ ،‬ما يزيد من أسباب‬ ‫ضعف تأثير تلك التجمعات‬ ‫محلياً ودولياً‪.‬‬

‫محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد ‪ 1 | 178‬حزيران ‪2018‬‬

‫‪7‬‬


‫مجتمع‬

‫أنا مكتف بمحبة طالبي‪..‬‬ ‫«غسان نادر» بعد ‪6‬‬ ‫سنوات من العمل التطوعي‬ ‫غسان نادر‬ ‫وعد البلخي‬ ‫م��ن السهل أن تعطي لكن‬ ‫الصعوبة هي عند من يأخذ‪..‬‬

‫يقول المعلم‪.‬‬ ‫ببضع كلمات يلخص عمل‬ ‫س��ت س��ن��وات م��ت��واص��ل��ة في‬ ‫تدريس الالجئين في فرنسا‬ ‫«أنا مكتف بمحبة طالبي»‪ ،‬ست‬ ‫سنين وآالف الطالب وعشرات‬ ‫الساعات األسبوعية لم تنل من‬ ‫حماس «غسان نادر»‪ ،‬المهندس‬ ‫اللبناني الذي اختار تعليم اللغة‬ ‫الفرنسية للناطقين العربية‬ ‫المشرقية في باريس‪.‬‬

‫ال تنتظر م��ق��اب ً‬ ‫�لا‪ ،‬وأح��ب‬ ‫المتعبين‪ ،‬فانتظار االمتنان‬ ‫فشل كلوي لإلنسانية‪ ،‬وسبب‬ ‫سريع البتعاد السعادة‪ ،‬هذا‬ ‫بعض مما يقوله‪.‬‬ ‫استمتع بالمسرات الصغيرة‪،‬‬ ‫تفتح برغم جديد هنا وبورقة‬ ‫خ��ض��راء ه��ن��اك‪ ،‬فمن دمعة‬ ‫صغيرة قد تعرف طعم البحر‪،‬‬ ‫وافتح قلبك للعالم‪ ،‬لتكتشف‬ ‫كم يشبهوك‪ ،‬امنحهم سبباً‬ ‫ك��ي يعشقوا ال��ح��ي��اة‪ ..‬هكذا‬

‫ففي ال��وق��ت ال���ذي ك��ان فيه‬ ‫ن��ش��ط��اء س��وري��ون يشعلون‬ ‫الشمع في بعض مدن سوريا‬ ‫ببداية الثورة في وقفة صمت‬ ‫ألرواح الذين غادروا الحياة‪ ،‬كان‬ ‫هناك شبان آخ��رون يشعلون‬ ‫الشمع في باريس‪ ،‬في ذلك‬ ‫الوقت تحديداً ابتدأت الفكرة‪،‬‬ ‫م��ن س���ؤال ت��م ط��رح��ه‪ ،‬من‬ ‫سيعلم القادمون من الحرب‬ ‫والموت لغة الحياة في فرنسا؟‪.‬‬

‫ام��ن��ح ل��ك��ي تشعر بنبض‬ ‫ال��وج��ود‪ ،‬أع��ط ما أعطته لك‬ ‫ال��ح��ي��اة‪ ،‬أن��ت��ج كما األش��ج��ار‬ ‫والقطعان في البراري‪ ،‬تدفق‬ ‫كما األنهار والينابيع‪ ،‬شارك‬ ‫ضجيج ال����والدة وال��ح��ب مع‬ ‫اآلخرين‪ ،‬ال تستقل بما لديك‪،‬‬ ‫هي بعض من فلسفته‪.‬‬

‫دون ت����ردد ك��ان��ت إج��اب��ة‬ ‫م���س���ت���ش���ار ال���ش���رك���ات‬ ‫الستراتيجيات التوزيع الذي‬ ‫ك��ان قد مضى على وج��وده‬ ‫ف���ي ف��رن��س��ا ‪ 10‬س��ن��وات‬ ‫حاضرة‪« :‬أنا أعلمهم»‪ ،‬وحدد‬ ‫«نادر» مساء يوم الجمعة من‬ ‫كل أسبوع لتعليم الالجئين‬ ‫السوريين اللغة الفرنسية‪،‬‬ ‫وذلك بما يتناسب مع أوقات‬ ‫عمله‪ ،‬لتبدأ مسيرته في‬ ‫التعليم في تموز عام ‪،2012‬‬ ‫بالتعاون مع جمعية «سورية‬ ‫حرية» في باريس‪.‬‬ ‫وفي خريف عام ‪ ،2013‬تم‬ ‫إغالق المركز الذي كان يتم‬ ‫إع��ط��اء ال���دروس فيه‪ ،‬لكن‬ ‫«ن��ادر» لم يتوقف‪ ،‬بل تابع‬ ‫تعليم الالجئين مع تجمع‬ ‫«اللبنانيين العلمانيين في‬ ‫فرنسا»‪ ،‬وال��ذي وفر الغطاء‬ ‫القانوني للمركز ال��ذي يتم‬ ‫إع��ط��اء ال���دروس فيه حتى‬ ‫اليوم‪.‬‬

‫حصة واحدة ال تكفي‬ ‫ك��ان خ��ي��اره منذ ال��ب��داي��ة هو‬ ‫التركيز على جانب قواعد اللغة‬ ‫الفرنسية‪ ،‬وذل��ك كي يتمكن‬ ‫طالبه تدريجياً من بناء جملة‬ ‫بسيطة‪ ،‬مركبة‪ ،‬ومن ثم بناء‬ ‫نص‪ ،‬باإلضافة إلى تمكينهم‬ ‫من ال��ق��راءة بلفظ سليم‪ ،‬أما‬ ‫الخيار الثاني فهو شرح هذه‬ ‫ال���دروس باللغة العربية‪ ،‬أو‬ ‫باألصح بلهجته اللبنانية التي‬ ‫يفهمها ويتلقاها كافة أبناء‬ ‫المشرق العربي‪ ،‬وذل��ك كي‬ ‫يسهل ع��ل��ى ال��م��ب��ت��دأ تلقي‬ ‫المعلومات وتقبلها وفهمها‪.‬‬ ‫وانطلق ف��ي تدريسه اللغة‬ ‫الفرنسية لالجئين بما يتناسب‬ ‫مع طريقة تفكيره كمهندس‪،‬‬ ‫فكان ترتيب دروسه ومالحظته‬ ‫بطريقة متسلسلة ومنطقية‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن تبسيطها إلى أقصى‬ ‫ح���دّ م��م��ك��ن‪ ،‬إال أن طريقة‬ ‫تفكيره ذاتها أوحت إليه بضرورة‬ ‫المتابعة المستمرة للدروس‬ ‫والتدريب العملي عليها‪ ،‬فكانت‬ ‫فكرة البرنامج التدريبي‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫يقول «غسان ن��ادر»‪« :‬عندما‬ ‫بدأت بتدريس اللغة الفرنسية‬ ‫ل�لاج��ئ��ي��ن أدرك����ت أن حصة‬ ‫واحدة في األسبوع غير كافية‬ ‫لتعليمهم ال��ل��غ��ة بالشكل‬ ‫المطلوب‪ ،‬فقمت بتصميم‬ ‫البرنامج ألول مرة‪ ،‬وكان يحمَّل‬ ‫على الكمبيوترات‪ ،‬ويستغرق‬ ‫تحميل البرنامج لكل تلميذ‬ ‫جديد حوالي ‪ 40‬دقيقة‪ ،‬وبعد‬ ‫خمسة أشهر وصل عدد الطالب‬ ‫إل��ى حوالي ‪ 40‬طالباً‪ ،‬حينها‬ ‫ق��ررت أن أضع البرنامج على‬ ‫االنترنت‪ ،‬وتواصلت مع إحدى‬ ‫المجموعات السورية في مصر‪،‬‬ ‫وك��ان لديها خبرة بالبرمجة‪،‬‬ ‫فصممنا البرنامج وانطلق في‬ ‫صيف عام ‪.»2013‬‬ ‫ويضيف «نادر»‪« :‬أما البرنامج‬ ‫الحالي فقد تم العمل عليه‬ ‫ألول م��رة في تشرين الثاني‬ ‫‪ ،2013‬وكانت الفائدة األكبر‬ ‫مقارنة مع البرنامج القديم‪،‬‬ ‫هو قدرة الطالب على التدريب‬ ‫على البرنامج من كافة األجهزة‬ ‫المحمولة‪ ،‬وبالتالي إمكانية‬

‫التدرب من أي مكان وفي أي‬ ‫وقت‪ ،‬واستغالل أوقات االنتظار‬ ‫الضائعة في الدوائر والحافالت‬ ‫وغيرها»‪.‬‬ ‫وفي محاوالته لتطوير طريقة‬ ‫تعليمة ونتيجة لمجموعة من‬ ‫عمليات البحث واالستقصاء‬ ‫ومقاطعة بين محتويات المراجع‬ ‫استخرج ما يقارب ‪ 1500‬كلمة‬ ‫مستخدمة في اللغة الفرنسية‪،‬‬ ‫ون��ح��و ‪ 250‬جملة‪ ،‬و‪1600‬‬ ‫سؤال حول قواعد اللغة‪.‬‬ ‫أما عن سبب تسمية المجموعة‬ ‫في موقع التواصل االجتماعي‬ ‫ف��ي��س ب���وك ب��اس��م «تعليم‬ ‫اللغة الفرنسية للناطقين‬ ‫بالعربية المشرقية» فيؤكد‬ ‫نادر‪« :‬االقتصار على الناطقين‬ ‫باللغة المشرقية ليس إقصاء أو‬ ‫تمييز لألهل في المغرب‪ ،‬إنما‬ ‫هناك تغيير ج��ذري في اللغة‬ ‫ما بين المشرقية والمغاربية‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك فقد بدأ‬ ‫ع��دد ال ب��أس فيه م��ن أهالي‬ ‫المغرب العربي باالنضمام‬

‫محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد ‪ 1 | 178‬حزيران ‪2018‬‬

‫إلى المجموعة وتلقي الدروس‬ ‫فيها»‪.‬‬ ‫ال يتوانى «ن��ادر» عن بذل أي‬ ‫جهد‪ ،‬أو اإلجابة عن أي سؤال‪،‬‬ ‫كما ال ينفك عن التفكير في‬ ‫متطلبات ومشاكل اللغة لدى‬ ‫الطالب ونقاط الضعف فيها‪،‬‬

‫وكثيراً ما يطرح استبيانات‬ ‫للعمل ع��ل��ى ح��ل مشكالت‬ ‫الطالب مع اللغة‪.‬‬ ‫بث الدروس التي يلقيها ضمن‬ ‫قاعة المركز بشكل مباشر‬ ‫على فيس بوك‪ ،‬هدفها إتاحة‬ ‫الفرصة ألكبر عدد من الطالب‬

‫وأي��ن��م��ا ك��ان��وا م��ن التعلم‪،‬‬ ‫وال��ت��درب على البرنامج‪ ،‬ما‬ ‫يجعل نادر دائم الحرص على‬ ‫جودة البث وأسئلة واستفسارات‬ ‫الطلبة وإجابتهم عبر التعليقات‬ ‫على البث‪ ،‬فيشعرون بأولويتهم‬ ‫لدى مع ّلمهم‪ ،‬وهو ما يحاول‬ ‫نادر إيصاله فع ً‬ ‫ال‪.‬‬

‫تحديات العمل التطوعي‬ ‫ال��م��ت��اب��ع��ون ل��م��ع��ل��م اللغة‬ ‫الفرنسية يدركون تماماً أن‬ ‫عمله هذا يتطلب منه الكثير‬ ‫من الجهد وال��وق��ت‪ ،‬إذ يقوم‬ ‫ن��ادر بتحضير ال���دروس قبل‬ ‫إعطائها‪ ،‬لمحاولة إيجاد أبسط‬ ‫طريقة لشرح المعلومة بشكل‬ ‫مختصر وواف��ي‪ ،‬لتثبيتها في‬ ‫ذه��ن الطالب‪ ،‬وتمكينه من‬ ‫فهمها وحفظها‪ ،‬كما يعمل‬ ‫على تطوير البرنامج وإدخال‬ ‫تحسينات ع��ل��ي��ه‪ ،‬وإض��اف��ة‬ ‫مجموعات جديدة من األسئلة‬ ‫لكل طالب ف��ور انتهائه من‬ ‫المجموعة السابقة‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن‬ ‫طباعة ص��ور توضيحية لكل‬ ‫درس‪ ،‬ووضع تمارين وتدريبات‬ ‫لحلها خالل الدرس‪ ،‬إلى جانب‬ ‫التنسيق مع بقية المعلمين في‬ ‫المركز‪ ،‬ليكون صلة الوصل‬ ‫بينهم وبين الطالب‪.‬‬ ‫ويقضي ن���ادر نحو ساعتين‬ ‫ليصل إلى المركز‪ ،‬وساعتين‬ ‫في إعطاء ال��درس‪ ،‬ثم يعمل‬ ‫على تنظيف وترتيب القاعات‬ ‫بعد م��غ��ادرة ال��ط�لاب‪ ،‬أي ما‬

‫مجموعه ‪ 5‬ساعات في الدرس‬ ‫الواحد‪ ،‬ويعطي ن��ادر درسين‬ ‫أس��ب��وع��ي��اً‪ ،‬م��س��اء ك��ل ثالثاء‬ ‫وجمعة‪ ،‬أما اإلجابة على أسئلة‬ ‫ومراسالت الطالب فليس لها‬ ‫وقت محدد‪.‬‬ ‫وأكثر ما يدهش طالبه‪ ،‬ويزيد‬ ‫م��ن تقديرهم ل��ه ولجهوده‬ ‫هو قدرته على التنسيق بين‬ ‫وظيفته ال��ت��ي تتطلب منه‬ ‫وقتاً وجهداً وسفر وبين عمله‬ ‫ال��ت��ط��وع��ي‪ ،‬وال سيما أنهم‬ ‫يراقبون جيداً م��دى تجاوبه‪،‬‬ ‫والوقت الذي يقضيه من أجلهم‪.‬‬ ‫وع��ن ذل��ك يقول غسان ن��ادر‪:‬‬ ‫«أعمل كمستشار أعمال في‬ ‫استراتيجيات التوزيع للشركات‪،‬‬ ‫لتحسين وتصميم استراتيجيات‬ ‫التوزيع ل��دى ه��ذه الشركات‪،‬‬ ‫والتي تنتشر في كل من أوروبا‬ ‫وأف��ري��ق��ي��ا وال��ش��رق األوس��ط‬ ‫وآسيا الوسطى‪ ،‬ما يضطرني‬ ‫للسفر في كثير من األحيان إلى‬ ‫بلدان مختلفة‪ ،‬ولكن بالمقابل‬ ‫الناحية اإليجابية هي إمكانية‬ ‫عملي ف��ي ال��م��ن��زل‪ ،‬وه��و ما‬

‫يمنحني الحرية في إدارة وقتي‬ ‫وعملي‪ ،‬ويساعدني إل��ى حدّ‬ ‫كبير في التفرغ ألكثر من ‪20‬‬ ‫ساعة أسبوعياً لتعليم اللغة‬ ‫لالجئين»‪.‬‬ ‫وال ينسى ن��ادر زم�لاءه الذين‬ ‫ش��ارك��وه العمل على تعليم‬ ‫الالجئين‪ ،‬وال سيما اآلنسة‬ ‫«س��ارة خازيندار» التي تعمل‬ ‫بكل حب وال تتوانى عن بذل أي‬ ‫جهد دون كلل أو ملل منذ أربعة‬ ‫أعوام ونصف‪.‬‬ ‫وع��ن أك��ب��ر الصعوبات التي‬ ‫واجهته خالل عمله في التعليم‬ ‫قال‪« :‬أقع في حيرة كبيرة بين‬ ‫االستمرار في ال��درس والعجز‬ ‫أو التوقف‪ ،‬فكيف لي أن أقنع‬ ‫أباً مث ً‬ ‫ال ينتظر خبراً عن ابنه‬ ‫المعتقل أو ما شابه أن هذه‬ ‫القاعدة أو ه��ذا ال��درس أهم‬ ‫مما يعانيه‪ ،‬وكيف لي أال أقدر‬ ‫معاناته‪ ،‬هناك الكثير ممن‬ ‫يعيشون بأجسادهم في فرنسا‬ ‫سنيناً فيما قلوبهم وأرواحهم‬ ‫في مكان آخر»‪.‬‬

‫فلسفته في التطوع‬ ‫يعمل غسان ن��ادر منذ ست‬ ‫سنوات في تعليم الالجئين‬ ‫للغة الجديدة التي فرضتها‬ ‫عليهم ظروفهم‪ ،‬والتي كان‬ ‫الكثير منهم يجهل أحرفها‬ ‫باستثناء شكلها‪ ،‬منطلقاً من‬ ‫مفهومه عن العطاء‪ ،‬فيعتبر‬ ‫أن��ه ال يعطي‪ ،‬وإنما يتشارك‬ ‫م��ع ط�لاب��ه المحبة وال��م��ودة‬ ‫واالحترام‪ ،‬ويكتفي بما حصل‬ ‫عليه منهم‪ ،‬ويتمنى أن تكون‬ ‫رسالته قد وصلتهم‪ ،‬وأن يكون‬ ‫قد ساهم في إع��ادة النبض‬ ‫والبريق لحياتهم‪.‬‬

‫يقول‪« :‬لم أشعر يوماً بأنني‬ ‫أعطي‪ ،‬فأنا أخ��ذ ب��ذات القدر‬ ‫ال����ذي أع��ط��ي ف��ي��ه‪ ،‬أش���ارك‬ ‫وق��ت��ي وأخ�����وض ت��ج��رب��ت��ي‪،‬‬ ‫وأشعر بسعادة غامرة عندما‬ ‫أج��د طريقة أفضل للتعليم‪،‬‬ ‫وعندما نخلق معاً بيئة مناسبة‬ ‫لالستمرار‪ ،‬وهو ما يخلق لديّ‬ ‫اكتفا ًء ذاتياً يساعدني على‬ ‫المتابعة»‪.‬‬ ‫أكثر ما يردده ويثق به هو محبة‬ ‫طالبه له‪ ،‬ويُجمع طالبه على‬ ‫أن ثقته في مكانها‪ ،‬فمنهم‬

‫م��ن ج��ذب��ه أس��ل��وب��ه وطريقة‬ ‫تعليمه ومحبته‪ ،‬ومنهم من‬ ‫قطع مدناً ومسافات ليحضر‬ ‫دروسه‪ ،‬وآخرين لم تساعدهم‬ ‫الظروف على الحضور فاكتفوا‬ ‫بمتابعة دروسه عبر االنترنت‪،‬‬ ‫مع محاوالتهم عدم تفويت أي‬ ‫درس منها‪ ،‬ولم يمنع العمر أياً‬ ‫منهم من متابعته‪.‬‬ ‫تقول «قمر شقرة» ‪« :‬كنت‬ ‫أكره اللغة الفرنسية جداً‪ ،‬لكن‬ ‫األستاذ غسان جعلني أحبّها‬ ‫بأسلوبه‪ ،‬ودع��م��ه وتشجيعه‬


‫مجتمع‬

‫من هو وما رسالته؟‬ ‫ل��ي على ال����دوام‪ ،‬وزرع‬ ‫في نفسي الحافز للتعلم‬ ‫وتطوير ذاتي‪ ،‬وعزز ثقتي‬ ‫َ‬ ‫يتوان عن‬ ‫بنفسي‪ ،‬ولم‬ ‫مساعدتي في أي وقت‬ ‫من األوق���ات‪ ،‬إن��ه إنسان‬ ‫بكل ما تحمله الكلمة من‬ ‫معنى»‪.‬‬ ‫بينما ي��رى «شيخو» أن‬ ‫العالقة بين نادر وطالبه‬ ‫تتعدى ع�لاق��ة المعلم‬ ‫بالطالب‪ ،‬وأن الكلمات ال‬ ‫تفي لوصف نبل غسان‬ ‫وعطائه الالمحدود على‬ ‫ح��س��اب وق��ت��ه وراح��ت��ه‬ ‫وعمله‪ ،‬فكثيراً ما كان‬ ‫يتجه م��ن ال��م��ط��ار إل��ى‬ ‫المركز إلع��ط��اء ال��درس‬ ‫قبل أن يذهب لمنزله‪.‬‬ ‫ويعتبر ال��زوج��ان شيخو‬

‫وشقرة أنهما محظوظان‪،‬‬ ‫وأن معرفتهما بمعلمهما‬ ‫وتلقيهما دروس اللغة‬ ‫ال��ف��رن��س��ي��ة ع��ن��ده‪ ،‬هو‬ ‫أفضل ما حصال عليه في‬ ‫فرنسا‪.‬‬ ‫«دان����ا رم��ض��ان» إح��دى‬ ‫ال��ط��ال��ب��ات ال��م��ت��اب��ع��ات‬ ‫لدروس نادر عبر االنترنت‪،‬‬ ‫تقول‪« :‬االحترام والعطاء‬ ‫بصدق وبأسلوب بسيط‬ ‫وواض�����ح‪ ،‬واالس��ت��ع��داد‬ ‫ال���دائ���م ل��ل��م��س��اع��دة‪،‬‬ ‫واالس��ت��ج��اب��ة لطلباتنا‬ ‫ومتطلباتنا في مواضيع‬ ‫ال������دروس وت��ح��دي��ث��ات‬ ‫البرنامج الرائع‪ ،‬كان له‬ ‫دور كبير في وصولنا إلى‬ ‫هذه المستويات»‪.‬‬ ‫ف��ي حين تصفه «سحر‬

‫األحمد» بالمعلم الحقيقي‬ ‫ال����ذي ي��ت��ف��ق م���ع ق��ول‬ ‫الشاعر «أحمد شوقي»‪:‬‬ ‫«ك��اد المعلم أن يكون‬ ‫رس���وال»‪ ،‬وذل��ك بإجماع‬ ‫كافة زمالئها‪.‬‬ ‫تقول «األحمد»‪« :‬قدرته‬ ‫على إيصال المعلومة‪،‬‬ ‫وابتسامته التي ال تفارق‬ ‫وج��ه��ه‪ ،‬تحمل لنا الحب‬ ‫واألمل‪ ،‬وتخلق فينا طاقة‬ ‫إيجابية‪ ،‬تجعله يستحق‬ ‫أن يحمل لقب معلم»‪،‬‬ ‫م��ض��ي��ف��ة‪« :‬ه���و إن��س��ان‬ ‫ودود ومحبوب من قبل‬ ‫الجميع‪ ،‬والدليل إص��رار‬ ‫جميع الطالب على حضور‬ ‫دروسه وااللتزام بها برغم‬ ‫كل الظروف»‪.‬‬

‫غ��س��ان ن���ادر م��ه��ن��دس كمبيوتر‬ ‫واتصاالت خريج الجامعة األمريكية‪،‬‬ ‫وُل��د في منطقة الكورة في لبنان‬ ‫ع��ام ‪ ،1977‬وع��اش فيها إل��ى أن‬ ‫بلغ الحادية والعشرين من عمره‪،‬‬ ‫شهد ف��ي طفولته ‪ 14‬ع��ام��اً من‬ ‫الحرب األهلية في لبنان‪ ،‬فكان لها‬ ‫التأثير األكبر في تكوين شخصيته‬ ‫وأفكاره‪ ،‬فكونت لديه ثقافة احترام‬ ‫اآلخ���ر وتقبله‪ ،‬ون��ب��ذ العنصرية‬ ‫والطائفية‪ ،‬واحترام القيم اإلنسانية‪،‬‬ ‫ولكنها في الوقت ذاته زرعت فيه‬ ‫ثقافة التشكيك في كل ما ال تثبت‬ ‫صحته باألدلة والبراهين على مبدأ‬ ‫الرياضيات‪.‬‬ ‫كما تأثر نادر إلى حد كبير بوالده‬ ‫الذي كرّس حياته كناشط اجتماعي‬ ‫وسياسي للرقي باإلنسان والمجتمع‪،‬‬ ‫ما دفعه لالقتداء ب��وال��ده ودخ��ول‬

‫المجال االجتماعي في مرحلة معينة‬ ‫من حياته‪ ،‬كناشط مستقل وليس‬ ‫ضمن أطر المنظمات والعمل المدني‬ ‫الرسمي ضد التمييز وف��ي مجال‬ ‫حقوق المرأة والعنف األسري‪.‬‬ ‫ال يستطيع غسان تجيير طاقاته‬ ‫ألمر واح��د‪ ،‬وإنما يشتتها في عدة‬ ‫أمور في آن واحد‪ ،‬وكثيراً ما يكون‬ ‫عاجزاً عن إتمامها بالكامل معاً نظراً‬ ‫لذلك‪ ،‬لكنه يعتبر أن كثرة أسئلته‬ ‫وإلحاحه وفضوله‪ ،‬كثيراً ما توصله‬ ‫إلى األجوبة الصحيحة‪ ،‬فتحمل له‬ ‫السعادة والسحر والدهشة كاألطفال‬ ‫تماماً‪ ،‬ويكون قادراً على االستمتاع‬ ‫بكافة التفاصيل في حياته حتى‬ ‫الصغيرة منها كوردة صغيرة أو ورقة‬ ‫خضراء‪.‬‬ ‫كما أن ثقافة تقبل اآلخ���ر التي‬

‫تمسك بها‪ ،‬انعكست بشكل كبير‬ ‫على حياته الشخصية‪ ،‬فبات قادراً‬ ‫على تقبل شخصيته بكافة جوانبها‪،‬‬ ‫وتقبل الحياة كما هي في أي وقت‪،‬‬ ‫وتجييرها على النحو الذي يريده‪،‬‬ ‫وبرأيه أن اإلنسان قادر على رؤية‬ ‫جمال الحياة متى شاء‪ ،‬كما هو قادر‬ ‫على رؤية قبحها متى شاء‪ ،‬وهو األمر‬ ‫الذي يحاول تجنبه إلى حدّ ما‪ ،‬ما‬ ‫يجعله دائم االبتسامة والمرح‪.‬‬ ‫في التغريبة السورية وزمن الفوضى‬ ‫واالح��ت��راب وال��ل��ج��وء‪ ،‬نحتاج نحن‬ ‫السوريون إلى االستفادة بما مر به‬ ‫اآلخ���رون من ت��ج��ارب‪ ،‬ولربما كان‬ ‫العمل التطوعي ال��م��رادف لعملنا‬ ‫األس��اس��ي حبل النجاة والخالص‬ ‫لنا كشعب وأف��راد‪ ،‬لنستلم الشعلة‬ ‫ونمررها لغيرنا‪ ،‬لنعيد لأَْ مَ مجتمعنا‬ ‫وسوريتنا‪.‬‬

‫من الدحاحل إلى المفرقعات‪ ..‬ألعاب األطفال في رمضان‬ ‫انتهى العام الدراسي‪ ،‬وانتهى الج ّد والجهد‪ ،‬وبدأ دور اللعب واللهو بالنسبة ألطفال‬ ‫إدلب‪ ،‬ليعيشوا أجواءهم الخاصة‪ ،‬ويمارسوا ألعابهم الشعبية المعتادة في ساحات‬ ‫وأزقة مدنهم وبلداتهم‪.‬‬ ‫ومع تقدم الزمن وتغير الظروف‪ ،‬تتغير ألعاب األطفال وتتنوع سلباً وإيجاباً‪ ،‬فتدخل‬ ‫ألعاب جديدة إلى غرف األطفال وساحات لعبهم واجتماعاتهم‪ ،‬ولكن دون أن تزيح‬ ‫كلياً ألعابهم القديمة‪ ،‬وفي الوقت ذاته هناك ألعاب تنتشر بين األطفال في أوقات‬ ‫محددة من العام دون غيرها‪.‬‬ ‫ففي شهر رمضان الحالي‪ ،‬وككل عام‪ ،‬ال بد لأللعاب النارية أن تكون من ضمن ألعاب‬ ‫األطفال‪ ،‬ولكن إلى جانب ألعابهم التي اعتادوها‪ ،‬فما هي هذه األلعاب وما هو تأثيرها؟‬ ‫محمد المحمود‬ ‫منذ نعومة أظفارنا ونحن نهوى‬ ‫تلك األلعاب‪ ،‬فلم تكن تخلو‬ ‫باحة مدرسة أو شارع من أطفال‬ ‫يلعبون «الطميمة»‪ ،‬وتعلو أصوات‬ ‫ضحكهم الممزوجة باإلنهاك فوق‬ ‫كل األصوات في المحيط‪ ،‬تعج‬ ‫المساحات الترابية في الحدائق‬ ‫بأطفال تركوا األراجيح مفضلين‬ ‫لعب «الدحاحل»‪ ،‬وفي األرياف‬ ‫تكثر لعبة «القاموع»‪ ،‬وفي األزقة‬ ‫يلعبون «الدوش»‪ ،‬أما «البلبل»‬ ‫فهو حاضر إلى جانب «الدحل»‬ ‫في جيوبهم دائماً‪.‬‬ ‫هذه األلعاب وغيرها من ألعاب‬ ‫تتسم‬ ‫الشعبية‪،‬‬ ‫األطفال‬ ‫ببساطتها وعدم تكلفها‪ ،‬وعدم‬

‫حصرها في مكان أو زمان‪،‬‬ ‫واألهم هو لعبها بشكل جماعي‪،‬‬ ‫إذ ال يمكن أن يلعبها طفل واحد‬ ‫بمفرده‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن األمان إلى حدّ‬ ‫ما على سالمتهم الجسدية‪ ،‬على‬ ‫العكس من الكثير من األلعاب‬ ‫الحديثة‪.‬‬ ‫يرى الطبيب «عبد الحكيم‬ ‫رمضان» أن من الضروري والمهم‬ ‫حركة الطفل الجسدية وال سيما‬ ‫في المساحات الواسعة مع‬ ‫أقرانهم كما هو الحال في هذه‬ ‫األلعاب الجماعية القديمة‪ ،‬وذلك‬ ‫لضرورة اكتمال بنيتهم الجسدية‬ ‫واكتساب المهارات الالزمة لهم‪.‬‬

‫األلعاب النارية واألسلحة‬ ‫على الرغم من قدمها وعدم‬ ‫حداثتها بما ال يكفي لتصنيفها‬ ‫ضمن أي من النوعين‬ ‫السابقين‪ ،‬إال أن انتشارها‬ ‫يكون غالباً في شهر رمضان‬ ‫وفترات األعياد‪ ،‬ولعبت الظروف‬ ‫والواقع الذي يعيشه األطفال‬ ‫منذ أكثر من سبع سنوات‬ ‫دوراً في زيادة إقبال األطفال‬ ‫عليها‪ ،‬وال سيما ألعاب األسلحة‬ ‫كالبنادق والمسدسات‪ ،‬والتي‬ ‫تعكس ما في داخل الطفل‪،‬‬ ‫وما تركته الحرب من عنف‬

‫ومن أفكار خاطئة لديه‪ ،‬فترى‬ ‫االطفال منتشرين بين األحياء‬ ‫واألزقة‪ ،‬متأهبين للقتال فيما‬ ‫بينهم‪ ،‬كما تحمل الكثير‬ ‫من األضرار الجسدية خاصة‬ ‫تلك التي تحوي «الخرز» بد ً‬ ‫ال‬ ‫من الرصاصات البالستيكية‪،‬‬ ‫أو التي تقتصر على إطالق‬ ‫األصوات فقط‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن‬ ‫األضرار النفسية والمفاهيم‬ ‫الخاطئة التي تزرعها في‬ ‫نفوس األطفال‪.‬‬ ‫«نور الدين محمود» أحد أطفال‬

‫األلعاب الحديثة‬

‫تماهي األطفال مع الواقع األمني في ألعابهم ‪ -‬زيتون‬

‫يفرض الواقع نفسه حتى‬ ‫في ألعاب األطفال‪ ،‬فتطرأ‬ ‫الكثير من التحديثات بشكل‬ ‫مستمر على ألعابهم‪ ،‬ولكن‬ ‫السمة الغالبة على معظمها‬ ‫هي الفردية‪ ،‬على العكس من‬ ‫األلعاب التقليدية التي كانت‬ ‫تجمع األطفال دون أن تميز بين‬ ‫أعمارهم‪.‬‬ ‫وأكثر األلعاب انتشاراً في‬ ‫اآلونة األخيرة هي األلعاب‬ ‫اإللكترونية‪ ،‬سواء تلك التي‬ ‫تعتمد على توفر االنترنت أو‬

‫على توفر األجهزة التي يمكن‬ ‫للطفل أن يستخدمها في‬ ‫ألعابه‪.‬‬

‫“فاطمة عتيق” عاملة في مجال‬

‫الدعم النفسي في منظمة‬ ‫شفق اإلنسانية قالت لزيتون‪:‬‬ ‫«نوعية األلعاب اإللكترونية‬ ‫وطريقة استخدامها تلعب دوراً‬ ‫كبيراً في طريقة تأثيرها على‬ ‫األطفال سلباً أو إيجاباً‪ ،‬فإن تم‬ ‫اختيار األلعاب المناسبة‪ ،‬وتمت‬ ‫ممارستها بالشكل الصحيح‪،‬‬ ‫من الممكن أن تنمي مهارات‬ ‫الطفل اإلدراكية‪ ،‬وتمنحه‬ ‫القدرة على اتخاذ القرارات‪،‬‬ ‫باإلضافة لمنحه المفردات‬ ‫والتعابير بلغته األصلية أو‬

‫ً‬ ‫مضيفة‪:‬‬ ‫بلغات أخرى»‪،‬‬ ‫«ولكن بالمقابل األلعاب‬ ‫اإللكترونية تقتل الذكاء‬ ‫الطفل‪،‬‬ ‫عند‬ ‫االجتماعي‬ ‫وتحرض على العنف‪ ،‬وتنمي‬ ‫النزعة العدوانية لديه‪ ،‬وتزرع‬ ‫فيه حب الذات واألنانية‪،‬‬ ‫وتتسبّب بنزيف في الدماغ‬ ‫لشدة التركيز‪ ،‬باإلضافة‬ ‫الستهالك خاليا من الدماغ قبل‬ ‫أوانها‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عما من الممكن‬ ‫أن تسببه للطفل من ضعف في‬ ‫تحصيله العلمي»‪.‬‬

‫مدينة إدلب تحدث لزيتون عن‬ ‫متعته باللعب بهذه األلعاب‬ ‫وعن نظرته لها قائ ً‬ ‫ال‪« :‬البنادق‬ ‫والمسدسات أفضل األلعاب‬ ‫بالنسبة إليّ‪ ،‬وذلك ألنني‬ ‫أستطيع أن ألعب بها وحدي‪،‬‬ ‫وألنني أشعر باألمان والقوة‬ ‫عندما تكون بحوزتي‪ ،‬وأتشوق‬ ‫لقتال أصدقائي بها‪ ،‬وأكون‬ ‫على ثقة بأن أحداً لن يستطيع‬ ‫هزيمتي»‪.‬‬ ‫ويرى المعلم في إحدى مدارس‬ ‫إدلب «أيمن الحكيم» أن للحرب‬ ‫أثر كبير على نفسية األطفال‬ ‫وميولهم لمثل هذه األلعاب‬

‫التي تحرض على العنف وتنمي‬ ‫العدائية لدى األطفال‪ ،‬مؤكداً‬ ‫أن األلعاب الشعبية البسيطة‬ ‫هي األكثر إيجابية على نفسية‬ ‫األطفال‪ ،‬إذ تنمي لديهم العمل‬ ‫الجماعي وروح الجماعة وحب‬ ‫اآلخرين‪.‬‬ ‫بينما يجد أطفال آخرون المتعة‬ ‫في أضواء األلعاب النارية‬ ‫وأصواتها‪ ،‬وخالل شهر رمضان‬ ‫وفي األعياد والمناسبات يكثر‬ ‫بيعها في المحال التجارية‪،‬‬ ‫وتعلو أصوات انفجاراتها في‬ ‫األحياء‪ ،‬وذلك على الرغم من‬ ‫األضرار الجسدية التي تتسبب‬

‫بها كل عام‪ ،‬والتحذيرات‬ ‫والقرارات التي تطلق لمنع‬ ‫تداولها في األسواق‪.‬‬ ‫ويلقى “خالد األحمد” اللوم‬ ‫على أصحاب المحال التجارية‪،‬‬ ‫وبيعهم هذه األلعاب رغم‬ ‫معرفتهم مقدار الخطورة التي‬ ‫يمكن أن تسببها لألطفال‪،‬‬ ‫مطالباً الجهات األمنية بجدية‬ ‫معاقبة كل مخالف ومحاسبته‪.‬‬ ‫في حين تخشى الطفلة «لمار‬ ‫حميدان» من مدينة إدلب هذه‬ ‫األلعاب وتقول لزيتون‪« :‬ال أحب‬ ‫األلعاب النارية وأسلحة الخرز‬ ‫فهي تخيفني جداً‪ ،‬وأصوات‬

‫يذكرني‬ ‫النارية‬ ‫األلعاب‬ ‫والقصف»‪،‬‬ ‫باالنفجارات‬ ‫ً‬ ‫مضيفة‪:‬‬ ‫«أحب لعبة الطميمية والدحاحل‬ ‫ألنها ألعاب جميلة‪ ،‬ونلعب‬ ‫ونستمتع بها أنا وجميع رفيقاتي‬ ‫دون أن تؤذينا أو تخيفنا»‪.‬‬ ‫من جانبه لم يعد الطفل «فادي‬ ‫أحمد» ذو العشرة أعوام لشراء‬ ‫األلعاب النارية‪ ،‬أو االقتراب حتى‬ ‫من األطفال أثناء لعبهم بها‪،‬‬ ‫ويحاول دائماً نهيهم عن ذلك‪،‬‬ ‫بعد أن تسببت هذه األلعاب‬ ‫ببتر ‪ 3‬من أصابعه في أواخر‬ ‫رمضان الماضي‪.‬‬

‫وتحمل هذه األلعاب الكثير‬ ‫من الفوائد في حال استُغلت‬ ‫بالشكل الصحيح لها على‬ ‫الرغم من طبيعتها الفردية‪،‬‬ ‫والتي تحمل في الوقت ذاته‬ ‫الكثير من األضرار على صحة‬ ‫الطفل الجسدية والعقلية‪.‬‬

‫محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد ‪ 1 | 178‬حزيران ‪2018‬‬

‫‪9‬‬


‫حوار‬

‫الروائي فواز حداد لزيتون‪:‬‬

‫نعم نحن مدعوون لكتابة روايتنا‬ ‫بكل قسوته‪ ،‬وبدون مواربة أو‬ ‫تقية‪ ،‬ينقل الكاتب والروائي فواز‬ ‫حداد واقع السوريين‪ ،‬في حرص منه‬ ‫لحفظ حقوقهم وتوثيق تلك اآلالم‬ ‫والمآسي التي مروا بها‪ ،‬وبمواكبة‬ ‫الثورة السورية يقف حداد إلى‬ ‫جانب الضحية ليشير بوضوح عميق‬ ‫إلى بنية النظام وماهية تكوينه‬

‫وتفكيره‪ ،‬وليصور برواياته التغيرات‬ ‫التي طرأت على المجتمع السوري‬ ‫بكل جوانبه وعلى كل شرائحه‬ ‫بجرأة الفتة اقتحم فيها الكثير من‬ ‫المحرمات التي قلما تناولها الكتاب‬ ‫السوريين‪.‬‬ ‫ويرى كاتب السوريون األعداء أن‬ ‫الجريمة واضحة في الزمان والمكان‬

‫ولذا فإن التمويه أو التورية هي خطأ‬ ‫كبير‪ ،‬وإن كان البحث في أصول‬ ‫الجريمة سابقا مطلوبا فإن تجاهله‬ ‫األن بات هروباً من مواجهة واقع‬ ‫يجري التالعب به‪ ،‬ويجب فضحه‬ ‫بواسطة الرواية وغيرها‪.‬‬ ‫عن الثورة والرواية ومستقبلها كان‬ ‫لزيتون الحوار التالي معه‪:‬‬

‫أجرى الحوار‪ :‬رائد رزوق‬ ‫ إلى أين يتطلع فواز حداد أن‬‫يصل‪ ،‬ماذا يريد أن يقول في أخر‬ ‫المطاف‪ ،‬وهل تكفي حياة واحدة‬ ‫لكي يقول ما يريد؟‬ ‫أتطلع إلى أن أشهد عودة‬ ‫المهجرين والالجئين إلى‬ ‫بيوتهم‪ ،‬وأن يعم شعبي األمان‬ ‫والسالم‪ ،‬أعرف أنه لن يتحقق‬ ‫من دون األمل بأن تأخذ العدالة‬ ‫مجراها‪ .‬بالنسبة إليّ‪ ،‬البقاء‬ ‫على قيد الكتابة‪.‬‬ ‫ما الذي أريد قوله في آخر‬ ‫المطاف؟ لم أصل بعد إلى‬ ‫آخر المطاف‪ ،‬وربما ليس لهذا‬ ‫المطاف من نهاية منظورة سوى‬ ‫االنتقال من مرحلة إلى مرحلة‪،‬‬ ‫أتمنى أال تكون القادمة أسوأ‬ ‫من سابقتها‪ .‬حتى اآلن حققت‬ ‫الكارثة السورية تراجعات‬ ‫مؤلمة من دون تقدم نحو أفق‬ ‫مفتوح على متغيرات حقيقية‪،‬‬ ‫نحن في وضع المراوحة‪ ،‬فالكبار‬ ‫في مرحلة المساومة‪.‬‬ ‫طبعا‪ ،‬ال تكفي حياة واحدة لقول‬ ‫ما نريد‪ ،‬وال تكفي أكثر من‬ ‫حياة لنتعلم ما يساعدنا على‬ ‫عيش واحدة منها‪ ،‬ربما ألنها‬ ‫تمتلئ بالغث والثمين‪ ،‬أحيانا‬ ‫يصعب التمييز بينهما‪ ،‬فالسم‬ ‫يدس في الدسم‪ .‬وما نتناوله‬ ‫مسموم‪ ،‬وسائل اإلعالم تقود‬ ‫عمليات تضليلنا‪.‬‬ ‫أقسى ما وصلنا إليه‪ ،‬أننا شعب‬ ‫يعيش مأساة أكبر منه‪ ،‬فعلياً ال‬ ‫أحد ساعدنا‪ ،‬واآلن حتى لو أراد‬ ‫أحد مساعدتنا‪ ،‬فلن يستطيع‪.‬‬ ‫وحدنا نحن السوريين بوسعنا‬ ‫إنقاذ بلدنا‪ ،‬لكنه األصعب‪،‬‬ ‫بالضغائن‬ ‫ممزق‬ ‫شعبنا‬ ‫واألحقاد‪.‬‬ ‫ كم يحتاج الروائي الحريص على‬‫أداء أمانته التاريخية إلى القسوة‬ ‫والتشريح وارتكاب الجرائم على‬ ‫الورق حتى يمكنه أن يصور‬ ‫الجريمة كما حدثت‪ ،‬هل يكتفي‬ ‫بدور الشاهد والراوي أم يضطر إلى‬

‫‪10‬‬

‫أخذ دور المجرم؟‬ ‫الروائي ليس مخيراً في انتقاء‬ ‫األدوار التي يكتب عنها‪ .‬في‬ ‫الحقيقة‪ ،‬يتعرف إلى شخصياته‬ ‫خالل الكتابة‪ ،‬وربما إلى نفسه‬ ‫أيضاً‪ .‬ويدرك أن ما كان يعرفه‬ ‫عنها ال أكثر من تصور غامض‪،‬‬ ‫ومالمح باهتة‪ ،‬وقد تنقلب‬ ‫ضده‪ ،‬ولن ينفعه الحذر منها‪.‬‬ ‫إذا كان الكاتب هو الراوي أو‬ ‫الشاهد‪ ،‬فال مفر من أن يكون‬ ‫المجرم والضحية‪ .‬ومثلما‬ ‫القسوة متوافرة في الحياة‪،‬‬ ‫ال يصح حجبها عن الرواية‪،‬‬ ‫فالرواية ليست الورق‪ ،‬وال تدور‬ ‫فوقه فقط‪ ،‬إنها الواقع‪ ،‬أو ما‬ ‫يشبهه‪ ،‬ومكثفاً‪ .‬ليس حرصاً‬ ‫على األمانة التاريخية‪ ،‬وانما‬ ‫دفاعاً عن اإلنسان والحرية‬ ‫والعدالة‪ ،‬هذا بالدرجة األولى‪.‬‬ ‫إنها حقوق ال يجب أن يغفل‬ ‫عنها الكاتب‪.‬‬ ‫ أليس من الممكن أن تكون‬‫رواياتك التي كتبت في زمن‬ ‫الثورة قد ظلمت نتيجة للشتات‬ ‫الذي يعيشه السوريين وتراجع‬ ‫القراءة‪ ،‬أم أنها جاءت في زمنها‬ ‫الحقيقي متسقة مع الواقع الذي‬ ‫سيوصلها لقارئها؟‬ ‫الشتات كان له تأثير‪ ،‬لكن‬ ‫لنفترض أننا لم نكن في حالة‬ ‫شتات‪ ،‬فالروايات المكتوبة عن‬ ‫الثورة ستمنع من الدخول إلى‬ ‫سورية‪ ،‬مثلما كانت تمنع من‬ ‫قبل على مجرد التلميح إلى‬ ‫األوضاع المأساوية للناس‪ ،‬وما‬ ‫يصيبهم من قمع‪ .‬على كل حال‬ ‫وفّر االنترنت مواقع أسهمت‬ ‫بتنزيل نسخ الروايات الكترونيا‬ ‫بال مقابل‪ ،‬مع ما فيها من ضرر‬ ‫مادي لدار النشر وللكاتب‪ ،‬لكنها‬ ‫حققت انتشاراً واسعاً وجيدا‬ ‫للكاتب والكتاب‪ ،‬وفي هذا‬ ‫مكسب كبير‪.‬‬ ‫أما من ناحية تراجع القراءة‪،‬‬ ‫فأظن أننا نشهد تقدماً‪،‬‬ ‫فالروايات المترجمة تشهد إقبا ً‬ ‫ال‬

‫ملموساً‪ .‬كما أن الروايات غير‬ ‫المترجمة ارتفع منسوب اإلقبال‬ ‫عليها‪ ،‬خاصة تلك التي يهم‬ ‫القراء االطالع عليها لمساسها‬ ‫بالواقع الذي يعيشونه‪ ،‬أو‬ ‫لمجرد حصولها على جوائز‪.‬‬

‫ليس األمر القارئ الذكي أو‬ ‫القارئ العادي‪ .‬أتصور أن‬ ‫للعمل األدبي طبقات‪ ،‬بوسع‬ ‫القارئ التوقف عند سطحه‪ ،‬أو‬ ‫الغوص فيه‪ ،‬وكالهما يقدمان‬ ‫شيئا ما للقارئ‪ ،‬وذلك حسب‬ ‫رغبته واهتمامه‪ .‬وربما يقع‬ ‫على الكتاب مسؤولية جذب‬ ‫القارئ إلى عوالمه‪ ،‬هناك كتب‬ ‫ال يمكن المضي فيها أكثر من‬ ‫صفحات معدودات‪ ،‬أو نقرأها‬ ‫مضطرين‪ ،‬لما دار حولها من‬ ‫أقاويل‪ ،‬وهي دعايات تنشرها‬ ‫الصحافة الثقافية‪ ،‬بسبب‬ ‫عالقات خاصة‪.‬‬

‫إن الربط بين التاريخ‬ ‫والجغرافيا‪ ،‬خاصة في أحداث‬ ‫تهمنا‪ ،‬لها ثقل تاريخي وذات‬ ‫تأثير ضروري جدا‪ ،‬فأنا ال أكتب‬ ‫عن بلد خيالي‪ ،‬وال أتوهم‬ ‫األحداث‪ ،‬أكتب عن بلد بالذات‬ ‫وعن أحداث جرت فيه‪ ،‬وضحايا‬ ‫ال يصح استعارة غيرهم‪ ،‬ما دام‬ ‫هذا البلد موجود على الخارطة‪،‬‬ ‫والحدث متوضع في حياتنا التي‬ ‫سرعان ما قد يصبح مفص ً‬ ‫ال‬ ‫في التاريخ العام‪ .‬فالتحايل‬ ‫عليه والترميز والتأويل خطأ‬ ‫كبير‪ ،‬ال سيما أن تداعيات ما‬ ‫يجري ومفاعيله تجري على‬ ‫األرض تحت أبصارنا‪ .‬الواقع‬ ‫جزء ال يتجزأ منه‪ ،‬فلماذا نتبرع‬ ‫بالتمويه عليه‪ .‬هذا الجانب‬ ‫يجب التركيز عليه‪ ،‬وإذا كنا‬ ‫نزيح هذا االلتباس السطحي‪،‬‬ ‫فألن هناك ما هو أعمق نريد‬ ‫التوغل فيه‪ ،‬ال سيما وأن هذه‬ ‫العقبة باتت شكلية‪ ،‬ومعوقة‬ ‫في الكتابة‪ .‬ففي سورية في‬ ‫نصف القرن الماضي‪ ،‬كان هذا‬ ‫مطلوبا‪ ،‬لكن اآلن بات هروباً‬ ‫من مواجهة واقع يجري التالعب‬ ‫به‪ ،‬ويجب فضحه بواسطة‬ ‫الرواية وغيرها‪.‬‬

‫صحيح أن الروائي يكتب للقراء‪،‬‬ ‫لكنه ليس ملزماً بمراعاة‬ ‫أمزجتهم‪ ،‬ومثلما قد يمتعهم‪،‬‬ ‫فربما يقلقهم ويؤرقهم‪.‬‬

‫ من المالحظ ثنائية التاريخ‬‫والجغرافيا في نصوصك‪ ،‬دمشق‬ ‫واالنقالبات‪ ،‬الثورة ومجازر حماه‬ ‫وتدمر‪ ،‬هل هو تالزم إلثبات‬ ‫قضية محقة؟ هل هو دليل‬ ‫تاريخية الجريمة في سوريا‪ ،‬أم هو‬ ‫وثيقة لحفظ حقوق شعب تعرض‬ ‫وما يزال للظلم‪.‬‬

‫ هل تعتمد في كتابتك على‬‫القارئ الذكي القادر على التقاط‬ ‫الدالالت وما خفي بين الكلمات‪،‬‬ ‫إلى أي حد يتحمل الكاتب مسؤولية‬ ‫دفع القارئ إلى االستنتاج؟‬

‫محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد ‪ 1 | 178‬حزيران ‪2018‬‬

‫ في تناولك للمحرمات الثالث‪،‬‬‫هل تهدف إلى استدعاء الحرية‬ ‫في الفكر لدى القارئ‪ ،‬أم طرح‬ ‫الواقع كما هو دونما اكتراث‬ ‫لمحرمات المجتمع؟‬ ‫في كتاباتي أنحو إلى طرح‬ ‫الواقع‪ ،‬من دون التفات‬ ‫للممنوعات‪ ،‬محرمات المجتمع‬ ‫كثيرة‪ ،‬ومن الطبيعي االصطدام‬ ‫بها‪ .‬وفي أسلوب طرحها ما‬ ‫يدفع القارئ الى التفكير فيها‬ ‫ومناقشتها‪.‬‬ ‫هناك جوانب تغيب عنا‪ ،‬وما‬ ‫تتيحه الرواية ال يستهان به في‬ ‫التركيز عليها واالطالع عليها‪،‬‬ ‫بزجها في مشهديات متحركة‪،‬‬ ‫قد تكون متكاملة‪ ،‬باستعراض‬ ‫أكثر من جانب لها‪ ،‬ما يساعد‬ ‫القارئ ربما على إعادة النظر‬ ‫فيها‪ .‬الروائي ليس مصلحا‬ ‫اجتماعيا‪ ،‬ال سيما وهو يدرك‬ ‫أن ما هو ممنوع اليوم مسموح‬ ‫به في الغد‪ ،‬والعكس صحيح‪،‬‬ ‫لذلك في الذهاب إلى الجوهر‬ ‫ما يوفر لعب دور الناصح الذي‬ ‫قد ينقلب إلى ضده‪.‬‬ ‫‪ -‬صدرت حديثا روايتك «الشاعر‬

‫وجامع الهوامش» ما الذي ينتظر‬ ‫قراءك فيها؟‬ ‫الرواية متشعبة ومكثفة في‬ ‫آن‪ ،‬تدور أحداثها خالل وقائع‬ ‫سنوات الثورة والحرب‪ .‬كتبت‬ ‫فيها عن المثقف المضطر إلى‬ ‫التعامل مع النظام‪ ،‬والمثقف‬ ‫الذي يتعامل مع النظام ويحاول‬ ‫العمل لحسابه‪ ،‬كما تطرقت إلى‬ ‫الدين والتطرف والطائفية‪ ،‬عن‬ ‫مظاهر إجرام النظام في فلسفة‬ ‫التعفيش‪ ،‬عن عقلية التي تدار‬ ‫فيها الدولة وغيرها‪ ،‬موضوعات‬ ‫متصلة ببعضها‪ ،‬الواحد يقود‬ ‫إلى اآلخر‪ ،‬الثورة أثارت إشكاالت‬ ‫عديدة وكثيرة يصعب حصرها‪،‬‬ ‫أهمها االنكشاف الكامل لدولة‬ ‫شمولية‪ ،‬أيديولوجيتها القمع‪،‬‬ ‫ودفاعاتها مجرد ادعاءات‪.‬‬ ‫ كيف يرى الروائي السوري فواز‬‫حداد مستقبل األدب بشكل عام‪،‬‬ ‫ومستقبل الرواية بشكل خاص‬ ‫في سوريا؟‬ ‫أعتقد أن مستقبل األدب في‬ ‫العالم‪ ،‬وأقصد المستقبل‬ ‫القريب‪ ،‬يوحي بالقليل من‬ ‫االنجازات‪ ،‬المشهد الروائي ال‬ ‫يقدم جديدا‪ ،‬أما في منطقتنا‬ ‫فأعتقد أنه مزدهر من ناحية‬ ‫الكم‪ ،‬هذا الطوفان من‬ ‫الروايات سيخلف شيئا ما‪ ،‬قد‬ ‫يكون جيداً‪ .‬فالربيع العربي‬ ‫وأنا مصر على هذه التسمية‪،‬‬ ‫سينعكس على األدب رغم‬ ‫خذالن الواقع‪ ،‬كان أشبه بحركة‬ ‫تنوير واسعة النطاق‪ ،‬يكفي‬ ‫أنه خرب التركيبة القديمة‪،‬‬ ‫ولو أنها لم تنهار‪ .‬كشف‬ ‫االتجاهات األصولية‪ ،‬تطرفها‬ ‫وانحرافاتها القاتلة‪ ،‬وانسداد‬ ‫آفاقها المشين‪ ،‬خواء االتجاهات‬ ‫اليسارية وارتداداتها إلى ما‬ ‫قبل اليسار‪ ،‬وما طرأ عليها من‬ ‫التشبث باألنظمة الفاسدة‪.‬‬ ‫الرواية في سورية‪ ،‬ستشهد‬ ‫صراعا بدأ مؤخراً‪ ،‬بين مثقفي‬ ‫النظام الذين يكتبون روايات‬

‫تصور ما حدث في سورية على‬ ‫أنه مؤامرة كونية‪ ،‬أو أنه حرب‬ ‫النظام على اإلرهاب فقط‪،‬‬ ‫روائيو النظام اعتمدوا الخبث‬ ‫وتظاهروا أنهم إنسانيون‬ ‫فوق المخابرات والمعارضة‬ ‫واإلرهاب‪ ،‬يحلقون في العالي‪،‬‬ ‫فوق الضحايا أيضاً‪ ،‬وتاجروا‬ ‫ببقائهم في الداخل‪ ،‬ومواجهة‬ ‫قذائف الهاون على خطوط‬ ‫التماس‪ ،‬بينما كانوا يسرحون‬ ‫بين المقاهي‪ ،‬والثرثرة حول‬ ‫مآدب األدب‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬نحن مدعوون لكتابة‬ ‫روايتنا‪.‬‬

‫* فواز حداد‪ :‬ولد في دمشق‪،‬‬ ‫حاز على إجازة في الحقوق‬ ‫من الجامعة السورية‪ ،‬تنقل‬ ‫بين عدة أعمال تجارية‪ ،‬كتب‬ ‫في القصة القصيرة والمسرح‬ ‫والرواية‪ ،‬أصدر أول رواياته‬ ‫عام ‪ ،1991‬لديه عشر روايات‬ ‫ومجموعة قصص قصيرة‪،‬‬ ‫وتفرغ للكتابة بشكل كامل‬ ‫عام ‪.1998‬‬ ‫شارك كمحكم في مسابقة حنا‬ ‫مينة للرواية‪ ،‬ومسابقة المزرعة‬ ‫للرواية في السويداء‪ .‬كذلك في‬ ‫اإلعداد لموسوعة «رواية اسمها‬ ‫سورية»‪.‬‬ ‫أعماله الروائية‪:‬‬ ‫موزاييك ـدمشق‪ ،‬تياترو‪ ،‬صورة‬ ‫الروائي‪ ،‬الولد الجاهل‪ ،‬الضغينة‬ ‫والهوى‪،‬مرسال الغرام‪ ،‬مشهد‬ ‫عابر‪ ،‬المترجم الخائن‪ ،‬عزف‬ ‫منفرد على البيانو‪ ،‬جنود اهلل‪،‬‬ ‫الشاعر‪ ،‬السوريين األعداء‪،‬‬ ‫وجامع الهوامش‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫مجموعة قصص قصيرة تحت‬ ‫عنوان «الرسالة األخيرة»‪.‬‬ ‫فاز بجائزة البوكر العالمية‬ ‫القائمة‬ ‫العربية‬ ‫للرواية‬ ‫القصيرة لعام ‪.2009‬‬


‫منوع‬

‫قلب مفتوح في مشفى الجامعة بإنطاكيا‬ ‫كمصب للمأساة‪ ،‬وتجمع للمصائب‪ ،‬تمتلئ صاالت مشفى الجامعة في مدينة أنطاكيا الحدودية بعشرات الحاالت‬ ‫من اإلمراض واإلصابات للسوريين‪ ،‬بتنوع وتفاوت يظهر المفارقة في المعادلة السورية‪ ،‬أمراض القلب‪ ،‬بتر األطراف‪،‬‬ ‫إصابات شظايا‪ ،‬حاالت غريبة من األمراض يرجح أن الخوف يقف خلفها‪ ،‬تزدحم في مبنى ضخم نهارا‪ ،‬فيما تتحول مقاعد‬ ‫انتظاره إلى أسرة للمرافقين ليالً‪.‬‬ ‫أحمد فرج‬

‫ال تبحث عن المأساة السورية‬ ‫في المعارك‪ ،‬أو خلف حوادث‬ ‫القصف‪ ،‬أو في الخيام‪ ،‬في‬ ‫المشافي الحدودية سترها‬ ‫كاملة دون نقصان حيث تتجمع‬ ‫اآلالم في بوتقة طبية وكأنها‬ ‫أرض معركة انتهت قبل قليل‪.‬‬ ‫حين توجهت إلى إحدى مشافي‬ ‫إنطاكيا لمالقاة أخي الكبير‪،‬‬ ‫والذي خرج منذ أيام قليلة من‬ ‫سجون النظام بأربعة شرايين‬ ‫مسدودة بعد كل ما شهده من‬ ‫إذالل وتنكيل لم يتحمله قلبه‪،‬‬ ‫لم يكن ليخطر في مخيلتي وأنا‬ ‫أتوجه شطر الحدود السورية‬ ‫أن أجد كل هذا العرض من‬ ‫األحزان والقصص اإلنسانية‬ ‫التي تدمي القلب‪.‬‬ ‫أخي الذي تم تحويله من أحد‬ ‫المشافي الخاصة في الشمال‬ ‫السوري إلجراء عملية قلب‬ ‫مفتوح بعد نصحه باإلسراع قدر‬ ‫اإلمكان إلجرائها نظراً لحالة‬ ‫قلبه المتعب‪ ،‬وهو ما قدره‬ ‫الطبيب في مشفى الجامعة في‬ ‫انطاكيا وسرَّع عمليته متجاوزاً‬ ‫الكثير من مرضى القلب‬ ‫المنتظرين إلجراء عملياتهم‪.‬‬ ‫أحد عشرة يوماً قضيتها‬ ‫بأروقة المشفى‪ ،‬متنق ً‬ ‫ال بين‬ ‫المرضى السوريين ومرافقيهم‪،‬‬ ‫مستكشفاً للمرة األولى حجم‬ ‫المصاب وعمقه‪ ،‬وتشعبه‬ ‫ومداه‪ ،‬ووصوله إلى نهايات‬

‫مفجعة للمجتمع السوري‬ ‫واستمراره تحت وقع الكارثة‪.‬‬ ‫أقسام عدة تتضمنها مشفى‬ ‫الجامعة يبدو أبرزها قسم‬ ‫القلبية والعظمية واألعصاب‬ ‫والداخلية‪ ،‬لكل قسم منها‬ ‫وعنايته‬ ‫عملياته‬ ‫غرف‬ ‫المشددة وطواقمه الخاصة‪،‬‬ ‫ما يجعله خلية نحل ال تهدأ‬ ‫إال يومي العطلة فيه‪ ،‬ورغم‬ ‫عدم اقتصاره على المرضى‬ ‫السوريين إال أنهم يشكلون‬ ‫نسبة ال بأس بها من مراجعيه‬ ‫وطالبي العالج فيه‪ ،‬وبالنظر‬ ‫إلى طوابير الزائرين في قسم‬ ‫االستعالمات الذي ينقسم‬ ‫ما بين المواطنين األتراك‬ ‫والسوريين‪ ،‬فإن من المؤكد أن‬ ‫نسبة المستفيدين السوريين‬ ‫ال تقل عن ‪ %20‬من مجمل‬ ‫المستفيدين ككل وذلك‬ ‫لخدماته المتطورة والمجانية‪.‬‬ ‫معظم السوريين هم من أبناء‬ ‫المناطق الشمالية ال سيما إدلب‬ ‫والنازحين أو المهجرين إليها‪،‬‬ ‫إضافة إلى الريف الحلبي والرقة‬ ‫والمناطق الكردية وصوال إلى‬ ‫جرابلس‪ ،‬فضال عن السوريين‬ ‫المقيمين في األراضي التركية‬ ‫القريبة من أنطاكيا‪ ،‬تدلك‬ ‫على مناطقهم ما يرتدون من‬ ‫مالبس ومالمح وهيئات توحي‬ ‫لك بقدومهم بشكل طارئ‬ ‫وإسعافي مع مرضاهم دون أي‬ ‫استعداد إلقامة طويلة قد تمتد‬

‫لشهور طوال‪.‬‬ ‫«أحمد محمد سيدو» من قرية‬ ‫«قاسم» التابعة لمدينة «راجو»‬ ‫بقضاء عفرين‪ ،‬رجل في‬ ‫الخمسين عمره‪ ،‬له لحية بيضاء‬ ‫ووجه يوحي بالوقار والهيبة‪،‬‬ ‫داوم الجلوس في ردهة‬ ‫المشفى‪ ،‬ولتميز شكله وطوله‬ ‫الفارع فقد الحظته فور وصولي‬ ‫إلى المشفى‪ ،‬روى لي أنه ينتظر‬ ‫صحو قريبه من الغيبوبة التي‬ ‫غرق بها بعدما بترت له إحدى‬ ‫القذائف المفاجئة قدميه‪ ،‬أثناء‬ ‫قطافهما لموسم الكرز في‬ ‫بساتينهما هناك‪.‬‬ ‫يردف أحمد باختالج واضح أنه‬ ‫لم يكن هناك فرصة للتزود‬ ‫باألوراق واألموال قبل إسعاف‬ ‫قريبه‪ ،‬بل قام بما هو ضروري‬ ‫بأن حمله بالسيارة بأقصى‬ ‫سرعة وأسعفه ألقرب نقطة‬ ‫عبور إلى األراضي التركية‪،‬‬ ‫ليجلس بعدها دون أوراق‬ ‫ثبوتية أو مال يخرج منه خالل‬ ‫فترة إقامته التي بلغت عشرة‬ ‫أيام حينها‪.‬‬ ‫كرامته وحياؤه منعته من طلب‬ ‫المساعدة أو اقتراض بعض‬ ‫المال بل آثر عدم التدخين‬ ‫واألكل رغم انعدام األمل‬ ‫بقدوم أحد إليه من قريته لعدم‬ ‫تمكنه من التواصل معهم‪.‬‬ ‫نشأت حمو من قرية كمرج‬

‫التابعة لقضاء عفرين المرافق‬ ‫ألخيه صاحب مرض القلب‬ ‫والذي قامت المشفى بتخريجه‬ ‫دون أن يتمكن نشأت من‬ ‫الحصول على األوراق الالزمة‬ ‫من المشفى ليتمكن من‬ ‫الخروج من األراضي التركية‬ ‫وذلك بعدما أخبره الموظف‬ ‫بعدم وجود أوراق له‪ ،‬ما أضطره‬ ‫لالنتظار أليام طويلة دون‬ ‫تأمين ثمن العالج ألخيه الذي‬ ‫بدا وكأنه شبح نتيجة لنحافته‬ ‫ووضعه الصحي المتدهور‪.‬‬ ‫يرجو نشأت أن يتم نشر‬ ‫صورته على وسائل التواصل‬ ‫االجتماعي عسى أن يلتقط أخيه‬ ‫الثالث المقيم في إسطنبول‬ ‫الخبر ويسرع لمساعدته‪ ،‬في‬ ‫توفير المال الالزم لتأمين‬ ‫أدوية أخيهم‪.‬‬ ‫طارق كحيل رغم جسده‬ ‫الصغير إال أنه يبلغ من العمر‬ ‫‪ 25‬عاما‪ ،‬أحد مقاتلي حركة نور‬ ‫الدين الزنكي‪ ،‬التي زجته في‬ ‫معركة غصن الزيتون‪ ،‬تلقى‬ ‫شظية من انفجار قذيفة هاون‬ ‫أودت بعينه اليسرى‪ ،‬ورغم‬ ‫معنوياته العالية‪ ،‬إلى أنه يفكر‬ ‫في رفاقه الذين تركهم خلفه‪،‬‬ ‫من سيناوب على الرشاش ‪،23‬‬ ‫متى سيعود إليهم‪ ،‬وهو في‬ ‫حالة دائمة من االتصال بهم‪،‬‬ ‫وتسجيل مقاطع الصوت لهم‬ ‫واالستماع إلى ما يرسلونه‪.‬‬

‫يشعر طارق بالحياء حين‬ ‫يتحدث عن أن بعض رفاقه‬ ‫في المعركة كانوا من األطفال‬ ‫الذين ال يتجاوزون ‪ 14‬من‬ ‫عمرهم‪ ،‬لكنه يؤكد على أنه‬ ‫حريص عليهم كل الحرص‬ ‫وهو ال يوافق على تواجدهم إال‬ ‫أن أهاليهم وقيادته تصر على‬ ‫مشاركتهم في المعارك‪.‬‬ ‫يجلس إلى جانبه أبو خبت‬ ‫سوري كردي مقيم في إحدى‬ ‫البلدات القريبة من أنطاكيا‪ ،‬ال‬ ‫يخفي أبو خبت امتعاضه مما‬ ‫أقدم عليه الجيش الحر ويرى أن‬ ‫السوريين قد تحولوا لمرتزقة‬ ‫إلجندات الدول األخرى لكن ال‬ ‫يستطيع الفكاك من انسانيته‬ ‫اتجاه طارق الذي بدوره يغرق‬ ‫بمشاعر مخجلة ال سيما حين‬ ‫يقر بأخطاء تم ارتكابها‪.‬‬ ‫أم غياث من قرية الكستن‬ ‫من قضاء جسر الشغور‪ ،‬امرأة‬ ‫تجاوزت األربعين ترجو المارة‬ ‫بمساعدتها لطلب بعض‬ ‫األسماء في هاتفها المحمول‬ ‫بطريقة‬ ‫معرفتها‬ ‫لعدم‬ ‫االتصال فيه أو حتى الرد على‬ ‫المكالمات التي تردها‪ ،‬أم غياث‬ ‫لم تستعمل الهاتف مسبقا بل‬ ‫استعانت به حين أدخلت طفلتها‬ ‫ذات ‪ 13‬عاما بعد مرض مفاجئ‬ ‫تعرضت له يملئ جسدها‬ ‫بانتفاخات المياه تحت جلدها‪،‬‬ ‫حتى انتفخ جسدها لدرجة‬ ‫خطرة‪ ،‬دون أن يتعرف على‬

‫أسبابه أحد من األطباء‪ ،‬لكنها‬ ‫تؤكد أن طفلتها كانت تشعر‬ ‫بالخوف الشديد مع كل عملية‬ ‫قصف تنفذها الطائرات‪.‬‬ ‫أبو محمد من مهجري حمص‬ ‫رجل تجاوز الستين ذو هيئة‬ ‫قروية أليفة‪ ،‬يبات لياليه على‬ ‫كراسي االنتظار في صاالت‬ ‫المشفى‪ ،‬جلب زوجته التي‬ ‫أصيبت بنزيف داخلي في‬ ‫دماغها دون سبب في أحد‬ ‫الصباحات‪ ،‬زوجته التي دخلت‬ ‫في غيبوبة طويلة تركته‬ ‫يقضي أياما طويلة دون أن‬ ‫يعرف نهاية ذلك االنتظار ودون‬ ‫معلومات واضحة من األطباء‬ ‫الذين ال يتحدثون العربية ما‬ ‫يزيد من معاناته وصعوبة‬ ‫أيامه‪.‬‬ ‫ال يتردد أبو محمود من مدينة‬ ‫معرة النعمان في تعليله لكثرة‬ ‫مرضى القلب المفتوح من‬ ‫محافظة إدلب إلى أن «ابن‬ ‫الحرام» قد أزم قلوبهم‪ ،‬في‬ ‫إشارة منه إلى رأس النظام‬ ‫السوري‪ ،‬وهو ما تلمسه إن‬ ‫تبعت بشكل ملح كل مريض‪.‬‬ ‫يقول أحد المرضى لم نحن هنا؟‬ ‫لم ال نتعالج في بلدنا؟ ليعم‬ ‫الصمت على الجميع وتنخفض‬ ‫الرؤوس للنوم مع هبوب رياح‬ ‫باردة من الجبال القريبة على‬ ‫ساحة المشفى‪.‬‬

‫محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد ‪ 1 | 178‬حزيران ‪2018‬‬

‫‪11‬‬


‫عودة «الحبق» لمنازل إدلب‪..‬‬ ‫ُتعيد الحياة والذكريات‬ ‫أسامة الشامي‬ ‫كما للياسمين حضور جميل في‬ ‫منازل دمشق‪ ،‬نجم عنه ارتباط‬ ‫وثيق باسميهما فصارت دمشق‬ ‫تعرف بالياسمين‪ ،‬والياسمين‬ ‫ب��ال��دم��ش��ق��ي‪ ،‬ف���إن للحبق أو‬ ‫«الريحان» قصة أخرى مع إدلب‪،‬‬ ‫وارتباط وتمازج روحاني تشتهر‬ ‫به المدينة لدى أهلها‪ ،‬قاطنيها‪،‬‬ ‫وزوارها‪.‬‬ ‫الكثير م��ن ال��س��وري��ي��ن ربما‬ ‫يجهلون قصة إدلب مع الحبق‪،‬‬ ‫إال أول��ئ��ك ال��ذي��ن تمشوا في‬ ‫شوارع بلداتها مساءات الصيف‪،‬‬ ‫وحينما كانت نساؤها يسقين‬ ‫وروده����ا‪ ،‬فلقب «ال��خ��ض��راء»‬ ‫طغى لدى السوريين على كل‬ ‫ما له صلة بإدلب‪ ،‬حتى برغم‬ ‫ال��س��ن��وات السبع م��ن ال��دم��ار‬ ‫والقتل والقصف وتبعات الحرب‪،‬‬ ‫وال��ت��ي ط��غ��ت خ�لال��ه��ا رائ��ح��ة‬ ‫ال��ب��ارود على رائ��ح��ة ال���ورود‪،‬‬ ‫ول���ون ال���دم على ل��ون ت��راب‬ ‫إدلب‪ ،‬وطعم الدمار على طعم‬ ‫كرزها وقمحها‪ ،‬ولوحات التنقّل‬ ‫واالغتراب على اخضرارها الذي‬ ‫يعرفه السوريون جميعاً‪.‬‬ ‫س��ب��ع��ة أع�����وام م���ن ال��ح��رب‬ ‫م��رت على المحافظة‪ ،‬فارقت‬ ‫خاللها الورود شرفات منازلها‪،‬‬ ‫والحدائق الصغيرة حولها‪ ،‬ولم‬ ‫يبقى للورود مكان في ترابها‪،‬‬ ‫لكنه بقي يعيش في نفوس‬ ‫وقلوب أهلها‪ ،‬الذين اعتادوا‬ ‫رفقته في سهراتهم القروية‬ ‫الصيفية سابقا‪.‬‬ ‫وبدأت إحدى أكثر مظاهر إدلب‬ ‫الطبيعية أصالة تندثر شيئاً‬ ‫فشيئاً‪ ،‬وتدخل حيّز الذكريات‪،‬‬ ‫لوال أن بعض سكانها األوفياء‬ ‫ع���اودوا م��ؤخ��راً خ�لال الفترة‬ ‫الماضية استرجاع واستدراك ما‬ ‫فاتهم من أرضها وجمالها‪.‬‬ ‫«سعيد بصيص» أح��د سكان‬ ‫ريف إدلب الجنوبي‪ ،‬طوّق منزله‬ ‫ب��ال��ورود‪ ،‬وم��دّ أم��ام��ه بساطاً‬ ‫أخضر م��ن الرياحين وأزه��ار‬ ‫شتى؛ التقته «زي��ت��ون» أثناء‬ ‫رعايته إياها‪ ،‬يقول‪« :‬نحن شعب‬ ‫أردن��ا الحرية‪ ،‬ول��م نكن يوما‬ ‫هواة دم‪ ،‬على العكس تماماً‪،‬‬ ‫كنا دوما كشعب سوري وكأهالي‬ ‫إدلب نحب الحياة‪ ،‬نعشق الجمال‬ ‫وال��روائ��ح العطرة‪ ،‬والجلسات‬

‫‪12‬‬

‫التي تزينها طبيعتنا الخضراء‪،‬‬ ‫وال��دل��ي��ل أن��ه ل��م يكن هناك‬ ‫بيت ال ترى فيه الورد‪ ،‬وللورود‬ ‫أهمية كبرى في حياتنا‪ ،‬حيث‬ ‫كانت منازلنا بمجملها محاطة‬ ‫ب��أح��واض مخصصة ل��زراع��ة‬ ‫ال��ورد‪ ...‬كانت ساحات منازلنا‬ ‫شأنها شأن غرف المنزل‪ ،‬تنال‬ ‫وتستحق منا الرعاية الالزمة‬ ‫على الدوام»‪.‬‬ ‫وي���ض���ي���ف «ال���ب���ص���ي���ص»‪:‬‬ ‫«التستغربوا إن رأيتمونا نزرع‬ ‫ال��ورود بين الجدران المدمرة‪،‬‬ ‫وبين مالمح الدمار هنا وهناك‪،‬‬ ‫فنحن شعب ن��رى في ال��ورود‬ ‫ً‬ ‫إط��ال��ة‬ ‫ح��ي��اة‪ ،‬وف���ي رائ��ح��ت��ه��ا‬ ‫ألعمارنا»‪.‬‬ ‫أما المعلمة «براءة العايد» من‬ ‫أهالي إدلب فلم تنقطع طيلة‬ ‫السنوات الماضية عن عشقها‬ ‫في زراعة الورود‪ ،‬والذي تعتبره‬ ‫«ج���زءاً من ال��ذاك��رة» وتقول‪:‬‬ ‫«كنت أزرع القليل منه في‬ ‫السنوات الماضية‪ ،‬ولم أستطع‬ ‫أن أتخلى ع��ن ه��ذا الطقس‬ ‫رغم كل ما قاسته المدينة من‬ ‫ً‬ ‫مضيفة‪:‬‬ ‫مآسي»‪،‬‬ ‫«هذا العام عدت لزراعة الورد‬ ‫كما في السابق ألنه جزء هام‬ ‫م��ن ح��ي��ات��ي وذك��ري��ات��ي في‬ ‫فصل الصيف‪ ،‬فقمت بتجهيز‬ ‫األحواض الترابية للورود حول‬ ‫المنزل‪ ،‬وجلبت أصنافاً عديدة‬ ‫منه‪ ،‬كالحبق بأصنافه‪ :‬المكبس‬ ‫والعريض واإلنكليزي‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إل���ى ال��س��ج��اد (ال��ك��ول��ي��س)‪،‬‬ ‫وال���ع���ط���رة‪ ،‬وف���م ال��س��م��ك��ة‪،‬‬ ‫والزنبق»‪.‬‬ ‫ال��ورود بالنسبة للعايد ليست‬ ‫ج��زءاً من الذاكرة فقط‪ ،‬وإنما‬ ‫هي جزء من أنوثة المرأة‪ ،‬ووجه‬ ‫لرتابة رب��ة المنزل‪ ،‬وواجهة‬ ‫لرقيّها وحضاريّتها‪ ،‬كما أنها‬ ‫بلسم لجراح السوريين فهي‬ ‫تضفي على حياتهم بمنظره‬ ‫ً‬ ‫لوحة‬ ‫الجميل ورائحتها العطرة‬ ‫حسيّة جميلة في وقت اشتاقت‬ ‫أنفسهم فيه لكل ما هو جميل‪،‬‬ ‫على حد تعبيرها‪.‬‬

‫مشاتل الورود‬

‫ال��ه��دوء النسبي ال��ذي شهدته‬ ‫م��ح��اف��ظ��ة إدل����ب ف��ي اآلون���ة‬ ‫األخيرة ساهم بعودة األهالي‬

‫ل��زراع��ة ال����ورود‪ ،‬تبعه ع��ودة‬ ‫المشاتل‪ ،‬والتي تعتبر المصدر‬ ‫األول ل��ل��ورود في المحافظة‪،‬‬ ‫ففيها تزرع بذور الورد بنوعيه‬ ‫الشجيري والنباتي داخل التربة‪،‬‬ ‫وتتم العناية بها حتى تكون‬ ‫جاهزة بانتظار من يتكفّل بها‬ ‫بعد ذلك‪.‬‬ ‫«محمد الراعي» صاحب مشتل‬ ‫ورد ف��ي مدينة «أري��ح��ا» قال‬ ‫لزيتون‪« :‬عدت إلى العمل في‬ ‫المشتل‪ ،‬إذ كنت أرعى الورود‬ ‫فيه قبل الحرب؛ وكانت ظروف‬ ‫الحرب قد أبعدتني‪ ،‬لكن الحياة‬ ‫التي عادت إلى ربوع إدلب في‬ ‫اآلونة األخيرة‪ ،‬دفعتني للعودة‬ ‫للعمل فيه وزراع����ة ال���ورود‬ ‫كواجب عليّ‪ ،‬إلضافة البسمة‬ ‫واألمل على وجوه األهالي الذين‬ ‫يرون في الورد حياة»‪.‬‬ ‫وعن أنواع األزهار األكثر طلباً‬ ‫من قبل األهالي يقول الراعي‪:‬‬ ‫«الحظنا إقباال كبيراً على نباتات‬ ‫الزينة وال���ورود ه��ذا الصيف‪،‬‬ ‫بعد أن انخفضت وتيرة القصف‬ ‫وغارات الطيران على المنطقة‪،‬‬ ‫وأكثر األصناف رواجاً هي الورد‬ ‫الجوري‪ ،‬والياسمين‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى زهر السجاد‪ ،‬وفم السمكة‪،‬‬ ‫وزهر السلطان (غلوكسينا)»‪.‬‬ ‫وتختلف أسعار ال��ورود بحسب‬ ‫نوعها دائمة أو حولية (تعيش في‬ ‫فصل الصيف فقط)‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إل��ى ن��وع اإلن��اء المزروعة فيه‬ ‫ح��دي��دي أو بالستيكي‪ ،‬ومن‬ ‫الورود الدائمة الخضرة الجوري‬ ‫والياسمين‪ ،‬ويبلغ سعر وردة‬ ‫ال��ج��وري ‪ 1000‬ليرة سورية‪،‬‬ ‫في حين تتراوح وردة الياسمين‬ ‫ما بين ‪ 1000‬و ‪ 1200‬ليرة‬ ‫سورية‪ ،‬أما وردة العسلة والتي‬ ‫تزهر بشكل شهري فسعرها‬ ‫‪ 1800‬ليرة س��وري��ة‪ ،‬وتُ��زرع‬ ‫ه��ذه األن���واع ب��أوان��ي حديدية‬ ‫تُ��ع��رف ب��ـ «ال��ت��ن��ك»‪ ،‬بينما‬ ‫تُ��زرع معظم األزه��ار الحولية‬ ‫ك��ال��ري��ح��ان (ال��ح��ب��ق)‪ ،‬وزه��رة‬ ‫السجاد‪ ،‬وفم السمكة‪ ،‬والسرايا‪،‬‬ ‫وزمر السلطان وغيرها بأكياس‬ ‫بالستيكية وتتراوح أسعارها ما‬ ‫بين ‪ 200‬و ‪ 300‬ليرة سورية‪،‬‬ ‫بحسب الراعي‪.‬‬

‫الحبق أشبه بالهوية لدى‬ ‫أهالي إدلب‬ ‫تتنوع أشكال وأل��وان األزه��ار‬ ‫والنباتات العطرية الشهيرة‬ ‫والمرغوبة في إدلب‪ ،‬لكن نبتة‬ ‫الحبق تظل بالنسبة لهم أشبه‬ ‫بالهويّة‪ ،‬إذ ال يكاد يخلو منها‬ ‫منزل أو حديقة أو جلسة‪ ،‬فهي‬ ‫عطرية البيت المحببة‪ ،‬ولها‬ ‫وقع خاص في نفوسهم‪ ،‬ومكان‬ ‫في طقوسهم الشعبية‪ ،‬وحين‬ ‫تذكر سهرات الصيف الريفية‬ ‫البد وأن يتذكر األهالي الحبق‪،‬‬ ‫السيما وأنها كانت عبق لياليهم‬ ‫وسهراتهم منذ سنوات بعيدة‪.‬‬ ‫«فايز الدغيم» أحد أبناء بلدة‬ ‫«ج��رج��ن��از» يصف لزيتون ما‬ ‫يم ّثله نبات الحبق بالنسبة‬ ‫ألهالي إدل��ب بقوله‪« :‬الحبق‬ ‫تراث إلنا وشي متجذر بنفوسنا‪،‬‬ ‫من لما وعينا ع الحياة كنا نشوف‬ ‫«سطل الزريعة» اللي بيحوي‬ ‫الحبق ببيوت أهالينا وأجدادنا‪،‬‬ ‫حتى أنه كان يوضع دائما في‬ ‫منتصف جلساتنا العائلية ليكون‬ ‫ق��ري��ب م��ن الجميع‪ ،‬أو على‬ ‫«البرندا»‪ ،‬إضافة لريحته الطيبة‬ ‫وشكل أوراقه الجميل»‪.‬‬ ‫بينما يعبر «عبد اهلل القاسم»‬ ‫عن معنى الحبق في وجدانه‬ ‫قائ ً‬ ‫ال لزيتون‪:‬‬ ‫«ال��ح��ب��ق ه��و ذك��ري��ات البيوت‬ ‫القديمة‪ ،‬و أن��ام��ل األم��ه��ات في‬ ‫عصر النهار الدافئ في ربيع وصيف‬ ‫ك��ل س��ن��ة‪ ،‬ه��و رائ��ح��ة البساطة‬ ‫والمحبة‪ ،‬على ج���دران وشبابيك‬ ‫ال��غ��رف ال��ط��ي��ن��ي��ة‪ ،‬وع��ل��ى حالية‬ ‫البئر‪ ،‬وق��رب ساقية م��اء شطف‬ ‫المسطبة االسمنتية الجديدة‪ ،‬هو‬ ‫ربيع يتفتق في كل أنواع العلب‬ ‫المعدنية الفارغة»‪.‬‬ ‫ص��ي��ف ج��دي��د ي��ط��رق أب���واب‬ ‫محافظة إدل����ب‪ ،‬يتميز عن‬ ‫سابقاته بعودة عبق األزه��ار‬ ‫وعطرها ألجواء إدلب‪ ،‬لتنعشها‬ ‫وتعيد لها الحياة من جديد‪ ،‬فها‬ ‫هو الجوري عادت تزرعه األنامل‬ ‫اإلدلبية‪ ،‬وذاك هو الياسمين‬ ‫رجعت جدران وشبابيك المنازل‬ ‫تتزين به‪ ،‬وأما الحبق فقد كان‬ ‫العائد األول لشرفات شعب‬ ‫لطالما أح��ب الحياة وجمالها‪،‬‬ ‫ولطالما كان له أشبه بالهوية‪.‬‬

‫محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد ‪ 1 | 178‬حزيران ‪2018‬‬

‫منزل في ريف إدلب وحضور الحبق فيه ‪ -‬زيتون‬

‫زيتون عضو الشبكة السورية لإلعالم المطبوع‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.