www.facebook.com/ZaitonMagazine | zaiton.mag@gmail.com | www.zaitonmag.com
محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة السنة الثالثة | 15تشرين األول 2016
العدد
141
محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد 1 | 178حزيران 2018
1
تقارير
رحيل الشاعر ال ُمرتجِل «محمد الشيخ علي» غريبا بسخرية ابن الرومي وكبرياء المتنبي وحكمة المعري ،رحل الشاعر محمد عبد الجبار الشيخ علي ابن بلدة كنصفرة بريف إدلب الجنوبي ،بعد أن توفي غريبا في بلدة الريحانية التركية في 24من أيار الحالي عن عمر 67عاماً. ربيع زيتون
يصنف الكثير من الكتاب والشعراء في سوريا الشيخ علي على أنه من أبرز الشعراء العرب المعاصرين ،ليشكل موته خسارة لألدب العربي تضاف إلى خسارات سوريا ومأساتها.
ولسانه الذي يغني لألبد ،كنت تكتب الشعر ألمة عشقتها، لكنها كانت في غرفة الموت السريري ،فلم تكن قادرة على احتضانك ،وأنت ظلمت نفسك».
وشهدت صفحات الكثير من األدباء واألصدقاء للشاعر مشاعر الحزن والفقد ،في عزاء افتراضي تجلى فيه قامة الشاعر ومحبتهم له.
كما رثاه صديقه الشاعر عبد الرحمن اإلبراهيم على صفحته: «الشاعر الكبير ملك القوافي، وأمير البيان ،الصديق األستاذ محمد شيخ علي ،رحل مبكراً من غير وداع قبلما تحققت أمنيته بالعودة إلى الوطن الذي أرغمته العصابة على فراقه».
وصور الكاتب عبد العزيز الموسى على صفحته ذلك الزخم من المحبين قائ ً ال: «كالعادة ..لم يسمحوا ألحد من عائلة أبو عبدو المتوفي في الريحانية بمرافقته للضيعة باستثناء ابنه مالذ الصغير، قدرت صعوبة الوضع لوال أنني فوجئت بأعداد لم أرها وال رأيتها في كنصفرة مصطفة تتقبل العزاء ،.أكثر من عشرين شخصا ال أعرفهم باستثناء اثنين ولكنهم أفهموني أنهم الذين أحبوا أبو عبدو بصمت وما زالوا». فيما كتب رياض نعسان آغا مرثية جاء فيها« :يفجعني رحيلك ،ألنك غادرت قبل أن تشرق شمس الحلم ،ويصير حقيقة ،بقيت وحدك معتصماً بجبلك ،تنتحي زاوية منه في كنصفرة ،كنت حارس الجبل ،وعينه التي ال تغفو،
2
بالشاعر المرتجل وصفه مودعا صديقه الكاتب عبد الرزاق كنجو« :كأوراق الورد الجوري، لي سياج كروم كنصفرة، يتف ّلتون هرباً من واقع يلفّه هواء آسنٌ ملوّث بأنفاس الغزاة ،يبحثون عن شفاه التربة المتعطشة للقائهم بعد غربة َ ليُقـ ِّبـلوها شوقاً قسريّة، بعد البعاد الذي قتلهم شوقاً، لروحك الرحمة يا شاعر ادلب المفوّه ،وصاحب القصائد المرتجلة ،سامحنا أيها الصديق الخجول المتواضع ،فلقد اعتدنا جميعا أن نتذكر الصاحب -بكل أسف -فقط بعد الفراق». وأشار محمد زيدان العلوش إلى عزوف الشاعر عن طلب الشهرة مؤثرا العزلة على مديح المجرمين فكتب« :لقد اختار أن
يظل بعيدا عن الشهرة وحب الظهور ألنه أصر أن يبقى حرا ولم ينضم لقافلة المنافقين المسبحين بحمد الحكام الظلمة ولم يرض أن يكون بوقا لهم وهنا تظهر معادن الرجال». وطن ليس للعقالء هذا ما عبر به رضوان الحسين واصفا وفاة الشاعر غريباً« :عاش غريبا ومات غريبا ،من هنا نعلم أننا
تأثره بحكمة أبي العالء المعري وسخرية ابن الرومي وكبرياء المتنبي يبدو واضحا في أشعاره وتعتبر قصيدة المنحوس التي لقب بها إحدى أشهر قصائده التي يقول فيها« :إني امرؤ شؤم وأنحس كل فال ،أمي بعيد والدتي مرضت بأورام الطحال ،وأبي تعرض العتقال، وأخي رآه مقيداً فبكى وبال، عمري بعمر االحتالل ..وختنت في يوم فكان االنفصال، وبعرسي الميمون قد عبر اليهود من القنال ،وحججت للبيت العتيق فعاث فيه أبو رغال ،أحببت فاتن ًة فماتت بغت ًة ،وألن شخصاً كاد يشبهني تدلى عنقه تحت الحبال ،يا نحس هل لك من زوال؟».
محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد 1 | 178حزيران 2018
في وطن يحكمه أعداء ألنهم حاربوا كل المخلصين والنجباء فنمّوا الغباء وحكمونا بالغباء حتى صار كل العقالء غرباء». ترك لنا إرث انساني مليء بالحب هذا ما عبر كتبه إبراهيم بيرقدار عن ترجل الشاعر محمد الشيخ علي عن صهوته هذا المساء إثر نوبة قلبية لم ترحم شعره وفكره وطيبته وحبه الكبير لكل الناس ،ترك لنا ارثه االنساني المليء بالحب والفلسفة واالدب وصدق التعامل المرصع بالبساطة المحببة مع كل المحبين». ونعته رابطة الكتاب السوريين قائلة« :رحل غريباً كما جاء كأي شاعر حقيقي يتوق للحرية والجمال ،بمزيد من األسى واللوعة تنعي رابطة الكتاب السوريين الشاعر والذي وافته المنية في بالد النزوح عن عمر مديد من الشقاء واألمل». تأثره بحكمة أبي العالء المعري وسخرية ابن الرومي وكبرياء المتنبي يبدو واضحا في أشعاره وتعتبر قصيدة المنحوس التي لقب بها إحدى أشهر قصائده التي يقول فيها« :إني امرؤ شؤم وأنحس كل فال ..أمي بعيد والدتي مرضت بأورام الطحال.. وأبي تعرض العتقال ..وأخي رآه مقيداً فبكى وبال ..عمري بعمر االحتالل ..وختنت في
يوم فكان االنفصال ..وبعرسي الميمون قد عبر اليهود من القنال ..وحججت للبيت العتيق فعاث فيه أبو رغال ..أحببت بغتة ،وألن شخصاً فاتنة فماتت ً ً كاد يشبهني تدلى عنقه تحت الحبال ..يا نحس هل لك من زوال؟»». كما يتبدى كبرياءه في قصيدة هالل يقول فيها « :وأخيرا قيل جاء ،لم يواكبن بيان ولم تعلن جريدة ،حينما فاجأت دنياي بأسبوع بكاء ،وككل األمهات العامالت ولدتني في الحصيدة ،عيد ميالدي مجهول ولكني كبرت بين ترنيمات امي والقصيدة ،راعيا شبابتي من نزق الجوع وآهات احتراق العشب من غزو الشموس ،جئت من غير طقوس ،غير أني رقم ال يتكرر في سجالت النفوس». من دواوينه« :المدّ في زمن االنحسار»« ،فضاء لنجمة مستحيلة»« ،مقلوب البكاء»، «جغرافيا األنهار»« ،طرائد سانحة»« ،كي تكوني» ،عمل مديرا للمركز الثقافي في بلدته كنصفرة ساهم في عدة لجان تحكيم شعرية ،كما شارك بعدة مهرجانات شعرية شارك في العديد من المهرجانات الشعرية كمهرجان أبي العالء المعري والشيخ صالح العلي ،مهرجان الشعر الرابع في القامشلي، نشر بعض إنتاجه في الصحف
والمجالت المحلية والعربية مثل الرأي العام والدستور والوحدة فضال عن الصحف السورية. حاز على جائزة نقابة المعلمين المسرح وجائزة للشعر، المدرسي بالكويت ،كما حصل على براءة تقدير وشكر من المؤتمر السنوي الرابع عشر لتاريخ العلوم لمشاركته الشعرية. مرثاة للشاعر محمد الشيخ علي كتبها عبد الرّزاق الدّرباس والشّتاتُ ونسمعُ
المنايا وتدنو مصيرُنا ّق داعيا للموتِ المُحق ِ األرض ندفنُ نجوم وتحتَ ِ ِ بالدمع ونكتبُ ا بعضَن ِ السّخين القوافيا ِ لزيتو ِننا الحاني ُّ مواجع اً نبث ِ َ ُ مازال فهل يا ترى في الموتِ حانيا؟ ٌ غربة وقصيد ٌ ة لقد ذبحَتْنا وطن مازالَ على ٍ بالحرب باكيا ِ رح ْلتَ أبا عبدو وكنصفر ُة التي جوع تصومُ على ٍ وقهر لياليا ٍ «المنحوس» وجهُكَ ويَغدو معَ ِ الصُّبح باسِماً كسيجارةِ ِ الذي مَرَّ خا ِويا لكَ الرّحَماتُ الغُرُّ من جودِ ْ األجيال وَذِكرٌ معَ ربِّنا ِ َ مازال باقِيا
تقارير
رمضان جديد يستقبله السوريون باآلمال واآلالم نفسها طقوسه معاني ومقتضيات العبادة ،حيث ما إن يحل شهر رمضان حتى تتجاوز ُ تتداخل األجواء الحميمية فيه من تقاليد وعادات ،إلى جلسات األصدقاء واألقرباء وثقل للذكريات على نفوس الماليين من وسهراتهم ،بما يحمله رمضان من وق ٍع ٍ السوريين ،بعد أن ش ّوهت آلة الحرب الدائرة في سوريا منذ سبعة أعوام بالدهم، عالو ًة على ما أثقلت به األشهر واأليام.
خاص زيتون من الماليين يستقبل السوريين في الداخل والخارج رمضان هذا العام منقوصاً، إذ تُعمّقُ ذكرياتُ موائدهم القديمة في سوريا بجانب أهلهم وذويهم وجيرانهم الجرحَ في نفوسهم ،ما اإلفطار لحظات يجعل عند المساء تغص بالدمع وباالشتياق لمن غيّبتهم الحرب أو أخذتهم بعيداً. ما من عائلة سورية إال وتفتقدُ أحد أفرادها في رمضان؛ «فاطمة أم حسين» خسرت ابنين لها خالل الحرب ،وكسائر السيدات في مدينة إدلب التزال تستقبل رمضان كعادتها، وإن كانت غير قادرة على ّ تذكر أن تمنع نفسها من (أحمد ،ومحمد) تقول« :لن أنسى كيف كانوا يصرّون عليّ ألجل طبخة يحبّونها في رمضان ،وكيف يثقلون عليّ بدعاباتهم ومزاحهم»، وتضيف« :لست أنا فقط من ّ يتذكر محبّيه ..لقد دعتني والدة أحد الشهداء في أول أيام رمضان إلى أن أتناول طعام اإلفطار معهم ،كانت (األم زينة) تودّ كما لو أنها تمأل مكان ابنها بي؛ حين أخبرتني بذلك عمّقت من جراحي أنا أيضاً».
من جانبها تفتقد «سهى أم أحمد» مدينتها (داريا) التي هجّرت قوات النظام أهلها قسراً إلى الشمال بعد حصار دام أعواماً ،تقول« :ما ينقصني في رمضان هو داريا بأكملها ...كل مساحات (أطمة) ال تكفيني عود حبق هناك» ،وبينما هي تتحدث عن خسارتها بيتها وجيرانها وأماكن اعتادتها وأحبّتها، وعن خسارتها بعض إخوتها، تكفكف دمعها بين الفينة واألخرى. طالبة وهبيّة» «ربى في جامعة حلب ،حالت ممارسات النظام ضد الطلبة المعارضين بينها وبين متابعة الدراسة ،تقول: «لعل أكثر شيء أذكره مع بداية رمضان كيف كنت أقضي أيامه في جامعتي بين زميالتي ،أما اآلن فقد حرمنا النظام من متابعة الدراسة، لم يعد بإمكاني إال ّ تذكر تلك األيام فقط». ويعبّر «اسماعيل البكور» المقيم في جبل الزاوية عن حسرته واشتياقه لليالي رمضان القديمة في أسواق ّ المكتظة بالناس ،يقول: إدلب «كنا نسهر حتى الصباح، تسير في شوارع إدلب فتجد الدكاكين والطرقات مليئة
منظومة إسعاف مركزية ونظام إحالة طبي.. مشاريع على وشك االنطالق في إدلب
بالناس ،أما اآلن فبعد الساعة العاشرة إلى الحادية عشرة ال تجد غير السواد ،كل شيء تغير؛ لقد كان أبي بيننا أيضاً ،كان لرمضان رونق آخر حين كان بجانبنا». أما «مالك الخليل» وهو أحد الذين حملتهم ظروف الحرب إلى بالد اللجوء ،فيقول من جانبه لـ «زيتون» واصفاً حاله مع بداية شهر رمضان: «من األجواء التي أفتقدها اآلن وأحن إليها فع ً ال هي تلك اللحظات حين يجتمع الناس عقب صالة التراويح خارج المسجد ليتّفقوا أين سيقضون سهرة المساء». في حين يحنّ «مصعب الشهاب» لعائلته وسهراتها، وسهرات األصدقاء التي كانت تمتد حتى طلوع الشمس، ويتمنى الشهاب تناول ولو وجبة إفطار واحدة على مائدة تجمع كل أفراد عائلته كما كانت سابقاً ،قبل أن تفصل بينه وبينهم القارات والمسافات. أم الطاهر والدة لمعتقل صار له أكثر من 5سنوات ال تعلم عنه شيئا ،كتبت على صفحتها برجاء المبتهل برنامجها لرمضان ،أوضحت فيه دعائها لولدها قبيل
تستعد مديرية صحة إدلب إلطالق مشروع “منظومة إسعاف مديرية صحة إدلب المركزية” في األول من حزيران القادم، وذلك من أجل تغطية مدن وبلدات إدلب بعدد من سيارات اإلسعاف مع كوادرها ،باإلضافة إلى تأسيس عدد من المراكز اإلسعافية في المحافظة. ويأتي المشروع كخطوة لتوحيد جهود منظومات اإلسعاف التابعة لمديرية صحة إدلب ضمن غرفة عمليات واحدة تقوم بالتنسيق ما بين المراكز والمشافي لالستجابة للحاالت الحرجة ،وسد الحاجات الطبية بحسب الحاجة من خالل جمع المعلومات ووضع خريطة صحية تكون بمثابة دليل للحركة الطبية في المحافظة. رئيس دائرة اإلسعاف والطوارئ
أسواق ريف إدلب في رمضان -زيتون
لكل ودعائها السحور المعتقلين أثناء السحور ،فيما شملت ولدها والمعتقلين في فترة بعد السحور. وأما «جابر المحمد» فحاله كحال أهالي أكثر من 400 قرية من ريفي إدلب وحماة الشرقيين ،مئات اآلالف من نازحي مناطق شرق السكة، لم يعتادوا بعد على أجواء رمضانية جديدة عليهم بكل ظروفها. يقول «المحمد» لزيتون« :إنه أول رمضان سأقضيه خارج قريتي وأرضي التي كبرت فيها ،وبيتي الذي بنيته بيديَّ. بينما يفتقد «فادي الحمد» لسوريا بأكملها ،ويشعر بالغربة ،فقد تغيرت معالمها
في مديرية صحة إدلب الطبيب مصطفى مناع قال لزيتون: “يؤسس المشروع لـ 13مكتباً إسعافياً و 50سيارة إسعاف مع كوادرها لرفد المحافظة على مدار 24ساعة بالخدمة اإلسعافية”. وحدد المناع المراكز اإلسعافية التي أنشأها المشروع هي ك ً ال من مركز “أطمة ،وسرمدا، وحارم ،وسلقين ،ودركوش، وجسر الشغور ،وإدلب المدينة، وكفرتخاريم ،وسراقب ،وتفتناز، وخان شيخون ،ومعرة النعمان، وكنصفرة” ،وأن حوالي 140 موظفاً تم تعيينهم كسائقين ومسعفين مدربين بعد اختيارهم ضمن مسابقة تم مراعاة الكفاءة والتدريب في اختيارهم.
وتغير كل ما فيها ،على حدّ تعبيره. ّ ولعل أقسى ذكريات رمضان وآمالها ترتبط بأولئك الذين التزال قوات النظام السوري تعتقلهم حتى اآلن في أقبية سجونها ،ويتصور الكثير من السوريين أن الموت نفسه أسهل من الوجود في معتقالت النظام ،حيث يتلقى اآلالف من القابعين في غياهب سجونه مختلف أشكال وأصناف التعذيب؛ ّ تتذكر «فاطمة الحمصي» مع بداية رمضان زوجها، تقول« :كلما حل موعد طعام اإلفطار أتذكره ...أتذكره في كل لحظة ،في رمضان وخارجه ،لقد أخذوه ،أبعدوه عني وعن أوالده». أم الطاهر والدة لمعتقل
مسؤول العالقات الخارجية في مديرية الصحة الطبيب عبد الحكيم رمضان أفاد بأن المشروع الذي تم دعمه من مديرية الصحة بالجانب المتعلق بالرواتب والمدعوم من قبل منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع منظمة الهالل األحمر القطري فيما يتعلق بالصيانة والديزل ،قد نظم الجهد اإلسعافي وضبطه. وشدد رمضان على أهمية نظام اإلحالة الذي يتم العمل عليه حاليا ،والذي بدأ بمركزين اثنين هما إدلب المدينة ومعرة النعمان ،إلى جانب منظومة اإلسعاف المركزية لمديرية الصحة ،ما سيوفر الكثير من الجهد والهدر ،مؤكداً أن نظام اإلحالة سيتم التوسع فيه على مراحل ليشمل جميع المراكز في
صار له أكثر من 5سنوات ال تعلم عنه شيئا ،كتبت على صفحتها برجاء المبتهل برنامجها لرمضان ،أوضحت فيه دعائها لولدها قبيل لكل ودعائها السحور المعتقلين أثناء السحور ،فيما شملت ولدها والمعتقلين في فترة بعد السحور. هكذا يستقبل السوريون شهر رمضان بالكثير من الذكريات واألحزان واآلمال، وبحال ال تختلف صوره ٍ وأشكاله بين شخص وآخر، وبين مدينة أو أخرى ،بعد أن أثقل الصراع المس ّلح الذي دخل عامه الثامن كاهلهم، َ وحال بينهم وبين أحبائهم وذويهم ،وأدخل البالد في متاهة دمويّة وتفرقة دون شكل واضح أو معلوم أي ٍ للمستقبل.
الشهور القادمة. ويرى رمضان أن مشروع المنظومة المركزية ومشروع اإلحالة بحاجة إلى المزيد من العمل ووضع الدراسات وتوفير التدريبات الالزمة للوصول إلى الحالة المثلى للمشروع. المشرف وسائق سيارة اإلسعاف رامز باكير يعتبر أن هذه الخطوة مهمة وإيجابية سواء للمواطن من حيث سرعة الخدمة وجودتها، أو سواء للمديرية وتوفير الهدر وتنظيم الكوادر والعمل ،مؤكداً توفير سيارات إسعاف في مناطق لم يكن يتوفر بها سيارات إسعاف سابقاً ،فض ً ال عن منظومات لم تكن تابعة لمديرية الصحة تم ضمها ضمن غرفة العمليات ،ما سيؤمن عدداً أكبر من السيارات وخدمة أفضل للمواطن.
محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد 1 | 178حزيران 2018
3
تقارير
استمرار اعتقال فاطمة إدريس في سجون “النصرة” النتقادها “جامعة إدلب” تواصل اللجنة األمنية والذراع التنفيذية التابعة لما يسمى بـ “حكومة اإلنقاذ” اعتقال الطالبة “فاطمة إدريس” ،وذلك عقب انتقاداتٍ وجّهتها لجامعة إدلب والكادر التدريسي العامل فيها. وكانت إدريس قد ظهرت في تقرير مصوّر أجراه مركز إدلب اإلعالمي ،انتقدت فيه “المعهد التقني لإلعالم” في جامعة إدلب ،بما فيه الكادر التدريسي ،واآلليات التي يعمل بها أفراده في الجامعة ،ما دفع “حكومة اإلنقاذ” إلى اعتقالها، إضافة إلى عميد معهد اإلعالم في الجامعة “عالء العبد اهلل”، وأحد المحاضرين فيها ويدعى “إبراهيم يسوف” ،قبل عن تفرج عن العبد اهلل وتحتفظ بالطالبة والمحاضِر لليوم الثامن على التوالي. كما اتهمت الطالبة “إدريس” مزاجية المدرسين كالمدرس ودور يسوف” “إبراهيم والعالقات المحسوبيات الطالب بين الشخصية واألستاذة ،مشيرة إلى تهديدها
من قبل “يسوف” بترسيبها في جميع المواد في حال تقدمها بشكوى. وأكدت فاطمة على عدم استجابة اإلدارة لشكاوي الطالب واستقواء المدرسين ومدير المعهد بوزارة التعليم العالي في الحكومة اإلنقاذ، وذلك في تقرير مصور لوكالة سمارت. وزير التعليم العالي في حكومة اإلنقاذ “جمعة العمر” قال في بيان صدر عن الوزارة أمس الثالثاء ،إن الطالبة فاطمة إدريس لم تعتقل ،إنما هي “قيد التحقيق في قضية ادعاء شخصي ،تم تسليمها مذكرة التبليغ أصو ً ال ،وذهبت بشكل إداري إلى النيابة العامة” ،وهو ما ينفيه ناشطون وشهود عيان ّ اطلعوا على حادثة االعتقال. وأضاف العمر في بيانه أن زوج الطالبة إدريس قد راجع “النيابة العامة ،حيث ّ اطلع على جميع الحيثيات والتحقيقات”، وطلبَ (الزوج) منهم عدم
إطالع اإلعالم على ما يجري، والـ “الحفاظ على خصوصية الدعوى وسرّيتها” حسب البيان. ونفى البيان أن تكون المعلومات التي تتداولها صفحات التواصل االجتماعي صحيحة ،محمّ ً ال القضية بُعداً شخصياً ،حيث اعتبرَ أن إدريس قد تم االدّعاء عليها بشكل شخصي من قبل شخص آخر لم يذكره ،ليختم باآلية الشهيرة “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ…،”. فيما هدد العمر في تسجيل صوتي سابق له بمقاضاة كل من ينشر أخباراً مسيئة للجامعة ،معتبراً أن ذلك ليس من مهام الجهات اإلعالمية. وفي رد له نفى المركز اإلعالمي في إدلب استهدافهم لسمعة المعهد بل تسليط الضوء على مكامن الضعف في أدائه مشيرين في ذلك إلى تصريحات مدير المعهد عالء العبد اهلل وإقراره بذلك، مؤكدين على صحة المعلومات الواردة في التقرير المصور. وشهدت
صفحات
التواصل
المعتقلة فاطمة إدريس -سمارت
االجتماعي استنكارا شديدا من قبل اإلعالميين واألهالي حول اعتقال الطالبة فاطمة إدريس متهمين الجامعة وحكومة اإلنقاذ بتكميم األفواه وممارسة القمع على الطالب واعتقالهم على أبواب الجامعة في حال انتقادهم لها. وكتب اإلعالمي في وكالة األناضول أكرم المصري ساخراً: “شكراً مركز إدلب اإلعالمي خليتنا نشوف رئيس حكومة اإلنقاذ بالساحة وعم يتفقد أحوال الرعية ،قال تضليل إعالمي قال”.
كما علق براء عبد الكريم البكور قائ ً ال “ :انتقاد جامعة صار هيك ،كيف لو منتقدين شي أمني أو سيادي ،يعني رجعنا لمحل ما كنّا نظام بعثي طبق األصل ،ال أيام البعث كان فيك تنتقد معاهد وكليات من دون ما تتحاسب”. وكانت جامعة إدلب قد امتنعت خالل افتتاح معهد اإلعالم فيها عن استقبال اإلناث وفقاً لقرار صدر عن رئاستها في العام ،2016قبل أن تسمح لهن بالدخول بداية
العام الحالي ،وذلك تزامناً مع ازدياد الضغوطات على هيئة تحرير الشام كتنظيم إرهابي يحاول التم ّلص عبر التمويهات السياسية والمدنيّة. وتتبع جامعة إدلب نفسها لما يسمى بـ “حكومة اإلنقاذ” التي تعد أحد األذرع السياسية لـ “هيئة تحرير الشام” والتي تطوّرت بدورها عن تنظيم “جبهة النصرة” المدرج على الئحة الجماعات اإلرهابية في سوريا.
مشروع جديد للنقل يهدف لربط مناطق ريف حلب بإدلب ّ وأكد القرنفل أن المرحلة األولى من مشروع النقل العام قد بدأت بالفعل في 16أيار الجاري حين “سيتم ربط مناطق ريف حلب الغربي بريف إدلب الشمالي، وذلك عبر خطين للسير، سيبدآن من بلدة كفرناها، يتّجه األول إلى بلدة عين جارة، ثم دارة عزة ،ليصل إلى سرمدا مروراً بـ الدانا؛ بينما يتجه األول من كفرناها إلى أورم الكبرى، ثم األتارب ،والدانا ،وسرمدا؛
إحدى سيارات النقل في المشروع الجديد -مجلس محافظة حلب أطلقت “مديرية الخدمات لمجلس التابعة والنقل” محافظة حلب الحرة يوم األربعاء 16أيار الجاري مشروعاً لتنظيم رحالت نقل الركاب بين قرى وبلدات ريف حلب الخارج عن سيطرة قوات
4
النظام بنظيراتها في مدينة إدلب وذلك بهدف ربط المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في ريفي حلب الشمالي والجنوبي بمدن وبلدات إدلب بشبكة مواصالت كاملة.
مدير الخدمات والنقل في المديرية “علي قرنفل” قال في تصريح لزيتون إن المشروع يسعى لنشر الثقة واالستقرار واألمن على الطرق التي تصل تلك المناطق ببعضها”، مشيراً إلى أهمية دوره في
محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد 1 | 178حزيران 2018
منع استغالل “القطاع الخاص” للسكان ،إضافة إلى تقليل ساعات انتظار العمال وطلبة المدارس والجامعات للحصول على نقل آمن ومريح ،على حد وصفه.
وستنتطق الرحالت بمعدّل 40رحلة كل نصف ساعة، منوهاً إلى أن القائمين على المشروع قد أخذوا باإلجراءات والتراتيب الالزمة لسيره على أكمل وجه ،مضيفاً“ :لدينا نقطة انطالق ومكاتب مراقبة على امتداد خطوط السير التي انطلق العمل عليها منذ أيام ،ونسعى إلى وضع خطوط نقل دائرية وعكسية لتغطية جميع المناطق المستهدفة في المرحلة األولى ،ونستعدّ لتلقى الشكاوى على مدار الساعة عبر األرقام الموجودة على التذاكر،
وعبر بريد صفحة مديرية النقل على فيس بوك”. وتقوم مديرية النقل والخدمات في مجلس محافظة حلب بدراسة تذكرة الركوب مع الفعاليات المدنية والمجالس المحلية وتجمعات السائقين، لوضع وتوحيد التذاكر على كل خطوط السير المعتمدَة في الريف المحرر. وتعرف مناطق الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام سواء في محافظة إدلب أو ريف حلب بتعدادها السكاني الضخم، وذلك بسبب استقبال هذه المناطق للعديد من النازحين الذين تركوا مدنهم وبلداتهم بعد أن هجّرتهم قوات النظام السوري منها وفقاً لسياسة تغيير ديموغرافي انتهجتها في ريف دمشق وحمص وحلب وغيرها ،ما يجعل مثل هذه المشاريع ضرورة ملحّة في تنظيم الحركة االجتماعية واالقتصادية في الشمال السوري.
تقارير
الهوية السورية.. بين الخرائط المنقسمة والمستقبل المجهول عبد اهلل الحسن ال شك أن أحد أكثر األسئلة إلحاحاً على مستوى الفرد والجماعة داخل وخارج سوريا، بات في الوقت الراهن السؤال عن الهوية ،خصوصاً بعد أن دخلت الحرب فيها عامها الثامن ،وبرزت معها أشكال الهويّات ما قبل الوطنية؛ ّ ولعل السوريين جميعاً اليوم متساوون أمام هذا السؤال المفصلي ،والذي تُعتبر محاوالت اإلجابة عليه -أياً كانت -ضرباً من ضروب الجنون ،أو العبث ربما ..من أنا اآلن؟ ولمن أنتمي؟ الدين، الطائفة ،القومية ،أم األرض؟ وما الذي يعنيه ذلك؟ ما يؤرق حقاً ليس محضر اإلجابة وحدها ،بقدر ما يؤسف حال أبناء سوريا أنفسهم، الشبّان تحديداً ،نماذج عدة تلتقيها هنا وهناك ،يعتقد معظمهم وبشكل جاد حقاً أن ما جرى في بالدنا ال يعدو أن يكون مؤامرة ،على الدين ،أو على «قلب العروبة النابض» سورية بالتاء المربوطة ،التي يرأسها بشار األسد؛ وهذا لوحده كفيل بتحجيم سؤال الهوية نفسه ،عالو ًة على تحجيمه اإلجابة أيضاً. في مطلع العام 2011خرج السوريون إلى الشارع ،من كل المدن ،ومن شتى األديان والطوائف ،مطالبين النظام بمنحهم حريّة أن يكونوا ما
يريدون ،حريّة ومسؤولية أن يشاركوا في عملية النهوض ببالدهم إلى مستوى ما، حملوا الورود ،ووزّعوا في مظاهراتهم المياه على جنود النظام تعبيراً عن سلميّتهم، وآخرون حملوا يافطات تقول «ال سلفية وال إخوان» كي يتجاوزوا بها أزمة الثمانينيّات؛ إال أن النظام من جانبه سعى وبشكل منهجي إلى تفتيت ّ والحط من تلك المطالبة شأنها ،فأخرج من سجونه معظم من تراهم اليوم من قادة الفصائل الدينية ،وأعطى جنوده األوامر بأن يتعاملوا مع ما يجري على أساس طائفي بحت ،وبذلك تنبّأ بردّة فعل معارضيه ،وأحكم قبضته على خطابهمَ ، وأخذهم معه للمشاركة في عملية إنتاج الهوية الدينية والطائفية والعرقيّة والقبَليّة ،ليحتفل الجميع بعد ذلك في هذا الكرنفال الدموي الصاخب، كرنفال الحرب األهليّة. باركت معظم دول العالم سيئة السمعة هذه الحرب، حتى عبر طريقة معارضتها، سعت بعضها للتشديد على أن سوريا دولة مسلمة أو ً ال ،دعمت اإلخوان والحركات الجهادية التي أطلق النظام من جانبه سراح قاداتها ،وفتحت الباب أمامهم ليدخلوها من كل حدب وصوب بذرائع «الدفاع عن نساء المسلمين» ،ودعمتهم
ٌ ودول أخرى باألموال والعتاد؛ قالت إن سوريا دولة عربية ٌ ودول قالت إنها رأس فقط، حربة المقاومة ضد إسرائيل؛ بينما تكف َ ّل السوريون أنفسهم بالباقيّ ، تنطعوا للدين، والمذهب ،والقومية ،والعرق، والمدينة ،والقبيلة ،ولون البشرة ،حتى على مستوى الجنس ميّزوا بين الذكور واإلناث ،كحال الدول الغارقة في رجعيتها وجهلها ،وإن كانت معظم مجتمعاتنا تميّز بين الرجال والنساء أص ً ال قبل العام .2011
بات يبدو أن الشرخ المتفاقم أصالً خالل السنوات األخيرة بين السوريين قد وصل إلى حدود مأساوية ،وال عجب أن يظهر المزيد إلى ما هو كارثي ،شّتان بين ما هو مأساوي ،وبين ما هو كارثي بالطبع؛ أياً يكن ،الهوية السورية اليوم مفتتة ،ومشّتتة، ماسة للسوريين، وبحاجة ّ السوريين فقط ،قبل أن يتح ّول السؤال بحد ذاته إلى تهمة ،أو إلى جريمة. بعد أن كان للنظام السوري
ما أراد حين دفع الناس إلى تحكيم غرائزهم والتشبّث بانتماءاتهم الصغيرة ،حكمَ على جميع معارضيه بأنهم يشبهون بعضهم البعض، جميعهم أبناء شكل واحد، وفكرة واحدة ،دينية كانت أم غيرها ...بعد أن تم له ذلك أخذ يعزلهم ديموغرافياً، حصرهم في منطقة واحدة لتقتتل انتماءاتهم الصغيرة ضمن حدودها ،واستفردَ بالريادة ،وإن كان اآلن ال يملك من أمره شيئاً فاألمر بيد دول أخرى ،إال أنه عملياً أداة ناجحة، بينما المعارضة أداة فاشلة بيد تركيا وقطر وغيرها من دول العالم البراغماتي القذر ،التي ال تزال تستثمر فيهم يوماً بعد يوم ،على حسابنا جميعاً. نعم« ،بوسع النيّة الصادقة إن لم تكن نيّرة متبصّرة أن تُحدث من األضرار مثلما يُحدث الخبث وسوء النيّة» يقول ألبير كامو في روايته «الطاعون» المنشورة عام ،1947هذا ما يجري اآلن، لكن على الرغم من أنه حين يقاسي الناس ظرفاً معيناً تتولد في أنفسهم مشاعر بالعدالة النسبيّة إذ الجميع يعاني ،ويمأل األرض بصراخه وعويله داخل سوريا وخارجها، والجميع محكوم عليه أيضاً من وجهة النظر العليا للحرب ،على الرغم من تو ّلد هذه المشاعر بالعدالة إال أنهم يسقطون
أعمق كلما تشبّثوا بانتماء ضيّق أكثر ،حتى يصل األمر إلى أن يتشبّث المرء بذاته وحدها بغض النظر عن كل ما يمكن أن يحدث ،وهنا ينتقل عالم اإلنسان المُعاش من المستوى البشري إلى مستوى الغابات ،أو ربّما أدنى. ً ُ ذاتيّة كانت سؤال الهوية، أم مجتمعيّة ،والذي هو جزء ت ِبعات الحرب وسياسات األطراف المتنازعة تجاوزَ حدودَ األرض إلى دول اللجوء؛ معظم المدن التركية على سبيل المثال باتت ذات طابع خاص بالنسبة للسوريين، النسبة العظمى من أبناء الرقة ودير الزور الالجئين تجدهم في أورفا ،ومن أبناء الشمال الشرقي فيما يقابله داخل تركيا أو في العراق ،والالجئون من أهالي حلب في غازي عينتاب وهكذاٌ ، كل في منطقة يجد أقرانه فيها ،أو انتما َءه الصغير الذي بات من الصعب تجاوزه اآلن. في اليونان ،تحديداً جزيرة «ميتيليني» وهي إحدى الجزر التي يتجمع فيها الالجئون السوريون بانتظار فرزهم إلى دول االتحاد األوروبي أو ترحيلهم ،أخذت الهويّة ومخ ّلفات أسئلتها التي تقض مضاجعنا ليل نهار ،أخذت شك ً ال دموياً قبل عدة أيام ،حيث هاجم مجموعة من الالجئين
ً مجموعة في مخيّم «موريا» أخرى بالعصي والقضبان المعدنيّة ،وهو ما أظهرته مقاطع فيديو تناقلتها حسابات عدة على مواقع التواصل االجتماعي. على الرغم من أن األنباء قد تضاربت حول أسباب الشجار ونتائجه بين من يقول إن األسباب كانت تتعلق بكون المجموعة المعتدَى عليها قد امتنع أفرادها عن الصيام ،أو كان حول خالف في الرأي ،وأنه قد قتل أربعة أشخاص خالله وأصيب العشرات بجروح ..إال أنه كان ذا بعد عنصري بحت، فالجهة التي تم االعتداء عليها كانت من السورين الكرد ،أما المعتدون فلم يتوانوا لحظة واحدة في الفيديو من القول بأنهم من مدينة دير الزور. بات يبدو أن الشرخ المتفاقم أص ً ال خالل السنوات األخيرة بين السوريين قد وصل إلى حدود مأساوية ،وال عجب أن يظهر المزيد إلى ما هو كارثي، شتّان بين ما هو مأساوي، وبين ما هو كارثي بالطبع؛ أياً يكن ،الهوية السورية اليوم مفتتة ،ومشتّتة ،وبحاجة ماسّة للسوريين ،السوريين فقط ،قبل أن يتحوّل السؤال بحد ذاته إلى تهمة ،أو إلى جريمة.
محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد 1 | 178حزيران 2018
5
تحقيق
استمرار جهود توحيد الخطاب السياسي في إدلب وتحديات الدمج «أك���ب���ر ن��ق��ط��ة ض��ع��ف ل���دى ال��ت��ج��م��ع��ات السياسية على مستوى محافظة إدلب هي تعدد هذه التجمعات ،وغياب الوضوح في ال��رؤي��ة ،ولذلك يجب أن يكون ل��دى هذه التجمعات خطة عمل واضحة على األرض،
ومنهج صحيح ،ب��اإلض��اف��ة إل��ى األه���داف المحددة والمعلنة ،والتي تسعى لتحسين حياة األهالي ،وتتضمن الجانب السياسي والخدمي ،وأن ال يكون كل ما ُيرى مجرد إعالن تشكيل على وسائل التواصل االجتماعي»
خاص زيتون وكان الكثير من النشطاء السياسيين والمدنيين والمهتمين بالشأن السياسي ،قد وجهوا انتقاداً للتجمعات السياسية في المحافظة ،تمثل بتشرذم هذه التجمعات وتعددها ،وبالتالي تشتت الخطاب السياسي في المحافظة ،من بينهم الناشط اإلعالمي «محمد العبد اهلل» الذي رأى أن التشكيالت السياسية السورية يعيبها التعداد ،وعلى هذه األجسام السياسية أن تتحد ضمن جسم واحد شامل لكل السوريين. بينما اعتبر الناشط «عمر حاج أحمد» أن الساحة الثورية السورية أنتجت الكثير من المسميات السياسية، وهو أمر صحي في حال تظافرت تلك المسميات للعمل مع بعضها إلسقاط النظام ،ثم البدء بعمل سياسي وحزبي إلنتاج نظام أكثر انفتاحاً. التجمعات السياسية نفسها لم تكن بعيدة عن هذا الواقع ،بل أدركته تماماً ً مؤمنة بجدوى توحدها وبضرورة العمل السياسي الموحد ،فما كان منها إال أن ترجمت ذلك على األرض ،في محاولة لتالفي أبرز نقطة ضعف في عملها ،والعمل للوصول إلى نتيجة أفضل.
مبادرة الثورة السورية في إدلب أصدرت أربعة تجمعات سياسية في محافظة إدلب السبت 5أيار الجاري ،قراراً يقضي بتوحيدها تحت جسم سياسي واحد في خطوة هي األولى من نوعها ضمن جهود مبادرة لتوحيد الخطاب السياسي في المحافظة وتوحيد التجمعات. وأتت خطوة توحد األجسام ً استجابة السياسية األربعة، منها لمبادرة أطلقها ناشطون من أبناء المحافظة تحت عنوان “مبادرة الثورة السورية في
6
محافظة إدلب”. وجاء في بيان المبادرة الصادر في 15نيسان الماضي: “تماشيا مع ضرورة المرحلة التي تشهدها الثورة السورية المباركة ،والتي تستوجب من الجميع العمل بروح الفريق الواحد على المستوى الثوري والسياسي تحت مسمى واحد، نتوجه بهذه المبادرة إلى جميع األجسام الثورية والسياسية في محافظة إدلب لالندماج بجسم ثوري سياسي”.
وحدد البيان أولى مهام الجسم السياسي الجديد ،وهي قيادة المرحلة السياسية في محافظة إدلب في الوقت الراهن، والعمل على تحقيق تطلعات وأهداف الشعب السوري ،مشيراً إلى أن هذه المبادرة تعتمد على ثقافة التواضع والتنازل وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الخاصة ،بحسب البيان. واقترحت لجنة المبادرة على األجسام السياسية التي تم إرسال المبادرة إليها ،االندماج
محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد 1 | 178حزيران 2018
بهذه النقاط لخص عضو مجلس إدارة تجمع أبناء إدلب ومسؤول مكتب العالقات العامة واالرتباط في التجمع «صالح غفير» وضع التجمعات السياسية في محافظة إدل��ب، مضيفاً« :وجود حكومتين في المحافظة أدى في جسم ثوري سياسي تحت مسمى “التحالف الوطني لقوى الثورة في محافظة إدلب” ،أو ما يتم االتفاق عليه من قبل جميع األجسام ،مبينة ً أن االندماج سيكون على مرحلة واحدة أو ً متأملة الموافقة من مرحلتين، الجميع ،وفقاً لما جاء في نص البيان. وذكر البيان أن المبادرة قد تم إرسالها إلى ٍّ كل من“ :الهيئة السياسية في محافظة إدلب، تجمع سورية الثورة ،المجلس الثوري السوري ،تجمع اتحاد النقابات المهنية ،تجمع أبناء إدلب ،هيئة الحراك الثوري، وشخصيات مستقلة”. أحد مؤسسي مبادرة الثورة السورية في محافظة إدلب والرئيس السابق للهيئة السياسية في محافظة إدلب “رضوان األطرش” تحدث لزيتون عن انطالقة المبادرة وظروفها قائ ً ال“ :تماشيا مع الظروف الحالية التي تعيشها الثورة السورية بشكل عام ومحافظة إدلب بشكل خاص، وال سيما بعد عمليات التهجير القسري من الجنوب إلى
إلى تشتيت األهالي ،ما يوجب إيجاد جسم سياسي وليد في المحافظة ،فجاءت مبادرة لتوحيد التجمعات وتوحيد الخطاب السياسي، وأثمرت باندماج عدة تجمعات ،ونتمنى أن يترجم هذا العنوان بمشاريع تخدم البلد».
الشمال ،وتجميع أكبر عدد من الثوار في محافظة إدلب، كان لزاما علينا أن نطلق مبادرة لتوحيد العمل السياسي والثوري في المحافظة ،وتوحيد هذه األجسام الموجودة بشكل مبدأي”. وأضاف “األطرش”“ :جميع األجسام السياسية التي تم توجيه المبادرة إليها لبت النداء ،وعقدنا اجتماعاً فيزيائياً في ريف إدلب الجنوبي لبحث هذه المبادرة ،واالطالع على األجسام السياسية وطريقة تكوينها وتشكيلها ،واستمعنا إلى شرح وافي منهم ،واستلمت لجنة المبادرة األنظمة الداخلية لالطالع عليها”. الحالية الظروف وعن والمحاوالت السابقة التي انتهت بالمبادرة تحدث رئيس تجمع سورية الثورة «عثمان بديوي» لزيتون قائ ً ال: «كان هاجسنا الوحيد منذ بداية الثورة أن تكون لهذه الثورة مؤسسة تضمن لها عملها المؤسساتي وديمومتها ونجاحها ،غير أن الساحة
تخبطت كثيرا بين عسكرة وسياسة وناشطين ،ودخل في الثورة المدسوسون أو من هم ليسوا أه ً ال لحمل فكر الثورة ومبادئها ،حاولنا في بداية تشكيل الفصائل أن ندعم تشكيل جيش واحد له مكاتب سياسية ،وطرحنا على العسكريين مبادرة قبل عامين ودعينا لمؤتمر وطني، ولم ننجح بسبب الفصائلية العسكرية ،وحتى المؤتمر الوطني مؤتمر اإلنقاذ الذي دعا له األكاديميون ،وجدنا أن من يهيمن عليه هي تحرير الشام». وأضاف «بديوي»« :بعد هذه المرحلة ،وبعد ما جرى بـ االئتالف والمجلس الوطني وغيرهما من أجسام المعارضة في اآلونة األخيرة ،وجدنا أنه البد من توحيد الساحة ،وأن من الضروري أن نشكل نحن المدنيين النواة األساسية لمجلس قيادة الثورة ،أو لما يسمى الجهة المؤسساتية للثورة ،فانطلقنا نبحث عن الكتل السياسية التي تؤمن بهذا الفكر ،وتكللت األمور بالنجاح مع بعض الصعوبات».
تحقيق
األهداف والرؤية الهدف من توحيد التجمعات السياسية في إدلب ضمن اتحاد قوى الثورة في المحافظة هو مأسسة ال��ث��ورة ،أي تشكيل مجلس مؤسساتي واحد بغض النظر عن تسميته سواء مجلس قيادة ثورة أو أي تسمية أخرى، يقود الثورة ويحقق التغلب على التبعيات واألدلجة وتأثير المال السياسي ،ب��اإلض��اف��ة لوضع هيكلية للثورة وإدارة وفاعلة، وف��ق��اً لرئيس تجمع سورية ال��ث��ورة ،وال��ذي أك��د أن اتحاد قوى الثورة في إدلب حالياً في طور تشكيل نواة حقيقية لهذا المجلس. أما رؤية المبادرة لهذا الجسم السياسي الجديد ال��ذي دعت إليه ،فتتعدى حدود المحافظة ل��ت��ش��م��ل ك���اف���ة األراض�����ي السورية ،إال أن بدايتها في إدلب وستتطور وتتوسع الحقاً وبشكل تدريجي ،وع��ن ذلك قال “األطرش”: “آث��رن��ا نحن كلجنة م��ب��ادرة االنطالق من محافظة إدلب، وم��ن ث��م بعد تشكيل جسم م��وح��د م��ن ه��ذه المحافظة، بالتأكيد سننطلق باتجاه بقية المحافظات الشمالية أو ً ال ومن ث��م الجنوبية ،ول��دي��ن��ا همة عالية بالعمل للوصول إلى جسم يمثل الثورة السورية في الداخل ،وهذا الجسم بالتأكيد سيعمل على رس��م خارطة طريق جديدة للثورة ،ونأمل أن يلبي طموحات الشعب السوري المطالب بحريته وكرامته”، مضيفاً: “بعد النقاش ووض��ع النقاط
موقف الهيئة السياسية على ال��ح��روف ،اتفق الجميع على العمل تحت مسمى “اتحاد قوى الثورة في محافظة إدلب”، واتفق المجتمعون على تشكيل مجلس إدارة مؤقت مؤلف من تسعة أعضاء ،يقود هذا االتحاد ريثما يتم استكمال النظام الداخلي الموحد لهذه األجسام والعمل برؤية ثورية واضحة للجميع”. وكمرحلة أولى سيتم تنسيق العمل بين األجسام المنضوية تحت ات��ح��اد ق��وى ال��ث��ورة في محافظة إدل��ب ،بحيث يصدر عنها بيان واح��د ،وفي مرحلة الح��ق��ة وق��ري��ب��ة سيتم دمج هذه األجسام في جسم واحد، وف��ق ن��ظ��ام داخ��ل��ي مكتوب ومتفق عليه من قبل الجميع، وسيبقى الباب مفتوحاً أمام كافة األج��س��ام والشخصيات المستقلة لالنخراط في هذا االتحاد ،وصوال إلى كلمة ثورية واحدة في هذه المحافظة التي باتت اآلن محط أنظار العالم، وفقاً ألحد مؤسسي المبادرة. وال ت��زال عملية البحث عن التجمعات السياسية التي تؤمن بأهمية توحدها ضمن جسم واح��د مستمرة ،وهناك أسماء كثيرة مطروحة كتجمع «ال��ش��ب��اب المثقف» ،وتجمع «ش���ب���اب س���وري���ا» ،وتجمع «سنعيدها لسيرتها األول��ى» وغيرها من التجمعات ،والعمل ج���ار الس��ت��ق��ط��اب أك��ب��ر ع��دد ممكن من التجمعات وتحقيق أفضل نتيجة ،بحسب «بديوي» وال��ذي يرى أن خطوة تشكيل اتحاد قوى الثورة ما تزال في
بدايتها ولم تنته بعد ،وأنها تسير ف��ي االت��ج��اه الصحيح ليس فقط على صعيد توحيد التجمعات السياسية ،ولكن في مبادرات توحيد الصفوف كافة، وتشكيل جسم حقيقي للثورة، فهناك ناشطون وسياسيون وع��س��ك��ري��ون ب��اإلض��اف��ة إلى منظمات المجتمع المدني، مضيفاً: «المبادرة التي نعمل عليها هي م��ب��ادرة توحيد الصفوف عامة ،وك��ل ي��وم ن��زور طرف معين أو جهة معينة ونستمع منها ،وحتى الحكومة المؤقتة وحكومة اإلنقاذ موضوعتين ض��م��ن ج�����دول ال����زي����ارات، وسنستمع للجميع ،لنقدم مشروع توافقي فيه الحل لهذه المعضلة التي وقعنا بها». من جانبه أشاد عضو المبادرة ون��ق��ي��ب المحامين األح���رار ورئ��ي��س ت��ج��م��ع االت���ح���ادات وال��ن��ق��اب��ات ال��م��ه��ن��ي��ة في محافظة إدل��ب «عبد الوهاب الضعيف» بهذه الخطوة ،مباركاً وح���دة األج��س��ام السياسية باتجاه اتحاد كافة التجمعات السياسية الثورية ،مؤكداً على استمرار سعيهم ف��ي سبيل توحيد الصوت السياسي في ال��م��ن��اط��ق ال��م��ح��ررة ،وخلق جسم سياسي واح��د تندمج فيه التجمعات السياسية في محافظة إدل��ب ،وذل��ك بهدف الدفع بالعمل السياسي إلى الواجهة لتجنيب وإبعاد شبح الدمار عن المحافظة في ظل السيناريوهات الخطرة التي ترسم لها.
اقتتال الفصائل إحدى العوائق االقتتال الفصائلي ،كان من أبرز المعوقات التي واجهت المبادرة ،إلى جانب صعوبة التنقل من مكان إلى آخر ،ما جعل المبادرة تتأخر نوعاً ما في إنجاز المهمة الموكلة إليها، بحسب «األطرش» الذي أوضح أن التجمعات الستة التي دعيت للمبادرة حضرت االجتماعين األول والثاني ،في حين تخ ّلفت الهيئة السياسية في االجتماع الثالث للمبادرة ألسباب خاصة، وحضر االجتماع ك ً ال من“ :تجمع سورية الثورة ،المجلس الثوري السوري ،تجمع اتحاد النقابات المهنية ،تجمع أبناء إدلب”. وكانت لجنة المبادرة قد عقدت عدة اجتماعات سابقة لتذليل بعض الصعوبات التي واجهتها أمام تمسك بعض التجمعات بتسمياتها واإلصرار على انضواء اآلخرين تحتها، إال أن اللجنة تمكنت من تشكيل جسم سياسي من القانعين بالتوحد ،ليكون هناك جسمين سياسيين يصبح من األسهل اتحادهما معاً ،بحسب
«الضعيف» ،معتبراً أن نزعة األنا المنتشرة في العمل الثوري بشكل عام هي سبب الفشل المتالحق في معظم المجاالت ،وأن عدم التخلص من هذه النزعة يعني االستمرار ضمن سمة الفشل التي طبعت مؤسسات الثورة ،فض ً ال عن أن الهيئات السياسية لم تصل لمرحلة النضوج السياسي وما تزال تغلب المصالح الضيقة على مصلحة البلد ،وهو أحد أسباب ابتعاد الناس عنها نوعاً ما ،على حد تعبيره. كذلك يرى رئيس تجمع سورية الثورة أن «األنا» هي أهم الصعوبات التي واجهها اتحاد قوى الثورة في إدلب ،وأنه بعد سنوات من العمل تشكلت مجموعات وفرق ،وكل فريق يريد أن يحافظ على مكاسبه، فغلبت «األنا» أو «النحن» ،التي تقتصر على نحن كمجموعة وليس نحن كوطن أو نحن كثوار سوريا ،مضيفاً« :إال أن هذه العقبة بدأت تتزلزل عندما كانت الساحة تنهار ،فكان من
الواجب أن نرفع من سوية التفكير الوطني مقابل التخلي عن المكاسب الشخصية ،هناك من آمن بهذا الفكر واستجاب للمبادرة ،وهناك من ال يزال بحالة انتظار ،وهذه المبادرة لم تُغلق بعد ،وفي كل يوم يتم البحث عن تشكيل جديد لضمه إلى اتحاد قوى الثورة في إدلب». كما تقف األدلجة الفكرية واالرتباطات والتبعيات وال سيما بالناحية العسكرية في وجه توحد التجمعات السياسية في إدلب ،ويلعب المال السياسي دوراً كبيراً ،وهو ما يشكل عائقاً أمام توحيد الصفوف ،ولتتوحد الصفوف يجب على األقل اإليمان أوال بالفكر الثوري، فض ً ال عن اختالف البيئة والثقافة والتوعية السياسية، ما يجعل للفوضى نصيباً في عملية دمج التجمعات السياسية ،وفقاً لرئيس تجمع سورية الثورة.
رئيس الهيئة السياسية في محافظة إدلب “عاطف زريق” قال لزيتون“ :نحن مع أي خطوة نحو االتحاد بجسم واحد ،كنا وما زلنا مع توحيد كامل لجميع األجسام تحت اسم جامع له سمعته ووجوده على المستوى الداخلي والخارجي ،ولكن لألسف نحن لدينا آلية التخاذ القرار في الهيئة السياسية،
وكان توجه المكتب التنفيذي ورؤساء الدوائر أن تنخرط جميع األجسام تحت اسم الهيئة السياسية كجسم، ونعلن عن انتخابات مبكرة للهيئة السياسية ،ونحافظ على جسم الهيئة ،ولكننا ال نستطيع إهمال عمل الهيئة السياسية لمدة سنتين”. وأضاف “زريق”“ :نحن نرى في الهيئة السياسية أن نبني
على المبني وليس البدء من نقطة الصفر ،وخاصة بعد أن وصلت الهيئة السياسية بإدلب إلى ضم أغلب الناشطين على مستوى إدلب ،وبات لها حضور قوي بين الفعاليات، وإننا نرى كأبناء إدلب الوقوف خلف هذا المشروع ،وخاصة أن هناك مشروع يشمل عشر محافظات ،ونسعى لتوحيد الهيئات السياسية السورية”.
من اجتماعات الهيئة السياسية وتجمع اتحادات النقابات المهنية
مكونات اتحاد قوى الثورة يضم اتحاد قوى الثورة في محافظة إدلب أربعة تجمعات سياسية هي “تجمع سورية ال��ث��ورة ،المجلس ال��ث��وري ال��س��وري ،تجمع االت��ح��ادات والنقابات المهنية ،باإلضافة لتجمع أبناء إدلب الذي يعتبر أحدثها عهداً ،إذ تم تأسيسه ف��ي 15آذار الماضي ،من اندماج ثالثة تجمعات في مدينة إدلب هي تجمع «إدلب ال��م��دن��ي» وت��ج��م��ع «إدل���ب الثوري» و «البيت اإلدلبي». أما تجمع االتحادات والنقابات المهنية في إدل��ب فقد تم تشكيله في 19آب ،2017 ب���ه���دف إغ���ن���اء م��ن��ظ��م��ات المجتمع ال��م��دن��ي ،ولكي يكون لها صوتاً مؤثراً على الساحة السياسية داخلياً وإقليمياً ودول��ي��اً ،ولتقديم صورة أن هناك مجتمع مدني بمنظمات ذات أث���ر ق��وي وم��ؤث��ر وح��ض��اري ،وليست منطقة م��ت��روك��ة للسالح والعنف ،بحسب رئيس تجمع االتحادات والنقابات المهنية. وي��ض��م تجمع االت���ح���ادات والنقابات المهنية في إدلب كً ال من «نقابة األكاديميين حاملي الشهادات العليا ،نقابة المهندسين ال��ح��رة ،نقابة المحامين األح����رار ،نقابة األط��ب��اء ،نقابة الصيادلة، ن��ق��اب��ة المعلمين ،نقابة المهندسين الزراعيين ،نقابة عمال الخدمات الصحية ،نقابة والمقاولين، االقتصاديين
اتحاد الفالحين بإدلب ،اتحاد العمال ،اتحاد الطلبة ،تجمع المرأة السورية». أما المجلس الثوري السوري فقد كانت انطالقته بداية تموز ،2017وقال المجلس على صفحته الرسمية في ف��ي��س ب����وك إن شرعيته تأتي م��ن حوامله الفكرية وال��س��ي��اس��ي��ة وال��ق��ان��ون��ي��ة واالج��ت��م��اع��ي��ة المتمثلة بأعضائه ومناصريه مع التفاف الشارع السوري الثائر حوله عندما يقف بمسؤولية أمام تحديات مصيرية تتحقق من خاللها آمال و تطلعات الشعب السوري. كما أعلن عن بنيته التنظيمية وأهدافه ضمن نظام داخلي للتجمع ،ودع��ا عبر الصفحة أيضاً جميع السوريين األحرار م��ن ع���رب وك���رد وت��رك��م��ان وآشوريين ومسيحيين ودروز وأرم��ن وعلويين ،ومن جميع الطوائف واألعراق واإلثنيات، و من جميع المشارب الدينية والسياسية ،إلى وحدة الصف والكلمة وإنقاذ وطنهم من ب��راث��ن االح��ت�لال والطغيان والتطرف بجميع أشكاله. في حين تجمع سورية الثورة أق��دم التجمعات المنضوية ض��م��ن ات��ح��اد ق���وى ال��ث��ورة في إدل��ب ،ففي 22تشرين الثاني 2015قامت اللجنة التحضيرية لمشروع التجمع بوضع أهداف التجمع ورؤيته
ال��ع��ام��ة ،وال��ت��ي تلخصت بالعمل على وح��دة الصف واح��ت��رام ال��ح��ري��ات العامة والخاصة ،وضمان الحقوق وتحقيق العدالة االنتقالية ال��ت��ي تضمن رد الحقوق ومحاسبة المجرمين ،والسعي لبناء مجتمع وسطي ومشهد ديني معتدل ،وقضاء ثقافي أصيل ومتعدد ،وفقاً لمؤسس التجمع «عثمان بديوي». وللتجمع نظام داخلي مكون من ستة فصول وأربع وثالثين مادة ،يضبط هذا النظام كل برامج عمل وخطوات التجمع، ويقود التجمع مجلس ثوري أعلى ،يضم رئيس ونائبا له ورؤس��اء لتسعة مكاتب تدير أع��م��ال التجمع ،م��دة والي��ة المجلس سنة قابلة للتجديد مرة واحدة ،وهو يمثل قيادة التجمع ،ويتبع له عدة أفرع في محافظات إدل��ب ،حلب، حماة ،ريف دمشق ،وحمص، فض ً ال عن ست دوائر بحسب مناطق محافظة إدلب وهي “خان شيخون ،معرة النعمان، ح��ارم ،أريحا ،جسر الشغور، وإدل��ب” ،وفقاً لرئيس مكتب التنظيم “معين العبد القادر”. ي��ذك��ر أن ان��ت��ق��ادات أهلية وجهت للتجمعات السياسية في محافظة إدل��ب اتهمتها بالتفكك والشرذمة ،وعدم القدرة على توحيد خطابها السياسي ،ما يزيد من أسباب ضعف تأثير تلك التجمعات محلياً ودولياً.
محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد 1 | 178حزيران 2018
7
مجتمع
أنا مكتف بمحبة طالبي.. «غسان نادر» بعد 6 سنوات من العمل التطوعي غسان نادر وعد البلخي م��ن السهل أن تعطي لكن الصعوبة هي عند من يأخذ..
يقول المعلم. ببضع كلمات يلخص عمل س��ت س��ن��وات م��ت��واص��ل��ة في تدريس الالجئين في فرنسا «أنا مكتف بمحبة طالبي» ،ست سنين وآالف الطالب وعشرات الساعات األسبوعية لم تنل من حماس «غسان نادر» ،المهندس اللبناني الذي اختار تعليم اللغة الفرنسية للناطقين العربية المشرقية في باريس.
ال تنتظر م��ق��اب ً �لا ،وأح��ب المتعبين ،فانتظار االمتنان فشل كلوي لإلنسانية ،وسبب سريع البتعاد السعادة ،هذا بعض مما يقوله. استمتع بالمسرات الصغيرة، تفتح برغم جديد هنا وبورقة خ��ض��راء ه��ن��اك ،فمن دمعة صغيرة قد تعرف طعم البحر، وافتح قلبك للعالم ،لتكتشف كم يشبهوك ،امنحهم سبباً ك��ي يعشقوا ال��ح��ي��اة ..هكذا
ففي ال��وق��ت ال���ذي ك��ان فيه ن��ش��ط��اء س��وري��ون يشعلون الشمع في بعض مدن سوريا ببداية الثورة في وقفة صمت ألرواح الذين غادروا الحياة ،كان هناك شبان آخ��رون يشعلون الشمع في باريس ،في ذلك الوقت تحديداً ابتدأت الفكرة، م��ن س���ؤال ت��م ط��رح��ه ،من سيعلم القادمون من الحرب والموت لغة الحياة في فرنسا؟.
ام��ن��ح ل��ك��ي تشعر بنبض ال��وج��ود ،أع��ط ما أعطته لك ال��ح��ي��اة ،أن��ت��ج كما األش��ج��ار والقطعان في البراري ،تدفق كما األنهار والينابيع ،شارك ضجيج ال����والدة وال��ح��ب مع اآلخرين ،ال تستقل بما لديك، هي بعض من فلسفته.
دون ت����ردد ك��ان��ت إج��اب��ة م���س���ت���ش���ار ال���ش���رك���ات الستراتيجيات التوزيع الذي ك��ان قد مضى على وج��وده ف���ي ف��رن��س��ا 10س��ن��وات حاضرة« :أنا أعلمهم» ،وحدد «نادر» مساء يوم الجمعة من كل أسبوع لتعليم الالجئين السوريين اللغة الفرنسية، وذلك بما يتناسب مع أوقات عمله ،لتبدأ مسيرته في التعليم في تموز عام ،2012 بالتعاون مع جمعية «سورية حرية» في باريس. وفي خريف عام ،2013تم إغالق المركز الذي كان يتم إع��ط��اء ال���دروس فيه ،لكن «ن��ادر» لم يتوقف ،بل تابع تعليم الالجئين مع تجمع «اللبنانيين العلمانيين في فرنسا» ،وال��ذي وفر الغطاء القانوني للمركز ال��ذي يتم إع��ط��اء ال���دروس فيه حتى اليوم.
حصة واحدة ال تكفي ك��ان خ��ي��اره منذ ال��ب��داي��ة هو التركيز على جانب قواعد اللغة الفرنسية ،وذل��ك كي يتمكن طالبه تدريجياً من بناء جملة بسيطة ،مركبة ،ومن ثم بناء نص ،باإلضافة إلى تمكينهم من ال��ق��راءة بلفظ سليم ،أما الخيار الثاني فهو شرح هذه ال���دروس باللغة العربية ،أو باألصح بلهجته اللبنانية التي يفهمها ويتلقاها كافة أبناء المشرق العربي ،وذل��ك كي يسهل ع��ل��ى ال��م��ب��ت��دأ تلقي المعلومات وتقبلها وفهمها. وانطلق ف��ي تدريسه اللغة الفرنسية لالجئين بما يتناسب مع طريقة تفكيره كمهندس، فكان ترتيب دروسه ومالحظته بطريقة متسلسلة ومنطقية، فض ً ال عن تبسيطها إلى أقصى ح���دّ م��م��ك��ن ،إال أن طريقة تفكيره ذاتها أوحت إليه بضرورة المتابعة المستمرة للدروس والتدريب العملي عليها ،فكانت فكرة البرنامج التدريبي.
8
يقول «غسان ن��ادر»« :عندما بدأت بتدريس اللغة الفرنسية ل�لاج��ئ��ي��ن أدرك����ت أن حصة واحدة في األسبوع غير كافية لتعليمهم ال��ل��غ��ة بالشكل المطلوب ،فقمت بتصميم البرنامج ألول مرة ،وكان يحمَّل على الكمبيوترات ،ويستغرق تحميل البرنامج لكل تلميذ جديد حوالي 40دقيقة ،وبعد خمسة أشهر وصل عدد الطالب إل��ى حوالي 40طالباً ،حينها ق��ررت أن أضع البرنامج على االنترنت ،وتواصلت مع إحدى المجموعات السورية في مصر، وك��ان لديها خبرة بالبرمجة، فصممنا البرنامج وانطلق في صيف عام .»2013 ويضيف «نادر»« :أما البرنامج الحالي فقد تم العمل عليه ألول م��رة في تشرين الثاني ،2013وكانت الفائدة األكبر مقارنة مع البرنامج القديم، هو قدرة الطالب على التدريب على البرنامج من كافة األجهزة المحمولة ،وبالتالي إمكانية
التدرب من أي مكان وفي أي وقت ،واستغالل أوقات االنتظار الضائعة في الدوائر والحافالت وغيرها». وفي محاوالته لتطوير طريقة تعليمة ونتيجة لمجموعة من عمليات البحث واالستقصاء ومقاطعة بين محتويات المراجع استخرج ما يقارب 1500كلمة مستخدمة في اللغة الفرنسية، ون��ح��و 250جملة ،و1600 سؤال حول قواعد اللغة. أما عن سبب تسمية المجموعة في موقع التواصل االجتماعي ف��ي��س ب���وك ب��اس��م «تعليم اللغة الفرنسية للناطقين بالعربية المشرقية» فيؤكد نادر« :االقتصار على الناطقين باللغة المشرقية ليس إقصاء أو تمييز لألهل في المغرب ،إنما هناك تغيير ج��ذري في اللغة ما بين المشرقية والمغاربية، وعلى الرغم من ذلك فقد بدأ ع��دد ال ب��أس فيه م��ن أهالي المغرب العربي باالنضمام
محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد 1 | 178حزيران 2018
إلى المجموعة وتلقي الدروس فيها». ال يتوانى «ن��ادر» عن بذل أي جهد ،أو اإلجابة عن أي سؤال، كما ال ينفك عن التفكير في متطلبات ومشاكل اللغة لدى الطالب ونقاط الضعف فيها،
وكثيراً ما يطرح استبيانات للعمل ع��ل��ى ح��ل مشكالت الطالب مع اللغة. بث الدروس التي يلقيها ضمن قاعة المركز بشكل مباشر على فيس بوك ،هدفها إتاحة الفرصة ألكبر عدد من الطالب
وأي��ن��م��ا ك��ان��وا م��ن التعلم، وال��ت��درب على البرنامج ،ما يجعل نادر دائم الحرص على جودة البث وأسئلة واستفسارات الطلبة وإجابتهم عبر التعليقات على البث ،فيشعرون بأولويتهم لدى مع ّلمهم ،وهو ما يحاول نادر إيصاله فع ً ال.
تحديات العمل التطوعي ال��م��ت��اب��ع��ون ل��م��ع��ل��م اللغة الفرنسية يدركون تماماً أن عمله هذا يتطلب منه الكثير من الجهد وال��وق��ت ،إذ يقوم ن��ادر بتحضير ال���دروس قبل إعطائها ،لمحاولة إيجاد أبسط طريقة لشرح المعلومة بشكل مختصر وواف��ي ،لتثبيتها في ذه��ن الطالب ،وتمكينه من فهمها وحفظها ،كما يعمل على تطوير البرنامج وإدخال تحسينات ع��ل��ي��ه ،وإض��اف��ة مجموعات جديدة من األسئلة لكل طالب ف��ور انتهائه من المجموعة السابقة ،فض ً ال عن طباعة ص��ور توضيحية لكل درس ،ووضع تمارين وتدريبات لحلها خالل الدرس ،إلى جانب التنسيق مع بقية المعلمين في المركز ،ليكون صلة الوصل بينهم وبين الطالب. ويقضي ن���ادر نحو ساعتين ليصل إلى المركز ،وساعتين في إعطاء ال��درس ،ثم يعمل على تنظيف وترتيب القاعات بعد م��غ��ادرة ال��ط�لاب ،أي ما
مجموعه 5ساعات في الدرس الواحد ،ويعطي ن��ادر درسين أس��ب��وع��ي��اً ،م��س��اء ك��ل ثالثاء وجمعة ،أما اإلجابة على أسئلة ومراسالت الطالب فليس لها وقت محدد. وأكثر ما يدهش طالبه ،ويزيد م��ن تقديرهم ل��ه ولجهوده هو قدرته على التنسيق بين وظيفته ال��ت��ي تتطلب منه وقتاً وجهداً وسفر وبين عمله ال��ت��ط��وع��ي ،وال سيما أنهم يراقبون جيداً م��دى تجاوبه، والوقت الذي يقضيه من أجلهم. وع��ن ذل��ك يقول غسان ن��ادر: «أعمل كمستشار أعمال في استراتيجيات التوزيع للشركات، لتحسين وتصميم استراتيجيات التوزيع ل��دى ه��ذه الشركات، والتي تنتشر في كل من أوروبا وأف��ري��ق��ي��ا وال��ش��رق األوس��ط وآسيا الوسطى ،ما يضطرني للسفر في كثير من األحيان إلى بلدان مختلفة ،ولكن بالمقابل الناحية اإليجابية هي إمكانية عملي ف��ي ال��م��ن��زل ،وه��و ما
يمنحني الحرية في إدارة وقتي وعملي ،ويساعدني إل��ى حدّ كبير في التفرغ ألكثر من 20 ساعة أسبوعياً لتعليم اللغة لالجئين». وال ينسى ن��ادر زم�لاءه الذين ش��ارك��وه العمل على تعليم الالجئين ،وال سيما اآلنسة «س��ارة خازيندار» التي تعمل بكل حب وال تتوانى عن بذل أي جهد دون كلل أو ملل منذ أربعة أعوام ونصف. وع��ن أك��ب��ر الصعوبات التي واجهته خالل عمله في التعليم قال« :أقع في حيرة كبيرة بين االستمرار في ال��درس والعجز أو التوقف ،فكيف لي أن أقنع أباً مث ً ال ينتظر خبراً عن ابنه المعتقل أو ما شابه أن هذه القاعدة أو ه��ذا ال��درس أهم مما يعانيه ،وكيف لي أال أقدر معاناته ،هناك الكثير ممن يعيشون بأجسادهم في فرنسا سنيناً فيما قلوبهم وأرواحهم في مكان آخر».
فلسفته في التطوع يعمل غسان ن��ادر منذ ست سنوات في تعليم الالجئين للغة الجديدة التي فرضتها عليهم ظروفهم ،والتي كان الكثير منهم يجهل أحرفها باستثناء شكلها ،منطلقاً من مفهومه عن العطاء ،فيعتبر أن��ه ال يعطي ،وإنما يتشارك م��ع ط�لاب��ه المحبة وال��م��ودة واالحترام ،ويكتفي بما حصل عليه منهم ،ويتمنى أن تكون رسالته قد وصلتهم ،وأن يكون قد ساهم في إع��ادة النبض والبريق لحياتهم.
يقول« :لم أشعر يوماً بأنني أعطي ،فأنا أخ��ذ ب��ذات القدر ال����ذي أع��ط��ي ف��ي��ه ،أش���ارك وق��ت��ي وأخ�����وض ت��ج��رب��ت��ي، وأشعر بسعادة غامرة عندما أج��د طريقة أفضل للتعليم، وعندما نخلق معاً بيئة مناسبة لالستمرار ،وهو ما يخلق لديّ اكتفا ًء ذاتياً يساعدني على المتابعة». أكثر ما يردده ويثق به هو محبة طالبه له ،ويُجمع طالبه على أن ثقته في مكانها ،فمنهم
م��ن ج��ذب��ه أس��ل��وب��ه وطريقة تعليمه ومحبته ،ومنهم من قطع مدناً ومسافات ليحضر دروسه ،وآخرين لم تساعدهم الظروف على الحضور فاكتفوا بمتابعة دروسه عبر االنترنت، مع محاوالتهم عدم تفويت أي درس منها ،ولم يمنع العمر أياً منهم من متابعته. تقول «قمر شقرة» « :كنت أكره اللغة الفرنسية جداً ،لكن األستاذ غسان جعلني أحبّها بأسلوبه ،ودع��م��ه وتشجيعه
مجتمع
من هو وما رسالته؟ ل��ي على ال����دوام ،وزرع في نفسي الحافز للتعلم وتطوير ذاتي ،وعزز ثقتي َ يتوان عن بنفسي ،ولم مساعدتي في أي وقت من األوق���ات ،إن��ه إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى». بينما ي��رى «شيخو» أن العالقة بين نادر وطالبه تتعدى ع�لاق��ة المعلم بالطالب ،وأن الكلمات ال تفي لوصف نبل غسان وعطائه الالمحدود على ح��س��اب وق��ت��ه وراح��ت��ه وعمله ،فكثيراً ما كان يتجه م��ن ال��م��ط��ار إل��ى المركز إلع��ط��اء ال��درس قبل أن يذهب لمنزله. ويعتبر ال��زوج��ان شيخو
وشقرة أنهما محظوظان، وأن معرفتهما بمعلمهما وتلقيهما دروس اللغة ال��ف��رن��س��ي��ة ع��ن��ده ،هو أفضل ما حصال عليه في فرنسا. «دان����ا رم��ض��ان» إح��دى ال��ط��ال��ب��ات ال��م��ت��اب��ع��ات لدروس نادر عبر االنترنت، تقول« :االحترام والعطاء بصدق وبأسلوب بسيط وواض�����ح ،واالس��ت��ع��داد ال���دائ���م ل��ل��م��س��اع��دة، واالس��ت��ج��اب��ة لطلباتنا ومتطلباتنا في مواضيع ال������دروس وت��ح��دي��ث��ات البرنامج الرائع ،كان له دور كبير في وصولنا إلى هذه المستويات». ف��ي حين تصفه «سحر
األحمد» بالمعلم الحقيقي ال����ذي ي��ت��ف��ق م���ع ق��ول الشاعر «أحمد شوقي»: «ك��اد المعلم أن يكون رس���وال» ،وذل��ك بإجماع كافة زمالئها. تقول «األحمد»« :قدرته على إيصال المعلومة، وابتسامته التي ال تفارق وج��ه��ه ،تحمل لنا الحب واألمل ،وتخلق فينا طاقة إيجابية ،تجعله يستحق أن يحمل لقب معلم»، م��ض��ي��ف��ة« :ه���و إن��س��ان ودود ومحبوب من قبل الجميع ،والدليل إص��رار جميع الطالب على حضور دروسه وااللتزام بها برغم كل الظروف».
غ��س��ان ن���ادر م��ه��ن��دس كمبيوتر واتصاالت خريج الجامعة األمريكية، وُل��د في منطقة الكورة في لبنان ع��ام ،1977وع��اش فيها إل��ى أن بلغ الحادية والعشرين من عمره، شهد ف��ي طفولته 14ع��ام��اً من الحرب األهلية في لبنان ،فكان لها التأثير األكبر في تكوين شخصيته وأفكاره ،فكونت لديه ثقافة احترام اآلخ���ر وتقبله ،ون��ب��ذ العنصرية والطائفية ،واحترام القيم اإلنسانية، ولكنها في الوقت ذاته زرعت فيه ثقافة التشكيك في كل ما ال تثبت صحته باألدلة والبراهين على مبدأ الرياضيات. كما تأثر نادر إلى حد كبير بوالده الذي كرّس حياته كناشط اجتماعي وسياسي للرقي باإلنسان والمجتمع، ما دفعه لالقتداء ب��وال��ده ودخ��ول
المجال االجتماعي في مرحلة معينة من حياته ،كناشط مستقل وليس ضمن أطر المنظمات والعمل المدني الرسمي ضد التمييز وف��ي مجال حقوق المرأة والعنف األسري. ال يستطيع غسان تجيير طاقاته ألمر واح��د ،وإنما يشتتها في عدة أمور في آن واحد ،وكثيراً ما يكون عاجزاً عن إتمامها بالكامل معاً نظراً لذلك ،لكنه يعتبر أن كثرة أسئلته وإلحاحه وفضوله ،كثيراً ما توصله إلى األجوبة الصحيحة ،فتحمل له السعادة والسحر والدهشة كاألطفال تماماً ،ويكون قادراً على االستمتاع بكافة التفاصيل في حياته حتى الصغيرة منها كوردة صغيرة أو ورقة خضراء. كما أن ثقافة تقبل اآلخ���ر التي
تمسك بها ،انعكست بشكل كبير على حياته الشخصية ،فبات قادراً على تقبل شخصيته بكافة جوانبها، وتقبل الحياة كما هي في أي وقت، وتجييرها على النحو الذي يريده، وبرأيه أن اإلنسان قادر على رؤية جمال الحياة متى شاء ،كما هو قادر على رؤية قبحها متى شاء ،وهو األمر الذي يحاول تجنبه إلى حدّ ما ،ما يجعله دائم االبتسامة والمرح. في التغريبة السورية وزمن الفوضى واالح��ت��راب وال��ل��ج��وء ،نحتاج نحن السوريون إلى االستفادة بما مر به اآلخ���رون من ت��ج��ارب ،ولربما كان العمل التطوعي ال��م��رادف لعملنا األس��اس��ي حبل النجاة والخالص لنا كشعب وأف��راد ،لنستلم الشعلة ونمررها لغيرنا ،لنعيد لأَْ مَ مجتمعنا وسوريتنا.
من الدحاحل إلى المفرقعات ..ألعاب األطفال في رمضان انتهى العام الدراسي ،وانتهى الج ّد والجهد ،وبدأ دور اللعب واللهو بالنسبة ألطفال إدلب ،ليعيشوا أجواءهم الخاصة ،ويمارسوا ألعابهم الشعبية المعتادة في ساحات وأزقة مدنهم وبلداتهم. ومع تقدم الزمن وتغير الظروف ،تتغير ألعاب األطفال وتتنوع سلباً وإيجاباً ،فتدخل ألعاب جديدة إلى غرف األطفال وساحات لعبهم واجتماعاتهم ،ولكن دون أن تزيح كلياً ألعابهم القديمة ،وفي الوقت ذاته هناك ألعاب تنتشر بين األطفال في أوقات محددة من العام دون غيرها. ففي شهر رمضان الحالي ،وككل عام ،ال بد لأللعاب النارية أن تكون من ضمن ألعاب األطفال ،ولكن إلى جانب ألعابهم التي اعتادوها ،فما هي هذه األلعاب وما هو تأثيرها؟ محمد المحمود منذ نعومة أظفارنا ونحن نهوى تلك األلعاب ،فلم تكن تخلو باحة مدرسة أو شارع من أطفال يلعبون «الطميمة» ،وتعلو أصوات ضحكهم الممزوجة باإلنهاك فوق كل األصوات في المحيط ،تعج المساحات الترابية في الحدائق بأطفال تركوا األراجيح مفضلين لعب «الدحاحل» ،وفي األرياف تكثر لعبة «القاموع» ،وفي األزقة يلعبون «الدوش» ،أما «البلبل» فهو حاضر إلى جانب «الدحل» في جيوبهم دائماً. هذه األلعاب وغيرها من ألعاب تتسم الشعبية، األطفال ببساطتها وعدم تكلفها ،وعدم
حصرها في مكان أو زمان، واألهم هو لعبها بشكل جماعي، إذ ال يمكن أن يلعبها طفل واحد بمفرده ،فض ً ال عن األمان إلى حدّ ما على سالمتهم الجسدية ،على العكس من الكثير من األلعاب الحديثة. يرى الطبيب «عبد الحكيم رمضان» أن من الضروري والمهم حركة الطفل الجسدية وال سيما في المساحات الواسعة مع أقرانهم كما هو الحال في هذه األلعاب الجماعية القديمة ،وذلك لضرورة اكتمال بنيتهم الجسدية واكتساب المهارات الالزمة لهم.
األلعاب النارية واألسلحة على الرغم من قدمها وعدم حداثتها بما ال يكفي لتصنيفها ضمن أي من النوعين السابقين ،إال أن انتشارها يكون غالباً في شهر رمضان وفترات األعياد ،ولعبت الظروف والواقع الذي يعيشه األطفال منذ أكثر من سبع سنوات دوراً في زيادة إقبال األطفال عليها ،وال سيما ألعاب األسلحة كالبنادق والمسدسات ،والتي تعكس ما في داخل الطفل، وما تركته الحرب من عنف
ومن أفكار خاطئة لديه ،فترى االطفال منتشرين بين األحياء واألزقة ،متأهبين للقتال فيما بينهم ،كما تحمل الكثير من األضرار الجسدية خاصة تلك التي تحوي «الخرز» بد ً ال من الرصاصات البالستيكية، أو التي تقتصر على إطالق األصوات فقط ،فض ً ال عن األضرار النفسية والمفاهيم الخاطئة التي تزرعها في نفوس األطفال. «نور الدين محمود» أحد أطفال
األلعاب الحديثة
تماهي األطفال مع الواقع األمني في ألعابهم -زيتون
يفرض الواقع نفسه حتى في ألعاب األطفال ،فتطرأ الكثير من التحديثات بشكل مستمر على ألعابهم ،ولكن السمة الغالبة على معظمها هي الفردية ،على العكس من األلعاب التقليدية التي كانت تجمع األطفال دون أن تميز بين أعمارهم. وأكثر األلعاب انتشاراً في اآلونة األخيرة هي األلعاب اإللكترونية ،سواء تلك التي تعتمد على توفر االنترنت أو
على توفر األجهزة التي يمكن للطفل أن يستخدمها في ألعابه.
“فاطمة عتيق” عاملة في مجال
الدعم النفسي في منظمة شفق اإلنسانية قالت لزيتون: «نوعية األلعاب اإللكترونية وطريقة استخدامها تلعب دوراً كبيراً في طريقة تأثيرها على األطفال سلباً أو إيجاباً ،فإن تم اختيار األلعاب المناسبة ،وتمت ممارستها بالشكل الصحيح، من الممكن أن تنمي مهارات الطفل اإلدراكية ،وتمنحه القدرة على اتخاذ القرارات، باإلضافة لمنحه المفردات والتعابير بلغته األصلية أو
ً مضيفة: بلغات أخرى»، «ولكن بالمقابل األلعاب اإللكترونية تقتل الذكاء الطفل، عند االجتماعي وتحرض على العنف ،وتنمي النزعة العدوانية لديه ،وتزرع فيه حب الذات واألنانية، وتتسبّب بنزيف في الدماغ لشدة التركيز ،باإلضافة الستهالك خاليا من الدماغ قبل أوانها ،فض ً ال عما من الممكن أن تسببه للطفل من ضعف في تحصيله العلمي».
مدينة إدلب تحدث لزيتون عن متعته باللعب بهذه األلعاب وعن نظرته لها قائ ً ال« :البنادق والمسدسات أفضل األلعاب بالنسبة إليّ ،وذلك ألنني أستطيع أن ألعب بها وحدي، وألنني أشعر باألمان والقوة عندما تكون بحوزتي ،وأتشوق لقتال أصدقائي بها ،وأكون على ثقة بأن أحداً لن يستطيع هزيمتي». ويرى المعلم في إحدى مدارس إدلب «أيمن الحكيم» أن للحرب أثر كبير على نفسية األطفال وميولهم لمثل هذه األلعاب
التي تحرض على العنف وتنمي العدائية لدى األطفال ،مؤكداً أن األلعاب الشعبية البسيطة هي األكثر إيجابية على نفسية األطفال ،إذ تنمي لديهم العمل الجماعي وروح الجماعة وحب اآلخرين. بينما يجد أطفال آخرون المتعة في أضواء األلعاب النارية وأصواتها ،وخالل شهر رمضان وفي األعياد والمناسبات يكثر بيعها في المحال التجارية، وتعلو أصوات انفجاراتها في األحياء ،وذلك على الرغم من األضرار الجسدية التي تتسبب
بها كل عام ،والتحذيرات والقرارات التي تطلق لمنع تداولها في األسواق. ويلقى “خالد األحمد” اللوم على أصحاب المحال التجارية، وبيعهم هذه األلعاب رغم معرفتهم مقدار الخطورة التي يمكن أن تسببها لألطفال، مطالباً الجهات األمنية بجدية معاقبة كل مخالف ومحاسبته. في حين تخشى الطفلة «لمار حميدان» من مدينة إدلب هذه األلعاب وتقول لزيتون« :ال أحب األلعاب النارية وأسلحة الخرز فهي تخيفني جداً ،وأصوات
يذكرني النارية األلعاب والقصف»، باالنفجارات ً مضيفة: «أحب لعبة الطميمية والدحاحل ألنها ألعاب جميلة ،ونلعب ونستمتع بها أنا وجميع رفيقاتي دون أن تؤذينا أو تخيفنا». من جانبه لم يعد الطفل «فادي أحمد» ذو العشرة أعوام لشراء األلعاب النارية ،أو االقتراب حتى من األطفال أثناء لعبهم بها، ويحاول دائماً نهيهم عن ذلك، بعد أن تسببت هذه األلعاب ببتر 3من أصابعه في أواخر رمضان الماضي.
وتحمل هذه األلعاب الكثير من الفوائد في حال استُغلت بالشكل الصحيح لها على الرغم من طبيعتها الفردية، والتي تحمل في الوقت ذاته الكثير من األضرار على صحة الطفل الجسدية والعقلية.
محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد 1 | 178حزيران 2018
9
حوار
الروائي فواز حداد لزيتون:
نعم نحن مدعوون لكتابة روايتنا بكل قسوته ،وبدون مواربة أو تقية ،ينقل الكاتب والروائي فواز حداد واقع السوريين ،في حرص منه لحفظ حقوقهم وتوثيق تلك اآلالم والمآسي التي مروا بها ،وبمواكبة الثورة السورية يقف حداد إلى جانب الضحية ليشير بوضوح عميق إلى بنية النظام وماهية تكوينه
وتفكيره ،وليصور برواياته التغيرات التي طرأت على المجتمع السوري بكل جوانبه وعلى كل شرائحه بجرأة الفتة اقتحم فيها الكثير من المحرمات التي قلما تناولها الكتاب السوريين. ويرى كاتب السوريون األعداء أن الجريمة واضحة في الزمان والمكان
ولذا فإن التمويه أو التورية هي خطأ كبير ،وإن كان البحث في أصول الجريمة سابقا مطلوبا فإن تجاهله األن بات هروباً من مواجهة واقع يجري التالعب به ،ويجب فضحه بواسطة الرواية وغيرها. عن الثورة والرواية ومستقبلها كان لزيتون الحوار التالي معه:
أجرى الحوار :رائد رزوق إلى أين يتطلع فواز حداد أنيصل ،ماذا يريد أن يقول في أخر المطاف ،وهل تكفي حياة واحدة لكي يقول ما يريد؟ أتطلع إلى أن أشهد عودة المهجرين والالجئين إلى بيوتهم ،وأن يعم شعبي األمان والسالم ،أعرف أنه لن يتحقق من دون األمل بأن تأخذ العدالة مجراها .بالنسبة إليّ ،البقاء على قيد الكتابة. ما الذي أريد قوله في آخر المطاف؟ لم أصل بعد إلى آخر المطاف ،وربما ليس لهذا المطاف من نهاية منظورة سوى االنتقال من مرحلة إلى مرحلة، أتمنى أال تكون القادمة أسوأ من سابقتها .حتى اآلن حققت الكارثة السورية تراجعات مؤلمة من دون تقدم نحو أفق مفتوح على متغيرات حقيقية، نحن في وضع المراوحة ،فالكبار في مرحلة المساومة. طبعا ،ال تكفي حياة واحدة لقول ما نريد ،وال تكفي أكثر من حياة لنتعلم ما يساعدنا على عيش واحدة منها ،ربما ألنها تمتلئ بالغث والثمين ،أحيانا يصعب التمييز بينهما ،فالسم يدس في الدسم .وما نتناوله مسموم ،وسائل اإلعالم تقود عمليات تضليلنا. أقسى ما وصلنا إليه ،أننا شعب يعيش مأساة أكبر منه ،فعلياً ال أحد ساعدنا ،واآلن حتى لو أراد أحد مساعدتنا ،فلن يستطيع. وحدنا نحن السوريين بوسعنا إنقاذ بلدنا ،لكنه األصعب، بالضغائن ممزق شعبنا واألحقاد. كم يحتاج الروائي الحريص علىأداء أمانته التاريخية إلى القسوة والتشريح وارتكاب الجرائم على الورق حتى يمكنه أن يصور الجريمة كما حدثت ،هل يكتفي بدور الشاهد والراوي أم يضطر إلى
10
أخذ دور المجرم؟ الروائي ليس مخيراً في انتقاء األدوار التي يكتب عنها .في الحقيقة ،يتعرف إلى شخصياته خالل الكتابة ،وربما إلى نفسه أيضاً .ويدرك أن ما كان يعرفه عنها ال أكثر من تصور غامض، ومالمح باهتة ،وقد تنقلب ضده ،ولن ينفعه الحذر منها. إذا كان الكاتب هو الراوي أو الشاهد ،فال مفر من أن يكون المجرم والضحية .ومثلما القسوة متوافرة في الحياة، ال يصح حجبها عن الرواية، فالرواية ليست الورق ،وال تدور فوقه فقط ،إنها الواقع ،أو ما يشبهه ،ومكثفاً .ليس حرصاً على األمانة التاريخية ،وانما دفاعاً عن اإلنسان والحرية والعدالة ،هذا بالدرجة األولى. إنها حقوق ال يجب أن يغفل عنها الكاتب. أليس من الممكن أن تكونرواياتك التي كتبت في زمن الثورة قد ظلمت نتيجة للشتات الذي يعيشه السوريين وتراجع القراءة ،أم أنها جاءت في زمنها الحقيقي متسقة مع الواقع الذي سيوصلها لقارئها؟ الشتات كان له تأثير ،لكن لنفترض أننا لم نكن في حالة شتات ،فالروايات المكتوبة عن الثورة ستمنع من الدخول إلى سورية ،مثلما كانت تمنع من قبل على مجرد التلميح إلى األوضاع المأساوية للناس ،وما يصيبهم من قمع .على كل حال وفّر االنترنت مواقع أسهمت بتنزيل نسخ الروايات الكترونيا بال مقابل ،مع ما فيها من ضرر مادي لدار النشر وللكاتب ،لكنها حققت انتشاراً واسعاً وجيدا للكاتب والكتاب ،وفي هذا مكسب كبير. أما من ناحية تراجع القراءة، فأظن أننا نشهد تقدماً، فالروايات المترجمة تشهد إقبا ً ال
ملموساً .كما أن الروايات غير المترجمة ارتفع منسوب اإلقبال عليها ،خاصة تلك التي يهم القراء االطالع عليها لمساسها بالواقع الذي يعيشونه ،أو لمجرد حصولها على جوائز.
ليس األمر القارئ الذكي أو القارئ العادي .أتصور أن للعمل األدبي طبقات ،بوسع القارئ التوقف عند سطحه ،أو الغوص فيه ،وكالهما يقدمان شيئا ما للقارئ ،وذلك حسب رغبته واهتمامه .وربما يقع على الكتاب مسؤولية جذب القارئ إلى عوالمه ،هناك كتب ال يمكن المضي فيها أكثر من صفحات معدودات ،أو نقرأها مضطرين ،لما دار حولها من أقاويل ،وهي دعايات تنشرها الصحافة الثقافية ،بسبب عالقات خاصة.
إن الربط بين التاريخ والجغرافيا ،خاصة في أحداث تهمنا ،لها ثقل تاريخي وذات تأثير ضروري جدا ،فأنا ال أكتب عن بلد خيالي ،وال أتوهم األحداث ،أكتب عن بلد بالذات وعن أحداث جرت فيه ،وضحايا ال يصح استعارة غيرهم ،ما دام هذا البلد موجود على الخارطة، والحدث متوضع في حياتنا التي سرعان ما قد يصبح مفص ً ال في التاريخ العام .فالتحايل عليه والترميز والتأويل خطأ كبير ،ال سيما أن تداعيات ما يجري ومفاعيله تجري على األرض تحت أبصارنا .الواقع جزء ال يتجزأ منه ،فلماذا نتبرع بالتمويه عليه .هذا الجانب يجب التركيز عليه ،وإذا كنا نزيح هذا االلتباس السطحي، فألن هناك ما هو أعمق نريد التوغل فيه ،ال سيما وأن هذه العقبة باتت شكلية ،ومعوقة في الكتابة .ففي سورية في نصف القرن الماضي ،كان هذا مطلوبا ،لكن اآلن بات هروباً من مواجهة واقع يجري التالعب به ،ويجب فضحه بواسطة الرواية وغيرها.
صحيح أن الروائي يكتب للقراء، لكنه ليس ملزماً بمراعاة أمزجتهم ،ومثلما قد يمتعهم، فربما يقلقهم ويؤرقهم.
من المالحظ ثنائية التاريخوالجغرافيا في نصوصك ،دمشق واالنقالبات ،الثورة ومجازر حماه وتدمر ،هل هو تالزم إلثبات قضية محقة؟ هل هو دليل تاريخية الجريمة في سوريا ،أم هو وثيقة لحفظ حقوق شعب تعرض وما يزال للظلم.
هل تعتمد في كتابتك علىالقارئ الذكي القادر على التقاط الدالالت وما خفي بين الكلمات، إلى أي حد يتحمل الكاتب مسؤولية دفع القارئ إلى االستنتاج؟
محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد 1 | 178حزيران 2018
في تناولك للمحرمات الثالث،هل تهدف إلى استدعاء الحرية في الفكر لدى القارئ ،أم طرح الواقع كما هو دونما اكتراث لمحرمات المجتمع؟ في كتاباتي أنحو إلى طرح الواقع ،من دون التفات للممنوعات ،محرمات المجتمع كثيرة ،ومن الطبيعي االصطدام بها .وفي أسلوب طرحها ما يدفع القارئ الى التفكير فيها ومناقشتها. هناك جوانب تغيب عنا ،وما تتيحه الرواية ال يستهان به في التركيز عليها واالطالع عليها، بزجها في مشهديات متحركة، قد تكون متكاملة ،باستعراض أكثر من جانب لها ،ما يساعد القارئ ربما على إعادة النظر فيها .الروائي ليس مصلحا اجتماعيا ،ال سيما وهو يدرك أن ما هو ممنوع اليوم مسموح به في الغد ،والعكس صحيح، لذلك في الذهاب إلى الجوهر ما يوفر لعب دور الناصح الذي قد ينقلب إلى ضده. -صدرت حديثا روايتك «الشاعر
وجامع الهوامش» ما الذي ينتظر قراءك فيها؟ الرواية متشعبة ومكثفة في آن ،تدور أحداثها خالل وقائع سنوات الثورة والحرب .كتبت فيها عن المثقف المضطر إلى التعامل مع النظام ،والمثقف الذي يتعامل مع النظام ويحاول العمل لحسابه ،كما تطرقت إلى الدين والتطرف والطائفية ،عن مظاهر إجرام النظام في فلسفة التعفيش ،عن عقلية التي تدار فيها الدولة وغيرها ،موضوعات متصلة ببعضها ،الواحد يقود إلى اآلخر ،الثورة أثارت إشكاالت عديدة وكثيرة يصعب حصرها، أهمها االنكشاف الكامل لدولة شمولية ،أيديولوجيتها القمع، ودفاعاتها مجرد ادعاءات. كيف يرى الروائي السوري فوازحداد مستقبل األدب بشكل عام، ومستقبل الرواية بشكل خاص في سوريا؟ أعتقد أن مستقبل األدب في العالم ،وأقصد المستقبل القريب ،يوحي بالقليل من االنجازات ،المشهد الروائي ال يقدم جديدا ،أما في منطقتنا فأعتقد أنه مزدهر من ناحية الكم ،هذا الطوفان من الروايات سيخلف شيئا ما ،قد يكون جيداً .فالربيع العربي وأنا مصر على هذه التسمية، سينعكس على األدب رغم خذالن الواقع ،كان أشبه بحركة تنوير واسعة النطاق ،يكفي أنه خرب التركيبة القديمة، ولو أنها لم تنهار .كشف االتجاهات األصولية ،تطرفها وانحرافاتها القاتلة ،وانسداد آفاقها المشين ،خواء االتجاهات اليسارية وارتداداتها إلى ما قبل اليسار ،وما طرأ عليها من التشبث باألنظمة الفاسدة. الرواية في سورية ،ستشهد صراعا بدأ مؤخراً ،بين مثقفي النظام الذين يكتبون روايات
تصور ما حدث في سورية على أنه مؤامرة كونية ،أو أنه حرب النظام على اإلرهاب فقط، روائيو النظام اعتمدوا الخبث وتظاهروا أنهم إنسانيون فوق المخابرات والمعارضة واإلرهاب ،يحلقون في العالي، فوق الضحايا أيضاً ،وتاجروا ببقائهم في الداخل ،ومواجهة قذائف الهاون على خطوط التماس ،بينما كانوا يسرحون بين المقاهي ،والثرثرة حول مآدب األدب. نعم ،نحن مدعوون لكتابة روايتنا.
* فواز حداد :ولد في دمشق، حاز على إجازة في الحقوق من الجامعة السورية ،تنقل بين عدة أعمال تجارية ،كتب في القصة القصيرة والمسرح والرواية ،أصدر أول رواياته عام ،1991لديه عشر روايات ومجموعة قصص قصيرة، وتفرغ للكتابة بشكل كامل عام .1998 شارك كمحكم في مسابقة حنا مينة للرواية ،ومسابقة المزرعة للرواية في السويداء .كذلك في اإلعداد لموسوعة «رواية اسمها سورية». أعماله الروائية: موزاييك ـدمشق ،تياترو ،صورة الروائي ،الولد الجاهل ،الضغينة والهوى،مرسال الغرام ،مشهد عابر ،المترجم الخائن ،عزف منفرد على البيانو ،جنود اهلل، الشاعر ،السوريين األعداء، وجامع الهوامش ،باإلضافة إلى مجموعة قصص قصيرة تحت عنوان «الرسالة األخيرة». فاز بجائزة البوكر العالمية القائمة العربية للرواية القصيرة لعام .2009
منوع
قلب مفتوح في مشفى الجامعة بإنطاكيا كمصب للمأساة ،وتجمع للمصائب ،تمتلئ صاالت مشفى الجامعة في مدينة أنطاكيا الحدودية بعشرات الحاالت من اإلمراض واإلصابات للسوريين ،بتنوع وتفاوت يظهر المفارقة في المعادلة السورية ،أمراض القلب ،بتر األطراف، إصابات شظايا ،حاالت غريبة من األمراض يرجح أن الخوف يقف خلفها ،تزدحم في مبنى ضخم نهارا ،فيما تتحول مقاعد انتظاره إلى أسرة للمرافقين ليالً. أحمد فرج
ال تبحث عن المأساة السورية في المعارك ،أو خلف حوادث القصف ،أو في الخيام ،في المشافي الحدودية سترها كاملة دون نقصان حيث تتجمع اآلالم في بوتقة طبية وكأنها أرض معركة انتهت قبل قليل. حين توجهت إلى إحدى مشافي إنطاكيا لمالقاة أخي الكبير، والذي خرج منذ أيام قليلة من سجون النظام بأربعة شرايين مسدودة بعد كل ما شهده من إذالل وتنكيل لم يتحمله قلبه، لم يكن ليخطر في مخيلتي وأنا أتوجه شطر الحدود السورية أن أجد كل هذا العرض من األحزان والقصص اإلنسانية التي تدمي القلب. أخي الذي تم تحويله من أحد المشافي الخاصة في الشمال السوري إلجراء عملية قلب مفتوح بعد نصحه باإلسراع قدر اإلمكان إلجرائها نظراً لحالة قلبه المتعب ،وهو ما قدره الطبيب في مشفى الجامعة في انطاكيا وسرَّع عمليته متجاوزاً الكثير من مرضى القلب المنتظرين إلجراء عملياتهم. أحد عشرة يوماً قضيتها بأروقة المشفى ،متنق ً ال بين المرضى السوريين ومرافقيهم، مستكشفاً للمرة األولى حجم المصاب وعمقه ،وتشعبه ومداه ،ووصوله إلى نهايات
مفجعة للمجتمع السوري واستمراره تحت وقع الكارثة. أقسام عدة تتضمنها مشفى الجامعة يبدو أبرزها قسم القلبية والعظمية واألعصاب والداخلية ،لكل قسم منها وعنايته عملياته غرف المشددة وطواقمه الخاصة، ما يجعله خلية نحل ال تهدأ إال يومي العطلة فيه ،ورغم عدم اقتصاره على المرضى السوريين إال أنهم يشكلون نسبة ال بأس بها من مراجعيه وطالبي العالج فيه ،وبالنظر إلى طوابير الزائرين في قسم االستعالمات الذي ينقسم ما بين المواطنين األتراك والسوريين ،فإن من المؤكد أن نسبة المستفيدين السوريين ال تقل عن %20من مجمل المستفيدين ككل وذلك لخدماته المتطورة والمجانية. معظم السوريين هم من أبناء المناطق الشمالية ال سيما إدلب والنازحين أو المهجرين إليها، إضافة إلى الريف الحلبي والرقة والمناطق الكردية وصوال إلى جرابلس ،فضال عن السوريين المقيمين في األراضي التركية القريبة من أنطاكيا ،تدلك على مناطقهم ما يرتدون من مالبس ومالمح وهيئات توحي لك بقدومهم بشكل طارئ وإسعافي مع مرضاهم دون أي استعداد إلقامة طويلة قد تمتد
لشهور طوال. «أحمد محمد سيدو» من قرية «قاسم» التابعة لمدينة «راجو» بقضاء عفرين ،رجل في الخمسين عمره ،له لحية بيضاء ووجه يوحي بالوقار والهيبة، داوم الجلوس في ردهة المشفى ،ولتميز شكله وطوله الفارع فقد الحظته فور وصولي إلى المشفى ،روى لي أنه ينتظر صحو قريبه من الغيبوبة التي غرق بها بعدما بترت له إحدى القذائف المفاجئة قدميه ،أثناء قطافهما لموسم الكرز في بساتينهما هناك. يردف أحمد باختالج واضح أنه لم يكن هناك فرصة للتزود باألوراق واألموال قبل إسعاف قريبه ،بل قام بما هو ضروري بأن حمله بالسيارة بأقصى سرعة وأسعفه ألقرب نقطة عبور إلى األراضي التركية، ليجلس بعدها دون أوراق ثبوتية أو مال يخرج منه خالل فترة إقامته التي بلغت عشرة أيام حينها. كرامته وحياؤه منعته من طلب المساعدة أو اقتراض بعض المال بل آثر عدم التدخين واألكل رغم انعدام األمل بقدوم أحد إليه من قريته لعدم تمكنه من التواصل معهم. نشأت حمو من قرية كمرج
التابعة لقضاء عفرين المرافق ألخيه صاحب مرض القلب والذي قامت المشفى بتخريجه دون أن يتمكن نشأت من الحصول على األوراق الالزمة من المشفى ليتمكن من الخروج من األراضي التركية وذلك بعدما أخبره الموظف بعدم وجود أوراق له ،ما أضطره لالنتظار أليام طويلة دون تأمين ثمن العالج ألخيه الذي بدا وكأنه شبح نتيجة لنحافته ووضعه الصحي المتدهور. يرجو نشأت أن يتم نشر صورته على وسائل التواصل االجتماعي عسى أن يلتقط أخيه الثالث المقيم في إسطنبول الخبر ويسرع لمساعدته ،في توفير المال الالزم لتأمين أدوية أخيهم. طارق كحيل رغم جسده الصغير إال أنه يبلغ من العمر 25عاما ،أحد مقاتلي حركة نور الدين الزنكي ،التي زجته في معركة غصن الزيتون ،تلقى شظية من انفجار قذيفة هاون أودت بعينه اليسرى ،ورغم معنوياته العالية ،إلى أنه يفكر في رفاقه الذين تركهم خلفه، من سيناوب على الرشاش ،23 متى سيعود إليهم ،وهو في حالة دائمة من االتصال بهم، وتسجيل مقاطع الصوت لهم واالستماع إلى ما يرسلونه.
يشعر طارق بالحياء حين يتحدث عن أن بعض رفاقه في المعركة كانوا من األطفال الذين ال يتجاوزون 14من عمرهم ،لكنه يؤكد على أنه حريص عليهم كل الحرص وهو ال يوافق على تواجدهم إال أن أهاليهم وقيادته تصر على مشاركتهم في المعارك. يجلس إلى جانبه أبو خبت سوري كردي مقيم في إحدى البلدات القريبة من أنطاكيا ،ال يخفي أبو خبت امتعاضه مما أقدم عليه الجيش الحر ويرى أن السوريين قد تحولوا لمرتزقة إلجندات الدول األخرى لكن ال يستطيع الفكاك من انسانيته اتجاه طارق الذي بدوره يغرق بمشاعر مخجلة ال سيما حين يقر بأخطاء تم ارتكابها. أم غياث من قرية الكستن من قضاء جسر الشغور ،امرأة تجاوزت األربعين ترجو المارة بمساعدتها لطلب بعض األسماء في هاتفها المحمول بطريقة معرفتها لعدم االتصال فيه أو حتى الرد على المكالمات التي تردها ،أم غياث لم تستعمل الهاتف مسبقا بل استعانت به حين أدخلت طفلتها ذات 13عاما بعد مرض مفاجئ تعرضت له يملئ جسدها بانتفاخات المياه تحت جلدها، حتى انتفخ جسدها لدرجة خطرة ،دون أن يتعرف على
أسبابه أحد من األطباء ،لكنها تؤكد أن طفلتها كانت تشعر بالخوف الشديد مع كل عملية قصف تنفذها الطائرات. أبو محمد من مهجري حمص رجل تجاوز الستين ذو هيئة قروية أليفة ،يبات لياليه على كراسي االنتظار في صاالت المشفى ،جلب زوجته التي أصيبت بنزيف داخلي في دماغها دون سبب في أحد الصباحات ،زوجته التي دخلت في غيبوبة طويلة تركته يقضي أياما طويلة دون أن يعرف نهاية ذلك االنتظار ودون معلومات واضحة من األطباء الذين ال يتحدثون العربية ما يزيد من معاناته وصعوبة أيامه. ال يتردد أبو محمود من مدينة معرة النعمان في تعليله لكثرة مرضى القلب المفتوح من محافظة إدلب إلى أن «ابن الحرام» قد أزم قلوبهم ،في إشارة منه إلى رأس النظام السوري ،وهو ما تلمسه إن تبعت بشكل ملح كل مريض. يقول أحد المرضى لم نحن هنا؟ لم ال نتعالج في بلدنا؟ ليعم الصمت على الجميع وتنخفض الرؤوس للنوم مع هبوب رياح باردة من الجبال القريبة على ساحة المشفى.
محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد 1 | 178حزيران 2018
11
عودة «الحبق» لمنازل إدلب.. ُتعيد الحياة والذكريات أسامة الشامي كما للياسمين حضور جميل في منازل دمشق ،نجم عنه ارتباط وثيق باسميهما فصارت دمشق تعرف بالياسمين ،والياسمين ب��ال��دم��ش��ق��ي ،ف���إن للحبق أو «الريحان» قصة أخرى مع إدلب، وارتباط وتمازج روحاني تشتهر به المدينة لدى أهلها ،قاطنيها، وزوارها. الكثير م��ن ال��س��وري��ي��ن ربما يجهلون قصة إدلب مع الحبق، إال أول��ئ��ك ال��ذي��ن تمشوا في شوارع بلداتها مساءات الصيف، وحينما كانت نساؤها يسقين وروده����ا ،فلقب «ال��خ��ض��راء» طغى لدى السوريين على كل ما له صلة بإدلب ،حتى برغم ال��س��ن��وات السبع م��ن ال��دم��ار والقتل والقصف وتبعات الحرب، وال��ت��ي ط��غ��ت خ�لال��ه��ا رائ��ح��ة ال��ب��ارود على رائ��ح��ة ال���ورود، ول���ون ال���دم على ل��ون ت��راب إدلب ،وطعم الدمار على طعم كرزها وقمحها ،ولوحات التنقّل واالغتراب على اخضرارها الذي يعرفه السوريون جميعاً. س��ب��ع��ة أع�����وام م���ن ال��ح��رب م��رت على المحافظة ،فارقت خاللها الورود شرفات منازلها، والحدائق الصغيرة حولها ،ولم يبقى للورود مكان في ترابها، لكنه بقي يعيش في نفوس وقلوب أهلها ،الذين اعتادوا رفقته في سهراتهم القروية الصيفية سابقا. وبدأت إحدى أكثر مظاهر إدلب الطبيعية أصالة تندثر شيئاً فشيئاً ،وتدخل حيّز الذكريات، لوال أن بعض سكانها األوفياء ع���اودوا م��ؤخ��راً خ�لال الفترة الماضية استرجاع واستدراك ما فاتهم من أرضها وجمالها. «سعيد بصيص» أح��د سكان ريف إدلب الجنوبي ،طوّق منزله ب��ال��ورود ،وم��دّ أم��ام��ه بساطاً أخضر م��ن الرياحين وأزه��ار شتى؛ التقته «زي��ت��ون» أثناء رعايته إياها ،يقول« :نحن شعب أردن��ا الحرية ،ول��م نكن يوما هواة دم ،على العكس تماماً، كنا دوما كشعب سوري وكأهالي إدلب نحب الحياة ،نعشق الجمال وال��روائ��ح العطرة ،والجلسات
12
التي تزينها طبيعتنا الخضراء، وال��دل��ي��ل أن��ه ل��م يكن هناك بيت ال ترى فيه الورد ،وللورود أهمية كبرى في حياتنا ،حيث كانت منازلنا بمجملها محاطة ب��أح��واض مخصصة ل��زراع��ة ال��ورد ...كانت ساحات منازلنا شأنها شأن غرف المنزل ،تنال وتستحق منا الرعاية الالزمة على الدوام». وي���ض���ي���ف «ال���ب���ص���ي���ص»: «التستغربوا إن رأيتمونا نزرع ال��ورود بين الجدران المدمرة، وبين مالمح الدمار هنا وهناك، فنحن شعب ن��رى في ال��ورود ً إط��ال��ة ح��ي��اة ،وف���ي رائ��ح��ت��ه��ا ألعمارنا». أما المعلمة «براءة العايد» من أهالي إدلب فلم تنقطع طيلة السنوات الماضية عن عشقها في زراعة الورود ،والذي تعتبره «ج���زءاً من ال��ذاك��رة» وتقول: «كنت أزرع القليل منه في السنوات الماضية ،ولم أستطع أن أتخلى ع��ن ه��ذا الطقس رغم كل ما قاسته المدينة من ً مضيفة: مآسي»، «هذا العام عدت لزراعة الورد كما في السابق ألنه جزء هام م��ن ح��ي��ات��ي وذك��ري��ات��ي في فصل الصيف ،فقمت بتجهيز األحواض الترابية للورود حول المنزل ،وجلبت أصنافاً عديدة منه ،كالحبق بأصنافه :المكبس والعريض واإلنكليزي ،باإلضافة إل���ى ال��س��ج��اد (ال��ك��ول��ي��س)، وال���ع���ط���رة ،وف���م ال��س��م��ك��ة، والزنبق». ال��ورود بالنسبة للعايد ليست ج��زءاً من الذاكرة فقط ،وإنما هي جزء من أنوثة المرأة ،ووجه لرتابة رب��ة المنزل ،وواجهة لرقيّها وحضاريّتها ،كما أنها بلسم لجراح السوريين فهي تضفي على حياتهم بمنظره ً لوحة الجميل ورائحتها العطرة حسيّة جميلة في وقت اشتاقت أنفسهم فيه لكل ما هو جميل، على حد تعبيرها.
مشاتل الورود
ال��ه��دوء النسبي ال��ذي شهدته م��ح��اف��ظ��ة إدل����ب ف��ي اآلون���ة األخيرة ساهم بعودة األهالي
ل��زراع��ة ال����ورود ،تبعه ع��ودة المشاتل ،والتي تعتبر المصدر األول ل��ل��ورود في المحافظة، ففيها تزرع بذور الورد بنوعيه الشجيري والنباتي داخل التربة، وتتم العناية بها حتى تكون جاهزة بانتظار من يتكفّل بها بعد ذلك. «محمد الراعي» صاحب مشتل ورد ف��ي مدينة «أري��ح��ا» قال لزيتون« :عدت إلى العمل في المشتل ،إذ كنت أرعى الورود فيه قبل الحرب؛ وكانت ظروف الحرب قد أبعدتني ،لكن الحياة التي عادت إلى ربوع إدلب في اآلونة األخيرة ،دفعتني للعودة للعمل فيه وزراع����ة ال���ورود كواجب عليّ ،إلضافة البسمة واألمل على وجوه األهالي الذين يرون في الورد حياة». وعن أنواع األزهار األكثر طلباً من قبل األهالي يقول الراعي: «الحظنا إقباال كبيراً على نباتات الزينة وال���ورود ه��ذا الصيف، بعد أن انخفضت وتيرة القصف وغارات الطيران على المنطقة، وأكثر األصناف رواجاً هي الورد الجوري ،والياسمين ،باإلضافة إلى زهر السجاد ،وفم السمكة، وزهر السلطان (غلوكسينا)». وتختلف أسعار ال��ورود بحسب نوعها دائمة أو حولية (تعيش في فصل الصيف فقط) ،باإلضافة إل��ى ن��وع اإلن��اء المزروعة فيه ح��دي��دي أو بالستيكي ،ومن الورود الدائمة الخضرة الجوري والياسمين ،ويبلغ سعر وردة ال��ج��وري 1000ليرة سورية، في حين تتراوح وردة الياسمين ما بين 1000و 1200ليرة سورية ،أما وردة العسلة والتي تزهر بشكل شهري فسعرها 1800ليرة س��وري��ة ،وتُ��زرع ه��ذه األن���واع ب��أوان��ي حديدية تُ��ع��رف ب��ـ «ال��ت��ن��ك» ،بينما تُ��زرع معظم األزه��ار الحولية ك��ال��ري��ح��ان (ال��ح��ب��ق) ،وزه��رة السجاد ،وفم السمكة ،والسرايا، وزمر السلطان وغيرها بأكياس بالستيكية وتتراوح أسعارها ما بين 200و 300ليرة سورية، بحسب الراعي.
الحبق أشبه بالهوية لدى أهالي إدلب تتنوع أشكال وأل��وان األزه��ار والنباتات العطرية الشهيرة والمرغوبة في إدلب ،لكن نبتة الحبق تظل بالنسبة لهم أشبه بالهويّة ،إذ ال يكاد يخلو منها منزل أو حديقة أو جلسة ،فهي عطرية البيت المحببة ،ولها وقع خاص في نفوسهم ،ومكان في طقوسهم الشعبية ،وحين تذكر سهرات الصيف الريفية البد وأن يتذكر األهالي الحبق، السيما وأنها كانت عبق لياليهم وسهراتهم منذ سنوات بعيدة. «فايز الدغيم» أحد أبناء بلدة «ج��رج��ن��از» يصف لزيتون ما يم ّثله نبات الحبق بالنسبة ألهالي إدل��ب بقوله« :الحبق تراث إلنا وشي متجذر بنفوسنا، من لما وعينا ع الحياة كنا نشوف «سطل الزريعة» اللي بيحوي الحبق ببيوت أهالينا وأجدادنا، حتى أنه كان يوضع دائما في منتصف جلساتنا العائلية ليكون ق��ري��ب م��ن الجميع ،أو على «البرندا» ،إضافة لريحته الطيبة وشكل أوراقه الجميل». بينما يعبر «عبد اهلل القاسم» عن معنى الحبق في وجدانه قائ ً ال لزيتون: «ال��ح��ب��ق ه��و ذك��ري��ات البيوت القديمة ،و أن��ام��ل األم��ه��ات في عصر النهار الدافئ في ربيع وصيف ك��ل س��ن��ة ،ه��و رائ��ح��ة البساطة والمحبة ،على ج���دران وشبابيك ال��غ��رف ال��ط��ي��ن��ي��ة ،وع��ل��ى حالية البئر ،وق��رب ساقية م��اء شطف المسطبة االسمنتية الجديدة ،هو ربيع يتفتق في كل أنواع العلب المعدنية الفارغة». ص��ي��ف ج��دي��د ي��ط��رق أب���واب محافظة إدل����ب ،يتميز عن سابقاته بعودة عبق األزه��ار وعطرها ألجواء إدلب ،لتنعشها وتعيد لها الحياة من جديد ،فها هو الجوري عادت تزرعه األنامل اإلدلبية ،وذاك هو الياسمين رجعت جدران وشبابيك المنازل تتزين به ،وأما الحبق فقد كان العائد األول لشرفات شعب لطالما أح��ب الحياة وجمالها، ولطالما كان له أشبه بالهوية.
محلية اجتماعية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الخامسة | العدد 1 | 178حزيران 2018
منزل في ريف إدلب وحضور الحبق فيه -زيتون
زيتون عضو الشبكة السورية لإلعالم المطبوع