مجلة طلعنا عالحرية / العدد 90

Page 1

‫حرية ‪ ،‬كرامة‪ ،‬مواطنة‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬ ‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫مجلة شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬


‫وظيفيت !‬ ‫‪2‬‬

‫نصار‬ ‫افتتاحية بقلم أسامة ّ‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬ ‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫مرة أخرى نتابع إصدارات املجلة بعد توقف‪.‬‬ ‫وخارجها‪ ،‬قبل تط ّور جائحة عاملية وبوجودها‪ .‬بيمني‬ ‫غابت (وغُيبت) طلعنا عالحرية منذ انطالقها قبل ‪ 9‬متطرف صاعد أو هابط أو متّكئ!‬ ‫سنوات أربع مرات‪ ،‬ودام أحد التوقفات سنتني كاملتني! سؤال الجدوى‬ ‫وصارت وظيفتي يف كل مرة هي تالوة اإلعالن‪ :‬أردنا أن نجيب عىل سؤال الجدوى من عودة املجلة‪،‬‬ ‫« ُعدنا‪ ،»!..‬واجرتاح األمل والتفاؤل بانطالقة جديدة و الجدوى من الكتابة واألدب والرسم والتفكري وطرح‬ ‫وزخم كبري‪ ..‬وأيضاً اإلجابة عىل أسئلة‪ :‬ملاذا توقفنا األسئلة‪ ..‬ثم رأينا أن نفتح السؤال‪ :‬فام الجدوى من‬ ‫وملاذا نعود وكيف ومن وهل‪ ..‬وباقي األسئلة الصعبة‪ ..‬االستمرار يف العمل‪ ..‬مهام كان العمل؟ ما الجدوى‬ ‫مرة أخرى نخوض املغامرة السيزيفية إلمتام املهمة من رصد االنتهاكات وهي ال تتوقف‪ ،‬بل وتخلق لها‬ ‫املستحيلة وإدارة العجلة‪ ..‬أقول إدارة العجلة حتى «بيئة صديقة لالنتهاك» حتى تح ّول العامل كله إىل‬ ‫ال أقول اخرتاعها!‬ ‫«آلة انتهاك»! ما الجدوى من تذكّر الشهداء وتعداد‬ ‫ولكن‪ ..‬فعالً‪ :‬ملاذا؟‬ ‫مناقبهم؟ ما الجدوى من الشعار دون تطبيقه؟ ما‬ ‫ما املختلف هذه املرة؟ هل ستكون هذه إعادة اإلقالع الجدوى من الكالم يف التغيري دون تغيري؟‬ ‫الدائم؟ وبعدها ستنتظم املجلة ويثبت صدورها وتصل «أين الطريق إىل أي يشء»!‬ ‫متابعيها يف امليعاد‪ ،‬لتكمل من ّوها وتطورها الطبيعي‪ ..‬ما الجدوى من أي يشء؟ خاصة وأننا مل نعد نرى األفق‪،‬‬ ‫ما الجدوى من عودة املجلّة واالستمرار يف إصدارها؟ بل إن قسامً معتربا ً منا أصبح مقتنعاً بأن كل ما حدث‬ ‫وما القيمة املضافة؟ وأثناء البحث عن التجديد‪ ،‬هل هو مقدمة لقادم أسوأ‪ ،‬وأنه حتى «الضوء يف آخر‬ ‫يفيد التكرار‪ ..‬تكرار كثري من الحقائق أو األفكار‪ :‬النفق هو قطار قادم» كام قال املفكر الساخر‪.‬‬ ‫من مثل أنه الزال آالف املعتقلني مغيبون يف سجون من املمكن أن نجيب ببساطة عىل سؤال الجدوى بأن‬ ‫النظام وأقبية التعذيب‪ ،‬وأن آلة االعتقال والتعذيب االستمرار رضورة طاملا أن هناك ظلم ومظلومون‪.‬‬ ‫الزالت فاعلة حتى اليوم‪ ،‬وأن هناك من غيبتهم داعش الحق يف الحياة‬ ‫والنرصة وأخواتهام‪.‬‬ ‫أصبح عمر طلعنا عالحرية تسع سنوات (مبا فيها شهور‬ ‫وأن املخيامت التي فُرضت عىل املهجرين والنازحني الغيبوبة) وإىل اآلن مازالت تناضل بأن تستمر يف‬ ‫معي‪ .‬تسع‬ ‫ال تصلح للمعيشة الكرمية‪ ،‬وأن مئات آالف األطفال الحياة رمبا أكرث من نضالها بطرح مضمون ّ‬ ‫السوريني يعانون من سوء التغذية‪ ،‬ومنهم آالف بال سنوات ومل يتحول مجرد وجود املجلة إىل بديهية‪ ،‬بل‬ ‫تعليم‪.‬‬ ‫أصبح موضع تشكّك وريبة‪ ،‬متاماً مثلام أصبح عنوانها‬ ‫وأن الخارطة‪ ،‬كل الخارطة‪ ،‬تحت حكم سلطات الواقع موضع ّ‬ ‫شك‪ :‬هل ستستمر طلعنا عالحرية؟ هل ح ّقاً‬ ‫مهام اختلفت أسامء القوى املسيطرة‪.‬‬ ‫طلعنا عالحرية؟!‬ ‫وأن السوريني يعانون يف كل مكان؛ داخل بلدهم هل يعيب مجلتنا أنها تشبهنا؟ وتشبه السوريني‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫افتتاحية‬

‫املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً‬ ‫وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير‬ ‫املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد‬

‫مجلة شهرية تعنى بالشأن السوري‬ ‫نائب رئيس التحرير‬ ‫ليىل الصفدي‬

‫محررون‬ ‫كامل شيخو ‪ -‬حسن عارفة‬

‫نصار‬ ‫رئيس التحرير أسامة ّ‬ ‫الغالف‬ ‫سمري خلييل‬

‫املأكولني املحروقني املق ّمرين يف تنور هذا العامل‬ ‫العجيب‪.‬‬ ‫أحالمها كبرية وظروفها غري مواتية‪ ،‬معيشتها صعبة‪،‬‬ ‫واستمرارها يف الحياة هو أقىص نضالها! تدخل اإلنعاش‬ ‫وتخرج لتتقد جمرتها من جديد‪ ،‬تتلقى الطعنات بينام‬ ‫تقارع الزيف والظلم والعنف والقهر واألسعار…‬ ‫تقيم الحداد وتتوق شوقاً لألحباب‪ ،‬تفرح وتحتفي‬ ‫بأشياء صغرية وبسيطة‪ ،‬تبحث عن الحقيقة وتتلمس‬ ‫الجامل والخري واملحبة‪..‬‬ ‫املفروض أننا تعلمنا أن ال نلوم الظروف‪ ،‬ونتوجه‬ ‫ألنفسنا بالنقد والتنقيح‪ .‬وهو يشء ندعي أننا ‪-‬بهذه‬ ‫العودة‪ -‬نفعله اآلن‪ ،‬وسنحمله معنا دامئاً بجانب العناد‬ ‫واإلرث املعنوي الذي متثله املجلة ألرستها الكبرية‪.‬‬ ‫هل سيبقى يف الناس من يذكر أن السوريني والسوريات‬ ‫قاموا بثورة من أجل الحرية والكرامة؟ وبعضهم قام‬ ‫مبجلة لنفس الغاية!‬

‫تفاعل معنا عرب صفحاتنا عىل اإلنرتنت‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬ ‫‪twitter.com/freedomraise‬‬ ‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل ‪ /‬هاين ع ّباس‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫طلعنا عاحلرية ولن نعود ً‬ ‫أبدا للسجن‬ ‫‪5‬‬ ‫أنور البني‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬ ‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫لتدمريها ووأدها‪ :‬مرة بعسكرتها‪ ،‬وأخرى بأسلمتها‪،‬‬ ‫وثالثة بشيطنتها‪ ،‬ورابعة بتفريقها بالرتغيب والرتهيب‬ ‫ودس أشخاص موبوؤون ضمنهم‪ ،‬وأخرياً وليس‬ ‫لقياداتها ّ‬ ‫آخراً‪ :‬مبنع أي دعم عن نشاط املجموعات الدميقراطية‬ ‫السلمية‪.‬‬ ‫كان الجميع يدرك أن انتقال سوريا لبلد دميقراطي مدين‬ ‫سيزعزع كل املنطقة‪ ،‬ويهدم سلسلة مجرمني متكالبني‬ ‫عىل السلطة يف كل دول الجوار البعيد والقريب‪ ،‬ويغري‬ ‫تاريخاً كام ًال من استخدام أنظمة خادمة ملصالح اآلخرين‪.‬‬ ‫وهذا سيكون إيذاناً بتغيري كل العامل‪ .‬فوقف الجميع‬ ‫ض ّد الثورة السورية السلمية الدميقراطية‪ ،‬وحاربها حتى‬ ‫بعض من ادعى نرصتها‪ .‬قوى إقليمية وقوى عظمى؛‬ ‫إيران‪ ،‬روسيا‪ ،‬تركيا‪ ،‬كل دول الخليج‪ ،‬أمريكا‪ ،‬حتى الصني‪،‬‬ ‫ولن ننىس حت ًام العنرص املؤثر “إرسائيل”‪ .‬أوروبا وقفت‬ ‫تتفرج وهي خائفة ومتوجسة من هذا التغري عىل‬ ‫مصالحها‪ ،‬وتتلقى آثار ما يحدث يف سوريا بعجز ظاهر‪.‬‬ ‫ويداوون عجزهم بإغاثة إنسانية مرشوطة‪ ،‬ومبرسح‬ ‫دمى اخرتعوه يف جنيف ليكون غطاء لعجزهم وخوفهم‬ ‫املطلق من نتائج انتصار الثورة الدميقراطية يف سوريا‪.‬‬ ‫هناك من يقول أو يفكر ويروج أن الثورة السورية قد‬ ‫انهزمت! ويجب أن نقبل بالعودة للسجن‪ ،‬أو نقبل‬ ‫بالفتات الذي يرمى لنا!‬ ‫هم يسقطون هذه الثورة عىل أنفسهم املهزومة أساساً‪.‬‬ ‫من يكون خائفاً من دفع الثمن للحرية عليه أن يبقى‬ ‫مكانه ويرىض مبوقعه وال يتقدم الصفوف‪.‬‬ ‫أستطيع القول بثقة إن هذه الثورة انترصت أساساً منذ‬ ‫آذار ‪ ،2011‬وهذا الثمن الباهظ واملسري الطويل هو‬ ‫للوصول لنتائج هذا االنتصار الساحق الذي حدث‪ ،‬هذا‬ ‫الشعب وهذه الثورة أسطورة ببقائها صامدة حتى اآلن‪.‬‬ ‫انتصارها العظيم والكبري هو صمودها كل هذه‬ ‫السنوات العرش‪ ،‬رغم أن كل العامل بقواه العظمى‬

‫العسكرية والسياسية واالقتصادية وأرشس نظام إجرامي‬ ‫عرب التاريخ حاربوها ومل تسقط ‪.‬‬ ‫مازال صوت هذا الشعب العظيم يرصخ مطالباً بالحرية‬ ‫والكرامة ورفض االستبداد والقمع ‪،‬رغم كل املعاناة‬ ‫والثمن الفادح‪ ،‬ويثبت وجوده يف كل سوريا وخارجها‬ ‫ومناطق النزوح ودول اللجوء‪.‬‬ ‫مل ولن تستطيع كل قوى العامل العسكرية والسياسية أن‬ ‫تسكت هذا الشعب العظيم أو تعيده للخنوع والسجن‬ ‫مرة أخرى‪ ،‬وما زالت مطالب هذا الشعب كام هي‪:‬‬ ‫الحرية والكرامة‪ ،‬ومل يتزحزح عنها أبداً‪.‬‬ ‫هذا الشعب الذي تاريخه سبعة آالف سنة‪ ،‬ع ّلم العامل‬ ‫أول أبجدياته‪ ،‬وكتب أول نوتة موسيقة‪ ،‬وعاصمته هي‬ ‫أقدم عاصمة مأهولة يف التاريخ‪ ،‬والتي واجهت سبعة‬ ‫زالزل مدمرة وما زالت شامخة‪ ،‬لن ميحوه أو يدفنه‬ ‫خمسون عاماً من حكم مسوخ مجرمني‪ .‬روما كانت أكرب‬ ‫من نريون‪ ،‬وبطرسبورغ أكرب من ستالني‪ .‬هذا الشعب‬ ‫وهذه “السوريا” ستعلم العامل كله درساً جديداً بالصمود‬ ‫والدفاع عن قيم الحرية والعدالة‪ ،‬ونحن ندفع مثن ذلك‬ ‫عن شعوب العامل كله‪ .‬أسطورة الثورة السورية غريت‬ ‫وستغري العامل‪ ،‬وشعب هذا البلد بكل تنوعه اإلثني‬ ‫والديني والطائفي الذي طلع للحرية‪ ،‬سيستمر للوصول‬ ‫لنهاية الطريق لبناء الدولة التي يستحقها كشعب‬ ‫حضاري يف دولة تحرتم حقوقه كاملة‪ .‬وسيسقط نظام‬ ‫االستبداد واإلجرام‪ ،‬وسنضع املجرمني وراء القضبان‬ ‫ليكونوا أمثولة للجميع‪ .‬سيعيد هذا الشعب وجه سوريا‬ ‫األصيل‪ ،‬ويغري العامل ليتالءم مع ذلك‪.‬‬ ‫سيذكر التاريخ هذه الثورة وآثارها ونتائجها كنقطة‬ ‫تحول عاملية كبرية‪ ،‬غريت اتجاهه لألفضل‪ ،‬ويحق لنا‬ ‫الفخر بذلك رغم كل أملنا ومعاناتنا وخسائرنا‪.‬‬ ‫طلعنا عالحرية وتذوقناها‪ ،‬ولن يحرمنا أحد من هذا‬ ‫الطعم أبداً‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫متر هذه األيام الذكرى العارشة عىل بدء الثورة السورية‬ ‫وإعالن السوريني إلرادتهم للخروج من السجن إىل‬ ‫الحرية‪.‬‬ ‫والسؤال األبرز الذي ميكن أن يطرح بعد عرش سنوات‪،‬‬ ‫هل كانت تلك اإلرادة والثورة تستحق كل هذا الثمن‬ ‫الباهظ الذي دفعه الشعب السوري؟‬ ‫الحرية قيمة ال ميكن تثمينها ومقارنتها بأي قيمة أخرى‪،‬‬ ‫وهي تساوي قيمة الحياة نفسها‪.‬‬ ‫حق االختيار هو األسمى؛ ورمبا ال قيمة للحياة نفسها‬ ‫بدون حرية االختيار‪ .‬هذه الحرية التي سلبها نظام األسد‬ ‫املجرم من السوريني لنصف قرن‪ ،‬وهم قرروا بآذار ‪2011‬‬ ‫استعادتها مهام كلف األمر‪ ،‬وهو يستحق حت ًام‪.‬‬ ‫كل الشعب السوري يعاين اآلن‪ ،‬ولكننا أكيد كلنا كنا‬ ‫نعاين أيضاً قبل الثورة‪ ،‬ولكن معاناتنا ذلك الوقت كانت‬ ‫صامتة عاجزة‪ ،‬واملعاناة الصامتة هي املوت القاتل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نعاين جميعاً خارج سلطة النظام املجرم حتام‪ ،‬يف‬ ‫مخيامت اللجوء‪ ،‬ويف مخيامت النزوح‪ ،‬ويف دول اللجوء‪..‬‬ ‫ولكننا قادرون عىل الكالم والرصاخ وإيصال صوتنا‬ ‫للجميع‪ ،‬وإدانة املجرمني الذين يجعلوننا نعاين‪ ،‬ونشعر‬ ‫بحق وحرية االختيار؛ نشعر بالحياة‪ .‬بينام السوريون‬ ‫الذين مازالوا تحت سيطرة اإلجرام واملجرمني يعانون‬ ‫أكيد‪ ،‬ولكنهم غري قادرين عىل الرصاخ والكالم‪ ،‬يعانون‬ ‫بصمت قاتل يأكل ليس أرواحهم فقط بل أجسادهم‬ ‫أيضاً‪.‬‬ ‫أكرث من نصف مليون ضحية‪ ،‬وأكرث من نصف السوريني‬ ‫بني نازح ومهجر والجئ‪ ،‬وتدمري كامل ألكرث من ‪15%‬‬ ‫من املنازل والبنية التحتية لسوريا‪ ،‬ومازال أكرث من ‪150‬‬ ‫ألف معتقل مغيب ومخفي باملعتقالت‪ ،‬جيل كامل‬ ‫يحتاج للتعلم‪ ،‬ولسقف يأويه ولعائلة تحتضنه‪.‬‬ ‫مثن هائل جداً للحرية والعيش بكرامة التي طالب بها‬ ‫الشعب السوري‪ ،‬ومتى كانت الحرية لها سعر أو رخيصة‬ ‫الثمن؟ ومتى كانت الكرامة تقدر بثمن؟ فهي إما تكون‬ ‫أوال تكون‪ ،‬وال يوجد بني بني‪ .‬كالحياة واملوت‪ ،‬كالوجود‬ ‫والعدم‪ .‬وقد اختار الشعب السوري العودة للوجود‬ ‫وتجديد تاريخه املرشف‪.‬‬ ‫راقب العامل كله معجزة الشعب السوري بإطالق ثورته‬ ‫التي مل يتوقعها أحد‪ ،‬حتى السوريون أنفسهم فوجئوا‬ ‫واكتشفوا أنفسهم بهذه الثورة العظيمة؛ هذه الثورة‬ ‫السلمية الدميقراطية التي تكالبت كل قوى العامل ودوله‬


‫جرح عمره سبع سنوات‬

‫‪4‬‬ ‫باسل حمادة‬

‫العدد‬

‫كلمة ألقاها باسل حامدة يف ندوة مبرور ‪7‬‬ ‫سنوات عىل اختطاف الزمالء‪ :‬وائل حامدة‬ ‫ورزان زيتونة وناظم الحامدي وسمرية الخليل‬

‫‪90‬‬ ‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫أشكر الجميع عىل حضورهم ليسمعوا منا عن جرح‬ ‫دام سبع سنوات!‬ ‫مع العلم أنه اليوجد بيت سوري ال يخلو من جرح؛‬ ‫فالبيوت السورية ال تخلو من قتيل أو جريح او معتقل‬ ‫أو مغيب أو مختطف‪ ،‬ومنها البيوت التي انتقلت أيضاً‬ ‫لتعيش يف الشتات‪.‬‬ ‫ال يوجد جرح يعلوا عىل جرح آخر‪ .‬مأساتنا تذوب أمام‬ ‫املأساة السورية‪.‬‬ ‫أتكلم هنا كوين أخ لشخص مورست عليه هذه‬ ‫الجرمية؛ جرمية االختطاف والتغييب‪ ،‬هو وزوجته‬ ‫رزان زيتونة وصديقته السيدة املناضلة سمرية الخليل‬ ‫وصديق عمره ناظم الحامدي‪.‬‬ ‫أخ حاول أن ميارس السياسية مبعارضة االستبداد‬ ‫بأشكاله قبل الثورة وبعدها؛ إن كان النظام األسدي أو‬ ‫سلطة األمر الواقع يف الغوطة الرشقية‪.‬‬ ‫اعتقلته املخابرات السورية واختطفته أيادي جيش‬ ‫زهران علوش‪.‬‬

‫كلمة‬

‫هذا هو املزاج السيايس ألخي وائل‪ ،‬الذي اجتمع‬ ‫عليه مع زوجته رزان‪ ،‬وهو ما اجتمعا عليه مع رفاق‬ ‫مثلهم‪ ،‬كانوا ميثلون لنا طوق النجاة حني كانت الحالة‬ ‫السورية ُتقاد إىل العسكرة والتطرف‪.‬‬ ‫كانوا حينها يحملون مرشوعاً يقيض بإعادة العمل‬ ‫السيايس إىل السوريني بعد احتكاره لعقود طويلة‪.‬‬ ‫إنها سنوات طويلة من العمل السيايس والحقوقي‬ ‫والعمل يف الشأن العام قبل الثورة وبعدها‪ ،‬من‬ ‫مالحقات أمنية وخوف دائم‪ ..‬كانت قد كونت لدى‬ ‫وائل وعي عن مدى فجاجة هذا النظام‪ ،‬وكل من‬ ‫استلم رقاب السوريني‪.‬‬

‫إال أنه مل يوقن أن جيش زهران سوف يرتقي هذا‬ ‫املرتقى يف مدينة ولد بها وك ّون صداقاته وأطلق معهم‬ ‫رشارة تلك الثورة‪.‬‬ ‫رغم سنوات طويلة من الدفاع عن حقوق اإلنسان‬ ‫والعمل املدين واإلنساين والسيايس‪ ،‬إال أنه أيقن‬ ‫أن االستبداد ليس حكراً عىل نظام األسد أو غريه‬ ‫من سلطات األمر الواقع‪ .‬وإن آثار االستبداد الذي‬ ‫كونته أجهزة النظام السوري وسلطة األمر الواقع يف‬ ‫سوريا والغوطة الرشقية‪ ،‬وخاصة يف ترسيخ الفساد‬ ‫والجهل وتغيب سلطة القانون واملحاسبة‪ ..‬كانت‬ ‫كفيلة بإن يحاولوا جاهدين لتوفري بيئة آمنة للعمل‬ ‫املدين والسيايس يف الغوطة الرشقية‪ ،‬وتوفري مقوماتها‬ ‫األساسية بإقامة مشاريع تلبي تلك الحاجات‪.‬‬ ‫لذلك فإن عملية اختطافهم كانت ضمن سلسة من‬ ‫الجرائم السياسية‪ ،‬ومل تكن فقط قضية إنسانية‪ .‬هم مل‬ ‫يكونوا أشخاصاً عملهم الوحيد هو تسجيل الواقع‪ ،‬إمنا‬ ‫كانوا فاعلني بثورتهم وواقعهم ووثوقهام‪.‬‬ ‫لذلك كان الهدف هو إلحاق أكرب قدر ممكن من‬ ‫الرضر باملنظامت التي ينشطون بها وإزاحة تلك‬ ‫الشخصيات عن الساحة يك ال يعكر صفو سياساتهم‬ ‫البغيضة أحد ‪.‬‬ ‫لذلك استطيع ان اقدر مدى الرضر الذي لحق بتلك‬ ‫املنظامت‪ ،‬واستمرت عمليات الضغط عليها حتى‬ ‫بعد تغييب النشطاء األربعة‪ ،‬مشاريع العمل املدين‬ ‫والثوري‪ ،‬ومنها توثيق االنتهاكات يف الغوطة الرشقية‪،‬‬ ‫ولوجودهم كهيكل ثوري ال يتبع أي جهة‪..‬‬ ‫كان هذا ما أقلق مضجع سمري كعكة وزهران علوش‬ ‫والكثريين‪ ،‬وعىل رأسهم النظام السوري الذي قدم له‬

‫الخاطفني هدية حلم بها عىل مدار سنوات‪.‬‬ ‫أصدقايئ‪..‬‬ ‫إنها أشهر قليلة يف املدينة حاول أخي م ّد الجسور مع‬ ‫أهايل مدينته التي شهدت والدته‪ ،‬لتنسيق الجهود‬ ‫الثورية يف جميع املناطق السورية إلسقاط النظام‬ ‫الحاكم‪ ،‬وبناء دولة مدنية دميقراطية حرة‪ ..‬ويحاول ما‬ ‫أمكنه إيصال املساعدات اإلنسانية والطبية والغذائية‬ ‫والتقنية إىل مناطق سوريا باملجمل‪ .‬لذلك عمدوا‬ ‫عىل تأسيس لجان التنسيق املحلية يف سوريا‪ ،‬بجانب‬ ‫العديد من املنظامت األخرى‪ .‬وعمدوا ملساعدة‬ ‫الصحفيني لتعزيز النشاط اإلعالمي الثوري عىل عموم‬ ‫البالد‪ ،‬ضد طغم أصبحت مس ّلطة عىل السوريني من‬ ‫جميع الفئات‪ ..‬ومحاوالً زراعة يشء جميل من خالل‬ ‫تلك املشاريع‪ ،‬ليحمي حقوق الضحايا وأرسهم‪،‬‬ ‫مبساعدة توثيق االنتهاكات مع أصدقائه‪ ،‬بأمل إجراء‬ ‫محاكامت عادلة‪ ،‬وإقامة دولة لكل السوريني‪.‬‬ ‫‪...‬‬ ‫أعزايئ‪ ..‬الجرح بالنسبة لنا عميق‪ ،‬وال يكاد أن ينفتح‬ ‫حتى تفيض األعني‪ .‬عزاؤنا ليس كام نرش يف بيانكم‬ ‫بأنكم ترغبون بالكشف عن نهاية لقصتهم‪ ،‬بالكشف‬ ‫عن مصريهم‪ ،‬وعن إحقاق العدالة واملحاسبة‪ ..‬عزايئ‬ ‫باملقام األول ‪-‬وال يشء آخر‪ -‬هو إطالق رساحهم‬ ‫ليعودوا ألحضان أحبابهم‪.‬‬ ‫نقتص من الجاين بقوة القانون‪،‬‬ ‫بعدها نستطيع أن‬ ‫ّ‬ ‫والتكلم عن أخذ العدالة‪ ،‬وإطالق عمليات املحاسبة‬ ‫ما شئتم!‬ ‫وأمتنى من الجميع وكل من لديه أي معلومة صغرت أو‬ ‫كربت‪ ،‬مشاركتها مع ذوي املختطفني‪ ،‬ألن لنا الحقّ يف‬ ‫يخص أحبابنا‪.‬‬ ‫املعرفة‪ ،‬ولنا الحق يف املشاركة يف عمل ّ‬


‫‪5‬‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬

‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫كاريكاتري‬


‫يزرعون الرياح‪ ..‬حيصدون العاصفة‬ ‫‪6‬‬

‫تقرير حول مشروع توربينات الرياح يف اجلوالن احملتل‬ ‫ليلى الصفدي‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬

‫قد يبدو منظر املراوح املنترشة يف مروج أوروبا‬ ‫الخرضاء خالباً ورومانسيا إذا ما شاهدناه عىل شاشات‬ ‫التلفاز أو من نافذة سيارة عابرة‪ ،‬يبدو مشهداً لطيفاً‬ ‫وصديقاً للبيئة‪ ،‬ونحن نراه من منظور جانبي محايد‪،‬‬ ‫لكن ما أن تتأهب هذه الشفرات الحادة ألن تغرس يف‬ ‫رؤوسنا حتى يختلف املشهد‪.‬‬

‫“الرشكة”‬

‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫يف عام ‪ 2013‬أعلنت رشكة إنرجيكس املحدودة نيتها‬ ‫إقامة مرشوع توربينات الرياح يف هضبة الجوالن‬ ‫املحتلة‪ ،‬بدعم مبارش من الحكومة اإلرسائيلية‪ ،‬فبارشت‬ ‫برسم خرائط املرشوع وتحديد األرايض املطلوبة‪،‬‬ ‫وبدأت العمل مبساعدة وسطاء محليني عىل إقناع‬ ‫أصحاب هذه األرايض بجدوى املرشوع‪ ،‬عرب تقديم‬ ‫معلومات مض ّللة‪ ،‬مستغلة الوضع االقتصادي املرتاجع‬ ‫للزراعة بشكل عام‪ .‬كام اجتمعت الرشكة مع هيئة‬ ‫دينية متنفذة‪ ،‬وقدمت الدعم املايل لبعض طالب‬ ‫الجامعات‪ ،‬ودعمت فريق كرة قدم محيل‪ ،‬وذلك‬ ‫بهدف خلق أجواء منارصة للمرشوع‪ ،‬وتقليل هامش‬ ‫االعرتاضات إىل الحد األدىن‪.‬‬

‫“املرشوع”‬

‫املرشوع الذي قد ينتقل إىل مرحلة التنفيذ قريباً طرأ‬ ‫عليه خالل هذه السنوات العديد من التغريات صعوداً‬ ‫ونزوالً‪ ،‬فقد بدأ بـ ‪ 52‬مروحة‪ ،‬ثم ألغي قسم منها‬ ‫بسبب اعرتاضات من هيئات إرسائيلية مختلفة ليصل‬ ‫العدد إىل ‪ ،31‬ثم تجميد ستة أخريات لحني موافقة‬ ‫“سلطة أرايض إرسائيل” بسبب نزاع عىل امللكية‬ ‫بني هذه السلطة وبعض املزارعني‪ .‬ومؤخراً توافرت‬

‫معلومات حول محاولة الرشكة إضافة مرشوع جديد‬ ‫بالقرب من قرية بقعاثا مل يعرف عدد مراوحه بدقة‬ ‫حتى اآلن‪ .‬لكن الثابت أن هذا املرشوع الخطري يتم‬ ‫تنفيذه عىل ملكيات السكان السوريني األصليني‪ ،‬وهي‬ ‫تشمل القرى األربع‪ :‬مجدل شمس‪ ،‬مسعدة‪ ،‬بقعاثا‪،‬‬ ‫وعني قنيا‪.‬‬ ‫وتطمح الرشكة من خالل هذا املرشوع إىل توليد ما‬ ‫يقارب ‪ 150‬ميغاواط سنوياً‪ ،‬وسيحقق أرباحاً للرشكة‬ ‫بني ‪ 45 - 30‬مليون دوالر سنوياً‪.‬‬

‫الوحوش البيضاء‬

‫املراوح التي لقبت بالوحوش البيضاء تزن كل مروحة‬ ‫منها ‪ 330‬طناً‪ ،‬بارتفاع ‪ 180‬مرتاً؛ ما يقارب ارتفاع‬ ‫بناية من ‪ 65‬طابقاً‪ ،‬تحتاج لتثبيتها إىل قاعدة إسمنتية‬ ‫ضخمة مبساحة ‪ 600‬مرتاً مربعاً‪ ،‬وتحوي ‪ 1100‬طناً من‬ ‫االسمنت‪ ،‬وتدور شفراتها بنصف قطر يغطي ‪1000‬‬ ‫مرت برسعة ‪ 290‬كيلو مرت بالساعة‪.‬‬

‫آالف املترضرين الجوالنيني‬

‫املرشوع الذي يبدو بظاهره صديقاً للبيئة يتجاهل‬ ‫وبشكل مقصود األرضار التي سيلحقها باملجتمع‬ ‫الجوالين‪ ،‬فهو يهدد السلم األهيل بني السكان‪ ،‬حيث‬ ‫أن قس ًام قلي ًال جداً ال يتجاوز العرشات هم املستفيدون‬ ‫من إقامة املرشوع‪ ،‬مقابل آالف املترضرين‪ .‬كذلك‬ ‫سوف يحارص بشكل مبارش التوسع العمراين للقرى‪،‬‬ ‫األخص قرية‬ ‫والذي يعاين أص ًال من االختناق‪ ،‬وعىل‬ ‫ّ‬ ‫مجدل شمس‪ ،‬التي ال تبعد أقرب مروحة عنها أكرث من‬ ‫كيلومرت واحد من الجهة الجنوبية‪ ،‬فيام القرية محارصة‬ ‫من الرشق بالرشيط الشائك لخط وقف إطالق النار‪،‬‬ ‫ومن الشامل بأعايل سفوح جبل الشيخ الذي تستويل‬

‫عليه سلطة حامية الطبيعة اإلرسائيلية‪ ،‬ومن الغرب‬ ‫مستوطنة نيفي أتيب التي استولت عىل أرض قرية‬ ‫جباثا املهجرة وقس ًام من أرايض مجدل شمس‪.‬‬ ‫ويبقى الرضر األكرب إلقامة هذه التوربينات العمالقة‬ ‫هو تأثريها السلبي عىل الزراعة‪ ،‬والتي تعترب املصدر‬ ‫الرئييس للدخل‪ ،‬حيث سيتم اقتالع آالف األشجار‪،‬‬ ‫وتصخري آالف الدومنات من األرايض الزراعية‪ ،‬وتغيري‬ ‫البنية التحتية وتوسيع الطرقات واستحداث أخرى‬ ‫لتتالءم مع املعدات الضخمة الالزمة لنقل وتثبيت‬ ‫هذه املراوح‪ .‬كل هذه اإلجراءات ستكون عىل حساب‬ ‫األشجار واألرايض املزروعة‪ ،‬وعىل حساب تشويه هوية‬ ‫املزارع الجوالين التي استمدها من خالل متسكه بعالقة‬ ‫تاريخية ومقدسة مع األرض‪.‬‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬فإن هذه املساحات الزراعية الخالبة‬ ‫املزروعة بالكرز والتفاح‪ ،‬والقريبة من ثلوج جبل‬ ‫الشيخ قد تحولت يف اآلونة األخرية إىل وجهة سياحية‬ ‫ملئات آالف السياح الذين يزورون املنطقة سنوياً‪،‬‬ ‫حيث أصبحت السياحة جزءاً أساسياً من مصادر‬ ‫الدخل واملعيشة لكثري من الجوالنيني‪.‬‬ ‫ويف واقع األمر فإن هذه املروج الخرضاء هي الرئة‬ ‫الوحيدة التي يتنفس بها الجوالنيون‪ ،‬يعتاشون منها‬ ‫ويقضون فيها أوقاتهم وحياتهم اليومية‪ ،‬وإن تخريب‬ ‫هذه األرايض سيكون لصالح تحويلها إىل منطقة‬ ‫صناعية‪ ،‬غري صالحة للزراعة وال للسياحة‪ ،‬تابعة لرشكة‬ ‫الرياح‪ ،‬ومن ورائها دولة االحتالل‪ ،‬لتجني الرشكة‬ ‫أرباحاً ضخمة‪ ،‬مقابل مبالغ بخسة ملنتفعني قالئل من‬ ‫سكان الجوالن الذين تورطوا بعقود طويلة األجل من‬ ‫الصعب التنبؤ بنهاية لها‪.‬‬

‫تقارير‬


‫‪7‬‬ ‫أرضار مبارشة عىل الصحة العامة والحياة الربية‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬

‫حمالت مناهضة املرشوع‬

‫الحكومة اإلرسائيلية تدعم هذا املرشوع بشكل‬ ‫كامل‪ ،‬فقد أدرجوه كـ “مرشوع وطني للبنية‬ ‫التحتية” مام سمح باستعجال املصادقة عليه‪ ،‬وهو‬ ‫يرسخ السيادة اإلرسائيلية عىل الجوالن املحتل‪ ،‬تزامناً‬ ‫مع اعرتاف أمرييك رصيح بهذه السيادة‪ ،‬وتزامناً أيضاً‬ ‫مع إطالق حملة استيطانية جديدة دشنتها مدينة‬ ‫“رامات ترامب” التي يجري العمل فيها عىل قدم‬ ‫وساق‪.‬‬ ‫ويرى الكثريون أن حرش هذا املرشوع يف هذه‬ ‫املساحات الزراعية الضئيلة املتبقية للسكان األصليني‬ ‫وبني قراهم املأهولة يأيت يف سياق سياسات التهجري‬ ‫املمنهج التي قامت عليها الدولة العربية منذ نشوئها‪.‬‬ ‫ولقد إطلع الجوالنيون من خالل أبحاث ومنشورات‬ ‫وبرامج تلفزيونية موثقة عىل العديد من التجارب‬ ‫يف الدول الغربية لقرى وتجمعات سكنية هجرها‬ ‫سكانها بعد إقامة مشاريع توربينات الرياح بجوارها‪.‬‬

‫الجمعة الحمراء‬

‫خالل السنتني األخريتني عمل املجتمع الجوالين عىل‬ ‫ّ‬ ‫حث أصحاب العقود عىل الرتاجع عن عقودهم‬ ‫املربمة مع الرشكة‪ ،‬باللني أحياناً وبالضغط االجتامعي‬ ‫املنظم أحياناً أخرى‪ ،‬والحقاً نظم ناشطون حملة‬ ‫إعالمية واسعة تحت عنوان “يك ال تحاسبنا األجيال‬ ‫القادمة” والتي ت ّوجت بيوم احتجاجي كبري دُعي‬ ‫الحقاً بيوم “الجمعة الحمراء” وكان نقلة نوعية يف‬ ‫وعب عن إجامع املجتمع بكافة‬ ‫حجم الحراك وشكله‪ّ ،‬‬ ‫أطيافه عىل معارضة هذا املرشوع حتى الرمق األخري‪.‬‬ ‫ومبتابعة من اللجان القدمية وانضامم املزيد من‬ ‫املهتمني تم االتفاق عىل االستمرار باملسار القانوين‬

‫ويستمر نضال الجوالنيني‪..‬‬

‫ويف انتظار ما قد يسفر عنه املسار القضايئ‪ ،‬يبقى‬ ‫املجتمع الجوالين يف حالة من الرتقب والقلق ألي‬ ‫تطورات جديدة أو أعامل عىل األرض قد تقوم بها‬ ‫الرشكة‪ .‬وقد احتدم املوضوع مؤخراً حني دخلت‬ ‫آليات الرشكة عنوة إىل أرايض املزارعني‪ ،‬مدعومة‬ ‫بقوات ضخمة من الرشطة اإلرسائيلية‪ ،‬وحصلت‬ ‫اشتباكات عنيفة استعملت فيها رشطة االحتالل‬ ‫قنابل الغاز والرصاص املطاطي‪ ،‬وأسفرت عن عرشات‬ ‫اإلصابات واالعتقاالت‪ ،‬إال أن الجوالنيني اعتصموا‬ ‫أمام محطة الرشطة اإلرسائيلية يف قرية مسعدة‪،‬‬ ‫ومل يغادروا املكان حتى أفرجت السلطات عن كافة‬ ‫املعتقلني‪.‬‬ ‫جس نبض‬ ‫يعتقد كثريون أن هذا اليوم كان مبثابة ّ‬ ‫ملوقف الجوالنيني‪ ،‬واختبار ملدى إرصارهم عىل‬ ‫مناهضة املرشوع‪ ،‬وبدورهم أهايل الجوالن يؤكدون‬ ‫أنهم لن يتنازلوا عن أراضيهم ومصادر عيشهم‬ ‫وكرامتهم مهام كلف األمر‪ .‬ومثل كل التحديات‬ ‫السابقة التي خاضها الجوالن وحيداً بال دولة وال‬ ‫سند‪ ،‬يتحدى الجوالنيون االحتالل اليوم ولسان حالهم‬ ‫يقول‪ ،‬كام يف الشعار الذي تناقلوه عىل صفحاتهم‪،‬‬ ‫أن من يزرع الرياح لن يحصد إال العاصفة‪.‬‬ ‫*اعتمد التقرير يف املعلومات التقنية والتفصيلية عىل تقرير املرصد‬ ‫العريب لحقوق اإلنسان يف الجوالن‪ ،‬وعدد من املقاالت البحثية التي‬ ‫نرشها ناشطون عىل صفحات التواصل االجتامعي املحلية‪.‬‬

‫تقارير‬

‫جاء وعي السكان ملخاطر املرشوع متأخراً بعض اليشء‪،‬‬ ‫حيث كان ُينظر إليه يف البداية بإيجابية كمرشوع حيوي‬ ‫صديق للبيئة ومفيد للمنطقة‪ .‬وقبل ما يقارب السنتني أو‬ ‫أكرث قلي ًال بارشت مجموعة من الناشطني واملحامني حمالت‬ ‫توعية تتضمن إلقاء محارضات جامهريية ومنشورات‬ ‫ومقاالت ملختصني عرب مواقع التواصل‪ ،‬ترشح مخاطر‬ ‫هذه التوربينات عىل الصحة العامة والزراعة والسياحة‬ ‫وما إىل ذلك‪ .‬ثم تطور األمر إىل توقيع عرائض شعبية من‬ ‫أصحاب األرايض املجاورة املترضرين مبارشة من املرشوع‬ ‫إىل السكان عموماً‪ ،‬وشملت آالف األسامء الذين عربوا‬ ‫بوضوح عن مناهضتهم لهذا املرشوع‪ .‬تال ذلك تقديم‬ ‫اعرتاضات قانونية إىل مجلس التخطيط املركزي يف القدس‪،‬‬ ‫والتي تحولت يف جلسات عدة إىل تظاهرات احتجاج‬ ‫شارك فيها العرشات من كافة أطياف املجتمع‪ ،‬وقدموا‬ ‫رشوحات تفصيلية لهذا املجلس حول مخاطر املرشوع‬ ‫من كافة الجوانب‪ ،‬إال أن األمر انتهى ‪-‬كام كان متوقعاً‪-‬‬ ‫إىل موافقة املجلس عىل املرشوع‪ ،‬ضارباً بعرض الحائط‬ ‫حياة السكان األصليني واعرتاضاتهم املحقة‪ .‬ومل ميض وقت‬ ‫طويل حتى صادقت الحكومة اإلرسائيلية عىل املرشوع‬ ‫بتاريخ ‪.30/1/2020‬‬

‫غطاء أمرييك “ترمبي” يف خدمة سياسات‬ ‫االستيالء والتهجري‬

‫من خالل توكيل محامني مختصني‪ ،‬واستمرار الحراك‬ ‫الشعبي الذي اتخذ قراراً ال رجعة فيه برفض إقامة‬ ‫هذا املرشوع بكافة الطرق‪.‬‬

‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫ال تقترص أرضار املراوح عىل مصادرة األرض وتدمري الزراعة‬ ‫والسياحة وحصار التجمعات السكنية‪ ،‬فمن جانب آخر‬ ‫أثبتت أبحاث علمية عديدة تأثري املراوح عىل الصحة‬ ‫والحياة الربية‪ ،‬وإىل جانب الضجيج املبارش والضوضاء‬ ‫املستمرة عىل مدار الليل والنهار هناك التعرض للموجات‬ ‫فوق الصوتية والتي قد تسبب صداع ودوخة وغثيان‪،‬‬ ‫وممكن أن تسبب اضطرابات سمعية‪ ،‬ومن املمكن‬ ‫أن ّ‬ ‫ترض باألشخاص املعرضني لنوبات الرصع من خالل‬ ‫الوميض والظالل املتواترة الناتجة عن مرور ضوء الشمس‬ ‫بني شفرات املروحة املتحركة‪ .‬كام قد تعرض الحياة الربية‬ ‫للخطر بالقضاء عىل الكثري من أنواع الطيور املوجودة‬ ‫يف منطقة الجوالن‪ ،‬فشفرات املراوح تشكل حق ًال جاذباً‬ ‫ألرساب الطيور التي من املتوقع أن تتساقط ميتة عىل‬ ‫األرض بأعداد كبرية‪ ،‬لتصبح رائحة الجيف عالمة مميزة‬ ‫للمكان‪ .‬كام سوف تجتذب أصنافاً من الحيوانات التي‬ ‫سوف تعتاش عىل هذه الجيف‪ ،‬لتصبح املنطقة أكرث فأكرث‬ ‫غري قابلة للعيش وال للزرع‪.‬‬


‫حياة الطوابري لدى سكان دمشق‬ ‫واحتجاجات مدنية صامتة‬

‫‪8‬‬ ‫دمشق ‪ -‬سلمى األسمر‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬ ‫‪2021 / 1 / 15‬‬ ‫جمتمع‬

‫تخىل السوريون عن تعداد املواد التي ال‬ ‫ميكنهم الحصول عليها إال عرب الوقوف بطوابري‬ ‫طويلة ولساعات غري معدودة‪ .‬كل تفصيل‬ ‫يومي مرتبط بالطوابري‪ ،‬بدءاً من الخبز والدواء‬ ‫واملواصالت‪ ،‬مروراً بالغاز واملازوت واملعامالت‬ ‫اإلدارية‪ ،‬حتى دفع الفواتري يوجب املرور عرب‬ ‫طوابري متصلة قد يؤخرها انقطاع مفاجئ‬ ‫لشبكة االتصاالت‪ ،‬وهذا بات أمراً اعتيادياً ال‬ ‫يخضع لعامل املفاجأة أبداً‪ ،‬أو غياب موظف‬ ‫أو انقطاع الكهرباء أو مشاجرة بني موظف‬ ‫ومراجع!‬ ‫أمام فرن العدوي وعند الساعة ‪ 5‬مسا ًء‪ ،‬منظر‬ ‫طابور الخبز املمتد عىل الرصيف حتى يكاد‬ ‫أن يبتلعه‪ ،‬بات مألوفاً‪ ،‬فال وجود ألي مسافة‬ ‫شاغرة‪ ،‬مع اإلشارة إىل أن الطابور “أفعواين” أي‬ ‫ّ‬ ‫ملتف‪ ،‬وهو بالحقيقة أربعة أنساق متوازية‪.‬‬ ‫ويبدو الحديث هنا عن مسافات األمان بني‬ ‫املنتظرين‪ ،‬حفاظاً عىل السالمة الشخصية‬ ‫يف ظل انتشار واسع لإلصابات املعلنة وغري‬ ‫املعلنة لفريوس كورونا املستجد‪ ،‬مجرد دعابة‬ ‫سخيفة تستدعي تفاقم الغضب‪ ،‬وصوالً إىل‬ ‫حالة من الكوميديا السوداء‪ .‬ما يدعو للقهر‬ ‫هو أن هذا الطابور متصل بفاصل بسيط جداً‬ ‫مع طابور السيارات التي تنتظر وصولها إىل‬ ‫محطة الوقود لتعبئة البنزين؛ سالسل متصلة‬ ‫من الطوابري تثبت التوصيف الحايل لدمشق‪:‬‬ ‫“دمشق الطوابري”‪.‬‬ ‫عىل كوات النافذة الواحدة التي استحدثت‬ ‫لتخفيف الضغط عن الوحدات اإلدارية‪،‬‬ ‫ولتلبية االحتياج املتزايد ملتابعة الواقعات‪،‬‬ ‫خاصة للمواطنني من خارج دمشق والذين‬ ‫سكنوها منذ أعوام عرش‪ ،‬غابت خاللها‬ ‫صلتهم باملدينة األم‪ ..‬عىل هذه الكوات‪،‬‬ ‫نساء متّشحات بالسواد‪ ،‬يتابعن عملية توفية‬ ‫أزواجهن أو أبنائهن‪ ،‬الراتب التقاعدي الهزيل‬ ‫بات قطعاً موزعة لكل الورثة‪ .‬تؤخر النساء‬

‫لوعة الفراق وجرعات الحزن عىل غياب الرجال‪ .‬األهم‬ ‫هو انتهاء املعامالت اإلدارية والحصول عىل بطاقة‬ ‫جديدة للراتب‪ ،‬بطاقات متعددة تتقاسم ما هو غري قابل‬ ‫للقسمة أص ًال من فرط ضآلته وقلته!‬ ‫تحاول املوظفة التعاطف مع بعض النساء اللوايت يبدين‬ ‫جه ًال واضحاً مبتابعة األمور اإلدارية‪ :‬تصطدم بأم ّية‬ ‫البعض‪ ،‬وبنسيان بعضهن اآلخر ألسامء األبناء والبنات!‬ ‫وتعجز األخريات عن كتم قصصهن الخانقة‪ ،‬وهنّ ال‬ ‫يتذكرن من كل األعوام التي قضينها برفقة الراحلني‬ ‫إال التعب والحرسات وق ّلة املوارد! حتى العاطفة تبدو‬ ‫شحيحة وغري قابلة للتذكر هنا أمام شاشة صامء بال‬ ‫مشاعر‪ ،‬وأمام موظفة امتهنت مهنة النسيان أو اإلنكار‪،‬‬ ‫واستبدلت التعاطف بعبارات وظيفية جافة تصل ح ّد‬ ‫السخرية أو التوصيف القهري لحاالت باتت عص ّية عىل‬ ‫التجاهل‪.‬‬ ‫تبدو املفارقة شاسعة ما بني أسامء األماكن التي يقصدها‬ ‫السوريون والسوريات للتسوق؛ فسوق الحرامية كام‬ ‫يسمونه‪ ،‬هو أكرث املناطق التي تتوفر فيها كل البضائع‬ ‫بأقل األسعار‪ ،‬وأقل األسعار ال تعني هنا رخصاً وال‬ ‫سيولة‪ ،‬بل تعني مواد بجودة أقل وبرشوط حفظ أسوأ‪،‬‬ ‫وبحالة قابلة للتشكيك حتى يف مصدر املواد نفسها‪.‬‬ ‫نعم‪ ..‬مرسوقة! أو مستوىل عليها‪ ،‬أو مغرر بطفل رسقها‬ ‫فمنحوه بدالً عنها لريات قليلة‪.‬‬

‫ومن املشاهد الدخيلة عىل املجتمع الدمشقي‪،‬‬ ‫ظاهرة رسقة الغسيل من عىل الحبال؛ فمنذ‬ ‫أيام رسق رجل بنطاالً من عىل حبل بالستييك‬ ‫مرتجل يف حي ال رشفات لبيوته وال حدائق‬ ‫داخلية‪ ،‬ثم استبدل بنطاله املتسخ والعتيق‪،‬‬ ‫ولبس البنطال الجديد ليرتك العتيق يف مكانه‪،‬‬ ‫رمبا يريد إيصال رسالة خاصة مفادها‪“ :‬نعم‬ ‫لقد رسقته! لكن أللبسه وليس لبيعه”‪ ،‬هكذا‬ ‫يربر الفقراء املدقعني رسقتهم لرشكائهم يف‬ ‫الفقر والبؤس‪.‬‬ ‫يعلو صوت امرأة سبعينية لتشتم العيشة‬ ‫املزرية التي تحياها‪“ :‬الرصافات شغلة مانكن‬ ‫قدها‪ ..‬بالها”‪ ،‬كان الرصاف اآليل الذي وجدته‬ ‫خارج الخدمة هو العارش يف رحلة بحثها‬ ‫املضنية ملدة تجاوزت األسبوع‪ ،‬للحصول عىل‬ ‫راتبها التقاعدي‪ ،‬والذي ال يتجاوز ‪ 47‬ألف لرية‬ ‫سورية (أقل من ‪ 20‬دوالر أمرييك)‪.‬‬ ‫أما تغريد فقد حرضت نفسها لالنتظار الطويل‬ ‫أمام كوة الرصاف؛ أخذت معها لفافتها‬ ‫الهزيلة وشبه الجافة وعبوة ماء وقالت‪:‬‬ ‫“سأبقى واقفة حتى أقبض راتبي”‪ ،‬مرت‬ ‫ساعتان وهي متيش من شارع الثورة حتى‬ ‫املحافظة وبالعكس‪ ،‬ع ّلها تفوز بالقبض‪ .‬كانت‬ ‫تشتم أيضاً‪ ،‬لكنها بكت يف النهاية‪ ،‬اختنقت‬ ‫بشتامئها‪ ،‬فذرفت دموع القهر وعادت خائبة‬ ‫إىل بيتها البعيد‪.‬‬ ‫أحدهم قال لها إن كل الرصافات بحاجة‬ ‫للصيانة‪ ،‬واملشكلة يف قطع التبديل ويف الرشكة‬ ‫املتعهدة للصيانة‪ .‬تلوح قصة العقوبات‬ ‫يف خبايا كل هذا االختناق‪ ،‬ليس هناك من‬ ‫يؤكد وال من ينفي‪ ،‬فالناس مرتوكني لضياعهم‬ ‫وقهرهم الذي يتعاظم دومنا أي أمل أو‬ ‫تحسن‪.‬‬ ‫تفرد النساء خبزهن عىل واجهات السيارات‬ ‫املغ ّربة واملرتبة املتوقفة عىل جوانب الطريق‪.‬‬ ‫سيارات فارهة مصنوعة سنة العام الجديد‬


‫‪9‬‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬ ‫‪2021 / 1 / 15‬‬ ‫كاريكاتري‬

‫‪ ،2020‬وسعر كل سيارة قد يشرتي‬ ‫فرناً بكامله! وأرغفة الخبز ترمتي‬ ‫عىل حديد السيارات وهي تتلوى‬ ‫من السخونة ومن آهات التعب‬ ‫التي يرددها من حصل عىل الخبز‬ ‫بعد ساعات‪.‬‬ ‫تطلب سيدة رغيف خبز من امرأة‬ ‫حصلت لتوها عىل أربع ربطات‬ ‫خبز‪ ،‬تعتذر منها بغضب قائلة‪:‬‬ ‫“هيك وما عم نشبع‪ ،‬إذا راح‬ ‫رغيف يعني يف ولد نام جوعان”‪،‬‬ ‫تنرصف املرأة الطالبة للخبز خجلة‬ ‫من طلبها‪ ،‬يحاول شاب منحها‬ ‫رغيف خبز‪ ،‬ترفض بشدة‪ ،‬نسمعها‬ ‫تقول‪“ :‬لو بقدر وقف ع الطابور ما‬ ‫طلبت من حدا”!‬ ‫تتداخل الطوابري ببعضها‪ ،‬متتد حتى‬ ‫ما النهاية‪ ،‬يصاب الواقفون فيها‬ ‫بالقهر‪ ،‬مل يعد سؤال الزمن مهام‪،‬‬ ‫املهم هل سنحصل عىل الخبز أم‬ ‫ال؟ هل سيتوقف ضخ البنزين عند‬ ‫وصول سياريت ملكبس البنزين؟‬ ‫متى سأحصل عىل راتبي؟ نريد‬ ‫دفع فواترينا‪ ،‬وال أحد مهتم ليستلم‬ ‫قيمتها منا‪ ،‬املخالفات املالية عىل‬ ‫التأخري الذي ال يد للمواطن فيهه‬ ‫باتت رضيبة مضافة عىل كل‬ ‫فاتورة‪ .‬فدمشق العاصمة تحولت‬ ‫إىل طوابري عصية عىل الفهم وعىل‬ ‫التقبل وعىل العيش!‬


‫الفسيفساء السورية يف سجن صيدنايا!‬ ‫‪10‬‬ ‫حسن عارفة‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬ ‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫عند البحث عن كلمة “صيدنايا” عىل محرك جوجل‪،‬‬ ‫تظهر معظم النتائج متحدثة عن يشء آخر غري‬ ‫السياحة أو عراقة املدينة وتاريخها‪ ،‬أو حكاياتها‬ ‫وقصصها!‬ ‫لهذه املدينة التابعة ملحافظة ريف دمشق تاريخ‬ ‫كبري‪ ،‬فهي واحدة من أعرق املدن املسيحية يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬كام أنها مشهورة باألديرة القدمية التاريخية‪،‬‬ ‫وكذلك أجوائها السياحية وخاصة يف الشتاء‪.‬‬ ‫لكن خالل البحث عنها سيظهر يشء آخر غري الذي‬ ‫ذكر‪ ،‬وهو ببساطة (سجن صيدنايا) الذي يتمتع‬ ‫بأوصاف كثرية كمسلخ برشي‪ ،‬مركز املوت‪ ،‬مصنع‬ ‫الخوف وما إىل ذلك من أوصاف مشابهة‪.‬‬ ‫عمل النظام السوري تحت قيادة حافظ األسد ومن‬ ‫بعده ابنه بشار‪ ،‬عىل تحويل هذا السجن إىل بعبع‬ ‫وشبح موت لكل معارض‪ ،‬ومعه ترافق تحوير اسم‬ ‫املدينة من اسم جذاب لعطلة أو رحلة‪ ،‬إىل اسم‬ ‫مرعب‪.‬‬ ‫يف شهر ترشين األول‪ /‬أكتوبر املايض أصدرت رابطة‬ ‫معتقيل ومفقودي سجن صيدنايا تقريراً عن هذا‬ ‫السجن تحت عنوان االحتجاز يف صيدنايا‪ ،‬نتيجة‬ ‫عمل بحثي كبري حول “إجراءات وتبعات االعتقال‬ ‫يف سجن صيدنايا يف سوريا‪ ،‬الذي اشتهر مؤخراً باسم‬ ‫املسلخ البرشي‪ ،‬ويهدف إىل اإلجابة عام ييل‪ :‬من‬ ‫هم املعتقلون وكيف يتم اعتقالهم؟ وما هي تبعات‬ ‫االعتقال عليهم وعىل عائالتهم؟ اآلثار الجسدية‬ ‫والنفسية واالقتصادية واالجتامعية؟ وما الذي تغري‬ ‫بعد الثورة سواء يف إجراءات االعتقال أو تبعاته”‪.‬‬

‫عينة كبرية وبيانات هامة‬

‫تقارير‬

‫وبحسب معدي التقرير‪“ :‬يعتمد التقرير عىل‬ ‫البيانات الواردة من ‪ 400‬حالة‪ ،‬جميعهم رجال‪ ،‬تم‬ ‫توثيقها حتى بداية آذار ‪ 2019‬ضمن مرشوع تعمل‬ ‫عليه رابطة معتقيل ومفقودي سجن صيدنايا منذ‬ ‫بداية شهر كانون الثاين‪ /‬يناير ‪ ،2018‬يهدف إىل‬ ‫توثيق حاالت االعتقال يف سجن صيدنايا منذ تأسيسه‬ ‫وحتى اآلن‪ .‬أول حالة اعتقال تم توثيقها كانت يف‬ ‫آب ‪ ،1980‬وآخر حالة اعتقال تم اعتامدها يف هذا‬ ‫التقرير كانت يف نيسان ‪ .2017‬وعمليات التوثيق ما‬ ‫تزال مستمرة حتى اآلن”‪.‬‬ ‫يبعد السجن ‪ 30‬كم شاميل العاصمة السورية‬

‫دمشق‪ ،‬ويتبع إىل وزارة الدفاع السورية‪ ،‬تحت إدارة الرشطة‬ ‫العسكرية‪ .‬وبحسب منظمة العفو الدولية‪“ :‬يف صيدنايا‪،‬‬ ‫يبدو أن الهدف من (التعذيب والرضب) هو املوت‪ ،‬نوع‬ ‫من أنواع االنتقاء الطبيعي أي التخلص من الضعفاء مبجرد‬ ‫وصولهم إىل السجن”‪ ،‬ويعد هذا التفصيل واحداً من تفاصيل‬ ‫كثرية أكسبت هذا السجن شهرته‪ ،‬والتي بلغت ذروتها عام‬ ‫‪ 2008‬حني ثار بعض املعتقلني عىل سجانهم‪ ،‬لكنهم لقوا ر ّد‬ ‫فعل عنيف وتعذيباً شديداً حتى تم قمعهم‪.‬‬

‫فرق كبري بني زمن بشار وزمن حافظ!‬

‫تقرير الرابطة خلص إىل نتائج كبرية ومهمة‪ ،‬جاء فيه أن ثلث‬ ‫عمليات االعتقال التي حدثت منذ تأسيس السجن عام ‪1980‬‬ ‫ضم السجن‬ ‫وحتى عام ‪ 2017‬كان يف عهد بشار األسد‪ .‬فيام ّ‬ ‫جنسيات أخرى غري السورية كالفلسطينية‪ ،‬اللبنانية‪ ،‬العراقية‬ ‫والرتكية‪.‬‬ ‫وبحسب التقرير‪ ،‬كانت نسبة الذين تعرضوا للتعذيب‬ ‫الجسدي من العينة املدروسة ‪ ،100%‬و‪ 97.8%‬تعرضوا‬ ‫للتعذيب النفيس‪ ،‬بينام عاش ‪ 29.7%‬تجربة التعذيب‬ ‫الجنيس‪ ،‬وتم تحديد ‪ 20‬وسيلة تعذيب جسدي‪ 24 ،‬وسيلة‬ ‫تعذيب نفيس و‪ 8‬للتعذيب الجنيس‪.‬‬ ‫خلص التقرير إىل حقائق ووقائع كثرية من داخل هذا‬ ‫السجن‪ ،‬تبني االنتهاكات ألبسط حقوق اإلنسان؛ فاألكرثية من‬ ‫العينة ‪ 57.2%‬متت محاكمتهم يف محاكم ميدانية عسكرية‪،‬‬ ‫وأكرث من الثلث متت محاكمتهم يف محاكم أمن الدولة العليا‪،‬‬ ‫إضافة إىل ‪ 6.5%‬حوكموا يف محكمة اإلرهاب‪.‬‬ ‫كذلك االنتهاكات تنسحب عىل موضوع األحكام الصادرة‬ ‫بحق املعتقلني؛ إذ تراوحت مدة الحكم بني سنتني و‪ 24‬سنة!‬ ‫وخرج نصف املعتقلني بعفو عام‪ ،‬إذ خرج حوايل ثالثة أرباع‬ ‫العسكريني مبوجب العفو العام‪ ،‬بينام أقل من ثلث املدنيني‬ ‫خرجوا بهذا العفو‪.‬‬

‫التأثري يستمر خارج جدران املعتقل!‬

‫مل تتوقف آثار هذا املكان الرهيب عىل فرتة اإلقامة فيه‪ ،‬بل‬ ‫متتد إىل أبعد من اإلفراج‪ ،‬حيث أكد أكرث من ثلث العينة‬

‫املدروسة بالتقرير أن إصابتهم الجسدية خالل‬ ‫االعتقال أثرت عىل قدرتهم عىل مامرسة حياتهم‬ ‫كاملعتاد‪ ،‬وأكرث من ربع العينة قالوا إن الرضر النفيس‬ ‫الذي تعرضوا له خالل االعتقال ما زال مستمراً حتى‬ ‫إعداد التقرير‪.‬‬ ‫بني هذا السجن بطريقة جعلته أحد أكرث األبنية‬ ‫تحصيناً يف سوريا‪ ،‬ويتألف من بنائني منفصلني‪،‬‬ ‫األول يضم معتقلني مدنيني والثاين يحتوي معتقلني‬ ‫عسكريني‪ .‬ولكل كتلة من الكتلتني قبو تحت األرض‬ ‫يضم زنازين انفرادية‪ .‬ويجب التنويه أن السجن بني‬ ‫عام ‪ 1980‬وافتتح رسمياً عام ‪.1987‬‬ ‫اعتمد التقرير عىل منهجية واضحة يف البحث‬ ‫واالستبيان‪ ،‬وذكر أن الغالبية الساحقة من املحتجزين‬ ‫يف السجن أعامرهم أقل من ‪ 37‬عاماً عند االعتقال‪،‬‬ ‫وترتكز النسبة األكرب يف الفئة العمرية بني ‪18-27‬‬ ‫عاماً‪ ،‬وكان ملفتاً أن مثة ‪ 2%‬من املحتجزين أطفال‬ ‫أعامرهم تحت ‪ 18‬عاماً‪ ،‬ونسبة من هم فوق ال‪48‬‬ ‫عاماً بلغت ‪.8.2%‬‬ ‫ومل يغفل التقرير التنويه إىل الجهات املسؤولة عن‬ ‫السجن موضحاً‪ “ :‬شعبة االستخبارات العسكرية هي‬ ‫املسؤولة عن اعتقال أكرث من ثالثة أرباع محتجزي‬ ‫صيدنايا‪ ،‬الغالبية الساحقة من املحتجزين متر عىل‬ ‫أكرث من فرع أمني‪ ،‬أقل من الثلث مرواً عىل فرع‬ ‫واحد‪ ،‬بينام مر ما يقرتب من ثالثة أرباع املحتجزين‬ ‫عىل فرعني أو أكرث‪ ،‬ويبدو أن فرع التحقيق‬ ‫العسكري وفرع شؤون الضباط وفرع فلسطني‪ ،‬التي‬ ‫تتبع لشعبة االستخبارات العسكرية‪ ،‬هي بوابات‬ ‫الدخول إىل صيدنايا”‪.‬‬ ‫وتتنوع التهم التي تلصق باملعتقلني يف هذا السجن‪،‬‬ ‫بداي ًة من “مناهضة أهداف الثورة يف الوحدة والحرية‬ ‫واالشرتاكية‪ ،‬واالنتساب إىل جمعية رس ّية بقصد تغيري‬ ‫كيان الدولة‪ ،‬نرش أنباء كاذبة” وغريها من التهم التي‬ ‫كانت مواد سخرية يف الشارع السوري‪.‬‬ ‫تفاصيل كثرية وتوثيقات هامة وصل إليها التقرير‪،‬‬ ‫وأحاديث يبدو أنها لن تنتهي عن هذا املعتقل‬ ‫الذي وصل صيته ملختلف مناطق العامل‪ ،‬لكن مثة‬ ‫خالف واضح بني رشيعة هذا السجن ورشيعة النظام‬ ‫السوري‪ ،‬هو أن سجن صيدنايا يستوعب كل األعراق‬ ‫والطوائف السورية بني جدرانه!‬


‫ناحية عني عيسى بريف الرقة‪ ...‬منطقة‬ ‫مضطربة على خريطة الصراع السوري‬

‫‪11‬‬

‫الرقة – كمال شيخو‬

‫منطقة مضطربة عىل خريطة الرصاع‬

‫بعد عملية “نبع السالم” وسيطرة تركيا والفصائل املوالية‬ ‫لها عىل مدينتي تل أبيض بريف الرقة ورأس العني بريف‬ ‫الحسكة يف شهر ترشين األول‪ /‬أكتوبر من العام الفائت‪،‬‬ ‫تسعى أنقرة لتوسيع مناطق نفوذها وربط هذا الجيب‬ ‫املنعزل مبناطق عملياتها العسكرية غريب نهر الفرات‬

‫العدد‬

‫وباتت املنطقة منقسمة السيطرة بني جهات محلية وإقليمية‬ ‫ودولية؛ حيث يخضع مركزها وقسم من ريفها الغريب‬ ‫والرشقي وكامل الريف الجنويب حتى بلدة تل السمن القريبة‬ ‫من محافظة الرقة لقوات “مجلس الرقة العسكري” التابعة‬ ‫لـ”قسد”‪ ،‬فيام تسيطر الفصائل املنضوية يف صفوف “الجيش‬ ‫الوطني السوري” التابعة للحكومة املؤقتة واملدعومة من‬ ‫تركيا عىل كامل ريفها الشاميل حتى بلدة تل أبيض وجزء من‬ ‫ريفها الرشقي والغريب حتى مخيم عني عيىس سابقاً‪ ،‬واألخري‬ ‫يبعد نحو ‪ 2‬كيلو مرت شامالً عن الناحية‪.‬‬ ‫فيام تنترش الرشطة العسكرية الروسية والقوات الحكومية‬ ‫املوالية للنظام السوري يف ثالثة مواقع عسكرية أنشئت بعد‬ ‫الهجوم األخري‪ ،‬أولها يقع يف الجهة الرشقية ويرفرف علم‬ ‫النظام السوري إىل جانب العلم الرويس عىل قاعدة توسطت‬ ‫مبنى أحيط بساتر ترايب عالٍ ‪ ،‬والثانية تقع يف مقر اللواء ‪،93‬‬ ‫بينام تتمركز النقطة الثالثة رشقي البلدة بالقرب من محطة‬ ‫وقود عني عيىس املركزية‪.‬‬

‫تقارير‬

‫عني عيىس ناحية إدارية تتبع بلدة تل أبيض‬ ‫مبحافظة الرقة‪ ،‬تبعد نحو ‪ 55‬كيلو مرتاً عن الرقة‬ ‫باتجاه الشامل الغريب‪ ،‬وكان عدد سكانها يبلغ قرابة‬ ‫‪ 100‬ألف نسمة موزعني بني مركزها وريفها املرتامي‬ ‫األطراف‪ ،‬وذلك قبل نزوح قسمهم األكرب نحو الرقة‬ ‫واملدن املجاورة‪.‬‬ ‫وشارك سكانها يف ربيع ‪ 2011‬باملظاهرات املناهضة‬ ‫للنظام‪ ،‬ويف حزيران‪ /‬يونيو ‪ 2015‬متكنت “قوات‬ ‫سوريا الدميقراطية” العربية ‪ -‬الكردية بدعم وإسناد‬ ‫جوي من تحالف دويل تقوده واشنطن‪ ،‬من طرد‬ ‫مسلحي تنظيم “داعش” اإلرهايب‪ ،‬ومنذ ذلك الحني‬ ‫واملنطقة خاضعة لتحالف القوات‪ ،‬وتديرها إدارة‬ ‫مدنية تتبع “اإلدارة الذاتية” لشامل ورشقي سوريا‪.‬‬ ‫وتتخذ عني عيىس أهمية اسرتاتيجية نظراً ملوقعها‬ ‫الحيوي املطل عىل الطريق الدويل الرسيع (‪،)M.4‬‬ ‫إذ تربط محافظات الحسكة والرقة ودير الزور‬ ‫رشقاً مبدينة حلب شامالً‪ ،‬كام توصل عرب شبكة‬

‫بلدة منقسمة السيطرة‬

‫‪90‬‬

‫عن البلدة‬

‫طرق رئيسية رشق الفرات بغربه‪ ،‬وتسعى جميع األطراف‬ ‫املتحاربة واملدعومة من جهات دولية وإقليمية لفرض‬ ‫سيطرتها الكاملة عىل الناحية‪ ،‬لقطع طريق اإلمداد بني‬ ‫مدينتي عني العرب (كوباين) ومنبج بريف حلب الرشقي؛‬ ‫مبناطق الجزيرة السورية ومدن الرقة ودير الزور‪.‬‬

‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫تح ّولت ناحية عيىس وريفها بعد سنوات الحرب‬ ‫إىل مرسح للقاء العبني دوليني وإقليميني وجهات‬ ‫محلية متحاربة؛ فالقوات الروسية املنترشة مبحيط‬ ‫املنطقة تلعب دور الرشطي والحارس بنفس الوقت؛‬ ‫حيث تحمي قوات النظام املوالية لها من الفصائل‬ ‫التي تدعمها تركيا‪ ،‬كام تفصل عن “قوات سوريا‬ ‫الدميقراطية‪ /‬قسد” املتحالفة مع الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية‪ ،‬وتسيطر عىل مركز الناحية والقسم األكرب‬ ‫من ريفها‪.‬‬ ‫يف مدخل الناحية الرئييس‪ ،‬رفعت قوات “قسد”‬ ‫سواتر ترابية عالية وتحول املكان اىل أشبه بثكنة‬ ‫عسكرية مغلقة‪ .‬عىل طول الطريق املؤدي للناحية‬ ‫من جهتها الرشقية والغربية حفرت قسد األنفاق‬ ‫والخنادق ووسعت من تحصيناتها العسكرية‪ ،‬كام‬ ‫متنع تنقل املدنيني خشي ًة تعرضهم للقصف ورصاص‬ ‫القناص‪.‬‬

‫لتحقيق هدفها االسرتاتيجي بفصل وعزل مناطق‬ ‫اإلدارة الذاتية وتحويلها اىل جزر معزولة تفصلها‬ ‫مناطق نفوذها‪..‬‬ ‫وتضغط روسيا عىل قيادة “قسد” لتسليم كامل‬ ‫الناحية وريفها حتى عمق ‪ 5‬كيلومرت للقوات‬ ‫النظامية‪ ،‬ورفع علم النظام عىل املباين واملقرات‬ ‫الحكومية‪ ،‬والسيطرة عىل النقاط املنترشة عىل‬ ‫الطريق الرسيع‪.‬‬ ‫وكشفت مصادر مطلعة بأن التحالف الدويل‬ ‫والقوات األمريكية دخلوا عىل خط النزاع بغية‬ ‫تخفيض التصعيد‪ ،‬وقالت بأن املبعوث األمرييك‬ ‫الخاص إىل سوريا جويل رايبورن بحث مع الرئاسة‬ ‫الرتكية يف أول الشهر الحايل التطورات امليدانية يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬واالتفاقية الثنائية التي أبرمت بني واشنطن‬ ‫وأنقرة وموسكو بعد عملية “نبع السالم” وااللتزام‬ ‫التامس‪ .‬كام أجرى رايبورن بنفس الفرتة‬ ‫بحدود‬ ‫ّ‬ ‫اجتامعات افرتاضية مع قيادة “قسد” ومسؤويل‬ ‫اإلدارة الذاتية‪ ،‬ونقل لهم بأن الفريق املختص‬ ‫بالشأن السوري لدى اإلدارة األمريكية يتابع‬ ‫التطورات عن كثب‪ ،‬والذي بدوره نصح الجانب‬ ‫اض جديدة‪.‬‬ ‫الرتيك بعدم التوغل يف أر ٍ‬ ‫مركز الناحية ال ُيشاهد املدنيون‪ ،‬وأوصدت أبواب‬ ‫املنازل واملحال التجارية‪ ،‬وأصبحت هذه البقعة‬ ‫الجغرافية خريطة أكرث سخونة‪ ،‬مع حالة استنفار‬ ‫تحسباً‬ ‫عسكري لكل القوى املتوزعة عىل األرض‪ّ ،‬‬ ‫لعمل عسكري تريك محتمل مبشاركة فصائل‬ ‫معارضة ضد تحالف قوات “قسد”‪.‬‬ ‫وهذه املنطقة املضطربة باتت تحتل موقعاً حساساً‬ ‫عىل خريطة الرصاع السوري‪ ،‬وتلتقي عىل أرضها‬ ‫ثالث مناطق منفصلة متثل مجاالً للنفوذ الرويس‬ ‫والرتيك واألمرييك‪ ،‬وما يتبع كل منها من قوى‬ ‫محلية‪ .‬فيام تتأهب تل متر لتغيري جديد يف موازين‬ ‫القوى قد تحدده معركة يجري االستعداد لها من‬ ‫قبل الجيش الرتيك والفصائل املوالية له‪.‬‬


‫خميمات الشمال السوري بني جائحتني‬

‫برد قارس وفريوس كورونا‬

‫‪12‬‬

‫مليون نازح سوري يعيشون يف خيم مبعثرة بالقرب من احلدود الرتكية‬ ‫طلعنا عالحرية ‪ -‬الحدود السورية التركية‬

‫سونيا العلي‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬ ‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫“هربنا من املوت تحت القصف‪ ،‬وندعو الله أال منوت من الربد‬ ‫واملرض” تقول فاطمة هذه العبارة وهي تبحث بني مالبس‬ ‫أوالدها عن قطع مهرتئة تشعل بها املدفأة لتمنح أطفالها‬ ‫مكب النفايات القريب‬ ‫بعض الدفء‪ ،‬قبل أن ميضوا جميعاً إىل ّ‬ ‫من املخيم‪ ،‬للبحث عن مواد ومخلفات قابلة لالحرتاق‪.‬‬ ‫ما تقاسيه هذه السيدة‪ ،‬كحال باقي النازحني الذين يواجهون‬ ‫برد الشتاء والصقيع‪ ،‬والذي يزيد من قسوته تفيش فريوس‬ ‫كورونا‪ ،‬يف خيام بالية ال تقاوم األمطار والرياح الشديدة‪ ،‬حيث‬ ‫يصبح الدفء رضباً من الرفاهية التي يصعب الوصول إليها يف‬ ‫معظم األيام‪ ،‬وحيث يكافحون من أجل البقاء عىل قيد الحياة‪.‬‬ ‫فاطمة‪ ،‬أم عمر‪ ،‬أم لستة أطفال‪ ،‬فقدت زوجها بغارة حربية‬ ‫قبل سنتني‪ ،‬ال تخفي خوفها من جائحة (كوفيد‪ )-19‬التي‬ ‫وصلت إىل املخيم‪“ :‬أخاف كثرياً أن أصاب أو أحد أفراد أرسيت‬ ‫بالفريوس‪ ،‬وليس هنالك أي جهة تقدم لنا املساعدة”‪ ،‬حيث‬ ‫تضطر فاطمة للخروج يومياً لجمع املخ ّلفات من بالستيك‬ ‫وكراتني ومواد قابلة لالشتعال‪ ..‬والتي ال تخلو من الخطورة؛‬ ‫حيث لقي عدد من النازحني داخل املخيامت وخارجها‬ ‫مرصعهم حرقاً ملحاولتهم تأمني الدفء‪.‬‬

‫غرق ووحل‬

‫حتقيقات‬

‫يواجه النازحون مشاكل غرق خيامهم مبياه األمطار أو انجرافها‪،‬‬ ‫وخاصة التي تقع يف األرايض الزراعية أو األماكن املنخفضة‪ ،‬إىل‬ ‫جانب صعوبة امليش يف طرقات املخيامت املوحلة‪.‬‬ ‫أحمد العلوش (‪ 46‬عاماً) نزح من ريف حامة ويعيش مع‬ ‫زوجته وأوالده األربعة يف مخيم تابع لبلدة أطمة الحدودية‬ ‫مع تركيا‪ .‬يشكو من غرق خيمتهم‪“ :‬لقد غمرت مياه األمطار‬ ‫خيمتنا‪ ،‬وباتت أغراضنا تسبح يف املاء والوحل‪ ،‬مل تصمد‬ ‫السواتر التي وضعتها حول الخيمة من الرتاب والحجارة أمام‬ ‫غزارة األمطار‪ ،‬وأطفايل ال يستطيعون الذهاب إىل املدرسة يف‬ ‫األيام املاطرة”‪.‬‬ ‫ويلفت العلوش إىل أن أطفاله أصيبوا باملرض جراء الربد‬ ‫القارس‪ ،‬داعياً املنظامت اإلغاثية إىل مساعدة أهايل املخيامت‬ ‫من خالل توزيع املالبس الشتوية‪ ،‬ومواد التدفئة‪ ،‬وفرش‬ ‫الطرقات بالحىص‪ ،‬واستبدال الخيام بكتل إسمنتية تحمي‬ ‫النازحني من العوامل الجوية‪.‬‬

‫منظامت تقدّم النصائح !‬

‫يزيد تفيش وباء كورونا من معاناة النازحني‪ ،‬وسط‬ ‫أجواء ال تساعد عىل اتخاذ التدابري االحرتازية‪،‬‬ ‫الخمسيني عيل الكيايل نزح من مدينة رساقب منذ‬ ‫سنة‪ ،‬ويعيش يف مخيم عشوايئ يف بلدة كفريحمول‬ ‫يف ريف إدلب‪ ،‬يعاين من مرض الربو‪ ،‬ويخىش من‬ ‫اإلصابة بجائحة كورونا‪“ :‬إذا أصبت بوباء كورونا‬ ‫فال ميكنني مقاومته بسبب وضعي الصحي املرتدي‪،‬‬ ‫كام ال ميكنني تطبيق إجراءات الوقاية كام يجب؛‬ ‫بحكم إقامتي يف املخيم”‪ ،‬حيث يصعب البقاء‬ ‫داخل الخيمة املعتمة الضيقة طوال اليوم‪“ ،‬كام‬ ‫أعاين كسائر النازحني من نقص املياه النظيفة وغالء‬ ‫أسعار الكاممات واملعقامت”‪.‬‬ ‫ويبني الكيايل أن بعض املنظامت زارت املخيم‬ ‫لتقديم النصائح للنازحني‪ ،‬لكنها مل تقدم أقنعة أو‬ ‫معقامت‪ ،‬أو مواد تنظيف؛ للوقاية من هذا املرض‪.‬‬ ‫ويقول عيل الحسني مدير مخيم يف بلدة دير‬ ‫حسان بريف إدلب الشاميل‪“ :‬يعيش النازحون يف‬ ‫مخيامت عشوائية خيامها مبعرثة‪ ،‬غابت عنها رعاية‬ ‫املنظامت الدولية واملحلية‪ ،‬فال خدمات متوفرة وال‬ ‫رعاية صحية وال مساعدات غذائية”‪.‬‬ ‫ورصدت (شبكة اإلنذار املبكر) التابعة لـ (وحدة‬ ‫تنسيق الدعم) يف مناطق شامل غرب سوريا ‪34‬‬ ‫إصابة جديدة بوباء كورونا‪ ،‬بتاريخ ‪ 11‬من شهر‬

‫كانون الثاين الحايل‪ ،‬وبذلك وصل عدد الحاالت‬ ‫اإليجابية الكلية إىل ‪ 20717‬حالة‪ ،‬فيام وصل عدد‬ ‫حاالت الشفاء الكلية إىل ‪ ،13874‬أما عدد الوفيات‬ ‫فبلغ ‪ 358‬حالة‪.‬‬

‫مليون نازح يسكنون املخيامت‬

‫يبلغ عدد املخيامت يف مناطق شامل غرب سوريا‬ ‫‪ 1304‬مخي ًام بحسب تقرير صادر عن (فريق‬ ‫منسقو االستجابة) تضم حوايل مليون و‪ 48‬ألف‬ ‫و‪ 389‬نازحاً‪ ،‬فيام بلغ عدد املخيامت العشوائية‬ ‫‪ ،393‬أما املخيامت املترضرة من العواصف املطرية‬ ‫فوصل عددها إىل ‪ 142‬مخي ًام‪ ،‬وقد بلغ عدد‬ ‫األشخاص املصابني بفريوس كورونا املستجد ‪2135‬‬ ‫حالة يف املخيامت فقط‪ ،‬حتى تاريخ الرابع من‬ ‫كانون الثاين ‪/‬يناير الحايل‪.‬‬ ‫وأشار التقرير إىل أبرز املشاكل التي يواجهها‬ ‫النازحون ضمن املخيامت وهي البيئة غري الصحية‬ ‫ومخاطر التلوث‪ ،‬وخاصة يف املخيامت العشوائية‪،‬‬ ‫وانتشار حفر الرصف الصحي املكشوفة‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫الحرمان من مصادر الدخل األساسية واالعتامد عىل‬ ‫املساعدات اإلنسانية فقط‪ ،‬إىل جانب غياب الرعاية‬ ‫الصحية واألسس الوقائية الالزمة من فريوس كورونا‬ ‫املستجد‪ ،‬والنقص املستمر يف الغذاء واملاء وانعدام‬ ‫أبسط الخدمات مقومات الحياة الكرمية‪.‬‬


‫قبل كتابة الدستور‪ُ ..‬فكوا قيود املعتقلني‬ ‫ً‬ ‫قسرا؛ ثم نكتبه ً‬ ‫معا‬ ‫واملختفني واملغيبني‬

‫‪13‬‬

‫* مريم الحالق‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬ ‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫قبول الحديث بشأن املعتقلني واملختفني قرساً‪.‬‬ ‫وقد تبنى بيدرسون العمل عىل إطالق اللجنة‬ ‫الدستورية‪ ،‬والتي هي نتاج مؤمتر سوتيش الرويس‪،‬‬ ‫ضارباً بعرض الحائط قرار مجلس األمن (‪)2254‬‬ ‫والذي ينص عىل رضورة اإلفراج عن جميع‬ ‫املعتقلني‪ ،‬سيام النساء واألطفال‪ ،‬والكشف عن‬ ‫مصري جميع املفقودين واملغيبني قرساً لدى جميع‬ ‫األطراف املتحاربة منذ قرابة ‪ 10‬سنوات عجاف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وبأن يكون هذا امللف عىل رأس أولويات األمم‬ ‫املتحدة واملبعوث الخاص وفريقه‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من الزخم اإلعالمي والوعود التي‬ ‫أطلقها بيدرسون وكبار مساعديه‪ ،‬برضورة معالجة‬ ‫أكرث امللفات الشائكة يف سوريا‪ ،‬أال وهي ملف‬ ‫املعتقلني واملغيبني قرسياً‪ ،‬حيث انطلقت أعامل‬ ‫اللجنة الدستورية (املوسعة واملصغرة)‪ ،‬وعقدت‬ ‫عدة جوالت دون التوصل ألي نتائج ملموسة‪ ،‬مع‬ ‫احتفاء كبري من املجتمع الدويل وترقب كبري من‬ ‫قبل السوريني‪.‬‬ ‫غري أن النظام ال يزال يعتقل أبناءنا ويغ ّيب‬ ‫عرشات اآلالف من السوريني والسوريات‪ ،‬ومازالت‬

‫شهادات الوفاة تصدر دورياً لتخربنا أنهم ميوتون‬ ‫ِتباعاً يف املعتقالت‪ ،‬مع اإلرصار عىل رفض اإلفراج‬ ‫عنهم من قبل هذه الجهات املتصارعة يف سوريا‬ ‫وعىل رأسها النظام الحاكم‪ ،‬وما يزيد الوضع‬ ‫تعقيداً تقدميهم ملحاكامت شكلية ‪ -‬صورية تفتقد‬ ‫إىل أدىن قواعد العدالة‪ ،‬دون االلتزام حتى مبا‬ ‫يفرضه الدستور السوري نفسه والقوانني النافذة‬ ‫من إجراءات وضوابط وصيانة حقوق مواطني‬ ‫هذا البلد‪.‬‬ ‫فاإلفراج عن املعتقلني وتوفري البيئة اآلمنة لهم‪،‬‬ ‫والعودة الطوعية للنازحني واملهجرين هي من‬ ‫أهم األمور التي ينتظرها الشعب السوري ّ‬ ‫املرشد‬ ‫يف جميع بقاع العامل‪ ،‬ويجب عىل األمم املتحدة‬ ‫العمل بالضغط عىل النظام السوري للسامح‬ ‫الفوري ملنظامت حقوق اإلنسان والجهات‬ ‫اإلنسانية من دولية وسورية مستقلة بزيارة مراكز‬ ‫االعتقال والسجون عىل األرايض السورية‪ ،‬وضامن‬ ‫السري يف إجراءات قضائية شفافة وعلنية لكل‬ ‫املعتقلني أياً كانت التهم املوجهة لهم‪.‬‬ ‫*ناشطة من (رابطة عائالت قيرص)‬

‫مقاالت‬

‫يف شهر آذار‪ /‬مارس من العام املايض‪ ،‬وداخل‬ ‫أروقة مبنى االتحاد األوريب مبدينة بروكسل‪ ،‬عقدنا‬ ‫اجتامعاً مطوالً مع مبعوث األمم املتحدة جري‬ ‫بيدرسون‪ .‬كنّا أربعة نشطاء من روابط الضحايا‬ ‫واملعتقلني‪ ،‬أنا والدة الشهيد الدكتور أيهم غزول‬ ‫من (رابطة عائالت قيرص)‪ ،‬وآمنة خوالين من (حركة‬ ‫عائالت من أجل الحرية) حيث تويف لها ثالثة أخوة‬ ‫تحت التعذيب يف سجون النظام الحاكم‪ ،‬هم‬ ‫عبد الستار ومحمد عيل ومجد ‪ ،‬واملحامية نورة‬ ‫الصفدي زوجة الشهيد باسل الصفدي والذي قىض‬ ‫نحبه تحت التعذيب يف غياهب سجون النظام‬ ‫أيضاً‪ ،‬والناشط واملعتقل السابق أحمد حلمي من‬ ‫(مبادرة تعايف)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫آنذاك كان بيدرسون قد استلم مهامه حديثا من‬ ‫املبعوث السابق ستيفان دي ميستورا‪ ،‬ويف بداية‬ ‫ُ‬ ‫بدأت برواية قصة اعتقال واستشهاد‬ ‫االجتامع‪،‬‬ ‫ولدي أيهم‪ .‬مل أمتالك نفيس أثناء الرسد وأنا أتحدث‬ ‫عن املراحل التي م ّر بها والعذابات التي تعرض‬ ‫لها‪ ،‬كحال جميع الذين طالهم االعتقال ويتعرضون‬ ‫للتعذيب حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫بعدها أوقفت رسدي والتفت إليه وهو كان جالساً‬ ‫إىل جانبي‪ ،‬ألقول له ودموعي تنهمر‪“ :‬أريد قرباً‬ ‫البني”‪.‬‬ ‫يف هذه اللحظات اغرورقت عيون جميع الحارضين‬ ‫بالدموع‪ ،‬ليقف السيد بيدرسون ويوضع يده عىل‬ ‫كتفي متعاطفاً‪ ،‬فتابعت حديثي ألقول‪“ :‬أفرجوا‬ ‫عن بقية املعتقلني يك ال نطالب بقبور لهم”‪.‬‬ ‫وضع بيدرسون يده عىل صدره وتعهد بأن يكون‬ ‫ملف املعتقلني من أولوياته يف أوىل مباحثاته مع‬ ‫مسؤويل النظام‪ ،‬وكانت لديه زيارة إىل دمشق‬ ‫مقررة بعد أيام من اجتامعنا‪.‬‬ ‫م ّرت األيام والشهور والسنوات‪ ،‬ونحن ننتظر عقد‬ ‫جولة جديدة من اجتامعات اللجنة الدستورية‬ ‫نهاية الشهر الحايل‪ ،‬ومل نسمع عن أيّ بادر ٍة للوفاء‬ ‫بوعوده‪ ،‬ويبدو أن بيدرسون فشل يف مساعيه‬ ‫كغريه من املبعوثني بسبب تعنت النظام وعدم‬


‫احلنني إىل األمس‬

‫‪14‬‬

‫يف العودة الرمزية إىل البالد‬ ‫عهد زرزور‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬ ‫‪2021 / 1 / 15‬‬ ‫مقاالت‬

‫ٌ‬ ‫“ملتفت ال یصل”‪ ،‬لكني أحتاج االلتفات إىل األمس‬ ‫ألثبت يف موقعي ّ‬ ‫َ‬ ‫الهش‪.‬‬ ‫حیث ألتفت أجد سلسلة غیر منتهیة من األحداث‬ ‫املمتعة واأللیمة‪ ،‬ثم الساكنة املكررة‪ .‬أنبش ذاكريت‬ ‫ألصادف لقطات ألیفة تضعني أمام ذايت القدیمة‬ ‫املتامسكة‪ .‬أختارها بعنایة فیهدأ عقيل‪ .‬عىل العودة أن‬ ‫تكون محددة املدة حتى ال أتوه ّ‬ ‫زمني غیر منته‬ ‫بخط ّ‬ ‫یحملني ألعامق التاریخ‪ ،‬وعلیه یجب أن أضع تص ّوراً‬ ‫آنیاً لألمس حتى ال أشعر بالوحدة هناك‪ ،‬تص ّوراً مجدوالً‬ ‫مع آمايل وتطلعايت املحتملة!‬ ‫فلنقل إين أعود من أجل الحارض ومن أجل املستقبل‬ ‫معاً‪.‬‬ ‫غالباً ما نعود بشكل فردي كتجربة نفسیة یصوغها‬ ‫تفاعلنا مع الحارض‪ ،‬نهرب ونلجأ إىل زاویتنا الزمنیة‬ ‫حارض مزدحم‪،‬‬ ‫اآلمنة ونسمیها حنیناً‪ .‬جسدنا وحید يف‬ ‫ٍ‬ ‫وأفكارنا مهاجرة إىل مواضع منتقاة من ذاكرتنا‬ ‫الشخصیة‪ .‬وكام نلتفت فرادى‪ ،‬نلتفت مجموعین‬ ‫كتجربة اجتامعیة تشكلها أحداث ُمتقاسمة؛ كام كان‬ ‫رحیل املخرج السوري (حاتم عيل) حدثاً ناق ًال؛ حیث‬ ‫عدنا إىل األمس جامعة كبیرة؛ أخذتنا یدٌ واحد ٌة هائلة‬ ‫وأدارت وجهنا إىل الخلف‪ ،‬وجهنا الجمعي أدیر إىل‬ ‫األمس املشرتك‪ .‬وضعنا النبأ الحزین يف مدة زمنیة مررنا‬ ‫بها وعشناها؛ ذات املدة التي ص ّور فیها املخرج حكایاته‬ ‫التلفزیونیة‪ ،‬لنعود ونزورها مرة أخرى‪ ،‬نر ّبت عىل كتف‬ ‫ما فات ومن فات‪ .‬قد یبدو الحدیث عن الحنین كالماً‬ ‫رومنسیاً‪ ،‬لكنه یبدو يل سؤاالً سوسیولوجیاً ملحـ‪‬ا؛‬ ‫كیف عدنا جمیعنا دون وعي‪ ،‬واتخذنا من الحدث‬ ‫سفینة توق إىل ما ال یعود؟‬ ‫تبدو تجاربنا اآلنیة مدعاة السرتداد ما مىض والحنین‬ ‫ماض ما تشاركنا كسوریین زمناً واحداً ومكاناً‬ ‫إلیه‪ .‬يف ٍ‬ ‫وأحداثاً كثیرة‪ .‬ومبا أن املايض منت ٍه بتجربة جمعیة‬ ‫قاسیة‪ ،‬یصبح ما بعده حارضنا املعلق‪ ،‬سواء كان يف‬ ‫املنفى القرسي أو يف بلد مل تعد صالحة للعیش‪ .‬التجربة‬ ‫األقىس كانت فعل النفي الذي یشیر إىل التنحیة‬ ‫واإلبعاد‪ ،‬وإىل إدخال أداة نفي عىل جملة تجربتنا‪.‬‬ ‫منفي الوجود أي كأنه مل یكن‪ .‬بهذه الصورة‬ ‫املنفي؛‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجامعیة القرسیة ُحرمنا من البالد وتف ّرقنا فرادى يف‬

‫اللوحة للفنانة سمرية بدران‬

‫واع‪ ،‬ورمبا كانت‬ ‫مامرسة تفاصیلها بشكل متطابق وال ٍ‬ ‫بعضها تجارب ألیمة‪ ،‬لكن بكل غرابة ننحي تدافع‬ ‫الحافلة وتالصق األجساد وتلوث الطرقات لنمكث يف‬ ‫ألفتها‪ ،‬نعزّي النفس أنها بالد ألیفة وبالد املنفى بال‬ ‫روح‪ .‬كل هذا یحصل كحیلة هروب من دورنا الجدید‬ ‫يف سیاقات الغربة‪ ،‬نضفي عىل الذاكرة رؤیة رومنسیة‪،‬‬ ‫لنجد أنفسنا جمیعاً نركب حافلة العودة الرمزیة‪.‬‬ ‫یمكن أن یكون مفهوم (اإلرث الثقايف) مفیدًا يف فهم‬ ‫أفضل ملنابع الذاكرة الجامعیة‪ .‬مع مرور الوقت‪ ،‬تظهر‬ ‫قیمة اإلرث حیث مل نتبین أهمیة أمناط حیاتنا السابقة‬ ‫أو عادتنا إال بعد رحیل أجیال سبقتنا‪ ،‬ويف املقابل مل‬ ‫ننتبه ألعامل ثقافیة إال بعد رحیل أصحابها‪ .‬تنتقل من‬ ‫ممكن إىل تذكار لیح ّملها الوقت معنى ویجعلها ُقدساً‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعد مرور زمن علینا كسوریین ال زلنا نلتفت إىل ما‬ ‫یشبهنا من إرثنا الجمعي‪ ،‬نستحرضه يف سؤالنا الهویايت‪،‬‬ ‫ورغم فقر وإشكالیة مجالنا الثقايف‪ ،‬إال أننا مع كل فقد‬ ‫لوجه نرى فیه وجهنا ومرآتنا‪ ،‬نحزن‪ ،‬ونلتفت بالرضورة‬ ‫إىل مجموع الذكریات التي صاغها معنا ثم تركها لنا‬ ‫كقیمة‪ .‬سنتذكر سهرات تلفاز م ّرت يف مرحلة من حیاتنا‬ ‫أو أغان مشرتكة كانت ترتدّد يف الطرقات‪ ،‬وأحیاناً نحنّ‬ ‫إىل مذیع غلیظ أو إعالن مستفز أو بوظة سیئة الطعم‬ ‫لنخرب أنفسنا أننا خالدون هنا مع الذاكرة؛ موجودون‪،‬‬ ‫وأننا يف وحدتنا َكرثة‪.‬‬ ‫إن كنا نلتفت لألمس ألننا يف حارضنا وحیدون‬ ‫ومتعبون فنجد هناك خیاالت متاسكنا‪ ،‬ونجد جامعتنا‬ ‫وإرثنا‪ ،‬فنحن إذاً نرسم وه ًام وظ ًال‪ .‬لكن بعقالنیة أكرث‬ ‫سرنى أن هناك بنى تكمن خلف التخ ّیل تؤثر عىل‬ ‫حضورنا الخاص وعىل تقدّمنا يف الزمن‪ .‬كثیر منا سیختار‬ ‫عدم العودة الجسدیة للبالد أو یرفضها بسبب األذى‬ ‫الجسدي والنفيس الذي لحق به وبسبب انعدام سبل‬ ‫األمان‪ ،‬لكن ستستمر ظالل العودة االنتقائیة يف حیاكة‬ ‫نفسها استمراراً لتاریخنا الشخيص والجمعي يف حنین‬ ‫مستمر وتدفق ال إرادي للنجاة‪ .‬حین تنعدم السبل‬ ‫تبقى ذاكرتنا وسیلة وحیدة للتعامل مع سنوات الخوف‬ ‫والحرمان ونلجأ للذاكرة كشوق للتغ ّیر‪.‬‬

‫كل مكان‪ ،‬لیقتيض ذلك تعلم لغات وثقافات وعادات‬ ‫جدیدة تتطلب جهداً وصرباً وعمراً مضافاً لنعیش حداداً‬ ‫مستمراً سببه النفي والنقصان‪ .‬یختبئ الحداد خلف‬ ‫كل استدعا ٍء محتمل للذاكرة‪ .‬يف هذا السیاق‪ ،‬ینقص‬ ‫السوریین زمان ومكان‪.‬‬ ‫ضج ما بعد املايض بالنقصان‪ ،‬فقدنا ذاتیتنا وتواصلنا‬ ‫ّ‬ ‫الطبیعي مع الناس واألشیاء‪ ،‬لغتنا بدأت تضمر وخرسنا‬ ‫الثقة بالتاریخ‪ ،‬أورثت هذه السلسلة تناقضاً كبیراً بین‬ ‫ما عشنا من ألفة ونعایش من غربة‪ .‬حتى إننا يف هذه‬ ‫البالد اآلمنة ال زلنا نشعر بالتوجس من ذواتنا الجدیدة‬ ‫والخوف من اآلين واآليت‪ .‬ألن أغلبنا یعیش يف أماكن غیر‬ ‫مضیافة ومتطلبة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫باتت العودة إىل أمسنا األلیف حال متاحا لعبء الوحدة‪.‬‬ ‫ماض جربناه لنطمنئ أنفسنا أنها‬ ‫نحنّ سویاً ونعود إىل ٍ‬ ‫مل تتغیر‪ ،‬وأنها منتمیة إىل َم َ‬ ‫عش كام كانت علیه يف ذلك‬ ‫الوقت؛ حین عمرت النار املدفأة فتحلقنا حولها نكتب‬ ‫فروضنا املدرسیة‪ .‬نو ّفر بهذا الحنین إحساس االنتامء‬ ‫والكرثة‪ .‬يف الغرفة ذاتها اعتدنا االجتامع حول رائحة‬ ‫طبق بیتي‪ ،‬ال یمكن ليشء أن یفصل تداخل الضحكات‬ ‫مع صوت املالعق حتى الطارق الغریب‪.‬‬ ‫یبدو املشهد مزدح ًام وألیفاً لشخص كانت أكرب آماله‬ ‫التسلل خارج الضجة‪ ،‬یبدو املشهد مكرراً لوال أن‬ ‫الضحكات حفرت لألبد يف عمق الذاكرة‪ .‬ننظر يف موائد‬ ‫املنفى لنطل عىل الوحدة ونغمض أعیننا لنتذ ّكر الصوت‬ ‫املندمج‪ .‬هكذا نشعر بوحدة أقل وننتمي بطریقة ما‬ ‫مزدحم ماض‪ ،‬خال من مكاتب العمل واللغات‬ ‫إىل عامل‬ ‫ٍ‬ ‫والبحار‪.‬‬ ‫تش ّكل املائدة مع غیرها من لقطات الذاكرة املنتقاة‪،‬‬ ‫إرثاً اجتامعیاً مشرتكاً‪ .‬متر تجارب مثل معسكر الفتوة ومع ذلك من حق الذین تعبوا أن یختاروا االلتفات لألمس‬ ‫أو انقطاع الكهرباء أو برامج التلفاز وتجارب اتفقنا عىل أو محوه كأنه ما كان‪ ،‬وأن یبذلوا جهداً هائ ًال للنسیان‪.‬‬


‫طريق حمفوف باملخاطر‬ ‫يواجه الصحفيات يف إدلب‬

‫‪15‬‬

‫سها العلي‬

‫غياب قوانني تحمي عمل الصحفيات يف شامل غرب‬ ‫سوريا‪ ،‬وتجاهل املنظامت الحقوقية ألصواتهن‬ ‫املطالبة بتوفري غطاء لنشاطهن اإلعالمي‪ ،‬يجعل‬ ‫إمكانية مامرسة عملهن بحرية وأمان مسألة‬ ‫صعبة ومعقدة‪.‬‬ ‫سهري اإلدلبي كاتبة وصحفية‪ ،‬تقول إن من أكرث‬ ‫املن ّغصات التي تقوض عملها اإلعالمي هو الخوف‬ ‫من املالحقة واالعتقال؛ سواء من السلطة القامئة‬ ‫ممثلة بهيئة تحرير الشام‪ ،‬والتي ال تتواىن عن‬ ‫مالحقة األفكار وحريات التعبري واالنتقادات‬

‫فيام تواجه الصحفيات واإلعالميات مخاطر‬ ‫عديدة ومتنوعة‪ ،‬وانتهاكات كان آخرها ما حدث‬ ‫مع الناشطة اإلعالمية نور الشلو التي اعتقلت‬ ‫لدى هيئة تحرير الشام ثالثة أشهر وأفرج عنها‬ ‫مؤخراً‪ ،‬يؤكدن االستمرار بالعمل‪ ،‬ومواجهة هذه‬ ‫املصاعب إليصال أصوات الناس ونقل الصورة‬ ‫كامل ًة عن املعاناة يف هذه املنطقة‪.‬‬

‫العدد‬

‫العمل بدون أمان!‬

‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫وأكدت العيل أنها استطاعت مع زميالتها‬ ‫الصحفيات مع مرور الوقت‪ ،‬كرس القيود‬ ‫االجتامعية‪ ،‬وأصبحت أهمية عملهن كنساء أكرث‬ ‫وضوحاً‪ ،‬وباتت نتائجه الهامة عىل مرأى الجميع‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫كرس القيود!‬

‫الصحفية سونيا العيل (‪ 38‬عاماً) والتي تعمل‬ ‫كصحفية مستقلة مبجال الصحافة املكتوبة‪،‬‬ ‫بدأت العمل الصحفي أيضاً عام ‪ 2015‬بعد أن‬ ‫خضعت لدورات صحفية متعددة‪ ،‬تقول سونيا‬ ‫عن سبب اختيارها للعمل يف مهنة الصحافة إنها‬ ‫اختارت هذا العمل “كسالح مهم يف نقل الحقيقة‬ ‫ومعاناة األهايل يف ظل ما يتعرضون له من جرائم‬ ‫وانتهاكات من قبل نظام األسد وحلفائه”‪ ،‬وتشري‬ ‫إىل أن هذا العمل ال يخلو من الصعوبات املتعلقة‬ ‫خاصة يف‬ ‫بنظرة املجتمع السلبية لعمل املرأة‪ّ ،‬‬ ‫مجال لطاملا كان حكراً عىل الرجال‪ ،‬حيث ما تزال‬ ‫النظرة لعمل املرأة يف مجاالت كثرية مبثابة خرق‬ ‫لألعراف والعادات‪ ،‬إىل جانب العمل يف ظروف‬ ‫بالغة الخطورة جراء القصف املستمر واملتكرر‪.‬‬

‫حتقيقات‬

‫مل تكن بداية العمل يف مهنة الصحافة سهلة عىل‬ ‫سلوى عبد الرحمن (‪ 48‬سنة) مراسلة قناة حلب‬ ‫اليوم يف إدلب؛ إذ واجهت العديد من التحديات‬ ‫املتعلقة بالوضع األمني‪ ،‬والعادات الرافضة لعمل‬ ‫املرأة‪ .‬ومع ذلك استمرت إلميانها بأهمية عملها‬ ‫يف “إيصال صوت املستضعفني للعامل” كام تقول‪.‬‬ ‫من محافظة إدلب وشامل غرب سوريا عموماً‪،‬‬ ‫ترص الصحفيات والناشطات اإلعالميات عىل‬ ‫ّ‬ ‫تغطية التطورات امليدانية واملعيشية واإلنسانية‬ ‫واالجتامعية‪ ،‬متجاوزات كل القوالب النمطية‬ ‫املقيدة للمرأة بخوض غامر العمل ضمن أصعب‬ ‫املهن‪.‬‬ ‫“من مهنة إىل مهمة” تحولت أهداف سلوى‪،‬‬ ‫التي بدأت عملها الصحفي عام ‪ ، 2015‬بعد‬ ‫تحرير مدينة إدلب من قوات النظام السوري‪.‬‬ ‫كانت بحاجة لعمل آنذاك؛ فبعد وفاة زوجها كان‬ ‫من الصعب أن تعتمد عىل اآلخرين يف نفقتها‬ ‫ونفقة أبنائها‪.‬‬ ‫تقول سلوى‪“ :‬حني عُ ِرض عيل العمل باملجال‬ ‫ُ‬ ‫شعرت أنني قادرة عىل القيام بذلك‪،‬‬ ‫اإلعالمي‪،‬‬ ‫وخاصة بعد أن درست يف معهد اإلعالم بإدلب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وامتلكت الخربة واملعلومات األكادميية”‪ ،‬مضيف ًة‪:‬‬ ‫“خالل عميل أيقنت أن هناك قضايا مهمة جداً‬ ‫عيل تغطيتها‪ ،‬أهمها أولئك املعرضني لكل أشكال‬ ‫القصف والقهر والنزوح‪ ..‬مثة مجازر وجرائم‬ ‫تخفي خلفها قصصاً إنسانية كثرية‪ ،‬وهنا برزت‬ ‫أهمية عميل الصحفي بتوثيق وتغطية معاناة‬ ‫هؤالء املظلومني”‪.‬‬ ‫انتقال سلوى من الصحافة املكتوبة إىل املرئية‪،‬‬ ‫كان من أكرب التحديات التي واجهتها يف مجتمع‬ ‫مل يعتد هذا األمر‪“ ،‬ليس من السهل أن تقفي‬ ‫وتخاطبي الناس أمام العدسة بطريقة مبارشة‪،‬‬ ‫وهو ما عرضني النتقادات كبرية من املجتمع‬ ‫الذكوري املحيط‪ ،‬ولكنني استمريت ليقيني‬ ‫برضورة وجود املرأة الصحفية أمام الكامريا‪،‬‬ ‫لتظهر للعامل أن منطقتنا ال يعمها السواد كام‬

‫يدّعي النظام وحلفاؤه‪ ،‬وإمنا هناك الكثري من‬ ‫املدنيني والنساء اللوايت حققن نجاحات كبرية”‬ ‫توضح سلوى‪.‬‬

‫املوجهة لها‪ ،‬أو الخوف من خاليا النظام املنترشة‬ ‫يف كل مكان يف الشامل السوري املحرر‪ ،‬وترتكب‬ ‫بشكل متكرر الجرائم واالغتياالت بحق الناشطني‬ ‫واإلعالميني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتضيف‪“ :‬أيضا الخوف من تقدم جيش النظام‬ ‫وسيطرته عىل املناطق املحررة‪ ،‬إذ سيكون‬ ‫العاملون يف املجال اإلعالمي من أوائل املستهدفني‬ ‫واملطلوبني ألجهزته األمنية”‪.‬‬ ‫وتذكر اإلدلبي إحدى الحوادث التي تعرضت‬ ‫لها أثناء محاولتها أخذ صورة لحركة األسواق يف‬ ‫مدينة إدلب عرب جوالها املحمول‪ ،‬حيث فوجئت‬ ‫بعنارص الهيئة وقد ظهروا أمامها فجأة‪ ،‬وبدأوا‬ ‫بالتحقيق معها ومساءلتها عن سبب التصوير‪،‬‬ ‫وماذا صورت‪ ،‬وأمروا بفتح جهاز املوبايل لرؤية‬ ‫الصور‪ ،‬وقاموا بفحصه دون مراعاة لخصوصية‬ ‫محتوياتهَ! وبعد انتهائهم قاموا بحذف الصور‬ ‫التي ُأخذت حديثاً وإعادة املوبايل وقالوا لها‪“ :‬أال‬ ‫تعلمني أن التصوير ممنوع تحت طائلة املساءلة‬ ‫والسجن؟ سنكتفي هذه املرة بحذف الصور”! يف‬ ‫تهديد واضح أنها آخر فرصة لها‪ ،‬قبل أن يلجأوا‬ ‫ألساليب أخرى قد تكون اعتقالها أو معاقبتها‪.‬‬ ‫مل تشأ اإلدلبي إخبارهم أنها صحفية‪“ ،‬يك ال تفتح‬ ‫ّ‬ ‫“محط شكوك ومراقبة من‬ ‫األعني” عليها وتغدو‬ ‫قبلهم” وفق تعبريها‪.‬‬ ‫اإلدلبي ماضية يف عملها‪ ،‬ومل تثنها املصاعب‪،‬‬ ‫إلميانها بأهمية عملها يف رصد ما يجري عىل أرض‬ ‫الواقع من ظلم ومعاناة يعيشها املدنيون بشكل‬ ‫يومي‪.‬‬


‫حفريات حامت علي البصرية وحدت قلوب‬ ‫السوريني يف وطنهم وتغريبتهم‬

‫‪16‬‬ ‫غسان ناصر‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬ ‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫صباح يوم الثالثاء ‪ 29‬كانون األول‪ /‬ديسمرب الفائت‪،‬‬ ‫تويف املخرج السوري حاتم عيل (‪ )2020 - 1962‬يف‬ ‫القاهرة إثر نوبة قلبية مفاجئة‪ ،‬ليتوقف قلبه عن الفن‬ ‫والعطاء‪.‬‬ ‫حاتم عيل‪ ،‬املخرج التلفزيوين والسيناميئ‪ ،‬واملرسحي‬ ‫واملمثل‪ ،‬والكاتب القصيص‪ ،‬الشغوف بعمله‪ ،‬صانع‬ ‫“التغريبة الفلسطينية” وثالثية األندلس‪“( :‬صقر‬ ‫قريش”‪ ،‬و”ربيع قرطبة” و”ملوك الطوائف”)‪ ،‬التي‬ ‫تناولت التاريخ العريب – اإلسالمي‪ ،‬والتي كتبها‬ ‫الفلسطيني د‪ .‬وليد سيف‪ ،‬و”صالح الدين”‪ ،‬و”عمر”‪،‬‬ ‫و”الزير سامل”‪ ،‬و”امللك فاروق”‪ ،‬و”رصاع عىل الرمال”‪،‬‬ ‫و”أوركيديا”‪ ،‬و”الفصول األربعة”‪ ،‬و”عىل طول األيام”‪،‬‬ ‫و”عيص الدمع”‪ ،‬و”أحالم كبرية”‪ ،‬و”قلم حمرة”‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وغريها من األعامل التاريخية واملعارصة‪ ،‬صار مع مرور‬ ‫الزمن املخرج السوري األهم يف الدراما التلفزيونية‬ ‫املحلية والعربية يف العقدين األخريين‪ ،‬بشهادة كبار‬ ‫املخرجني وكتّاب السيناريو ونجوم الدراما العرب‪.‬‬

‫رحلة شاقة ملبدع حدايث‪..‬‬

‫ثقافة‬

‫لقد استطاع ابن الجوالن السوري املحتل النازح مع‬ ‫عائلته إىل أحد ضواحي مدينة دمشق النائية (الحجر‬ ‫األسود) أن يصعد سلم الشهرة واملجد يف مجاله‬ ‫كممثل ومخرج بالدرجة األوىل‪ ،‬يف رحلة شاقة بدأت‬ ‫بدراسة أكادميية يف “املعهد العايل للفنون املرسحية” يف‬ ‫دمشق‪ ،‬ثم العمل كمخرج مساعد مع شيخ املخرجني‬ ‫السوريني هيثم حقي‪ ،‬قبل أن مينحه األخري كمنتج‬ ‫فرصة إخراج مسلسل “أمينة الصندوق”؛ تجربته‬ ‫األوىل التي نجحت وكشفت عن موهبة مبكرة‪ ،‬كانت‬ ‫بوابته ألعامل تالية ح ّققت نجاحات كبرية يف عدد كبري‬ ‫من األقطار العربية والشاشات الفضائية‪.‬‬ ‫وملع اسم حاتم عيل يف الدراما التلفزيونية السورية‬ ‫والعربية‪ ،‬بحسب نقاد‪ ،‬بوصفه مبدعًا حداث ًيا‬ ‫اهتم كث ًريا بتحقيق دراما تناولت مضامني تاريخية‬ ‫واجتامعية معارصة‪ ،‬تقع الصورة وجاملياتها يف مركزها‪،‬‬

‫ما كان سب ًبا لنجاحه يف تحقيق معادلة الجامليات‬ ‫الفنية ومتعة املشاهدة عىل السواء‪.‬‬ ‫ومثل كثري من السوريني حلم حاتم عيل بالحرية‪،‬‬ ‫حرية الكلمة‪ ،‬وحرية الفن‪ ،‬وخرج مع من خرج‬ ‫من أحرار وحرائر سوريا إىل شوارع الشام يف آذار‪/‬‬ ‫مارس ‪ ،2011‬مطال ًبا باإلصالح والتغيري وإنهاء الفساد‬ ‫واالستبداد‪ ،‬لكنه ككثري منا ً‬ ‫أيضا أدرك ّأن الطاغية‬ ‫املستبد بشار األسد لن يرحل كام رحل الرئيس‬ ‫التونيس زين العابدين بن عيل‪ّ ،‬‬ ‫وأن الجيش؛ جيش‬ ‫النظام الطائفي لن يقف إىل جانب الثوار يف شوارع‬ ‫وساحات البالد كام وقف الجيش التونيس ومن بعده‬ ‫الجيش املرصي‪ ،‬فق ّرر أن يغادر سوريا وقلبه عىل من‬ ‫بقي فيها‪ً ،‬‬ ‫حامل لواء الدفاع عن الحقّ السوري حتى‬ ‫ّ‬ ‫وإن الذ يف تغريبته بالصمت أحيا ًنا‪ ،‬وجاهر يف حفرياته‬ ‫البرصية أحيا ًنا أخرى‪.‬‬ ‫وبسبب مواقفه املؤيدة للثورة‪ ،‬وما قدّمه من‬ ‫أعامل درامية كشفت عن وحشية النظام يف تصديه‬ ‫خاصة عمله “قلم‬ ‫لالحتجاجات الشعبية السلمية‪ّ ،‬‬ ‫حمرة”‪ ،‬للكاتبة يم مشهدي‪ ،‬كان أن أصدر نقيب‬ ‫الفنانني السوريني زهري رمضان‪ ،‬الذي حول النقابة إىل‬ ‫فرع أمني تابع للمخابرات يف نظام األسد‪ ،‬قرا ًرا بفصل‬ ‫حاتم عيل ونحو ‪ 180‬فنا ًنا وفنانة من نقابة الفنانني‪،‬‬ ‫تحت ذريعة “عدم تسديدهم للرسوم املالية املرتتبة‬ ‫عليهم”!‬ ‫ويف هذه السنوات العجاف راهن حاتم عيل ‪-‬كام تذكر‬ ‫الكاتبة السورية ميسون شقري‪ -‬عىل العمق الفكري‬ ‫لثورة السوريني‪ ،‬فقدّم لنا العمل الوحيد الذي يستحقّ‬

‫أن نقول عنه إنه وجه الثورة ومالمحها‪ ،‬قدّم لنا‬ ‫مسلسل “قلم حمرة”‪ ،‬العمل الذي يستحقّ أن يكون‬ ‫رواية عظيمة‪ ،‬العمل الذي ال ينىس والحوارات التي‬ ‫كانت الصورة الحقيقية عن الزلزال الفكري والشعبي‬ ‫واالجتامعي والسيايس واإلنساين الذي عشناه وما زلنا‬ ‫منوت فيه‪.‬‬ ‫وبنقلة نوعية يف الدراما السورية استطاع حاتم عيل‬ ‫كام تقول الشاعرة السورية لينة عطفة‪“ -‬تسليط‬‫الضوء عىل الحياة الحقيقية التي حجبها نظام األسد‪.‬‬ ‫استطاع تسليط الضوء عىل حقوق املرأة وحالها يف‬ ‫املجتمع الذكوري األبوي‪ ،‬وعىل القضاء‪ ،‬والفساد وقمع‬ ‫الحريات‪ ،‬والحرمان الذي يعيشه اإلنسان السوري‪،‬‬ ‫يف أعامل متنوعة المعة مثل “عيص الدمع”‪“ ،‬أحالم‬ ‫كبرية”‪“ ،‬عىل طول األيام”‪ ،‬وغريها الكثري‪ .‬مت ّكن من‬ ‫ً‬ ‫محايل نظام القمع مجاهدًا يف سبيل إخالصه‬ ‫كل ذلك‬ ‫ملهنته ومرشوعه”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويرى الكاتب السوري محمد سامي الكيال‪ ،‬أن حاتم‬ ‫عيل “نال جان ًبا كب ًريا من شهرته العربية‪ ،‬مثل عدد‬ ‫مخرجا بارعًا‬ ‫آخر من املخرجني السوريني‪ ،‬بوصفه‬ ‫ً‬ ‫لألعامل التاريخية‪ ،‬إال أنه ح ّقق‪ ،‬إضافة لهذا‪ ،‬إنجازاً‬ ‫صع ًبا يف الرشط السوري‪ ،‬وهو تقديم أعامل اجتامعية‬ ‫معارصة‪ .‬والصعوبة تكمن يف كيفية صياغة دراما‬ ‫عن الحياة اليومية‪ ،‬يف بلد تم إغالق ح ّيزه العام‬ ‫بشكل كامل‪ ،‬وال ميكن فيه طرح أي قضية شائكة‬ ‫بحرية‪ .‬الحل السائد‪ ،‬آنذاك‪ ،‬كان األعامل االجتامعية‬ ‫الكوميدية الخفيفة‪ ،‬التي تناقش بعض القضايا األرسية‬ ‫واملعيشية‪ ،‬للفئة الوسطى املدينية‪ ،‬بشكل “نقدي”‬


‫‪17‬‬

‫العدد‬ ‫ثقافة‬

‫من يعرف حاتم عيل عن قرب يعرف أنه استمد قوة‬ ‫حضوره الهادئ الجميل من منجزه البرصي الحدايث‪،‬‬ ‫ولنا يف شهادة الكاتبة واإلعالمية بروين حبيب‪ ،‬املثال‬ ‫األنصع عىل قولنا هذا‪ .‬تقول حبيب‪“ :‬تع ّرفت عىل‬ ‫حاتم عيل أيام رسق املشهد الدرامي السوري قلوبنا‬ ‫بروعته‪ ،‬وسحرنا بجاملياته‪ ،‬وكنا عىل مدى عقود من‬ ‫الزمن ُمح َت َكرين كمشاهدين بالدراما املرصية‪ .‬يشء‬ ‫مختلف متا ًما قدمته الدراما السورية منذ بدايتها‪ ،‬كان‬ ‫أقوى من كل األعامل التي ع ّودنا عليها التلفزيون‪،‬‬ ‫كونه كان حقيق ًيا‪ ،‬ح ّد إدهاشنا مثل املرآة التي عكست‬ ‫دواخلنا بكل تفصيالتها”‪.‬‬ ‫ويرسم لنا رشيكه يف مسرية النجاح والتألق املمثل‬ ‫القدير جامل سليامن‪ ،‬صورة قلمية لحاتم املخرج‬ ‫القلق املتفاين يف عمله‪ ،‬يقول سليامن يف رثاء اإلنسان‬ ‫املثقف الذي ترك لنا ترا ًثا فن ًيا استثنائ ًيا‪ ،‬يقول‪“ :‬لطاملا‬ ‫عاتبتك عن عدم رضاك عام تقدمه‪ ..‬بعد كل نجاح‬ ‫كبري كنت تصنعه بتفانيك ودأبك وإخالصك واهتاممك‬ ‫ّ‬ ‫بأدق التفاصيل كنت أحزن ألنك ال تعيش فرحة‬ ‫النجاح كام يحقُّ لك أن تعيشها‪ .‬وكنت تقول يل‪“ :‬كان‬ ‫من املمكن أن نفعلها بشكل أفضل”‪ ..‬كنت تتحدّث‬ ‫عن عيوب مل ينتبه لها أحد‪ ،‬وكنت أستاء وأقول لك‪:‬‬ ‫يا رجل الكامل لله‪ ،‬دعك من تلك التفاصيل واحتفل‬

‫‪90‬‬

‫رس حلم حاتم عيل الذي مل يتح ّقق‪..‬‬ ‫ّ‬

‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫وقد برع عيل يف هذا النوع من األعامل؛ فقدم مع‬ ‫الفنان يارس العظمة‪ ،‬نسخة عام ‪ 1998‬من مسلسل‬ ‫يعب‪ ،‬بشكل كاريكاتريي‪ ،‬عن نظرة بقايا‬ ‫“مرايا” الذي ّ‬ ‫البورجوازية الدمشقية لنفسها‪ ،‬ولبقية فئات املجتمع‬ ‫السوري‪ ،‬كام أخرج مسلسل “الفصول األربعة”‪ ،‬الذي‬ ‫يقدم عائلة‪ ،‬تتحدّث اللهجة السورية “البيضاء” تعيش‬ ‫يف مكان ما وسط العاصمة دمشق‪ ،‬ويسود بينها‪ ،‬رغم‬ ‫كل املشاكل‪ ،‬نوع من التضامن واملحبة‪ .‬إنها (العائلة‬ ‫السورية) كام تحب أن ترى نفسها‪ ،‬والتي يتمنى أن‬ ‫يؤسس مثلها‪ ،‬أو يعيش فيها‪ ،‬كل من ينشد الرتقي‬ ‫ّ‬ ‫االجتامعي والطبقي‪ .‬ورمبا كان الحنني املعارص لهذه‬ ‫العائلة تو ًقا ملثال أكرث مام هو تذكر لرشط اجتامعي‬ ‫واقعي‪ ،‬عاشته فئة سورية‪ ،‬كان لديها بعض امللكية‬ ‫املالية والعقارية واألمن االجتامعي”‪.‬‬

‫بالنجاح فأنت تستحقُّ ذلك‪ ،‬ولكنك كنت ناقدًا قاس ًيا‬ ‫عىل نفسك‪ .‬كنت تحب الناس وتؤمن بوعيهم وذكائهم‬ ‫وكنت تؤمن بأنهم يستح ّقون أن يعرفوا الحقيقة‪،‬‬ ‫وبأنك مل تفعل ما يكفي من أجل ذلك”‪.‬‬ ‫وعن حفريات املخرج الراحل البرصية يف معالجاته‬ ‫لألعامل التاريخية‪ ،‬بصياغة برصية متط ّورة تستخدم‬ ‫آخر التقنيات يف عامل صناعة الدراما التلفزيونية‪ ،‬يرى‬ ‫الناقد السيناميئ والروايئ الفلسطيني سليم البيك‪ّ ،‬أن‬ ‫“حاتم عيل مييل إىل املالحم‪ ،‬وإىل التاريخ‪ ،‬إىل النصوص‬ ‫املمكن ‪-‬مع مخرجني مثله‪ -‬تحويلها إىل مراجع فنية‬ ‫للمشاهدين‪ ،‬فام ال يصل من خالل الكتاب إىل جامهري‬ ‫تشاهد وال تقرأ‪ ،‬أو تشاهد أكرث مام تقرأ‪ ،‬يصل‬ ‫َ‬ ‫تعاون فيها‬ ‫باملسلسالت‪ ،‬وهذا ما فعله يف مسلسالت‬ ‫ومختصني ـ بشكل ما ـ يف التاريخ‪،‬‬ ‫مع كتّاب بارزين‬ ‫ّ‬ ‫كممدوح عدوان ووليد سيف (وإبراهيم نرصالله يف‬ ‫مرشوع مل يكتمل هو “زمن الخيول البيضاء”)‪.‬‬ ‫ويف مقالة للروايئ الفلسطيني إبراهيم نرصالله‪ ،‬نرشت‬ ‫يف صحيفة “القدس العريب” يف السادس من الشهر‬ ‫الجاري‪ ،‬يحدّثنا فيها عن حلمه املشرتك مع حاتم عيل‪،‬‬ ‫والذي مل يتح ّقق ألسباب إنتاجية‪ .‬يقول نرصالله‪“ :‬يف‬ ‫صيف ‪ 2008‬اجتمعنا يف عامن‪ .‬كان حلم تقديم رواية‬ ‫“زمن الخيول البيضاء” يف مسلسل تلفزيوين‪ ،‬قد أصبح‬ ‫حقيقة؛ حاتم عيل الذي قرأ الرواية‪ ،‬جاء إىل ّ‬ ‫عمن‬ ‫متح ّم ًسا‪ ،‬حتى أنه رفض الحديث يف أي موضوع ما ّيل‪:‬‬ ‫“ما دام املسلسل عن فلسطني‪ ،‬سنبدأ العمل‪ ،‬وبعدها‬ ‫نتحدّث يف التفاصيل املالية”‪ .‬هذا ما قاله ألخي طارق‬ ‫زعيرت‪ ،‬منتج العمل‪ ..‬كان أكرث ما يشغلني هو املكان‬ ‫الذي سيجري فيه تصوير األحداث؛ كنت أميل إىل وجود‬ ‫مكان جميل ميثل قرية “الهادية” وكان حاتم عيل يجول‬ ‫يف األماكن بخياله‪ ،‬ويقول يل‪“ :‬أظننا سنجده يف ريف‬ ‫معبا عن “الهادية””‪ .‬كان‬ ‫طرطوس‪ ،‬هناك سنجد مكا ًنا ّ ً‬ ‫املخطط أن يكون العرض األول للمسلسل يف رمضان‬ ‫‪ 2009‬مسلسل ينتمي لفئة املسلسالت ذات اإلنتاج‬ ‫الضخم‪ ،‬لكنّ مسألة وجود الخيول التي ستلعب أدوا ًرا‬ ‫حقيقية يف املسلسل كشخصيات‪ ،‬وأه ّمها “الحاممة”‬ ‫و”األدهم” كانت تح ّد ًيا‪ .‬مل يطل الوقت قبل الوصول‬ ‫إىل قرار االستعانة مبدرب خيول إسباين يأيت إىل ّ‬ ‫عمن‪،‬‬ ‫ليبدأ باختيار الخيول املناسبة وتدريبها‪ ،‬يف الوقت‬

‫الذي يكون العمل عىل السيناريو مستم ًّرا‪ ،‬يف انتظار‬ ‫بدء التصوير يف كانون األول‪ /‬ديسمرب ‪ .”2008‬يضيف‬ ‫الروايئ الفلسطيني‪“ :‬كانت رشكة زعيرت قد حددت‬ ‫ميزانية كبرية ليك يتح ّقق حلم إنتاج الرواية‪ ،‬ولذا راح‬ ‫أخي محمد زعيرت‪ ،‬املدير التنفيذي للرشكة‪ ،‬يتن ّقل بني‬ ‫العواصم عىل أمل عقد اتفاقيات مع الفضائيات التي‬ ‫ستقدم العرض األول”‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫“أعددت ّ‬ ‫ملخصاً لألحداث‪ ،‬وقامئة بالشخصيات وحجم‬ ‫وكتب‬ ‫ظهورها‪ ،‬واألماكن التي سيتم فيها التصوير‪،‬‬ ‫َ‬ ‫حاتم عيل رؤيته للعمل يف صفحة واحدة وجدتها‬ ‫لديّ ‪ ،‬ليتم عرضها مع امللخص عىل املسؤولني يف‬ ‫الفضائيات العربية‪ .‬كان الهدف ً‬ ‫أيضا من هذا أن تقوم‬ ‫إحدى الفضائيات الكبرية باملشاركة يف اإلنتاج‪ ،‬وبذلك‬ ‫يكون لها حقّ احتكار العرض األول”‪.‬‬ ‫يتابع نرصالله‪“ :‬لكن حلمنا بدأ يصطدم بواقع مختلف‪،‬‬ ‫مل نتخ ّيله‪ ،‬وميكنني القول اآلن إنه كان البذرة السيئة‬ ‫العميقة لنبتة التطبيع األسوأ التي نراها اليوم‪ .‬فقد‬ ‫بدأ التم ّلص من إعطاء وعد باملشاركة يف اإلنتاج‪ ،‬أو‬ ‫حتى تقديم العرض األول‪ ،‬حني استع َّد املنتج لدفع‬ ‫ْ‬ ‫اقرتحت إحدى‬ ‫كامل تكاليف العمل‪ .‬وبعد التم ّلص‬ ‫الفضائيات الشهرية السامح لها بتحويل القسم األول‬ ‫ْ‬ ‫واشرتطت أخرى‪ ،‬ال‬ ‫من الرواية إىل مسلسل بدويّ !‬ ‫تقل عنها شهرة‪ ،‬تغيري املكان‪ ،‬أي أن ال يكون فلسطني‪،‬‬ ‫وسيشاركون يف اإلنتاج فو ًرا! يف تلك األيام‪ ،‬أدركنا‬ ‫حب بها يف الفضائيات‬ ‫للمرة األوىل أن فلسطني غري ُم َّر ٍ‬ ‫العربية”‪.‬‬ ‫بغياب حاتم عيل فقدت الساحة الفنية السورية‬ ‫ومخرجا ف ًذا مختلفاً‬ ‫والعربية‪ ،‬فنا ًنا ذك ًيا ومجتهد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عن السائد‪ ،‬وإنسا ًنا ً‬ ‫نبيل ترك بصمة لن ميحوها الزمن‬ ‫بعدما استطاع الحفاظ عىل خياراته االستثنائية‪ ،‬التي‬ ‫ال تشبه الخيارات التجارية التي ذهب إليها مخرجون‬ ‫كثريون عندما باتت أسامؤهم مشهورة‪ .‬ولعل ما‬ ‫أثارته وفاته املفاجئة مشاعر الفقد بني السوريني‬ ‫يف وطنهم املختطف ويف تغريبتهم‪ ،‬ورثاء بلد وزمن‬ ‫ضائعني‪ ،‬يتفق مع ثيمة عمل عليها كث ًريا يف مسلسالته‬ ‫التاريخية‪ ،‬وهي األرض املفقودة؛ سواء كانت األندلس‪،‬‬ ‫الفردوس الضائع يف األيديولوجيا القومية العربية‬ ‫املعارصة‪ ،‬أو فلسطني ما قبل النكبة‪...‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫‪18‬‬

‫على مدار يوم‬ ‫ني‪..‬‬ ‫ا‬ ‫ملؤ‬ ‫متر‬ ‫األ‬ ‫ول‬ ‫ل‬ ‫لبا‬ ‫حث‬ ‫ني‬ ‫ال‬ ‫سو‬ ‫ري‬ ‫ني‬ ‫يف‬ ‫ال‬ ‫عل‬ ‫وم االجتماعية‬ ‫حتت شعار “احلرية األ‬ ‫كادميية الكاملة للباحثني االجتماعيني”‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬ ‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫ينظم مركز حرمون للدراسات املعارصة والجمعية‬ ‫السورية للعلوم االجتامعية‪ ،‬باالشرتاك مع مجلة‬ ‫“قلمون”‪ ،‬املؤمتر األول للباحثني السوريني يف العلوم‬ ‫االجتامعية‪ ،‬تحت شعار “الحرية األكادميية الكاملة‬ ‫للباحثني االجتامعيني”‪ ،‬ما بني يومي ‪ 15‬و‪ 17‬من الشهر‬ ‫الجاري‪.‬‬ ‫تستم ُّر‬ ‫أ‬ ‫عامل‬ ‫ا‬ ‫ملؤمتر لثالثة أيام‪ ،‬ونظ ًرا لظروف جائحة‬ ‫كورونا‪ ،‬فإنها ستُعقد عرب البث املبارش عىل منصة‬ ‫“فيسبوك” التابعة ملركز حرمون للدراسات املعارصة‪،‬‬ ‫وتبدأ الفعاليات مساء يوم الجمعة ‪ 15‬من الشهر‬ ‫الجاري‪ ،‬بد ًءا من الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيت‬ ‫دمشق‪ .‬ويُشارك يف املؤمتر عدد كبري من الباحثني‬ ‫االجتامعيني السوريني‪ ،‬من اختصاصات مختلفة‪،‬‬

‫ويفتتحه كل من سمري سعيفان (مدير مركز حرمون‬ ‫للدراسات املعارصة)‪ ،‬وخرض زكريا (مدير الجمعية‬ ‫السورية للعلوم االجتامعية)‪ ،‬ويوسف سالمة (رئيس‬ ‫تحرير مجلة “قلمون”)‪ ،‬وساري حنفي (رئيس الجمعية‬ ‫الدولية لعلم االجتامع)‪ ،‬كام يُشارك فيه عدد هام من‬ ‫املفكرين والباحثني السوريني من بينهم‪ :‬حسام الدين‬ ‫درويش‪ ،‬وحمزة املصطفى‪ ،‬والنا زباد‪ ،‬ووفاء سليامن‪،‬‬ ‫وحسني جلبي‪ ،‬وعبد الله تركامين‪.‬‬ ‫وسيقوم بإلقاء محارضات رئيسية يف املؤمتر الباحث‬ ‫واملفكر الفرنيس فرانسوا بورغا (أستاذ العلوم السياسية‬ ‫ومدير األبحاث يف معهد البحوث والدراسات حول العامل‬ ‫العريب واإلسالمي يف فرنسا)‪ ،‬وبرهان غليون (أستاذ علم‬ ‫االجتامع السيايس ومدير مركز دراسات الرشق املعارص‬

‫ً‬ ‫حديثا‪« ..‬مجهورية‬ ‫صدر‬ ‫الكلب» الرواية الثالثة‬ ‫إلبراهيم اليوسف‬

‫ثقافة‬

‫صدر حدي ًثا عن دار “خطوط وظالل” يف العاصمة‬ ‫األردنية عامن‪ ،‬للشاعر والروايئ الكردي السوري‬ ‫إبراهيم اليوسف‪ ،‬املقيم يف أملانيا‪ ،‬روايته الثالثة اليومية بالنسبة ألصحاب املكان‪ ،‬إذ إنه يتذمر من‬ ‫املوسومة بـ «جمهورية الكلب»‪ ،‬وذلك بعد روايتيه هذا الواقع إىل حني‪ ،‬قبل أن يتعرف عىل أرملة أملانية‪،‬‬ ‫«شارع الحرية» (‪ ،)2017‬و«شنكالنامه» (‪ .)2018‬هي حفيدة أدولف هتلر‪ ،‬من جهة أمها‪ ،‬وزوجة خبري‬ ‫وإذا كانت روايتا املؤلّف السابقتان تناولتا واقع نفط أملاين قىض وسائقه الخاص يف الحرب العراقية‬ ‫مكانه واملنطقة وإنسانهام‪ ،‬بعد الثورة السورية‪ ،‬نتيجة قصف السيارة التي كان يقلها وزوجته‪ ،‬هاربني‬ ‫مركزًا عىل واقع ابن املكان يف مواجهة أدوات من املوصل التي كان يعمل فيها‪ ،‬متوجهني إىل بغداد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مجهول‪.‬‬ ‫اإلرهاب واالستبداد‪ ،‬ويف مطلعها تنظيم “داعش” لتنجو زوجته‪ ،‬ويبقى مصريه والسائق‬ ‫اإلرهايب‪ّ ،‬‬ ‫فإن هذه الرواية ‪-‬بحسب النارش‪ ،-‬ا ّتخذت يعتمد الكاتب خالل الرواية عىل املذكرة‪ ،‬واليوميات‬ ‫املهجر الذي اضطر السوريون للجوء إليه‪ ،‬بعد والتاريخ‪ ،‬وحضور مالمح من شخصيته‪ ،‬بعيدًا عن‬ ‫الحرب‪ ،‬وتحديدًا أملانيا وأوروبا‪ ،‬مكا ًنا لها‪ ،‬إذ يتناول االستغراق يف أي منها‪ ،‬كام فعل ذلك يف أكرث من عمل‬ ‫صدام الثقافات‪ ،‬من منظور آخر‪ ،‬يبدو لدينا يف عداد له‪ ،‬باإلضافة إىل جمعه ما بني الواقع والخيال‪ .‬واقع‬ ‫ما هو مهمل أو مهمش‪ّ ،‬إل أنه يرى فيه رمزية ما تواريخه‪ ،‬ويومياته‪ ،‬ويوميات الحدث الجديد‪ ،‬وذلك‬ ‫كام ستبني ذلك فصول الرواية التي متتد عىل ‪ 360‬عرب لغة ريبورتاجية‪ ،‬سلسة‪.‬‬ ‫صفحة من القطع املتوسط‪ ،‬وبغالف معرب رسمه رواية «جمهورية الكلب»‪ ،‬كام جاء عىل الغالف‬ ‫الفنان األردين الفلسطيني محمد العامري‪.‬‬ ‫األخري للكتاب‪ ،‬تكاد أن تتفرد يف تناول رصاع ثقافتني‬ ‫بطل الرواية هو الراوي ذاته إذ يستعرض تفاصيل إنسانيتني‪ ،‬لكل منهام ثيامتها وعالماتها الفارقة‪ ،‬من‬ ‫الحياة التي فتح عليها وأرسته عيونهم‪ ،‬يف وطنهم خالل الرتكيز عىل ثقافة املوقف من الكلب إذ لكل‬ ‫األم‪ ،‬وذلك من خالل نظرة محددة إىل عامل الكالب‪ ،‬مجتمع‪ ،‬لكل ثقافة‪ ،‬لكل بيئة موروثها الخاص يف هذا‬ ‫كنتيجة لثقافة متوارثة‪ ،‬متأصلة‪ّ ،‬إل أنه يصطدم منذ املجال‪ ،‬ومن هنا ّ‬ ‫فإن الرواية تقدم رؤية جديدة لهذا‬ ‫وصوله إىل أملانيا بحضور الكالب كجزء من الحياة العامل‪...‬‬

‫يف جامعة السوربون يف فرنسا)‪ .‬و ُتناقش الجلسات عددًا‬ ‫من املحاور منها‪“ :‬الرصاع عىل سورية يف عرص األقطاب‬ ‫املتعدّدة”‪ ،‬و”الحركات الدينية والطائفية”‪ ،‬و”حياة‬ ‫اللجوء السوري”‪ ،‬و”التح ّول الدميقراطي والعدالة‬ ‫االنتقالية يف سورية”‪.‬‬

‫حصول جندلي على إقامة‬ ‫فنية يف جامعة “كوينز”‬ ‫األمريكية‬ ‫اختارت جامعة “كوينز” بشارلوت يف الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية‪ ،‬عازف البيانو وامللحن السوري الشهري مالك‬ ‫جنديل ليكون أول ملحن يحصل عىل إقامة فنية فيها ملدة‬ ‫عامني‪ .‬وخالل هذه املدة‪ ،‬يتعني عليه تأليف وإنتاج أعامل‬ ‫سيمفونية‪ ،‬كام عليه أن يشارك يف أوركسرتا احرتافية يف‬ ‫حفالت عىل مستوى العامل‪.‬‬ ‫أما أكادميياً‪ ،‬فسيقوم بتقديم ورشات عمل ومحارضات‬ ‫ودروس متقدمة حول اإلنتاج والتأليف املوسيقي‪..‬‬ ‫ومن خالل هذه اإلقامة سأمتكن “من مشاركة رحلتي‬ ‫املوسيقية مع الطالب‪ ،‬وكذلك أن أربطهم بأكادمييني آخرين”‬ ‫يقول جنديل‪.‬‬ ‫وميزج العازف السوري يف أعامله بني الرتاث املرشقي‬ ‫واألسلوب الغريب‪ ،‬واألشكال الكالسيكية والهارمونيتيكية‪ .‬وقد‬ ‫عزفت مؤلفاته املوسيقية فرق أوركسرتا كان من بينها فرقة‬ ‫األوركسرتا الفيلهارمونية امللكية بلندن‪ ،‬وأوركسرتا بالتيمور‬ ‫السيمفونية‪ ،‬واألوركسرتا الفيلهارمونية الروسية‪ ،‬وذلك يف‬ ‫أماكن عدة منها دار األوبرا بسيدين‪ ،‬وفينار كونزيرتهاوز‬ ‫بالنمسا‪ ،‬وقاعة كارنيجي وغريها‪.‬‬ ‫وملؤلفات جنديل املوسيقية غاية وهدف‪ ،‬أال وهو حفظ‬ ‫الرتاث الثقايف لسوريا‪ .‬وعرف الفنان بوقوفه إىل جانب ثورة‬ ‫شعبه منذ انطالقتها يف آذار‪ /‬مارس ‪.2011‬‬


‫إبداعات ونشاطات سورية‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫«تطور‬ ‫سوريا السياسي يف ظل االنتداب» بالعربية‪..‬‬ ‫جديد‬ ‫“املركز العربي لألحباث ودراسة السياسات”‬

‫العدد‬

‫‪90‬‬ ‫‪2021 / 1 / 15‬‬

‫«تطور سوريا السيايس يف ظل االنتداب» عنوان النسخة‬ ‫امل‬ ‫سبقة‪،‬‬ ‫أو‬ ‫تف‬ ‫ضيالت‬ ‫وأ‬ ‫حكام‬ ‫مع‬ ‫اونيه‬ ‫الفرن‬ ‫سيني‪،‬‬ ‫وهو‬ ‫العربية من كتاب السيايس السوري إدمون رباط‪ ،‬والذي‬ ‫ً‬ ‫أيض‬ ‫ا‬ ‫حال‬ ‫م‬ ‫ستشار‬ ‫ال‬ ‫قضاء‬ ‫ّ‬ ‫الذي‬ ‫يرشع وفق رغباته‪ ،‬األمر‬ ‫صدر حدي ًثا عن سلسلة “ترجامن” يف “املركز العريب‬ ‫الذي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫نطبق‬ ‫أيض‬ ‫ا‬ ‫عىل‬ ‫جميع‬ ‫مست‬ ‫ويات‬ ‫ا‬ ‫إلدارة‬ ‫االنت‬ ‫دابية‬ ‫لألبحاث ودراسة السياسات” يف الدوحة‪ ،‬برتجمة أنجزها‬ ‫التي‬ ‫ي‬ ‫شوبها‪،‬‬ ‫ب‬ ‫حسب‬ ‫ت‬ ‫عبريه‪،‬‬ ‫عقلية الوصاية املطلقة تجاه‬ ‫الباحث والصحايف اللبناين سليامن ريايش‪.‬‬ ‫ال‬ ‫سكان‬ ‫املوص‬ ‫ومني‪،‬‬ ‫بنا‬ ‫ء‬ ‫عىل‬ ‫ً‬ ‫نظرة‬ ‫است‬ ‫عالئية‬ ‫ونخ‬ ‫بوية‪،‬‬ ‫يتناول الكتاب تجربة العمل السيايس للسلطات الفرنسية‬ ‫بعدم‬ ‫الك‬ ‫فاءة‪،‬‬ ‫وبك‬ ‫ونهم‬ ‫يف‬ ‫ً‬ ‫مرتبة‬ ‫متدنية مقارنة مبا هو‬ ‫املنتدبة يف سوريا‪ ،‬بهدف‬ ‫عليه حال الفرنسيني‪.‬‬ ‫تبيان هذا العمل من قِبل القوة املحتلة للبالد‪ ،‬والقضايا‬ ‫وينشغل املؤلف يف الفصل الخامس املوسوم بـ «استيالد‬ ‫السياسية واالجتامعية التي طرحت نفسها‪ ،‬وكانت تنتظر‬ ‫الدول»‪ ،‬بسؤال‪“ :‬هل لسوريا أن تشكل دولة واحدة أم دولً‬ ‫ً ً‬ ‫دامئا حل جذر ًيا لها‪ .‬لذا كان من الرضوري معرفة النظام‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ّة؟”‪،‬‬ ‫با‬ ‫عتباره‬ ‫قضية‬ ‫ش‬ ‫غلت‬ ‫الرأي العام خالل السنوات‬ ‫السيايس واالجتامعي الذي عاشت سوريا يف ظ ّله منذ‬ ‫األوىل‬ ‫لالنت‬ ‫ّ‬ ‫داب‪.‬‬ ‫و‬ ‫ناقش‬ ‫املؤ‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫هذه‬ ‫ال‬ ‫قضية‬ ‫عىل‬ ‫ضوء‬ ‫قرون‪ ،‬واملحاوالت التي قام بها قادة ما قبل الحرب العاملية‬ ‫دراسته للتح ّوالت الجغرافية يف الخريطة السورية‪ ،‬بصفتها‬ ‫األوىل من أجل تحديث الدعائم الهرمة لنظام الدولة‬ ‫تح‬ ‫و‬ ‫الت‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫اتجة‪،‬‬ ‫بشك‬ ‫أو‬ ‫لٍ‬ ‫بآخر‪،‬‬ ‫عن‬ ‫ال‬ ‫سؤال‬ ‫ن‬ ‫فسه‪،‬‬ ‫مبا‬ ‫هو‬ ‫العثامنية وفق التص ّورات الغربية؛ ذلك ّأن النظام الطائفي‬ ‫أحد‬ ‫األ‬ ‫سباب‬ ‫غري‬ ‫امل‬ ‫بارشة‬ ‫خلف‬ ‫ت‬ ‫قليص مساحة سوريا إىل‬ ‫واملنظومة اإلدارية العثامنية هام نتاج املايض‪ّ ،‬‬ ‫ويعثان ‪ 18‬أيلول‪/‬سبتمرب ‪ ،)1991‬السياسة‬ ‫الف‬ ‫ما‬ ‫بني‬ ‫رنسية‬ ‫الل‬ ‫يطاين‬ ‫جنو‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وريف‬ ‫ً‬ ‫حلب‬ ‫شامل‬ ‫‪،‬‬ ‫وف‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ملا‬ ‫ر‬ ‫يف‬ ‫سمته‬ ‫سوريا صنع املستقبل‪ .‬كام يناقش املؤلّف يف الكتاب يف سوريا بأنها‬ ‫ً‬ ‫مست‬ ‫وحاة‪،‬‬ ‫دا‬ ‫مئ‬ ‫ا‪،‬‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫الال‬ ‫اال‬ ‫ت‬ ‫فا‬ ‫مباالة‬ ‫قيات‬ ‫الف‬ ‫رنسية‬ ‫–‬ ‫الربي‬ ‫طانية‬ ‫من جهة‪ ،‬والفرنسية –‬ ‫(ستة فصول يف ‪356‬‬ ‫صفحة من القطع املتوسط‪ ،‬موث ًقا امللحوظة تجاه رغبات السكان‪،‬‬ ‫بد‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫رتكية‬ ‫ً‬ ‫من‬ ‫جه‬ ‫ة‬ ‫أ‬ ‫خرى‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫باإل‬ ‫ضافة‬ ‫إىل‬ ‫مسؤ‬ ‫وليته‬ ‫غري‬ ‫امل‬ ‫بارشة‬ ‫وم ً‬ ‫فهرسا) التنظيامت اإلدارية يف لبنان الكبري‪ ،‬واملحاكم‪ ،‬املفوض السامي‬ ‫الذي‬ ‫مل‬ ‫يكن‬ ‫يس‬ ‫ً‬ ‫تشري‪،‬‬ ‫يف‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫أيض‬ ‫ا‬ ‫اته‬ ‫عن‬ ‫ظهور‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ختفاء‬ ‫تش‬ ‫كيالت‬ ‫وكيانات مختلفة‪ ،‬مثل‬ ‫والعدالة املجتزأة وأثر ذلك يف الهوية واالنتامء الوطني‪.‬‬ ‫املتعلقة مبختلف مجاالت الحياة‬ ‫الس‬ ‫“دولة‬ ‫ياسية‬ ‫دم‬ ‫شق”‪،‬‬ ‫و‬ ‫”دولة‬ ‫ح‬ ‫لب”‪،‬‬ ‫و‬ ‫”دولة‬ ‫جبل‬ ‫العل‬ ‫ويني”‪،‬‬ ‫ويصف إدمون رباط (‪ 29‬ترشين الثاين‪/‬نوفمرب‬ ‫‪ - 1904‬واالجتامعية يف البالد‪ ،‬سوى تفضيالته وأحكامه و”لبنان الكبري”‪ ،‬وغريه‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫غضب “فيسبوكي” من تظاهرة فنية‬ ‫شوهت جدران مدينة دمشق القدمية‬

‫قبل املعنيني بحامية الرتاث املعامري والحضاري‬ ‫بدمشق‪ ،‬تحوي ثالث كنائس تعود إىل مطلع القرن‬ ‫التاسع عرش‪ ،‬أهمها كنيسة (القريش) الواقعة يف زقاق‬ ‫القريش‪ ،‬وتعدُّ من أهم كنائس الرشق‪ ،‬إذ كانت املركز‬ ‫الرئييس لطائفة الروم الكاثويك قبل انتقاله إىل كنيسة‬ ‫الزيتون يف حي باب رشقي العريق‪ .‬ورغم األهمية‬ ‫التاريخية لحارة التيامنة فإنها سقطت من دائرة‬ ‫االهتامم الرسمي والشعبي وحتى الكنيس‪ ،‬وق ّلة من‬ ‫السوريني يعلمون بوجود حارة مسيحية منذ نحو أكرث‬ ‫من مائتي عام داخل حي امليدان ذي الغالبية املسلمة‬ ‫املحافظة‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫أحدثت مبادرة غالريي النحات السوري مصطفى‬ ‫عيل‪ ،‬بفعاليتها «فن الطريق» يف حارة التيامنة القدمية‬ ‫يف حي امليدان الدمشقي العريق يف األسبوع األخري‬ ‫من العام املنرصم‪ ،‬غض ًبا يف موقع التواصل االجتامعي‬ ‫“فيسبوك”‪ ،‬ملا اعتربه كثريون تشويهًا لجدران مدينة‬ ‫دمشق القدمية‪.‬‬ ‫الفعالية شارك فيها نحو ‪ 16‬فنا ًنا وفنانة من الشباب‬ ‫جرى اختيارهم من قبل الغالريي‪ ،‬نفذوا لوحاتهم‬ ‫ومنحوتاتهم يف الطريق خمسة منها كانت جدارية‬ ‫نفذت عىل الجدران مبارشة‪ ،‬مام أثار السخط العام‬ ‫وحفيظة املهتمني بالحفاظ عىل دمشق القدمية‬ ‫وهويتها املعامرية والفنية الجاملية‪ ،‬باعتبار الرسم‬ ‫عىل الجدران بطريقة اعتباطية غري مدروسة تشويه ال‬ ‫تزيني للمدينة‪ّ .‬‬ ‫وصب آالف السوريون عرب “فيسبوك”‬ ‫جام غضبهم عىل النشاط وعىل محافظة دمشق التي‬ ‫متنح بصعوبة بالغة تراخيص الرتميم لألهايل‪ ،‬مهملة‬

‫األحياء القدمية بينام تسمح بإقامة أنشطة تزيد يف‬ ‫التشويه الحاصل بزعم “بث الروح” يف تلك األحياء‬ ‫بعد عرش سنوات من الخراب والدمار بسبب الحرب‬ ‫املجنونة التي أعلنها رأس النظام بشار األسد ضد‬ ‫شعبه لثورته ضد حكمه الفاسد املستبد‪.‬‬ ‫وزارة ثقافة النظام التي شملتها موجة االنتقادات‬ ‫العاصفة بصفتها املخ ّولة بالحفاظ عىل األحياء الرتاثية‪،‬‬ ‫ال سيام املوضوعة عىل الئحة الرتاث العاملي التابعة‬ ‫للجنة الرتاث العاملي ملنظمة األمم املتحدة للثقافة‬ ‫والرتبية والعلوم (يونيسكو)‪ ،‬تربأت يف بيان لها من‬ ‫املوافقة عىل فعالية «فن الطريق» وقالت إنها‪« :‬مل‬ ‫تعط أي موافقة عىل القيام بالنشاط املذكور»‪ ،‬كونه‬ ‫خارج صالحياتها بعد التأكيد عىل ّأن حي التيامنة‬ ‫الذي جرى الرسم عىل جدرانه “غري مسجل أثريًا”‪.‬‬ ‫هذا ويشار إىل ّأن حارة التيامنة يف حي امليدان‬ ‫الدمشقي العريق‪ ،‬التي ال تحظى بأي اهتامم من‬


‫عمل للفنان سمير خليلي‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.