طلعنا عالحرية / العدد 79

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪79‬‬ ‫‪2016 / 10 / 27‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع داخل‬ ‫سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعشات السورية يف الخارج‬


‫جواب لسؤال‬

‫‪2‬‬

‫افتتاحية بقلم د‪ .‬هيثم الحموي‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 27 - 79 -‬‬

‫يروى أن سيدة يف قرية كانت ماهرة يف صناعة طبق‬ ‫من أطباق السمك‪ ،‬وعندما كانت ترشح طريقة‬ ‫إعداد الطبق إلحدى جاراتها‪ ،‬قالت إنها تقطع رأس‬ ‫السمكة وذيلها قبل وضعها يف مقالة الزيت‪ .‬سألتها‬ ‫جارتها عن السبب‪ ،‬فقالت السيدة إنها ال تعلم‬ ‫السبب لكنها تعلمت الطريقة من والدتها‪ .‬امتلك‬ ‫الفضول الجارة‪ ،‬فذهبت إىل والدة السيدة لتسألها‬ ‫عن سبب قطع الرأس والذيل‪ ،‬فأجابت الوالدة أنها‬ ‫هي أيضاً ال تعرف السبب‪ ،‬وأنها تعلمت طريقة‬ ‫صنع طبق السمك من والدتها التي ال تزال عىل‬ ‫قيد الحياة‪ .‬ذهبت الجارة من فورها إىل الجدة‪،‬‬ ‫وعندما حدثتها بالقصة‪ ،‬وسألتها عن سبب قطع‬ ‫الرأس والذنب‪ ،‬انفجرت الجدة ضاحكة‪ ،‬وقالت لها‬ ‫إن السبب أن مقالتها كانت صغرية‪ ،‬وكانت تضطر‬ ‫لقطع الرأس والذنب حتى تتسع املقالة للسمكة!‬ ‫كثرية هي ترصفاتنا املشابهة لقطع الرأس والذنب‪،‬‬ ‫ذهبت الحاجة لكن بقي السلوك‪ ،‬والسبب ببساطة‬ ‫غياب السؤال‪.‬‬ ‫بعد سن الثالثة يبدأ الولد بإرهاق أهله بسؤاله‬ ‫املتكرر املتوايل (ملاذا؟) وكل جواب يج ّر (ملاذا؟)‬ ‫أخرى‪ ،‬حتى يكتفي الولد ويهز رأسه ليعيد الكرة يف‬ ‫موقف جديد بعد وقت قصري‪ .‬يتالىش هذا السؤال‬ ‫من أذهاننا مع تقدمنا يف العمر‪ ،‬وتتح ّول سلوكياتنا‬ ‫إىل عادات غري مفهومة تأرسنا بقوة‪ ،‬وحتى لو‬ ‫أحسسنا منها بالضجر‪ ،‬فال نجرؤ أن نعود إىل سؤالنا‬

‫الطفويل (ملاذا؟)!‬ ‫كنت يف حديث مع صديق إنجليزي عن بعض عادات‬ ‫اإلنجليز‪ ،‬وبعد عدة أسئلة قال يل‪“ :‬هل تعرف أنني‬ ‫مرسور بأسئلتك ألنها جعلتني أفكر بأمور كثرية‬ ‫أفعلها وفق العادة‪ ،‬ومل أفكر بها يوماً”‪ .‬األمر ذاته‬ ‫حدث معي عندما سألتني صديقتي األملانية‪“ :‬ملاذا‬ ‫الوشم حرام يف اإلسالم؟” فقلت لها الجواب الذي‬ ‫حفظته من صغري‪ :‬ألنه تغيري لخلق الله‪ ،‬فأجابتني‬ ‫بابتسامة ساخرة‪“ :‬ولكنكم تثقبون آذان بناتكم‬ ‫وتطهرون أوالدكم الذكور‪ ،‬وهذا تغيري لخلق الله”‪.‬‬ ‫كثرياً ما أف ّكر أن إحسايس بالضياع يف أمر ما سببه‬ ‫عدم وضوح السؤال يف ذهني‪ ..‬بل إنني استخدمت‬ ‫طريقة السؤال ألتخ ّلص من ضيق يصيبني‪ ،‬بأن أقف‬ ‫مع نفيس بوضوح سائ ًال إياها‪ :‬ملاذا أنت يف ضيق‬ ‫اآلن؟ وبعد أن أضع الجواب‪ ،‬أسأل نفيس‪ :‬وملاذا‬ ‫هذا األمر يسبب لك الضيق‪ ،‬ومن ثم سؤال‪ :‬وماذا‬ ‫اآلن؟ هل ميكنك تغيري يشء نحو األفضل‪ ..‬أم أن األمر‬ ‫حدث وانتهى؟‪..‬‬ ‫ثقافتنا عموماً تقدّس اإلجابة وتكره السؤال؛ مندح‬ ‫إنساناً ألن عنده جواب لكل سؤال‪ ،‬مع أن هذا‬ ‫الرجل قد ال يكون يوماً فكر بسؤال واحد من تلقاء‬ ‫نفسه‪ ،‬وإمنا حفظ األسئلة واألجوبة كالببغاء‪.‬‬ ‫بعد كل جلسة نقاشية مثرية ألسئلة ها ّمة‪ ،‬يخرج‬ ‫معظم الحضور منزعجني ألننا مل نصل إىل جواب‬ ‫لألسئلة املطروحة‪ ،‬وكأنه لو كان األمر بهذه السهولة‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫ملا بقي للسؤال معنى!‬ ‫دخلت يف حوارات كثرية مع ناس من مختلف‬ ‫األجناس‪ ،‬ويف مختلف املوضوعات‪ ،‬ويف كل مرة‬ ‫أجد أن أساس أي أمر هو إثارة السؤال‪ ،‬وأنك إن مل‬ ‫تستطع إثارة السؤال يف نفس اإلنسان‪ ،‬فال معنى ألن‬ ‫تبادر بإعطاء الجواب‪.‬‬ ‫واليوم وبعد كل ما حدث يف سورية‪ ،‬ال يزال كثريون‬ ‫يرفضون السؤال عن سبب ما يحدث؛ فاألجوبة‬ ‫جاهزة‪ ،‬وكل منّا عنده أجوبته لـ (ال أسئلته)!‬ ‫مل نتساءل بعد بصدق وحرقة‪ ،‬سؤاالً يتعدى دمدمة‬ ‫اللسان إىل إعامل الجوارح والفؤاد بكل الوسع‬ ‫والطاقة‪ :‬ملاذا ّ‬ ‫تحل بنا كل هذه املصائب؟ ملاذا‬ ‫ظهرت داعش؟ ملاذا ال تقوم للمسلمني قامئة يف كل‬ ‫أنحاء املعمورة؟ ملاذا ال يعرف املسلمون طريقاً إىل‬ ‫العمل الجامعي؟‬ ‫كل هذه األسئلة وغريها ال تنتظر إجابات بعد‪ ،‬فهي‬ ‫مل ُتسأل أص ًال حتى اآلن! لكنني متفائل بأننا سنبدأ‬ ‫قريباً بالعودة إىل إنسانيتنا‪ ،‬وبالعودة إىل سؤالنا‬ ‫الطفويل الربيء‪ :‬ملاذا؟‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬

‫كلمة‬

‫املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً‬ ‫وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫معاون رئيس التحرير قسم حقوق اإلنسان‬ ‫نصار‬ ‫أنور البني‬ ‫أسامة ّ‬

‫قسم املرأة‬ ‫يارا بدر‬

‫املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد‬

‫رئيس التحرير ليىل الصفدي‬ ‫املحرر االقتصادي‬ ‫وائل موىس‬

‫الغالف‬ ‫سمري خلييل‬

‫؟‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬ ‫‪twitter.com/freedomraise‬‬ ‫‪info@freedomraise.net‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫الحــرب العالمية على الزومبي‬ ‫‪3‬‬ ‫عماد الع ّبار‬

‫والفيلم مبجمله يتامهى مع النظرة األمريكية لإلرهاب‪،‬‬ ‫وكيفية التعاطي معه‪ ،‬دون التطرق إىل األسباب‬ ‫السياسية واالقتصادية املحلية التي أدت إليه‪ ،‬وبالتأكيد‬ ‫دون اإلشارة ولو من بعيد إىل دور السياسات العاملية يف‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 27 - 79 -‬‬

‫أو مبعنى آخر‪ :‬كائنات متحولة‪ ،‬ال تستحق أن تعامل كبرش‪.‬‬

‫توليد التطرف‪ ،‬أو تعزيزه‪ ،‬يف مجتمع من املجتمعات‪.‬‬ ‫ألن أي إشارة من هذا النوع متثل إدانة للعامل ككل‪،‬‬ ‫وتجعله املسؤول األول عن تحول التطرف‪ ،‬واملوجود‬ ‫باملناسبة يف كل املجتمعات‪ ،‬إىل ظاهرة عاملية‪ ،‬ومراكز‬ ‫تستقطب اليائسني‪ ،‬واملرىض النفسيني‪ ،‬وأصحاب‬ ‫الدوافع اإلجرامية‪ ..‬وهم موجودون أيضاً يف املجتمعات‬ ‫كافة‪.‬‬ ‫للضحايا وجهة نظر مختلفة‪ ،‬وميلكون تعريفاً مختلفاً‬ ‫للزومبي‪ ،‬قد ال يروق كثرياً ملعتنقي وجهة النظر‬ ‫األمريكية ولتصوراتها عن العامل؛ فالزومبي يف نظر هؤالء‬ ‫هو كائن (مهاجر) أباد سكاناً أصليني ليقيم حضارته عىل‬ ‫أرضهم‪ ،‬ومل َ‬ ‫يتوان عن إبادة مدن بأكملها يك يعلن نفسه‬ ‫قوة نووية ال تقهر‪ ،‬وهو كائن دعم ديكتاتوريات يف‬ ‫دول العامل الثالث‪ ،‬وعقد معها صفقات ليمتص خريات‬ ‫بالدها مقابل دعمه لها‪ .‬ثم وحني قرر أن يزيح نظاماً ما‪،‬‬ ‫لسبب أو آلخر‪ ،‬فلم يرتدد يف احتالل ذلك البلد‪ ،‬وقتل‬ ‫مئات اآلالف من شعبه تحت ستار نرش الدميقراطية‪ ،‬أو‬ ‫مكافحة اإلرهاب‪..‬‬ ‫يرى الضحايا ّأن اإلرهاب الذي تقوم به كائنات مريضة‪،‬‬ ‫ما هو إال نتيجة طبيعية للتخريب الذي قام به نظام‬ ‫(الزومبي) العاملي الجديد‪.‬‬ ‫‪---------------‬‬‫مقتبس من الفيلم ‪“ :‬مشكلة معظم الناس أنهم ال يصدقون‬ ‫أن شيئاً ما سيحدث‪ ،‬إال بعد أن يحدث بالفعل‪ ..‬إنه ليس‬ ‫غباء أو ضعفاً‪ ،‬بل هي طبيعة البرش وحسب‪.”..‬‬

‫مقاالت‬

‫تساعدنا بعض أفالم هوليود عىل فهم الطريقة التي‬ ‫يفرس بها اآلخرون العامل‪ .‬فحني تشاهد فيل ًام ما‪ ،‬فأنت‬ ‫أمام وجهة نظر مختلفة‪ ،‬ومن غري املستبعد أن تجد‬ ‫مجتمعك وثقافتك ضمن دائرة االتهام‪ ،‬سيام يف بعض‬ ‫والحساسة التي تظنها محسومة‬ ‫املواضيع الشائكة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ومتفقاً عليها إنسانيا‪ ،‬ثم تكتشف أن آخرين لديهم‬ ‫رواية منافية متاماً لروايتك‪ .‬وتجد اآلخر‪ ،‬الذي تعده‬ ‫متورطاً يف كارثة عندك‪ ،‬يس ّوق لفكرة مناقضة تجعل‬ ‫منك مته ًام‪ ،‬وتجعله مستهدفاً ال حول له وال قوة‪.‬‬ ‫يعد فيلم حرب الزومبي العاملية ‪،World War Z‬‬ ‫الصادر يف العام ‪ ،2013‬املأخوذ من رواية تحمل نفس‬ ‫االسم للكاتب ماكس بروكس‪ ،‬واحداً من بني أفالم كثرية‬ ‫جسدت الرصاع األمرييك ضد خطر أو وباء أو هجوم‬ ‫شامل‪ ،‬يستهدف الوجود األمرييك‪ ،‬والبرشي بشكل عام‪،‬‬ ‫وهو هنا‪ :‬هجوم الزومبي‪.‬‬ ‫يأيت الفيلم ضمن سياق تاريخي تهيمن الحرب عىل‬ ‫اإلرهاب عىل مجمل حيثياته‪ ،‬إن كان يف الخطاب‬ ‫السيايس الغريب‪ ،‬أو التناول اإلعالمي‪ ،‬مام جعل هذا‬ ‫املوضوع الحديث األول للشارع الغريب‪ ،‬ومجاالً للتداول‬ ‫السيايس بني األحزاب املتنافسة عىل السلطة‪.‬‬ ‫فالعقل الغريب‪ ،‬األمرييك أكرث من غريه‪ ،‬يسوق لحربه‬ ‫هذه بذات الطريقة التي تم فيها التسويق للحرب‬ ‫العاملية ضد الزومبي يف الفيلم‪ .‬حيث يتعامل هذا‬ ‫العقل مع من يضعهم ضمن خانة اإلرهاب‪ ،‬بذات‬ ‫الطريقة التي تعامل بها الروايئ مع كائنات غري برشية‪،‬‬ ‫أو غري حية‪ ،‬فاقدة للمشاعر‪ .‬فالزومبي جسد م ّيت‪،‬‬ ‫ال ميتلك روحاً‪ ،‬وال مشاعر‪ ،‬ونقتله دون أي إحساس‬ ‫بالذنب أيضاً‪.‬‬ ‫ومبجرد أن يتحول اإلنسان الطبيعي يف الفيلم إىل‬ ‫(زومبي)‪ ،‬يفقد ما كان يتمتع به من حرمة برشية‪،‬‬ ‫ويصبح قتله أسهل‪ ،‬وأقل وطأة عىل ضمري القاتل‪ .‬وهذا‬ ‫ما تم فعله (واقعياً) مع أولئك األشخاص الذين كانوا‬ ‫برشاً طبيعيني‪ .‬ثم‪ ،‬ومبجرد أن اعتنقوا فكراً متشدداً‪ ،‬أو‬ ‫ارتكبوا أعامالً عنفية‪ ،‬أصبحوا يف نظر مكافحي اإلرهاب‬ ‫كائنات غري برشية‪ ،‬ميكن مامرسة أي فعل معهم‪،‬‬ ‫تعذيباً أو ترهيباً‪ ،‬النتزاع االعرتاف‪ .‬وقد يصل األمر حد‬ ‫التصفية‪ ،‬للتخلص من هذا الوباء‪ ،‬وباء العنف اإلرهاب!‬ ‫يبدأ الفيلم وينتهي‪ ،‬دون أن تكتشف البرشية السبب‬

‫الرئييس لهذا الوباء‪ .‬املهم يف النهاية ّأن املنقذ‪ ،‬وهو‬ ‫موظف أمرييك طبعاً! كان يعمل لدى األمم املتحدة‪،‬‬ ‫استطاع أن يجد عالجاً للمرض‪ ،‬وهو العالج بالتمويه‪،‬‬ ‫من خالل حقن البرش األصحاء بأنواع محددة من‬ ‫الجراثيم أو الفريوسات‪ ،‬مام يجعل األجساد املصابة بها‬ ‫بعيدة عن دائرة االستهداف من قبل كائنات الزومبي‪،‬‬ ‫والتي ال تستهدف سوى األجسام السليمة من املرض‪.‬‬ ‫أيضاً‪ ،‬ال يخلو الفيلم من إشارة إلرسائيل‪ ،‬بل كان‬ ‫مشهد القدس هاماً واستثنائياً‪ ،‬وبالذات حني تم تصوير‬ ‫جدار الفصل العنرصي عىل أنه سبق إرسائييل يستحق‬ ‫االهتامم‪ ،‬كونه يدل عىل نبوءة إرسائيلية سليمة‪،‬‬ ‫وحكمة يف االستنتاج‪ ،‬حيث تم االنتهاء من بنائه قبل‬ ‫انتشار الوباء بأسبوع‪ ،‬بحسب الفيلم‪.‬‬ ‫يظهر الجدار كفاصل بني عاملني‪ ،‬عامل الناس األصحاء‪:‬‬ ‫وهم إرسائيليون‪ ،‬وعرب مساملون تم متريرهم من‬ ‫الحواجز لعدم ظهور عالمات املرض عىل مالمحهم؛ فهم‬ ‫طبيعيون‪ ،‬مساملون‪ ،‬يرقصون مع اإلرسائيليني‪ ،‬ويشكلون‬ ‫معهم جبهة واحدة‪.‬‬ ‫أما العامل اآلخر‪ :‬ويضم كل من هو خارج السور‪ ،‬وهم‬ ‫أشخاص متح ّولون‪ ،‬دمو ّيون‪ ..‬كائنات غري برشية‪،‬‬ ‫باختصار شديد‪ ،‬تسعى إىل اقتحام السور لنقل وبائها‬ ‫لجميع األصحاء‪ ..‬وتنجح بذلك يف نهاية املطاف‪ ،‬برغم‬ ‫كل االحتياطات والتحصينات‪ .‬وهو ما يحصل (واقعياً)‬ ‫حني يعجز السور عن ص ّد بعض عمليات املقاومة‬ ‫الفلسطينية!‬ ‫يف مشهد السور‪ ،‬تظهر الرواية إرسائيلية بامتياز‪ .‬لكنها‬ ‫تحايك أيضاً وجهة النظر األمريكية يف تصنيفها املعتمد‬ ‫لإلرهاب‪ ،‬ويف طريقة حكمها عىل فصائل املقاومة إن‬ ‫كان يف فلسطني أو غريها من البلدان‪ ..‬لكنّ السياق‬ ‫يعطي لإلرسائيليني أفضلية‪ ،‬فهم أول من بنى الجدار‪،‬‬ ‫لص ّد هجوم الكائنات املتحولة‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬هذا إقرار‬ ‫بأسبقية اإلرسائيليني يف الحكم عىل العرب واملسلمني‬ ‫عموماً بوصفهم إرهابيني محتملني‪ ،‬أو إرهابيني فعليني‪،‬‬


‫‪4‬‬

‫غســان كنفاني‪ ..‬معتقالً‬ ‫في مطار المزة العسـ ّ‬ ‫ـكري!‬ ‫عروة المقداد‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 16 - 79 -‬‬

‫مقاالت‬

‫املصباح األبيض املضاء طيلة النهار والليل يجعل من‬ ‫“الهنغار” املحشورين فيه مرشحة متعفنة‪ .‬إنها املرة‬ ‫الوحيدة التي ُيطفأ فيها هذا املصباح اللعني‪ .‬كان‬ ‫بياضه الرخيص يغيش عيني‪ ،‬ويجعل من الدم األحمر‬ ‫املتخرث يف رأيس صعقات كهربائية تفتح فيه “عامء”*‬ ‫حليبياً ممزوجاً بأرق طويل ال ينتهي‪.‬‬ ‫كنت أرقد يف زاوية الهنغار‪ .‬متك ّوراً عىل نفيس‪ ،‬ألعق‬ ‫جروحي كقط فزع‪ .‬هل كنت أتكئ عىل كتفه؟ كان‬ ‫بالقرب مني وال شك‪ ..‬األجساد هنا تطوي بعضها‬ ‫البعض‪ ،‬يعجنها االنتظار املمزوج بدهشة املوت‪،‬‬ ‫وصدمة األمل‪ .‬تتداخل الرؤوس مع األرجل كأنها جسد‬ ‫مشوه ِخيطت أطرافه عىل عجلة‪ .‬ت ُّنئ دون أفواه‪،‬‬ ‫برك من الرمل‪.‬‬ ‫تنتفض وتتلوى مثل‬ ‫أسامك ُألقيت يف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بتعب يف ذرات الغبار التي ولدت مع انطفاء‬ ‫أحدق ٍ‬ ‫الضوء‪ .‬ترقص الذرات كام ننتفض‪ ،‬تدور عىل نفسها‪،‬‬ ‫ثم تتالىش‪ .‬تتوسع حدقة عيني‪ ،‬تلحق ذرات الغبار‬ ‫العشوائية‪ ،‬أفكر‪ :‬كل ما يحدث يشبه هذا الغبار‪ ،‬يف‬ ‫النهاية سنستحيل جميعنا إىل ذرات‪ .‬يدي املهشمة‬ ‫فوق قدمي‪ ،‬أضمها إىل صدري‪ .‬ال أستطيع تحريك‬ ‫عظامي‪ .‬لكنني أتكئ برأيس عىل كتفه‪ ،‬وأحرك عيني‬ ‫متتبعاً الضوء‪ .‬هذا الهنغار هو الحد الفاصل يف كل‬ ‫يشء‪ .‬هذا املكان هو املسافة التي ال نستطيع قياسها‬ ‫أو محوها من ذاكرتنا‪ .‬أنا أبتهل‪ .‬أغمض عيني وأشعر‬ ‫باألمل يتدفق يف عروقي حتى املسامات‪ُ .‬أخزّن األمل يف‬ ‫ذاكريت‪ ،‬ال أريد نسيانه‪ .‬أنا لن أنىس‪ :‬أصابع محمود‬ ‫املتفجرة من صاعق الكهرباء‪ .‬بول أبو عدنان الذي‬ ‫لعقه‪ ،‬انتفاخ جروحه من مرض السكري‪ .‬رائحة الروح‬ ‫الواخزة عند خروجها من الجسد‪ .‬تح ّلل الذكريات‬ ‫واألسامء وتشوهها‪ .‬تحطم الزمن ونقره كغراب يلتهم‬ ‫أطرايف ويطاردين يف الكوابيس‪.‬‬ ‫خارج الهنغار‪ ،‬بدأنا بسامع رصاخ عال ورضبات‬ ‫متوالية تصدر من عرشات الرجال والشباب‪ .‬يف بادئ‬ ‫األمر اعتقدت أنها تصفية جامعية للمعتقلني‪ ،‬لكننا‬ ‫عرفنا الحقاً أنها حملة اعتقال يف مدينتي املعضمية‬ ‫وداريا‪.‬‬ ‫كنت أسمع أصوات تكسري العظام‪ ،‬يتلوها رصاخ األمل‬ ‫املفزع‪ .‬األقدام ّ‬ ‫تهشم جمجمة الرأس‪ ،‬وتطحن األضلع‪..‬‬ ‫تك ّورت عىل ذايت غائصاً يف حوض من الرعب والخوف‪.‬‬ ‫كان الضوء خافتاً رمادياً ينحدر من مكان ما وميتزج‬

‫ذيله مع سواد األجساد التي طمستها العتمة‪.‬‬ ‫أنا أسقط يف ب ٍرئ عميق‪ .‬تبتلعني العتمة والخوف‪.‬‬ ‫أترنح عىل خيط رفيع بني الجنون والهسترييا‪ .‬أشعر‬ ‫بحركة كتفه فأعود إىل الهنغار‪ .‬أنظر نحوه فيلتفت‬ ‫إيل‪ .‬يطيل التحديق ثم يبتسم ابتسامة رقيقة تبعث‬ ‫الدفء‪ ،‬يهمس إيل‪“ :‬هل تعرف أن األسلوب مسألة‬ ‫معقدة يف الكتابة؟ وقليل من الكتاب تستطيع أن‬ ‫متيزهم بأسلوبهم”‪.‬‬ ‫ال أعرف متى بدأ ذلك الحوار بيننا حول الكتابة‬ ‫واألسلوب‪ .‬كيف استطعنا وسط ذلك الجحيم أن نبدأ‬ ‫حديثاً حول الشخصيات والروايات التي قرأناها‪ .‬افرتقنا‬ ‫كل واحد يف معتقل داخل املطار وها نحن نلتقي مرة‬ ‫أخرى يف هذه املرشحة املتعفنة‪.‬‬ ‫كان األنني يأيت من كل مكان؛ من األجساد املمدّدة‬ ‫فوق بعضها البعض تتلوى من األمل‪ ،‬من األجساد التي‬ ‫ُتسحق عظامها يف الخارج‪ ..‬من األجساد التي دفنت‬ ‫غيلة يف قبور مجهولة‪ .‬من صمت الوجوه املرتسم‬ ‫ببالهة حني يجر كل هؤالء الشباب إىل حتفهم دون أن‬ ‫يحرك أحد ساكناً‪ .‬من النسيان ‪ ..‬النسيان الذي يقرتفه‬ ‫كل يوم أبناء هذا البلد اللعني‪.‬‬ ‫همست له‪ :‬هل قرأت رواية “من قتل ليىل الحايك”؟‬ ‫املرة األوىل التي التقيته فيها‪ ،‬كان ضمن دفعة كبرية‬ ‫قادمة من مدينة داريا‪ .‬كان هزيل الجسد مثيل‪.‬‬ ‫ابتسمت يف نفيس وقلت هذا شاب آخر هزيل الجسد‬ ‫يرعب‪ .‬هذه ثورة هزييل األجساد الخارقني‪.‬‬ ‫كنا مشتتي التفكري‪ .‬املرة األوىل التي التقيته فيها‪ ،‬كانت‬ ‫يف سجن آخر من املطار‪ .‬أظن أن كلينا غري ملفتني؛‬ ‫أجساد هزيلة‪ ،‬نظرات ساهمة‪ ..‬كنت أفكر حينها‪ :‬ملاذا‬ ‫السجن؟ ملاذا كل هذا األمل‪ .‬ملاذا مثة مكان فيه كل ذلك‬ ‫الرعب؟ وكنت أفكر أن من يقيم ويرشف ويعذب يف‬ ‫هذا املكان الشك وأنهم أكرث رعباً منا‪.‬‬ ‫أجابني‪“ :‬كانت هذه الرواية‪ ،‬واحدة من الروايات‬ ‫التي كنت ُأدرس طاليب فيها “األسلوب”؛ فأنت تالحظ‬ ‫فور القراءة‪ ،‬أنها لغسان كنفاين أو رمبا تتوقع ذلك‪.‬‬ ‫األسلوب املحكم واملتقن الذي يخطف األنفاس‪ ،‬رغم‬ ‫أنها رواية مل تتناول القضية الفلسطينية”‪.‬‬ ‫طال التعذيب خارج الهنغار‪ ،‬مل نعرف عددهم‬ ‫بالضبط ولكنهم كانوا كرث‪ ،‬حاولنا سامع أي كلمة‬ ‫لنفهم ما يحدث‪ .‬كانت أصوات أملهم أشد قسوة من‬

‫التعذيب‪ ،‬رمبا كان اإلصغاء إىل صوت األمل أحد أقىس‬ ‫أنواع التعذيب‪ .‬يف تلك اللحظات من العجز ورعب‬ ‫االنتظار يصبح املوت أمنية حقيقية لتوقف العبثية‬ ‫غري املفهومة‪ .‬تبعرثت نظراتنا‪ ،‬ورسحنا يف ذرات الضوء‪،‬‬ ‫ومن ثم خ ّيم الصمت عىل الهنغار‪ .‬صمت قاتل يشبه‬ ‫صمت القبور‪.‬‬ ‫عاود االلتفات إ ّيل مر ًة ُأخرى‪ ،‬فنظرت إليه بيأس تام‬ ‫ومتلكتني رغبة كبرية يف البكاء‪ .‬شعرت بأنني أتداعى‬ ‫وأن جسدي وعقيل لن يستطيعا التحمل أكرث من ذلك‪.‬‬ ‫أطال النظر إ ّيل ثم سالت دمعة عىل خده‪ .‬مسحها‬ ‫بكم قميصه فافرتت شفتيه عن ابتسامته الرقيقة‪.‬‬ ‫اقرتب مني هامساً‪“ :‬أحيك لك كيف أحببنا أنا وزوجتي‬ ‫بعضنا؟”‪.‬‬ ‫ابتسمت له وانا أحاول تهدئة غول الرعب الذي ولد‬ ‫يف معديت‪ ،‬وراح يهمس يف أذين قصة زواجه‪ .‬كنت‬ ‫أنصت والرصاخ يعلو أكرث‪ .‬صوته يزداد دفئاً مع كل‬ ‫رضبة تنهال ومتزق الجلد‪ .‬أبتسم وأستعيد املعنى الذي‬ ‫أوشكت عىل فقدانه وأنا أترنح عىل حافة االنهيار‪.‬‬ ‫ها أنا أجلس اآلن وأراقب البدر املع ّفر بالطحني‪.‬‬ ‫ينحدر ضوءه فوق أسطح األبنية التي دارت يف حواريها‬ ‫معارك طاحنة‪ ،‬وتركت األجساد فيها للتعفن‪ .‬رائحة‬ ‫القاممة املتعفنة تنخر صدري‪ ،‬وتغرقني يف سعال ال‬ ‫نهايئ‪ .‬هذه الرائحة ومراجعات األمن العام املتكررة‬ ‫تدفعني للجنون‪.‬‬ ‫أفتح الكومبيوتر ثم أشاهد خرب قصف مكتب مجلة‬ ‫طلعنا عالحرية‪ .‬أحدّق يف الصورة جيداً ثم تعود يب‬ ‫الذاكرة إىل مطار املزة‪.‬‬ ‫يكتب أسامة عىل صفحته رغم القصف سنستمر يف‬ ‫إصدار الجريدة‪..‬‬ ‫مل أستطع الكتابة منذ زمن‪ ،‬لكنني مل أمتكن من منع‬ ‫نفيس من كتابة هذه الذكريات التي تشاركتها مع‬ ‫أسامة‪ ،‬وال ّ‬ ‫تكف عن مداهمتي كلام شارفت عىل‬ ‫فقدان صوايب‪ ،‬وكلام فكرت باأليام التي جمعتنا سوية‬ ‫يف مطار املزة العسكري‪.‬‬ ‫*”عامء” التوصيف مستوحى من رواية “العمى” للكاتب‬ ‫الربتغايل جوزيه رسماغو‬


‫أحالم‪..‬‬

‫‪5‬‬

‫عبداهلل الحافي*‬

‫العدد ‪- 79 -‬‬

‫واملصداقية‪ .‬ولتم ّد أيديها للجميع يف سبيل إنقاذ‬ ‫اإلنسان‪ .‬وأصبح لهؤالء الشبان اسم له الكثري من‬ ‫املصداقية عند وكاالت األنباء العاملية‪ ،‬وأصبح أي‬ ‫خرب تسبقه عبارة “نق ًال عن الدفاع املدين السوري”‬ ‫يعني عند الجميع الصحة والصدق والحيادية‪.‬‬ ‫فتم ترشيحهم للعديد من املناسبات؛ كشهادة‬ ‫ّ‬ ‫قائد الدفاع املدين رائد الصالح يف األمم املتحدة‪..‬‬ ‫حتى نال الدفاع املدين يف عام ‪ 2016‬جائزة نوبل‬ ‫وتم ترشيحهم لجائزة نوبل للسالم‪ ،‬وهنا‬ ‫البديلة‪ّ ،‬‬ ‫عاد مسلسل األحالم واألمنيات؛ فجميع العاملني‬ ‫يف الدفاع املدين يستحقون هذه الجائزة‪ ،‬بل رمبا‬ ‫يستحقون أكرب منها؛ فهم الباحثون عن الحياة‪،‬‬ ‫وأصحاب القلوب والقبعات البيضاء الذين أنقذوا‬ ‫خالل أقل من عام ‪ 62‬ألف إنسان من تحت ركام‬ ‫قصف النظام املجرم‪..‬‬ ‫ً‬ ‫وبدأ الوقت مير بطيئا‪ ،‬وتجمدت العقارب صباح‬ ‫يوم الجمعة ‪ ،7-10-2016‬والكل يرتقب يف مراكزه‬ ‫خرب الساعة الثانية عرش ظهراً‪ ،‬وهو شبه متيقن أن‬ ‫الحلم سيتحقق‪.‬‬

‫ولكن الحلم كان حل ًام‪ ،‬وحصل رئيس كولومبيا‬ ‫عىل الجائزة‪..‬‬ ‫بكيت ملدة ساعتني وراجعت كل معلومايت‬ ‫وذكريايت‪ ..‬هل هي مؤامرة جديدة ضد الشعب‬ ‫والثورة السورية؟ أم هو املنطق والواقع؟‬ ‫ماذا قدم هذا الشخص أكرث من الدفاع املدين؟ هل‬ ‫هو يستحقها أكرث منا؟!‪..‬‬ ‫هنا تذكرت قصة األحالم يف الثورة‪ ،‬وكيف‬ ‫استطاعوا بسبب قلة خربتنا إيصالنا إىل نشوة‬ ‫الحلم وإسقاطنا بعدها يف برئ الواقع‪.‬‬ ‫ولكن بعد أول استهداف للمدنيني من قبل النظام‬ ‫وجدت كل الوحدات يف الدفاع املدين من إسعاف‬ ‫وإطفاء وإخالء وإنقاذ‪ ..‬تتوجه إىل تحت الركام‪،‬‬ ‫وكأنها تبحث عن الجائزة! وفع ًال تذكرت أننا‬ ‫وجدناها يف أول ركام منزل خرج منه ناجون‪..‬‬ ‫وكانت الجائزة شعارنا‪ :‬ومن أحياها فكأمنا أحيا‬ ‫الناس جميعاً!‬ ‫* متط ّوع يف الدفاع املدين السوري ‪ -‬الغوطة الرشقية‬

‫مقاالت‬

‫وهنا بدأت الحكاية وولد الحلم األجمل عندما‬ ‫تحول الناشطون املدنيون العاملون يف مجاالت‬ ‫شتى من أعاملهم وحرفهم ومؤسساتهم‬ ‫اإلغاثية والخدمية والطبية إىل باحثني عن‬ ‫الحياة تحت الركام‪ ،‬لتولد يف حلب وإدلب‬ ‫وريف دمشق وخمس محافظات سورية‬ ‫أخرى حكاية القبعات البيضاء‪..‬‬ ‫تأسس الدفاع املدين كحالة عفوية‪ ،‬وتطور‬ ‫ليتحول إىل املؤسسة السورية الوحيدة التي‬ ‫تنترش من شاميل إدلب إىل جنويب درعا بنظام‬ ‫واحد وشعار واحد وهدف واحد “ومن أحياها‬ ‫فكأمنا أحيا الناس جميعاً”‪ .‬وقدمت هذه‬ ‫املؤسسة الغايل والنفيس من الجهود والدماء‪،‬‬ ‫لتكسب قلوب وثقة السوريني‪ ،‬مدنيني‬ ‫وعسكريني‪ ،‬اللتزامها مبدأ الحيادية واإلنسانية‬

‫‪2016 / 10 / 27‬‬

‫عندما انتقلت الثورة السورية من مرحلة‬ ‫التفكري إىل مرحلة التظاهر تحولت كثري‬ ‫من األحالم إىل واقع‪ ..‬أحالم التغيري والتأثري‬ ‫والتطوير‪ ..‬وبدأ الشعب السوري الحر يحلم‬ ‫بغ ٍد أجمل‪ ،‬باعتقاد بسيط‪ ،‬ورمبا ساذج‪ ،‬أن‬ ‫نظام البعث األسدي سيتخىل عن كرسيه الذي‬ ‫احتله قبل خمسني عاماً استجابة ملطالب‬ ‫مظاهرات شعبية يف معظم األرايض السورية‪.‬‬ ‫ولكن الحلم تحول إىل كابوس عندما اختار‬ ‫النظام السالح يف مواجهة الحراك املدين‪،‬‬ ‫فاضطر الحراك املدين إىل االنتقال إىل مرحلة‬ ‫الدفاع عن النفس‪ ،‬وبدأ حلم جديد أننا‬ ‫سنستطيع ببضع أسلحة فردية تحرير سورية‪.‬‬ ‫ولكن هذا الحلم أيضاً انقلب إىل كابوس عندما‬ ‫رد النظام بالسالح الثقيل‪ ،‬وانتقل حلم املناطق‬ ‫املحررة واإلدارة الثورية إىل كابوس أكرب؛ وهو‬ ‫القصف املركز والتدمري املمنهج واملجازر‬ ‫اليومية‪..‬‬


‫بعد خمس ســنوات أين هو اإلعالم‬ ‫الثوري البديل؟!‬

‫‪6‬‬ ‫زهرة محمد‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 27 - 27 -‬‬

‫تقارير‬

‫رغم بداياته الخجولة ببعض الهواتف النقالة والقلة‬ ‫من النشطاء الشباب‪ ،‬إال ّأن اإلعالم البديل أو الثوري‬ ‫صح التعبري كان من أقوى األسباب التي جعلت‬ ‫إن ّ‬ ‫الثورة السورية تصل لكل بعيد‪ ،‬وكان نقل الصورة من‬ ‫الشارع يعترب مفهوماً جديداً للشعب الذي فقد ثقته‬ ‫باإلعالم ا ُملس ّيس‪ ،‬والذي غ ّيب الشارع وهتف لشخص‬ ‫واحد‪.‬‬ ‫سنوات م ّرت عىل قيام ثورة إعالمية تج ّلت بقلب‬ ‫املفاهيم املحدودة‪ ،‬ورفض الخضوع لكلمة السلطة‬ ‫التي متثلت بالنظام ذي السطوة الشديدة عىل اإلعالم‬ ‫السوري طوال عقود‪ .‬كان اإلعالم البديل هو صوت‬ ‫الشارع السوري‪ ،‬واستطاع جذب عيون العامل إىل ما‬ ‫يحدث يف سوريا‪ ،‬ولكنه وحسب رأيّ الكثريين ما لبث‬ ‫وخالل السنوات التي تلت أن تف ّرق شعباً وتبعيات‪ ،‬ومل‬ ‫يحاول رغم بعض التجارب القوية الفردية أو القليلة‬ ‫أن يكون بدي ًال عن وسائل إعالمية عاملية أو عربية‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫مصاف تلك الوسائل‪ .‬وحكمته‬ ‫ومل يرتق ألن يكون بني‬ ‫ً‬ ‫من جديد التبعية لجهات التمويل حينا والخضوع‬ ‫للسلطة التي متلكه حيناً آخر‪ ،‬باإلضافة إىل قل ّة املهنية‬ ‫والحرفية من جهة أخرى‪ ،‬حيث كان معظم من ميتهن‬ ‫اإلعالم من النشطاء غري املؤهلني الذين مل يستطيعوا‬ ‫االنخراط أكادميياً ليعكسوا رؤية حيادية أو مهنية‬ ‫صحافية حقيقة‪.‬‬ ‫ هل يرتقي اإلعالم الثوري إىل مراتب اإلعالم األخرى؟‬‫وما أسباب عدم تقدمه خالل سنوات؟‬ ‫كثرية هي األسباب التي جعلت اإلعالم الثوري يتف ّرع‬ ‫ويخبو ويعكس وجهات نظر ُتض ِعف الرسالة الثورية‪،‬‬ ‫وقد ألبس ثوباً غري ثوبه‪ ،‬بانعكاسات كبرية دخلت‬ ‫وغيت مفاهيمه التي خلق ألجلها‪ ،‬ويبدو ّأن اإلعالم‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الثوري مل يعد قادرا أحيانا عىل التواصل مع الشارع‬ ‫الذي خرج منه‪ .‬ورغم اتهامه من قبل البعض بعدم‬ ‫الحرفية ّ‬ ‫ألن من يعمل فيه نشطاء أو هواة‪ ،‬فالحقيقة‬ ‫ً‬ ‫قد تكون مغايرة متاما‪ ،‬ألنه وعىل الصعيد الفردي‬ ‫ما يزال الشارع يؤمن بهؤالء الذين يبخسهم البعض‬ ‫حقهم‪ ،‬أ ّال وهم الناشطني‪/‬ات‪.‬‬ ‫يف حني وإن تكلمنا عن الصعيد املؤسسايت‪ ،‬فحتى اآلن‬ ‫ورغم إمكانيات الكثري من املنابر‪ ،‬نرى تجييشاً لفكر‬

‫معني‪ ،‬وانحرافاً كبرياً عن املصداقية واملهنية‪ ،‬هذا عدا‬ ‫عن عدم وجود آل ّية سياسية موحدة كحكومة االئتالف‬ ‫السوري والتي يقع عىل عاتقها تدعيم الوجود اإلعالمي‬ ‫املحرتف‪ ،‬أو متويل وإيجاد جهات تعليمية قادرة عىل‬ ‫تحريك عجلة اإلعالم بشكل إيجايب‪ ،‬يضاهي اإلعالم‬ ‫العريب والغريب‪.‬‬ ‫األستاذ “أكرم األحمد” رئيس “املركز الصحفي‬ ‫السوري” يرى ّأن‪“ :‬هناك مقومات‪ ،‬كانت لتساعد‬ ‫عىل إقامة مؤسسات إعالمية مهنية ذات رؤية حيادية‬ ‫بعيدة عن التجنيد‪ ،‬مفقودة يف أغلب املنابر اإلعالمية؛‬ ‫من أهمها عدم عمل اإلعالميني وهجرة العقول‬ ‫الخبرية إىل الخارج‪ ،‬وعدم عملها ضمن نقل األحداث‬ ‫السورية‪ ،‬ونظراً لهذا مل يتبق يف الساحة الداخلية إال‬ ‫الهواة والشجعان من الناشطني والناشطات”‪ .‬ويتابع‪:‬‬ ‫“التمويل من أهم الدعائم القوية‪ ،‬والذي لألسف‬ ‫ُيعطيك ليأخذ أكرث‪ ،‬ويستنفد فكرك ومنربك كإعالمي‬ ‫لتخدم مصلحته‪ .‬واملنظامت التي فضلت أن تساعد‬ ‫املنابر الخارجية عىل أن تغرق نفسها مع مؤسسات‬ ‫ضمن سوريا رغم محاولة الكثري من هذه املؤسسات‬ ‫الحيادية وتقيص الخرب عن قرب‪ ،‬ونظراً ّ‬ ‫ألن غالبية‬ ‫اإلعالم حالياً يعتمد عىل ممولني‪ ،‬فهو يكون عرضة‬ ‫لالنهيار يف أي وقت‪ .‬وقد حصل هذا للكثري من املواقع‬ ‫واملؤسسات”‪.‬‬ ‫ُيق ّيم الكاتب “حافظ قرقوط” العمل اإلعالمي الثوري‬ ‫بعدم االرتقاء للمفهوم الصحيح لإلعالم الحقيقي قائ ًال‪:‬‬ ‫“اإلعالم الثوري خارج التصنيف‪ ،‬ومازال منفع ًال وليس‬ ‫فاع ًال‪ ،‬وأقرب إىل اإلعالم التجريبي منه إىل اإلعالم‬ ‫املهني أو املحرتف‪ ،‬ما عدا بعض االستثناءات الفردية‬ ‫وليست املؤسساتية!”‪.‬‬ ‫أ ّما بالنسبة للكاتب واملخرج “زياد الحلو” فرأيه كان‬ ‫كاتهام ّ‬ ‫لكل املنابر اإلعالمية الثورية‪ ،‬حيث قال‪“ :‬ليس‬ ‫هناك إعالم ثوري‪ ،‬وما كان من اإلعالم الثوري ُخطف‬ ‫مع الثورة حيث خطفت!!”‪ ،‬وحسب رأيه ّ‬ ‫فإن “اإلعالم‬ ‫املوجود اآلن ما هو إال أجندات تخدم مصالح كبرية أو‬ ‫صغرية‪ ،‬وتنجرف نحو التطرف تارة ونحو العلامنية تارة‬ ‫أخرى‪ ،‬وال تعكس صوت الشارع السوري‪ ،‬وال ترقي‬ ‫ملستوى الثورة أص ًال”‪ُ .‬مضيفاً ّأن “اإلعالم املوجود هو‬

‫وأن الناس ُم ّ‬ ‫متاماً كإعالم النظام السوري‪ّ ،‬‬ ‫ضطرة أن‬ ‫تتابعه نظراً لعدم وجود البديل‪ ،‬كام كانت تتابع منابر‬ ‫اإلعالم السوري قبل الثورة وهي (الحول لها والقوة)‬ ‫فهي تسمع وترى وتقرأ املتاح فقط! وهذا اإلعالم‬ ‫البديل يلزمه عقود وأجيال لريتقي إىل مصاف اإلعالم‬ ‫الغريب‪ ،‬وأن يصل لحريته وتعاطيه مع الحدث والخرب‪،‬‬ ‫ورفع سقف الحريات بعيداً عن التسييس والسلطة”‪.‬‬ ‫يف حني يعزو الفنان الكاريكاتريي “يارساألحمد”‬ ‫موحداً حتى عام ‪،2012‬‬ ‫ّأن “الخطاب اإلعالمي كان ّ‬ ‫تم ش ّد البساط من تحته‪ ،‬وبدأت الرؤية تتف ّرق‬ ‫ثم ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتترشذم‪ ،‬وكان هذا من أهم أسباب انحدار املستوى‬ ‫والذي اختلف كثرياً ّ‬ ‫عم بدأ”‪ .‬وهنا أشار األحمد ّأن‬ ‫“فن (الكاركاتري) مل يخرج كذلك من (التابوهات) التي‬ ‫كانت ُمدرجة تحت ظل التبع ّية ملا كان أيام النظام‬ ‫األسدي‪ّ ،‬‬ ‫وأن هناك الكثري من اإلعالميني يف املجال‬ ‫خيين أحياناً‪ ،‬وأنه يجب التخ ّلص من‬ ‫سيين ال ُم ّ‬ ‫ُم ّ‬ ‫عقدة الخط األحمر‪ ،‬ورفع سقف الحر ّيات التي ما‬ ‫تزال ترزح تحت ما يريد األعىل سلطة منك أن تنفذه‪،‬‬ ‫وساد تغي ّيب صوت القلم والفكر من قبل السالح عىل‬ ‫عموم أشكال الثورة وليس فقط اإلعالم!”‪.‬‬ ‫ أين اإلعالم الثوري من املهنية والحياد؟‬‫ً‬ ‫يف الواقع ّإن تغي ّيب الحيادية قد يكون قاتال يف هذه‬ ‫املهنة‪ ،‬ورغم أنه رشط أسايس‪ ،‬يرى البعض من أهل‬ ‫اإلعالم ّأن الوقوف عىل الحياد يف اإلعالم الثوري صعب‪،‬‬ ‫ويف بعض األحيان مستحيل‪ ،‬ألنه انطلق من رحم‬ ‫الثورة وهي التي صنعته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫للبعض من أهل االختصاص‪ ،‬فإن اإلعالم الثوري ما‬ ‫زال بعيداً عن أن يكون ضمن املنابر العربية‪ ،‬وأنه‬ ‫بعد خمس سنوات ما زال يف معظمه إعالماً هاوياً‪،‬‬ ‫ومازال أغلب الفاعلني فيه مجموعة من األفراد غري‬ ‫األكادمييي‪ ،‬ويفتقرون للخربة وللمهنية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يرى األستاذ “حافظ قرقوط” ّأن هناك فجوة يف ط ُرق‬ ‫ُمخاطبة العامل‪ ،‬ومخاطبة الداخل السوري وحتى‬ ‫مخاطبة القوى الثورية‪“ :‬نحن يف ثورة والحياد ّية هنا‬ ‫كمن يضع السم بالدسم‪ ،‬لوال هذا الدم الزيك ولوال‬ ‫الثورة العظيمة لكان الجميع يرتقب من ّية النظام عليه‪.‬‬ ‫ولكن يجب عىل هذا اإلعالم أن يتسم أكرث باملهنية‪،‬‬


‫‪7‬‬

‫العدد ‪- 78 -‬‬ ‫‪2016 / 10 / 27‬‬

‫تقارير‬

‫التي تعني الصدق باملعلومة‪ ،‬والصدق حك ًام‬ ‫سيجعل املادة اإلعالمية يف مصلحة الوطن‬ ‫السوري”‪ ،‬ويتابع حديثه‪“ :‬وهنا ال بد من‬ ‫اإلشارة إىل أنني شخص ّياً أعرف بعض القامئني‬ ‫عىل مؤسسات إعالمية باإلضافة لبعض ُمقر ّري‬ ‫التمويل اإلعالمي ورؤساء تحرير ال عالقة لهم‬ ‫باإلعالم‪ ،‬ومل يقدموا يف تجربتهم اإلعالمية سطراً‬ ‫واحداً”‪.‬‬ ‫أما بالنسبة لألستاذ “م‪-‬ف” مراسل ألحد القنوات‬ ‫العربية والذي ّ‬ ‫فضل عدم ذكر اسمه الكامل‪،‬‬ ‫فهو يرى ّأن “اإلعالم البديل كان يعطي انعكاساً‬ ‫للحالة الثورية التي تج ّلت بالشباب النشطاء‪،‬‬ ‫وأ ّنه ورغم بساطة األدوات إال ّأن الخرب كان‬ ‫يصل بقوة‪ ،‬فقد كانت التغطية ليست حرفية‬ ‫ولكنها مستمرة للمظاهرات وتحركات الجيش‬ ‫السوري‪ ،‬وقصف املدن السورية”‪ .‬وبرأيه ّ‬ ‫فإن‬ ‫العمل مع بعض األقنية الشهرية ساعد عىل‬ ‫صقل الخربات وزيادة الحرفية للمراسلني داخل‬ ‫األرايض السورية‪ ،‬من حيث تغطية الخرب ونقله‬ ‫بالصورة الصحيحة‪.‬‬ ‫ولكنه يرى أيضاً ّأن “عدم الحيادية والتبعية‬ ‫التي اتخذها اإلعالم الثوري طريقاً أحياناً‪،‬‬ ‫والذي يقلد فيه إعالم النظام‪ ،‬يعكس صورة‬ ‫سلبية‪ ،‬حيث هناك نوع من التدليس واملحاباة‬ ‫وتلميع صورة بعض األطراف والتبعية الجارفة‬ ‫التي تقدّم إعالماً غري مهني ويفتقر كثرياً للصورة‬ ‫التي ينشدها اإلعالمي الحقيقي”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولكن األمر ليس دامئاً سلبياً؛ فرغم أن من يجعل‬ ‫حركة اإلعالم الثوري تدور هم بالغالبية نشطاء‪،‬‬ ‫فهناك آراء أنهم هم من استطاعوا حتى اآلن‬ ‫ش ّد نظر العامل إىل ما يجري عىل الساحة‪ّ ،‬‬ ‫وأن‬ ‫األمر قد يؤيت مثره ّ‬ ‫ألن الوضع داخل سوريا‬ ‫يفرض حالة تختلف عن كامل الساحات التي‬ ‫يعمل فيها اإلعالميون اآلخرون‪.‬‬ ‫ويرى “هادي العبدلله” الذي يعترب من أهم‬ ‫النشطاء اإلعالميني الذين ظهروا يف الثورة ّأن‬ ‫اإلعالم الثوري رغم عدم مهنيته الكبرية مازال‬ ‫بخري حسب رأيه‪ ،‬حيث قال‪“ :‬استطاع اإلعالم‬ ‫الثوري أن يتحدّى إمكانيات إعالمية قوية‬

‫وكبرية ومنها آلة النظام والقنوات التي تؤيده‪ ،‬عىل‬ ‫تم رسقة فيديو ألحداث يف حلب مؤخراً‬ ‫سبيل املثال ّ‬ ‫وكنت قد صورته أنا‪ ،‬وبثته القناة الروسية عىل أنه من‬ ‫إنتاجها وتصويرها‪ ،‬وكانت فضيحة كبرية بالنسبة لهم‬ ‫يف الساحات اإلعالمية العاملية‪ ،‬ونحن كناشطني رغم‬ ‫عدم متكننا من دراسة اإلعالم وخضوعنا لتدريبات أو‬ ‫دورات إعالمية‪ ،‬وبالرغم من كل السلبيات واملضايقات‬ ‫من النظام وتهديد حياتنا من عدة أطراف استطعنا نقل‬ ‫الحقيقة‪ ..‬ما زلنا صوت الشارع‪ ،‬ألننا منلك قضية تجعل‬ ‫لدينا هدفاً سامياً‪ ،‬ولو كنا غري محرتفني”‪.‬‬ ‫ ما الذي ينتظر اإلعالم البديل؟ وهل توجد حلول؟‬‫ُيشري األستاذ “طه الرحبي” الصحفي يف جريدة “القبس‬ ‫الكويتية” أنه مازال هناك وقت لوجود مرجع ّية‬ ‫إعالم ّية موضوع ّية مج ّردة من أيّ غاية؛ ويكمل رأيه‬ ‫من مقالته يف أحد املواقع‪ ،‬والتي أراد االستشهاد بها‪:‬‬ ‫“الدول العظمى لها إعالم ُمنضبط يف املعارك‪ ،‬لديها‬ ‫القدرة عىل توحيد الخطاب اإلعالمي ونقل املعاناة التي‬ ‫يتعرض لها الشعب يف الداخل والخارج‪ ،‬ويعمل بنفس‬ ‫الوقت عىل إثراء عقول املواطنني لرفع مستوى إدراكهم‬ ‫وثقافتهم وإيضاح ما يحاط بهم من مخاطر ومكائد‪،‬‬

‫ويقوم بتوجيه رسائل ُمنتقاة إىل املجتمعات الدولية‬ ‫تخدم قضايا وتطلعات الثورة”‪ُ ،‬مضيفاً أ ّنه “البد من‬ ‫وحدة ومنرب واحد ُمحرتف قادر‬ ‫وجود رؤية إعالم ّية ُم ّ‬ ‫عىل املنافسة والتعامل مع املوقف املعقد لألحداث‬ ‫والتسويق اإلعالمي والسيايس للثورة‪ ،‬واملناط به التأثري‬ ‫عىل الرأي العام”‪.‬‬ ‫يدرك القارئ أو املتابع من خالل ما سبق‪ّ ،‬أن اإلعالم‬ ‫الثوري البديل قد يكون ُمته ًام من قبل الغالبية بأنه ال‬ ‫يرقى لتلك املكانة التي يتمناها كل من يتط ّلع إليجاد‬ ‫إعالم قوي ُمتامسك قادر عىل رصد ومتابعة وتحليل ما‬ ‫يجري بعني الحياد واملهنية والشفافية‪ ،‬وأ ّنه ليس حرفياً‬ ‫باملعنى الدقيق للمهنة التي يقع عىل عاتقها الكثري‪،‬‬ ‫تغيياً جذر ّياً يف قلب األمور يف‬ ‫والتي ميكن أن تحدث ّ‬ ‫الكثري من األحيان‪ ،‬إ ّال ّأن الكثري من األساتذة أشادوا‬ ‫مبحاوالت كثرية‪ ،‬قد تكون فردية إمنا قد تحدث فرقاً‬ ‫عىل املدى البعيد‪ ،‬وهي تعكس واقع ما يجري وتحاول‬ ‫خوض غامر املعرتك الصحايف إذا صح التعبري‪ .‬وهناك‬ ‫آراء تقول ّإن اإلعالم ليس وحيداً بل ّإن الثورة كلها ما‬ ‫زالت يف مرحلة مخاض ثوري‪ ،‬وغربلة وإعادة حسابات‪،‬‬ ‫وهي مهمة صعبة ولكنها ليست متسحيلة‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫حراس‬ ‫شبكة ّ‬ ‫حماية الطفل في ظروف الطوارئ‬ ‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 27 - 79 -‬‬

‫يتعرض األطفال السوريون إىل أنواع كثرية من انتهاكات‬ ‫اتفاقية حقوق الطفل‪ ،‬فقد يكون االنتهاك هو يف حرمان‬ ‫الطفل من التعليم‪ ،‬أو عدم وصوله إىل الخدمات الصحية‪،‬‬ ‫أو تعرضه لألذى الجسدي والنفيس أو للتحرش الجنيس‪ ،‬أو‬ ‫العاملة االستغاللية‪ ،‬باإلضافة إىل االستغالل اإلعالمي للطفل‪.‬‬ ‫كيف ميكن توفري بيئة آمنة وسعيدة‪ ،‬تضمن لألطفال كافة‬ ‫حقوقهم وتسعى إلحداث تغيري حقيقي ومستدام يف املجتمع؟‬ ‫مبا يضمن حصول األطفال عىل الرعاية التي يستحقونها يف‬ ‫املجاالت النفسية واالجتامعية والتعليمية والصحية وغريها‪.‬‬ ‫رياض النجم املدير التنفيذي لشبكة حراس الطفولة‪ ،‬يتحدث‬ ‫عن عمل املنظمة يف حامية الطفل‪ ،‬والتي “تؤمن وتسعى أن‬ ‫يحصل جميع أطفال املجتمع السوري عىل حقوقهم املقررة يف‬ ‫اإلعالن العاملي لحقوق الطفل‪ ،‬من خالل العمل مع املجتمع‬ ‫نفسه؛ حيث يقوم مدربو شبكة حراس‪ ،‬املنترشون يف املناطق‬ ‫السورية‪ ،‬يقومون بتدريب أفراد املجتمع كالوالدين واملعلمني‬ ‫وأجهزة الدولة البديلة يف املجالس املحلية ومديريات التعليم‬ ‫واملنظامت األهلية التي تنشط يف املناطق نفسها‪ ،‬وتقدم‬ ‫خدمات الرعاية لألطفال مثل املدارس واملراكز الصحية‬ ‫ومراكز ترفيه األطفال”‪.‬‬ ‫ويقدم قسم بناء القدرة تدريب “درع الحارس” يف حامية‬ ‫الطفل؛ وهو حزمة تدريبات تتضمن األساسيات املرشدة‬ ‫يف حامية الطفل والتواصل مع األطفال وأوليات يف الدعم‬ ‫النفيس الذايت؛ باإلضافة إىل تدريبات تخصصية أخرى‪ .‬فكان‬ ‫اإلنجاز وفق إحصائية التقرير نصف السنوي للقسم لعام‬ ‫‪ 309 :2016‬متدرب ومتدربة يف مكتب إدلب‪ ،‬بينام د ّرب‬ ‫مكتب الغوطة الرشقية ‪ 319‬متد ّرب ومتد ّربة‪ ،‬وكان العدد‬ ‫‪ 78‬متدرباً ومتد ّربة يف د ّرعا‪.‬‬ ‫ويحصل هؤالء املتد ّربون عىل مبادئ يف حامية الطفل‬ ‫وأنواع االنتهاكات التي ميكن أن يتعرض لها األطفال واآلثار‬ ‫السلبية عىل الطفل‪ ،‬كام يتعلمون مجموعة من البدائل التي‬ ‫تساعدهم للتخيل عن هذه املامرسات املؤذية‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫آلية التعامل حيالها وإحالتها للجهات املختصة من خالل‬ ‫نظام اإلحالة‪ ،‬الذي يتضمن دراسة الحالة وتحديد املسببات‬ ‫األساسية لألذى‪ .‬ويقوم املختصون بتصميم خطة لهذه الحالة‪،‬‬ ‫ومشاركة املنظامت الرشيكة وأجهزة الدولة البديلة فيها‬ ‫لالستجابة لها‪ ،‬ومتابعتها معهم‪ ،‬يف محاولة لتأمني ّ‬ ‫حل دائم‬ ‫ومستدام‪.‬‬

‫حيث وثق قسم الرصد والسياسات ‪ 98‬حالة‬ ‫انتهاك منها ‪ 8‬حاالت استغالل إعالمي‪ ،‬وقد‬ ‫أصدر‪ 3‬تقارير حول االنتهاكات وأحداث القصف‬ ‫يف مناطق (ريف حلب الغريب وإدلب)‪ ،‬كام تم‬ ‫تدقيق ‪ 16‬مدونة سلوك للعاملني مع األطفال‪.‬‬ ‫كام تؤسس شبكة حراس مراكز مرافقة ملكاتب‬ ‫الحامية‪ ،‬تقوم عىل تأمني خدمات الرعاية‬ ‫لألطفال مبارشة‪ ،‬لتكون كاملخترب الذي يصمم‬ ‫النموذج السوري للتعامل مع حامية الطفل‪ ،‬وفق‬ ‫الخصوصية املرتبطة بالطفل السوري‪ ،‬ثم يصار إىل‬ ‫تعميم التجربة مع املراكز التي تقدم الخدمات‬ ‫املشابهة‪.‬‬ ‫فكان عدد األطفال املستفيدين يف مكتب الغوطة‬ ‫الرشقية من أنشطة الدعم النفيس ‪ 903‬طفل‬ ‫و‪ 182‬يافع‪ ،‬باإلضافة إىل ‪ 133‬إدارة حالة من‬ ‫االنتهاكات‪ ،‬و‪ 608‬طفل مستفيد من برنامج‬ ‫التعليم املرسع لألطفال املنقطعني عن التعليم‪،‬‬ ‫وكان عدد املستفيدين من جلسات التوعية من‬ ‫األهل والقامئني عىل رعاية األطفال ‪ 1242‬شخص‪.‬‬ ‫وفق التقرير نصف السنوي لعام ‪2016‬م‪.‬‬ ‫كام يوضح رياض املدير التنفيذي لشبكة حراس‬ ‫أنه “يف ظروف الطوارئ التي يعمل فيها مقدمو‬ ‫الرعاية‪ ،‬تجعل من الصعب جداً تقديم خدمات‬ ‫ذات جودة عالية لألطفال‪ ،‬تحت خطر القصف‬ ‫والتدمري التي يتعرض له الشعب السوري يومياً‪،‬‬ ‫مام يجعل جودة العمل أقل وكلفته أعىل‪ ،‬وبالتايل‬ ‫عدد املستفيدين من األطفال أقل‪ .‬كام أنه من‬ ‫املستحيل االستجابة لجميع األطفال السوريني‬

‫املعرضني للخطر‪ ،‬لذلك نؤمن بأهمية العمل‬ ‫مع الرشكاء واملبادرات املجتمعية جنباً إىل جنب‬ ‫لالستجابة ألكرب عدد من األطفال مبستوى الجودة‬ ‫التي يستحقها أطفالنا”‪.‬‬ ‫وأيضاً وفق التقرير نصف السنوي إلنجاز مكتب‬ ‫الحامية يف الغوطة الرشقية لعام ‪2016‬م كانت‬ ‫تكلفة الطفل الواحد يف برنامج الدعم النفيس‬ ‫‪ 2.27$‬يف الشهر‪ ،‬بينام تكلفة برنامج التعليم‬ ‫املرسع للطفل الواحد ‪ 9.47$‬شهرياً‪ ،‬وارتفعت‬ ‫كلفة إدارة حالة طفل واحد إىل ‪ 28.53$‬يف الشهر‪،‬‬ ‫ومل تتع ّد كلفة املستفيد الواحد من أنشطة التوعية‬ ‫للقامئني عىل رعاية األطفال ‪ 1.19$‬يف الشهر‪.‬‬ ‫يعلن القامئون عىل املنظمة أن أهداف العمل يف‬ ‫حامية الطفل هي أهداف بعيدة املدى‪ ،‬وسيكون‬ ‫من الصعب قياس األثر يف الوقت الحايل‪ .‬بينام‬ ‫أمكننا تقييم التجربة عىل مستوى املجتمعات‬ ‫الصغرية التي تعمل عليها شبكة حراس‪ .‬وقد كانت‬ ‫نسبة تحقيق األهداف املرحلية جيدة‪ ،‬بل مذهلة‬ ‫يف حالة تفهم املجتمع وحرصه عىل أطفاله‪ ،‬مام‬ ‫يساعد يف إيجاد التغيري اإليجايب برسعة‪ ،‬ويفوق‬ ‫ما نتصور‪.‬‬ ‫يذكر أن فريق شبكة حراس مك ّون من ‪ 250‬شخصاً‬ ‫بني موظف بدوام كامل وجزيئ ومتطوع‪ ،‬موزعني‬ ‫يف مناطق درعا وإدلب وريف دمشق الرشقي‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل مدينة غازي عينتاب الرتكية‪ ،‬وقد‬ ‫بدأت مبجموعة من األفراد املتطوعني يف مجال‬ ‫الدعم النفيس االجتامعي وحامية الطفل‪ ،‬مطلع‬ ‫عام ‪ 2012‬يف مدينة داريا يف ريف دمشق‪.‬‬


‫عمل األطفال‬ ‫مشكلة‬ ‫أم حل؟‬

‫‪9‬‬

‫شبكة حراس‬

‫متى يعترب عمل الطفل استغاللياً؟‬

‫عند تحديد ما إذا كان يجب اعتبار عمل األطفال يف‬ ‫تفحص وضع األطفال‬ ‫سياق ّ‬ ‫املهم ّ‬ ‫معي استغالل ّياً‪ ،‬من ّ‬ ‫املهم النظر يف مثل هذه العوامل‪:‬‬ ‫ومن‬ ‫شامل‪.‬‬ ‫بشكل‬ ‫ّ‬ ‫عمر الطفل‪ ،‬ساعات العمل كل يوم‪ ،‬مستوى اإلجهاد‬ ‫االجتامعي الذي ينتج عن العمل‪ ،‬ظروف‬ ‫والنفيس‬ ‫البد ّين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العمل‪ ،‬مقدار األجر‪ ،‬مستوى املسؤول ّية‪ ،‬إن كان الطفل‬ ‫مداوماً يف املدرسة‪ ،‬مستوى الكرامة‪ /‬االعتداد بالنفس‬ ‫النفيس‬ ‫عند األطفال‪ ،‬إذا كان العمل يسهم يف التط ّور‬ ‫ّ‬ ‫االجتامعي والبد ّين للطفل أو ّ‬ ‫يرض به‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التوصل إىل افرتاضات شاملة‪،‬‬ ‫املهم يف أيّ وضع عدم ّ‬ ‫من ّ‬ ‫وإنا التقرير بناء عىل املصلحة الفضىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫لكل طفل عىل‬ ‫حدة‪ .‬وللقيام بذلك‪ ،‬يكون لتص ّورات الطفل نفسه وآرائه‬ ‫أه ّم ّية مركز ّية‪ .‬وتحظى مسألة ما إذا كان عمل الطفل‬ ‫مينعه من االلتحاق باملدرسة ـأو يسهّل التحاقه بهاـ‬ ‫بأه ّم ّية كربى‪.‬‬

‫النزوح وعاملة األطفال‬

‫يش ّكل األطفال واملراهقون نصف إجام ّيل النازحني‬ ‫تقريباً‪ .‬وعندما يقتلعون من منازلهم و ُيجربون عىل‬ ‫ترك أقاربهم وأصدقائهم ومحيطهم املألوف والشبكات‬ ‫االجتامع ّية الراسخة وراءهم‪ .‬وميكن أن يواجه األطفال‬ ‫واملراهقون النازحون مخاطر متزايدة ألسباب متن ّوعة؛‬ ‫وقد تشمل هذه املخاطر االنفصال عن األرس‪ ،‬وفقدان فرصة‬ ‫الوصول إىل التعليم‪ ،‬والحاجة إىل ّ‬ ‫تول مسؤول ّيات البالغني‬ ‫مثل العناية باإلخوة‪.‬‬

‫كام ّأن املراهقني يجدون يف الغالب ّأن الربامج التي تتعامل‬ ‫مع احتياجات الالجئني والنازحني تغفلهم‪ ،‬وأ ّنها متيل إىل‬ ‫الرتكيز عىل البالغني كصانعني للقرارات أو األطفال الصغار‬ ‫الذين ينظر إليهم عىل أ ّنهم األكرث حاجة وعوزاً‪.‬‬

‫العدد ‪- 79 -‬‬

‫باملقابل‪ ،‬هناك بعض أنواع األعامل استغالل ّية دون ريب‪ ،‬مثل‬ ‫العاملة االسرتقاقية أو العمل ّ‬ ‫بصحة األطفال أو رفاههم‪.‬‬ ‫املرض ّ‬

‫‪2016 / 10 / 16‬‬

‫يؤدّي معظم األطفال عم ًال ما يف كثري من املجتمعات‪،‬‬ ‫داخل املنزل أو ضمن عمل األرسة عىل سبيل املثال‪.‬‬ ‫ويرى الكثري ّأن ذلك العمل يسهم ـضمن حدود مع ّينةـ‬ ‫وبخاصة إن كان ميكن‬ ‫يف تط ّور األطفال وتعليمهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الجمع بني ذلك العمل والتعليم‪ .‬ويف بعض األوضاع‪ ،‬قد‬ ‫ال تستطيع األرسة تح ّمل رسوم املدرسة إ ّال إذا عمل الطفل‪.‬‬

‫املهني وصلتهام بفرص عمل الطفل‬ ‫تنقطع األرس النازحة عن البنى االقتصاد ّية ملجتمعها املدرسة والتدريب‬ ‫ّ‬ ‫ّ​ّ‬ ‫املحل السابق‪ ،‬وغالباً ما ُتحرم من الفرص االقتصاد ّية يف يف املستقبل يؤ ّثران عىل هذا القرار‪.‬‬ ‫املجتمع ّ‬ ‫املحل املضيف‪ .‬ويقود انخفاض دخل كاسبي ورمبا مييل اآلباء الذين مل يتع ّلموا أو تل ّقوا القليل من‬ ‫األجر التقليد ّيني األرس إىل السعي إىل كسب دخل إضا ّيف التعليم إىل اإلقالل من تقدير الفرص التعليم ّية املتاحة‬ ‫من أعضاء آخرين‪ .‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬يكون كثري من ألطفالهم‪ .‬يف بعض األوضاع‪ ،‬قد تكون الصورة املك ّونة‬ ‫وبخاصة املراهقون‪ ،‬قد بلغوا س ّناً مي ّكنهم عن نوع ّية املدرسة ومالءمتها رديئة ج ّداً بحيث يعتقد‬ ‫األطفال‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بدن ّياً من أداء العمل الذي يؤدّيه البالغون‪ .‬ويطلب األطفال وعائالتهم عىل السواء أن تجربتهم يف العمل‬ ‫من العديد منهم ّ‬ ‫تول مسؤول ّية أكرب من أجل البقاء تع ّلمهم أكرث من الحضور إىل املدرسة‪.‬‬ ‫االقتصاديّ ألرستهم‪ ،‬أو ُيطلب منهم العمل بدون أجر يف ّإن االفتقار إىل الوصول إىل التعليم املالئم ميكن أن يكون‬ ‫املنزل إلتاحة املجال ليك يعمل األعضاء اآلخرون‪ .‬وغالباً عام ًال مساه ًام يف سبب عمل األطفال‪ ،‬وتوفر التعليم‬ ‫ما تؤدّي الفتيات هذا العمل فيمضني ساعات طويلة يف يقدم اسرتاتيجية فعالة للوقاية من املشكلة وعالجها‪.‬‬ ‫العمل املنز ّيل ورعاية اإلخوة الصغار‪ ،‬مام يؤ ّثر ايضاً عىل اسرتاتيجيات وقائية ملواجهة العمل االستغاليل‬ ‫قدرتهنّ عىل الحضور إىل املدرسة‪.‬‬ ‫ّإن تسهيل وصول األطفال إىل التعليم ‪-‬مبا يف ذلك التعليم‬ ‫مهم يف خفض مخاطر االستغالل‪.‬‬ ‫ّإن الفقر واالفتقار إىل التعليم سببان شائعان لعمل األطفال‪ ،‬الثانويّ‬ ‫واملهني‪ّ -‬‬ ‫ّ‬ ‫لكنّ ذلك ال ي ّربر التغايض عن العمل ّ‬ ‫املرض واالستغال ّيل‪ .‬وتعليم األطفال عن حقوقهم مع األشكال املختلفة‬ ‫من التدريب عىل املهارات االجتامع ّية ومهارات الحياة‬ ‫كيف تؤ ّثر عاملة الطفل عىل األطفال؟‬ ‫التوصل إىل استنتاجات مفادها ّأن يساعد الفتيان يف اتباع خيارات أفضل للحياة ويط ّور‬ ‫املهم تجنّب‬ ‫ّ‬ ‫من ّ‬ ‫ّ‬ ‫املهم رفع‬ ‫قيام األطفال بالعمل يعترب بشكل تلقايئ مشكلة يجب مهارات حامية أنفسهم من االستغالل‪ .‬من ّ‬ ‫ّ​ّ‬ ‫املحل بشأن استغالل‬ ‫التعامل معها‪ .‬فالعمل بالنسبة لكثري من العائالت ال الوعي داخل مجتمع النازحني‬ ‫الجنيس‪ .‬وتلعب النساء دوراً‬ ‫عاملة األطفال واالستغالل‬ ‫يش ّكل مشكلة بقدر ما يش ّكل ح ًّال ملشكلة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫من جهة‪ ،‬قد يكون األطفال أكرث عرضة ملخاطر العمل رائداً يف النشاطات املتع ّلقة بالوقاية من االستغالل‬ ‫من البالغني‪ ،‬أل ّنهم يف مرحلة النم ّو ولديهم احتياجات واالستجابة له‪.‬‬ ‫خاصة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فالعاملون ميكن أن ّإن التعامل مع احتياجات األطفال املنفصلني عن‬ ‫تط ّور ّية ّ‬ ‫يكون لديهم قدرة غري عاد ّية عىل تقدير التكاليف والديهم دون توانٍ ‪ ،‬من خالل تت ّبع األرسة وتأمني أشكال‬ ‫املع ّقدة والفوائد التي ينطوي عليها العمل‪ .‬ويف محاولة الرعاية املالمئة واملحم ّية ّ‬ ‫(يفضل ضمن العائالت)‪ ،‬أمر‬ ‫لتحديد ما إذا كان العمل ّ‬ ‫مرضاً باألطفال أم ال‪ ،‬من املهم رضوريّ ‪ .‬باإلضافة للتشديد عىل األسباب التي تجعل‬ ‫ّ‬ ‫عدم تحديد الظروف املوضوع ّية لعملهم فحسب‪ ،‬وإنا األطفال بحاجة للعمل وتوفري البدائل ذات املغزى‬ ‫أيضاً القيمة الذات ّية التي يعطيها األطفال أنفسهم للعمل‪.‬‬ ‫لألطفال والعائالت‪.‬‬ ‫األطفال قد يكونون مرنني ج ّداً‪ّ ،‬‬ ‫وإن املزايا التي ميكن أن تعزّز النشاطات اإلنتاج ّية واالقتصاد ّية ملساعدة‬ ‫يتص ّورونها قد تفيد يف وقايتهم من بعض النتائج ّ‬ ‫املرضة‪ .‬الفتيان يف إيجاد عمل أجزل عطاء أو أكرث مالءمة‪ .‬وقد‬ ‫باملقابل‪ ،‬يجب أ ّال تكون املرونة سبباً لعدم مواجهة تشمل هذه عنرصاً تدريب ّياً (يف إدارة األعامل مثال)‪ً،‬‬ ‫العمل ّ‬ ‫املرض واالستغال ّيل بشكل واضح‪.‬‬ ‫وتوفري قروض للمشاريع الصغرية‪ ،‬وفرص العمل التي‬ ‫العمل والتعليم‬ ‫تتمتّع بالحامية‪ ،‬وإنشاء تعاون ّيات للعمل وما إىل هنالك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البديهي أن من األفضل اتخاذ خطوات للوقاية من‬ ‫عندما تتّخذ األرس القرارات فيام يتعلق بالتخل عن من‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫التعليم لصالح العمل‪ ،‬فإ ّنهم يوازنون أه ّم ّية كسب االستغالل بدال من التعامل مع عواقبه‪ ،‬ويجب أن يصبح‬ ‫املزيد من الدخل يف الحارض مقابل احتامل تأمني من البديهي أيضاً أن التعليم ودعم املبادرات املجتمعية‬ ‫دخل أكرب يف املستقبل من خالل التعليم‪ .‬لذا ّ‬ ‫فإن تو ّفر التعليمية حاجة إغاثية كالحاجة إىل الغذاء والدواء‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫تجنيد األطفال في القانون‬ ‫الدولي اإلنساني‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 27 - 79 -‬‬

‫لطاملا كان املدنيون يشكلون النسبة األكرب من ضحايا‬ ‫أي نزاع مسلح عىل كافة األصعدة‪ ،‬وتأيت النساء‬ ‫واألطفال وكبار السن يف مقدمة املدنيني كضحايا هذه‬ ‫النزاعات‪ ،‬وباإلضافة إىل الحامية العامة املنصوص‬ ‫عليها يف القانون الدويل اإلنساين‪ ،‬للمدنيني أو املقاتلني‪،‬‬ ‫يستفيد األطفال يف النزاعات املسلحة من أحكام خاصة‬ ‫تقر بحالة االستضعاف واالحتياجات الخاصة لألطفال‬ ‫يف النزاعات املسلحة‪ .‬ورغم هذه الحامية املمنوحة‬ ‫لألطفال‪ ،‬إال أنهم معرضون بشكل خاص للخطر يف‬ ‫النزاعات املسلحة‪ ،‬حيث يستمر تجنيدهم عىل يد‬ ‫القوات املسلحة والجامعات املسلحة‪ ،‬بعد أن يتم‬ ‫فصلهم غالباً عن عائالتهم أو انتزاعهم من بيوتهم‬ ‫ومجتمعاتهم املحلية‪ ،‬أو يتعرضون للقتل أو التشويه أو‬ ‫االعتداء الجنيس أو أي شكل آخر من أشكال االستغالل‪.‬‬ ‫ونتيجة الضغوطات ينتهي املطاف باألطفال يف الكثري‬ ‫من الحاالت‪ ،‬إىل حمل السالح واملشاركة مشاركة فعلية‬ ‫يف القتال‪ .‬ناهيك عن إمكانية استخدامهم لدعم القوات‬ ‫والجامعات املسلحة‪ ،‬بحمل اإلمدادات مبا فيها الذخائر‬ ‫أو الجنود املصابني‪ ،‬أو جمع املعلومات االستخبارية‬ ‫العسكرية‪ ،‬حيث يتم استخدامهم كمستطلعني أو ُر ُس ًال‬ ‫أو طهاة أو لألغراض الجنسية أو وضع وإزالة األلغام‬ ‫األرضية‪ ،‬أو غري ذلك‪ .‬وميكن أن نضيف إىل ذلك خاصة‬ ‫بالنسبة للطفالت‪ ،‬املعاناة من حالة االستضعاف ‪ ،‬فيتم‬ ‫استغاللهن لألغراض الجنسية كمحظيات او زوجات‬ ‫بشكل قرسي‪ ،‬وحديثاً انترشت ظاهرة استخدام األطفال‬ ‫ألعامل اإلرهاب مبا يف ذلك كانتحاريني‪.‬‬

‫تعريف الطفل الجندي ‪:‬‬

‫“هو أي شخص تحت سن الثامنة عرش يكون فرداً يف‬ ‫أي نوع من الجامعات املسلحة أو القوات املسلحة‬ ‫النظامية أو غري النظامية بأي صفة أو وظيفة كانت‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذلك الطباخني واملراسلني‪ ،‬واملرافقني لهكذا جامعات‪،‬‬ ‫الذين تتعدى صفتهم االجتامعية كونهم أعضاء يف أرسة‪.‬‬ ‫ويشتمل هذا أيضاً عىل الفتيات املجندات ألهداف‬ ‫جنسية وزواج قرسي‪ .‬فهو‪ ،‬بالتايل‪ ،‬ال يشري فقط إىل‬ ‫الطفل الذي يحمل سالحاً أو سبق له أن حمل سالحاً”‪.‬‬ ‫ويتم تجنيد بعض األطفال بالقوة‪ ،‬وينضم أطفال آخرون‬ ‫إىل القوات املسلحة أو الجامعات املسلحة بدافع الفقر‪،‬‬ ‫ويصبح أطفال كثريون مسلحني نتيجة الظلم والتعسف‬ ‫وسوء املعاملة التي يتعرضون لها أو ذويهم عىل يد‬ ‫سلطات الحكومة‪.‬‬

‫حامية األطفال يف القانون الدويل ‪:‬‬

‫سن تجنيد األطفال ‪:‬‬ ‫متت معالجة هذا املوضوع ضمن نصوص الربوتوكولني‬ ‫اإلضافيني إىل اتفاقات جنيف لعام ‪ 1977‬املعاهدتني‬ ‫الدوليتني األولني‪ ،‬حيث نص الربوتوكوالن عىل حظر‬

‫تجنيد األطفال دون سن الخامسة عرشة وإرشاكهم‬ ‫يف األعامل العدائية‪ .‬واشرتط الربوتوكول األول يف حالة‬ ‫التجنيد العسكري لألطفال الذين بلغوا سن الخامسة‬ ‫عرشة ومل يبلغوا بعد الثامنة عرشة يف النزاعات الدولية‬ ‫املسلحة‪ ،‬إعطاء األولوية ملن هم أكرب سناً‪.‬‬ ‫ولكن الربوتوكول االختياري لعام ‪ ،2000‬واملضاف‬ ‫التفاقية حقوق الطفل لعام ‪ ،1989‬رفع سن التجنيد‬ ‫اإلجباري إىل الثامنة عرشة‪ ،‬وال يجوز للجامعات‬ ‫املسلحة استخدام األطفال دون سن الثامنة عرشة يف‬ ‫أي حال من األحوال‪ .‬ومبوجب هذا الربوتوكول‪ ،‬تقوم‬ ‫الدول األطراف التي تسمح بالتطوع يف قواتها املسلحة‬ ‫الوطنية دون سن الثامنة عرشة بالتمسك بالضامنات‬ ‫لكفالة ما ييل كحد أدىن‪:‬‬ ‫أ) أن يكون هذا التجنيد تطوعاً حقيقياً؛‬ ‫ب) أن يتم هذا التجنيد الطوعي مبوافقة مستنرية من‬ ‫اآلباء أو األوصياء القانونيني لألشخاص؛‬ ‫ج) أن يحصل هؤالء األشخاص عىل املعلومات الكاملة‬ ‫عن الواجبات التي تنطوي عليها هذه الخدمة العسكرية؛‬

‫د) أن يقدم هؤالء األشخاص دلي ًال موثوقاً به عن سنهم‬ ‫قبل قبولهم يف الخدمة العسكرية الوطنية‪.‬‬ ‫‪ -‬ويستثنى رشط العمر عىل املدارس التي تديرها القوات‬

‫املسلحة يف الدول األطراف أو تقع تحت سيطرتها‪.‬‬

‫حامية األطفال األرسى‬

‫يستفيد األطفال من القواعد العامة الواردة يف القانون‬ ‫الدويل اإلنساين بشأن حامية األرسى ومعاملتهم‪،‬‬ ‫وبالنظر لصغر سنهم‪ ،‬يحظون مبعاملة خاصة يف حالة‬ ‫االعتقال أو الوقوع يف األرس‪.‬‬ ‫‪ - 1‬الحامية العامة لألطفال األرسى‪:‬‬ ‫حيث تطبق عىل األطفال اتفاقية جنيف الثالثة لعام‬ ‫‪ ،1949‬املتعلقة مبعاملة أرسى الحرب‪ ،‬التي تكفل‬ ‫حامية األرسى منذ لحظة وقوعهم يف األرس‪ ،‬وحتى‬ ‫اإلفراج عنهم والعودة إىل الديار‪ ،‬حيث يقع عىل عاتق‬ ‫الدولة الحاجزة لألرسى‪ ،‬إبعادهم عن جبهات القتال‬ ‫وساحات املعارك‪ ،‬وتأمني حاميتهم وتقديم الخدمات‬ ‫الرضورية لهم‪ ،‬ومتكينهم من تبادل الرسائل مع ذويهم‪،‬‬ ‫والسامح ملندويب اللجنة الدولية للصليب األحمر‬ ‫بزيارتهم‪ ،‬وعدم إرغامهم عىل القيام بأعامل عدائية ضد‬ ‫بلدهم‪ ،‬أو حشدهم يف صفوف قوات الدولة الحاجزة‪،‬‬ ‫وحقهم الثابت يف العودة إىل أوطانهم فور انتهاء‬ ‫العمليات الحربية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الحامية الخاصة لألطفال األرسى‪:‬‬ ‫بالرغم من حظر القانون الدويل اإلنساين ملشاركة‬ ‫األطفال يف النزاعات‪ ،‬إال أن الواقع يثبت عكس ذلك‪،‬‬ ‫لذلك يتمتع األطفال املقاتلني األرسى باحرتام خاص‪،‬‬ ‫ويتمتعون بحامية خاصة كفلها لهم الربوتوكول األول‪،‬‬

‫المحامي إبراهيم القاسم‬ ‫حيث ينص بهذا الخصوص عىل أنه‪“ :‬إذا حدث يف‬ ‫حاالت استثنائية‪ ،‬أن اشرتك األطفال ممن مل يبلغوا بعد‬ ‫سن الخامسة عرشة يف األعامل العدائية بصورة مبارشة‪،‬‬ ‫ووقعوا يف قبضة الخصم‪ ،‬فإنهم يظلون مستفيدين من‬ ‫الحامية الخاصة التي تكلفها هذه املادة‪ ،‬سواء أكانوا‬ ‫أرسى حرب أم مل يكونوا “‪.‬‬ ‫وينطبق عىل األطفال املجندين يف القوات املسلحة‬ ‫النظامية – الحكومية‪ -‬أو املشاركني مع جامعات‬ ‫مسلحة أخرى صفة املقاتلني‪ ،‬ويتمتعون بوضع أرسى‬ ‫الحرب القانوين إذا وقعوا يف قبضة الخصم‪ ،‬فال يجب‬ ‫إدانة األطفال املقاتلني دون الخامسة عرشة الذين‬ ‫اعتقلوا‪ ،‬ملجرد أنهم حملوا السالح‪ ،‬وال يتحملون أية‬ ‫مسؤولية‪ ،‬نتيجة مشاركتهم يف األعامل العدائية‪ ،‬وتقع‬ ‫املسؤولية يف هذه الحالة وفق الربوتوكول‪ ،‬عىل عاتق‬ ‫الطرف املشارك يف النزاع الذي جند هؤالء األطفال‪.‬‬ ‫ولكن الحامية العامة والخاصة القانونية لألطفال‬ ‫املقاتلني كأرسى الحرب‪ ،‬ال مينع من تطبيق األحكام‬ ‫الجنائية عن املخالفات الجسيمة التي يرتكبها هؤالء‬ ‫األطفال‪ ،‬واملخالفة ألحكام القانون الدويل اإلنساين‪،‬‬ ‫خاصة جرائم الحرب‪ ،‬أو املخالفات التي تخل بالقانون‬ ‫الوطني للدولة الحاجزة‪ ،‬لكن مع تقدير مسؤولياتهم‬ ‫حسب أعامرهم‪ ،‬وعموماً تتخذ يف حقهم إجراءات‬ ‫تربوية‪ ،‬مع إمكانية فرض عقوبات جنائية وفقاً‬ ‫لضامنات قضائية‪ ،‬أهمها عدم تطبيق حكم اإلعدام‬ ‫بحق األطفال دون الثامنة عرش‪.‬‬

‫احرتام حقوق األطفال‪:‬‬

‫عىل الرغم من أن املادة ‪ 88‬من الربوتوكول األول نصت‬ ‫يف فقرتها األوىل‪:‬‬ ‫“يجب أن يكون األطفال موضع احرتام خاص وأن تكفل‬ ‫لهم الحامية ضد أي صورة من صور خدش الحياء‪،‬‬ ‫ويجب أن تهيء أطراف النزاع الحامية والعون للذين‬ ‫يحتاجون إليها‪ ،‬سواء بسبب سنهم أم ألي سبب أخر”‪.‬‬ ‫وأن املادة الرابعة من الفقرة الثانية من الربوتوكول‬ ‫الثاين‪ ،‬نصت عىل أنه يجب‪” :‬يجب توفري املعونة‬ ‫والرعاية لألطفال بالقدر الذي يحتاجون له‪”.‬‬ ‫ورغم التأكيد عىل هذا األمر يف االتفاقية الدولية‬ ‫الخاصة بحقوق الطفل يف عام ‪ 1989‬وملحقاتها‪ ،‬والتي‬ ‫جعلت من حقوق الطفل حقوقاً إنسانية وعاملية ال‬ ‫ميكن التغايض عنها‪ ،‬عىل الرغم من كل هذه النصوص‬ ‫القانونية التي تحمي األطفال يف النزاعات املسلحة‬ ‫ال يزال األطفال األبرياء ضحية من قبل الحكومات‬ ‫والجامعات املسلحة التي تستغل األطفال يف نزاعاتها‬ ‫املسلحة‪ ،‬مام يجعلهم يتعرضون لخطر أكرب مام هو الحال‬ ‫عليه قبل إرشاكهم يف نزاعات الكبار‪ ،‬حيث تؤدي مشاركتهم‬ ‫يف النزاع إىل آثار خطرية عىل صحتهم الجسمية والنفسية‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫مدن في “عين” األمم المتحدة‬

‫‪11‬‬

‫جمال الشوفي‬

‫العدد ‪- 79 -‬‬ ‫‪2016 / 10 / 27‬‬

‫مقاالت‬

‫ال يخفى عىل أحد من متتبعي السياسات الدولية‬ ‫أن األمم املتحدة أسرية سياسات الدول الرئيسة‬ ‫فيها‪ ،‬وأن مواثيقها الدولية واإلنسانية ليست‬ ‫للتطبيق يف مجتمعات ودول تعترب هامشية‬ ‫فيها؛ ومبعنى آخر تعترب حقول تجارب ومناطق‬ ‫نزاع نفوذ لها‪ ،‬ويرعى كل طرف فيها أدوات‬ ‫هيمنته يف هذه الدول ويغذيه‪ ،‬بغية تحقيق‬ ‫مصالحها وأمنها القومي واسرتاتيجيتها‪ .‬فمنذ‬ ‫وضعت الحرب العاملية الثانية وزرها‪ ،‬تشكلت‬ ‫هيئة األمم املتحدة عىل خلفية عصبة األمم‬ ‫املتحدة‪ .‬عصبة األمم تلك‪ ،‬التي رعت ونفذت‬ ‫سياسة الوصاية الدولية عىل دول املنطقة بني‬ ‫الحربني العامليتني األوىل والثانية‪ .‬فهل انتهى‬ ‫الدور املناط مبنظمة األمم املتحدة يف الحفاظ‬ ‫عىل السالم العاملي واستقراره‪ ،‬وانتقلت ملرحلة‬ ‫جديدة إلعادة رسم خارطة العامل الذي نعيشه‪:‬‬ ‫رشق املتوسط تحت وصاية متعددة األطراف‬ ‫تحت مرأى من “عينها”؟!‬ ‫األمم املتحدة التي وضعت يف مواثيقها وأعرافها‬ ‫الدولية‪ :‬صيانة حق الشعوب يف تقرير مصريها‬ ‫وحاميتها كأولوية يف استقرار األمن والسالم‬ ‫العاملي‪ ،‬لدرجة التدخل تحت الفصل السابع‬ ‫ملجلس األمن عند تهديد املدنيني يف دولة ما‬ ‫أو يف أي رقعة من العامل! األمن والسالم العاملي‬ ‫الذي دأبت كل رشائع األرض ومنظامتها‬ ‫الحقوقية لرتسيخها ثقافة وسلوكاً عاملياً‪ ،‬بغية‬ ‫تجاوز عقبات وويالت الحروب‪ ،‬خاصة بعد‬ ‫الحربني العامليتني يف مطلع القرن العرشين‪،‬‬ ‫هي ذاتها اليوم تقف مكتوفة األيدي “طوعاً”‪،‬‬ ‫ال بل وتساهم‪ ،‬يف اقتالع سكان املدن السورية‬ ‫من جذورها مدينة تلو األخرى‪ ،‬وتقف شاهدة‬ ‫فعلية عىل مؤرشات التغيري الدميوغرايف فيها‪،‬‬ ‫فهل كانت داريا واملتبقي من سكانها خطراً عىل‬ ‫السالم العاملي وأمنه واستقراره؟ وهل كانت‬ ‫قبلها حمص كذلك؟ وهل باقي املدن السورية‬ ‫املصطفة عىل قامئة التهجري كذلك أيضاً؟ وماذا‬ ‫عن حلب اليوم؟‬

‫منذ العام ‪ 2012‬تتالت البعثات الدولية األممية‬ ‫إىل سوريا؛ بدءاً من بعثة الفريق الدايب‪ ،‬إىل‬ ‫كويف عنان فاألخرض اإلبراهيمي‪ ،‬إىل ستيفان‬ ‫دي مستورا اليوم‪ .‬وأيضاً البعثات الدولية‬ ‫للتحقيق يف استخدام األسلحة الكياموية‪،‬‬ ‫واملحظورة دولياً‪ .‬وكلها دأبت “حسبام تدعي‬ ‫علناً” البحث والتقيص عن ّ‬ ‫حل سلمي سيايس‬ ‫يف سوريا! األمم املتحدة ذاتها التي رصحت‬ ‫مراراً وتكراراً عن عجزها عن تنفيذ البنود األوىل‬ ‫التفاق جنيف ‪ 2218‬والذي ضمنه قرار مجلس‬ ‫األمن ‪ 2245/2015‬الخاصة بإيصال املساعدات‬ ‫الغذائية والطبية واإلنسانية‪ ،‬إىل املدن املحارصة‬ ‫منذ أعوام‪ ،‬كبوادر حسن نية للتفاوض املزمع‬ ‫بغية إيجاد الحل السيايس القايض بتشكيل‬ ‫هيئة حكم انتقايل كاملة الصالحيات‪ .‬األمم‬ ‫املتحدة ذاتها التي تراقب عن كثب نزوح‬ ‫وتهجري املاليني السوريني عرب قوارب املوت‬ ‫البحرية إىل كل شتات العامل وأرضها بحثاً عن‬ ‫ملجأ آمن من املوت املحتم يف سوريا‪.‬‬ ‫بعد جوالت التفاوض األممية الثانية يف عام‬ ‫‪ ،2014‬رعت األمم املتحدة وتحت “مرمى‬ ‫نظرها” إخالء األحياء املحارصة من حمص‪،‬‬ ‫وكانت حينها تدّعي أن رشوط التفاوض هي‬ ‫ّ‬ ‫فك الحصار ال تهجري السكان‪ ،‬وبعدها اتفاق‬ ‫الزبداين‪ -‬الفوعة! وهي أيضاً من حاولت مترير‬ ‫بالس عىل‪ -‬إخالء األحياء‬ ‫ورمبا الزالت تعمل ّ‬‫الحلبية املحارصة يف اآلونة األخرية‪ .‬وال تعفيها‬ ‫ترصيحاتها املتتالية عرب مفوضها السامي السيد‬ ‫دي مستورا بأنها مل ترعَ ومل تطلع عىل رشوط‬ ‫االتفاق إلخالء املتبقي من سكان داريا‪ ،‬أو عدم‬ ‫استطاعتها إيصال املساعدات لحلب‪ ،‬أو حامية‬ ‫املدنيني يف مدن أخرى كاملعضمية والهامة‬ ‫وقدسيا واملتبقي من حي الوعر الحميص‪ ،‬بعد‬ ‫اتفاقات عىل خروج معارضتها املسلحة!‬ ‫ولرمبا مثة ما يدور يف الخفاء عن خارطة الطريق‬ ‫املرسومة لهذه املدن‪ ،‬ومثلها بعض أحياء دمشق‬ ‫أيضاً‪ ،‬التي رمبا يف طريقها للتهجري القرسي‬

‫وتحت “عني” األمم املتحدة‪ .‬تلك العني التي‬ ‫ال تريد أن ترى من املشهد السوري حاجات‬ ‫البرش الحقيقية يف االستقرار والسالم وضامن‬ ‫عدم انتهاك أعراضهم ومورثوهم التاريخي‬ ‫املادي واالجتامعي والروحي املكثف‪ ،‬يف بقعة‬ ‫جغرافية تسمى مدينة‪ ،‬هي تاريخ وروح شعب‬ ‫ومسكن وحارات وسهرات وملّات‪ ،‬هي عنوان‬ ‫ملجتمع عام اسمه سوريا وكل سوريا!‬ ‫هذا ليس نقداً بالعمق لهيئة األمم املتحد ًة‪،‬‬ ‫وال ملعايريها املزدوجة‪ ،‬وال لسياسات الغرف‬ ‫املقفلة‪ ،‬لكنه تساؤل علني يؤرق يومنا‪ :‬هل‬ ‫استنفدت هيئة األمم املتحدة وسائلها وأهدافها‬ ‫األوىل‪ ،‬وانتقلت ملرحلة جديدة ولرمبا تسمية‬ ‫جديدة ستفصح عن نفسها قريباً؟‬ ‫فكل من عصبة األمم وهيئة األمم تشكلت‬ ‫عقب حرب عاملية كربى‪ ،‬فهل الحرب السورية‬ ‫حرب عاملية تتسرت قواها العظمى خلف‬ ‫الستارة لتفتح هيئة األمم املتحدة ومنظامتها‬ ‫عيناً وتغمض أخرى عن واقع ودمار املدن‬ ‫السورية املدينة تلو األخرى؟ وهل سننتقل‬ ‫قريباً إىل منوذج الوصاية املشرتكة عىل أرض‬ ‫وواقع وحطام املدن السورية‪ ،‬ونصحو عىل‬ ‫مسمى جديد‪ ،‬لالتحاد الدويل املتناقض هوي ًة‬ ‫واملتفق مصلح ًة عىل الدمار السوري وتغيري‬ ‫دميوغرافيته ووأد الربيع العريب فيها؟‬ ‫ً‬ ‫ستبقى املدن السورية املنكوبة مخرزا يف عني‬ ‫كل الهيئات واملنظامت الدولية‪ ،‬فإن املدن وإن‬ ‫هجرناها تبقى هي التي تسكننا‪ ،‬فلم تكن املرة‬ ‫األوىل التي تدمر بها املدن السورية يف التاريخ‪،‬‬ ‫ومع هذا عصيت عن الفناء‪ .‬هي مدن عىل‬ ‫قارعة األمم اليوم‪ ،‬وشعب ما تبقى له عىل‬ ‫الصرب سوى حلم وا ٍه يف السامء‪ ،‬أو قرب بسعة‬ ‫مرتين من األرض فقط!‬ ‫من حلمه الوردي يبني مدينة يف عامل أرجواين‬ ‫مغاير‪ ،‬ومن موته املعلن يبني مدينة لألشباح‪،‬‬ ‫وبينهام يحاول البقية منا الحفاظ عىل ترشده‬ ‫حتى ال نختار إحداها عنوة‪..‬‬


‫‪12‬‬

‫النسوية والكتابة‬ ‫ّ‬ ‫الرغبوية والتنظير والواقع‬ ‫ّ‬ ‫يارا بدر‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 27 - 79 -‬‬

‫نرشت الروائ ّية اإلنكليزية “فرجيينا وولف” مقالها‬ ‫النقدي الطويل “غرفة املرء الخاصة‪A Room of -‬‬ ‫‪ ”One’s Own‬بتاريخ ‪ 24‬أكتوبر ‪ ،1929‬وحاولت‬ ‫فيه التط ّرق إىل سؤال “الكتابة والنسو ّية” مبستوياته‬ ‫ا ُملتعدّدة‪ .‬عنونت مقالها بأول النقط وأكرثها أساس ّية‬ ‫أي “الغرفة الخاصة” التي تحتاجها املرأة‪ /‬الكاتبة‬ ‫للقيام بعملها‪ ,‬تحتاج مساحتها الخاصة ذات الرشط‬ ‫الزماين واملكاين املالئم‪ ,‬وهو أمر لطاملا ُحرمت منه‬ ‫النساء‪ ,‬املسحوقات تحت وطأة أدوار منط ّية تشغل‬ ‫وقتهنّ وحياتهنّ أ ّولها العناية الال ُمنته ّية بالزوج والبيت‬ ‫واألطفال‪ ,‬وهي عناية نفس ّية وصح ّية ومعنو ّية ومادية‪,‬‬ ‫ويف زمننا املعارص أضيف املعنى النقدي لكلمة “عناية‬ ‫مادية”‪ ,‬حيث أصبح مطلوباً من املرأة‪ /‬الزوجة واألم‬ ‫املشاركة يف أعباء املنزل وتكاليف الحياة املالية‪.‬‬ ‫أشارت “وولف” كذلك إىل القيود اإلجتامعية املفروضة‬ ‫سلفاً عىل املرأة وا ُملثقلة بوزنها التاريخي ويف بعض‬ ‫األحيان األسطوري أو ا ُملنتج من الخيال والثقافة‬ ‫الجمع ّيني‪ ,‬حيث ّأن الخيال أ ّول منافذنا إىل التح ّرر‬ ‫عملت السلطات البطرك ّية مبختلف أشكالها عىل قمع‬ ‫املرأة ومنعها من الحلم ومن الخيال ومن التفكري‬ ‫ولعقود طويلة ويف مختلف دول العامل ُمنعت املرأة من‬ ‫التعليم كام من االختيار وسواهام من أبسط الحقوق‬ ‫اإلنسان ّية األساس ّية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عاملنا العريب من أشد بقاع األرض ظلمة بحق املرأة‬ ‫إىل يومنا هذا‪ ,‬رغم املحاوالت التنوير ّية الشحيحة‬ ‫التي ظهرت يف نهاية القرن التاسع عرش وبداية القرن‬ ‫العرشين مع مفكرين من طراز “قاسم أمني ‪1863-‬‬ ‫‪1908‬م” الذي وضع مؤ ّلفي “تحرير املرأة ‪”1899 -‬‬ ‫و”املرأة الجديدة ‪ .”1901 -‬إ ّال ّأن االنتكاسة التي د ّمرت‬ ‫مرشق املنطقة العربية باستالم الديكتاتوريات لحكم‬ ‫البالد بعد نيل دوله االستقالل بزمن قصري جداً أ ّتت‬ ‫كذلك عىل كل يشء‪ ,‬كالنار التهمت األخرض واليابس‬ ‫وح ّولته رماداً‪ ,‬قضت عىل الح ّريات العامة والصحف‬ ‫وحر ّية الفكر والطباعة والنرش وحر ّية التج ّمع واالعتقاد‬ ‫والنقاش والفنون وحقوق املرأة‪ ,‬ومسختها إىل شكل‬ ‫عبثي سخيف‪.‬‬ ‫ظاه ّري ّ‬ ‫كان وضع املرأة الحقيقي من األمور التي احتجنا يف‬ ‫سوريا ومرص واليمن إىل ثورة حقيقة وإىل دماء كثرية‬ ‫لتوضع تحت املجهر ُمجدداً‪ ,‬وعىل الرغم من جميع‬ ‫الكوارث عىل املستوى اإلنساين والثمن الباهظ إ ّال ّأن‬ ‫استطالة أمد الرصاع سمحت لنا بكشف ما هو أبعد من‬ ‫مج ّرد األساس ّيات‪ ,‬فعىل مستوى الكتابة عن قضية املرأة‬ ‫وجدنا أنفسنا نعيد طرح سؤال “وولف” بعد قرابة مئة‬

‫عام من طرحها له‪ .‬فام هي الكتابة عن “قضايا املرأة”؟‬ ‫منصة للقول؟‬ ‫هل يكفي توفري ّ‬ ‫نب بالقول‪ ,‬وهنّ وفق‬ ‫إذ لطاملا اعتقدنا ّأن النساء يرغ ّ‬ ‫موروثنا الجمعي الشفهي املتوارث أكرث قوالً من‬ ‫الرجال‪ :,‬هنّ “الرثثارات” وهنّ “كثريات الكالم” وهنّ‬ ‫“الجدات قاصات الحكايا” وهنّ “شهرزاد”‪ّ ,‬‬ ‫وأن أحد‬ ‫أكرث أوجه املشكل أصالة هو يف امتالك الرجل غالباً‬ ‫وتاريخياً ملنصة “القول” وأدواته‪ .‬فهل علينا السعي‬ ‫لتوفري منصة لكل امرأة تريد القول‪ ,‬بكل مت ّيز جندريّ‬ ‫سلبي بحق الرجل‪ ,‬ليس ألهم ّية وخصوص ّية ما تقول بل‬ ‫ومن حيث منطلق أ ّنها امرأة‪ ,‬ولو كان ما تقوله معادياً‬ ‫للنسو ّية ولقضايا املرأة‪.‬‬ ‫هل يكفي اإلميان ّ‬ ‫بأن التجربة واملامرسة سوف تتط ّور‬ ‫كل هذا الكم؟ قد يكون هذا صحيحاً‬ ‫لت ّولد نوعاً من ّ‬ ‫أوجهه‪ ,‬لكن ال ميكن الركون إليه وحده‪ّ ,‬مام‬ ‫يف أحد ّ‬ ‫يقودنا إىل املالحظة الثانية حول الكتابة النسو ّية‪ ,‬والتي‬ ‫هي متاماً ما ذكرت “وولف”‪ ,‬إذ وبحكم ظروف املهجر‬ ‫تعيش نساء كثريات كاتبات ومفكرات من مردود‬ ‫عملهنّ الكتايب فقط‪ ,‬لكن وكام أشارت الزميلة “رشا‬ ‫عمران” يف مقالها يف هذا القسم ّ‬ ‫فإن الكاتبة هنا ُمج ّردة‬ ‫غالباً من أي مساحة خاصة بها‪ ,‬وهي متارس كتابتها‬ ‫مبكانيك ّية فرضتها الحاجة قبل الرغبة‪ ,‬أ ّما القسم اآلخر‬ ‫الذي استسلم لرشوط اللجوء ومعضلة تع ّلم اللغة‬ ‫األجنبية الغريبة كخطوة أ ّول ّية ال مف ّر منها وال بديل‬ ‫عنها لبدء حياة جديدة‪ ,‬فقد تح ّولت رغبتها بالكتابة إىل‬ ‫ترف ثقايف وشخيص‪ ,‬يصعب االعتامد عليه كأحد عنارص‬ ‫ماكينة اإلنتاج‪ ,‬وإن اكتسب برشطه الرتّيف مت ّيزاً تتيحه‬ ‫الكتابة وفق الرغبة ويتيحه الوقت ا ُملعطى لتجربة‬ ‫الكتابة هذه‪.‬‬ ‫أ ّما إن نظرنا إىل مضمون القول‪ ,‬إىل اللغة والفكرة‪,‬‬ ‫فغالباً ما نجد أنفسنا ُنساق إىل تفضيل الخربة الذكورية‬ ‫التي أنتجها تاريخ طويل من مامرسة القراءة والكتابة‬ ‫والتفكري والعمل اإلعالمي واألديب والفني‪ ,‬تاريخ ك ّونته‬ ‫عوامل متعددّة منها عىل سبيل املثال ال الحرص ّأن عدد‬ ‫الرجال الحاصلني عىل تعليم عال والذين مارسوا الكتابة‬ ‫الصحفية أو اإلبداعية أو املرتبطني باهتاممات ثقافية‬ ‫هو أكرب من عدد النساء يف مجتمعاتنا البطرك ّية هذه‪.‬‬ ‫هنا أضع مالحظة عىل الهامش‪ ,‬وليس أكرث من مالحظة‬ ‫ّأن النصوص التي ّ‬ ‫نحت إىل مناقشة األفكار‬ ‫خطها رجال َ‬ ‫العريضة واملبادئ األساس ّية تاريخياً أو قانونياً أو ثقافياً‬ ‫املرتبطة باملرأة وقضايا الجندر‪ ،‬وإن هذه الكتابة تتم ّيز‬ ‫يف كثري من األحيان مبستواها اللغوي ومستوى طرح‬ ‫األفكار وجرأة النقاش‪ .‬يف حني نجد ّأن كتابات النساء‬

‫وإن وضعت ذات األفكار تحت الدراسة مثل وضع‬ ‫املرأة يف قوانني األحوال الشخص ّية أو النساء وأوضاعهنّ‬ ‫يف املهجر‪ ,‬مت ّيزت ككتابة ولغة بلغتها الواقع ّية‬ ‫وتفاصيلها اليوم ّية‪ ,‬هي لغة بسيطة ومبارشة وأقل ثق ًال‬ ‫بكثري‪ ,‬تشبهنا أكرث كام نحن‪ ,‬وحتى كام نستخدم لغتنا‬ ‫العربية‪ ,‬بفصاحة أقل‪ ,‬وكثافة أقل‪.‬‬ ‫النقطة الثالثة التي أ ّود اإلشارة إليها تبتعد عن املستوى‬ ‫الجندري إىل املستوى املهني‪ ,‬فغالباً ما نجد يف معظم‬ ‫كتاباتنا الصحف ّية ا ُملنتجة عرب عقود غياباً كلياًّ لثقافة‬ ‫مؤسسة “حزب البعث” يف‬ ‫األرقام‪ ,‬وهذا ما ع ّلمتنا إياه ّ‬ ‫مختلف نواحي حياتنا ودراستنا وعملنا‪ .‬نصوص إعالمنا‬ ‫تعلو فيها معظم األوقات شعر ّية النص وكأنها تصبو‬ ‫ّ‬ ‫نصاً نرث ّياً ومل تجد مدخ ًال للنرش سوى باب‬ ‫ألن تكون ّ‬ ‫الصحافة واإلعالم‪ ,‬هذه الخاص ّية املرتبطة باألرقام ال‬ ‫تيش فقط بااللتباس بني مفهوم الكتابة ومفهوم العمل‬ ‫الصحفي‪ ,‬بل باالضطراب بني مفهوم املقال والتحقيق‬ ‫والتحقيق االستقصايئ‪ ,‬األمر املؤسف حقيقة بعد ست‬ ‫سنوات اغتنى سوريون ُكرث‪ -‬نظر ّياً عىل األقل‪ -‬بدورات‬ ‫متعدّدة لتطوير مهاراتهم يف الحقل اإلعالمي‪.‬‬ ‫ُيضاف إىل هذا وعىل مستوى املهن ّية النقطة املتع ّلقة‬ ‫بالجدّية بالعمل‪ ,‬باملثابرة‪ ,‬واملامرسة كام أشارت لها‬ ‫الزميلة “عمران”‪ ,‬األمر الذي ُيع ّلمنا إياه العمل يف‬ ‫صحيفة يوم ّية‪ ,‬إذ ّأن ُكرثاً‪ ,‬رجاالً ونسا ًء‪ ,‬يرغبون بالكتابة‬ ‫والنرش‪ ,‬ونسمع هذه الرغبة من معارفنا واألصدقاء رمبا‬ ‫بشكل متك ّرر ولو م ّرة يف األسبوع‪ُ .‬كرث يبحثون عن‬ ‫سبيل لتأمني دخل إضايف وسط فوىض الحرب والتهجري‬ ‫واللجوء‪ ,‬لكن حني تدق الكتابة باب أحدهم يأيت‬ ‫الجواب ُمج ّل ًال برفاهية شخص ّية للغالب ّية‪ ,‬وتصطدم‬ ‫الكتابة بجدار من أجوبة مثل‪ :‬سوف أجهّز شيئاً الحقاً‬ ‫لكن اليوم ال أستطيع‪ ,‬أنا متعب وبحاجة للراحة‪,‬‬ ‫وهلم ج ّرا‪ ..‬يف حني ّأن أحد أرسار الكتابة وغوايتها‬ ‫حني تتح ّول إىل مامرسة يوم ّية رس ّية أو علن ّية لكنها مع‬ ‫الوقت تغدو جزءاً من شخصيتنا وهويتنا‪ ,‬وكل تج ّربة‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫كل كتابة ولو منقوصة‪ ,‬ولو غري ُمعلنة‪ ,‬ال تقل أهم ّية‪,‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أو إبهارا‪ ,‬او تشويقا عن نظريتها املنشورة كام روايات‬ ‫الجدّات وحكاياهنّ التي صاغت موروثاً ُمتخ ّي ًال ثقافياً‬ ‫ألجيال بأكلمها يف مختلف بالد العامل‪ ،‬لكن الكتابة هي‬ ‫السجل الذي يقاوم الزمن من النسيان‪ ،‬واليوم نطمح‬ ‫ألن نتدّرب أكرث عىل القول كنساء‪ ,‬وعىل توثيق هذا‬ ‫ثم إعادة قراءته ومحاكمته‪ ،‬فقد يكون يف‬ ‫القول‪ ،‬ومن ّ‬ ‫ُ‬ ‫الخيال ا ُملغلق خلف أسوار املمنوع واملح ّرم من الرحابة‬ ‫ما يكفي لبناء مستقبل أفضل‪.‬‬


‫النساء في وسائل اإلعالم السورية الناشئة‬ ‫تحليل نقدي للخطاب‬ ‫روال أسد‬

‫الكثرية املتعلقة بتصوير النساء يف وسائل اإلعالم‪ ،‬هناك‬ ‫دليل عىل الجهود املبذولة لتحدي الصورة النمطية‬ ‫للنساء‪ ،‬وهناك اتجاه صغري‪ ،‬لكنه مهم‪ ،‬لتغطية تجارب‬ ‫النساء وقصص نجاحهن‪ .‬ويبدو أيضاً ّأن هناك عالمات‬ ‫إيجابية عىل أن بعض وسائل اإلعالم الناشئة متلك فه ًام‬ ‫جيداً للتحيزات الجندرية ض ّد النساء‪ ،‬ويبقى السؤال‬ ‫متى سترتجم هذه النوايا الطيبة إىل أفعال وكيف‪.‬‬ ‫وقد لوحظ ّأن حجم تغطية املواضيع الخاصة بقضايا‬ ‫النساء صغري (بالكاد يبلغ ‪ 200‬مقالة يف السنة يف أفضل‬ ‫الحاالت)‪ ،‬وتزداد هذه التغطية يف مناسبات معينة مثل‬ ‫يوم املرأة وعيد األم‪ ،‬لكنها تعود إىل النسيان من جديد‬ ‫بعدها‪ ،‬ويبدو أن القرارات املتعلقة بهذه التغطية هي‪،‬‬ ‫عىل األغلب‪ ،‬قرارات مخصصة ملناسبة معينة وبحسب‬ ‫الظروف عىل األرض‪ .‬وكان معظم القامئني عىل اتخاذ‬ ‫القرارات رجال‪ ،‬وإليهم يرجع قرار التغطية‪.‬‬ ‫تلعب األيديولوجيات السائدة يف كيفية تقديم النساء‪،‬‬ ‫ويف الحالة اإلعالمية السورية الناشئة يبدو من الصعب‬ ‫تحديد املواقف اإليديولوجية لتلك الوسائل‪ ،‬إذ غالباً‬ ‫ما تبدو الخطوط بينها غري واضحة‪ ،‬حيث إن عدداً‬ ‫منها مايزال يف مرحلة جنينية‪ ،‬وال ميتلك هوية واضحة‪.‬‬ ‫واالتجاهان األيديولوجيان العامان اللذان لوحظ أنهام‬ ‫يؤثران يف تصوير النساء هام‪ :‬األيديولوجيا الليربالية‪/‬‬ ‫العلامنية‪ ،‬واأليديولوجيا الدينية‪ .‬وغالباً ما تتشابك‬ ‫الخطابات القومية والبطريركية مع كل منهام‪.‬‬ ‫كذلك أظهر االتجاهان افرتاضات متشابهة حول النساء‬ ‫تعتمد‪ ،‬عىل األغلب‪ ،‬عىل املواقف االجتامعية ومواقف‬ ‫الكتّاب من مساواة النساء بالرجال‪ .‬وتنطوي املواقف‬ ‫الشائعة عىل‪ :‬نقص اإلميان بقدرات النساء‪ ،‬والقناعة‬

‫ّ‬ ‫بأن النساء تابعات للرجال‪ ،‬والتفكري بأ ّنه من املمكن‬ ‫استخدام النساء بوصفهنّ أداة مفيدة لزيادة التعاطف‬ ‫يف حال ُص ّ‬ ‫ورن عىل أنهنّ ضحايا‪.‬‬ ‫اليقف تحليل الخطاب اإلعالمي اليوم عند حدود‬ ‫النص؛ فاألدوات األخرى املرافقة كالفيديو والتصوير‬ ‫الفوتوغرايف تلعب دوراً كبري يف رسم منط معني يف أذهان‬ ‫تبي وجود نقص يف‬ ‫الجمهور حول قضية معينة‪ .‬وقد ّ‬ ‫وسائل اإلعالم الناشئة من حيث االستخدام الفعال للغة‬ ‫البرصية‪ .‬والتفسريات املمكنة لذلك قد تكون التصورات‬ ‫الخاطئة حول وظيفة الصور املرفقة بالنص‪ ،‬أو نقص‬ ‫التمويل املستهدف‪ .‬فقد بالغت الصور املستخدمة يف‬ ‫وسائل اإلعالم الناشئة عموماً يف تصوير النساء الالجئات‬ ‫كضعيفات وفقريات ومنكرسات‪ ،‬مقدمة بذلك صورة‬ ‫منطية محدّدة عن النساء السوريات‪ ،‬وبالتايل هناك‬ ‫حاجة ألن يويل منتجو وسائل اإلعالم الناشئة ومحرروها‬ ‫مزيداً من االهتامم بالسياق‪ ،‬وأن ينتقوا الصور األكرث‬ ‫مالءمة له‪ .‬كام ّأن هناك حاجة أيضاً ألن يكتسب‬ ‫العاملون يف وسائل اإلعالم الناشئة واملكلفون بانتقاء‬ ‫الصور مزيداً من املعرفة والخربة يف هذا املجال‪.‬‬ ‫كل هذا الينكر الجهد الذي تبديه وسائل اإلعالم‬ ‫السورية الناشئة يف إنشاء موجة جديدة من إعالم‬ ‫ثوري وح ّر‪ ،‬مع إيالء أهمية خاصة لقضايا الحقوق‬ ‫والحريات‪ ،‬إ ّال أنها تعمل يف سياق معقد وصعب وغري‬ ‫آمن سواء داخل سوريا أو خارجها‪ ،‬وسواء كانت قادرة‬ ‫عىل التحكم يف تأثري السياق الخارجي أم ال‪ ..‬ويف حني‬ ‫كانت قادرة عىل التأثري يف إنتاج الخطاب الخاص بها‪،‬‬ ‫فإن القضية الكربى تكمن يف فشل الخطاب يف تحدي‬ ‫املظامل البنيوية‪.‬‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 27 - 79 -‬‬

‫لفهم السياق السوري فيام يتعلق باملساواة بني‬ ‫الجنسني وتصوير النساء يف وسائل اإلعالم بشكل خاص‪،‬‬ ‫البد من النظر وفهم تاريخ وسائل اإلعالم يف سوريا‬ ‫قبل ثورة ‪ ،٢٠١١‬عىل مدى مايزيد عن خمسة عقود‪،‬‬ ‫كان قطاع اإلعالم يف سوريا محتكراً ومملوكاً من قبل‬ ‫نظام حكم تسلطي‪ ،‬وكان خطابه مك ّرساً لخدمة حكم‬ ‫الحزب الواحد‪ ،‬حزب البعث‪ ،‬وعىل الرغم من ّأن العقد‬ ‫األخري شهد بعض االنفتاح لكن اإلعالم بقي خاضعاً‬ ‫لذلك النظام وبشدة‪ .‬تج ّلت نتائج التسلط يف التعامل‬ ‫مع قضايا النساء عىل أنها مواضيع ثانوية كغريها من‬ ‫املواضيع املتعلقة بالحقوق والحريات والتنوع القومي‬ ‫واإلثنّي يف سوريا‪ ،‬وعند تغطية هذه املواضيع من قبل‬ ‫اإلعالم كانت الصور النمط ّية للنساء هي السائدة‪ ،‬وقد‬ ‫عنى ذلك حرص النساء بعدد محدود من املواضيع‪ ،‬مثل‬ ‫الصحة اإلنجاب ّية‬ ‫قضايا العائلة‪ ،‬الصحة وبشكل خاص ّ‬ ‫وقضايا الجامل عىل منط “لك فقط سيديت”‪.‬‬ ‫من جهة ثانية‪ ،‬ساهم السياق السوري الحايل يف‬ ‫إبراز القضايا ال ُبنيو ّية املرتبطة بالحقوق والعدالة‬ ‫واملساواة بني الجنسني‪ ،‬وأث ّر صعود الجامعات املسلحة‬ ‫واستبدادها يف محتوى ونطاق تغطية وسائل اإلعالم‬ ‫الناشئة بعد ‪ ،2011‬واملطبوعة منها عىل وجه الخصوص‪.‬‬ ‫حتى املجموعات املسامة “معتدلة” هي أيضاً‬ ‫استبدادية عندما يتعلق األمر بالنساء‪ ،‬فهي عىل سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬تح ّد من عمل الصحفيات عرب منع حركتهن ما‬ ‫مل يكنّ برفقة ذكر محرم‪ ،‬كام تراقب الكثري من هذه‬ ‫الجامعات وسائل اإلعالم الناشئة عىل األرض‪ ،‬وال سيام‬ ‫ما يتعلق من عملها بتغطية قضايا النساء‪ .‬وهذا أكده‬ ‫‪ 20%‬من وسائل اإلعالم الناشئة املشمولة بالبحث الذي‬ ‫أجرته “شبكة الصحفيات السوريات” لعام ‪ ،2016‬أي‬ ‫أنها ال تستطيع نرش مواضيع معينة حول النساء إ ّال عرب‬ ‫املواقع اإللكرتونية بسبب تلك الرقابة‪ ،‬يف حني يلتزم‬ ‫عدد من تلك الوسائل نوعاً من الرقابة الذاتية مقدماً‪.‬‬ ‫يف حني يبدو ّأن الحديث عن النساء وحقوقهن وحتى‬ ‫تم التطرق له كثرياً‪ ،‬إال ّأن النظر‬ ‫تصويرهن موضوعاً قد ّ‬ ‫لكيفية تعاطي اإلعالم مع هذه القضايا مي ّر عرب مراحل‬ ‫متعددة‪ ،‬ليس فقط عىل صعيد املحتوى وفهم السياق‬ ‫العام‪ّ ،‬‬ ‫وإنا أيضاً عىل صعيد عمليات اإلنتاج‪ ،‬والتي تؤثر‬ ‫يف تصوير النساء بدءاً من اختيار املوضوع‪ ،‬ويتجىل ذلك‬ ‫يف تغطية مواضيع تتمركز عىل العنف وإظهار النساء‬ ‫عىل أنهنّ ضحايا‪ .‬وعىل الرغم من القيود والنواقص‬

‫‪13‬‬


‫‪14‬‬

‫المرأة في مؤسســات الثورة‬ ‫بين التمكيــن والتنميط‬ ‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 27 - 79 -‬‬

‫قال‪ :‬الزالت صورتها يف عيني‪ ..‬تقف يف شارع‬ ‫القوتيل معرتضة الباص املحشو باملعتقلني‪..‬‬ ‫رصخت بهم‪“ :‬ال أتزحزح حتى ينزل كل الشباب”‪.‬‬ ‫ثم مل تتزحزح حتى كان لها ذلك‪.‬‬ ‫مل تكن صفقة تبادل أرسى‪ ،‬وال وجدت وساطات‬ ‫من منظامت ودول وكواكب أخرى‪ ..‬كانت أم عامد‬ ‫وحدها تقف قبالة ضباط وشبيحة مسعورين‪،‬‬ ‫أنهوا لت ّوهم قمع إحدى مظاهرات دوما املبكرة‪..‬‬ ‫استخدموا كعادتهم الرصاص الحي وقنابل الغاز‪،‬‬ ‫وكانوا يه ّمون مبغادرة املدينة‪ ،‬مع باص ملؤوه‬ ‫مبتظاهرين شباب هتفوا للحرية والكرامة‪.‬‬ ‫أقسم أحد الحارضين‪“ :‬نفس املشهد صار‬ ‫بامليدان‪،‬عند جامع الد ّقاق‪ ..‬نفسه نفسه!”‪.‬‬ ‫جميع من يف السهرة اتفقوا أن الحادث تك ّرر‬ ‫بالفعل أكرث من مرة؛ يف دوما ويف غريها‪ ،‬ومع أم‬ ‫عامد ومع غريها‪ .‬واتفقوا أيضاً بوصف األخرية‪“ :‬ال‬ ‫ّ‬ ‫متل‪ ،‬وال تتعب”! لكن أحدهم ع ّقب‪“ :‬بدك تفهم‬ ‫هالحيك اليوم لصبيان املكاتب األمنية ليرتكوها‬ ‫بحالها”!‬ ‫الكالم أدناه ليس يف سياق دعوة (فمنست)‬ ‫تغريبية‪ ،‬لعلك موضوع تحرير املرأة وحقوق‬ ‫النساء يف السياسة‪ ،‬أو الستحضار معارك افرتاضية‬ ‫عن تويل املرأة رئاسة الدولة (أي دولة؟) أو خطابة‬ ‫الجمعة يف الحرم ّ‬ ‫املك!‪ ..‬وليس أيضاً للتغنّى بنون‬ ‫النسوة والتاء املربوطة‪ ،‬فيام ال تزال كل أبجديتنا‬ ‫مصادرة‪..‬‬ ‫ال ننشد هنا شيئاً أبعد من ّ‬ ‫الكف عن إقصاء النساء‬ ‫عن أماكن وجودهن الطبيعية‪ .‬وخاصة يف حال‬ ‫وجدن بالفعل‪ .‬فال تخلو مدينة أو قرية أو بلدة‬ ‫من “أم عامد” ومن نشاط نسوي مهام كان صغرياً‬ ‫أو كبرياً؛ منظ ًام أو فرادى ومثاين‪.‬‬ ‫يف مؤسسات ما بعد الثورة‪ ،‬ال زالت معظم‬ ‫طروحات عمل املرأة تتالزم مع أفكار مثل‬ ‫الخياطة وشغل الصوف والكوافري‪ ..‬ومؤخراً ‪-‬وهذا‬ ‫رمبا هو األكرث إسهاماً يف التنميط‪( -‬مكتب املرأة)!‬ ‫ويختلف تعريف مكاتب املرأة هذه ووظيفتها من‬ ‫مؤسسة إىل أخرى؛ لكن ميكن إجاملها بأنها تعمل‬ ‫يخص املرأة‪ ،‬وال تعمل مبا تفرتض‬ ‫مبا تفرتض أنه ّ‬

‫يخص املرأة؛ فالرتبية واحتياجات األطفال‬ ‫أنه ال ّ‬ ‫وزوجات الشهداء واملعتقلني والتوعية عن النظافة‬ ‫والصحة العامة يف البيت‪،‬‬ ‫وصحة األوالد‬ ‫ّ‬ ‫والغسيل ّ‬ ‫أمور تخص املرأة‪ .‬املحاسبة وإدارة املشاريع‬ ‫واإلعالم والتواصل والعالقات العامة أمور تقترص‬ ‫عىل مكاتب الرجال!‬ ‫تداوم مؤسسات املناطق املحررة عىل الشكوى‬ ‫من هجرة الكفاءات‪ ،‬نحو السالح أو خارج البلد‪،‬‬ ‫وقلي ًال ما يطرح وجود نساء مؤهالت (أو ممكن‬ ‫تأهيلهنّ ) لس ّد الحاجة‪ .‬رغم أنه وبحسب إحصاء‬ ‫للبنك الدويل‪ ،‬فإن النسبة املئوية لإلناث إىل‬ ‫الذكور يف االلتحاق بالتعليم العايل يف سوريا‪ :‬يف‬ ‫‪ 2011‬كانت ‪ 0.99‬بينام يف ‪ 2012‬صارت ‪ ،1.04‬وال‬ ‫تحديثات منشورة عندهم عن السنوات الالحقة‪،‬‬ ‫لكن املتوقع أن ظروف البلد تؤدي لزيادة نسبة‬ ‫اإلناث يف التعليم العايل عىل حساب الذكور‪.‬‬ ‫والنسبتان أعىل من نظريتيهام يف دول متقدمة‬ ‫علمياً مثل أملانيا وتركيا‪.‬‬ ‫مشاهدات ذات صلة‪ ،‬معظمها من الغوطة‬ ‫الرشقية‪:‬‬ ‫يف الغوطة الرشقية‪ ،‬ال يوجد متثيل للمرأة يف جميع‬ ‫املجالس املحلية‪ ،‬باستثناء املجلس املحيل لدوما؛‬ ‫حيث ُو ِجد (مكتب املرأة) ضمن مكاتب املجلس‪.‬‬ ‫والحقاً أنشئ مكتب بنفس االسم يف مجلس‬ ‫محافظة ريف دمشق‪.‬‬ ‫يف انتخابات املجالس املحلية ال تشارك النساء‬ ‫ال يف ّ‬ ‫الرتشح وال يف االنتخاب (متنع إن أرادت يف‬ ‫بعض الحاالت)‪ ،‬لكن ال ب ّد هنا من تسجيل سابقة‬ ‫للمجلس املحيل يف زملكا؛ حيث ّ‬ ‫نظمت انتخابات‬ ‫عامة مبشاركة جميع الراشدين من الس ّكان مبن‬ ‫فيهم النساء‪ ،‬ويذكر أيضاً أن النظام استهدف مركز‬ ‫االنتخاب الخاص بالنساء بالقصف‪.‬‬ ‫بعض مرشوعات متكني املرأة انتهت باملحاكم‬ ‫الرشعية أو غري الرشعية‪ ،‬أو بفضائح فساد وسوء‬ ‫أمانة وغريها‪ ..‬ناهيك عن خناقات نسوان مقيتة‬ ‫عىل طريقة كناين باب الحارة املقيت! وهذا‬ ‫باملناسبة يحدث يف مرشوعات نسوية وغري نسوية‪،‬‬ ‫لكن ملا يتع ّلق األمر باملرأة‪ ،‬فمثل هذه البهدلة‬

‫تهدي مستنقعاً من املاء العكر لصيادين ذكوريني‪:‬‬ ‫“هاد ييل بيشتغل مع النسوان‪ ..‬قلنا مكانها‬ ‫البيت‪ ..‬املرا بنص عقل‪ ..‬إن كيدهنّ عظيم‪.”..‬‬ ‫يف مؤسسات فاعلة يف الغوطة الرشقية‪ ،‬ال تشارك‬ ‫النساء يف االنتخابات‪( ،‬يف حال وجدت نساء أو‬ ‫يصح ذلك عىل كل من‬ ‫وجدت انتخابات أص ًال) ّ‬ ‫الصحة‪ ،‬واملكتب الطبي‬ ‫مديرية الرتبية ومديرية ّ‬ ‫املوحد‪ ،‬واملكتب اإلغايث‬ ‫املوحد‪ ،‬ومكتب الخدمات ّ‬ ‫ّ‬ ‫املوحد‪ ،‬ورابطة إعالميي الغوطة الرشقية‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫الهيئة العامة يف الغوطة الرشقية‪ ،‬وهي أكرب تجمع‬ ‫للمؤسسات املدنية‪ ،‬أيضاً ال يوجد يف مجلسها‬ ‫التأسييس ويف توسعتها وال امرأة من أصل أكرث‬ ‫من ‪ 200‬عضو‪ .‬والزالت تسعى من خالل مرشوع‬ ‫“الرتميم” لخلق “كوتا” للنساء‪.‬‬ ‫أحد أهم املحاوالت (األكادميية) للتعليم العايل‬ ‫البديل يف الغوطة الرشقية ال تستهدف اإلناث من‬ ‫الطلبة‪ ،‬وال يوجد يف كوادرها التدريسية واإلدارية‬ ‫أي امرأة‪ .‬ويع ّلل القامئون عليها ذلك بأن “املرشوع‬ ‫يف بدايته ويعاين من نقص الكوادر التدريسية‬ ‫و‪-‬طبعاً‪ -‬عجز يف التمويل‪ ،‬وهناك خطة لتوسيع‬ ‫العمل ليضم قس ًام لإلناث”‪ ،‬لكن األكادميية بعد‬ ‫نجاح سنتها الدراسية األوىل‪ ،‬توسعت يف السنة‬ ‫الثانية بإضافة أقسام أخرى أيضاً تقترص عىل‬ ‫الذكور‪.‬‬ ‫تتعرض بعض املؤسسات ملضايقات من (املكاتب‬ ‫األمنية) يف مناطقها ملجرد كون القامئات عليها‬ ‫تخص املرأة‪.‬‬ ‫نساء‪ ،‬أو أنها تنشط يف مجاالت ّ‬ ‫ال تزال ثقافتنا املحافظة ذريعة تجهيل ومتييز‬ ‫سلبي ض ّد املرأة‪ ،‬ونقول (ذريعة) ألن معظم‬ ‫حاالت إقصاء املرأة وقهرها ال عالقة لها بالثقافة أو‬ ‫باإلسالم أو حتى بالتقاليد املحافظة‪ .‬بل إن الثقافة‬ ‫املحافظة نفسها تقتيض متكيناً ومزيداً من مشاركة‬ ‫املرأة الحقيقية يف مختلف مجاالت العمل‪ .‬يف‬ ‫مجزرة الكياموي مث ًال‪ ،‬أدى عدم وجود مسعفات‬ ‫وكوادر نسائية ميدانية يف الدفاع املدين ويف النقاط‬ ‫الطبية إىل زيادة يف عدد الضحايا من النساء؛ فكل‬ ‫املسعفني من الشباب‪ ،‬وغارات الكياموي كانت‬ ‫بعد منتصف الليل يف ع ّز الصيف والح ّر‪ ،‬فحال‬


‫السرية‬ ‫خلف باب الغرفة‬ ‫ّ‬ ‫شيء ما ضاع إلى األبد‬ ‫بشرى البشوات‬

‫يستمر طرح مشاركة املرأة‬ ‫يف الحياة العامة والعمل املدين عىل‬ ‫أنه (إقحام) تكمييل‪ ،‬كإكسسوار‪،‬‬ ‫أو من أجل تقوية “الربوفايل”‪،‬‬ ‫أو ألنه أفضل الستقبال التمويل‪..‬‬ ‫لتبدأ أكرث املرشوعات بالرجال ثم‬ ‫لتضم بعض النساء‬ ‫تتوسع ّ‬ ‫ميكن أن ّ‬ ‫ضمن هوامش أو زوايا محدودة‬ ‫ومقيدة تس ّمى مبسميات مختلفة‬ ‫منها (مكتب املرأة) أو لجنة املرأة‬ ‫أو مكتب األرسة أو التوسعة أو‬ ‫حتى (السدّة)‬

‫ذكره باعرتاف رصيح‪ ،‬فمثلام ال ميكننا رؤية اإلله دون أن‬ ‫منوت‪ ،‬كذلك ال ميكننا أن نواجه حيوانية اإلنسان دون رؤية‬ ‫الفزع”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫رسه‬ ‫ال ينظر البرش إال إىل ما ال ميكنهم رؤيته‪ ،‬وال أحد ميلك ّ‬ ‫الخاص قط‪ ،‬تلك هي غلطة “نرسيس” يف نص “أوفيد”‪:‬‬ ‫(يجب أن ال تعرف نفسك‪ ،‬كل ما ينتزعك من نفسك‬ ‫الرس ونشوتك)‪ .‬وهنا نتذكر ّأن‬ ‫ّ‬ ‫رس‪ ،‬ال ميكنك التمي ّيز بني ّ‬ ‫اخرتاع “الرتاجيديا الديونيزية” واخرتاع “البورنوغرافيا”‬ ‫واللوحات التي سميت “‪ ”libidines‬يعود إىل اإلغريق‪،‬‬ ‫وتنازع الرومان واليهود أ ّيهام األسبق يف اخرتاع الرسوال‬ ‫الذي غطى األعضاء الجنسية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عب باباً ضيقا نحو غرفة رسية تعود‬ ‫وحده الحلم من َي ِ‬ ‫بنا إىل الرحم‪ .‬وحده الحلم يف الليل الذي يغرق فيه كل‬ ‫يوم‪ ،‬كل البرش‪ ،‬يكشف جزءاً من هذا العامل الذي تدير‬ ‫له اللغة ظهرها‪ .‬وحده الفن‪ ،‬حني يطلع النهار‪ ،‬يقرتب‬ ‫من حافة الفيض‪ ،‬وحدهم العشاق حني يخلعون عنهم‬ ‫كل ما يرسقهم من عريهم‪ ،‬يقرتبون من أرض الرغبة‪ ،‬هنا‬ ‫تصنع دارة من الجالل والجامل‪ .‬يف لوحة “عزبة األرسار”‬ ‫الرومانية ّمثة بيت ريفي له نافذة ّ‬ ‫تطل عىل األشجار‪ ،‬يفتح‬ ‫بابه عىل سلة تقبع فيام وراء الظل‪ ،‬يف الس ّلة كان الفاتن‬ ‫بالرس‪ ,‬ليس الفاتن هو الجميل بل هو األجمل وقد‬ ‫ُمج ّل ًال ّ‬ ‫تج ّلل بالفزع‪.‬‬ ‫بحسب “باسكال كينيار” وحده الفن يستطيع أن ُيعيد يف‬ ‫شباكه بقايا من تلك املشاهد التي تعود إىل العامل األخر‬ ‫للعامل ‪.‬إننا نرى‪ ،‬دوماً‪ ،‬شيئاً ضائعاً ُيعطي معنى ملا هو‬ ‫باق‪ ،‬معنى نتأوله يف الحلم والفن‪ ،‬عود أبدي إىل أول زمان‬ ‫وأول مكان‪ ،‬سبحت فيهام ذرة املاء تلك‪ .‬نتأ ّول ّ‬ ‫وكل تأ ّول‬ ‫هذيان‪ّ ،‬‬ ‫ألن شيئاً ما ضاع إىل األبد‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 27 - 79 -‬‬

‫خجل املسعفني أو غرية أهايل‬ ‫النساء املصابات أو حتى املصابات‬ ‫أنفسهن‪ ..‬دون إسعافهن‪.‬‬ ‫ليست كل األمثلة سلبية‬ ‫ومخ ّيبة؛ فهناك نشاط نسوي ‪-‬أو‬ ‫تشارك فيه نساء بفاعلية‪ -‬معترب‬ ‫مثل تجربة مراكز النساء اآلن‪ ،‬نساء‬ ‫الغوطة‪ ،‬مركز نور لكرس الحصار‪،‬‬ ‫مؤسسة يد واحدة‪ ،‬منظمة أسس‪،‬‬ ‫شبكة ح ّراس‪ ..‬ومؤسسات وتجارب‬ ‫فردية أخرى تش ّكل قصص نجاح‬ ‫نسايئ مهمة ومحرتمة‪.‬‬ ‫نتابع‪:‬‬ ‫أحد املؤسسات املذكورة سبقت‬ ‫زمنياً‪ -‬كل املبادرات يف منطقتها‪،‬‬‫فكانت أول مؤسسة عاملة يف‬ ‫مدينتها‪ ،‬وكان السكان يراجعونها‬ ‫للسؤال عن أمور ليست من‬ ‫اختصاصها ملجرد أنها (الجهة)‬ ‫الوحيدة يف املدينة‪.‬‬ ‫توجد سيدتان يف مجلس محافظة‬ ‫ريف دمشق متثالن منطقتني فيه‪،‬‬ ‫وقد وصلت إحداهام للمكتب‬ ‫التنفيذي ملجلس املحافظة‪.‬‬

‫مل يكن يف وسع ذرة املاء‪ ،‬تلك الحاملة تكويني‪،‬‬ ‫أن تفهم اآليت من تاريخها أو املايض‪ .‬مل تفهم‬ ‫أنها بالذات معنى التاريخ‪ ،‬وأنني وأ ّنك أيها‬ ‫اإلنسان لسنا سوى تنويعة بحث أليم‪ ،‬بحث‬ ‫مسكون بالفزع عن مكانها وزمانها الخاصني‪،‬‬ ‫وسيبقى ذلك الطفل الثاوي يف قاعنا باحثاً عن‬ ‫الرس العظيم‪ ،‬كامناً فيام وراء باب ما‪ ،‬يسرتق‬ ‫ّ‬ ‫النظر لريى الذي ضاع إىل األبد‪ ،‬والذي ضاع‬ ‫كان سفر تكوين وخروج عظيمني (دخول‬ ‫ذرة املاء ثم املكوث ثم الخروج من الرحم)‪،‬‬ ‫تس ّلسل كاريث للقدر(الذي لن أراه) سيختزن‬ ‫املجهول حتى آخر املسافات‪.‬‬ ‫معه سأكون (حام) امللعون‪ ،‬وسيحمل‬ ‫تاريخي‪ ،‬جنباً إىل جنب‪ ،‬عورة أمي وأيب التي‬ ‫ُ‬ ‫ستنقش عورة ال يف الجس ِد‪ ،‬بل يف الروح‪.‬‬ ‫سيكون تاريخي تاريخ العورة‪ ،‬وحلمي عوداً‬ ‫أبدياً عىل مكانها وزمانها األصليني‪ .‬لن تكون‬ ‫اللغة والعقل سوى متو ّيه وحجب‪ ،‬كل ما‬ ‫فعلته البرشية يف لحظتها الرومانية (التي‬ ‫أقصت فرح اإلغريق) وما بعدها‪ ،‬أنها غطت‬ ‫عورة املصلوب بفائض الخيبة‪ ،‬وأنتجت الفن‬ ‫ع ّلها تستعيد تلك اللحظة األصلية‪.‬‬ ‫كان “غورجياس” أول من تأ ّمل يف اللغة‪،‬‬ ‫كقابلية َترمي إىل بناء حقيقة ذاتية ُمستقلة يف‬ ‫داخل الواقع الحقيقي عىل ما يذكر “باسكال‬ ‫كينيار”‪ّ .‬مثة مكان يعرف ُه كل إنسان دون أن‬ ‫يعرفه أي أحد‪ ،‬رحم األم‪ ،‬ولكل إنسانٍ زمانٍ‬ ‫ومكانٍ ممنوعان‪ ،‬هام زمان ومكان الرغبة‬ ‫املطلقة‪ ،‬تلك التي مل تكن رغبتنا‪ ،‬رغم أنها‬ ‫أم رغبتنا‪.‬‬ ‫تتوسد روحنا يوتوبيا شخص ّية وأخرى‬ ‫دوماً ّ‬ ‫تاريخ ّية‪ ،‬دوماً كان هناك زمن للرس‪ .‬يف الس ّلة‬ ‫ا ُملقدّسة هناك يشء مفارق يف الزمان واملكان‪،‬‬ ‫َيفنت أبناءه ويتوارى خلف ظالل اللغة‪ ،‬هنالك‬ ‫دوماً‪ ،‬خلف باب الغرفة الرسية طفل ُيصغي‬ ‫ليسمع صوت اليشء الذي ال يراه‪ ،‬ومثلام‬ ‫يكمن الرسام خلف اللوحة يكمن مشهد‬ ‫خلف خطاب اللغة‪ ،‬يقول أرنست رينان “‬ ‫هناك يشء ُمهم يف مايض البرش ال نستطيع‬

‫‪15‬‬


‫‪16‬‬

‫حيًا‬ ‫مازال ّ‬ ‫مريم الح ّ‬ ‫الق‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 27 - 79 -‬‬

‫تقارير‬

‫تر ّوض نفسك عىل قبول الواقع؛ ّأن ابنك قد استشهد‬ ‫يف املعتقل! و ُتوهم من حولك بأ ّنك تأقلمت مع‬ ‫غيابه‪ ،‬عىل الرغم من قسوة ذلك‪ .‬وتعيش حياتك‬ ‫العادية أو ما ُيشبهها‪ ،‬تخرج‪ ،‬تتحدّث‪ ،‬تساير يف‬ ‫“لعب الورق” وطاولة الزهر‪ .‬تضحك وتسمع صوت‬ ‫ضحكتك الجوفاء‪ ،‬فتستغرب الصوت‪“ :‬كم من الزمن‬ ‫مل تضحك ضحكة صافية صادقة؟! والجميع يحسبك‬ ‫تأقلمت”!!‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وفجأة يظهر أحدهم قائال‪“ :‬مازال ح ّيا!”‪ ،‬وتعود‬ ‫اآلالم واألشجان واألحزان لتظهر عىل سطح ما كنت‬ ‫تخبئه وتخفيه‪ ،‬تحاول التامسك واستخدام العقل‪،‬‬ ‫فيخونك كل ذلك‪ .‬تصبح ضعيفاً ّ‬ ‫هشاً أمام أيّ كلم ٍة‬ ‫عيني وفم الكبري أو الصغري‪.‬‬ ‫تسمعها أو تبرصها يف ّ‬ ‫ً‬ ‫ويبدأ األمل الذي مل تفقده يوما بالنمو والتش ّعب‬ ‫يف جميع خاليا جسدك؛ يف تفاصيل دقات قلبك‪،‬‬ ‫واآلهات التي يصدرها تنفسك‪ ،‬وتغرقك األسئلة‪:‬‬ ‫هل ستلمح وج ّهه الجميل مر ًة أخرى؟ هل ستضمه‬ ‫بني ذراعيك ثاني ًة؟ هل ستجلسان يف الصباح وترتشف‬ ‫قهوتك بينام هو يرشب كأس الحليب ممزوجاً‬ ‫بالنسكافيه‪ ،‬وتتحدثان بينام ًتنصتا لصوت فريوز‬ ‫القادم من غرفته؟! هل؟ وهل؟‪ ..‬وهل؟!‬ ‫تسرتق السمع‪ّ ..‬‬ ‫ُ‬ ‫لعل أحدهم عنده خرب ومل يشأ أن‬ ‫ُيخربك به‪ ،‬أل ّنه غري ُمتأك ٍد من صحته‪ .‬تنظر إىل الهاتف‬ ‫الصامت يف إحدى زوايا الغرفة‪ ،‬ويخنقك السؤال‪ :‬هل‬ ‫ّ‬ ‫سرين يوماً ما ويحمل الرنني خرباً تنتظره؟ وج ّوالك ال‬ ‫ّ‬ ‫يفارق يدك‪ ،‬حتى وأنت نائم‪ .‬لعله سيكون هو من‬ ‫يحمل البشائر‪.‬‬ ‫وتنتظر‪ ..‬وتنتظر‪ ،‬ويطول االنتظار‪ .‬ويف كل صباح‬ ‫ُتنّي نفسك‪ :‬سيكون هذا هو اليوم املوعود‪ ،‬ويأيت‬ ‫الليل لتقول غداً صباحاً سيتحقق األمل‪.‬‬ ‫تقيض الليل ُم ّ‬ ‫ترضعاً لله؛ تدعو ُه بكل ما يختلج يف‬ ‫نفسك‪ ،‬وترجوه أن َير ّد إليك ولدك الذي فقدت‪..‬‬ ‫ترجوه أن ُيطمئنك عنه‪ ،‬ويعيده إليك ساملاً‪ ،‬وبأرسع‬ ‫وقت‪.‬‬ ‫لكن الليايل مت ّر‪ ،‬ويخبو األمل‪ ،‬ليعود إىل مكانه يف‬ ‫داخلك‪ ،‬ولتعود الحياة إىل يومياتها‪ ،‬وتعود أنت‬ ‫لرت ّوض نفسك من جديد عىل العيش فيها‪..‬‬

‫لوحة للفنانة دمية نشاوي‬


‫نشرة اقتصادية‬ ‫وائل موسى‬

‫مزيد من الحصار وارتفاع األسعار في دير الزور‬

‫العدد ‪- 79 -‬‬

‫األسواق بأسعار مرتفعة‪.‬‬ ‫بعض أسعار املنتجات األساسية‪:‬‬ ‫كيلو الطحني األبيض ‪ 1000‬لرية‪ ،‬كيلو الشعريية محلية الصنع‬ ‫‪ 1200‬لرية‪ ،‬علبة دبس البندورة وزن ‪ 830‬غ ‪ 5600‬لرية‪ ،‬كيلو‬ ‫الزيت ‪ 3500‬لرية‪ ،‬كيلوالسكر ‪ 3000‬لرية‪ 100 ،‬غ ورق شاي‬ ‫الكرزة ‪1500‬لرية‪ ،‬كيلوالبصل اليابس ‪ 6000‬لرية‪ ،‬كيلو لحم‬ ‫الضآن ‪ 10000‬لرية‪ ،‬الفروج (غري متوفر)‪ ،‬سعر البيضة العربية‬ ‫‪ 400‬لرية‪.‬‬ ‫يدعم الطريان الرويس قوات النظام املحارصة يف املدينة‬ ‫مبساعدات تلقى عرب الجو‪ ،‬ومن بني املساعدات شحنات من‬ ‫الوقود‪ ،‬وبحسب شهود أكدوا أنه وللمرة الثانية تسقط احدى‬ ‫شحنات الوقود امللقاة من الطريان الرويس بيد تنظيم الدولة‪.‬‬

‫‪25 / 10 / 27‬‬

‫وفق سياسة تشديد الحصار عىل املناطق‬ ‫املحارصة تتزايد معاناة املدنيني بتزايد‬ ‫األسعار الناتجة عن األوضاع العسكرية‪،‬‬ ‫فلم يعد العنف املسلح وحده ما يشكل‬ ‫خطراً عىل حياة املدنيني‪.‬‬ ‫استهدفت قوات التحالف منتصف شهر‬ ‫سبتمرب‪/‬متوز املايض عدداً من الجسور‬ ‫التي تشكل رشياناً حيوياً لربط مناطق‬ ‫املحافظة ببعضها البعض‪ ،‬وقد نقل موقع‬ ‫حملة “دير الزور تذبح بصمت” خرباً عن‬ ‫استهداف طريان التحالف لجرس السكة‬ ‫يف محيط قرية أبو حامم وجرس الري يف‬ ‫ناحية أبو الخاطر وجرس عىل الطريق‬ ‫العام الواصل بني قرية هجني وأبو الحسن‬ ‫وجرس بني السوسة والشعفة وجرس يف‬ ‫ناحية الهري‪.‬‬ ‫يأيت استهداف قوات التحالف لجسور دير‬ ‫الزور فيام يبدو أنه ضمن خطة الحملة‬ ‫الهادفة إلخراج قوات تنظيم الدولة‬ ‫(داعش) من املوصل يف العراق‪ ،‬حيث بني‬ ‫عدد من املحللني والحقوقيني من بينهم‬

‫املحامي “نبيل الحلبي” أن خطة تحرير‬ ‫املوصل من داعش هي دفعهم باتجاه‬ ‫األرايض السورية‪.‬‬ ‫وقد نرش موقع حملة “دير الزور تقتل‬ ‫بصمت” الئحة بآخر أسعار املواد الغذائية‬ ‫واألساسية املتوفرة يف األحياء املحارصة‪،‬‬ ‫وتبني الالئحة ارتفاعاً كبرياً يف أسعار السلع‪.‬‬ ‫وصل سعر كيلو الثوم إىل ‪ 30‬ألف لرية‬ ‫ويباع يف األسواق بالغرامات مبا يعادل‬ ‫‪ 25‬ضعفاً من سعره يف البلدان املجاورة‬ ‫لسوريا‪ ،‬كام شهدت األحياء نقصاً حاداً يف‬ ‫الخبز نتيجة فقدان الوقود وتوقف األفران‬ ‫عن العمل يف أغلب األوقات‪.‬‬ ‫تأثرت عملية نقل البضائع يف مناطق‬ ‫سيطرة تنظيم داعش بسبب استهداف‬ ‫الجسور‪ ،‬وتقوم داعش بدورها يف حصار‬ ‫مناطق سيطرة قوات النظام الذي يساهم‬ ‫بدوره يف زيادة املعاناة ضمن األحياء‬ ‫املحارصة من خالل استغالل متسلطي‬ ‫النظام وشبيحته عىل األسواق‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إىل رسقة املساعدات اإلغاثية وبيعها يف‬

‫‪17‬‬

‫تفعيل نقل الذهب بضوابط لعدم وصوله إلى المناطق المحررة‬

‫اقتصاد‬

‫بعد انقطاع عمليات نقل الذهب إىل القامشيل‪،‬‬ ‫وضع مرصف سورية املركزي آلية لنقل الذهب‬ ‫داخلياً عرب املطارات ضمن ضوابط كثرية لضامن‬ ‫عدم وصوله إىل املناطق املحررة‪.‬‬ ‫عدد كبري من الصحف والوكاالت تناولت خرب‬ ‫إعادة تفعيل نقل الذهب التي شكلت أزمة يف‬ ‫القامشيل خالل الفرتة املاضية‪ ،‬إال أن تفاصيل‬ ‫االتفاقية وما تخفيه تفاصيلها غابت بشكل‬ ‫واضح‪ ،‬ونرشت صحيفة الثورة الرسمية للنظام‬ ‫التفاصيل بعد أن وردها نسخة عن اآللية‬ ‫املحددة من قبل املركزي‪ ،‬وتنحرص عمليات‬ ‫النقل وفق قيود وضوابط كثرية‪ ،‬حيث يسمح‬ ‫بنقل السبائك والذهب الكرس من قبل الحريف‬ ‫املنتسب لجمعية الصاغة حرصاً مع ابراز وثيقة‬ ‫تسجيل وبراءة ذمة تجاه وزارة املالية إضافة‬ ‫لوثيقة نقل الذهب ضمن األرايض السورية‬

‫املعتمدة من قبل املركزي‪.‬‬ ‫مبوجب االتفاقية الجديدة‪ ،‬يسمح بنقل الذهب‬ ‫من مطار القامشيل والالذقية باتجاه مطار‬ ‫دمشق الدويل بكافة األنواع والعيارات ويف حال‬ ‫رغبة الحريف بإعادة الذهب بعد التصنيع يسمح‬ ‫له بذلك ضمن مدة ال تتجاوز ‪ 30‬يوماً من‬ ‫وصوله إىل دمشق‪ ،‬وبنفس الكمية التي جلبها‬ ‫معه من عيار ‪ 21‬أو ‪ 24‬عىل أال ينقل لخارج‬ ‫دمشق سوى الذهب املصنع من عيار ‪ 21‬حرصاً‪.‬‬ ‫تبدوا تفاصيل االتفاقية املوضحة أنها ال تسعى‬ ‫لحل مشكلة‪ ،‬بل تساهم يف خلق العديد من‬ ‫املشاكل اإلضافية‪ ،‬فانخفاض الذهب يف السوق‬ ‫لن يسمح بتعوضيه‪ ،‬كام أن اآللية ستساهم يف‬ ‫اختفاء الذهب النقي من عيار ‪ 24‬من األسواق‬ ‫خارج دمشق واستبدالها بعيار ‪ ،21‬حتى أن‬ ‫استبعاد العيار ‪ 18‬يعني فقدان قطع الحيل‬

‫املميزة مبتانتها‪.‬‬ ‫وفيام يتعلق بالحيل الشخصية فقد سمحت اآللية للشخص الواحد‬ ‫مبا ال يتجاوز ‪ 200‬غرام من الذهب املصاغ كحيل عرب مطار دمشق‬ ‫الدويل إىل مطاري القامشيل والالذقية مع عدم اعتبار اللريات‬ ‫الذهبية السورية واالنكليزية والسبائك من الحيل الشخصية إال إذا‬ ‫كانت مصاغة بشكل حيل‪.‬‬


‫تحدي المنجز‬ ‫منير الشعراني في ّ‬ ‫‪18‬‬

‫الشعراني لـ ”طلعنا عالحرية”‪:‬‬ ‫“ أدعو في أعمالي إلى وطن يساوي بين أبنائه جمي ًعا”‬ ‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 27 - 79 -‬‬

‫ثقافة‬

‫ُيبدع الخطاط والتشكييل السوري املعروف منري‬ ‫الشعراين (مواليد دمشق ‪ )1952‬يف استنطاق‬ ‫خامات الحروف واإلشتغال عىل التفاصيل الدقيقة‬ ‫ليبدو منجزه البرصي وكأنه يرسم ال يكتب‪ ..‬وهو‬ ‫يف كل أعامله غري منفصلٍ عن واقع بالده هناك‬ ‫حيث دمر الطغاة أكرث من ثلث عمران البلد‪ ،‬وقتل‬ ‫واعتقل مئات اآلالف من السوريني ورشد املاليني‪.‬‬ ‫ومن دمشق‪ ،‬من قلب الوجع السوري واألحداث‬ ‫الدام ّية تخرج لوحات ضيفنا‪ ،‬لتكون سفرية القيم‬ ‫واألفكار السورية النبيلة والعطاء الفني املشبع‬ ‫بالحرية‪ ،‬والرافض لالستبداد واالستبداد املضاد‬ ‫والظالمية‪ ..‬فكان أن شارك يف العديد من املعارض‬ ‫خارج وطنه النازف يف السنوات األخرية‪ ،‬والتي كان‬ ‫آخرها معرض “إيقاعات خطية”‪ ،‬الذي تحتضنه‬ ‫صالة “أروبيا” يف العاصمة الفرنسية (باريس)‪ ،‬يف‬ ‫الفرتة مابني (‪ 15‬أيلول‪ /‬سبتمرب وحتى ‪ 28‬أكتوبر‪/‬‬ ‫ترشين أول الحايل)‪ ،‬وهو ما أتاح لنا فرصة الجراء‬ ‫هذا الحوار‪..‬‬ ‫بداية كيف استقبل الجمهور الفرنيس معرضك هذا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫منجزك البرصي الذي تعمل من‬ ‫الذي قدمت فيه‬ ‫خالله عىل إحياء املايض بالحارض‪ ،‬وهنا أسألك‪ :‬كيف‬ ‫تنتقي العبارات التي تبني عليها هذا املنجز؟‬ ‫ أستطيع القول إنني يف االفتتاح ويف األيام األوىل‬‫التي كنت متواجدًا خاللها يف املعرض ملست حضو ًرا‬ ‫ً‬ ‫عب يل كثري‬ ‫واهتام ًما‬ ‫وإقبال جيدًا لفرنسيني‪ ،‬وقد ّ‬ ‫منهم عن إعجابهم مبا عرضت‪ ،‬وكان بينهم عدد من‬ ‫املتابعني واملهتمني بتجربتي وخصوصيتها وقد سبق‬ ‫لبعضهم اقتناء أعامل يل‪.‬‬ ‫أ ّما عن املنجز البرصي فأنا ال أسعى إىل إحياء املايض‬ ‫بالحارض‪ ،‬بل أسعى إىل اإلنطالق من املنجز البرصي‬ ‫الذي توقف عن التطور والتجديد بشكل متواز‬ ‫مع التدهور الحضاري وحلول الجمود والسلفية‬ ‫والجهل محل النهوض الحضاري الذي سبقه‪ ،‬أسعى‬ ‫إىل البحث عن املسكوت عنه واملج ّهل واملغ ّيب من‬ ‫هذا املنجز يف غيابات املتاحف ويف سجن القدس ّية‬ ‫الذهبي الذي وضعه فيه العثامنيون بعد أن أهملوا‬ ‫معظمه ّ‬ ‫مم مل يتّفق مع ذائقتهم وجمودهم‬ ‫وتخلفهم الحضاري‪ ،‬وقننوا استخدام ما تبقى‬ ‫وربطوه باملقدّس وحده بعدما كان يضفي جامله‬ ‫عىل الحياة يف نواحيها املختلفة‪ ،‬أعمل عىل االنطالق‬ ‫من الجذور العميقة لدوحة الخط العريب الغنية‬ ‫بالثامر إىل التطوير والتجديد واإلضافة إلعادة هذا‬

‫الفن شديد الخصوصية والتم ّيز إىل مكانته الطبيعية‬ ‫الالئقة بني الفنون الجميلة‪.‬‬ ‫يف ما يخص العبارة التي أبني عليها فهي بالنسبة‬ ‫يل املحتوى الذي يقوم عليه الشكل وهام –املحتوى‬ ‫والشكل‪ -‬يتكامالن ويفعل كل منهام يف اآلخر‬ ‫ليحققا املنجز البرصي‪ ،‬ليس يف العمل الواحد‬ ‫فحسب بل يف مجمل األعامل التي تشكل هذا‬ ‫املنجز وتصب فيه وتنتمي إليه‪ ،‬ليأيت مع ًربا عني‬ ‫وعن فكري وعن تطلعايت ّ‬ ‫وعم أهتم به وأحفل له‪،‬‬ ‫لذا أقوم دو ًما أثناء قراءايت بتدوين ما أراه يصب يف‬

‫رؤيتي ويعرب عن أفكاري يف ما يخص الحق والخري‬ ‫والجامل وما يرتبط بها من قضايا اإلنسان وتوقه إىل‬ ‫الحرية والعدل والحب وغريها من املسائل‪.‬‬ ‫يرى متابعون ملسريتك الفنية أن الجديد من لوحاتك‬ ‫يف سنوات الجمر السور ّية‪ ،‬يصلح ألن يكون خطا ًبا‬ ‫سياس ًيا واجتامع ًيا متخف ًفا من الخطابة والفجاجة‪.‬‬ ‫فهل فرض عليك الحدث املزلزل يف بلدنا هذا النوع‬ ‫من العمل؟‬ ‫يستطيع املتتبع ألعاميل ولتسلسلها منذ بداية‬ ‫تجربتي وحتى اليوم أن يرى بوضوح أن ماذكرته‬ ‫يف الفقرة األخرية من جوايب السابق حول العبارة‬ ‫ينطبق مع مجمل إنتاجي الذي عملت خالله عىل‬ ‫تحرير فن الخط العريب من قفص القدسية الذهبي‬ ‫ومن الغيبيات واملاورائيات وحرصت عىل إعادته إىل‬ ‫الحياة والوجود وكل ماميس اإلنسان بشكل مغاير‬

‫ملا آل إليه حاله بعد قرون من الجمود والسلفية‬ ‫والتقليدية‪ ،‬وما أعاميل األخرية إال حلقة يف سلسلة‬ ‫أعاميل املعنية واملهمومة مبا ذكرت لكن رمبا كان‬ ‫بعضها أكرث مبارشة من حيث املحتوى من أعاميل‬ ‫األخرى‪ ،‬رمبا أصبح هناك تركيز يف اختيار العبارات‬ ‫امللحة الساخنة‪ ،‬رمبا شعرت بحاجة‬ ‫عىل القضايا ّ‬ ‫إىل إعالء الصوت يف طلب الحرية ورفض االستبداد‬ ‫واالستبداد املضاد والظالمية والظلم والتبعية‬ ‫والتعصب الديني واملذهبي والقومي والجنيس‬ ‫ويف السعي إىل وطن يساوي بني أبنائه جمي ًعا‬ ‫بغض النظر عن جنسهم أو دينهم أو مذهبهم أو‬ ‫إثنيتهم‪ ،‬لكني كنت يف كل أعاميل التي أنتجتها يف‬ ‫حريصا كل‬ ‫هذا السياق وعىل مدى هذه السنوات‬ ‫ً‬ ‫الحرص عىل عدم التفريط بالشكل والبناء الفني‬ ‫وعىل إنتاج أعامل يتكامل شكلها ومحتواها وتليق‬ ‫مبا تنادي به يف سبيل الوطن وناسه‪.‬‬ ‫تقول‪“ :‬يقيني أن ليس هناك نقطة أخرية يف الفن‪،‬‬ ‫واقتناعي أن عىل الفنان أن ال يعمل عىل تجاوز‬ ‫نجز فحسب‪ ،‬بل عليه أن يعمل دو ًما عىل تجاوز‬ ‫ا ُمل َ‬ ‫منجزه ً‬ ‫أيضا”‪ .‬هل استطعت بعد كل مواسم العطاء‬ ‫هذه أن تحقق ما كنت تصبو له يوم بدأت رحلة‬ ‫الفن واألمل؟‬ ‫نعم ليس هناك نقطة أخرية أو ذروة يف الفن‪،‬‬ ‫وتاريخ الفن يشهد بذلك ويعلمنا أن املنجز الفني‬ ‫العام يتطور باستمرار عرب تراكامت من اإلنجازات‬ ‫الفردية تؤول إىل إضافات ونقالت نوعية عىل أيدي‬ ‫فنانني إستثنائيني اليتجاوزون منجز من سبقوهم‬ ‫فحسب بل ويتجاوزون منجزهم ويؤسسون ملرحلة‬ ‫جديدة رسعان ما تضاف إليها إنجازات أخرى‪..‬‬ ‫وهكذا دواليك‪ ،‬ليبقى قلب الفن ً‬ ‫نابضا ح ًيا متجددًا‬ ‫ً‬ ‫منعشا لها‪ .‬أعتقد أنني استطعت‬ ‫ومجددًا للحياة‬ ‫أن أعمل بجد ودأب وإرصار عىل اإلضافة والتجديد‬ ‫وتجاوز املنجز يف فن الخط العريب نظر ًيا وعمل ًيا‬ ‫بعد زمن طويل م ّر عليه من الجمود والتقليدية‬ ‫والسلفية‪ ،‬وأعتقد أنني قمت بإنجاز ال ميكن إنكاره‬ ‫يف هذا املجال عىل الرغم من كل العقبات املتنوعة‬ ‫التي اعرتضت مسرييت يف سبيل ذلك‪ ،‬لكنني أرى‬ ‫أنه مايزال هناك الكثري مام أصبو إليه وأو ّد وأقدر‬ ‫عىل القيام به‪ ،‬فأنا عىل قناعة بـقول الحكم بن أيب‬ ‫الصلت‪ّ :‬‬ ‫“إن العزائم من أنصارها القدر”‪ ،‬أما الحكم‬ ‫عىل مدى نجاحي يف ذلك وعىل تجربتي بكليتها فهو‬ ‫ليس وال ميكن أن يكون يل‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫إبداعات ونشاطات سورية‬ ‫المخرج أسامة‬ ‫محمد يتس َلم‬ ‫جائزة “جسر‬ ‫حوض المتوسط”‬

‫ً‬ ‫حديثا في‬ ‫صدر‬ ‫القاهرة‪“ ..‬غادة‬ ‫ٌ‬ ‫امرأة من‬ ‫السمان‬ ‫ّ‬ ‫كلمات”‬

‫استضاف “غالريي املرشق” بالعاصمة‬ ‫األردنية ّ‬ ‫(عمن) املعرض الفردي‬ ‫للفنانة التشكيلية السورية ريم‬ ‫يسوف‪ ،‬تحت عنوان “حكاية ما‬ ‫قبل النوم”‪ ،‬وذلك ما بني الخامس‬ ‫والعرشين من الشهر الجاري‪ .‬تقول‬ ‫ريم يف تقدميها للمعرض‪“ :‬حكاية‬ ‫َ‬ ‫لكم حكاي َة‪ ،‬ما‬ ‫قبل النوم‪ :‬لنْ أَرويَّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫صبحت عىل‬ ‫قبل النوم ‪..‬فحكايايت أ‬ ‫َ‬ ‫قصاصات من ورقٍ صغري‪َ ،‬سك َنتْها‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫وأصوات‪َ ،‬ر ْ‬ ‫فضت‬ ‫وجو ٌه وأجسادٌ‬ ‫َ‬ ‫دخول كابوسنا اليومي ‪..‬و َر ْ‬ ‫فضت‬ ‫َ‬ ‫ابتلع جن ّيات‬ ‫أَ ْن ترى‬ ‫الوحش‪ ،‬و َق ْد َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫اختطف‬ ‫وحش َق ْد‬ ‫ُأمنياتنا ا ُملل ّونة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كل ابتسام ٍة من وجو ِه أطفايل‪ٌ ،‬‬ ‫وحش‬

‫مشاريع الكتابة اإلبداعية‬ ‫الحاصلة على المنح من‬ ‫“مختبر الفنون”‬

‫أعلنت مؤسسة “اتجاهات‪ -‬ثقافة مستقلة” عن املشاريع الحاصلة‬ ‫عىل املنح اإلنتاجية ضمن الدورة الثالثة من “مخترب الفنون‪ :‬برنامج‬ ‫دعم الفنانني السوريني”‪ ،‬بالتعاون مع “معهد غوته”‪ .‬ضمن فئات‬ ‫السينام والرسوم املتحركة‪ ،‬املرسح وفنون العرض‪ ،‬الفنون البرصية‬ ‫والتشكيلية‪ ،‬املوسيقى‪ ،‬إضافة للكتابة اإلبداعية‪ ،‬حيث وقع اختيار‬ ‫كتاب “حكاية الجئ ‪ ..‬قصص وشهادات سورية” لدميا ونوس‪،‬‬ ‫ومرشوع “أنطولوجيا صوتية للشعر السوري ما بعد تجربة اللجوء”‬ ‫ألحمد قطليش‪ ،‬ومرشوع “محنة اللجوء ولعنة االغرتاب” لكتاب‬ ‫“أجاثا كريستي‪ ..‬تعايل أقل لك كيف أعيش” للروايئ والناقد‬ ‫السوري الكردي هيثم حسني‪.‬‬

‫غي َ‬ ‫وغي َ‬ ‫صوت أ ّمي وأيب‬ ‫األرض‪َ َّ ،‬‬ ‫َّ َ‬ ‫لون ِ‬ ‫ّ‬ ‫وكل رائح ِة من جد ٍة حنونة‪َ ..‬ف ُ‬ ‫أخذت‬ ‫ُقصاصايت و َنرث ُتها للعصافري‪ ،‬و ِمنها‬ ‫َ‬ ‫تحت وساديت‪ ،‬ووساد َة‬ ‫ما َو َض ْع ُت ُه‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫أَطفايل‪ ،‬لتكون نافذة لنو ٍر‪ ،‬يف الغرف ِة‬ ‫ا ُملعتمة‪ ،‬فهناك‪ ..‬مثة ٌ‬ ‫أحبة َتنت َِظرنا”‪.‬‬

‫ايتل عدنان في‬ ‫أنطولوجيا شعرية‬ ‫ضد اإلرهاب‬

‫سياق مواجهة “ثقافة املوت” و ً‬ ‫رفضا‬ ‫يف‬ ‫لألعامل اإلرهابية التي رضبت فرنسا‬ ‫وأوروبا هذا العام‪ ،‬انربى مجموعة من‬ ‫الشعراء العرب واألوروبيني إلصدار‬ ‫نصوص شعرية ونرثية يف عمل أديب‬ ‫مشرتك‪ ،‬يعلنون فيه انتصارهم لثقافة‬ ‫الحياة ورفضهم العنف والكراهية‪ .‬وقد‬ ‫صدر الكتاب تحت عنوان “نحب الحياة‬ ‫أكرث مام تحبون أنتم املوت”‪ ،‬وشاركت‬ ‫فيه الشاعرة اللبنانية السورية الكونية‬ ‫ايتل عدنان (‪ 90‬عا ًما) بنص يفتتح‬ ‫األنطولوجيا‪ ،‬بعنوان “نحن متعبون من‬ ‫املوت”‪ ،‬وال تقصد الشاعرة هنا املوت‬ ‫الطبيعي املحتم‪ ،‬بل ذلك الناتج عن‬ ‫العنف األعمى املتف ّش يف عاملنا العريب‬ ‫والذي تعتربه األخطر “ألنه ال يقتل‬ ‫أيضا الفكر‪.‬‬ ‫الجسد فقط‪ ،‬بل يشوه ً‬ ‫وحني تفسد عنارص الفكر‪ ،‬تتضاءل‬ ‫إمكانيات النجاة‪ ،‬أو تتوارى”‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫صدر حدي ًثا يف القاهرة كتاب بعنوان‬ ‫“غادة ّ‬ ‫السمن امرأ ٌة من كلامت”‪ ،‬يتضمن‬ ‫ّ‬ ‫شهادات يف أدب السمن بأقالم أدباء‬ ‫وكتّاب عرب وكذلك حوا ًرا أجراه املؤلف‬ ‫الشاعر والناقد العراقي عذاب الركايب مع‬ ‫الكاتبة السورية الكبرية يف أواخر العام‬ ‫املايض‪ ،‬ودا َر حول تفاصيل حياتها اإلبداعية‬ ‫والثقافية واإلنسانية‪ ،‬رأته الكاتبة الكبرية‬ ‫أهم وأطول الحوارات التي أجر َيت‬ ‫من ّ‬ ‫معها خالل حياتها‪ .‬ومام جاء عىل الغالف‬ ‫األخري للكتاب بقلم املؤلف‪“ :‬هي غادة‬ ‫السامن وكفى‪ ،‬كلامتها وأعاملها وإبداعاتها‬ ‫مترين صويف عىل الوالدة واملوت‪ .‬غادة‬ ‫ّ‬ ‫السمن مخلوق بياين‪ ،‬أمهر وأمتع َمن يلهو‬ ‫باالستعارات‪ ،‬أردت أن أحتفي بها فوجدتها‬ ‫تقيم ً‬ ‫بهيجا لكلاميت‪.”..‬‬ ‫ُ‬ ‫كرنفال ً‬

‫التشكيلية ريم‬ ‫يسوف في معرض‬ ‫بعمان‬ ‫فردي‬ ‫ّ‬ ‫العدد ‪2016 / 10 / 27 - 79 -‬‬

‫للحرية والعدالة‪ .‬يؤلِفون عىل الهواء‬ ‫َ‬ ‫حقوق ‪ -‬إنسانِهم الجوهرية‪ ..‬الخط ُر‬ ‫اليوم أكرب فالفاشية تقوم بتحديث نفسها‪.‬‬ ‫الفاشية تحدّث حتى لغتها‪ .‬الفاش ّية ترسق‬ ‫معجم رشعة حقوق االنسان وتعيد تدوير‬ ‫تسلَم املخرج السوري‬ ‫أسامة محمد يف مفردة “العدالة” إىل ضدّها‪ .‬تطلق عىل‬ ‫‪ 19‬الشهر الحايل‪ ،‬جائزة‬ ‫“جرس حوض ضحاياها مفردة “اإلرهاب” بقوة دما ٍر‬ ‫املتوسط” ا‬ ‫لتي مينحها مهرجان ڤاالنسيا شامل‪ ..‬لتكرر قتلهم‪.”..‬‬ ‫السيناميئ‪ ،‬وذلك “ملا قدمه‬ ‫للسينام وللقيم وأضاف أسامة مخاط ًبا اللجنة والحضور‪:‬‬ ‫الثقافية والوجود املشرتك‬ ‫لشعوب البحر “أنتم اليوم متنحونني مترير ًة بَين َّي ًة كرمية‪..‬‬ ‫األبيض املتوسط”‪ ،‬بحسب‬ ‫ما جاء يف بيان تضعني من جديد يف مواجهة الهدف‪.‬‬ ‫لجنة املهرجان‪ ،‬وأضاف الب‬ ‫يان‪ :‬أن “موسرتا إن هذه (الجائزة ‪ -‬املنحوته ‪ -‬املخلوق‬ ‫ڤيڤا ڤاالنسيا تريد أن ت‬ ‫ؤكد من خالل اإلنساين) التي أحملها بيرساي تعني يل‬ ‫تكرميه وقوفها مع الشعب السوري”‪.‬‬ ‫الكثري‪ ..‬أشعر اآلن أنني أتشاركها مع‬ ‫وقد أهدى صاحب “مياه‬ ‫فض ّية” تكرميه زماليئ السينامئيني السوريني الذين قاومنا‬ ‫يف احتفالية خاصة باملنا‬ ‫سبة‪ ،‬إىل‪“ :‬سوريا الفاشية م ًعا‪ .‬وعملنا زمنا مديداً‪ ..‬نحو لغة‬ ‫موطنُ الشعراء الق‬ ‫تىل‪ .‬شعراء قتىل‪ ..‬ألن سينامئية ح ّرة و ٍ‬ ‫طن ُحر ‪ ..‬إنني أتذكر عمر‬ ‫أولئك‬ ‫السوريني كانوا يتظاهرون طل ًبا أمرياالي”‪.‬‬

‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫‪19‬‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.