طلعنا عالحرية / العدد 73

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪73‬‬ ‫‪2016 / 7 / 19‬‬

‫قســم حقوق اإلنسان والمجتمع المدني‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع داخل‬ ‫سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعشات السورية يف الخارج‬

‫جديد طلعنا عالحرية‬


‫حلم اليوم‪ ..‬واقع الغد‬ ‫لماذا مازلنا نتحدث عن حقوق اإلنسان!‬

‫‪2‬‬

‫افتتاحية بقلم المحامي أنور البني‬ ‫العدد ‪2016 / 7 / 19 - 73 -‬‬

‫الحديث عن حقوق اإلنسان مجدداً رمبا يبدو نوعاً‬ ‫من املزاح غري املرغوب فيه اآلن‪ ،‬خاصة بعد أكرث‬ ‫من خمسني سنة عىل انتهاكات حقوق اإلنسان يف‬ ‫سوريا‪ ،‬وبعد أكرث من خمس سنوات من ارتكاب‬ ‫جرائم كربى بحق اإلنسان يف سوريا دون أن تقوم‬ ‫الدول املتبنية لهذا الشعار بأي فعل لوقف هذه‬ ‫الجرائم أو محاسبة مرتكبيها‪ ،‬وبعد اإلحباط الكبري‬ ‫الذي أصابنا جميعاً من حاميل الشعار ومروجيه‪..‬‬ ‫بل رمبا الحديث عن حقوق اإلنسان يثري‬ ‫احتجاجات كبرية ممن كان يتأمل أن هذا الشعار‬ ‫وحامليه وقوته القانونية العاملية ستكون درع‬ ‫حامية حقيقياً لإلنسان يف سوريا‪ ،‬ولكن الواقع‬ ‫امللموس أحبط كل آمالهم ونرش اليأس بينهم‬ ‫من الشعار وحامليه‪ ،‬وسخروا من قوته القانونية‬ ‫الدولية‪ .‬وسيالقي ردود فعل معادية متاماً من‬ ‫قوى مسلحة أصبحت جزءاً من الواقع عىل‬ ‫األرض‪ ،‬ومارست انتهاكات لحقوق اإلنسان فأصبح‬ ‫الحديث عن حقوق اإلنسان هو إدانة لها‪.‬‬ ‫أعتقد أن هناك حقيقة كبرية فيام ذكرناه‪ ،‬وأعتقد‬ ‫أن الحديث عن حقوق اإلنسان بعد كل هذا‬ ‫الكم الهائل من الجرائم الفظيعة تحت عدسات‬ ‫التصوير وأمام أعني وسمع كل العامل دون أن‬ ‫يرف لهذا العامل جفن رغم كل الفظائع املوثقة‪..‬‬ ‫هو كالحديث عن حلم جميل راودنا وأفقنا منه‬ ‫لنكتشف أنه رمبا كان كابوساً‪.‬‬ ‫نعم أعتقد أن هذا حقيقي‪ ..‬ولكن‪..‬‬

‫مازلنا نؤمن أن مبادئ حقوق اإلنسان هي حلم‬ ‫جميل‪ ،‬ومازلنا نؤمن أن أساس كل واقع حقيقي‬ ‫جميل اآلن كانت بدايته حلم‪ ،‬وأصبح واقعاً‬ ‫حقيقياً بالعمل والجهد والتضحية‪ ..‬وأساساً‬ ‫باإلميان به‪ .‬رغم كل ما يصيب أي تجربة من‬ ‫انتكاسات أو هزائم‪.‬‬ ‫نعم رمبا هو حلم اآلن ولكنه سيتحول لواقع‬ ‫حقيقي بجهد الجميع وتضحيتهم وإميانهم‪ ،‬وال‬ ‫يعيب هذا الحلم أو يدنسه أن يتس ّلق عليه‬ ‫من أراد‪ ،‬أو أن يستخدمه أحد للقيام أو تربير‬ ‫جرائم‪ ،‬كام ال ميكن أن يفقد املسلم أو املسيحي‬ ‫أو اليهودي إميانه حني يكون األمئة أو الكهنة أو‬ ‫الحاخامات لصوصاً أو مجرمني يستغلون شعاراته‬ ‫ومواقعهم ليقوموا بجرائم تحت عباءته‪ .‬كام ال‬ ‫ينتقص من حقوق أي قومية أن يكون قادتها‬ ‫أو حاملو لوائها مجرمي حرب يستغلون الشعار‬ ‫الرتكاب الفظائع‪ ،‬أو أن يستغل الشعار من أجل‬ ‫مصالح اقتصادية أو سياسية‪.‬‬ ‫سيبقى الجانب اإلنساين من كل دين أو قومية أو‬ ‫فكرة هو أساس اإلميان‪ ،‬ألن ّ‬ ‫كل األفكار والرساالت‬ ‫هدفها أساساً اإلنسان‪.‬‬ ‫يتوجب علينا أن نبقي إمياننا بحقوق اإلنسان ثابتاً‬ ‫ال تزعزعه أي محاولة لتشويه اإلنسان أو االنتقاص‬ ‫من حقوقه‪ ،‬ليس ألن ذلك مرتبط بشعار فقط‪ ،‬بل‬ ‫ألننا ناس كام الجميع‪ .‬نحن محتوى هذا الشعار‬ ‫وليس هدفه‪.‬‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫ال يجوز بأي حال من األحول وال بأي دين أو‬ ‫مبدأ أن يتم التمييز بني البرش عىل أساس عرقهم‬ ‫أو دينهم أو جنسهم أو معتقدهم‪ .‬كام ال يجوز‬ ‫حرمان أي أحد من العدالة أو االنتقاص من‬ ‫حريته‪ .‬هذه مبادئ حقوق اإلنسان األساسية؛‬ ‫(حرية‪ .‬عدالة‪ .‬مساواة)‪.‬‬ ‫ومن مبدأ اإلميان بهذه الثوابت وألننا كناس‬ ‫أصحاب املصلحة الحقيقية برفع هذه املبادئ‬ ‫والدفاع عنها ونرش ثقافتها وتعرية كل محاوالت‬ ‫التشويه واالستغالل ألجل مصالح شخصية أو‬ ‫اقتصادية عىل مستوى األفراد أو املنظامت أو الدول‪..‬‬

‫ومن نفس املبدأ سنظل نعمل لتكون هذه املبادئ‬ ‫نرباساً لرسم خارطة طريق إىل مستقبل سوريا‪.‬‬ ‫ليكون هذا املستقبل جمي ًال لنا وألجيالنا القادمة‪،‬‬ ‫وملساعدة السوريني عىل تبيان ما يهيئونه‬ ‫ألوالدهم وأحفادهم من حياة‪.‬‬ ‫إدارة مجلة “طلعنا عالحرية” التي كانت من‬ ‫أوائل من استشعرت إحساس السوريني بخروجهم‬ ‫للحرية يف بداية ثورتنا الجميلة قامت مشكورة‬ ‫بتخصيص زاوية مهمة للحديث عن هموم حقوق‬ ‫اإلنسان يف سوريا ونافذة للتواصل معكم بشكل‬ ‫تفاعيل‪ ،‬ننتقي فيه ما يخدم تطلعاتنا جميعاً لبناء‬ ‫غ ٍد أفضل نطلع فيه من غياهب االستبداد والقمع‬ ‫واإلقصاء إىل الحرية!‬ ‫سنكون معكم بكل عدد آملني أن يكون ذلك جزءاً‬ ‫من عمل كبري نشارك فيه جميعاً‪.‬‬ ‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫معاون رئيس التحرير قسم حقوق اإلنسان‬ ‫نصار‬ ‫أنور البني‬ ‫أسامة ّ‬

‫قسم املرأة‬ ‫يارا بدر‬

‫رئيس التحرير ليىل الصفدي‬ ‫املحرر االقتصادي‬ ‫وائل موىس‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬ ‫‪info@freedomraise.net‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫الغالف‬ ‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫سمري خلييل سمري خلييل ‪ -‬هاين عباس‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫إنشاء المحاكم االستثنائية اعتداء‬ ‫على حقوق االنسان‬ ‫المحامي ميشال شماس*‬

‫العدد ‪- 73 -‬‬ ‫‪2016 / 7 / 19‬‬

‫إن استحداث املحاكم االستثنائية يتم يف األصل‬ ‫ملعالجة ظروف استثنائية يف زمن استثنايئ يقتيض‬ ‫اتخاذ إجراءات رسيعة ومؤقتة‪ ،‬ومن ثم العودة‬ ‫إىل األصل؛ أي إىل الوضع العادي وفقاً للقواعد‬ ‫العامة املعمول بها يف الظروف االعتيادية‪ ..‬هذا‬ ‫األمر يجري يف الدول التي يكون فيها القول‬ ‫الفصل ملبدأ سيادة القانون عىل الحاكم قبل‬ ‫املحكوم‪.‬‬ ‫وميثل إنشاء املحاكم واألقضية االستثنائية اعتداء‬ ‫صارخاً ليس عىل حرية اإلنسان وحقوقه‪ ،‬بل‬ ‫وعىل اختصاص السلطة القضائية صاحبة الوالية‬ ‫الكاملة واالختصاص الشامل ملختلف املنازعات‬ ‫ألنها تستمد وجودها وكيانها من الدستور الذي‬ ‫أناط بها وحدها أمر العدالة مستقلة عن باقي‬ ‫السلطات‪ ،‬باعتبار أن تلك املحاكم االستثنائية‬ ‫واللجان الخاصة مل ينص الدستور عىل إنشائها‪،‬‬ ‫وال تتوافر فيها الضامنات التي توفرها القوانني‬ ‫العادية وقوانني السلطة القضائية والتي يكفلها‬ ‫الدستور‪.‬‬ ‫وتنص معظم دساتري الدول الحديثة عىل حظر‬ ‫إنشاء محاكم استثنائية‪ ،‬وكان الدستور لعام ‪1950‬‬ ‫قد ّ‬ ‫حظر يف املادة العارشة منه إنشاء محاكم‬ ‫استثنائية‪ ،‬كام نص عىل منع محاكمة املدنيني‬ ‫أمام محاكم عسكرية‪ ،‬وفيام ييل نص الفقرتني ‪9‬‬ ‫و‪ 10‬من املادة العارشة‪:‬‬ ‫“‪ - 9‬ال يجوز إحداث محاكم جزائية استثنائية‪،‬‬ ‫وتوضع أصول خاصة للمحاكمة يف حالة الطوارئ‪.‬‬ ‫‪ - 10‬ال يحاكم أحد أمام املحاكم العسكرية غري‬ ‫أفراد الجيش ويحدد القانون ما يستثنى من هذه‬ ‫القاعدة”‪.‬‬ ‫وبالعودة إىل الدساتري التي صدرت يف عهد البعث‪،‬‬ ‫نجد أنها مل تحظر إنشاء املحاكم االستثنائية‪،‬‬ ‫حيث أنشئت املحاكم القومية بعد استيالء‬ ‫البعث عىل السلطة‪ ،‬وبتاريخ ‪ 28/3/1968‬صدر‬ ‫املرسوم الترشيعي ‪ 47‬وقىض باستحداث محكمة‬ ‫أمن الدولة العليا‪ ،‬التي حاكمت عرشات اآلالف‬ ‫من السياسيني ونشطاء حقوق اإلنسان‪ ،‬ثم تالها‬ ‫استحداث املحاكم امليدانية العسكرية باملرسوم‬ ‫رقم ‪ 109‬تاريخ ‪ ،17/8/1969‬التي شكلت وصمة‬

‫‪3‬‬

‫عار وماتزال يف سوريا‪ ،‬وبتاريخ ‪ 1/10/1972‬صدر‬ ‫املرسوم الترشيعي رقم ‪ 87‬وقىض باستحداث‬ ‫املحاكم الحربية التي أعطت ألفراد من الجيش‬ ‫صالحية إجراء املحاكامت وإصدار األحكام يف‬ ‫القطعات العسكرية‪.‬‬ ‫وتناوبت تلك املحاكم عىل العمل بنشاط‬ ‫ملحوظ ض ّد املعارضني السياسيني ونشطاء حقوق‬ ‫اإلنسان باستثناء محكمة أمن الدولة العليا التي‬ ‫ألغاها النظام يف نيسان العام ‪ 2011‬بعد اندالع‬ ‫احتجاجات شعبية واسعة تحولت إىل ثورة‬ ‫عارمة ض ّد نظام بشار األسد‪ .‬وذلك يف محاولة‬ ‫منه المتصاص تلك االحتجاجات املناهضة له‪.‬‬ ‫ومل يستطع النظام االنتظار كثرياً‪ ،‬فقرر بتاريخ‬ ‫‪ 25/7/2011‬استحداث محكمة أسامها “محكمة‬ ‫قضايا اإلرهاب” باملرسوم الترشيعي رقم ‪22‬‬ ‫لتحل فعلياً مكان محكمة أمن الدولة العليا‬ ‫امللغاة‪ ،‬وأضفى عليها الصبغة القانونية من حيث‬ ‫الشكل‪ ،‬مدعياً أنها تستهدف اإلرهابيني لذر‬ ‫الرماد يف العيون‪ ،‬بينام يف الواقع أنشأها للتضييق‬ ‫عىل املعارضني له‪ ،‬والسيام نشطاء حقوق اإلنسان‬ ‫غصت بهم السجون واملعتقالت‪ ،‬ومحكمة‬ ‫الذين ّ‬ ‫اإلرهاب ‪-‬من حيث النتيجة‪ -‬ال تقل شدّة وقسوة‬ ‫يف إجراءاتها وأحكامها عن محكمة أمن الدولة‪.‬‬ ‫مل يكن ممكناً للبرشية أن تتقدم خطوات عىل‬

‫طريق التقدم الحضاري‪ ،‬لوال التطور املطرد‬ ‫الذي طرأ عىل الدساتري والقوانني املنظمة لعالقة‬ ‫الحاكم باملحكومني‪ ،‬وعالقة املحكومني فيام‬ ‫بينهم‪ ،‬وضامن احرتام تنفيذ املنظومة القانونية‬ ‫مع الحرص عىل تطويرها مبا يحرتم كرامة اإلنسان‪،‬‬ ‫وحريته ويحفظ حقوقه الطبيعية والسياسية من‬ ‫خالل تأمني استقالل القضاء وسيادة القانون‬ ‫الذي أصبح اليوم يشكل ركناً أساسياً من أركان‬ ‫الدميقراطية ودعامة أساسية من دعائم الدولة‬ ‫الحديثة‪.‬‬ ‫أما يف الدول التي تحكمها أنظمة شمولية‬ ‫استبدادية كبالدنا العربية ومنها سورية طبعاً‪،‬‬ ‫فتعمل ليل نهار لتثبت حكمها مبختلف الطرق‬ ‫واألساليب‪ ،‬فتسلك طريق تهميش القضاء والنيل‬ ‫من هيبته من خالل سنّ القوانني والترشيعات‬ ‫واألوامر العرفية‪ ،‬وإنشاء املحاكم واألقضية‬ ‫االستثنائية التي تسعفها عىل البقاء يف الحكم إىل‬ ‫ما النهاية؛ حيث تتفنن يف استحداث محاكم تحت‬ ‫مسميات مختلفة ابتدا ًء مبحاكم األمن القومي‪،‬‬ ‫واملحاكم امليدانية‪ ،‬ومحاكم أمن الدولة ومحكمة‬ ‫الشعب واملحاكم الثورية والرشعية‪ ،‬وليس انتها ًء‬ ‫مبحاكم اإلرهاب‪ ..‬اختلفت املسميات والهدف‬ ‫واحد هو االستئثار‪.‬‬

‫*عضو هيئة الدفاع عن معتقيل الرأي والضمري يف سوريا‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫ّ‬ ‫منظمات حقوق اإلنسان والمجتمع‬ ‫المدني في سوريا‬ ‫ّ‬ ‫المركز السوري للدراسات‬ ‫واألبحاث القانونية‬

‫العدد ‪2016 / 7 / 19 - 73 -‬‬

‫ال ميكن‪ ،‬يف الحقيقة‪ ،‬الحديث عن منظامت‬ ‫ومجتمع مد ٍّين “كام هو متعارف‬ ‫حقوق إنسان‬ ‫ٍ‬ ‫عليه” عشية الثورة السور ّية عام ‪.2011‬‬ ‫بالعموم فقد بدأ مصطلح منظامت املجتمع‬ ‫العاملي لحقوق اإلنسان‬ ‫املدين عاملياً عرب اإلعالن‬ ‫ّ‬ ‫عام ‪ ،1948‬ومل يدخل إىل املجتمعات العرب ّية إال‬ ‫يف بداية الثامنينيات‪ .‬ومصطلح منظامت حقوق‬ ‫اإلنسان كذلك مل يعرفها العامل الحديث إال يف‬ ‫بدايات الثامنينيات كذلك‪ ،‬ومل تصل إىل العامل‬ ‫العر ّيب إال متأخر ًة‪ .‬ورمبا كانت سوريا من أوائل‬ ‫الدول العربية التي سارع النشطاء فيها لتأسيس‬ ‫منظامت حقوق إنسان يف عام ‪ 1989‬عرب تأسيس‬ ‫لجان الدفاع عن الحريات الدميوقراطية وحقوق‬ ‫اإلنسان‪.‬‬ ‫يف الخاص السوري‪ ،‬يحمي الدستور السوريّ الذي‬ ‫وضعه حافظ األسد ‪-‬من حيث النصوص‪ -‬الكثري‬ ‫من الحقوق األساسية‪ ،‬ومنها حرية التعبري وحرية‬ ‫تكوين الجمعيات مع اآلخرين‪ .‬واملادة ‪ 38‬من‬ ‫الدستور تضمن حقَّ ِّ‬ ‫مواطن يف “أن يعرب‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة‬ ‫وسائل التعبري األخرى” وأن “يس ِهم يف الرقابة‬ ‫الوطني‬ ‫والنقد البناء مبا يضمن سالمة البناء‬ ‫ّ‬ ‫والقومي ويدعم النظام االشرتايك”‪ .‬وتكفل املادة‬ ‫ّ‬ ‫‪ 39‬للمواطنني الحقّ يف االجتامع والتظاهر سلمياً‬ ‫وينظم القانون مامرسة هذا الحق‪ .‬ولكن مل تصدر‬ ‫أي قوانني لتنظيم مامرسة املواطنني لحقوقهم‪،‬‬ ‫بل كانت القوانني التي تصدر متنع املواطنني‬ ‫من مامرسة هذه الحقوق‪ ،‬مخالفة للدستور يف‬ ‫ِّ‬ ‫ظل عدم وجود آلي ٍة بيد املواطنني إللزام السلطة‬ ‫بتطبيق الدستور وإلغاء القوانني املخالفة له‪.‬‬ ‫ومن حيث املامرسة‪ ،‬استعانت السلطات السور ّية‬ ‫بحالة الطوارئ املط ّبقة منذ عام ‪ 1963‬والترشيع‬ ‫املقيد املصاحب لها‪ ،‬يف قمع أنشطة املنظامت‬

‫غري الحكوم ّية وجامعات حقوق اإلنسان‪ .‬والدافع‬ ‫وراء هذا املنهج هو الرؤية الرسم ّية بأنه ليس‬ ‫من املفرتض باملنظامت أن تكون بديل ًة عن‬ ‫املؤسسات الحكومية‪ ،‬بل أدوات يف يد الحكومة‬ ‫لتنمية املجتمع وصيانة أهداف الثورة البعث ّية!‬ ‫ُ‬ ‫القانون رقم‬ ‫ويحكم إنشا َء الجمعيات يف سوريا‬ ‫الخاص بالجمعيات واملؤسسات‬ ‫(‪ )93‬لعام ‪1958‬‬ ‫ّ‬ ‫الخاصة أثناء الوحدة بني مرص وسوريا (‪– 1958‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،)1961‬وتأثر كثرياً بأفكار أن عىل الدولة التح ّكم‬ ‫يف املجتمع وتوجيهه‪ .‬والكثري من التفاصيل‬ ‫القانون ّية املتصلة به توجد يف الالئحة التنفيذية‬ ‫تم تبنّيها بواسطة املرسوم‬ ‫املصاحبة له التي َّ‬ ‫الرئايس عام ‪( 1958‬الالئحة التنفيذية الصادرة‬ ‫مبوجب مرسوم رقم ‪ 1330‬يف ‪ 13‬أكتوبر‪/‬ترشين‬ ‫األول ‪ .)1958‬ويف عام ‪ 1969‬عدّلت السلطات‬ ‫مبرسوم‬ ‫السور ّية من بعض أحكام القانون‬ ‫ٍ‬ ‫ترشيعي رقم (‪ )224‬بحيث تزيد من رقابة الدولة‬ ‫ٍّ‬ ‫عىل الجمعيات‪.‬‬ ‫وأحد األحكام األساس ّية التي أضافها املرسوم‬ ‫الترشيعي رقم (‪ )224‬يسمح للحكومة “بدمج”‬ ‫الجمعيات التي تؤدي أعامالً متشابهة‪ ،‬وقدّم‬ ‫كذلك فكرة عدم وجود الحاجة ألكرث من جمعي ٍة‬ ‫واحد ٍة ألداء النشاط نفسه‪ .‬وكام نعرض فيام‬ ‫سيأيت‪ ،‬فإن الحكومة قد اعتمدت مراراً عىل هذا‬ ‫املفهوم يف رفضها إشهار جمعيات غري حكومية‬ ‫ِّ‬ ‫بحل‬ ‫جديدة‪ .‬وأحد األحكام الها ّمة تسمح‬ ‫الجمعيات دون اللجوء إىل القضاء‪.‬‬ ‫نصب القانون وزارة الشؤون االجتامع ّية‬ ‫وقد ّ‬ ‫والعمل الجهة املسؤولة عن إدارة القانون‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذلك مامرسة سلطة ِّ‬ ‫حل الجمعيات‪ .‬إال أنه‬ ‫من حيث املامرسة ومبوجب قانون الطوارئ كان‬ ‫القرارللسلطات األمن ّية السورية‪ ،‬حيث تتطلب‬ ‫املوافقة عىل الطلب موافقة ثالثة أجهزة أمن ّية‪،‬‬

‫السيايس واألمن العسكريّ ‪.‬‬ ‫هي أمن الدولة واألمن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مم أدى لعدم وجود منظامت لحقوق اإلنسان أو‬ ‫أيِّ شكلٍ من منظامت املجتمع املد ّين إذا استثنينا‬ ‫رابطة النساء السوريات التي كانت تعمل يف‬ ‫مجال املرأة وحقوقها ومرخصة منذ الخمسينيات‪،‬‬ ‫واستمر نشاطها بشكل ضعيف تحت حامية‬ ‫الشيوعي السوريّ “جناح يوسف‬ ‫الحزب‬ ‫ّ‬ ‫فيصل” الذي كان حليفاً للنظام ضمن الجبهة‬ ‫الوطن ّية التقدم ّية‪ ،‬باإلضافة للجمعيات السكن ّية‬ ‫وجمعيات مساعدة الفقراء واأليتام والنقابات‬ ‫والجمعيات الحرف ّية املعينة من قبل السلطة‬ ‫التي كانت‪ ،‬وحسب تعديل قانون النقابات الذي‬ ‫قامت به السلطة السور ّية عام ‪“ 1981‬بعد ِّ‬ ‫حل‬ ‫مجالس اإلدارة املنتخبة التي كانت موجود ًة‬ ‫وتعيني مجالس إدارة جديدة” كانت ك ّلها مجرد‬ ‫أدوات بيد السلطة السور ّية لقمع فئات املجتمع‬ ‫ٍ‬ ‫وتدجينهم‪ ،‬وليس أدا ًة للتعبري عن مصالحهم‪.‬‬

‫مقدمة لبحث أعدّه املحامي‬ ‫أنور البني مدير املركز السوري‬ ‫للدراسات واألبحاث القانونية‪،‬‬ ‫سيتم نرشه تباعاً يف طلعنا عالحرية‬ ‫عىل أجزاء‪.‬‬


‫المعتقلون‬ ‫وجع السوريين‬

‫العدد ‪- 73 -‬‬

‫املحامي أنور البني رئيس املركز السوري للدراسات واألبحاث القانونية‬

‫‪2016 / 7 / 19‬‬

‫موضوع املعتقلني هو القضية األكرب يف الوضع‬ ‫السوري ‪ .‬ومعاناة املعتقلني هي األكرث واألشد‬ ‫وطأة حتام‪ ,‬فمهام يكن وضع من هو خارج‬ ‫السجن‪ ،‬إال أن لديه عىل األقل خيارات أخرى‬ ‫لتخفيف املعاناة ولديه عون من ممن حوله ‪,‬‬ ‫ولكن املعتقل ليس لديه أي خيار ‪ ,‬فهو وحيد ‪,‬‬ ‫ال حول له وال قوة يف مواجهة مستأسد عليه ال‬ ‫يعرف أي نوع من الرحمة أو الشفقة ‪.‬وميارس‬ ‫عليه كل أنواع التعذيب واملعاملة التي ال تخطر‬ ‫ببال إنسان حتام‪ .‬وال ميكن بأي حال تصور الوضع‬ ‫اإلنساين والجسدي األكرث من مأساوي للمعتقلني‪,‬‬ ‫بحيث قد يصبح املوت أمنية حقيقية للخالص‬ ‫من املعاناة واملوت مئات املرات كل يوم‪,‬‬ ‫األرقام تتكلم ‪ ,‬نعم هناك أكرث من مائة وخمسني‬ ‫ألف معتقل ‪ ,‬تم إحالة أقل من ثالثني ألف منهم‬ ‫ملحكمة اإلرهاب وهناك حوايل عرشين ألف‬ ‫محالني إىل املحاكم امليدانية العسكرية وهناك‬ ‫مائة ألف مجهويل املصري بعضهم منذ أكرث من‬ ‫ثالث سنوات‪,‬‬ ‫األرقام تتكلم ‪ :‬نعم هناك حوايل عرشين ألف‬ ‫ضحية قضوا تحت التعذيب لدى السلطات‬ ‫وبسبب الظروف الالإنسانية التي متارس ضدهم‬ ‫حسب ما هو موثق ‪ ,‬ولكن ما نحن متأكدون‬ ‫منه أن العدد يتجاوز الخمسني ألف ضحية وما‬ ‫يظهر للعلن من قضية املعتقلني ما هو إال رأس‬ ‫جبل جليد إن كان بالنسبة لألرقام أو بالنسبة‬ ‫للتعذيب وظروف املعتقالت‪.‬‬ ‫املعتقلني هم الوجع األول ‪ .‬هم املوت البطيء‬ ‫‪ ,‬هم العدّاد الصامت للموت املجاين الذي‬ ‫ال يلتفت إليه أحد ‪ ,‬ومتر األرقام باردة جوفاء‬ ‫عىل العامل دون أن يفكروا ولو للحظة ما عاناه‬ ‫ويعانيه املعتقلون قبل الوصول ألن يكونوا رقام‬ ‫إضافيا يف هذا العدّاد‪.‬‬ ‫ماذا نفعل؟ نعم ماذا نفعل أمام نظام يعترب‬ ‫القتل بالنسبة له وأمام العامل والكامريات وأجهزة‬ ‫اإلعالم مجرد تسلية وانتقام من شعب أراد تغيري‬ ‫حياته‪ .‬ألن العامل وقف يتفرج دون أي حركة‬

‫وكأن ذلك ضوء أخرض لالستمرار‪,‬‬ ‫رمبا ال نستطيع نحن عمل يشء ولكن عىل األقل ميكننا الرصاخ ‪ .‬ميكننا الرصاخ وبأعىل صوتنا ونستمر‬ ‫حتى لو بحت أصواتنا‪ ,‬فلرمبا هناك من يستطيع فعل يشء وينزعج من رصاخنا فيقوم بفعله ليس دفاعا‬ ‫عن املعتقلني وال عن حقوق اإلنسان التي أصبحت لدى صناع القرار العاملي واملؤثرين عىل األحداث‬ ‫مجرد شعار وسلعة يبيعون ويشرتون بها حسب مصالحهم دون النظر ألي اعتبار إنساين أو حتى قانوين‪,‬‬ ‫وإمنا يقوم بفعله لالرتياح من رصاخنا فقط‪ ،‬فعىل األقل نكون قد حققنا شيئا‪.‬‬ ‫ال ّمتر لحظة عىل إال وأتخيل وضع املعتقلني حالتهم التي كنا عىل متاس مبارش معها حني يحولون إىل‬ ‫املحاكم من األفرع األمنية واملعتقالت وال عن شهاداتهم عن الظروف واألوضاع التي عانوا منها وعن‬ ‫الضحايا الذين قضوا بني يديهم من التعذيب أو من الجوع أو من الربد أو من االختناق أو من األمراض‬ ‫سجانهم ‪ .‬وال متر لحظة دون ان أسرتجع روائح‬ ‫التي كان ميكن معالجتها بحبة دواء ضنّ عليهم بها ّ‬ ‫أجساد املعتقلني الذين قدموا للمحكمة من املعتقالت والتي أجربت القضاة واملوظفني عىل الهروب‬ ‫من املحكمة ولبس الكاممات‪ .‬ال متر لحظة دون أن أتذكر أصدقاء غابوا باملعتقالت دون أن يظهر‬ ‫خرب‪,‬عرشات ومئات وآالف ‪ ,‬عرشات األلوف‪.‬‬ ‫لنرصخ بكل أصواتنا ّ‬ ‫عل وعىس يسمع املعتقلون رصاخنا فيعرفوا عىل األقل أنهم ليسوا وحدهم فيك ّفون‬ ‫عن املوت بصمت‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫حملة مناصرة لفك‬ ‫الحصار عن مدينة داريا‬

‫‪86‬‬ ‫كمال شيخو‬

‫العدد ‪66 -‬‬ ‫‪2016 / 72 / 19‬‬ ‫‪17 - 73‬‬

‫مقاالت‬ ‫تقارير‬

‫مثانية آالف وثالمثائة مدين محارص يف داريا جنوب‬ ‫غرب العاصمة السورية دمشق‪ .‬ترتنح تحت وطأة‬ ‫الحصار من قبل قوات النظام السوري منذ أكرث‬ ‫من ‪ 44‬شهراً‪ .‬تشهد حملة عسكرية غري مسبوقة‬ ‫يسقط ضحيتها األبرياء‪.‬‬ ‫كل هذه التطورات املتسارعة دفعت ممثلية‬ ‫املجلس املحيل ملدينة داريا مبدينة غازي عينتاب‬ ‫الرتكية‪ ،‬لدعوة عدد من الصحافيني والنشطاء‬ ‫اإلعالميني ومنظامت املجتمع املدين والهيئات‬ ‫اإلغاثية‪ ،‬لعقد ورشة عمل يف مقر منظمة (بيتنا‬ ‫سوريا) بغية التحضري إلطالق “حملة إعالمية‬ ‫منارصة” للمدينة‪.‬‬ ‫وأكد ممثلو املجلس املحيل لـمدينة داريا خالل‬ ‫لقائهم أن الهدف من الحملة‪ ،‬توجيه أنظار‬ ‫املجتمع العريب واإلقليمي والدويل إىل الخطر الكبري‬ ‫الذي قد يواجه املدينة وباقي املناطق املحارصة‪،‬‬ ‫سيام من تبقى من مدنيني فيها‪ ،‬جراء القصف‬ ‫العنيف والحصار الخانق منذ قرابة األربع سنوات‪.‬‬ ‫واستنكر املجتمعون صمت املجتمع الدويل‬ ‫وعجز األمم املتحدة؛ أمام املجازر التي يرتكبها‬ ‫النظام السوري وخرق الهدنة املعلنة يف ‪ 27‬من‬ ‫شهر شباط‪/‬فرباير املايض التي كانت بقرار من‬ ‫مجلس األمن الدويل ذي الرقم ‪ ،2254‬والتي دعت‬ ‫جميع األطراف إىل رفع الحصار‪ ،‬والسامح بإيصال‬ ‫املساعدات‪ ،‬ووقف الغارات الجوية‪ ،‬والقصف‬ ‫املدفعي عىل املدنيني‪ ،‬وإطالق رساح املعتقلني‪.‬‬ ‫الحملة أطلقت بعد أيام من تقدم قوات النظام‬ ‫السوري يف املحور الجنويب ملدينة داريا‪ ،‬يف غوطة‬ ‫دمشق الغربية‪ ،‬وسيطرته عىل عد ٍد من األبنية‬ ‫رشقي جامع نور الدين الشهيد‪.‬‬ ‫بدورهم سارع النشطاء إلطالق حملة منارصة‬ ‫ملدينة داريا‪ ،‬عىل موقعي التواصل االجتامعي‬ ‫(تويرت) و (فيسبوك) تحت وسوم عديدة‬ ‫باللغتني العربية واإلنجليزية‪ ،‬منها‪#( :‬كلنا_داريا)‪،‬‬ ‫(‪#‬أنقذوا_داريا‪.)Save_Daraya #Daraya# ،‬‬ ‫ولدى حديثه مع جريدة “طلعنا عالحرية” رشح‬ ‫أحمد حلمي ممثل املجلس املحيل يف مدينة غازي‬ ‫عنتاب‪ ،‬ان الحملة تهدف إىل توجيه رسالة للجهات‬ ‫ذات الصلة‪ ،‬من منظامت سورية عاملة بالشأن‬ ‫اإلنساين والسيايس والثوري‪ ،‬وأكد أنها‪“ :‬للمطالبة‬ ‫بإعادة تفعيل الهدنة يف عموم سوريا‪ ،‬والرتكيز‬ ‫عىل مدينة داريا املحارصة كونها مهددة باقتحام‬

‫عسكري يف أي لحظة‪ ،‬ما قد‬ ‫يعرض حياة أكرث من مثانية‬ ‫أالف مدين إلبادة جامعية ال‬ ‫سمح الله”‪.‬‬ ‫وتقول األمم املتحدة إن هناك‬ ‫أكرث من نصف مليون سوري‬ ‫يعيشون يف ‪ 18‬منطقة يف‬ ‫مختلف أرجاء سوريا‪ ،‬إحداها‬ ‫مدينة داريا‪ .‬وسجلت وكاالت‬ ‫اإلغاثة اإلنسانية العديد من‬ ‫حاالت الوفاة بسبب الجوع‬

‫جراء حصار قوات النظام يف وقت سابق من هذا العام‪.‬‬

‫بيد أن فادي محمد املتحدث الرسمي باسم‬ ‫املجلس املحيل ملدينة داريا‪ ،‬من داخل املدينة‪،‬‬ ‫اعترب أن كلمة حصار مصطلح فضفاض لوصف‬ ‫وضع داريا الحايل‪ ،‬ولدى حديثه مع جريدة‬ ‫“طلعنا عالحرية” أردف قائ ًال‪“ :‬رمبا مصطلح‬ ‫داريا السجينة هو األصح توصيفاً‪ .‬والسبب غياب‬ ‫الحياة الطبيعية وحركة املدنيني وانعدام املحال‬ ‫التجارية وتوقف بيع ورشاء املواد الغذائية والسلع‬ ‫التموينية‪ ،‬وهذه الحالة مىض عليها أكرث من ثالثة‬ ‫سنوات”‪ ،‬وأضاف‪“ :‬كل ما هنالك بعض تجار‬ ‫السوق السوداء يبيعون بأسعار غري قابلة للتقدير‬ ‫وإمنا تبعاً للعرض والطلب‪ ،‬ولكن نحن نتكلم عن‬ ‫كميات مواد بسيطة جداً ال تتجاوز عرشات الكيلو‬ ‫غرامات من املواد األساسية”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وذكر فادي محمد أن ‪ 240‬شخصا لقوا حتفهم‬ ‫ألسباب تتعلق بالحصار‪ ،‬يف حني توجد ثالثني‬ ‫حالة مرضية حرجة تستوجب إخراجها من املدينة‬ ‫بأقىص رسعة‪.‬‬ ‫وعمدت قوات النظام السوري إىل فصل مدينة‬ ‫معضمية الشام عن مدينة داريا املحارصة‪ ،‬التي‬ ‫كانت تعترب املعرب اإلنساين الوحيد ألهايل داريا‪،‬‬ ‫حيث كان املدنيون يجلبون بعض املواد الغذائية‬ ‫البسيطة رغم صعوبة الطريق الواصل بينهام‬ ‫بسبب استهدافها من قبل القناصة‪.‬‬ ‫وأشار أحمد حلمي أن الحملة أعدت مقاطع فيديو‬ ‫وصور فوتوغرافية ترصد معاناة املدنيني والدمار‬ ‫الذي طال املدينة‪ .‬وقال‪“ :‬ستنرش هذه األنشطة‬ ‫وغريها عىل صفحة املجلس املحيل ملدينة داريا‪،‬‬ ‫إضافة إىل توزيع انفوغرافيك يوضح عدد الرباميل‬ ‫املتفجرة وبروشورات تسلط الضوء عىل داريا”‪.‬‬

‫وبحسب بروشور يظهر أن عدد الرباميل‬ ‫املتفجرة التي أسقطتها الطائرات الحربية التابعة‬ ‫للنظام السوري عىل داريا بلغت ‪ 5260‬لتاريخ‬ ‫‪ .31/12/2016‬حيث تعرضت املدينة للقصف بـ‬ ‫‪ 765‬برمي ًال متفجراً يف شهر كانون الثاين‪/‬يناير من‬ ‫العام الجاري وحده‪ ،‬يف حني أسقط ‪ 839‬برمي ًال‬ ‫يف شهر شباط‪/‬فرباير املايض‪ .‬ونالت املدينة ‪748‬‬ ‫برمي ًال يف شهر حزيران‪/‬يونيو املايض‪.‬‬ ‫وعند التجول يف شوارع البلدة تبدو مظاهر الدمار‬ ‫التي ح ّلت بها واضحة جراء املعارك العنيفة؛ حيث‬ ‫ميكن رؤية بعض املنازل التي أصبحت أثراً بعد‬ ‫عني ومل يتبق منها سوى األطالل‪ .‬أما التي نجت‬ ‫من القصف‪ ،‬فلم تسلم أبوابها ونوافذها من ضغط‬ ‫انفجارات الرباميل املتفجرة باملناطق املحيطة بها‪.‬‬ ‫وأعترب فادي محمد أن النظام السوري فعلياً‬ ‫يقتحم داريا بشكل مستمر منذ خرق اتفاقية‬ ‫وقف العمليات القتالية مؤخراً‪ ،‬وقال‪“ :‬عملياته‬ ‫العسكرية مستمرة عىل األرض يف املنطقة الجنوبية‬ ‫والغربية من املدينة‪ ،‬والتي تهدف للسيطرة عىل‬ ‫األرايض الزراعية مع بداية موسم حصاد القمح‬ ‫والشعري وبالتايل الهدف هو حرمان املدنيني منها”‪،‬‬ ‫منوهاً‪“ :‬يعمل النظام عىل تضييق الخناق بشكل‬ ‫أكرب عىل املدنيني املحارصين‪ ،‬واستثمر الصمت‬ ‫الدويل غري املرب ّر من الجهات الراعية لهدنة وقف‬ ‫األعامل العدائية”‪.‬‬ ‫يذكر أن مدينة داريا كربى بلدات غوطة دمشق‬ ‫الغربية وتقع عىل بعد مثانية كيلومرتات إىل‬ ‫الغرب من دمشق‪ .‬تم حصارها منذ تاريخ‬ ‫‪ 22/11/2012‬سجلت حضوراً مبكراً منذ اندالع‬ ‫حركة االحتجاجات السلمية يف ربيع عام ‪،2011‬‬ ‫ض ّد نظام الرئيس السوري بشار األسد‪.‬‬


‫الغوطة الشرقية ‪ ..‬السيناريو المنتظر‬

‫‪7‬‬

‫أبو القاسم السوري‬

‫العدد ‪- 73 -‬‬

‫مضا ّد الدروع (التاو) إال جبهات الريف الدمشقي!‬

‫طبعاً عملية اإلخضاع السيايس ملنطقة ال تكون‬ ‫فقط بفرض هدنة عليها‪ ،‬وإمنا يرافقها عدة‬ ‫إجراءات متالحقة‪ ،‬لعل أهمها هو إخراج كوادر‬ ‫الثورة األساسيني من خالل فتح ممرات آمنة لهم‬ ‫تحت يافطة (رشاء الطريق) نحو مناطق آمنة‬ ‫(تركيا‪ ،‬األردن وغريهام)‪ ،‬ومع‬ ‫مرور الوقت تصبح هذه املناطق‬ ‫عدمية اللون السيايس‪ .‬مثال عىل‬ ‫ذلك مناطق عديدة مهادنة مثل‬ ‫التل‪ ،‬برزة‪ ،‬املعضمية‪ .‬وطبعاً‬ ‫النظام يدرك بنية السيناريو‬ ‫املرسوم وخطوطه العامة‪ ،‬وال‬ ‫يعني ذلك بأنه موافق عليه‬ ‫بالكامل‪ ،‬وإمنا هو يعمل ضمن‬ ‫املمكن وضمن مبدأ االستفادة‬ ‫من كل يشء متاح بحده األقىص‪.‬‬ ‫فتهدئة األوضاع يف مناطق‬

‫‪2016 / 7 / 19‬‬

‫خارج الغوطة‪ ،‬ومثال عىل ذلك كل جبهات سورية تحوي‬

‫مقاالت‬

‫إن املتابع لتطورات أحداث الثورة السورية خالل‬ ‫الخمس سنوات السابقة‪ ،‬ال ب ّد أن يستوقفه متايز‬ ‫ومرارة التجربة السورية مقارنة بتجارب الثورات‬ ‫يف البلدان العربية األخرى‪ .‬طبعاً هذا التاميز هو‬ ‫نتاج طبيعي لتاميز الخصائص السورية مقارنة‬ ‫بباقي بلدان الربيع العريب‪ .‬ولعل أهم محددات‬ ‫هذا التاميز هو املوقع الجغرايف لسورية؛ حيث‬ ‫يكون اإلقليم السوري موقع تصادم لعدة مشاريع‬ ‫جيوبولتيكية إقليمية ودولية‪ .‬ولعل أهم محاور‬ ‫التصادم اإلقليمي هي (اإلرسائييل ‪ -‬اإليراين ‪-‬‬ ‫الرتيك ‪ -‬ولعله من مسافة أبعد‪ :‬السعودي)‪ .‬أما‬ ‫عىل املستوى الدويل فالتنافس الجيوبولتييك عىل‬ ‫املنطقة شبه محسوم‪.‬‬ ‫هذا الوقع أدركه وفهمه النظام‪ ،‬مام ساعده عىل‬ ‫الجنوح لإلجرام والقتل ألقىص درجة‪ ،‬يف محاولة‬ ‫لوأد الثورة‪ .‬ألنه يدرك حقيقة وجود العب أو أكرث‬ ‫سيكون واقفاً ض ّد محاولة تغري الواقع السوري؛‬ ‫خاصة بأنه ال يوجد منوذج ميكن أن يتفق عليه‬ ‫الجميع‪ .‬وطبعاً هذا الواقع مل يساعد فقط يف‬ ‫املحافظة عىل النظام‪ ،‬بل أيضاً ساهم يف عملية‬ ‫رشذمة للمعارضة عىل شكل فصائيل مقيت كل‬ ‫حسب الدولة أو الجهة الداعمة له‪ .‬وطبعاً بقي‬ ‫املايسرتو األمرييك يراقب املوضوع ويتدخل‬ ‫بالحدود الدنيا‪ ،‬العتقاده بأن الوضع يف سورية هو‬ ‫مغناطيس يجذب كل من يجب أن ُتحطم مشاريعه‬ ‫يف املنطقة‪ ..‬طبعاً ما عدا (إرسائيل)‪ ،‬باإلضافة إىل أن‬ ‫الوضع يف سورية كان مغناطيساً للتخلص من كل‬ ‫األفراد الذين ميكن أن يشكلوا إزعاجاً للمجتمعات‬ ‫الغربية‪ .‬لذلك كان الوضع يف سورية بالنسبة‬ ‫ألمريكا وضعاً مشتع ًال ولكنه يحقق أهدافاً مربحة‪.‬‬ ‫ولكن هذه الحالة مل يكتب لها االستمرارية؛‬ ‫فالتطورات التي واكبت اشتعال النريان يف سورية‪،‬‬ ‫ولعل أهمها موجات الهجرة نحو بلدان أوروبا‪،‬‬ ‫وظهور داعش‪ ،‬وضعت أمريكا تحت ضغط البحث‬ ‫عن مخرج لهذا الوضع‪ .‬ولكن الواليات املتحدة‬ ‫رصحت‬ ‫األمريكية كانت أمام معضلة؛ وهي أنها ّ‬ ‫علناً بفقدان النظام لرشعيته‪ ،‬ولكنها يف نفس‬ ‫تسع‬ ‫الوقت مل تقتنع بأي بديل تنتجه الثورة‪ ،‬ومل َ‬ ‫إليجاد بديل‪ ،‬وهو ما فهمته روسيا‪ ،‬وقد ساعدها‬ ‫هذا الفهم عىل اتخاذها قرار تدخلها بسورية‪،‬‬ ‫ولكن كان عىل روسيا أن تقنع أمريكا والبلدان‬ ‫األوروبية مبرشوعها لسورية‪ ،‬وقد وجدت روسيا‬

‫ضالتها باملرشوع األمرييك‪-‬األورويب الذي ُيطرح‬ ‫دامئاً لسورية؛ وهو مرشوع التقسيم ولكن بنكهة‬ ‫مختلفة؛ فمرشوع التقسيم الغريب هو عىل أساس‬ ‫طائفي‪ ،‬أما مرشوع التقسيم الرويس فعىل أساس‬ ‫سيايس؛ (مناطق ذات لون سيايس واحد‪ :‬معارضة أو‬ ‫نظام)‪ ،‬وهو ما تلقفته أمريكا برحابة صدر‪ ،‬وبدأت‬ ‫طرح مناذج سياسية‪-‬إدارية تسويقية له‪ ،‬مثل‬ ‫موضوع طرح الفيدرالية‪ ،‬باإلضافة إىل دعم قوات‬ ‫تسعى إىل السيطرة عىل مناطق معينة وإنشاء‬ ‫أنواع من الحكم الذايت‪ ،‬مثل دعم قوات سورية‬ ‫الدميوقراطية‪ ،‬وقوات محسوبة عىل الجربا‪ ،‬وقوات‬ ‫جيش سورية الجديد‪ ،‬وذلك لفرض هذا األمر‪.‬‬ ‫طبعاً هذا السيناريو يقف يف وجهه عقبات عدة؛‬ ‫لعل أهمها مناطق النفوذ ألحد الطرفني يف منطقة‬ ‫يسيطر عليها الطرف اآلخر بشكل كبري‪ ،‬مثل عدة‬ ‫مناطق يف ريف دمشق وقعت هدناً مضافاً لها داريا‬ ‫والغوطة الرشقية‪ ،‬ولذلك فالسيناريو األكرث ترجيحاً‬ ‫هو استمرار الضغط عىل هذه املناطق لدفعها‬ ‫باتجاه الخضوع لهذا السيناريو‪ ،‬ويبدو أن الدول‬ ‫اإلقليمية الداعمة للثورة أدركت هذا األمر؛ فالناظر‬ ‫اليوم للمعادلة العسكرية يف الغوطة الرشقية مث ًال‬ ‫يجد اختالالً واضحاً‪ ،‬ليس فقط بني النظام وقوات‬ ‫الثورة‪ ،‬بل بني فصائل الغوطة وباقي الفصائل يف‬

‫سيطرة النظام تساعده عىل تثبيت أركان حكمه‪،‬‬ ‫ولكن طموحات النظام يف إعادة سيطرته عىل كامل‬ ‫سورية مل تغب أبداً‪ ،‬وهو ما رصح به أكرث من مرة‬ ‫رأس النظام بشار األسد‪ ،‬وقد تلقى تأنيباً من الدول‬ ‫الداعمة له قبل غريها عىل هذه الترصيحات‪ .‬لذلك‬ ‫سيسعى النظام الستغالل الفرصة واقتناص لحظة‬ ‫ما لفرض نفسه عىل هذه املناطق بعد أن تكون‬ ‫قد ضعفت ألقىص ح ّد ممكن‪ ،‬ألنه يدرك أن مفتاح‬ ‫عودته للسيطرة عىل كامل سورية يكون بسيطرته‬ ‫الكاملة عىل دمشق وريفها‪ ،‬ويف تلك املرحلة لن‬ ‫تستطيع الدول الرئيسية َ‬ ‫فعل يشء ألنها ستكون‬ ‫منزوعة األذرع الفعلية من هذه املناطق‪.‬‬ ‫أمام هذا الواقع يبدو أننا يف الغوطة متجهني‬ ‫نحو سيناريوهات مظلمة أحالها م ّر‪ ،‬ويبقى‬ ‫السؤال‪ :‬هل نستطيع تغيري هذا الواقع؟ الجواب‬ ‫وبكل رصاحة‪ :‬ال نستطيع! ألننا نعاين من أمراض‬ ‫اسرتاتيجية بنيوية يف الثورة ستمنع أي خطوات‬ ‫إلحداث توازن قوى جديد يقلب الطاولة‪ .‬وإن‬ ‫أي طرح سيواجه دامئاً من قبل أطراف بالتخوين‬ ‫والتشهري والشك‪.‬‬ ‫ويك ال تكون الصورة املرسومة سوداوية بالكامل‪،‬‬ ‫فيمكن القول إن ّ‬ ‫الحل هو تهشيم البنى الحالية‬ ‫بالكامل وخلق بنى سياسية وعسكرية جديدة‬ ‫مبنية عىل قاعدة مرشوع وطني قائم عىل أساس‬ ‫مصلحي‪ ،‬هدفه الحفاظ عىل القوى املوجودة‬ ‫حالياً يف وجه خطر محدق بها‪ ،‬وهو خطر متكن‬ ‫النظام منها‪ .‬هذا الكالم يستلزم أوالً تجاوز املشاريع‬ ‫الفصائلية املبنية عىل توجهات ُمعتقدية مختلفة‪،‬‬ ‫وثانياً إعادة طرح خطاب سيايس متوازن‪ ،‬واالبتعاد‬ ‫عن الخطاب الديني وخاصة املتشدد منه‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫الســوريون إذ تعاطفوا مع‬ ‫الديمقراطيــة ال “أردوغانها”‬ ‫نبيل شوفان‬

‫العدد ‪2016 / 7 / 19 - 73 -‬‬

‫مقاالت‬

‫“استثنائياً” ويف منطقتنا وأخرياً فشل السالح‬ ‫وفشل العسكر‪ ،‬فالحمد لرب الساموات والحمد‬ ‫للمؤسسات والحمد للدولة العميقة والحمد‬ ‫لصوت الشعب‪ ،‬أن انقالب فئة من الجيش الرتيك‬ ‫مل يصمد بوجه الصندوق وإرادة الشعب‪ .‬املنتخب‬ ‫طلب من الناخب أن يحمي صوته‪ ،‬فلبى الناخب‬ ‫صوته ليس إال‪ ،‬ووقفت املؤسسات بإرادتها مع‬ ‫الدميقراطية كام فعلت املخابرات الرتكية والرشطة‬ ‫والربملان والجزء األكرب من املؤسسة العسكرية‪.‬‬ ‫إن تركيا بشكلها الحايل اقتصادياً واجتامعيا‪ً،‬‬ ‫وكنظام حكم علامين يحمي األقليات ويريض‬ ‫الشعب املسلم يف وقت واحد‪ ،‬مثال يحتذى به‬ ‫إلنقاذ ما تبقى من منطقتنا التي تتآكلها األيام‬ ‫والحروب والتطرف والديكتاتوريات املقيتة‪ ،‬بدءاً‬ ‫من األسد ومروراً بداعش وأحزاب صالح مسلم‬ ‫والحكومة العراقية الفاشلة والعسكر يف مرص‬ ‫وليس انتهاء بالسعودية كنظام ديكتاتوري ميانع‬ ‫أي تطور من املمكن أن يطرأ عىل املجتمع املسلم؛‬ ‫كتفسري النص واألنظمة االقتصادية الحديثة‬ ‫واالنتخابات الدميقراطية‪ ..‬وهذه املامنعة هي‬ ‫خوف عىل السلطة وال يشء غري السلطة‪.‬‬ ‫ورغم أن العلامنيني الحقيقيني والليرباليني السوريني‬ ‫املعارضني أدانوا االنقالب مبعظمهم‪ ،‬لكن الالفت‬ ‫أيضاً أن بعض مدعي العلامنية من “املعارضني‬ ‫طبعاً” فرحوا بأخبار االنقالب‪ ،‬ومتنوا له النجاح؛‬ ‫ال بل شتم أحدهم الدميقراطية ومعها اإلسالم‬ ‫عىل صفحته يف فيسبوك‪ ،‬مطالباً بإعدام أردوغان‬ ‫بحجة أن اإلسالم والدميقراطية ال يجتمعان‪ ،‬ولنا‬ ‫أن نجزم بــ”السطحية” التي يعاين منها هؤالء‬ ‫“املتعوملون” الذين صاروا مكشوفني بأمراضهم‬ ‫وعقدهم وحقدهم عىل أنفسهم وعىل الشعوب‬ ‫التي ال ذنب لها يف أنها ُج ّهلت عن عمد من قبل‬ ‫الديكتاتوريات العربية‪ ،‬وبدل البحث عن طرائق‬ ‫وأدوات لتوعية شعوبنا‪ ،‬أصبحت تحتل أبراجها‬ ‫العالية يف “فيسبوك” وتشتم “الشعب الجاهل”‬ ‫وتتمنى له الفناء وتسب ديانته‪ ،‬ثم تخربه أن‬ ‫ال مهرب لهم من النصوص القرآنية التي ترصح‬ ‫بالتحريض عىل القتل‪.‬‬

‫يحقد هؤالء املرىض عىل تركيا ألنها نجحت‬ ‫دون القضاء عىل الشعب املسلم‪ -‬يف تجربتها‬‫الدميقراطية‪ ،‬يحقدون عليها وعىل شعبها وجوامعها‬ ‫ألن املآذن نادت بالحفاظ عىل دميقراطية الدولة‪.‬‬ ‫هؤالء ال يختلفون عن عبدة األسد‪ ،‬ال يختلفون عن‬ ‫أدونيس‪ ،‬ال يختلفون عن هتلر؛ ألنهم يعتقدون‬ ‫أنفسهم نخباً صافية ال مثيل لها‪ ،‬وأن عىل العامة‬ ‫اتباعها بالحذافري‪ ،‬ولو أن واحداً منهم وصل إىل‬ ‫الحكم ملا اختلف كثرياً عن بشار األسد الذي يدعي‬ ‫العلامنية‪ ،‬ثم يستعني بزعران األرض لتحويل ثورة‬ ‫الدميقراطية إىل حرب دينية وطائفية‪.‬‬ ‫املبادئ ال تتجزأ‪ ،‬وسنبقى ندينك أيها املثقف‬ ‫النخبوي ألنك قلت فلتذهب الدميقراطية اإلسالمية‬ ‫إىل الجحيم‪ ،‬ألنه ال ميكن أن نسقط كالمك عىل‬ ‫الواقع إال بدميقراطية مع إبادة املسلمني‪ ،‬أو‬ ‫مبسلمني يحكمهم العسكر ويزيد تطرفهم‪ ،‬اإلسالم‬ ‫الرشق أوسطي له تجربة ناجحة بإعادة إنتاج‬ ‫اإلسالم البدايئ الذي وصل من الجزيرة العربية‬ ‫ليكون ديناً مقبوالً يف الغرب والرشق‪ ،‬وغامر‬ ‫واجتهد يف إعادة تفسري نصوصه‪ ،‬هذا إىل ما قبل‬ ‫الديكتاتوريات التي أوقفت كل يشء له عالقة‬ ‫بالعلم‪ ،‬بل عادت بنا إىل مربع اإلسالم األول حيث‬ ‫االنفصام الكبري بني الواقع وبني املسلم‪.‬‬ ‫يقول هؤالء الذين أيدوا االنقالب إن الحل يف تركيا‬ ‫هو العلامنية‪ .‬ومن هنا نستنتج جهلهم بنظام‬ ‫الحكم الرتيك القائم بالدرجة األوىل عىل العلامنية‪.‬‬ ‫مصدر الصورة انرت نت‬

‫لكننا نحمل لهؤالء باسم الشعب الذي يتهمونه‬ ‫بالجهل رسالته البسيطة التي يكررها دامئاً؛ وهي‬ ‫موجهة خصوصاً إىل من شتم الدميقراطية وشتم‬ ‫مؤيديها من كل األعراق واألديان‪ ،‬نقول إن كل‬ ‫حاكم يف لحظاته الصعبة يستعني بطرف يستمد‬ ‫رشعيته منه وقس عىل ذلك‪ ،‬فبينام استعان الرئيس‬ ‫الرتيك بشعبه عىل دبابات الجيش التي حاولت‬ ‫القضاء عىل الدميقراطية الرتكية إىل األبد‪ ،‬استعان‬ ‫بشار األسد بالدبابات لتحميه من دميقراطية‬ ‫يطالب بها شعبه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كل ما سبق كان حديثا عن نخب معارضة للنظام‪،‬‬ ‫وللمؤيدين قصص أخرى خالل تداعيات االنقالب‬ ‫ال تستأهل الخوض فيها كثرياً‪ ،‬فأحسنهم كتب‬ ‫متمنياً ألردوغان اإلعدام رغم أنه يؤيد أحمقاً قتل‬ ‫عُ َ‬ ‫رش شعبه مع ابتسامة‪ ،‬بينا املدعو أردوغان رجل‬ ‫سوي ومل يقتل مواطناً تركياً واحداً‪ ،‬وال يبتسم أثناء‬ ‫األحداث الجلل‪.‬‬ ‫أما لو أن االنقالب نجح لكانت ثورة السوريني‬ ‫اليوم يف “خرب كان” عىل املستوى العسكري‬ ‫والسيايس‪ ،‬ولتم تحويلها بالكامل إىل حركة إرهابية‪،‬‬ ‫واختصارها وتقزميها كام يريد األسد وروسيا‬ ‫وأمريكا‪ ،‬ولكان مصري مليوين سوري يعيشون يف‬ ‫تركيا معززين مكرمني بثورتهم عىل شفا االعتقال‬ ‫أو الذبح أو التسفري أو الرضب عىل أقل تقدير‪ ،‬لذا‬ ‫فالحمد لله ثم للمؤسسات ثم للدولة العميقة ثم‬ ‫للشعب والصناديق‪.‬‬


‫سوسن جميل حسن تكتب عن‬

‫ً‬ ‫قابضا‬ ‫ياســين رفاعية الذي رحل‬ ‫علــى جمر فواجعه‬

‫‪9‬‬

‫خــاص – طلعنا عالحرية‬ ‫التي عاش فيها أكرث من أربعني عاماً‪“ :‬بعد بدايات خانقة‬ ‫يف سوريا”‪ ،‬ويقول إن طبيبه نصحه بالهروب إىل الكتابة‬ ‫يك يتحدى الجنون؛ الكتابة التي متنحه واقعاً بدي ًال عن‬

‫والقاص والروايئ السوري ياسني رفاعية (ولد يف دمشق‬

‫عام ‪ – 1934‬تويف يف بريوت يف ‪ 23‬أيار ‪.)2016‬‬ ‫رفاعية الذي حفر اسمه بيديه وجهده وعذابات‬ ‫الروح ليصبح واحداً من أبرز الكتّاب يف سوريا‬ ‫والوطن العريب‪ .‬هو الذي ذهب يف الكثري من‬ ‫كتاباته يف هتك العتامت التي يحفل بها املجتمع‬ ‫السوري ونظريه اللبناين‪ ،‬والذي تنطوي الحكاية‬ ‫يف أعامله األوىل –كام يقول النقاد‪ -‬عىل واقعية‬ ‫خشنة تنبئ عن عزلة الكائن البرشي وبؤسه‬ ‫وعذاباته‪ .‬فيام ترتكز أهميته الروائية –بحسب‬ ‫الروايئ نبيل سليامن‪ -‬يف رواياته السريية والتي‬ ‫هي يف غالبيتها من املدونة الروائية للحرب‬ ‫اللبنانية؛ حيث يرسد يف معظمها فصوالً من سرية‬ ‫حياته وتدوين رحلة شقاء العمر‪..‬‬ ‫طلعنا عالحرية‪ ،‬وتكرمياً للدمشقي العتيق‬ ‫صاحب “ياسمني”‪ ،‬تنرش مبناسبة أربعينيته شهادة‬ ‫للروائية سوسن جميل حسن عن سريته وأدبه‪،‬‬ ‫هذا نصها‪..‬‬

‫مقاالت‬

‫كلام فارقنا عزيز أو شخصية مؤثرة يف الحياة‬ ‫العامة أو الثقافية‪ ،‬مع حزننا الكبري عىل فقده‪،‬‬ ‫نرتحم عليه ونهمس يف رسنا‪ :‬رمبا الرحمة الكربى‬ ‫ّ‬ ‫أنه غادر إىل حيث الصمت والنسيان املطلق‪ ،‬إىل‬ ‫حيث ال يرى ويسمع ويكون شاهداً عىل اغتصاب‬ ‫بالده والتنكيل بأهله وشعبه‪ .‬رمبا ارتاح من بكاء‬ ‫حارق للصدور واملآقي عىل سورية‪ ،‬أمام عجزنا‬ ‫عن مساعدتها‪.‬‬ ‫هو صاحب تجربة إنسانية غنية بقدر مرارتها‪،‬‬ ‫وابن “ياسمني” دمشق‪ ،‬يقول إنه جاء إىل لبنان‬

‫‪2016 / 7 / 19‬‬

‫متر هذه األيام الذكرى األربعني لرحيل الشاعر‬

‫ال يهم ماذا عمل وما هي املناصب التي شغلها أو األعامل‬ ‫التي اشتغل بها‪ ،‬املهم ما ترك خلفه من أعامل إبداعية‬ ‫تقارب الثالثني بني قصة وشعر ورواية‪.‬‬ ‫ياسني رفاعية الذي تتضمخ أعامله بحزن شفيف يفوح‬ ‫عطراً خفياً من بني الكلامت‪ .‬يربره كام قال يف أكرث من‬ ‫لقاء وحوار بأنه نابع من حياته الشخصية‪ .‬فقد عاش يف‬ ‫عائلة فقرية‪ ،‬واضطر أن ميارس عدة مهن‪ ،‬بينها عامل يف‬ ‫رشكة نسيج وصانع أحذية وبائع كعك يف الطريق‪ ،‬لكن‬ ‫قراءات الكاتب الكثرية ّمنت لديه موهبة الكتابة وشجعته‬ ‫عليها‪ .‬ولقد استثمر تجاربه الحياتية الغنية والعميقة يف‬ ‫أعامل إبداعية متنوعة‪.‬‬ ‫رحل صاحب “دماء باأللوان” وبالده تغرق بدمائها‪ ،‬رحل‬ ‫وهو يرى “الحزن يف كل مكان”‪ ،‬وكان “العامل يغرق” يف‬ ‫لجة بال ضمري بينام السوريون يغرقون يف البحار مثل‬ ‫“العصافري تبحث عن وطن”‪ ،‬وأذرع األطفال تصارع‬ ‫األمواج وتحلم بـ”الورود الصغرية”‪ .‬رحل صاحب “نهر‬

‫العدد ‪- 73 -‬‬

‫واقع مرتع باألوجاع والخيبات والفقد‪ ،‬فقد ابنته الشابة وفقد‬ ‫زوجته قبلها‪ .‬فهل عالجت الكتابة أوجاع روحه املتعبة؟‬

‫الحنان” قابضاً عىل جمر فواجعه بعد أن فقد االبنة‬ ‫الحبيبة‪ ،‬وفقد الزوجة التي مل تكن “امرأة غامضة” يف‬ ‫حياته‪ ،‬كانت رفيقته وسلواه‪.‬‬ ‫ترى هل كان يفكر يف صمته بـ”رفاق سبقوا”؟ هو الذي‬ ‫طلب السلوى بالنسيان‪ ،‬ومتسك بالذاكرة يك يبدع؟ قال‬ ‫له طبيبه عليك بالكتابة‪ ،‬وهل كان ياسني رفاعية يستطيع‬ ‫العيش خارج الكتابة؟ كانت ذاته الحقيقية التي يخترص‬ ‫فيتوحد مع آالمه وأحزانه‬ ‫املسافة بينه وبينها ح ّد اال ّمحاء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وأحالمه ويكتب لنقرأ‪ ،‬غادر من كتب “الرجال الخطرون”‬ ‫ياسني رفاعية الذي ترك دمشق واستقر يف بريوت منذ‬ ‫أربعني عاماً‪ ،‬أحب دمشق مدينته التي فيها ولد وعاش‬ ‫تجاربه الحياتية القاسية “حب شديد اللهجة” ورمبا لها‬ ‫قال “كل لقاء بك وداع”‪ .‬وكانت بريوت التي قال عنها‬ ‫“كنت أشعر باألمان املطلق‪ .‬يحبونني ويحرتمونني‬ ‫وكل دور النرش تقبل كتبي‪ .‬كام أنني مارست الصحافة‬ ‫فيها”‪ ،‬كتب “رأس بريوت” (‪ )1992‬وعاش لريى املدينة‬ ‫التي أحب غارقة بالنفايات واألزمات‪ ،‬يراها “عىل كف‬ ‫عفريت” كام رصح ذات لقاء‪.‬‬ ‫ياسني رفاعية خسارة ثقافية ووطنية وإنسانية‪ ،‬صاحب‬ ‫الحزن الشفيف يغادرنا ومعه “أرسار الرنجس”‪ .‬وهذا‬ ‫بعض من عناوينه الشاعرية والشعرية‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫فلورنس غزالن‪ :‬أسعى حسب قدرتي ألستحق‬ ‫أن أكون سورية مثل نساء بلدي العظيمات‬ ‫ضحى عاشور‬

‫العدد ‪2016 / 7 / 19 - 73 -‬‬

‫فلورانس غزالن‪ ,‬امرأة من بلدي‪ ,‬انخرطت مبكراً يف‬ ‫العمل السيايس الذي ّ‬ ‫اضطرها إىل مغادرة سوريا عام‬ ‫‪ ,1984‬لكنها بقيت تعمل من خارج سوريا ألجل سوريا‬ ‫دميقراطية حرة‪ .‬فلورانس مشاركة نشيطة يف الفعاليات‬ ‫املرتبطة بالقضية السورية‪ ,‬ولها العديد من الكتابات‬ ‫يف “الحوار املتمدن” وغريه‪ ,‬باإلضافة إىل مشاركاتها‬ ‫التلفزيونية التي تحاول عرب إجادتها اللغة الفرنسية‬ ‫تقديم حقيقة ما يجري إىل ذلك اآلخر املختلف عن‬ ‫السوريني‪.‬‬

‫‪ - 1‬أنت من أوائل املعارضني السياسيني الذين‬ ‫لجؤوا إىل فرنسا منذ ‪ ,1984‬ملاذا ابتعدت عن‬ ‫العمل السيايس املبارش واخرتت العمل اإلغايث‬ ‫مبسؤولياته اليوم ّيه املتعبة واملؤملة؟‬ ‫*‪ -‬العمل السيايس املؤدلج مل يعد له مكان يف واقعنا‬ ‫املؤمل واملستعيص حالياً‪ ،‬وقد أثبتت األحزاب التقليدية‬ ‫التي ما زالت “ح ّية” عجزها عن لعب دور أسايس‬ ‫فاعل‪ ،‬مشارك‪ ،‬أو مستقطب لشباب الثورة أو مؤثر يف‬ ‫أحداثها‪ ,‬ومل تربز أيا من تشكيالتها يف مقدمة صفوف‬ ‫الثوار ومل تستطع توجيههم! ولهذا أسباب عديدة‬ ‫المجال هنا لذكرها‪ .‬لهذا وجدت نفيس يف العمل‬ ‫التطوعي اإلنساين والوطني‪ ،‬الذي المييز بني سوري‬ ‫وآخر‪ ،‬فجميعهم يهرب من ويالت حرب طاحنة وموت‬ ‫يالحقه‪ .‬ويف هذا العمل واحة من املحبة والعطاء متنح‬ ‫النفس بعض الراحة وبصيص من األمل يستمده من‬ ‫عني الجيء يبحث عن يد متتد إليه بعد أن فقد كل يش‬ ‫يربطه بالحياة‪ ،‬هذه املسؤولية رغم متاعبها وضعف‬ ‫مردودها‪ ،‬لكنها رضورية وملحة للحفاظ عىل ما تبقى‬ ‫من حياة السوريني‪.‬‬

‫‪2‬ــ ماذا غ ّريت فرنسا يف شخصيتك وتكوينك‬ ‫وقناعاتك (سلباً أو إيجاباً)؟‬ ‫*‪ -‬يف فرنسا أحسست أين امرأة متتلك قراراتها‪ ،‬أكرث ثقة‬ ‫بنفسها‪ ،‬متارس قناعاتها بال خوف أو قيود اجتامعية‪،‬‬ ‫ودون رقيب أمني‪ .‬تقول رأيها برصاحة دون مواربة‬ ‫أو مجاملة‪ ،‬تعيش بال أقنعة‪ ،‬ملست الحرية الفردية‬ ‫والعامة بشكلها السليم الخايل من الشوائب أو‬ ‫القوالب الجامدة التي متنع عىل جلدي التنفس‪ ،‬مل‬ ‫يعد للخوف أي دور يف حيايت‪ ،‬اللهم إال الخوف عىل‬ ‫مستقبل وطني‪.‬‬

‫‪3‬ــ أنت رئيسة منتخبة لجميعة “روفيفر”‬ ‫ملساعدة الالجئني السوريني يف فرنسا وخارجها‪،‬‬ ‫ما نوع الخدمات التي تقدمها الجمعية؟ وكيف‬ ‫وصلت إىل رئاستها؟‬ ‫*‪“ -‬روفيفر” جمعية فرانكوــ سورية‪ ،‬أنشئت عام‬

‫املجتمع الفرنيس‪ ،‬وألول مرة أرى الفرنيس العادي راكباً‬ ‫أم راج ًال يهرع ملوبايله يك يلتقط صور املظاهرة‪ ،‬يسأل‬ ‫عنها ويتعاطف معها ‪ ،‬ناهيك عام حققته من أصداء‬ ‫يف اإلعالم الفرنيس والعريب‪.‬‬

‫‪6‬ــ رغم مشاغلك الكثرية ومتاعبك الصحية‪ ،‬من‬ ‫أين تستمد كتاباتك ومواقفك حرارتها ومثابرتها؟‬

‫‪ 2004‬ملساعدة معتقيل الرأي السوريني الذين قضوا‬ ‫أعواماً طويلة يف سجون األسد األب وخرج ج ّلهم‬ ‫مصاباً بعاهات جسدية ونفسية‪ .‬لكن بعد انطالق‬ ‫الثورة اتسعت مجاالت عمل الجمعية لتطال الذين‬ ‫اضط ّروا لرتك منزلهم ووطنهم‪ ,‬خاصة القادمني إىل‬ ‫فرنسا‪ .‬نحاول مساعدة القادمني يف الحصول عىل‬ ‫اإلقامة والسكن واملدرسة‪ ،‬وتعلم اللغة وتوجيههم نحو‬ ‫تحصيل حقوقهم‪ ,‬وتذليل الصعوبات أمام اندماجهم‬ ‫يف املجتمع الجديد‪ ،‬ولهذه الغاية أقمنا مكتباً للمتابعة‬ ‫يفتح أبوابه لكل سوري ثالثة أيام يف األسبوع‪.‬‬

‫‪4‬ــ استطاع الالجئون السوريون يف فرنسا والذين‬ ‫يزداد عددهم بشكل ملحوظ تنظيم أنفسهم‬ ‫واالستفادة من فضاء الحريات املتاحة يف فرنسا‬ ‫للتعبري عن آرائهم وخدمة قضاياهم؟ هل لديك‬ ‫تصورات أو اقرتاحات عىل ضوء معرفتك وخربتك‬ ‫بالواقع الفرنيس؟‬ ‫*‪ -‬باعتقادي الزال الوقت مبكرا للحديث عن نتائج‬ ‫ملموسة وكبرية بالنسبة لالجئ السوري حديث العهد‪،‬‬ ‫أ ّما من م ّر عليه أكرث من عام ‪ ،‬فقد بدأت تلوح تباشري‬ ‫الخري واالنفتاح وإن بشكل فردي‪ ،‬فهناك الكثري من‬ ‫الوجوه الشابة التي بدأت تنخرط بالعمل والتحصيل‬ ‫العلمي‪ ،‬وتنشط يف الدفاع عن وطنها وحقه يف الحرية‬ ‫والحياة‪ ،‬وهناك نجاحات وافرة تنترش يف كل مكان‬ ‫وتربز إبداعاتها يف العلم والفن وغريه‪ ،‬ألنها وجدت‬ ‫الحرية التي حرمت منها لتعرب من خاللها عن نفسها‬ ‫وعن أحالمها‪.‬‬

‫‪5‬ــ مبناسبة مظاهرة ‪ 11‬حزيزان الخاصة “‬ ‫باملعتقلني أو ًال” التي جرت يف باريس‪ ،‬كتبت‪:‬‬ ‫“سأيت ولو زحفاً” وشاركت فيها رغم متاعبك‬ ‫الصحية‪ ،‬ما هي األهمية املميزة لهذه املظاهرة؟‬ ‫وما هي أصداؤها وفق تقديرك؟‬ ‫*‪ -‬الحل‪ ,‬وال حرية‪ ,‬وال أمان لسوريا مادام هناك معتقيل‬ ‫رأي‪ ،‬فبادرة حريتهم هي اللبنة األوىل يف مدماك الحل‬ ‫الحقيقي وإعادة اللحمة الوطنية لنسيجها الطبيعي‪.‬‬ ‫وقد نجحت املظاهرة بجدارة واستطاعت لفت انتباه‬

‫*‪ -‬متاعبي الصحية الميكنها مهام أعاقت حركتي أن‬ ‫متنعني عن الكتابة والعمل‪ ،‬رمبا تخفف أو تحد من‬ ‫تحسن ألظل عىل صلة بكل‬ ‫نشاطي‪ ،‬لكني أستغل أي ّ‬ ‫ماميت لإلنسان والوطن السوري‪.‬‬ ‫متنحني عائلتي الصغرية القوة واألمل بالدرجة األوىل‪,‬‬ ‫وأميل بأن يرى أحفادي ذات يوم سوريا حرة دميقراطية‬ ‫علامنية كام حلمت أنا وأمهاتهم بها‪ .‬وثانياً‪ :‬نساء‬ ‫وطني الصابرات العظيامت املنتظرات واملكافحات‬ ‫للحصول عىل لقمة غذاء ودواء ألطفالهن‪ ،‬واللوايت‬ ‫يفقدن أعزاء ويبقني واقفات‪.‬‬ ‫ما أفعله ال يذكر أمام معاناتهن وصربهن‪ ،‬لهذا أسعى‬ ‫حسب قدريت ألستحق أن أكون سورية مثلهن‪.‬‬

‫‪7‬ــ أنت امرأة تعيش يف بلد فيه الكثري من الحريات‬ ‫وحقوق اإلنسان‪ ،‬هل فع ًال تستحق الحرية كل‬ ‫التضحيات التي يبذلها الشعب السوري؟ مبعنى‬ ‫ما هل تلمسني الفارق بني منط حياتك وتفكريك‬ ‫وخياراتك وبني السوريني الواصلني حديثاً؟‬

‫*‪ -‬الحرية كلمة مقدسة تستحق أن نبذل من أجلها‬ ‫الغايل والنفيس والكثري من التضحيات والدماء‪ ،‬وخري‬ ‫مثال أمامنا الثورة الفرنسية‪ ،‬وقد أكلت أوالدها‪ .‬ونحن‬ ‫لسنا بأفضل حال ومازلنا مل نخرج إىل فضاء هذا الحلم‪،‬‬ ‫سيطول طريقنا ويتعرث‪ ،‬ورمبا لن يتاح يل أن أراه‪ ،‬لكن‬ ‫التاريخ ع َّلمنا أن الحق اليضيع وأن الظلم اليدوم‪ ،‬وأن‬ ‫الطغاة إىل زوال‪.‬‬ ‫أ ّما الفارق امللموس بني منط حيايت وتفكريي وخيارايت‬ ‫عن بعض السوريني القادمني حديثاً‪ ،‬فباعتقادي أن‬ ‫األمر اليتعدى كوين كنت مختلفة عنهم وأنا يف الوطن‬ ‫وقبل خروجي‪ ،‬فلم أكن يوماً تقليدية‪ ،‬ومل تغريين فرنسا‬ ‫كثريا بقدر ما أضافت وقدمت يل وفتحت أمامي سبل‬ ‫االطالع والتطور والتغري كذلك ومن اليتغري ويكتسب‬ ‫فهو ليس بإنسان‪ .‬رمبا بعض الالجئات مرتبكات‬ ‫ومنكرسات نتيجة املعاناة الرهيبة من جرائم االستبداد‬ ‫باإلضافة إىل تسلط العامل الديني الطاغي عىل مجتمع‬ ‫سوري أكتشفه غريباً عيل‪.‬‬ ‫برأيي أخرياً نحن أبناء سوريا سواء كنا يف الداخل أم‬ ‫يف الخارج‪ّ .‬‬ ‫لكل منا دوره‪ ،‬ولكل منا قدراته التي يجب‬ ‫تسخريها لصالح االنسان صانع الحرية والحياة‪.‬‬


‫زواج القاصرات السوريات‬ ‫إحدى ضرائب الحرب‬ ‫المحامية منى اسعد‬

‫ملساعدة أمها الثكىل وإخوتها األيتام‪ ،‬واملوافقة عىل الزواج من‬ ‫كهل يكربها بأربعني عاماً‪ ،‬مقابل مبلغ من املال ُدفع ألمها كمهر لها‪.‬‬ ‫مل تكن هذه الحالة فريدة من نوعها‪ ،‬إذ هناك آالف الحاالت‬ ‫املشابهة يف مخيامت اللجوء‪ ،‬سواء يف األردن أو لبنان أو تركيا‪،‬‬ ‫والتي تنترش فيها حاالت الزواج العريف‪ .‬عل ًام ّأن القانون الرتيك‬ ‫يرفض االعرتاف بزواج غري ُمث ّبت يف السجالت الرسم ّية‪.‬‬ ‫فيام يعترب القانون األردين‪ ،‬سن الزواج للفتاة هو ‪ ،18‬باستثناء‬ ‫حاالت جداً خاصة يرتك للقايض الرشعي تقديرها‪ ،‬كون هذه السن‬ ‫هي سن النضوج العقيل والجسدي والعاطفي‪ .‬وال يعرتف بصحة‬ ‫زواج القارصات‪ ،‬بخالف قانون األحوال الشخصية السوري‪ ،‬الذي‬ ‫يجيز زواج القارصات ويعتربه أمراً رشعياً رشيطة موافقة ويل األمر‪،‬‬ ‫واحتامل جسدي العروسني‪.‬‬ ‫وبالتايل ال ميكن تسجيل أغلب حاالت زواج القارصات يف مخيامت‬ ‫اللجوء يف السجالت الرسمية لتلك الدول‪ .‬األمر الذي اضطر كثرياً‬ ‫من العائالت‪ ،‬إىل القبول بهذا الشكل من الزواج املعروف بالزواج‬ ‫العريف مقابل تأكيد الزوج أنه سيسجل الزواج رسم ّياً فور وصوله‬ ‫إىل بلده‪ .‬لكن الزوج غالباً ال يفي بوعده‪ ،‬بل األسوأ أنه يغادر إىل‬ ‫بلده تاركاً الضحية لظرفها الذي يزداد سوءاً‪.‬‬ ‫يف هذا السياق تقول مسؤولة مكافحة اإلتجار بالبرش يف “منظمة‬ ‫الهجرة الدولية”‪ ،‬الدكتورة “أمرية محمد”‪( :‬إن مثل هذا الزواج هو‬ ‫عادة غطاء قانوين لالستغالل الجنيس‪ ،‬وهو قصري األجل‪ ،‬ميكن أال‬ ‫يدوم أكرث من ‪ 24‬ساعة)‪.‬‬ ‫يف حني اعترب املؤمتر الدويل لالتجار بالبرش‪ ،‬املنعقد يف فينيا ‪/‬شباط‬ ‫‪ّ ،/2014‬أن الزواج املبكر شكل من أشكال االتجار بالبرش‪ّ ،‬‬ ‫وأن‬ ‫هناك ‪ 14‬مليون طفلة متوت سنويا بسبب االغتصاب والزواج‬ ‫املبكر‪ ،‬األمر الذي يجعل الحديث عن الزواج املبكر للفتيات أمراً‬ ‫يتخطى حدود حرمان الفتاة من التعليم وتحقيق الذات ‪ ...‬الخ‪،‬‬ ‫إىل اعتباره أحد أشكال العبودية الحديثة‪ ،‬الهدف منه “املتعة‬ ‫الجنسية”‪.‬‬ ‫وميكننا التقدير ّأن الحصة األكرب يف الرقم السابق هي من نصيب‬ ‫القص‪ ،‬وبشكل خاص يف ظرف الفوىض التي تسم‬ ‫السوريات ّ‬ ‫الحالة السورية‪ ،‬إذ يتجاوز األمر حد “املتعة الجنسية”‪ ،‬بحيث‬

‫العدد ‪2016 / 7 / 19 - 73 -‬‬

‫خمس سنوات ونيف مضت عىل انطالقة‬ ‫“ثورة الكرامة”‪ ،‬خمس سنوات من القتل‬ ‫والدمار‪ ،‬االعتقال واالختفاء‪ ،‬التهجري والنزوح‪،‬‬ ‫حتى بات لكل عائلة سورية وجعها وحرستها‬ ‫الخاصتني‪ ،‬لكن رمبا يكون تقديم األهل‬ ‫أطفالهم قرابني لحياة أفضل عرب ما يسمى‬ ‫“الزواج”‪ ،‬هو األخطر واألش ّد أذى‪.‬‬ ‫فتحت وطأة الظروف االقتصادية واالجتامعية‬ ‫بالغة القسوة‪ ،‬التي تعيشها األرس السورية‬ ‫النازحة داخل سوريا وخارجها‪ ،‬حيث أودت‬ ‫الحرب مبعيل العائلة ومعظم شبابها ورجالها‬ ‫كام أودت مبمتلكاتها أيضاً‪ ،‬باتت الفتيات عبئاً‬ ‫يسعى األهل للتخلص منه عرب تزويجهن رغم‬ ‫حداثتهن “صغر أعامرهن”‪ ،‬خاصة مع انتشار‬ ‫الخوف من تعرضهنّ لالعتقال أو االختطاف‪،‬‬ ‫سواء من قبل قوات النظام أو من قبل‬ ‫الجامعات ا ُملس ّلحة املتطرفة‪.‬‬ ‫وهذا ما اعرتف به أحد أ ّمئة املساجد يف مدينة‬ ‫حلب بقوله‪ّ :‬‬ ‫“إن النساء األرامل يأتني إليه‪،‬‬ ‫ويطلنب منّه البحث عن عريس لبناتهن‪،‬‬ ‫بهدف التخفيف من مصاريف املعيشية‬ ‫بعدما خرسوا أزواجهن”‪ ،‬مستذكراً قصة‬ ‫سيدة “طلبت من عريس ابنتها أن يأخذها‬ ‫إىل بيته عىل الفور بعدما خرست منزلها يف‬ ‫حي األنصاري نتيجة برميل متفجر‪ ،‬ومل يعد‬ ‫لديها مكان تبيت فيه مع أوالدها”‪ .‬ويكون‬ ‫“املهر” غالباً مجرد حرب عىل ورق ُيكتب يف‬ ‫عقد الزواج‪ .‬وميكن للزوجة املطالبة به يف‬ ‫حال الطالق أوالوفاة‪.‬‬ ‫يف املقابل‪ ،‬فالقصص التي تروى عن معاناة‬ ‫األرس السورية‪ ،‬يف مخيامت اللجوء أكرث من‬ ‫أن تعد‪ ،‬بحيث دفعت بالكثري من العائالت‬ ‫إىل السعي للتخلص من بناتهن عرب ما يسمى‬ ‫“الزواج والسرتة”‪ ،‬وتقدميهن لطامع أو ثري‪،‬‬ ‫معظمهم متز ّوج أو متقدّم يف السن‪ ،‬مقابل‬ ‫ما ُيد َفع من مهر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كذلك دفعت هذه الظروف بالبنات أحيانا إىل‬ ‫التضحية بأنفسهن ملساعدة عائالتهن‪ ،‬فعبري‬ ‫مث ًال‪ ،‬ابنة الثالثة عرش ربيعاً‪ ،‬اضط ّرت للنزوح‬ ‫مع أمها وإخوتها األربعة إىل مخيامت اللجوء‬ ‫يف األردن بعد مقتل والدها وتهدم بيتهم‪،‬‬ ‫فهجرت الدراسة‪ ،‬وذاقت مع أمها وأخوتها ذل‬ ‫الفقر والحاجة‪ ،‬لذا قررت التضحية بنفسها‬

‫نجد أنفسنا أمام جرمية متارس يومياً تحت‬ ‫غطاء “الزواج”‪ ،‬فيام ترغم بعض من الضحايا‬ ‫الحقاً عىل مامرسة الدعارة‪ ،‬ويف حاالت ليست‬ ‫قليلة يجري بيع األطفال نتاج هذه العالقة‪،‬‬ ‫دون أن تتمكن الضحية من حامية نفسها أو‬ ‫مولودها‪.‬‬ ‫خطورة هذه الجرمية تكمن يف أنها تطال‬ ‫املجتمع والضحية معاً‪ .‬فهي من ناحية تك ّرس‬ ‫قي ًام غري أخالقية يقبلها املجتمع التقليدي‬ ‫ويربرها‪ ،‬ومن جهة أخرى تثري املخاوف من‬ ‫تكرار “املتاجرة” بالضحية عرب إعادة تزويجها‬ ‫بآخرين‪ ،‬أو إلزامها بالعمل يف “الدعارة”‪،‬‬ ‫مستغلني يف ذلك صغر سنها وتدين مستوى‬ ‫تعليمها وافتقارها للخربات واملعارف العملية‬ ‫التي تؤهلها إليجاد فرصة عمل حقيقة تعيل‬ ‫من خاللها نفسها وأرستها‪.‬‬ ‫عودة عىل البدء‪ ،‬ال بد من القول ّإن ظاهرة‬ ‫زواج القارصات السوريات يف مناطق النزوح‬ ‫ومخيامت اللجوء‪ ،‬هي إحدى تعبريات‬ ‫استمرار الحرب السورية طيلة هذه املدة‪،‬‬ ‫وتش ّعب أطراف الرصاع فيها‪ ،‬وإطالة أمد‬ ‫معاناة األرس السورية النازحة والالجئة‪،‬‬ ‫وخاصة تلك التي فقدت معيلها وممتلكاتها‪،‬‬ ‫بحيث باتت تبحث عن سند‪ ،‬أو أمان ألبنائها‬ ‫وبناتها‪ ،‬وهو األمر الذي جعلها توافق عىل‬ ‫هذا الشكل من الزواج‪.‬‬ ‫إال أن الواقع املعاش أكد مبا ال يدع مجاالً‬ ‫للشك‪ّ ،‬أن هذا الشكل من الزواج مل يحمل‬ ‫لفتياتنا السرت واألمان‪ ،‬بقدر ما كان يحمل‬ ‫لهن األزمات والجراح‪ ،‬حتى أنه ميكن القول‪،‬‬ ‫ّإن هذه الزيجات ح ّولت املرأة السورية من‬ ‫ضحية الحرب إىل ضحية االستعباد‪ ،‬وهي التي‬ ‫رفضت الظلم وتحدت الظامل‪ ،‬ال بد لها من‬ ‫رفض هذا الواقع‪ .‬وال بد لألهل من الكف عن‬ ‫املوافقة عىل تزويج بناتهن القارصات مهام‬ ‫كانت اإلغراءات‪ ،‬يف مقابل محاولة تعليمها‬ ‫وتشج ّيعها عىل العمل الرشيف مهام كان‬ ‫متواضعاً ومحدود األجر بدالً من االستسالم‬ ‫لزواج من هذه الشاكلة‪ .‬وال بد أيضاً من‬ ‫تحرك منظامت املجتمع املدين واملنظامت‬ ‫الحقوقية واإلنسانية‪ ،‬باإلضافة إىل الجهات‬ ‫الحكومية‪ ،‬لتسليط الضوء عىل هذه الظاهرة‪،‬‬ ‫والعمل عىل الحد من انتشارها‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫‪12‬‬

‫النساء المعيالت‪ :‬الحرب فرضت كلمتها‬ ‫والنساء يصنعن ويبنين الحياة‬ ‫صباح الحالق‬

‫العدد ‪2016 / 7 / 19 - 73 -‬‬

‫يقال “رب ضارة نافعة” ولو ّأن هذه الضارة‬ ‫كانت كبرية بحجم تدمري البلد واستشهاد مئات‬ ‫اآلالف من أبنائها وبناتها‪.‬‬ ‫قسم كبري‪ ,‬وقد يكون األعظم‪ ,‬من النساء‬ ‫النازحات والالجئات هنّ نساء فقدن أزواجهن‬ ‫أو أبنائهن املعيلني لألرسة‪ّ ,‬‬ ‫مم حدا بأغلبيتهن‬ ‫للبحث عن العمل عىل الرغم من انعدام‬ ‫املهارات التي يتطلبها السوق‪ ,‬إضافة إىل األم ّية‬ ‫املنترشة بكرثة بني صفوفهن‪ .‬وأضحت املرأة‬ ‫السورية الالجئة والنازحة تقوم بجميع األدوار‬ ‫يف الحياة التي عادة يتقاسمها أفراد األرسة‬ ‫ويتعاونون مع بعضهم عىل أدائها‪.‬‬ ‫حني نتحدّث عن األدوار يف الحياة فنحن‬ ‫نشري إىل الدور اإلنجايب الذي اعتادت النساء‪،‬‬ ‫نتيجة لألعراف والتقاليد االجتامعية‪ ,‬واملوروث‬ ‫الديني‪ ,‬أن تقوم بكل ما يتطلبه هذا الدور من‬ ‫مهام‪ .‬لكننا نشري أيضاً إىل دورها االجتامعي‬ ‫وهو غري ُمكتمل‪ ,‬يف حني كانت املرأة السورية‬ ‫ُمقصاة عن الدور اإلنتاجي‪ .‬اليوم‪ّ ,‬‬ ‫فإن مامرسة‬ ‫غيت الكثري‬ ‫النساء هذه األدوار مجتمعة قد ّ‬ ‫يف شخصية نسائنا‪ ,‬فقد اكتشفن فجأة أنهنّ‬ ‫ميلكن القوة والشخصية والتفكري السليم‬ ‫لتأمني لقمة العيش الكرمية لألرسة‪ ,‬وأنهنّ‬ ‫قادرات عىل تدبري األمور الحياتية اليومية رغم‬ ‫الصعاب التي تواجهنها يوم ّياً‪.‬‬ ‫إال أن العقلية الذكورية ا ُملسيطرة يف املجتمع‪,‬‬ ‫والتي تن ّمط أدوار النساء وصورتها‪ ,‬وتح ّمل‬ ‫النساء مسؤولية صون “الرشف والعرض” من‬ ‫وجهة نظر املجتمع إضافة ألعبائهنّ الكبرية‪,‬‬ ‫األمر الذي يرتتب عليه تقي ّيد حركة الفتيات‬ ‫واألمهات الصغريات بالسن‪ .‬لكن ظروف‬ ‫الحرب‪ ,‬التي وجدت النساء السوريات أنفسهنّ‬ ‫يعشنها دون أن تختار أو حتى تستشار‬ ‫معظمهنّ ‪ ,‬وخاصة أولئك النسوة اللوايت ُكنّ‬ ‫قاطنات يف الريف السوري ا ُمله ّمش‪ ,‬ساهمت‬ ‫هذه الظروف عىل قسوتها يف كرس بعض من‬ ‫الصور النمطية املعروفة يف املجتمع عن من‬ ‫هي املرأة وما هو املتوقع منها القيام به‪.‬‬

‫وها هي “أم محمد من دوما” تقول‪( :‬اليوم نحن‬ ‫نتظاهر من أجل إسقاط النظام‪ ,‬وبعده سنتحاسب‬ ‫ورجالنا الذين حبسونا يف املنزل طيلة العمر)‪.‬‬ ‫وتقول “أم سليم”‪( :‬ع ّ‬ ‫يل إطعام أطفايل الخمسة‪ ,‬وال‬ ‫معني‪ .‬لذلك أعمل عملني يف اليوم القصري‪ .‬أنظف‬ ‫املنازل وأبيع حالوة السميد‪ ,‬ولذلك أترك أطفايل‬ ‫برعاية بعضهم البعض)‪.‬‬ ‫السؤال الذي يفرض نفسه يف مقابل هذه الق ّوة‬ ‫النسائ ّية الج ّبارة عىل صناعة الحياة‪ ,‬هو‪ :‬هل‬ ‫ّ‬ ‫وظفت األموال التي تقدّم لدعم املشاريع الصغرية‬ ‫لتمكني النساء؟‬ ‫ً‬ ‫تجنباً للتعميم الذي غالبا ما تكون نتائجه مجانبة‬ ‫للصواب‪ ,‬ميكننا القول ّإن القليل من هذه املشاريع‬ ‫دعمت أرس املرأة املعيلة وساعدت يف تأمني لقمة‬ ‫العيش‪ ،‬يف حال توفرها باألسواق‪ .‬أ ّما مشاريع متكني‬ ‫النساء باألعامل اليدوية “صوف وخياطة وتطريز‬ ‫‪ ”....‬فإ ّنها مل تلق نجاحاً كام هو مأمول لعدم دراسة‬ ‫احتياجات السوق‪ ,‬والبيئة املحيطة كام حصل‬ ‫ويحصل يف لبنان‪.‬‬

‫األمر الذي يفرض علينا االنتباه إىل ّأن هذه‬ ‫املشاريع ليست السبيل الوحيد لتمكني النساء‪ّ ,‬‬ ‫ألن‬ ‫التمكني االقتصادي يجب أن يرتبط جدلياً بالتمكني‬ ‫االجتامعي بهدف متكني النساء من اتخاذ القرار‬ ‫مبواردهن والتحكم بها واكتشاف قدراتهن‪.‬إذ ّإن‬ ‫حصول النساء عىل قرض مايل ما ال يخولها ليس‬ ‫كافياً يف كثري من األحيان ّ‬ ‫ألن يكون لها سلطة اتخاذ‬ ‫القرار األفضل حول كيف ّية توظيف هذا املبلغ املايل‬ ‫يف تقرير احتياجات األرسة يف حال وجد رجل من‬ ‫العائلة هو من يسيطر عىل القرار‪ ,‬ولو كان ابنها؟‬ ‫كام تحيك لنا “أم سعيد”‪( :‬أنا أعمل يف صناعة‬ ‫األجبان يف منزيل‪ ,‬وأقيض حوايل ‪ 7‬ساعات يوم ّياً يف‬ ‫العمل إضافة لقيامي بأعامل املنزل‪ ،‬وأبني سعيد‬ ‫يبيع الجنب ويتدخل يف رصف الربح اليسري الذي‬ ‫أحصل عليه ‪ ،‬فقد اشرتى دراجة نارية لتسهيل‬ ‫عمله يف بيع الجنب وتراكمت علينا الديون؟ بينام‬ ‫كنت أرغب يف رشاء غسالة بحوضني يك أخفف‬ ‫أعباء األعامل املنزلية ع ّ‬ ‫يل‪ ,‬والله تعبت من كرت‬ ‫الشغل وما حاسة أين قادرة آخذ قرار يريحني)‪.‬‬


‫ال ناقصات عقل وال ناقصات دين (‪)2‬‬ ‫‪13‬‬ ‫عماد العبار‬

‫وضعت لتكريس نظرة معدّة مسبقاً تجاه املرأة‪ ،‬مبا‬ ‫يجعلها تنال النصف كح ٍّد أعىل‪ ،‬من الدين والعقل!‬

‫العدد ‪2016 / 7 / 19 - 73 -‬‬

‫بني العرص الذهبي األول‪ ،‬الذي أخرج منوذج املرأة‬ ‫الخليفة‪ ،‬الزعيمة السياسية والدين ّية‪ ،‬وبني عرص‬ ‫التدوين هامش تاريخي ليس بالقليل؛ فبحسب‬ ‫تقدير اإلمام الذهبي‪ّ ،‬‬ ‫فإن بني العرصين ما‬ ‫يقارب قرناً من الزمن‪ ،‬وتلك فرتة طويلة كانت‬ ‫قد جرت خاللها أحداث عظام‪ ،‬وتحوالت كبرية يف‬ ‫املجتمع اإلسالمي‪ .‬وبتقديري‪ ،‬ساهمت الرصاعات‬ ‫السياسية يف التأثري عىل املجتمع من مختلف‬ ‫النواحي‪ ،‬والظاهر ّأن االستبداد السيايس انعكس‬ ‫اجتامعياً‪ ،‬وظهرت خالل تلك الفرتة العديد من‬ ‫وتم نسبها إىل النبي‬ ‫الروايات التي ال أصل لها‪ّ ،‬‬ ‫الكريم وصحابته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قدمياً‪ ،‬بذل املح ّققون جهدا مشكورا عىل صعيد‬ ‫الفرز‪ ،‬والتنقيح عىل مستوى الروايات املنسوبة‬ ‫للنبي الكريم‪ ،‬ولكنها يف مرحلة ما كانت من‬ ‫الكرثة بحيث أصبح هامش الخطأ البرشي كبرياً‬ ‫يفس وجود الكثري من الروايات‬ ‫جداً‪ ،‬وهذا ما قد ّ‬ ‫املثرية للجدل بني أيدينا‪.‬‬ ‫املختصون‬ ‫وال أت ّكلم هنا عن الروايات التي صنّفها‬ ‫ّ‬ ‫بالحديث ضمن كتب الضعيف واملوضوع‪ ،‬بل‬ ‫أقصد أيضاً بعض الروايات التي تتض ّمنها كتب‬ ‫الصحاح‪ ،‬والتي تساهم بشكل أو بآخر يف تكريس‬ ‫النظرة النمطية للمرأة‪ ،‬ككائن ال يتساوى مع‬ ‫الرجل‪.‬‬ ‫وأقصد هنا‪ ،‬الرواية املشهورة يف كتب الصحاح؛‬ ‫فقد نسب للنبي الكريم أ ّنه قال‪“ :‬يا معرش‬ ‫النساء‪ ،‬ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب‬ ‫ل ُل ِّب الرجل الحازم من إحداكن‪ ،‬قلن‪ :‬وما نقصان‬ ‫ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال‪ :‬أليس شهاد ُة‬ ‫املرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فذلك من نقصان عقلها‪ ،‬أليس إذا حاضت مل‬ ‫ِّ‬ ‫تصل ومل تصم؟ قلن‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪ :‬فذلك من نقصان‬ ‫دينها”‪..‬‬ ‫وللرواية السابقة سطوتها عىل الفهم االجتامعي؛‬ ‫فال أبالغ إن قلت ّإن الوسط التقليدي ينظر إىل‬ ‫املرأة كناقصة عقل ودين من خالل هذه الرواية‬ ‫بالذات‪ ،‬أو قد يكون من الصواب أيضاً إ ّنها‬

‫وقد أثارت الرواية جدالً واسعاً‪ّ .‬‬ ‫مم اضط ّر‬ ‫املقتنعني مبضمونها إىل الر ّد عىل ما أثري حولها؛‬ ‫فمنهم من ر ّد باإلرصار من خالل التأكيد عىل‬ ‫نقصان عقلها‪ ،‬ومنهم من ر ّد قائ ًال‪ّ :‬إن كالم النبي‬ ‫جاء ضمن سياق املزاح‪ ،‬أو ّإن املقصود بنقصان‬ ‫العقل غلبة العاطفة عندها‪ ،‬وقالوا أيضاً‪ّ :‬إن سبب‬ ‫القول بنقصان دينها يعود إىل تقصريها عن أداء‬ ‫بعض العبادات‪ ،‬بسبب ظروف الحيض والنفاس!‬ ‫ومن الواضح ّأن الرغبة بتربير املحتوى قد أدّت‬ ‫إىل املبالغة يف التلفيق‪ ،‬فسياق الرواية ال يخدم‬ ‫االدعاء ّ‬ ‫بأن الكالم جاء يف موضع املزاح‪ ،‬بل عىل‬ ‫العكس متاماً‪..‬‬ ‫أ ّما أن يقال ّإن نقص الدين سببه الحيض‪ ،‬فهذا‬ ‫الكالم ال يليق بأن ُينسب لنبي‪ ،‬فمن غري املعقول‬ ‫أن توصف النساء بنقص الدين ألمر خارج عن‬ ‫إرادتهنّ ‪ ،‬أو أن يكون للرجال ميزة “دين ّية”‬ ‫ملج ّرد أنهم خلقوا بطبيعة جسامنية مختلفة!‬ ‫ولو س ّلمنا بصحة هذه الفرضية‪ ،‬فهل هذا يعني‬ ‫ّأن عقل ودين املرأة يعود لالكتامل بعد أن تبلغ‬ ‫سن اإلياس عىل سبيل املثال؟! وميكن أن نسأل‬ ‫سؤاالً أشمل‪ :‬هل يحاسبنا الله أو يصنّفنا عقائدياً‬ ‫عىل ما ليس لنا فيه يد؟! واألهم من كل هذا‪،‬‬ ‫هل سيحاسب ع ّز وجل النساء حساباً مخففاً‪،‬‬ ‫ومخصصاً لكائنات ال تحمل املواصفات ذاتها التي‬ ‫يتمتع بها الرجل؟!‬ ‫باملقابل‪ ،‬كان تربير نقصان عقل املرأة أسهل‬ ‫نصاً‬ ‫عندهم من تربير نقصان دينها‪ ،‬فقد وجدوا ّ‬ ‫قرآنياً يدعم الفكرة‪ ،‬يف إشارة إىل اآلية ‪ 282‬من‬ ‫سورة البقرة‪َ “ :‬و ْاست َْش ِهدُ واْ َش ِهي َد ْي ِن ّمن ّر َجالِ ُك ْم‬ ‫ي َف َر ُج ٌل َوا ْم َرأَ َتانِ ِم َّمن َت ْر َض ْو َن‬ ‫َفإِن َّل ْم َي ُكو َنا َر ُج َل ْ ِ‬ ‫ِمنَ ُّ‬ ‫الش َهدَاء أَن َت ِض َّل ْإ ْحدَاهُ َم َف ُت َذ ّك َر إِ ْحدَاهُ َم‬ ‫ا ْال ْخ َرىٰ ”‪ ،‬والتي فهمها الناس بحسب الفهم التايل‬ ‫عىل إطالقه‪ :‬شهادة الرجل بشهادة امرأتني‪..‬‬ ‫حني نتكلم عن حقوق مالية‪ ،‬فنحن أمام أرقام‪،‬‬ ‫وتواريخ‪ ،‬وتفاصيل قابلة للنسيان‪ ،‬وبالتايل فالكالم‬ ‫هنا يتع ّلق بالنسيان‪ ،‬أو بتداخل التفاصيل‪ ..‬لكن‬ ‫هل هذه الناحية موجودة فقط عند النساء؟ أي‬ ‫خاصة باملرأة‬ ‫هل جعلت اآلية مسألة النسيان ّ‬ ‫دون الرجل؟‬

‫الجواب‪ :‬ال! فلو كان األمر كذلك‪ ،‬لكانت شهادة‬ ‫الرجل لوحده مقبولة‪ ،‬وملا كان ّمثة حاجة أص ًال‬ ‫لشهادة املرأة يف حال تع ّذر وجود الرجل الثاين‪،‬‬ ‫ويف موضع آخر أوجب النص أربعة شهداء‪ ،‬لنفس‬ ‫السبب الذي أوجب فيه وجود امرأتني‪ ،‬أي إن‬ ‫ّ‬ ‫ضل أحد الرجلني‪ ،‬أو أحد األربعة‪ ،‬أو نيس‪ ..‬فهل‬ ‫يصح أن يقال هنا عن الرجال‪( :‬ناقصو عقل)‪،‬‬ ‫مث ًال‪ّ ،‬‬ ‫ألن شهادة واحد منهم مل تكن كافية وحدها‬ ‫لحسم املسألة؟!‬ ‫بتصوري‪ ،‬تم استخدام هذه النصوص بطريقة غري‬ ‫بريئة لتكريس نظرة ما‪ ،‬النص بريء منها‪.‬‬ ‫يف حني ّإن شهادة املرأة قبلت منفردة عند جمهور‬ ‫الفقهاء‪ ،‬فيام ال ّ‬ ‫يطلع عليه الرجال‪ ،‬أي فيام ال‬ ‫خربة لهم فيه‪ ،‬وهي حاالت تعترب املرأة فيها أكرث‬ ‫دراية وخربة من الرجل‪ ،‬كام يف شهادة القابلة‪،‬‬ ‫وشهادتها يف مسائل اإلرضاع‪ .‬وهي تفاصيل ال‬ ‫تقل خطورة أبداً عن مسائل الحدود واملكاتبات‬ ‫املالية‪ ،‬ففيها قد يثبت زواج أو طالق أو نسب‪،‬‬ ‫كام يف الحادثة املروية يف صحيح البخاري؛ حيث‬ ‫كانت شهادة امرأة واحدة كافية‪ ،‬وهذا االمتياز‬ ‫“إن صح التعبري!” مل يحصل عليه الرجل يف‬ ‫املسائل التي تقع ضمن نطاق خربته واختصاصه‪.‬‬ ‫إذاً ميكننا أن نلخص عىل الشكل التايل‪ :‬اهتم‬ ‫النص بتوزيع األدوار بحسب خربة كل من‬ ‫الجنسني فيام يتعلق بالقضية املطروحة للشهادة‪،‬‬ ‫فتارة كانت شهادة الرجل أوىل‪ ،‬وتارة كان لشهادة‬ ‫املرأة األولوية‪..‬‬ ‫أختم بالقول‪ :‬إن للنص مقاصد اجتامعية سامية‪،‬‬ ‫وألجلها يتم توزيع األدوار بالتساوي‪ ،‬ولكننا كثرياً‬ ‫ما نستخدم التوزيع ذاته لرتسيخ مبادئ غري‬ ‫سامية‪ ،‬وهذا ما يحصل عادة يف عصور االنهيار‪..‬‬


‫‪14‬‬

‫المنظمات الســورية‪ ،‬مظاهر إنســانية‬ ‫تفتح أبوابًا مقنعــة للعبودية‬

‫العدد ‪2016 / 7 / 19 - 73 -‬‬

‫اقتصاد‬

‫مقدمة‪ :‬عقود طويلة مضت عىل الشعب السوري‪،‬‬ ‫مل يعرف فيها معنى للمجتمع املدين إال من‬ ‫خالل مؤسسات غريت املفاهيم وحرفت املسار‬ ‫نحو الهاوية‪ ،‬حيث تنترش النقابات والجمعيات‬ ‫ومؤسسات املجتمع املدين مع غياب الدور‬ ‫الحقيقي للمجتمع فيها‪ ،‬فهي حكر عىل من‬ ‫يوايل السلطات األمنية‪ ،‬هذا إن مل تكن املؤسسة‬ ‫نفسها أحد املشاريع الظاهرية للسلطات األمنية‬ ‫املستبدة‪.‬‬ ‫تاريخ حافل بتغييب الوعي والفكر وأي نشاط‬ ‫للمجتمع املدين‪ ،‬ساهم بشكل أو بآخر بالكثري‬ ‫من التأثري السلبي عىل املجتمع‪ ،‬إال أن هذا النوع‬ ‫من االستبداد ساهم يف خلق فجوة بني املجتمع‬ ‫والدولة‪ ،‬مام ظهرت نتائجه متأخرة مع انفجار‬ ‫الثورة السورية مبشاركة شعبية واسعة قل نظريها‪.‬‬ ‫والدة املنظامت‪ :‬تطورات الساحة السورية‬ ‫الخطرية أظهرت حجم الفراغ والحاجة لوجود‬ ‫منظامت مجتمعية لسد االحتياجات‪ ،‬وطبيعة‬ ‫الظروف سمحت للكثريين باستغالل حالة الفوىض‬ ‫املرافقة للثورة‪ ،‬وسواء كان عىل مستوى أفراد‬ ‫أو مجموعات أو دول‪ ،‬ويف ظل الفوىض وغياب‬ ‫الخربات وتدفق املساعدات‪ ،‬حيث ال مجال‬ ‫للتمييز‪ ،‬بني الخطأ والصواب‪ ،‬وبني الثائر واملستغل‪،‬‬ ‫وبني الوطني والعميل‪ .‬بدأت والدة جديدة غري‬ ‫منتظمة لتشكيل منظامت مجتمع مدين‪.‬‬ ‫املنظامت خارج سوريا‪ :‬شكلت حركة النزوح‬ ‫وخروج الكثري من الالجئني تواجداً كبرياً للسوريني‬ ‫يف الدول املجاورة‪ ،‬مام فتح األبواب لتشكيل‬ ‫جمعيات ومنظامت سورية عىل أرايض الدول‬ ‫املجاورة‪ ،‬ويف تركيا مث ًال ونتيجة انفتاح الحدود عىل‬ ‫سوريا‪ ،‬تركز تواجد املنظامت بالقرب من املناطق‬ ‫الحدودية عىل اعتبار أن نشاطاتها تستهدف‬ ‫بشكل خاص الداخل السوري‪ ،‬ومع الكثري من‬ ‫املبادرات واألفكار أمام بحر من االحتياجات‬ ‫والقليل من التوجهات الداعمة‪ ،‬دفع العديد‬ ‫إىل تعديل أفكارهم ومبادراتهم وتحويلها إىل ما‬ ‫يتناسب مع التوجهات الداعمة‪ ،‬ومن مل يعرف‬ ‫طريق مسار الدعم مل تر أفكاره ومبادراته أي نور‪.‬‬ ‫دور الجهات املانحة‪ :‬تركز بشكل كبري يف املراحل‬ ‫األوىل من ظهور املنظامت توجهات داعمة لإلغاثة‬ ‫واإلعالم والتوثيق‪ ،‬ليتوسع الحقاً إىل املجاالت‬ ‫الصحية والثقافية والسياسية‪ ،‬كام سعت الجهات‬ ‫املانحة خالل هذه الفرتة عىل تنفيذ تدريبات‬

‫مكثفة للناشطني حول كيفية انشاء املنظامت‬ ‫وتقديم طلبات التمويل‪ ،‬وبسبب انعدام الخربة‬ ‫لدى غالبية الشباب يف هذا املجال كان من‬ ‫الرضوري وجود مثل هذا النوع من التدريبات‪،‬‬ ‫إال أن محتوى التدريب يرتكز عىل مجموعة نقاط‬ ‫ظاهرية وهي كيفية اعداد أوراق تعريفية تحتوي‬ ‫عىل أساسيات التعريف من رسالة ورؤية وأهداف‬ ‫وبعض التوصيفات ليتم االنتقال مبارشة إىل مرحلة‬ ‫اعداد أوراق ملرشوع مبحتوى مشابه لتعريف‬ ‫املنظمة باإلضافة لنموذج موازنة املرشوع املالية‬ ‫املعتمد لدى الجهة املانحة‪ ،‬عل ًام أن كل جهة‬ ‫مانحة تعتمد عىل منوذج مختلف عن غريها إال أن‬ ‫املضمون يف النهاية واحد‪.‬‬ ‫مل تتضمن هذه التدريبات أياً من األساسيات يف‬ ‫الجوانب اإلدارية والتنظيمية‪ ،‬فأهملت أسس‬ ‫الحوكمة الداخلية وتهيئة املنظامت للمساءلة‪،‬‬ ‫حيث غاب بشكل تام أي توجه من الجهات‬ ‫املانحة يف تعريف املنظامت الناشئة عن أهمية‬ ‫الهياكل التنظيمية ومجالس اإلدارة واإلدارة‬ ‫وإجراءات الرتشيح والتصويت‪ ،‬كام غاب أيضاً‬ ‫التعريف عن السياسات من إدارة مالية وجمع‬ ‫األموال والتقارير والتخطيط والعالقات العامة‬ ‫وغريها‪ ،‬وهذا يحسب عىل الجهات املانحة التي‬ ‫سعت لتدريب السوريني عىل كيفية جذب األموال‬ ‫منها فقط‪ ،‬مام يدل عىل تأثري واضح ومساهمة‬ ‫منها يف عملية إفساد املجتمع املدين الناشئ بعد‬ ‫غيابه لعقود من الزمن‪.‬‬ ‫الفساد‪ :‬كنتيجة حتمية لغياب الحوكمة‪ ،‬ظهرت‬ ‫معامل التسلط والفساد منذ املراحل األوىل لنشوء‬ ‫املنظامت‪ ،‬لتشكل كل منظمة ادارتها وتبدأ‬ ‫مبامرسة ما يحلو لها من قرارات دون أي إجراءات‬ ‫رسمية وفق األصول‪ ،‬بدءاً من عملية التوظيف‬ ‫ووصوالً إىل اتخاذ القرارات املصريية بشكل‬ ‫تعسفي‪ ،‬فكثرياً ما نرى يف املنظامت السورية أن‬

‫غالبية موظفيها هم من أفراد العائلة أو األصدقاء‬ ‫أو ضمن دوائر ضيقة من املحسوبيات‪ ،‬كام من‬ ‫املمكن أن يتم فرض موظفني عىل املنظمة من قبل‬ ‫إحدى الجهات املؤثرة عىل القامئني عىل املنظمة‬ ‫أو عىل نشاطاتها‪ ،‬ورغم وجود موظفني ال تنطبق‬ ‫عليهم بالرضورة املواصفات السابقة وتم توظيفهم‬ ‫بحسب الحاجة لهم‪ ،‬إال أن ظروف العمل التي‬ ‫يعيشون فيها ال تحتوي عىل الحد األدىن من حامية‬ ‫حقوقهم يف العمل‪ ،‬مام يضطر املوظف للتعايش‬ ‫مع أسلوب اإلدارة مهام احتوت من أخطاء‬ ‫وانتقاص من حقوق وتصل إىل حدود ال ميكن‬ ‫توقع وجودها ضمن منظمة انسانية‪ ،‬كل ذلك‬ ‫خوفاً من فقدان الراتب الذي يعيش منه وعائلته‪.‬‬ ‫نادرة تلك املنظامت التي تعمل حالياً وفق‬ ‫نظم حوكمة واضحة املعامل‪ ،‬وتسعى الكثري من‬ ‫املنظامت لتطبيق مستوى ما من التنظيم اإلداري‬ ‫ووضع السياسات وبشكل خاص السياسات‬ ‫املتعلقة بالشؤون اإلنسانية‪ ،‬وذلك كونها باتت‬ ‫من املتطلبات لدى عدد من الجهات املانحة‪ ،‬إال‬ ‫أن العقلية السورية مبا احتوته من فساد فكري‬ ‫واخالقي يدفعها إىل إيجاد بعض النصوص التي‬ ‫ال تتجاوز كونها مجرد أوراق ال ترتبط كلامتها‬ ‫بالتطبيق الواقعي‪.‬‬ ‫العبودية املقنعة‪ :‬كثريا ما نردد املثل الشعبي‬ ‫املعروف‪ :‬قيل لفرعون‪ :‬يا فرعون من فرعنك؟ قال‪:‬‬ ‫مل أجد من يردين‪.‬‬ ‫ومن املؤسف أن واقع املنظامت السورية بات‬ ‫يحتوي عىل معامل لبدء عرص من العبودية‬ ‫املقنعة‪ ،‬حيث يرى القامئون عىل املنظامت من‬ ‫وجهة نظرهم أن ما يقومون به هو لخدمة‬ ‫الشعب السوري حتى وإن كانت أعاملهم مليئة‬ ‫بالتجاوزات القانونية والتزوير والفساد‪ ،‬إال أن‬ ‫حاجتهم لتسيري أمورهم بهذه األساليب بات يربر‬ ‫لهم املزيد من التجاوزات التي فرضت بشكل أو‬ ‫بآخر عىل العاملني واملستفيدين منها تقبل كل‬ ‫التجاوزات واعتبارها شطارة يف تسيري األمور‪ ،‬مام‬ ‫يؤدي اوالً وآخراً إىل إيجاد ثقافة تقبل للفساد‪،‬‬ ‫وكل من ينتقدهم متهم باملزاودة مسبقاً‪.‬‬ ‫غياب مفهوم املحاسبة لدى املنظامت السورية‬ ‫متناقض متاماً مع مفهوم الثورة‪ ،‬وله األثر األكرب‬ ‫يف والدة عرص من االستبداد الحديث عىل غرار‬ ‫العبودية الحديثة يف بريطانيا‪.‬‬


‫نشرة اقتصادية‬

‫طلعنا عالحرية ‪ -‬القسم االقتصادي‬

‫اهم املستجدات التي تهم السوريني يف الشتات والداخل‬

‫أثر محاولة‬ ‫االنقالب في‬ ‫تركيا على‬ ‫االقتصاد التركي‬

‫العدد ‪2016 / 7 / 19 - 73 -‬‬

‫يف آخر يوم من أيام تداول العمالت العاملية وقبل‬ ‫اغالق السوق للعطلة األسبوعية بساعتني فقط‪،‬‬ ‫بدأت األنباء تتوارد عن محاولة انقالب عسكري يف‬ ‫تركيا‪ ،‬حيث تم اغالق الجرس الواصل بني إسطنبول‬ ‫األسيوية واألوروبية من قبل إحدى املجموعات‬ ‫العسكرية املشاركة يف االنقالب‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫استهداف فندق يتواجد فيه الرئيس الرتيك يف‬ ‫مدينة أزمري‪ ،‬كام تم استهداف مبنى الربملان يف‬ ‫أنقرة وانترشت بعض القوات العسكرية يف أجزاء‬ ‫من أنقرة وإسطنبول‪ ،‬مام رفع مستوى املخاطرة‬ ‫يف سوق العمالت العاملية وتسارع انخفاض سعر‬ ‫العملة الرتكية مقابل الدوالر واليورو يف آخر‬

‫ساعتي تداول‪.‬‬ ‫أغلقت األسواق عىل تراجع اللرية الرتكية مقابل‬ ‫الدوالر إىل ‪ 3.0122‬وهو أعىل سعر منذ سبعة‬ ‫أشهر لتفقد ‪ 3.97%‬من قيمتها خالل ساعتني‪ ،‬كام‬ ‫تراجعت اللرية الرتكية مقابل اليورو إىل ‪.3.3180‬‬ ‫وعىل مستوى صناديق االستثامر‪ ،‬فقد تراجعت‬ ‫أسهم صندوق املؤرشات أي شري إم إس يس أي‬ ‫تركيا‪ ،‬الذي يتداول يف بورصات الواليات املتحدة‬ ‫بنسبة ‪ ،2.51%‬مع إغالق األسواق العاملية أمس‬ ‫الجمعة‪.‬‬ ‫وقال مدير معهد إدارة الطاقة العاملية يف كلية‬ ‫إدارة األعامل بجامعة كلية باور هيوسنت إن أي‬

‫حالة من عدم اليقني يف املنطقة تؤدي إىل زيادة‬ ‫أسعار النفط‪ ،‬فيام قال مسؤولون أتراك أن املوانئ‬ ‫واملضائق الرتكية مفتوحة ومل تتعطل حركة الشحن‬ ‫واملالحة‪.‬‬ ‫بحسب رويرتز‪ ،‬أعلن البنك املركزي الرتيك يوم األحد‬ ‫‪ 17/07/2016‬أنه سيخفض الرسوم عىل أدوات ضخ‬ ‫السيولة اليومية للبنوك إىل صفر وسيوفر سيولة غري‬ ‫محدودة من أجل الحفاظ عىل فعالية العمليات يف‬ ‫األسواق املالية‪.‬‬ ‫تأيت الخطوة بعد محاولة انقالب عسكري فاشلة‬ ‫مساء الجمعة من املتوقع أن تقوض أكرث ثقة‬ ‫املستثمرين الهشة يف تركيا قبل عودة األسواق‬ ‫املالية للعمل يوم اإلثنني‪.‬‬ ‫وقال البنك املركزي يف بيان إنه سيتخذ جميع‬ ‫اإلجراءات الرضورية لحامية االستقرار املايل وإن‬ ‫جميع أسواق البنك املركزي وأنظمته ستظل‬ ‫مفتوحة لحني إمتام التعامالت‪.‬‬ ‫واستأنفت العديد من رشكات الطريان رحالتها‬ ‫بشكل طبيعي إىل إسطنبول وأنقرة وأزمري‪ ،‬وقال‬ ‫متحدث باسم توماس كوك “أقلعت الطائرات‬ ‫املتجهة إىل تركيا يومي السبت واألحد ومل يتخلف‬ ‫سوى عدد قليل من املسافرين‪”.‬‬

‫‪15‬‬

‫الفروج في سوريا حلق عالي ًا‬

‫نتيجة تجهيز املؤسسة العامة للدواجن لدفعة كبرية من‬ ‫الدجاج يتم تربيتها حالياً‪.‬‬ ‫وأوضح “خرض” أن إنتاج املؤسسة من الدواجن يشكل‬ ‫‪ 20‬إىل ‪ 25‬باملئة من حجم اإلنتاج الكيل يف سورية وبلغ‬ ‫إنتاجها لغاية الشهر الحايل نحو ‪ 85‬مليون بيضة منوها‬ ‫بأن القطاع سيلقى دعام يف الفرتة القادمة وخاصة فيام‬ ‫يتعلق بتوازن أسعار األعالف مبا يسهم يف تحريك عجلة‬ ‫اإلنتاج وعودة بعض منشآت القطاع الخاص إىل الخدمة‪ .‬األسواق تحت رحمة املتنفذين من تجار األزمة‪.‬‬

‫اقتصاد‬

‫أرقام قياسية سجلها سعر الفروج يف األسواق‬ ‫املحلية‪ ،‬فبلغ سعر كيلو رشحات الدجاج إىل‬ ‫نحو ‪ 3100‬لرية سورية‪ ،‬ووصل سعر كيلو الفروج‬ ‫املذبوح واملنظف لنحو ‪ 1700‬لرية سورية‪،‬‬ ‫ووصل سعر صحن البيض إىل ‪ 1400‬لرية سورية‪.‬‬ ‫تعود أسباب ارتفاع األسعار إىل عوامل كثرية‬ ‫منها‪ ،‬انخفاض مستوى اإلنتاج املحيل وارتفاع‬ ‫كلفة اإلنتاج‪ ،‬إضافة إىل تقطع أوصال الطرقات‬ ‫ومصاعب الشحن‪ ،‬وارتفاع أسعار املحروقات‪.‬‬ ‫ويتهم البعض وزارة االقتصاد يف منح إجازة‬ ‫استرياد الذرة وكسبة الصويا لرشكتني فقط‪ ،‬مام‬ ‫أوجد االحتكار يف سوق األعالف والتالعب بها‪.‬‬ ‫وأعلن املدير العام للمؤسسة العامة للدواجن‬ ‫املهندس “رساج خرض” لجريدة البعث مؤخراً‬ ‫بأنهم سيقدمون عىل طرح كميات كبرية من‬ ‫الفروج والبيض لخفض أسعارها يف األسواق‪،‬‬ ‫وتوقع املهندس “رساج خرض” أن تشهد األسواق‬ ‫قريباً انخفاضا يف أسعار الفروج بشكل خاص‬

‫يف مجمل الوضع وبحسب نسبة مساهمة‬ ‫املؤسسة العامة للدواجن‪ ،‬يبدو أن األسواق‬ ‫السورية لن تذهب إىل انخفاض معقول يف‬ ‫أسعار الفروج والبيض كام يتوقعها “رساج‬ ‫خرض” وإن حصل بعض االنخفاض فلن يكون‬ ‫سوى مرحلة مؤقتة ال استدامة فيها‪ ،‬مام يرجح‬ ‫مستقب ًال إىل إيجاد الحل من خالل بدء استرياد‬ ‫منتجات الدواجن‪.‬‬ ‫ويف ظل سياسة االسترياد لتغطية االحتياجات‬ ‫باتت أسعار لحوم الدجاج مقاربة ألسعار اللحم‬ ‫األحمر ولحوم األسامك املستوردة‪ ،‬مام يرجح أن‬ ‫ال حل لتخفيض أسعار الدجاج سوى االسترياد‪،‬‬ ‫وهذا ما ينتظره عدد من املتنفذين الستثامره‬ ‫وزيادة أرباحهم عىل حساب احتياجات‬ ‫املواطنني‪ ،‬وفيام لو حصل هذا السيناريو‪،‬‬ ‫سيكون املنتجني املحليني يف مأزق قد يدفعهم‬ ‫إىل التوقف عن اإلنتاج وإعالن اإلفالس‪ ،‬لتبقى‬


‫تقدم حاليا على مسارح بريطانيا‬

‫‪16‬‬

‫“ملكات سورية” مسرحية تروي قصص‬ ‫ّ‬ ‫هربن من ويالت الحرب‬ ‫الجئات‬ ‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪2016 / 7 / 19 - 73 -‬‬

‫ثقافة‬

‫تقدم مجموعة من الالجئات السوريات سلسلة‬ ‫لعرض مرسحي يحمل عنوان “ملكات سورية”‬ ‫يف عدة مدن بريطانية‪ ،‬ليسجلن يف ذلك‬ ‫السبق يف أول إنتاج عريب “مرتجم” يعرض‬ ‫عىل الجمهور الربيطاين قصص الجئات سوريات‬ ‫عشن مرارات الحرب يف بالدهن التي دمرتها آلة‬ ‫الحرب األسدية‪.‬‬ ‫انطالقة العروض يف العاصمة الربيطانية لندن‬ ‫كانت يوم ‪ 4‬متوز‪ /‬يوليو الجاري‪ .‬ومن املقرر‬ ‫أن تجوب املرسحية بعد عرض لندن ك ًال من‬ ‫أوكسفورد وبرايتون وليفربول وليدز وأدنربة‬ ‫لتنتهي الجولة يف مرسح “نيو لندن” يف الويست‬ ‫إند بالعاصمة الربيطانية يف ‪ 24‬من هذا الشهر‪.‬‬ ‫العمل مقتبس من النص املأساوي “نساء‬ ‫طروادة” لإلغريقي يوربيدس‪ ،‬وتشارك به ثالثة‬ ‫عرش الجئة سورية مزجنّ تجاربهنّ يف الحرب‬ ‫األسدية ضد الشعب السوري لينسجنّ منها‬ ‫خيوط وتفاصيل الحكاية‪ .‬والرؤية الربيطانية‬ ‫للمرسحية من إخراج زو الفريت‪ ،‬التي ركزت‬ ‫يف أعاملها السابقة عىل النزاعات وعدم توازن‬ ‫القوى السياسية وانتهاكات حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫املرسح يف مواجهة آلة املوت األسدية‬ ‫يقدم العمل عىل لسان سوريات اتشحن‬ ‫بالسواد‪ ،‬قصصاً عن مآيس وويالت الحرب التي‬ ‫عصفت بسوريا منذ أن عال صوت أبناء الشعب‬ ‫السوري يف وجه طاغية العرص مطالبني بالحرية‬ ‫والكرامة بعد خمسة عقود من هيمنة آل األسد‬ ‫عىل البالد ونهب مقدراتها‪.‬‬ ‫قصص من واقع املأساة وعىل لسان من عشنها‪،‬‬ ‫فمهام صورنا الحرب التي تدور رحاها عىل كل‬ ‫ما ميثل الحياة يف املدن السورية‪ ،‬وأتينا عىل‬ ‫أصغر تفاصيلها‪ ،‬فإنه ال ميكننا أن نتخ ّيل وطأتها‬ ‫وأفعالها ومآسيها يف أدق تفاصيلها كمن عاشها‬ ‫وعايش أهوالها بجسده وأنفاسه‪ ،‬بأ ّيامه وكل‬ ‫ما ميثل ذاته‪ .‬سمعنا الكثري من قصص الحرب‬ ‫يرويها جنود أو مدنيون‪ ،‬لكن ّ‬ ‫جل القصص‬

‫التي وصلتنا عن الحرب رواها رجال‪ ،‬مل نسمع‬ ‫إال نادراً قصص الحرب ترويها نساء عايشنها‬ ‫ولسعنّ بنارها‪ ،‬وحملنّ ندوباً من آثارها العميقة‬ ‫يف األجساد واألرواح‪.‬‬ ‫و ُيشار إىل أن العرض األول لـ “ملكات سورية”‬ ‫كان عام ‪ 2013‬يف العاصمة األردنية عامن‪ ،‬التي‬ ‫لجأت إليها النساء السوريات فراراً من املأساة‬ ‫يف وطنهن‪.‬‬ ‫وفيام بعد تم تحويل قصة العرض إىل فيلم‬ ‫وثائقي فازت من خالله املخرجة ياسمني فدا‪،‬‬ ‫بجائزة أفضل وثائقي يف مهرجان أبو ظبي‬ ‫السيناميئ يف عام ‪.2014‬‬ ‫ً‬ ‫وتشارك بالعروض التي تقدم حاليا يف العاصمة‬ ‫الربيطانية عرشة من طاقم العمل باملرسحية‬ ‫األصلية باألردن‪ .‬من بينهن ريم صياح التي تظهر‬ ‫عىل املرسح برفقة والدتها‪ ،‬وغريهنّ من النساء‬ ‫الاليئ يشرتكنّ يف قصص معاناتهنّ مع الحرب‬ ‫الدائرة رحاها يف بلدهنّ ‪.‬‬ ‫توثيق “الحيك النسايئ” فنيا ‪ً..‬‬ ‫تنسج ريم إىل جانب ‪ 12‬الجئة سورية غريها‬ ‫قصصهن الخاصة عن الحرب ضمن أحداث‬ ‫املرسحية األصلية‪ .‬ويف ترصيحات صحفية لها‪،‬‬ ‫تقول ريم‪ :‬ليس بيننا ممثالت ومل تحلم أي‬ ‫منا بأن تكون ممثلة – لذلك كان غريباً علينا‬ ‫عمل ذلك‪ .‬وتضيف‪ :‬رمبا ال يتحدث جميعنا‬ ‫اإلنجليزية‪ ،‬ولكن ميكن فهمنا من خالل لغة‬ ‫املرسح الدولية‪ .‬فالناس بحاجة لفهم أننا ناس‬ ‫مثلهم كانت لدينا بيوت وعائالت وشوارع‬ ‫وأحياء وجامعات وفقدنا كل ذلك بسبب‬ ‫الحرب‪ .‬وتتابع قائلة‪ :‬نحن ال منثل فالجمهور‬ ‫لن يشعر أننا نؤدي أدواراً متثيلية عىل الخشبة‪.‬‬ ‫فمثل ما يرى املتفرجون نحن نقدم قصصاً من‬ ‫واقعنا هي قصصنا‪ ،‬والنص نصنا‪ ،‬يعني كل يشء‬ ‫عىل املرسح صادر عنا وميثلنا‪ ،‬فالقصة ليست‬ ‫قصة متثيل بقدر ما هي تعبري عن الدواخل‬ ‫والوقائع ورسد للحقائق”‪.‬‬

‫وكانت املخرجة املساعدة شريين زعمط قد قامت بتنظيم‬ ‫العروض التجريبية (الربوفات) يف عامن إلعداد املمثالت‬ ‫ألداء أدوار مرسحية ألول مرة عىل مسارح بريطانيا‪ .‬وتؤكد‬ ‫زعمط أن املمثالت كنّ ّ‬ ‫يردن أن يتحدثنّ للعامل عن معاناتهن‬ ‫وسعادتهن وذكرياتهن‪ .‬وأضافت‪ ،‬بحسب ترصيحات نقلتها‬ ‫وكاالت أنباء عاملية‪ :‬هنّ نساء قويات ورغم معاناتهنّ فإنهنّ‬ ‫قادرات عىل تغيري عاملهنّ ‪ .‬الرسالة التي يقدمنها يف العرض‬ ‫واضحة جداً‪ .‬لكن ما الذي يحدث خالل املرسحية‪ ،‬ما الذي‬ ‫يحرك الجمهور ويصل إىل عقله وقلبه؟ ذلك هو أهم يشء‪.‬‬ ‫بدورها قالت املخرجة الربيطانية زوي الفريت إنها معجبة‬ ‫بهؤالء النساء الاليئ ليس لديهنّ خلفية يف التمثيل‪ .‬وتابعت‪:‬‬ ‫من غري املعتاد أن نسمع تجارب متر بها النساء أثناء الحرب‬ ‫إنه ملن املثري حقاً أن تكون لديك مرسحية تركز عىل الرسد‬ ‫النسايئ‪ ،‬فغالباً ما تسمع يف الحرب رسد الرجال‪ ،‬وال تسمع‬ ‫من خالل املرأة ّ‬ ‫عم يحدث للمرأة‪ .‬وهكذا فهذا ‪ -‬سواء‬ ‫داخل املرسحية أو يف الواقع ‪ -‬فضاء فسيح الستكشاف‬ ‫الحيك النسايئ‬


‫نشرة ثقافية‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫أعلن برنامج “تحضري”‬ ‫عن إطالق سوريا أو يف أي مكان آخر‪ ،‬كام سيتم‬ ‫الجولة الثانية من الجوالت‬ ‫التدريبية إدارتها من قبل موظفي الربنامج طوال‬ ‫الثالثة ملسا‬ ‫عدة أكرب عدد من السوريات فرتة الربنامج‪.‬‬ ‫والسوريني عىل أن‬ ‫يصبحوا أكرث فاعلية يقدم برنامج “تحضري” تدريباً أكادميياً‬ ‫يف بناء سوريا السالم والدميقرا‬ ‫طية والتي وعملياً ميكن استخدامه يف أنواع مختلفة‬ ‫تشمل كل أبنائها بحق املوا‬ ‫طنة وإعادة من الخدمات الحكومية‪ ،‬يف رشكات‬ ‫بناء حياة مشرتكة بعد انتهاء النزاع‪.‬‬ ‫القطاعني العام والخاص‪ ،‬وكذلك يف‬ ‫وبحسب ترصيح لنائب م‬ ‫دير مبادرة القطاع غري الربحي‪ .‬ويدار من قبل‬ ‫اإلصالح العريب يف باريس‬ ‫املعارض مبادرة اإلصالح العريب بالتعاون مع مركز‬ ‫السوري د‪ .‬سالم الكواكبي‪،‬‬ ‫فإنه من “أولوف بامل” يف السويد‪ ،‬وجمعية “إىل‬ ‫املقرر بدء الجولة الثانية يف ‪3‬‬ ‫ترشين سوريا”‪ ،‬وبدعم من االتحاد األورويب‬ ‫األول‪ /‬أكتوبر ‪ 2016‬والتي ست‬ ‫كون عرب والوكالة السويدية للتعاون اإلمنايئ الدويل‬ ‫منصات تعليمية تفاعلية‪ ،‬وا‬ ‫لتي تم (‪ ،)SIDA‬وستمنح شهادة الدبلوم من‬ ‫تصميمها لتصل‬ ‫لجميع السوريني داخل قبل هذه الهيئات‪.‬‬

‫الجئة سورية‬ ‫في هولندا‬ ‫تصدر روايتها‬ ‫األولى ولم‬ ‫تتجاوز ال ‪13‬‬ ‫عام ًا‬

‫أعلن املرسحي والكاتب السوري املعارض‬ ‫غسان جباعي‪ ،‬أنه تم أخ ًريا صدور روايته‬ ‫“املطبخ”‪ ،‬عن دار النرش السورية “دار‬ ‫كتابوك” االلكرتونية ‪( -‬أول دار نرش عربية‬ ‫الكرتونية‪ ،‬يديرها د‪.‬خلدون النبواين ومقرها‬ ‫باريس)‪ ،‬وذلك بعد انتظار سنة ونيف من‬ ‫اعرتاض مجلس اإلعالم األعىل يف اإلمارات‬ ‫العربية عىل نرشها يف “دار روايات” يف‬ ‫الشارقة‪.‬‬ ‫و”املطخ” رواية تقع يف (‪ 156‬صفحة) وقد‬ ‫صمم غالفها الفنانة دياال مسعود‪ ،‬ويدور‬ ‫موضوعها عن الذاكرة وإعادة إنتاجها فن ًيا‬ ‫ومعرف ًيا؛ الذاكرة الحقيقية واالنتقائية‪،‬‬ ‫والتاريخ عمو ًما‪ ،‬ودور الصورة والكلمة يف‬ ‫إعادة إنتاج املعرفة‪.‬‬ ‫وسؤال جباعي يف نصه هذا هو‪ :‬هل ميكن أن‬ ‫تكون الذاكرة منصفة؟ وما هي الفائدة من‬

‫ترتق إىل‬ ‫ذكرها وتكرارها‪ ،‬إن مل ِ‬ ‫مستوى املعاناة اإلنسانية النابعة‬ ‫من التجربة الشخصية‪ ،‬والهموم‬ ‫الحقيقية؟ إن أفضل الذكريات‬ ‫وأصدقها‪ ،‬هي تلك التي نعيشها‬ ‫بأنفسنا‪ .‬والذاكرة املزورة‪ ،‬يف أفضل‬ ‫الحاالت‪ُ ،‬تعترب ذاكرة انتقائية!‬ ‫وهي ُتك ّرس عادة لتغليف الكذب‬ ‫بالصدق‪ ،‬وتزييف الحقائق‬ ‫باألساطري والخرافات املدهشة‪.‬‬

‫الساكسفون‬ ‫عالمية لعازف‬ ‫جولة‬ ‫باسل رجوب‬ ‫السوري‬

‫يف جولة تقوده ملدن‬ ‫ل رجوب هذه األيام‬ ‫اكسفون السوري باس‬ ‫ن مرشوعه املوسيقي‬ ‫يقوم عازف الس‬ ‫“ملكة الفريوز” (ضم‬ ‫إلطالق ألبومه األخري‬ ‫امل العريب بباريس يف‬ ‫عربية وعاملية‪،‬‬ ‫وسيقي يف معهد الع‬ ‫املقرر إقامة حفل م‬ ‫وكارنو ورومانسهورن‬ ‫ن‬ ‫“سوريانا”)‪ .‬وم‬ ‫حفالت ستقام يف مدن ل‬ ‫تمرب ا ُملقبل‪ ،‬فض ًال عن‬ ‫ألول‪ /‬ديسمرب ‪،2016‬‬ ‫سب‬ ‫شهر أيلول‪/‬‬ ‫فمرب‪ .‬ويف شهر كانون ا‬ ‫شهر ترشين الثاين‪ /‬نو‬ ‫عة “ويغمور” يف لندن‪.‬‬ ‫السويرسية يف‬ ‫موسيقى رجوب يف قا‬ ‫ساكسفون يف املدرسة‬ ‫سيكون موعد عشاق‬ ‫وقته بني تدريس آلة ال‬ ‫ته هذه‪ ،‬يقيض رجوب‬ ‫ف موسيقى جديدة‬ ‫وبني مشاركا‬ ‫عىل هذه اآللة وتألي‬ ‫ف‪ ،‬والتمرين اليومي‬ ‫الدولية بجني‬ ‫ت وتونس‪ ،‬كام أحيا‬ ‫ملشاريعهالقادمة‪.‬‬ ‫لربيع املقامة يف بريو‬ ‫شارك يف مهرجانات ا‬ ‫وزيورخ السويرسية‪.‬‬ ‫وكان رجوب قد‬ ‫جنيف وبرن وروجمو‬ ‫الت موسيقية يف مدن‬ ‫حف‬

‫ثقافة‬

‫أعلن الكاتب والناقد السوري أحمد جاسم الحسني أن كربى دور النرش‬ ‫الهولندية نرشت رواية ابنته “رشا” التي مل يتجاوز عمرها ال ‪ 13‬عاماً والتي‬ ‫حملت عنوان‪( :‬ظالل البحر) والتي تعترب الرواية األوىل لها‪ ،‬وقال الحسني‬ ‫عىل صفحته يف موقع “الفيسبوك”‪“ :‬مام زاد فرحتي أنه حني سألت رشا‬ ‫عن النقود التي سوف تجنيها من مردود هذه الرواية أجابت بكل ثقة (هي‬ ‫لألطفال السوريني الذين كتبت عنهم)”‪ .‬وأضاف‪“ :‬أبكتني هذه الطفلة”‪.‬‬ ‫وتنحدر الطفلة رشا الحسني من أرسة تعترب من وجوه الثقافة السورية‬ ‫املعارصة‪ ،‬فوالدها هو الناقد الدكتور أحمد جاسم الحسني‪ ،‬ووالدتها الكاتبة‬ ‫والسيناريست الدكتورة آراء الجرماين‪ ،‬وكانت أرستها قد غادرت إىل هولندا‬ ‫بعد أن اقرتبت آلة الحرب إىل مكان إقامتهم يف إحدى ضواحي دمشق‪.‬‬

‫صدور رواية‬ ‫“المطبخ”‬ ‫لغسان جباعي‬ ‫العدد ‪2016 / 7 / 19 - 73 -‬‬

‫“تحضير”‬ ‫يطلق جولة‬ ‫جديدة‬ ‫للسوريين لبناء‬ ‫سوريا السالم‬ ‫الديمقراطية‬

‫‪17‬‬


‫‪4‬‬ ‫‪18‬‬

‫عزازيل‬ ‫وانتهاء مفتوح (جزء ثاني)‬ ‫دء ُمفترض‬ ‫ٌ‬ ‫َب ٌ‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2015 // 78 // 19‬‬ ‫‪2 - 73‬‬

‫ثقافة‬ ‫لقاءات‬

‫با ّللغة القبط ّية‪ ،‬لغته األصل‪ ،‬ومن مكان متتزج‬ ‫فيه األرض واملاء بالسامء يف وادي النيل‪ ،‬كانت بدايته‬ ‫الثانية‪ ،‬بعد والدته األوىل جنوب “أسوان” يف صعيد‬ ‫مرص‪ ،‬ومروره املعر ّيف يف “نجع حامدي” و”أخميم”‬ ‫و”اإلسكندرية”‪ ،‬ومن ثم “نسطوريته” يف “أورشليم‬ ‫القدس” و”أنطاكية”‪ .‬واقتدا ًء بالهرمس ّية واألفالطونية‬ ‫ا ُملحدّثة والفيثاغور ّية ا ُملحدّثة وأفلوطني قال‪“ :‬باسمك‬ ‫أيها املتعايل عن االسم‪ ،‬املتقدِّس عن الرسم والقيد‬ ‫والوسم‪ُ .‬أخيل ذايت لذاتك‪ ،‬يك ُي ُ‬ ‫رشق بهاؤك األز ُّيل عىل‬ ‫َّ‬ ‫وتتجل ِّ‬ ‫بكل نورك وسناك ورونقك‪ .‬باسمك‬ ‫مرآتك‪،‬‬ ‫ُأخيل ذايت لذاتك ُألولد ثاني ًة من َر ِح ِم قدرتك‪ ،‬مؤيداً‬ ‫برحمتك”‪ .‬فذاته‪ ،‬إما ْأن يحتلها الله املتعايل باإلرشاق‬ ‫والرعاية‪ ،‬وإما ْأن يحتلها الشيطان املحايث بالوسوسة‬ ‫هرميس‬ ‫والضياع‪ ،‬والثالث مرفوع‪ ،‬وما هذا سوى قول‬ ‫ّ‬ ‫بامتياز! مل يتجاوز فيه فرديته وسلبيته يف تحويل‬ ‫معاناته إىل معاناة اجتامعية ومن ثم عاملية‪ ،‬واكتفى‬ ‫بالهروب ودفن مذكراته‪ّ ،‬‬ ‫عل األجيال القادمة والزمن‬ ‫يحلون التناقض له‪ .‬يقول‪“ :‬ولسوف أدفن معه خويف‬ ‫املوروث‪ ،‬وأوهامي القدمية كلها‪ .‬ثم ُ‬ ‫أرحل مع رشوق‬ ‫الشمس ُح َّراً”‪ ،‬وكلمة “ح ّر” هنا تنتمي لنظام معر ّيف‬ ‫ِ‬ ‫يفيد التحرر من الجسد ومتطلباته لالتحاد بالله‬ ‫املفارق‪ .‬وما ْتركه للمساحة البيضاء يف معظم ال ّر ّق‬ ‫األخري إال من األمل مبلئه بتدوين آخرين‪.‬‬ ‫عالقة الالهوت بالناسوت يف ذات املسيح عالقة ذات‬ ‫طابع جد ّيل‪ ،‬فريقٌ يؤكد وحدة الالهوت والناسوت‬ ‫ٍ‬ ‫فيجعل من املسيح إلهاً‪ ،‬وفريقٌ قال بخصائص برش ّية‬ ‫يف وجود املسيح وفعله وإرادته مميزاً بينه وبني ما‬ ‫إلهي‪ .‬وقد م ّرت فكرة الرصاع الثنايئ بني‬ ‫فيه من عنرص ّ‬ ‫الخري ّ‬ ‫والش مبراحل متعددة‪ .‬ففي الفلسفة “الطاوية”‬ ‫الصيني‪ ،‬كان الرصاع بني‬ ‫“طاو”‬ ‫للفيلسوف‬ ‫نسبة‬ ‫ّ‬ ‫شيئني وجوديني مبارشين كالرصاع بني السيف والرتس‬ ‫(ماو‪/‬دون)‪ ،‬املرأة والرجل‪ ،‬الحاكم واملحكوم‪ ...‬وكان‬ ‫ُ‬ ‫سياق الدوران يضفي املعنى عىل هذا الرصاع الثنايئ‬ ‫الوجودي؛ فكل األشياء تدور‪ ،‬تولد فتموت‪ ،‬كون‬ ‫وفساد مستمر‪ ،‬صريورة وتغري بدون تقدم‪.‬‬ ‫انتقل هذا الرصاع الوجوديّ مع الفرس ومنو التفكري‬ ‫مفهومي بني إله الخري “أهورا مازدا”‬ ‫املجرد إىل رصاع‬ ‫ٍّ‬ ‫وبني إله الرش “أهرميان”‪ِّ .‬‬ ‫للش إله كام للخري إله‪،‬‬ ‫ومن واجب اإلنسان ْأن ينارص إله الخري عىل إله ّ‬ ‫الش‬ ‫فينمو مفهوم الواجب عند اإلنسان واملسؤولية‪ .‬ومع‬ ‫الفلسفة اليونانية والتعمق بالتجريد واملفاهيم ظهر‬ ‫الله القضاء أو “اللوغس” عىل يد “هرياقليط”‪ ،‬وتم‬ ‫تخفيض إله ّ‬ ‫الش لصالح اللوغس‪ .‬وهذا اللوغس ال‬ ‫يشمل الرعاية بل القضاء فحسب‪ .‬ولكن مع دين الله‬ ‫الواحد‪ ،‬اليهودية واملسيحية واإلسالم‪ ،‬تحول الله إىل‬ ‫وتم تخفيض الرش إىل إبليس‬ ‫الله الواحد‪ ،‬الله الرعاية‪ّ ،‬‬

‫الذي يعادي اإلنسان ويوسوس يف صدره وال شأن له‬ ‫مع الله الواحد‪ .‬ومع الهلنستية والبيزنط ّية وال س ّيام‬ ‫اإلمرباطور “قسطنطني” صارت املسيحية األرثوذوكسية‬ ‫هي اإلميان القويم‪ ،‬فأعادت الله إىل السامء بعد أن‬ ‫كانت اليهودية قد أنزلته صوفياً إىل األرض‪ ،‬وهنا‬ ‫ظهرت مشكلة التجسيد والتأليه‪ ...‬ودارت النقاشات‬ ‫الجدل ّية حول مضمون العقيدة بوصفها محركاً للبرش‪.‬‬ ‫إذا كان اإلميان وحسب‪ ،‬هو إعطاء راحة وعطلة‬ ‫أبدية للعقل حسب “نيتشه”‪ ،‬فام بالكم باإلميان‬

‫القويم إذاً؟ ال ب ّد من أنه “العقل املستقيل” بذاته كام يقول‬ ‫والروحي!‬ ‫الزمني‬ ‫“الجابري”؛ أي املطيع للمعيار السلطويّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫برباعة أكادميية ُيحدِّد الروايئ الزمان واملكان والظروف‬ ‫والشخص ّيات التي ِّ‬ ‫تؤطر روايته “عزازيل”‪ .‬وبخيال‬ ‫شقي يفرتض حياة بطل الرواية “هيبا” الراهب املرصيّ ‪.‬‬ ‫ُمربزاً عقم الجدل البيزنطي‪ ،‬يف مضمون العقيدة‪ ،‬الذي‬ ‫م ّيز تلك الفرتة من تاريخ املسيح ّية‪ ،‬ومبيناً دور ما‬ ‫أقرته السلطة الزمن ّية والروح ّية من اإلميان القويم‬ ‫ومضمون العقيدة يف املجازر وجرائم القتل والتبشيع‬ ‫التي تعرض لها والد الراهب ووالده الروحي “نسطور”‬ ‫ووالدته التوفيقية “هيباثيا” وحبيبته أو أ ّمه “أوكتافيا”‬ ‫التي كانت أول مامرسة للجنس معها عبارة عن‬ ‫عملية إرضاع أ ّم البنها وعملية فطام‪ .‬يقول‪ “ :‬كانت‬ ‫طريقتها‪ْ ،‬أن ُأريح خدي األمين عىل نهدها األيرس‪،‬‬ ‫حتى يلتصق ِشقُّ وجهي بنعومة صدرها املمتلئ‪...‬‬ ‫بكتفي‪ ،‬أحسست‬ ‫وحني أحاط باطنُ ذراعها اليرسى‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫أنها احتوتني لألبد‪َّ ،‬‬ ‫اضمحل حتى تالىش‬ ‫وأن وجودي‬ ‫بحضنها الدافئ‪ .‬براحتها اليمنى ر ْ‬ ‫احت تق ِّرب القنينة‬ ‫(قنينة النبيذ) من شفتي‪ ،‬فتداعب بفم القنينة فمي‪،‬‬ ‫ثم تسكب يف روحي رشفات من نبيذها الساموي‪ .‬مل‬ ‫أذق مثل هذا النبيذ‪ ،‬ومل أرشب بعد أيامي هذه مع‬ ‫أوكتافيا أي نبيذ (فطام)‪ ...‬ملا ارتويت أغمضت عيني‪،‬‬ ‫فأحسست بخد ٍر يتخ َّلل روحي‪ ،‬ويرتفع يب إىل آفاقٍ‬ ‫الوثني‪،‬‬ ‫علو ّية”‪ .‬وكل هذا للتأكيد عىل تغلغل الفكر‬ ‫ّ‬ ‫أي الفلسفي يف الجدال‪ ،‬وما تفرع عنه من هرمس ّية‬ ‫وغنوص ّية‪ .‬ليوحي لنا بأن هذه األفكار ما هي إال‬ ‫“حصان طروادة” الذي اخرتق حصن اإلميان القويم‬ ‫وفخخه من الداخل‪ ،‬ال ليقول َّإن هذا التامزج الفكريّ‬ ‫قد أغنى الفكر البرشيّ عموماً‪ .‬ويبقى السؤال‪ :‬هل‬ ‫اإلميان القويم قويم فع ًال؟! أ ْم َّأن هناك ما هو أقوم؟‬ ‫أ ْم ك ّله مايش‪ ،‬وال تفاضل يف اإلميان؟‬ ‫نشط الروايئ يف تحديد الرشوط االبتدائية والظروف‬ ‫التاريخية والوثائق واألعوام واألمكنة‪ ...‬حدّد الزمان‬ ‫واملكان ومل يستطع تحديد النهاية فظلت مفتوحة عىل‬ ‫املجهول‪ .‬وافرتض شخصية رئيسية تكون بطلة الرواية‬ ‫وهي شخصية “هيبا” الراهب املرصيّ الذي امتنع‬ ‫كالم‬ ‫حتى اللحظة األخرية عن النطق مبا يعرتيه من ٍ‬

‫شوكت غرزالدين‬

‫وشوق وشغف وحب وحقيقة‪ ،‬رابطا كل هذا بالله‬ ‫ومعترباً أياه شيئاً زائ ًال مقابل الله الرسمديّ ‪ .‬فهل هو‬ ‫رسمديٌّ فع ًال؟!‬ ‫إىل متى ُن ِّثل متثيلية النكران؟ ُننكر صدور ّ‬ ‫الرش‬ ‫والقبح والباطل عن الله وننكر صدورهم أيضاً عن‬ ‫اإلنسان بوصفه صور َة الله واملستخلف باألرض‪،‬‬ ‫وننسب الرش والقبح والباطل للشيطان‪ ،‬لعزازيل‪،‬‬ ‫ونعتقد بصدورهم عن الخطيئة األصل ّية‪ ...‬ال أيها‬ ‫السادة والسيدات‪ ،‬إن ّ‬ ‫الش والقبح والباطل يصدر عنّا‬ ‫نحن البرش‪ ،‬كام يصدر عنّا املقدس واإلميان القويم‪ ،‬وال‬ ‫يصدر عن عزازيل بتاتاً أو عن خطيئة آدم‪ .‬وبالرغم من‬ ‫إشارة الروا ّيئ أكرث من م ّرة إىل صدور املقدس وعزازيل‬ ‫املد ّنس من وهم وظن واعتقاد البرش ابقى النفس‬ ‫البرش ّية قبس إلهي‪ ،‬ال يعرتيها التدّنيس ببرشى الخالص‬ ‫املسيحي والفداء‪ ،‬وربط صدور ّ‬ ‫الش والقبح والباطل‬ ‫ّ‬ ‫بالخطيئة األصل ّية التي ارتكبها يوماً ما آدم ابو البرش‪.‬‬

‫ُتعيد الرواية مركزية اإلنسان مضطربة ومشوشة‬ ‫ومتناقضة‪ ،‬عندما ترفض صدور ّ‬ ‫الش والقبح والباطل‬ ‫عن الله‪ ،‬وكذلك ترفض صدورهم عن عزازيل أو‬ ‫الشيطان‪ ،‬وتربطهم باإلنسان كام ربطت صدور‬ ‫القداسة واإلميان القويم باإلنسان أيضاً‪ ،‬فمن وهمه‬ ‫وظنه واعتقاده يصدر الله والنقيض أو الشيطان‪،‬‬ ‫ويصدر الرش والقبح والباطل كام يصدر املقدس‬ ‫واإلميان القويم‪ ...‬ولكن مبع ّية الخطيئة األصل ّية‬ ‫ومعناها‪ .‬وهذا انتكاس ملركز ّية اإلنسان الضعيف‬ ‫ّ‬ ‫والهش أمام ما يعتقده البطل من ترابط كو ّين وساد ّية‬ ‫ً‬ ‫الله ورعويته ورحمتنه‪ .‬فام زلنا خرافا حسبه‪ ،‬يقودنا‬ ‫الله إىل املرعى‪ ،‬ويعيدنا إىل الزريبة‪ ،‬ويذبحنا ملصلحته‪،‬‬ ‫ويج ّز صوفنا ويحلبنا ملصلحته وما لنا أي تدبري‪ .‬فعن‬ ‫أية مركز ّية تحدثنا الرواية؟ إنها ّ‬ ‫تدق الباب وال تدخل‪.‬‬ ‫يجب ْأن ال نهرب كام هرب بطل الرواية‪ ،‬وعلينا‬ ‫مواجهة تناقضاتنا املنجدلة عىل تناقضاته‪ ،‬وعلينا ْأن‬ ‫ال نستبدل إميانا قوميا بآخر‪ ،‬وميكن لنا نقد فكرة‬ ‫اإلميان القويم‪ ،‬خط االستواء‪ ،‬املعيار الذي ُتقتل البرش‬ ‫استناداً إليه‪ .‬ويتعدى اإلميان القويم اآلن إىل الوطن ّية‬ ‫القومية‪ ،‬والقومية القومية‪ ،‬واملاركس ّية القومية والحزب‬ ‫القويم‪ ...‬لِنُذبح كالخراف! ّ‬ ‫وكل احتجاج أو نقد للقويم‬ ‫ما هو إال خراف ضالة ومتآمرة ومندّسة وإرهاب ّية‪...‬‬ ‫وننىس يف خضم هذه الفوىض َّأن كل حياتنا انزياح‬ ‫عن خط االستواء‪ ،‬وشذوذ عن املعيار‪ .‬اليشء الذي‬ ‫يؤكد أ َّنه التفاضل بني إميان قويم وآخر‪ ،‬وبني وطن ّية‬ ‫قومية وأخرى‪ ،‬وبني حزب قويم وآخر‪ .‬فلننتقل من‬ ‫عامل االفرتاض إىل فضاء الحر ّية ولكن ليس باملعنى‬ ‫الصو ّيف أو مبعنى عزازيل أو الخطيئة األصل ّية‪ .‬فنحن ال‬ ‫نستطيع مواساة “هيبا”‪ ،‬وال ملئ الرقوق كام يشتهي‪،‬‬ ‫فلنواس أنفسنا و ُند ِّون جديدنا‪.‬‬


‫إلى نجمتي‪ ..‬رزان‬

‫يوميات ياسمين ‪10‬‬

‫بالبلوك والسكاكني‪ ،‬كلو طلع‪ .‬يعني معقويل أين أول واحد‬

‫شوف العقيد‪ ،‬لك شو بدي قلو‪ ،‬كيف بدي واسيه؟”‪.‬‬ ‫وضعت “أم مؤيد” يدها عىل صدر زوجها‪ ،‬وأشارت‬

‫سالم الغوطاني‬ ‫من عمق مغارة آخرها هنا وأولها عند اإلنسان األول‪،‬‬ ‫قبل نوح والطوفان‪ ،‬قبل يونس والحوت‪ .‬أولها عند‬ ‫أول إنسان شاهد عورته وامتشق السالح‪ ..‬والسؤال‪..‬‬ ‫“أبو مؤيد” الفرح بكرس الصمت القاتل‪ ،‬واستجابة‬ ‫العقيد له لبدء مهمته الصعبة (رحلة املواساة) قال‪:‬‬ ‫وحد الله‪ ،‬هيك الله كاتب‪ ،‬خ ّيك‬ ‫“أبو املعتصم ّ‬ ‫قبضاي بس سمع يف مظاهرة بحران العواميد دغري‬ ‫طلع‪ ،‬نصيبو هيك‪ ،‬وهوي راجع عىل موتورو من‬ ‫ح ّران عالعتيبة مسكوا وصار ييل صار‪ ،‬وأنت عارف‬ ‫إنو “الح ّر” مش مسيطر عالطرق‪ ،‬الطرق كلها بإيد‬ ‫“النظام”‪ .‬وين بتحب تروح أبو املعتصم؟ عالبيت وال‬ ‫عالجامع؟ بليك منلحق صالة الجمعة‪ ،‬والله العتيبة‬ ‫كلها مشتقتلك”‪.‬‬ ‫بعد دقائق من الصمت املعبأ برشايني عنق العقيد‬ ‫كام الحظها “أبو مؤيد” باسرتاقاته النظر‪ ،‬أجاب “أبو‬ ‫املعتصم”‪“ :‬ال ما بدي جوامع‪ ،‬خذين ُ‬ ‫عالتبة‪ ،‬وبعدين لعند‬

‫الشباب‪ ،‬أين عـ”الشام” معش راجع‪ ،‬ويشهد الله عليي ما‬

‫بفوتها غري ونحنا رايحني نس ّقط هالحقري الوسخ‪.”..‬‬ ‫قبورنا جزر معزولة ُتزار لتجديد العهد‪ ...‬هي اجتامع‬ ‫الرصاخ والحزن واألهازيج‪ ،‬اليأس واألمل‪ .‬هي الثمن‬ ‫واملجد‪ ،‬املوت والوالدة‪ .‬هي ماليني القصص‪..‬‬ ‫لن ينىس “أبو مؤيد” ما حيي رصخة انشقاق “أبو‬ ‫املعتصم” لحظة نزوله من السيارة‪ .‬فشعر أن األرض‬ ‫ٌ‬ ‫كلامت غري التي ُتقال‪،‬‬ ‫ارتجت‪ ،‬والضوء خفت!‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مزروعة تلك الرصخة بها!‬ ‫وأحرف غري التي ُتلفظ‪..‬‬

‫شهادات‬

‫التاريخ ‪13/1/2012‬‬ ‫كرثة الحفر واملطبات عىل الطريق العائد من دمشق‬ ‫إىل العتيبة‪ ،‬سمحت للسائق باختالس النظر‪ ،‬كلام‬ ‫ارتجت سيارة “الالنرس”‪ ،‬إىل الضابط الجالس يف‬ ‫ّ‬ ‫املقعد الخلفي‪.‬‬ ‫“أبو مؤيد” السائق األشهر يف “حران العواميد”‬ ‫ومحيطها استفاق مذعوراً هذا الصباح‪ ،‬إثر تلقيه‬ ‫اتصاالً عند الفجر‪“ :‬معك ساعتني بتكون بكراجات‬ ‫الربامكة بدك تجيب سيادة العقيد أبو املعتصم‪،‬‬ ‫هوي طالبك باالسم”‪ .‬مل يستطع بوجهه الشاحب‬ ‫منع نفسه من التمتمة‪“ :‬الله يسرت‪ ،‬الله يسرت‪ ،‬ال‬ ‫حول وال قوة إال بالله”‪.‬‬ ‫استوقفه عن املسري ذهاباً وإياباً االستفسار الحاين‬ ‫لوجه زوجته التي فقدت القدرة عىل النطق بعد‬ ‫اعتقال ابنها “مؤيد”‪ .‬قال لها بصوت يشبه أغنية ما‬ ‫قبل املطر‪“ :‬وحياتك يا حجة‪ ،‬التلفون مالو عالقة‬ ‫بحبيبنا مؤيد‪ ،‬بدهن ياين جيب أبو املعتصم”‪ .‬هزّت‬ ‫برأسها مستغرب ًة هلعة‪ .‬أجابها‪ “ :‬أنتي عاريف أنو خيو‬ ‫ألبو املعتصم ش ّيعوا أول مبارح‪ ،‬والزملي ما عطوه‬ ‫إجازة ليحرض‪ ،‬بس حكوا مبارح قدامي أنو انعرض‬ ‫عـ”العربية” كيف الشبيحة قتلوا قاسم‪ ،‬عارضني‬ ‫حتى كيف حرقولو شعر راسو وهوي عايش‪ ،‬ورضبوه‬

‫له باليد األخرى عىل قلبه‪“ :‬فهمت علييك يا غالية يا‬ ‫أم الغايل‪ ،‬كلنا قلبنا معبا‪ ،‬وكلنا عنا مصايب‪ ،‬إى والله‬ ‫الكل مجروح‪ ،‬والكل واجبو ّ‬ ‫يعضد بعضو‪.”..‬‬ ‫عند “دوار البيطرة”‪ ،‬ومع بدء مغادرة “الالنرس”‬ ‫بحمولتها ملدينة التاريخ‪ ،‬دمشق‪ ،‬مدينة التاريخ‬ ‫والياسمني‪ ..‬والصمت‪ ،‬شعر أبو مؤيد أنه يستطيع‬ ‫الكالم وكأن زحام املدينة ليس إال مجموعة كبرية من‬ ‫آذان املخربين املخيفة‪“ :‬الله يرحمو الشهيد قاسم‪،‬‬ ‫كلنا منتعزا يف‪ ،‬كان خي وحبيب للجميع‪ ،‬قبضاي وما‬ ‫بيخاف غري من ربو”‪..‬‬ ‫العقيد الباحث عن الكلامت التي ضاعت بني‬ ‫ثنايا املشهد الصادم‪ ،‬رأى رأس قاسم املحروق‪،‬‬ ‫وكيف ُضب بالحجارة‪ ،‬سمع صوت أنينه‪ ،‬وسمع‬ ‫صوت جوعهم للموت‪ ،‬سخريتهم الوقحة‪“ :‬بدك‬ ‫الحوريات؟ إسا منطلعك لعندهن”!‬ ‫ً‬ ‫رأس “أبو املعتصم” الذي كان مليئا باألجمل من‬ ‫األحالم‪ ،‬أحالم تغذيها فكرة تغيري البلد‪“ :‬الزم نرجع‬ ‫نغي فيها لنشعر إنها‬ ‫نحس إنها بلدنا‪ ،‬رح نظل ّ‬ ‫ّ‬ ‫رجعت بيتنا”‪ ،‬هكذا كان يقول‪ .‬لكن هذا الرأس‬ ‫الجميل بأحالمه وأفكاره ُأفرغ منها وامتأل بيش ٍء‬ ‫واح ٍد فقط؛ ٌ‬ ‫رشيط ك ّلام انتهى يبدأ من جديد‪ ،‬يستمر‬ ‫ً‬ ‫مرغوب وقهريٍّ أيضا‪ ،‬رشيط مقتل‬ ‫بالدوران وبشكلٍ‬ ‫ٍ‬ ‫“قاسم” أو باألحرى طريقة مقتل “قاسم”‪“ .‬كيف‬ ‫مسكوا لقاسم‪ ،‬وين شباب “الح ّر”؟ ما عىل أساس‬ ‫قادم‬ ‫حاميني املظاهرة؟!” قالها‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت مخنوقٍ ‪ ،‬كأنه ٌ‬

‫رنا زيتونة‬

‫العدد ‪- 73 -‬‬

‫الليل طويل يا صغرييت‪ ..‬أطول وأشد ظلمة مام عهدتيه‪.‬‬ ‫ظالمه خانق‪ ..‬ورائحته نتنة تكتم أنفاسنا لنموت‪ ..‬أو نشهد‬ ‫قتلنا ألف مرة!‬ ‫أعتذر منك صغرييت‪ ..‬أيتها الجميلة املنرية التي تبعث شعاعاً‬ ‫جمي ًال دافئاً‪ ،‬وعبرياً كياسمني دمشق‪..‬‬ ‫أينام كنت‪ ..‬أنت أميل املنتظر خلف تلك الغيوم السوداء‪..‬‬ ‫أحملك بقلبي وإحسايس‪ ..‬وأراك يف عيون أوالدي‪ ..‬كم هم‬ ‫فخورون بك!‬ ‫كم أنا فخورة بك!‬

‫‪2016 / 7 / 19‬‬

‫حبيبتي رزان‪..‬‬ ‫اشتقت لك‪ ،‬لضحكتك‪ ..‬مزاحك‪ ..‬طيبتك‬ ‫واهتاممك بكل من حولك‪ ،‬وتوقك للحرية‪..‬‬ ‫اشتقت لرسائلك‪ ..‬للضوء األخرض بصفحتك!‬ ‫اليوم بني كل األيام‪ ،‬رمبا أقوى عىل إكامل‬ ‫رسالتي للمرة األوىل‪ ،‬وأقوى عىل إخبارك مبا‬ ‫يحدث‪ ،‬ورمبا ‪-‬ككل مرة‪ -‬أمزقها خج ًال منك‬ ‫وغضباً عىل غدر هذا العامل القذر‪.‬‬ ‫األيام باعدت بيننا‪ ،‬مسافات‪ ..‬محيطات‪..‬‬ ‫وجبال ووديان‪..‬‬ ‫لكن الحنني يكرب‪ ..‬ومل تستطع تلك املسافات‬ ‫أن تفرقنا‪ ،‬وكنا دامئاً نجد طريقة نتواصل‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫اشتقت لك بعدد النجوم التي عددناها‬

‫ونحن صغاراً‪ ..‬ليايل دمشق‪ ،‬وكتب غادة‬ ‫السامن‪ ،‬ورسم أحالم بالسامء‪..‬‬ ‫نجامتنا الحلوة التي أسميناها بأحالمنا؛ كل‬ ‫نجمة كان لها مكان يف سامئنا ‪..‬‬ ‫سامء‪ ..‬ال أمل وال ضياع وال بعد وال جراح‪..‬‬ ‫واآلن أصبح مكان كل نجمة عيون تعاتبنا‬ ‫عىل تقصرينا وقلة حيلتنا‪ ..‬تتساءل ماذنبي؟‬ ‫ملَ أقتل وأجرح وأخطف وأترشد؟!‬ ‫ملاذا هذا الصمت الرهيب وهذه الوجوه‬ ‫املشوهة دون عيون؟‬ ‫ال أكاد أغمض عيني حتى أرى صورتك‬ ‫املصدّعة‪ ،‬وصور أطفال باكية تالحقنا عيونها‬ ‫باللوم‪.‬‬ ‫ال أدري متى تحول هذا العامل لهذه البشاعة!‬

‫‪19‬‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.