طلعنا عالحرية / العدد 72

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪72‬‬

‫خالد العيســى‪ ..‬شهيد الغدر‬ ‫‪2016 / 6 / 29‬‬

‫قسم المرأة‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع داخل‬ ‫سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعشات السورية يف الخارج‬

‫جديد طلعنا عالحرية‬


‫‪2‬‬

‫المرأة الســورية ستنهض من‬ ‫تحت الرماد كالعنقاء‬ ‫افتتاحية بقلم يارا بدر‬

‫العدد ‪2016 / 6 / 29 - 72 -‬‬

‫عانت املرأة السورية ‪-‬كام املجتمع والدولة‬ ‫يف سوريا‪ -‬طوال عقود من حكم السلطة‬ ‫القمع ّية الديكتاتور ّية التي وجدت يف دعم‬ ‫املنظومة البطرك ّية الذكور ّية حامياً لسلطتها‬ ‫الديكتاتورية‪ ،‬وشهدنا جميعاً كيف ح ّور التاريخ‬ ‫السوري وز ّيف‪ ،‬وش ّوهت صورة املجتمع واملرأة‬ ‫يف مسلسل يسء مثل “باب الحارة” الذي لقي‬ ‫دع ًام وترويجاً تجاوز حدود الوطن السوري‬ ‫ليقول كذبه للعامل العريب وللمواطن السوري‬ ‫أساساً‪ّ ،‬‬ ‫بأن تلك هي صورة املرأة السورية‬ ‫وذاك ماضيها‪ ..‬الصورة التي حاول القامئون‬ ‫ومشجعيه‬ ‫والداعمون لهذا املسلسل الدرامي‬ ‫ّ‬ ‫من أشباه الصحفيني واملثقفني ترويجها‪.‬‬ ‫إقبال قارصيل التي ولدت عام (‪ )1925‬وتوفيت‬ ‫عام (‪ )1969‬كانت رائدة يف الفن التشكييل‬ ‫عىل املستوى العريب والعاملي‪ .‬كام شهد عام‬ ‫(‪ )1920‬أول دخول للمرأة السورية يف السلك‬ ‫العسكري‪ ،‬عندما منح “امللك فيصل” السيدة‬ ‫“نازك العابد” رتبة نقيب يف الجيش السوري‪،‬‬ ‫ويف سوريا يحق للمرأة املشاركة يف االنتخابات‬ ‫واإلدالء بصوتها منذ العام ‪ .1949‬أ ّما “ماري‬ ‫عجمي” التي ولدت عام (‪ )1888‬وتوفيت عام‬

‫(‪ )1965‬فقد أنشأت أول مجلة نسائية باسم‬ ‫وأسست “النادي األديب‬ ‫“العروس” عام (‪ّ ،)1910‬‬ ‫النسايئ” يف دمشق‪ ،‬وجمعية “نور الفيحاء”‬ ‫وناديها‪ ،‬ومدرسة لبنات الشهداء (‪،)1920‬‬ ‫تأسست يف‬ ‫وكانت عضو “الرابطة األدبية” التي ّ‬ ‫دمشق أوائل العرشينيات‪.‬‬ ‫املرأة السورية مل ترض بالصورة النمط ّية لدور‬ ‫األم واملمرضة يف الحرب‪ ،‬فهي ‪-‬كام يف زمن‬ ‫السلم‪ -‬هي يف زمن الحرب رشيكة كاملة يف‬ ‫صناعة التغ ّيري‪.‬‬ ‫بعض النساء قاتلن ويقاتلن إىل جانب الرجال‬ ‫يف ساحات املعركة‪ ،‬والكثري منهنّ معتقالت‬ ‫اليوم يف سجون النظام‪ .‬بعض النساء اخرتن‬ ‫العمل السيايس‪ ،‬وبعض النساء ُكنّ طليعيات‬ ‫مثل “رزان زيتونة” املحامية التي عملت عىل‬ ‫توثيق انتهاكات النظام لحقوق اإلنسان والدفاع‬ ‫عن معتقيل الرأي يف سوريا سنوات قبل اندالع‬ ‫الثورة السورية‪ .‬وللمعتقالت السياسيات تاريخ‬ ‫طويل يف سجون النظام‪ ،‬وخالل السنوات‬ ‫الخمس املاضية مل تنج النساء من أن يكنّ‬ ‫معتقالت ومخطوفات حتى يف املناطق الخارجة‬ ‫عن سيطرة النظام‪.‬‬ ‫لكن إىل اليوم ال تزال معظم امليادين اإلعالم ّية‬ ‫والرسم ّية يتصدرها رجال‪ ،‬يقدّمون رؤيتهم‬

‫كلمة‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬ ‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫رئيس التحرير معاون رئيس التحرير‬ ‫ليىل الصفدي‬ ‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫قسم املرأة‬ ‫يارا بدر‬

‫لألمور السياسية والدينية وا ُملجتمع ّية‪ ،‬ولهذا‬ ‫السبب تفتح “طلعنا عالحرية” صفحاتها يف‬ ‫قسمها الجديد الخاص بقضايا املرأة‪ ،‬ليكون‬ ‫فضا ًء للنساء يقلنّ فيه كلمتهنّ ‪ .‬كاتبات‪ ،‬ر ّبات‬ ‫بيوت‪ ،‬نازحات‪ ،‬أمهات‪ ،‬فنانات‪ ،‬طبيبات‪،‬‬ ‫سياسيات‪ ،‬وكيفام شنئ أن يكنّ ‪.‬‬ ‫يف الكتابة ال يوجد خطأ أو صواب‪ ،‬فقط متنع‬ ‫اإلساءة إىل اآلخر ومعتقداته‪ ،‬حتى تلك التي ال‬ ‫نوافق عليها‪ .‬دون أن يعني هذا أ ّنه ال يحق‬ ‫للرجال املشاركة يف الكتابة‪ ،‬لكن هذه الكتابة‬ ‫ستكون حول قضايا تهم املرأة وتعنى مبشاغلها‬ ‫وبالحواجز التي وضعت أمامها لتمنعها عن‬ ‫التقدّم‪.‬‬ ‫أنا شخص ّياً أؤمن ّ‬ ‫بأن املرأة ‪-‬فطر ّياً‪ -‬أكرث حكمة‬ ‫وسياسة من الرجل‪ ،‬وقدرتها عىل الصرب وتح ّمل‬ ‫األمل بحكم طبيعتها البيولوجية أعىل من الرجل‪.‬‬ ‫املرأة تتأخر كثرياً لتعلن الحرب‪ ،‬وإن فعلت‬ ‫فهي تسري حتى النهاية‪ .‬كام أؤمن ّأن سوريا‬ ‫كام أملانيا بلد أنهكتها الحرب‪ ،‬وأنهكت رجالها‬ ‫وشبابها‪ ،‬بلد ستُبنى بأفكار وقوة النساء‪،‬‬ ‫ّإن العمل مع النساء اليوم هو العمل من أجل‬ ‫صورة سوريا التي ستكون يف املستقبل‪ .‬ولن‬ ‫تكون بالداً ُمغطاة باألسود‪ ،‬بل بيضاء جميلة‪،‬‬ ‫ستنهض من تحت الرماد كالعنقاء‪.‬‬ ‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬ ‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫املحرر االقتصادي‬ ‫الغالف‬ ‫وائل موىس‬ ‫سمري خلييل‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل ‪ -‬هاين عباس‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫خالد العيســى‪ ..‬شهيد الغدر‬

‫‪3‬‬

‫معتصم أبو الشامات‬

‫العدد ‪- 72 -‬‬

‫أرسة طلعنا عالحرية تتقدم بخالص العزاء واملواساة لذوي الشهيد خالد‬ ‫العيىس ورفاقه ومحبيه‪ ،‬شهيدنا الذي كان مثاالً للشجاعة واإلقدام‬ ‫والتضحية يف سبيل الكلمة الحرة وإيصال صوت الحق ورصخة الحرية‪.‬‬ ‫الرحمة للشهيد‪ ،‬والصرب لذويه‪ ،‬والنرص لثورة الحرية والكرامة‪.‬‬

‫‪2016 / 6 / 29‬‬

‫عىل نقله إىل أملانيا ولكن كانت الشهادة أقرب‬ ‫حيث أعلنت وفاته ليلة يوم الجمعة ‪ 24‬حزيران‬ ‫ودفن يف مدينته كفرنبل يوم ‪ 25‬حزيران‪.‬‬ ‫خلدته أمه غالية رحال بقولها “ شهيد ياعمري؟‬ ‫صار اسمك شهيد ‪...‬الله يهنيك يا أمي بإسمك‬ ‫الجديد ‪...‬صار اسمك شهيد ‪ ..‬أمنتيل الجنة‬ ‫قبل ماموت‪ ...‬داير بالك عليي بالدنيا واألخرة‬ ‫‪ ...‬رتحت هلق ياعمري؟ ‪ ...‬الله يهنيك ‪ ...‬الله‬ ‫يرىض عليك برضاي عليك ‪ ...‬ربينا سوا انا وانت‬ ‫كنت اقرب من روحي ايل ‪..‬تم قريب مني‬ ‫‪..‬خيل روحك معي ‪ ..‬بتكفيني روحك الطاهرة‬ ‫تزورين ‪ ..‬وتحسسني بوجودك ‪ ..‬انت ماعدت‬ ‫جسد ولحم‪ ..‬انت روح ‪ ..‬و رح ضل روح”‬ ‫كام خلده رفيق دربه رائد الفارس بقوله‪:‬‬ ‫“ أنطاكية الساعة الثالثة والعرشون من يوم‬ ‫الجمعة ‪ ٢٤‬حزيران ‪٢٠١٦‬‬ ‫كتبك الله من الخالدين‪ ,‬اصطفاك حياً المتوت‬ ‫وحده يعلم كم تستحقها يا بني‪ ,‬وحده يعلم‬ ‫نقاءك يا قرة عيني‬ ‫اليوم أنت ح ٌر‪ ..‬تحررت من قيد أجمل جسد‬

‫وانطلقت نفسك الصادقة يف فضاءات الكون‬ ‫تختار طيب ماتشاء ألنك تستحقها‬ ‫يا مهجة الروح انت سأشتاقك ما حييت وسأبيك‬ ‫فراقك بقية عمري‬ ‫يا قلبي وأملي ووجعي لن يكون أحد مكانك يا‬ ‫بني‪ ..‬يا فراقك سيكويني ويحرقني وكيف تجف‬ ‫دمعتي وانت بعيد‬ ‫كيف أكون أنا وأنت لست معي؟ وملاذا أنتظر‬ ‫رشوق الشمس ونهاري ليس مليئا بضحكاتك‬ ‫وألقك ورشاقة اللحظات مع كلامتك‬ ‫سأراقب القمر ّ‬ ‫عل أجد فيه وجهك‪ ,‬وأرصد‬ ‫النجوم فربيقها يا ولدي يشبه بريق عينيك‪,‬‬ ‫حيايت عشتها دهراً وأجمل مافيها أين عرفتك‪,‬‬ ‫هي القصة كلها أين عرفتك‪ ,‬ومن يالمس قلبك يا‬ ‫ولدي يغمره الحب واليعرف كرهاً أبداً‪ ,‬اليعرف‬ ‫حقداً أبداً‪.‬‬ ‫سأظل أبكيك ما حييت وأي طعم للحياة بعدك’‬ ‫وأي معنى وأي حياة يا مهجة الروح بعدك”‬ ‫عزايئ للثورة وعزايئ لكفرنبل والعزاء األكرب ألمه‬ ‫غالية ولصديقي دربه رائد وهادي ‪.‬‬

‫شهداء‬

‫التقينا املرة االخرية مصادف ًة بإحدى مقاهي غازي‬ ‫عينتاب‪ .‬تحدثنا كثرياً عن كفرنبل واتحاد املكاتب‬ ‫الثورية واألعامل التي يقومون فيها‪ .‬كان يتحدث عن‬ ‫كل تفصيلة من تفصيالت العمل يف كفرنبل‪ .‬كانت‬ ‫الثورة يف كفرنبل هي طفلة صغرية لديه يخاف عليها‬ ‫ويؤمن بأن ثورة كفرنبل يجب أن تنترص‪ .‬مل يكن‬ ‫بخاطري أن هذا هو اللقاء األخري‪ .‬عندما سمعت‬ ‫الخرب تذكرت قبل عام ونصف كيف التقيت فيه يف‬ ‫املرة األوىل يف كفرنبل‪.‬‬ ‫يف كفرنبل‪...‬ألول مرة مل يجتمع الحشد لرفع الفتة‬ ‫جديدة تحيك قصة ثورة يتيمة‪ .‬اليوم كان خالد‪،‬‬ ‫الشهيد‪ ،‬هو من رفع عىل األكتاف‪ ،‬منهياً رحلة دامت‬ ‫أكرث من خمس سنوات من ثورة وبطولة‪.‬‬ ‫خالد العيىس ابن الرابعة والعرشين ربيعاً قىض جراء‬ ‫استهداف مكانه بسيارة مفخخة‪.‬‬ ‫خالد عندما بدأت الثورة السورية يف ربيع العام ‪2011‬‬ ‫كان ال يزال يف ريعان شبابه بعمر التاسعة عرش‪ .‬شارك‬ ‫خالد يف التظاهر والحشد للثورة منذ األيام األوىل إمياناً‬ ‫منه بحق الشعب السوري يف حريته وكرامته وإرادته‬ ‫للوصول لهام من خالل إسقاط نظام األسد الحاكم‪.‬‬ ‫كان خالد أحد مؤسيس اتحاد املكاتب الثورية الذي‬ ‫كان أحد املنارات الثورية التي أضاءت بنورها سوريا‬ ‫والعامل‪ ،‬وأوصلت صوت الثورة السورية حتى أقايص‬ ‫العامل من خالل الالفتات التي خطها أبناء كفرنبل‪.‬‬ ‫احتضن اتحاد املكاتب الثورية عدة فعاليات منها‬ ‫راديو فريش املحيل يف كفرنبل‪ .‬الراديو الذي يكتب‬ ‫ويبث يف الداخل السوري‪ ،‬والذي تم إغالقه قبل يومني‬ ‫من التفجري من قبل جبهة النرصة‪.‬‬ ‫قام خالد أيضاً مبساعدة أمه السيدة غالية رحال‬ ‫بافتتاح مركز مزايا لدعم املرأة‪ ،‬الذي بدأ يف كفرنبل‬ ‫ثم توسع ليدخل يف عدة مدن وقرى يف ريف إدلب‪.‬‬ ‫مركز مزايا عمل عىل دعم املرأة السورية من خالل‬ ‫فعاليات املركز والنشاطات التي كان يقوم بها‪ .‬ودعم‬ ‫مشاركة املرأة يف املجال العام‪.‬‬ ‫يف املدة األخري قام خالد مبرافقة الصحفي والثائر هادي‬ ‫العبد الله يف تغطياته الصحفية للمعارك واألحداث‬ ‫التي تتم يف محافظتي إدلب وحلب‪ ،‬وليوصل حقيقة‬ ‫ما يجري للعامل‪.‬‬ ‫استهدفت سيارة مفخخة مقر إقامة خالد وهادي‬ ‫بليلة ‪ 16‬حزيران ‪ 2016‬وأصابته شظية يف الرأس‪ .‬نقل‬ ‫بعدها إىل إحدى املشايف الرتكية ليتم بعدها العمل‬


‫هذا القلق الذي أعيشه‬ ‫رشا عمران‬

‫‪44‬‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2015 // 68 // 29‬‬ ‫‪2 - 72‬‬

‫لقاءاتالمرأة‬ ‫قسم‬

‫يخطر يل كثرياً التفكري مبا ييل‪ :‬هل لو‬ ‫أنني قررت العيش يف مرص مبلء إراديت‬ ‫دون أن أكون مضطرة للخروج من سوريا‬ ‫بالطريقة التي خرجت بها‪ ،‬وصارت حايل‬ ‫عىل ماهي عليه اآلن‪ ،‬هل كان إحسايس‬ ‫بنفيس كإمرأة وحيدة وككاتبة يف بلد‬ ‫ليس بلدها‪ ،‬سيكون مختلفاً عن إحسايس‬ ‫كإمرأة وحيدة وكاتبة يف بلدي؟‬ ‫حقيقة‪ ،‬ال تبدو اإلجابة سهلة‪ ،‬وال يبدو‬ ‫ّأن األمر محسوم يل‪ ،‬فأنا مل أعش سابقاً‬ ‫خارج سوريا‪ ،‬كنت أسافر منها وأعود‬ ‫إليها دامئاً‪ ،‬مل تكن فكرة الحياة خارجها‬ ‫أساساً مطروحة بالنسبة يل‪ ,‬كنت أعيش‬ ‫هناك ولديّ مرشوعي الشخيص الذي‬ ‫أشتغل عليه‪.‬‬ ‫بالنسبة يل كامرأة تعمل يف الحقل األديب‬ ‫مل أواجه عىل املستوى الشخيص إشكاليات‬ ‫وتعقيدات يف عميل ككاتبة‪ ,‬مل تكن لدي‬ ‫مشكلة ال مع عائلتي وال مع بيئتي يف‬ ‫أن أكتب ما أريد‪ ،‬أ ّما مشكلة الرقابة‬ ‫التي سيطرت عىل البالد فكان ح ّلها سه ًال‬ ‫بالنسبة يل كشاعرة‪ ،‬إذ ميكنك عرب الشعر‬ ‫استخدام التأويل واللعب بالخيال وبالتايل‬ ‫اللعب عىل ذهنية الرقيب‪ ،‬وال يعني‬ ‫هذا ّأن األمر سهل أو أ ّنه ليس هناك‬ ‫مشكلة؛ ففي كتابة املقال الصحفي كان‬ ‫ّمثة خطوط حمر كثرية‪ ،‬ليس فقط مع‬ ‫الرقابة‪ ،‬بل مع الق ّراء أحياناً‪ ،‬أذكر ذات‬ ‫يوم أنني كتبت مقاالً عنونته بالتايل‪( :‬أنا‬ ‫ال أحب نزار قباين) أتتني عىل أثره كمية‬ ‫من الشتائم ال ميكنني نسيانها‪.‬‬ ‫اآلن ذهب كل ذلك‪ ،‬أنا يف مرحلة أخرى‪،‬‬ ‫اآلن أعيش يف بلد عريب‪ ،‬نظامه السيايس‬ ‫واالجتامعي والثقايف يشبه أنظمة املنطقة‬ ‫العربية كلها‪ ،‬أعيش فيه ليس رغ ًام عني‪،‬‬ ‫إذ ميكنني العيش يف مكان آخر لو أردت‬ ‫ذلك‪ ،‬لكن هذا املكان أو أي مكان آخر‬ ‫هو ليس بلدي‪ ،‬بالتايل أعيش كالجئة رغم‬ ‫أنني عملياً لست مسجلة يف مفوض ّية‬ ‫شؤون الالجئني كالجئة وال أتلقى‬ ‫مساعدات ال من األمم املتحدة وال من‬ ‫الحكومة املرصية حيث أعيش‪ .‬أعيش من‬ ‫كتابتي فقط‪ ،‬وكتابتي تعني مقااليت يف‬

‫الصحافة العربية‪ ،‬ال الشعر‪ ،‬الشعر يف بالدنا ال يطعم خبزاً كام‬ ‫يقولون‪.‬‬ ‫أنا أسكن يف وسط القاهرة‪ ،‬ال يف أمكنة تج ّمع السوريني‪ ،‬ويل‬ ‫الكثري من األصدقاء الكتاب واملثقفني املرصيني‪ ،‬أي أحاول عيش‬ ‫حيايت ككاتبة ال كالجئة‪ ،‬أحاول اإليحاء لنفيس أنني أعيش حيث‬ ‫أنا ألنني أنا من اختارت ذلك‪ ،‬ال ألنه فرض عيل الخروج من‬ ‫سوريا واللجوء إىل بلد ما‪ ،‬ومع ذلك ّمثة هذا الشعور الداخيل‬ ‫بأنني لست أكرث من الجئة يف بلد كان ذات يوم قديم اإلقليم‬ ‫الجنويب لبلدي‪.‬‬ ‫ما الذي يجعل هذا الشعور يحتل كياين دامئاً؟ أفكر بذلك‬ ‫وأحاول إيجاد األسباب‪ :‬أنا أعيش وحدي‪ .‬إمرأة وحيدة يف بلد‬ ‫ليس بلدها‪ .‬يف بلد‪ ،‬كحال كل البلدان العربية‪ ،‬ال يعامل املرأة‬ ‫الوحيدة باحرتام‪ ،‬بل يفرتض أن تكون هناك حامية ذكورية‬ ‫للمرأة‪ ،‬زوج أو أخ أو أب أو ابن‪ ،‬ليس لديّ أياً من هؤالء‪.‬‬ ‫أنا امرأة خمسينية‪ ،‬يف بلدان كهذه ال يوجد فيها أي ضامن‬ ‫اجتامعي‪ ،‬عىل من مثيل أن تبقى قوية‪ ،‬ففي هذه البلدان ال‬

‫يحرتمون الضعفاء‪ ،‬ليس الحكومات فقط بل حتى الشعوب‬ ‫نفسها‪ ،‬لشدّة قهرها متارس القهر ذاته عىل الضعيف‪ .‬املرأة يف‬ ‫هذه البلدان مهام كانت قوية ستكون هي الطرف األضعف‪.‬‬ ‫أعيش من كتابتي‪ ،‬ال مصدر دخل آخر يل‪ ،‬لو أنني يف بلدي‬ ‫سيكون لدي بيت عائلة وأصدقاء قدماء يسندون ضعفي‪ ،‬لو‬ ‫حصل وأصبت بالضعف‪ ،‬يف بلد كمرص ليس لدي يشء من هذا‪،‬‬ ‫إن توقفت عن الكتابة لن أمتكن من دفع أجرة بيتي‪ ،‬عيل أن‬ ‫أبقى قوية إذاً ألستمر يف الكتابة‪.‬‬ ‫لكن‪ ,‬الكتابة فعل مزاجي أوالً‪ ،‬حتى كتابة املقال‪ ،‬وليس فقط‬ ‫الشعر‪ .‬أعاين أحياناً كثرية من فكرة أنني مضطرة هذا اليوم‬ ‫لكتابة مقال وإرساله لينرش يف موعده‪ ،‬لو أحجمت عن ذلك‪،‬‬ ‫سيقل دخيل‪ ،‬ورمبا إن مل أبد إلتزاماً كام ًال سيتم إيقايف عن‬ ‫الكتابة‪ .‬هذ يعني أن أجاهد يك ال أنهار‪ ،‬يك ال أضعف‪ ،‬هذا‬ ‫يعني أن ال أصاب باالكتئاب وباليأس وبامللل وبالقرف‪ ،‬إذ كل ما‬

‫سبق سيعيقني عن الكتابة‪.‬‬ ‫هذا الجهد الدائم ألبقى قوية يزيد من‬ ‫شعوري بالعزلة النفسية‪ ،‬العزلة التي‬ ‫تجعلني مضطربة وغري متأكدة من يشء‪،‬‬ ‫ال من الصداقات وال من الحب وال من‬ ‫يشء إطالقاً‪‍ .‬يظهر هذا عندي كله يف‬ ‫الشعر‪ ،‬حني أبدأ يف الكتابة ال أرى أمامي‬ ‫سوى عزلتي النفسية‪ ،‬أتأمل فيها وأكتب‬ ‫عن املرأة الخمسينية الوحيدة يف بلد‬ ‫ليس بلدها وال ميكنها حتى أن تحلم‬ ‫بالعودة إليه ذات يوم‪ ،‬يف لحظة الكتابة‬ ‫تعود إيل ذاكرة عن مئات النساء اللوايت‬ ‫يشبه ظرفهن ظريف االجتامعي‪ ،‬فأكتب‬ ‫عنهن وأكتب عني وأكتب عن آخريات‬ ‫قادمات يشبهننا سيأتني إىل الحياة يوماً‬ ‫ما‪ ،‬أكتب هذا يف الشعر ويف املقاالت‪.‬‬ ‫ّمثة يشء آخر يف كتابة املقاالت الصحفية‪،‬‬ ‫هو فكرة الخوف من كتابة أي يشء‬ ‫يتعلق بوضع البلد الذي أعيش فيه وأحبه‬ ‫كام لو بلدي األصيل‪ ،‬فلو كتبت يف انتقاد‬ ‫أي يشء فيه سيقال يل مبارشة‪ ،‬حتى من‬ ‫بعض أصدقايئ من أهل هذا البلد‪ :‬أنت‬ ‫ضيفة وال يحق لك انتقاد مضيفيك‪ ،‬طبعاً‬ ‫هذا أهون ما قد أتعرض له‪ ،‬إذ يف بالد‬ ‫كهذه قد اتعرض لالستدعاء للتحقيق‬ ‫ومن ثم الرتحيل‪ ،‬خصوصاً وانني أكتب‬ ‫يف صحف غري مريض عنها يف مرص‪ ،‬فلو‬ ‫حاولت انتقاد أي يشء سأعامل كعدوة‪،‬‬ ‫هذا القلق اليومي والخوف من املستقبل‬ ‫واألسئلة الذاتية حول السياسة والشعر‬ ‫والحب والعزلة والفقد واملوت هو ما‬ ‫يجعلني أكتب‪ ،‬وهو ذاته ما يسبب خويف‬ ‫من التوقف عن الكتابة وبالتايل التوقف‬ ‫ّ‬ ‫عم يجعلني أعيش!‬


‫ال ناقصات عقل وال ناقصات دين (‪)1‬‬ ‫‪5‬‬

‫عماد العبار‬

‫والرواية مل يتابعوا عمل املح ّققني القدماء‪ ،‬والذين بذلوا‬ ‫مجهوداً ضخ ًام يف تنقيح عرشات آالف الروايات‪.‬‬

‫وجرى تسيسها واستخدامها ألغراض أبعد ما تكون عن‬ ‫الدين‪ ،‬ونال املرأة القسط األكرب من تلك التح ّوالت‪..‬‬

‫قسم المرأة‬

‫املساواة بني الرجل واملرأة يف اإلنسانية مسألة‬ ‫محسومة قرآن ّياً‪ ،‬فالعدل يف الخطاب اإللهي من‬ ‫الوضوح مبكان‪ ،‬بحيث يجعل منهام عىل درج ٍة‬ ‫واحد ٍة من حيث التكليف‪ ،‬واألهل ّية يف حمل‬ ‫املسؤول ّية‪ ،‬وحر ّية اإلرادة‪ ،‬والجزاء والعقاب‪ ..‬ومن‬ ‫نافل القول ّإن املساواة إنسانياً‪ ،‬ال تقتيض التساوي‬ ‫يف املهام الحيات ّية‪ ،‬أو يف بعض التفاصيل الترشيعية‬ ‫التي تراعي الفروقات الجسدية (ال العقلية) بني‬ ‫الجنسني‪..‬‬ ‫ولكن‪ ،‬مل يؤ ِّد الوضوح القرآين إىل غياب سوء الفهم‪،‬‬ ‫وزوال مشاكل التطبيق‪ ،‬فقد نزل القرآن يف فرتة‬ ‫كانت العرب تعيش حقبة مظلمة من تاريخها‪،‬‬ ‫وكانت املرأة تتح ّمل النصيب األكرب من الظلم‪،‬‬ ‫فقد كان الرتاث الجاهيل مثق ًال بأفكا ٍر تضع املرأة‬ ‫ضمن مكان ٍة أدىن‏من مكانة الرجل‪ ،‬وكانت النظرة‬ ‫العامة للمرأة يف تلك الفرتة منسجمة مع صورتها‬ ‫يف اإلرسائيليات‪ .‬وقد ذكر ابن خلدون يف مقدّمته‬ ‫ّأن العرب كانوا أهل بداوة ومل يكونوا أهل كتاب‬ ‫وعلم‪ ،‬وغلبت عليهم األم ّية‪ ،‬لذلك كانوا كثرياً ما‬ ‫يلجؤون إىل أهل الكتاب من سكان البادية‪ ،‬ملعرفة‬ ‫ما لديهم عن أرسار الوجود‪ ..‬وبتص ّوري‪ ،‬كان لهذه‬

‫العدد ‪2016 / 6 / 29 - 72 -‬‬

‫من غري املمكن الحديث عن النهضة والتغيري يف‬ ‫مجتمعاتنا بدون التط ّرق إىل دور ومكانة املرأة‬ ‫فيها‪ ،‬وال مبالغة يف القول ّ‬ ‫بأن نهضة حقيقة تقتيض‬ ‫مشاركة واسعة للمرأة فيها‪ ،‬وتقتيض كذلك اهتامماً‬ ‫اجتامعياً بتحقيق تلك املشاركة‪ ،‬ومن الواضح ّأن‬ ‫واقع الحال يف مجتمعاتنا الرشق ّية ال ّ‬ ‫يؤش عىل‬ ‫وجود وعي اجتامعي بهذه املسألة الها ّمة‪ ،‬لذلك‬ ‫نادراً ما نجد خطوات عملية ملساعدة املرأة يف أخذ‬ ‫مكانها من عملية التغيري‪.‬‬ ‫اصطدمت األصوات الداعية لتحرير املرأة من‬ ‫األغالل التاريخية بالعديد من العوائق االجتامعية‪،‬‬ ‫وكانت يف معظمها وليدة عادات و تقاليد بالية‪،‬‬ ‫عص ّية عىل التغيري‪ .‬بعضها قائم عىل أسس دين ّية‬ ‫واهية‪ :‬روايات ضعيفة أو موضوعة‪ ،‬أو آراء‬ ‫تاريخ ّية غري ملزمة‪ ،‬ومنها ما يعتمد عىل فهم‬ ‫وتطبيق خاطئني لنصوص صحيحة‪ .‬يف حني ّأن جزءاً‬ ‫منها يقوم عىل روايات مصنّفة يف كتب الصحاح‪.‬‬ ‫املختصني املعارصين بفنّ الحديث‬ ‫حيث يالحظ ّأن‬ ‫ّ‬

‫التص ّورات أثر كبري يف تشكيل وعي اإلنسان العريب‬ ‫قبل اإلسالم‪ ،‬فيام يخص نظرته للمرأة‪ ،‬وللوجود‬ ‫بشكل عام‪ ،‬وهي تص ّورات مل تندثر بشكل كامل‬ ‫بعد صعود القيم اإلسالم ّية‪..‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وجهت اآليات القرآنية خطابا إنسان ّيا واحداً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قصة الخلق‪َ “ :‬وال َتق َر َبا هَ ِذ ِه‬ ‫للجنسني‪ ،‬كام يف ّ‬ ‫الش َج َر َة َفت َُكو َنا ِمنَ َّ‬ ‫الظالِ ِمنيَ” ‪َ “ ...‬فأَ َز َّله َُم َّ‬ ‫َّ‬ ‫الش ْي َط ُان‬ ‫َ‬ ‫َع ْنهَا َفأ ْخ َر َجه َُم ِم َّم َكا َنا ِفي ِه َو ُق ْلنَا اهْ ِب ُطواْ َب ْع ُض ُك ْم‬ ‫ني”‪..‬‬ ‫‏لِ َب ْع ٍض عَدُ ٌّو َولَ ُك ْم ِف األَ ْر ِض ُم ْس َت َق ٌّر َو َمتَاعٌ إِ َل ِح ٍ‬ ‫موجهاً آلدم‬ ‫بل أكرث من ذلك‪ ،‬كان العتب اإللهي ّ‬ ‫باالسم يف موضع آخر بعد حدوث الخطيئة‪ ،‬ومل‬ ‫ُيح ّمل املرأة ذنب غواية الرجل كام يف الروايات‬ ‫اإلرسائيل ّية‪ ،‬فقد ورد يف اآلية ‪ 37‬من سورة البقرة‬ ‫َاب َع َل ْي ِه إِ َّن ُه‬ ‫التايل‪َ “ :‬ف َت َل َّقى آ َد ُم ِمن َّر ِّب ِه َك ِل َم ٍت َفت َ‬ ‫يم”‪..‬‬ ‫هُ َو ال َّت َّو ُ‬ ‫اب ال َّر ِح ُ‬ ‫ولكن‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬كانت الروايات اإلرسائيل ّية صاحبة‬ ‫أثر كبري عىل العقل اإلسالمي؛ ظهر ذلك األثر‬ ‫واضحاً يف مرحلة متأخرة عن الراشدين‪ ،‬فصارت‬ ‫تلك الروايات جزءاً من آلية فهم كثري من النصوص‪،‬‬ ‫مبا فيها النص القرآين‪ ،‬وصارت لها قدرة عىل تغييب‬ ‫الوعي عن املعنى املبارش والواضح للنص‪ .‬فحواء يف‬ ‫الروايات اإلرسائيلية ليست أكرث من مرشوع غواي ٍة‬ ‫ٌ‬ ‫‏مجبول عىل الخطيئة واإليقاع‬ ‫متن ّقلٍ ‪ ،‬وهي كائنٌ‬ ‫بالرجل‪ ..‬ومسؤولة قطعاً عن إغواء آدم وعن‬ ‫خطيئته يف الجنّة‪ ،‬وقد نقلت أ ّمهات كتب التفسري‬ ‫بعض هذه الروايات‪ ،‬بالرغم من تعارضها الرصيح‬ ‫مع مبادئ اإلسالم‪.‬‬ ‫مم ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫شك فيه ّأن جهوداً كبرية بذلت لتنقيح‬ ‫ّ‬ ‫وعزل هذه الروايات الشا ّذة‪ ،‬لكنها بقيت فاعلة‬ ‫عىل املستوى االجتامعي خالل مراحل طويلة‪ ،‬ومن‬ ‫الالفت للنظر حضور هذه النظرة الدونية للمرأة‪،‬‬ ‫مع أد ّلتها من الروايات‪ ،‬يف كتب ذات مكانة هامة‬ ‫يف الرتاث اإلسالمي‪ ،‬ككتاب إحياء علوم الدين لإلمام‬ ‫الغزايل ‪ 505 - 450‬هـ‪ ،‬فقد نقل يف كتابه العديد‬ ‫من الروايات التي تحرص املرأة ضمن ثنائ ّية العورة‬ ‫والغواية‪ ،‬وروايات تجعل الزواج بالنسبة للمرأة‬ ‫كمرشوع رق‪ ،‬اعتامداً عىل ما نسب للنبي أ ّنه قال‪:‬‬ ‫“إن النكاح ّ‬ ‫‪ّ :‬‬ ‫رق فلينظر أحدكم أين يضع كرميته”‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫مم يعطينا فكرة عن طبيعة النظرة التي كانت‬ ‫سائدة يف فرتة مع ّينة بعيدة عن الفرتة التأسيسية‪.‬‬ ‫ولكنّ املشكلة ليست يف الروايات الضعيفة‬

‫فحسب‪ ،‬بل ّمثة روايات موجودة يف كتب الصحاح‬ ‫أيضاً‪ ،‬ال ّ‬ ‫تقل إشكال ّية‪ ،‬ومنها الرواية التي رواها‬ ‫وصححها األلباين‪ ،‬وفيها ينسب للنبي قوله‪:‬‬ ‫الرتمذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫“إن املرأة عورة فإن خرجت استرشفها الشيطان”‪..‬‬ ‫أو رواية أخرى مشهورة (متّفق عليها!) تجعل من‬ ‫النساء ناقصات عقل ودين‪..‬‬ ‫و باعتقادي‪ ،‬مل يكن الجيل النسوي األول من‬ ‫الصحاب ّيات معن ّياً بهذه األفكار الشا ّذة‪ ،‬فقد كان‬ ‫االرتقاء الروحي مع صعود اإلسالم كفي ًال بحجب‬ ‫مجمل الرواسب االجتامعية السلب ّية‪ ،‬فلو كانت‬ ‫تلك العوائق االجتامعية مؤ ّثرة‪ ،‬ملا أمكن إنتاج‬ ‫منوذج نسويٍّ كنموذج الس ّيدة عائشة (ومناذج‬ ‫أخرى كثرية)‪ .‬لو كانت نظرة املجتمع للمرأة سلب ّية‬ ‫ملا قبل بظهور هذا النموذج‪ ،‬س ّيام بعد وفاة النبي‬ ‫ثم وفاة أبيها أيب بكر من بعده‪ ،‬أي بعد‬ ‫الكريم‪ّ ،‬‬ ‫غياب السند الروحي لها‪.‬‬ ‫مل تكن عائشة مج ّرد امرأة متم ّيزة‪ ،‬بل كانت مثاالً‬ ‫للمرأة الخليفة‪ .‬عىل صعيد السياسة‪ ،‬قادت يف آخر‬ ‫حياتها جيشاً كبرياً من املسلمني‪ ،‬فيام عرف مبعركة‬ ‫الجمل‪ ،‬نسبة للجمل الذي حمل هودجها‪ ،‬وكانت‬ ‫ضم عدداً كبرياً من كبار‬ ‫عىل رأس ت ّيار سيايس ّ‬ ‫الصحابة‪ ،‬حيث كانت فيه صاحبة الكلمة العليا يف‬ ‫مسائل السياسة والتفاوض‪ .‬أ ّما عىل صعيد الدين‪،‬‬ ‫فال تخفى املكانة الدين ّية التي حظيت بها الس ّيدة‪،‬‬ ‫فربع أحكام الدين‪ ،‬بحسب الحاكم النيسابوري‪،‬‬ ‫نقلت عن عائشة وحدها‪ .‬وكان أبو موىس األشعري‬ ‫يقول‪“ :‬ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صىل الله‬ ‫عليه وسلم حديثاً قط إال وجدنا عندها منه عل ًام”‪..‬‬ ‫إذاً لو كان املسلمون األوائل يرون يف املرأة إنساناً‬ ‫ناقصاً‪ ،‬عق ًال أو ديناً‪ ،‬الستحال وجود هذا النموذج‬ ‫يف زمن مب ّكر‪ :‬امرأة وقفت سياسياً يف وجه رابع‬ ‫الخلفاء الراشدين‪ ،‬وحملت مه ّمة تبليغ الكثري من‬ ‫أحكام الدين‪ ..‬مل يكن للروايات الواهية‪ ،‬واألحكام‬ ‫ّ‬ ‫املعطلة أي وجود يف ذلك الزمان‪ ..‬ولكنّ مكانة‬ ‫املرأة انحدرت بعد ذلك‪ .‬ملاذا حصل ذلك؟‬ ‫ّ‬ ‫ألن تحوالت خطرية حدثت يف املجتمع اإلسالمي‪،‬‬ ‫تلك التحوالت مل تنعكس عىل وضع املرأة فحسب‪،‬‬ ‫بل أ ّثرت عىل مجمل الحياة االجتامعية والسياسية‪،‬‬ ‫فتق ّلص هامش الحر ّيات العامة‪ ،‬وكرثت الروايات‪،‬‬


‫‪86‬‬

‫نقاط في قضية “اإلسالم والمشاركة‬ ‫السياسية المرأة”‬ ‫رياض درار‬

‫العدد ‪66 -‬‬ ‫‪2016 / 62 / 29‬‬ ‫‪17 - 72‬‬

‫المرأة‬ ‫مقاالت‬ ‫قسم‬

‫دارت مؤخراً عواصف كثرية يف محافل متن ّوعة‬ ‫حول قضية املشاركة السياسية للمرأة‪ ،‬وعليه نعيد‬ ‫طرح السؤال اإلشكايل حول “اإلسالم واملشاركة‬ ‫تب فيه الكثري لكن أغلبنا‬ ‫السياس ّية للمرأة” الذي ُك َ‬ ‫ُي ّ‬ ‫فضل االستناد إىل تص ّورات شائعة مغلوطة ُتبعد‬ ‫ّ‬ ‫املرأة عن املشاركة السياس ّية بحجة واه ّية أن هذا‬ ‫اإلبعاد يأيت متاشياً مع اإلسالم‪ .‬وللنظر يف قضية‬ ‫املشاركة السياسية للمرأة علينا أ ّال نكتفي ‪-‬فقط‪-‬‬ ‫مبا قدمه الفقهاء فيام يعرف بالفقه التقليدي‪،‬‬ ‫فشأن املرأة يف هذا‪ ،‬شأن بقية األمور التي ُت ْحبس‬ ‫فس األول للنص الديني‪.‬‬ ‫يف إطار التقليد ومآالت ا ُمل ّ‬ ‫ً‬ ‫تبدأ املشكلة من التنايس املقصود حينا أو العفوي‬ ‫حيناً آخر لكون التفسري يف القرآن هو اجتهاد‬ ‫برشي‪ ،‬فيه كل ما يلحق بالجهد البرشي من قصور‪،‬‬ ‫فض ًال ّ‬ ‫عم ُح ِ َ‬ ‫ش فيه من أفكار‪ ،‬و ُن ُقول‪ ،‬وخرافات‬ ‫ذات معرفة برشية مرحل ّية‪ ،‬جرى إضفاء طابع‬ ‫القداسة عليها دون وجه حق‪ .‬وبالتايل ّ‬ ‫فإن تفسري‬ ‫النص الديني الذي هو هنا القرآن الكريم البد أن‬ ‫يكون من القرآن نفسه عرب املقاصد العامة له وعرب‬ ‫معطيات اللغة واستخداماتها يف النص ذاته‪.‬‬ ‫وملّا كان القرآن كتاب هداية‪ ،‬فإ ّنه يتم االعتامد‬ ‫عىل آيات األحكام فيه لوضع مفاتيح العالقات‬ ‫بني الناس ليطوروها مع استمرار اتفاقهم مع‬ ‫مقاصدها وروحها‪ ،‬باستلهام منظومة القيم التي‬ ‫رجع إليها يف إصدار األحكام‪ ،‬مثل‪ :‬الحرية‪،‬‬ ‫ُي َ‬ ‫ّ‬ ‫والعدل‪ ،‬والسامحة‪..‬الخ‪ .‬دون أن نغفل أن القرآن‬ ‫والسنة تض ّمنا نصوصاً لتنظيم بعض املامرسات‬ ‫التي كانت قامئة والتي اندثرت بحكم التط ّور‬ ‫الزمني واالجتامعي وانتفت الحاجة إىل تضمينها‬ ‫قوانني الحياة املتطورة‪ ،‬كالرق واألنفال وتوزيع‬ ‫الغنائم والسبي والجزية وأهل الذمة‪ ،‬وصوالً إىل‬ ‫مفهوم الوالية التي نزلت بحق املرأة ومسائل‬ ‫تتعلق بالزواج والطالق واإلرث والقوامة‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫هذا يقودنا إىل موضوعة املشاركة السياسية‬ ‫للمرأة‪ ،‬حيث ميكن إقامة األمر وفق فقه جديد‬ ‫يستبعد تأثريات العصور التي برزت فيها مواد‬ ‫فقهية بحق املرأة ُبنيت عىل ظروف العرص الذي‬ ‫صيغت فيه هذه الرؤى‪ ،‬أو أنها استندت إىل‬ ‫أحاديث موضوعة‪ ،‬أو منقوالت من كتب السابقني‬ ‫وتراثهم الديني‪.‬‬ ‫ومن أجل التصويب يف املسألة ال نستند إ ّال إىل‬ ‫التوجيه القرآين بحق املرأة‪ ،‬حيث جاء يف سورة‬ ‫التوبة (‪“ :)71‬واملؤمنون واملؤمنات بعضهم أولياء‬ ‫بعض يأمرون باملعروف‪ ،‬وينهون عن املنكر‪،‬‬

‫ويقيمون الصالة‪ ،‬ويؤتون الزكاة‪ ،‬ويطيعون الله‬ ‫ورسوله‪ ،‬أولئك سريحمهم الله‪ّ ،‬إن الله عزيز‬ ‫حكيم”‪.‬‬ ‫ويف آل عمران (‪ )104‬قال تعاىل‪(( :‬ولتكن منكم‬ ‫ٌ‬ ‫أمة يدعون إىل الخري ويأمرون باملعروف وينهون‬ ‫عن املنكر وأولئك هم املفلحون”‪.‬‬ ‫أول النقاط واجبة الذكر ّأن املرأة كام هو واضح‬ ‫فيام سبق مشمولة يف معنى األمة‪ ،‬ولها حقوق‬ ‫الوالية عىل املؤمنني كام للمؤمنني حقوق‬ ‫بالتساوي‪ ،‬يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر‬ ‫والدعوة إىل الخري‪ّ ،‬‬ ‫مم يعني أنها تشارك يف جميع‬ ‫فعاليات املجتمع مبا فيها الوالية العظمى “رئاسة‬ ‫الدولة باملفهوم املعارص”‪ ،‬وعليها واجب تؤديه يف‬ ‫كل موقع دون متييز ذكوري أو أنثوي‪ ،‬ومن غري‬ ‫حاجة لالستثناءات التي وضعها الفقهاء ‪.‬‬ ‫وما يدل عىل ّأن املسألة عرفية وليست رشعية‪،‬‬ ‫سنقرأ يف تأويالت املعارصين من حملة الفكر‬ ‫السيايس والرشعي‪:‬‬ ‫من مقال “جامل البنا” يف صحيفة “املرصي اليوم”‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫“وتحت يدي كلمة لإلمام “البنا” عن املرأة جاءت‬ ‫ىف كتاب “البهى الخوىل” عن املرأة‪ ،‬قال فيها حسن‬ ‫البنا‪ّ :‬‬ ‫“إن حقوق املرأة السياسية ال يجحدها أحد‪،‬‬ ‫ولكن الوقت مل يحن بعد الستخدامها”‪ .‬اإلمام‬ ‫“حسن البنا” هو مؤسس جامعة “اإلخوان‬ ‫املسلمون”‪ ،‬ويف قوله هذا ُي ّبي لنا ّأن املسألة‬ ‫مسألة وقت وزمن‪ ،‬المسألة رشع ودين”‪.‬‬ ‫الحقاً ويف بيان اإلخوان املسلمني سنة ‪1994‬م عن‬ ‫املرأة وتداول السلطة‪ ،‬اعرتف اإلخوان بحق املرأة‬ ‫ىف االنتخابات والرتشيح‪ ،‬وىف الوظائف كلها‪ ،‬وفنّد‬ ‫البيان كل ما يدعونه من أسباب تحول دون ذلك‪.‬‬ ‫“حسن الهضيبي” الذي قدّم لكتاب البهي‬ ‫الخويل “املرأة بني البيت واملجتمع” الصادر يف‬ ‫نيسان ‪ ،1953‬وفيه فصل يتحدّث عن حقوق‬ ‫املرأة السياسية‪ .‬أك ّد “الهضيبي” ّأن املرأة ميكنها‬ ‫املشاركة يف رضوب اإلصالح يف كل نواحي الحياة‬ ‫مبا فيها العمل السيايس‪ ،‬وقال‪“ :‬ليس هناك ما‬ ‫مينع املرأة من مامرسة هذا الحق‪ ،‬فهو حق ق ّرره‬ ‫اإلسالم‪ ،‬ومارسته املرأة املسلمة عىل نطاق واسع‬ ‫أيام الخلفاء الراشدين‪ ،‬وهي أبدت رأيها يف من‬ ‫يصلح أن يكون خليفة ومن ال يصلح”‪.‬‬ ‫إال أن العقل السائد آنذاك جعل “الهضيبي” ينزل‬ ‫درجة عن رأيه بقوله‪ّ :‬‬ ‫“إن الظفر بالحق يشء‪،‬‬ ‫ومامرسة هذا الحق يشء آخر يخضع للمالبسات”‪.‬‬

‫أ ّما املالبسات فهي مالبسات جزئية تتعلق‬ ‫بصالحية املرأة نفسها ألداء هذه األمانة واالضطالع‬ ‫بهذا الحق‪ّ ،‬‬ ‫وكأن الرجل دوناً عن املرأة ُيخ َلق‬ ‫صالحاً ألداء هذه األمانة واالضطالع بهذا الحق‪،‬‬ ‫دون إعداد وتربية ومشاركة!!‬ ‫لذلك‪ ،‬بنا ًء عىل هذه االستثناءات الجزئية انتهى‬ ‫“الهضيبي” إىل القول‪“ :‬إننّا ق ّررنا ما ق ّررنا من‬ ‫حقوق املرأة السياسية لبيان الحكم الرشعي فقط‪،‬‬ ‫أما مزاولته واألخذ به ّ‬ ‫فإن املجتمع عندنا مل يتهيأ‬ ‫له‪ ،‬وحني تشيع الثقافة بني الرجال والنساء ويرتفع‬ ‫مستوى ُ‬ ‫الخلق ويتطور العرف والوعي‪ ،‬وتوجد‬ ‫املرأة الفاضلة املنشودة فال حرج أن تبارش ما ق ّرر‬ ‫اإلسالم لها”‪ .‬ويف قوله “حتى توجد املرأة الفاضلة”‬ ‫عجز عن توصيل الفكرة‪ ،‬و قصور يف النظرة‪،‬‬ ‫فاملرأة فاضلة دامئاً‪.‬‬ ‫إذاً اإلسالم ق ّرر والفقهاء منعوا‪ .‬وذلك بسبب‬ ‫أرضية معرفية تحكمهم‪ ،‬وعقد اجتامعي ُيسيطر‬ ‫عليهم‪ ،‬مينحهم سلطة ذكور ّية وعقل ّية ذكور ّية‪،‬‬ ‫جعلت املرأة تسكن بيتها فال تخرج منه إ ّال إىل‬ ‫بيت زوجها أو إىل القرب‪ ،‬فنام املجتمع وسكن‬ ‫وتخ ّلف وساد الجهل فيه قروناً‪ ،‬حتى خرجت‬ ‫املرأة من سجنها‪ ،‬وها هي تشارك يف الحياة بكل‬ ‫أشكالها دون حاجة لتحفظات الفقهاء التي منعتها‬ ‫من املشاركة العامة‪.‬‬ ‫إن إعطاء الوالية للمرأة يف سورة التوبة (‪)71‬‬ ‫هو إدخار للمرأة تركه القرآن عرب القرون حتى‬ ‫مي ّكن لدعاة حرية املرأة أن يرفعوها عندما‬ ‫يجيء الزمان الذي يناسب تلك الحرية ومطلب‬ ‫املساواة‪ ،‬ويسمح بتطبيقها‪ ،‬ألن اآليات تعطي‬ ‫املرأة حرية العمل عىل قدم املساواة مع الرجل‬ ‫وإىل آخر مدى باعتبار أن األمر باملعروف والنهي‬ ‫عن املنكر يضم كل يشء من فعل الخريات والنهي‬ ‫عن الرشور واملنكرات‪ ،‬عدا أن اآلية تقنن وتعرتف‬ ‫مبرشوعية العالقة الوثيقة بني الرجال والنساء عىل‬ ‫قدم املساواة (املؤمنني واملؤمنات) بعالقة سامها‬ ‫“الوالية”؛ حيث الوالية تشمل معاين األخوة‬ ‫والصداقة والتعاون عىل الخري‪ ،‬ما يفرتض االختالط‬ ‫الذي ينشأ عن هذه األخوة وهذا التعاون الذي‬ ‫يستهدف الخري‪.‬‬ ‫أما ملاذا مل تظهر هذه التوضيحات يف عهود‬ ‫سبقت‪ ،‬فهذا من سنة التدرج‪ ،‬املنهج الذي أخذ‬ ‫به القرآن‪ ،‬وهذا إعجاز اآلية الذي يحقق األهداف‬ ‫حني حصول مربراتها‪.‬‬


‫“نساء تحت النار”‬ ‫سوريات يروين حكاية بلد بأكلمه‬

‫‪7‬‬

‫يارا بدر‬

‫العدد ‪- 72 -‬‬

‫شعب واحد‪ ،‬ويتساءل‬ ‫والتخويف بني‬ ‫ٍ‬ ‫الكاتب‪“ :‬هل نعيش يف وطنني مختلفني؟‬ ‫وهل بلدنا غري بلدهم‪...‬؟ ما نريده وطناً‬ ‫َيسع ّ‬ ‫كل األبناء‪ ...‬ال يستثني منهم أحداً”‪.‬‬

‫‪2016 / 6 / 29‬‬

‫كتبها زوجها الكاتب ياسني الحاج صالح‪ ،‬وهي آخر حكايا الكتاب التي‬ ‫تجاوزت الثالثني‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يف هذا النص الطويل البعض اخرتن‬ ‫كشف أسامئهنّ ‪ ،‬وأخريات فضلنّ‬ ‫ترك الكاتب مجهوالً‪ ،‬ال َ‬ ‫يعبأن مبن ينقل الحكاية‪ ،‬بقدر ما هي الحكاية؟‬ ‫ومن هي بطلة الحكاية؟ بعض البطالت نعرفهنّ حتى دون الحاجة لذكر‬ ‫االسم الرصيح‪ ،‬نعرفهنّ كسوريات عايشنَ تجربة الثورة األكرث تح ّوالً‬ ‫حرب‬ ‫يف تاريخنا السوري رمبا‪ ،‬من حراك شعبي إىل حر ٍ‬ ‫اك ُمس ّلح إىل ٍ‬ ‫دول ّية بالوكالة‪ .‬ولكن يبقى ّأن أحد أبرز املآخذ الفنية عىل الكتاب هو‬ ‫غياب اسم ا ُملح ّرر‪ ،‬والفهرس‪ ،‬وكأ ّننا نفقد الرتتيب واملنهج ّية‪ ،‬فنتخبط‬ ‫يف عشوائ ّية موضعة القصص‪ ،‬خاصة ّ‬ ‫وأن لكلٍ من هذه القصص زمنها‬ ‫املختلف واملتقاطع مع زمن الحدث العام‪ ،‬املفتوح لسريورة ال تبدو‬ ‫نهايتها‪ ،‬ويزداد التعقيد الزمني مع بعض القصص التي ال تزال مستمرة‬ ‫حتى اللحظة‪ ،‬فرزان زيتونة الناشطة الحقوق ّية األبرز يف سوريا املختطفة‬ ‫من قبل مجهولني يف منطقة خارجة عن سيطرة القوات الحكومية منذ‬ ‫أكرث من عام‪ ،‬يرد ذكرها يف الكتاب مرتني‪ ،‬م ّرة عرب نص ّ‬ ‫خطته هي‬ ‫قبل اختطافها‪ ،‬والثانية عرب مقال الصحفية “ضحى حسن” عن عملها‬ ‫التوثيقي‪ ،‬عل ًام ّأن رزان زيتونة وزوجها وائل حامدة ومعهام سمرية‬ ‫الخليل وناظم حامدي ال يزالون ُمختطفني ومل تعلن الجهات ا ُملسيطرة‬

‫قسم المرأة‬

‫“نساء تحت النار‪ -‬قصص بأقالم نساء‬ ‫سوريات” هو ّ‬ ‫كل يشء عىل بساطته‪،‬‬ ‫هو حكايا يصعب الوقوف عىل عددها‬ ‫مع غياب فهرس ُي ّ‬ ‫نظمها يف صفحات‬ ‫الكتاب التي تجاوزت املئتي صفحة‬ ‫من القطع الوسط‪ ،‬والذي أصدرته‬ ‫جهة طلبت عدم ذكر اسمها‪.‬‬ ‫من كل مكان يف سوريا‪ ،‬من حامة‬ ‫إىل دير الزور وريف دمشق إىل‬ ‫الالذقية والقابون يف العاصمة دمشق‪،‬‬ ‫مروراً بجميع الطوائف والطبقات‬ ‫االجتامعية‪ ،‬ينسج الكتاب أوسع لوحة‬ ‫فسيفسائية لنساء سوريات‪ ،‬متجاوزاً‬ ‫ثوابت الصورة النمط ّية لألم والزوجة‬ ‫واملمرضة‪ .‬هنا نقف مع الراوية‪،‬‬ ‫مع زوجة الناشط السيايس األجوف‬ ‫الذي وج َد لحظته التاريخ ّية ليتم ّلق‬ ‫ويصعد نحو األضواء باسم الوطن‬ ‫ودم الشهداء‪ ،‬ومع الناشطة الثور ّية‬ ‫ابنة امليدان وحراك الشارع مع سيدة‬ ‫مثل “سعاد نوفل” التي شاركت يف‬ ‫ثم وقفت تتحدّى‬ ‫املظاهرات األ ّوىل‪ّ ،‬‬ ‫سلطة التكفرييني الذين ُيطلقون عىل‬ ‫أنفسهم اسم “الدولة اإلسالمية يف‬ ‫العراق والشام” داعش‪ ،‬نحن هنا مع‬ ‫املعتقلة التي تروي حكايتها وحكاية‬ ‫سيدات شاركنها مساحة الزنزانة‬ ‫الضيقة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بلغتهم ال بلغة الق ّراء املتخيلني‪ ،‬بهدف‬ ‫البوح الفردي ال التسويق والرتجمة‬ ‫نشعر ّأن هذا الكتاب ُخ َّط‪ .‬البعض‬ ‫يروي قصته الخاصة‪ ،‬كاألم التي ذهبت‬ ‫تبحث عن جثامن ابنها الذي َبلغها‬ ‫وفاته تحت التعذيب‪ ،‬والبعض اآلخر‬ ‫يروي قصة نساء أخريات‪ ،‬والبعض‬ ‫يحاور تلك النسوة وميزج ما بني‬ ‫الصوتني‪ ،‬لتكون املحص ّلة خطاباً نسو ّياً‬ ‫هو مبثابة أصدق شهادة عن واقع‬ ‫املرأة السورية يف الفرتة ما بني ‪2010‬‬ ‫و‪ ،2015‬وهو خطاب ُيعلنه الرجل‬ ‫كام املرأة‪ ،‬املشاركات واملشاركون يف‬ ‫الكتاب‪ ،‬إذ نقرأ قصة “سمرية” التي‬

‫يف املنطقة وهي فصيل “جيش اإلسالم”‬ ‫ا ُملس ّلح أي معلومات عن الحادث‪.‬‬ ‫يهب هذا التلوين الزمني إيقاعاً يش ّد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتخل يف‬ ‫القارئ لنص طويل‪ ،‬لكنه‬ ‫الوقت نفسه عن تراتب ّية األحداث‪،‬‬ ‫فنحن ال نسري يف النص مع تط ّور‬ ‫مراحل الرصاع يف سوريا‪ ،‬بل هي‬ ‫فالشات تيضء يف هذه البقعة أو تلك‪،‬‬ ‫فنجد أنفسنا ‪-‬عىل سبيل املثال‪ -‬يف‬ ‫أحد القصص األخرية من الكتاب أمام‬ ‫صوت الكتلة الخائفة‪ ،‬التي تؤيد‬ ‫الحق يف املامرسة االنتخاب ّية الرئاس ّية‬ ‫الح ّرة والشفافة‪ ،‬ولكنها تخىش خطر‬ ‫املجهول‪ ،‬الذي رمبا يكون أسوأ من‬ ‫الواقع ا ُملراد تغيريه‪ .‬هل تتوقعني أ ّنه‬ ‫سريحل بسهولة؟ إن مل تعرف عد ّوك‬ ‫جيداً فكيف تقاتله؟ إننا يف حالة‬ ‫انتحار!”‪.‬‬ ‫النص يف هذا الكتاب ُمتح ّرر من القيود‬ ‫كتف بذاته‪ ،‬البعض رسائل مثل‬ ‫وكأ ّنه ُم ٍ‬ ‫الرسالة ا ُملرسلة من مدينة “حامة”‬ ‫ذات التاريخ الحزين‪ ،‬إىل األهل‬ ‫النازحني يف مدينة دوما‪ -‬ريف دمشق‪،‬‬ ‫من املدينة التي شهدت أكرب مظاهرة‬ ‫سلم ّية يف تاريخ هذا الحراك و ُق َّد َر‬ ‫عدد ا ُملشاركني فيها بأكرث من نصف‬ ‫مليون‪ ،‬وعنوان النص “حامة‪“ :‬اطمئنوا‬ ‫وطمئنونا عنكم!” يف هذا النص اللغة‬ ‫عام ّية‪ ،‬لغة األخت التي تخاطب أختها‪،‬‬ ‫رساً ما‬ ‫ونقرأ يف أخبار الحارة امل ُرسلة ّ‬ ‫غاب عن نرشات األخبار والفيديوهات‬ ‫ا ُملمنتجة لتكون صالح ًة للعرض وفق‬ ‫سياسات القنوات الفضائية‪.‬‬ ‫وحده صوت املؤيد الذي انتمى إىل‬ ‫جبهة عمل فاعلة يف هذا الرصاع غاب‬ ‫عىل وجه التقريب من حكايا الكتاب‪،‬‬ ‫ورمبا يعود هذا إىل الجدار العايل‬ ‫الذي ُف ِر َض بسياسات القتل‪ ،‬والتخوين‬


‫‪8‬‬

‫في عولمة داعش‪ ،‬أو داعش المعولمة‬ ‫ماهر مسعود‬

‫العدد ‪66 -‬‬ ‫‪2016 / 62 / 29‬‬ ‫‪17 - 72‬‬

‫مقاالت‬

‫بعد انهيار االتحاد السوفييتي فقدت أمريكا‬ ‫العدو اللدود‪ ،‬فاخرتعته تحت مسمى اإلرهاب‪.‬‬ ‫لكنها اخرتعته يف بيئة جاهزة ألن تتلقى االخرتاع‪،‬‬ ‫وتتفاخر به‪ ،‬وهذا ليس ألن تلك البيئة إسالمية‬ ‫تحديداً‪ ،‬فحسب‪ ،‬بل ألنها بيئة مهزومة بأثر‬ ‫االستبداد والحرب والظلم والقمع وااليديولوجيا‪،‬‬ ‫وهي بيئة ُتركت خراباً مهجوراً بعد أن َف َر َغ ْت من‬ ‫استخدامها القوى الكربى‪ ،‬وأدت مهمتها املطلوبة‬ ‫بني العدوين الكبريين‪.‬‬ ‫وبعد أحداث ‪ 11‬أيلول‪/‬سبتمرب‪ ،2001 ،‬أصبح‬ ‫اإلرهاب اإلسالمي‪ ،‬رسمياً‪ ،‬العدو املقابل ألمريكا‬ ‫يف العامل‪ ،‬وتحول بعد ذلك التهديد الشيوعي إىل‬ ‫تهديد إسالمي‪ ،‬والخطر األيديولوجي إىل فوبيا‬ ‫دينية‪ ،‬لكن ذلك الغول الوهمي‪/‬الحقيقي‪ ،‬أي‬ ‫اإلسالم املتطرف‪ ،‬كان يحتاج إىل مزيد من القوة‬ ‫ليك يصبح عدواً أفضل وأكرث فائدة من جهة‪ ،‬وليك‬ ‫يتجذر أكرث يف املخيال الجمعي ألعدائه وأصحابه‬ ‫معاً‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬ ‫بعد ظهور داعش عام ‪ ،2013‬الذي كان نتيجة‬ ‫لتالقح الطغيان اإلبادي لألسد‪ ،‬مع الشعور‬ ‫الجمعي بالظلم والخذالن للسوريني‪ ،‬والسنّة‬ ‫تحديداً‪ ،‬ومع املخيال اإلسالمي املريض لإلسالموية‬ ‫الجهادية‪ ،‬ومع التدخل األمرييك بعدم التدخل‬ ‫ومنعه‪ ...‬اكتمل نصاب العدو‪ ،‬وأصبح دولة!‪..‬‬ ‫صحيح أنه دولة سوريالية‪ ،‬تجمع الخالفة مع‬ ‫املخابرات‪ ،‬والهوليودية مع الذبح الحالل‪ ،‬وصحيح‬ ‫أنها دولة بال حدود قومية‪ ،‬وال اعرتاف بالوطنية‪،‬‬ ‫لكنها مع ذلك دولة معوملة‪ ،‬عابرة للقارات‪،‬‬ ‫وموجودة يف كل املجتمعات‪ ،‬تفجر يف باريس‬ ‫وبلجيكا واستنابول‪ ،‬وتسقط طائرة يف مرص‪ ،‬وتهدد‬ ‫يف أمريكا وروسيا والصني‪ ،‬ولذلك بات لزاماً عىل‬ ‫كل الدول واملجتمعات إعالن الحرب عليها‪ .‬إنها‬ ‫داعش‪ ،‬الغول امللحمي املابعد حدايث‪.‬‬ ‫لكن داعش املعوملة ليست مقا ِبلة وموازية‬ ‫ومناسبة للتعدد القطبي الدويل واإلقليمي‪ ،‬الجديد‬ ‫مثلها‪ ،‬فحسب‪ ،‬بل إن إدارتها للتوحش‪ ،‬وإسلوبها‬ ‫املشهدي الفاقع يف القتل‪ ،‬مناسب أيضاً لنوع‬ ‫األسلحة املحرمة دولياً التي تحتاج دول وأنظمة‬ ‫عىل شاكلة النظام األسدي الستخدامها‪ ،‬فكيف‬ ‫ميكن تغطية القتل املجرد باألسلحة الكيمياوية‬ ‫والفسفورية والعنقودية إال بقتل داعيش ّ‬ ‫مشخص‪،‬‬

‫أكرث مشهدية‪ ،‬وإشعار باألمل الفردي‪ ،‬وأكرث محاكاة‬ ‫للغرائز‪.‬‬ ‫لكن يف عرص العوملة وخدماتها االتصالية وفضائها‬ ‫املفتوح‪ ،‬مل يعد ممكناً إبقاء داعش جس ًام غريباً‬ ‫يف عامل أكرث ُّ‬ ‫“تحضاً”‪ ،‬بل إن إمكانية عزلها ككائن‬ ‫ً‬ ‫“مريخي” ليست ممكنة تبعا لرشوط العوملة‬ ‫ٍّ‬ ‫وانفتاحها ذاته‪ ،‬أكرث من ذلك ميكن القول‪ :‬إن‬ ‫داعش التي ولدت من ر ِّد الفعل‪ ،‬أصبحت فاع ًال‬ ‫يف العامل الذي و َّلدها‪ ،‬واملزاج الشعبي والسيايس‬ ‫يف العامل بات أكرث اندماجاً يف الداعشية املعوملة‪،‬‬ ‫بحيث مل يعد من املمكن الفصل اليوم‪ ،‬بني ظواهر‬ ‫الصعود السيايس ألمثال ترامب وبوتني واليمني‬ ‫األورويب‪ ،‬واملزاج الشعبي االنعزايل‪ ،‬الخائف‬ ‫والعدايئ‪ ،‬الذي أفرز انفصال بريطانيا عن االتحاد‬ ‫األورويب‪ ،‬كام أن العامل الذي بات أكرث قبوالً لبشار‬ ‫األسد وخامنئي‪ ،‬يعلن‪ ،‬ولو باإلنكار‪ ،‬أنه أكرث قبوالً‬ ‫لداعش‪ ،‬وأكرث متاهياً بعنفها وأدواتها وانغالقها‬ ‫وتوحشها‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫نعيش يف عامل واحد أكرث من أي وقت مىض‪،‬‬

‫وما يحصل عندنا وفينا‪ ،‬ال ميكن عزله عن التأثر‬ ‫والتأثري يف العامل‪ ،‬وإن كانت أدوات العزل جارية‬ ‫عىل قدم وساق ممن هم أقوى منّا‪ ،‬إال أنه من‬ ‫الوهم الظنّ أن تلك األدوات ستأيت ُأكلها‪ ،‬فام يتم‬ ‫عزله من فوق يرسي من تحت‪ ،‬وما يتم منعه يف‬ ‫العلن يرسي يف الظل‪ ،‬وما يتم نكرانه ومحاربته‬ ‫يف الشعور السيايس يتم تثبيته يف الالشعور املعريف‬ ‫للناس‪ ،‬وما تتبناه الدول يخرقه األفراد والرشكات‬ ‫املتعدية الجنسيات‪ ...‬داعش هي فكرة‪ ،‬وهي‬ ‫عنف مييض يف اكتساب الرشعية والتعومل‪ ،‬ومن‬ ‫يحارب فكرة يصبح كمن يحارب طواحني الهواء‬ ‫إن مل يبدأ بتغيري الواقع الذي جعل من تلك الفكرة‬ ‫قابلة للحياة والتطور والنمو‪ ،‬وتغيري الواقع ليس‬ ‫معجزة وال سحراً وال طوىب‪ ،‬إنه خطوات بسيطة‬ ‫وقرارات شجاعة ونقالت تفصيلية‪ ،‬وإن كانت‬ ‫خطوات النزول نحو التدعشن املعومل قد ابتدأت‬ ‫بحامقة بشار وتالقحت بجنب أوباما‪ ،‬فإن خطوات‬ ‫الصعود من ظالم التطرف املعومل لن تبدأ قبل‬ ‫التخلص من حامقة الجبناء‪.‬‬


‫على حافة األرض‬

‫‪9‬‬ ‫زياد ابراهيم‬

‫العدد ‪- 72 -‬‬ ‫‪2016 / 6 / 29‬‬

‫تقارير‬

‫افتتح يف العاصمة الفرنسية باريس األسبوع املايض‬ ‫معرضاً للصور تحت عنوان “عىل حافة األرض”‬ ‫عرض خالله الناشط عاصم حمشو مجموعة من‬ ‫الصور امللتقطة يف مخيامت اللجوء تجسد صمود‬ ‫املرأة السورية‪ ،‬وتنقل تفاصيل وظروف الحياة‬ ‫اليومية التي تعيشها النساء السوريات يف هذه‬ ‫املخيامت‪.‬‬ ‫“طلعنا عالحرية” زارت املعرض الذي عرض أكرث‬ ‫من ثالثني صورة التقطت يف العامني ‪2013/2014‬‬ ‫يف مجموعة من مخيامت الالجئني السوريني يف‬ ‫لبنان‪ ،‬وكان لها لقاء مع حمشو وزوار املعرض‬ ‫للوقوف عىل مدى وصول صورة املعاناة التي‬ ‫تعيشها املرأة السورية يومياً يف ذلك املكان البعيد‪.‬‬ ‫عن الرسالة املرجوة من املعرض يقول حمشو‪:‬‬ ‫“ال يوجد رسالة معينة أكرث من الذي تبوح به‬ ‫ألوان الصور‪ ،‬وأماكن يرص ساكنوها أن يبعثوا بها‬ ‫الحياة بالرغم من أدواتهم الحياتية البسيطة التي‬ ‫تخربك أنهم ال يعتربون هذه األماكن إال محطة‬ ‫انتظار‪ .‬نساء من املجتمع السوري يعشن ظروفاً‬ ‫مختلفة وأحياناً مشابهة لظروف باقي أفراد هذا‬ ‫املجتمع يف هذه الفرتة الزمنية الصعبة التي متر‬ ‫عىل بالدهم‪ .‬عندهن الكثري مام يحزنهن والكثري‬ ‫مام يجعل الضحكات ترتسم عىل شفاههن”‪.‬‬ ‫ثم يتابع‪ “ :‬أردت أن أسجل هذه اللحظات بينام‬ ‫هن منشغالت يف الذهاب للعمل باألرض‪ ،‬أو يف‬ ‫معامل تعبئة الفواكه والخرضوات‪ ،‬وهن يجمعن‬ ‫الحطب ويصنعن الخبز‪ ،‬وعندما يغسلن الغسيل“‪.‬‬ ‫ويف سؤاله عن الصعوبات التي واجهت املعرض‬ ‫يقول‪“ :‬يف الحقيقة مل يكن هناك صعوبات مبعنى‬ ‫الصعوبات؛ وإمنا هي بعض التفاصيل الصغرية‬ ‫املربكة‪ ،‬خاص ًة أن املعرض قام مبساعدة مجموعة‬ ‫من األصدقاء وبإرصار منهم‪ ،‬حيث أن كل ما تم‬ ‫إنجازه كان بجهودهم”‪.‬‬ ‫وبالرغم من أن املنطقة التي استضافت املعرض‬ ‫بعيدة عن مركز املدينة‪ ،‬إال أن عدد الزائرين‬ ‫الفرنسيني كان جيداً‪ ،‬خاصة أن الدعوة لحضور‬ ‫املعرض بدأت قبل أيام قليلة من افتتاحه‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل حضور واضح للسوريني الذين حولوا‬ ‫بعض ساعات العرض إىل ترديد ألغاين من الرتاث‬ ‫السوري حاول من خاللها الحارضون إكامل الرسالة‬ ‫التي حملتها الصور املعلقة عىل الجدران‪.‬‬ ‫ومن ضمن الزائرين يف املعرض التقينا “ليز ماري”‬

‫عبت عن انطباعها‬ ‫إحدى الزائرات الفرنسيات التي ّ‬ ‫األول عن املعرض فقالت‪“ :‬هذه الصور مختلفة‬ ‫ألننا نشاهد من خاللها لحظات متفرقة من الحياة‬ ‫اليومية يف املخيامت” وسألناها عن املسؤولية التي‬ ‫يتحملها الشباب األورويب تجاه قضية الالجئني‬ ‫فأجابت‪“ :‬نعم وبكل تأكيد‪ ،‬كأوروبية نحن اليوم‬ ‫يف عامل شامل وكل ما يحدث هناك هو عملياً‬ ‫يحدث عند بابنا‪ ..‬نعم‪ ،‬أعترب نفيس مسؤولة عام‬ ‫يحدث يف سوريا‪ ،‬نحن سكان هذا العامل يف الواقع‪،‬‬ ‫وجميعنا نحمل جزءاً من املسؤولية‪ ،‬ومن واجبنا‬ ‫املساعدة فيام بيننا بعيداً عن جميع الحدود”‪.‬‬ ‫ال شك أن املعرض استطاع تغيري الصورة النمطية‬ ‫الحية يف وجدان الزوار الفرنسيني حول حياة‬ ‫املخيامت بشكل خاص وحول القضية السورية‬ ‫بالشكل العام‪ ،‬خاصة أن الصور املعروضة كانت‬ ‫مركزة حول قضية الكرامة التي متلكها املرأة‬ ‫السورية رغم الظروف القاسية يف مخيامت‬ ‫اللجوء‪ ،‬حيث يقول أحد الزوار الذي ّ‬ ‫فضل عدم‬ ‫ذكر اسمه‪“ :‬النساء السوريات يف املخيامت‬ ‫ينجحن يف تدبري شؤونهن وال يخضعن ابداً لهذه‬ ‫الظروف‪ ،‬هذه هي الكرامة‪ ،‬هم يف الحقيقة نساء‬ ‫قويات بطبيعتهن”‪.‬‬ ‫أما “كارول” عند سؤالها عن الحياة اليومية‬ ‫للنساء السوريات يف املخيامت أجابت‪“ :‬بالطبع‬ ‫هن يتابعن حياتهن‪ ،‬فهن مجربات عىل ذلك‪ .‬من‬

‫معرفتي السابقة كانت لدي صورة مسبقة عن‬ ‫املخيامت وعن املرأة يف املخيامت‪ ،‬ولكن هذه املرة‬ ‫بقوة أكرب وألوان أكرث‪ ،‬ال أقارن مع مخيم كاليه‬ ‫يف شامل فرنسا طبعاً‪ ،‬ولكن نجد أن املخيامت يف‬ ‫صور عاصم نظيفة”‪.‬‬ ‫ويف رصد لردات فعل وانطباعات عدد من الزوار‬ ‫اآلخرين للمعرض يبدو أن الرسالة من صور عاصم‬ ‫استطاعت الوصول بوضوح إىل معظم الزائرين‪،‬‬ ‫وأحدثت نوعاً من التغيري لنظرتهم عن قضية‬ ‫الالجئني املستقاة أص ًال من اإلعالم املحيل الفرنيس‪،‬‬ ‫ما يشجع عاصم وزمالءه عىل املتابعة يف تقديم‬ ‫عروض لصورهم يف فرنسا‪ ،‬حيث يقول عاصم بعد‬ ‫سؤاله عن إمكانية االستمرار يف إنشاء فعاليات‬ ‫مشابهة‪“ :‬يف السابق عرضت مجموعة من الصور‬ ‫عدة مرات مبعارض جامعية‪ ،‬ولكن هذه املرة‬ ‫األوىل يف فرنسا التي يكون فيها املعرض خاصاً‬ ‫بصوري بشكل منفرد‪ ،‬طبعاً سأحاول أن ال يكون‬ ‫الوحيد‪ ،‬فحالياً أعمل مع مجموعة من األصدقاء‬ ‫الفرنسيني عىل التحضري ملعرض آخر”‪.‬‬ ‫بني تلك الصور املعلقة عىل جدران املعرض متيزت‬ ‫صورة المرأة سورية تع ّلق مالبس العائلة عىل حبل‬ ‫الغسيل املنصوب بجوار الخيمة‪ ،‬وتكدسها بالقرب‬ ‫من بعضها‪َ ،‬ع ّلها تستفيد من قساوة الشمس التي‬ ‫مل تكن وحدها من أتعبت أولئك الذين يعيشون‬ ‫“عىل حافة األرض”‪.‬‬


‫‪10‬‬ ‫‪8‬‬

‫أسامة الحسين ولمحة عن المجلس‬ ‫المحلي في سراقب وريفها‬ ‫حاوره‪ :‬معتصم أبو الشامات‬

‫العدد ‪66 -‬‬ ‫‪2016 / 62 / 29‬‬ ‫‪17 - 72‬‬

‫مقاالت‬ ‫لقاءات‬

‫أسامة الحسني أحد مؤسيس املجلس املحيل يف‬ ‫رساقب وريفها وأحد العنارص البارزة يف عمل‬ ‫املجالس املحلية يف ريف إدلب منذ بدايات‬ ‫تشكيل املجالس املحلية منذ أربع سنوات‪ .‬عمل‬ ‫أسامة الحسني عىل دعم املجلس املحيل يف مدينته‬ ‫وتطويره من أجل دعم الثورة السورية ومتكينها‬ ‫يف القطاع املدين‪ .‬يشغل حالياً منصب مسؤول‬ ‫العالقات والتواصل يف املجلس املحيل يف رساقب‬ ‫وريفها‪.‬‬ ‫عمل أسامة الحسني قبل الثورة يف مؤسسة عمران‬ ‫بحلب‪ ،‬وكان أحد الثوار األوائل يف مدينة رساقب‬ ‫التي تحمل تاريخاً وإرثاً ثورياً حتى قبل بداية‬ ‫الثورة يف آذار ‪.2011‬‬ ‫طلعنا عالحرية التقت السيد الحسني‪ ،‬وكان لنا‬ ‫معه الحديث التايل‪:‬‬ ‫ما هي أهم العوامل التي ساعدت املجلس املحيل‬ ‫يف رساقب وريفها عىل التطور واالستمرار؟‬ ‫هناك العديد من العوامل‪ ،‬من أهمها مصادر‬ ‫التمويل الداخلية‪ .‬باإلضافة إىل بناء عالقات سليمة‬ ‫مع املجتمع املحيل مبختلف مكوناته‪ .‬وكان بناء‬ ‫هيكلية إدارية واضحة للمجلس املحيل الدور‬ ‫الكبري يف إعطاء الصبغة املؤسساتية عىل عمل‬ ‫املجلس‪ ،‬خاصة بنقل املجلس من عمل مجموعة‬ ‫تطوعية إىل االعتامد عىل العمل املؤسسايت‪.‬‬ ‫ما هي مصادر التمويل للمجلس املحيل؟‬ ‫يعتمد املجلس يف متويله عىل مصدرين‪:‬‬ ‫ الداخيل‪ :‬اإليرادات والجباية من املواطنني؛‬‫كجباية الهاتف واملياه والكهرباء‪ .‬وهي املصدر‬ ‫األسايس والتي يعتمد عليها املجلس يف استمرارية‬ ‫العمل يف املؤسسات الخدمية‪.‬‬ ‫ الخارجي‪ :‬وتشمل الدعم املقدم للمجلس من‬‫الجهات املانحة‪.‬‬ ‫ما هي أهم املشاريع التي قام بها املجلس املحيل‬ ‫يف رساقب؟‬ ‫أهم املشاريع التي قام بها املجلس املحيل هي‪:‬‬ ‫ برنامج باألخرض والذي عمل عىل تأمني اآلليات‬‫األساسية لعمل املجلس بشكل أسايس‪.‬‬ ‫ برنامج الرصف الصحي وترحيل األنقاض –‬‫املجلس الدميقراطي‪ :‬كان مرشوعا رائدا عىل‬ ‫مستوى سوريا‪ ،‬إن كان من حيث نوعية املرشوع‬ ‫أو من ناحية التنفيذ‪.‬‬ ‫ مشاريع ضخ املياه وشبكة الكهرباء – صندوق‬‫االئتامن‪ :‬العقود موقعة منذ سنتني واآلن هي يف‬

‫مرحلة التنفيذ‪.‬‬ ‫ مشاريع األفران – الربنامج اإلقليمي السوري‬‫ مرشوع املولدات – الربنامج االقليمي السوري‪:‬‬‫هو أحد املشاريع الرائدة عىل مستوى سوريا‬ ‫ويهدف إىل أن يصبح تأمني الكهرباء األساسية‬ ‫(األمبريات) جزءا من عمل املجلس املحيل يف‬ ‫رساقب وريفها‪.‬‬ ‫هناك بعض االعرتاضات التي نسمعها بني الحني‬ ‫واآلخر عىل عمل املجلس املحيل‪ ،‬ما هي أسبابها‬ ‫وكيف يتعاطى املجلس املحيل معها؟‬ ‫غالبية االعرتاضات عىل عمل املجلس تكون‬ ‫اعرتاضات خدمية تهدف إىل تحسني الخدمة‬ ‫املقدمة من قبل املجلس املحيل إىل املواطنني‬ ‫املوجودين يف رساقب وريفها‪ .‬بعض هذه‬ ‫االعرتاضات فردية تكون بسبب انقطاع املاء أو‬ ‫سوء نوعية الخبز ليوم من األيام‪ ،‬أو جامعية‬ ‫مثل مشكلة مولدات الكهرباء (األمبريات)‪ .‬يقوم‬ ‫املجلس باالستامع لتلك االعرتاضات ويعمل‬ ‫عىل ح ّلها بشكل يومي‪ .‬أما بالنسبة لالعرتاضات‬ ‫الكبرية فهي تشكل الدافع الذي يعمل املجلس‬ ‫املحيل عىل حلها مثل مرشوع مولدات الكهرباء‬ ‫(األمبريات) والذي يقوم املجلس بتنفيذ مرشوع‬ ‫متكامل من أجل ّ‬ ‫حل املشكلة‪.‬‬ ‫االعرتاضات عىل املجلس هي مؤرش إيجايب عىل‬ ‫قبول الناس باملجلس كجهة مدنية خدمية‬ ‫وحيدة‪ .‬وتفاعل املجلس خالل السنوات السابقة‬ ‫مع طلبات سكان رساقب وريفها هو ما أعطى‬ ‫الرشعية لعمل املجلس‪.‬‬ ‫ما دور الدعم الذي تقدمه الجهات املانحة يف‬ ‫تقوية رشعية املجلس املحيل يف رساقب وريفها؟‬ ‫الجهات املانحة قدمت دع ًام لجزء كبري من‬ ‫املشاريع التي قام بها املجلس املحيل يف رساقب‬ ‫وريفها‪ ،‬وخاصة فيام يخدم البنية التحتية‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل بعض األعامل اإلغاثية‪ .‬ومن خالل‬ ‫الدعم املقدّم من الجهات املانحة استطاع املجلس‬ ‫املحيل تلبية العديد من احتياجات املواطنني‬ ‫وتسهيل الحياة لهم‪ ،‬عىل الرغم من ما تعانيه‬ ‫املدينة من عمليات قصف من قبل طريان النظام‬ ‫ومؤخراً سالح الجو الرويس ض ّد أحياء املدنية‪ .‬وقد‬ ‫ساهم تقديم الخدمات عىل الرغم من الصعوبات‬ ‫يف كسب املجلس لثقة املواطنني يف عمله‪.‬‬ ‫كام حاز املجلس املحيل يف رساقب وريفها عىل‬ ‫ثقة الجهات املانحة أيضاً؛ من خالل بنية العمل‬

‫املؤسسايت ضمن املكاتب واملؤسسات املختلفة‬ ‫التي يتكون منها املجلس‪ ،‬باإلضافة إىل احتوائه‬ ‫عىل كوادر مدربة خاصة يف إدارة املشاريع‬ ‫والعالقات العامة‪.‬‬ ‫هل هناك رضورات لتطوير كوادر املجلس املحيل‬ ‫سوا ًء إدارياً أو مهنياً؟‬ ‫ً‬ ‫املجلس املحيل حاز سابقا عىل العديد من‬ ‫التدريبات يف مجال العمل االداري واملؤسسايت مام‬ ‫ساعده عىل رفع جودة املشاريع التي يعمل عليها‪.‬‬ ‫ولكن الوضع يف سوريا حالياً وبسبب الحرب يضطر‬ ‫بعض الكوادر للنزوح‪ ،‬مام يستوجب استبدالها‬ ‫بكوادر جديدة‪ .‬باإلضافة إىل توسع أعامل املجلس‬ ‫الذي يحمله إىل إضافة كوادر جديدة تحتاج‬ ‫لتدريب إداري من أجل مزاولة األعامل املوكلة‬ ‫إليهم‪.‬‬ ‫يوجد أيضاً التمكني اإلداري أو التدريب عىل‬ ‫املهارات القيادية‪ ،‬هناك حاجة أساسية لتدريب‬ ‫الكوادر الشبابية الصاعدة باملهارات القيادية جنباً‬ ‫إىل جنب مع القدرات اإلدارية والخربة املكتسبة‬ ‫من أجل مساهمتهم أكرث يف توطيد عمل املجلس‬ ‫املحيل‪ .‬وهذا اليشء تحتاجه جميع املجالس عىل‬ ‫مستوى سوريا‪.‬‬ ‫كام يسعى املجلس املحيل يف رساقب وريفها‪،‬‬ ‫وبسبب احتوائه عىل العديد من الكوادر املدربة‬ ‫القادرة عىل التدريب‪ ،‬إىل تطوير املجالس األخرى‬ ‫عندما تطلب املساعدة ونقل الخربة إليها‪.‬‬


‫انتفاضة احفاد المعري‬ ‫‪ 100‬يوم تظاهر‬

‫‪11‬‬

‫طلعنا عالحرية‬ ‫مكتب غازي عنتاب‬

‫العدد ‪- 72 -‬‬

‫متيزت املظاهرات يف معرة النعامن مبشاركة نسائية‬ ‫فعالة‪ .‬أم محمد هي من تقود املظاهرات يومياً‬ ‫وتعمل مع باقي املتظاهرين عىل كتابة الالفتات‬ ‫ورفع الشعارات بشكل يومي‪ .‬أم محمد التي قام‬ ‫مؤيدي جبهة النرصة باالعتداء عليها بالشتائم‬ ‫واالهانات مل تتوان عن االستمرار باملظاهرات من‬ ‫أجل الحفاظ عىل دور النساء يف املجتمع ومنها‬ ‫املشاركة يف الحراك السلمي يف معرة النعامن‪.‬‬ ‫اقتحام مقرات جبهة النرصة يف بداية املظاهرات‬ ‫قامت به نسوة من مدينة معرة النعامن‪ .‬كرست‬ ‫أولئك النسوة الخوف وذهبوا اىل مقرات الجبهة‬ ‫وطردوا عنارصها منها وتابعوا الهتاف ضدهم حتى‬ ‫تم خروج عنارص النرصة إىل خارج مدينة معرة‬ ‫النعامن‪.‬‬

‫‪2016 / 6 / 29‬‬

‫‪ - 1‬كف أيدي عنارص جبهة‬ ‫النرصة عن الثوار واملتظاهرين‬ ‫وعدم التدخل يف شؤون املدنيني‬ ‫‪ - 2‬إعادة سالح الثورة (الجيش‬ ‫الحر) وأمالكها العامة التي‬ ‫رسقتها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬القصاص من القتلة الذين‬ ‫أراقوا دماء الثوار األحرار ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬إطالق رساح املعتقلني‬

‫املشاركة النسائية‪:‬‬

‫سلقني بعد معرة النعامن‪:‬‬

‫قام عنارص توانسة من جبهة النرصة باالعتداء عىل‬ ‫أحد النسوة يف مدينة سلقني بتاريخ ‪ 24‬حزيران‬ ‫وأهانوها فام كان من شباب سلقني إال بالرد عىل‬ ‫العنارص‪ .‬اعتقلت جبهة النرصة الشباب الذي قاموا‬ ‫بالفزعة للفتاة ولكن خروج مظاهرتني ضد جبهة‬ ‫النرصة يف املدينة أدى اىل إطالق رساح الشباب‬ ‫املعتقلني وال تزال هناك حالة من االحتقان يف‬ ‫املدينة من أجل محاسبة العنارص املعتدية من‬ ‫جبهة النرصة عىل الفتاة‪.‬‬

‫تقارير‬

‫بعد أن بدأت الهدنة تأخذ حيز التنفيذ يف غالبية‬ ‫األرايض السورية عادت املظاهرات والحراك السلمي‬ ‫إىل مكانتها يف الساحات السورية من جنوب البالد‬ ‫إىل شاملها معلنة عن استمرار انتامئها للثورة حاملة‬ ‫علم االستقالل كشعار لها‪ .‬هذه العودة للحراك‬ ‫املدين أقلقت القوى الديكتاتورية التي تعمل عىل‬ ‫إنهاء الحالة الثورية وإعادة املجتمع لحالة التبعية‪.‬‬ ‫يف يوم الجمعة الرابع من آذار ‪ 2016‬كانت أول‬ ‫مظاهرة بعد بدء الهدنة ولكن بعد انتهاء املظاهرة‬ ‫الداعية إلسقاط النظام قامت مجموعة من جبهة‬ ‫النرصة بالنزول اىل ساحة املظاهرات وأطلقوا‬ ‫شعارات منددة باملظاهرة والفرقة ‪ 13‬من الجيش‬ ‫الحر‪ .‬وتكررت العملية يف الجمعة التي تليها ولكن‬ ‫مع التهديد باملفخخات للمتظاهرين‪.‬‬ ‫حالة الغليان التي كانت سائدة يف تلك الفرتة من‬ ‫قبل جبهة النرصة تجاه الحراك الثوري ترتجم عىل‬ ‫أرض الواقع بقيام جبهة النرصة باقتحام مقرات‬ ‫الفرقة ‪ 13‬من الجيش الحر يف يوم الحادي عرش من‬ ‫آذار‪ .‬وكان الرد من قبل أهايل معرة النعامن بالقيام‬ ‫يف اليوم التايل باقتحام مقرات جبهة النرصة بدون‬ ‫سالح ومنها السجن التابع للجبهة وتحرير أربعة‬ ‫معتقلني باإلضافة إىل إنزال أعالم جبهة النرصة من‬ ‫كل الشوارع يف املدينة وطرد عنارص جبهة النرصة‬ ‫خارجها‪.‬‬ ‫بقيت حالة التوتر والتصعيد حتى الوصول إىل‬ ‫يوم ‪ 18‬آذار املصادف لذكرى سقوط أول شهيد يف‬ ‫الثورة السورية فهتف املتظاهرون يف معرة النعامن‬ ‫للثورة السورية وشهدائها وأسقطوا نظام بشار‬ ‫األسد ولكن أضافوا لها هتافات تدعوا إىل اسقاط‬ ‫أبو محمد الجوالين زعيم جبهة النرصة – تنظيم‬ ‫القاعدة يف بالد الشام وأمين الظواهري زعيم تنظيم‬ ‫القاعدة‪.‬‬ ‫تابع أهايل معرة النعامن التظاهر بشكل يومي‬ ‫حيث قامت جبهة النرصة بالخضوع نسبياً ملطالب‬ ‫املتظاهرين حيث قامت بإطالق رساح املعتقلني‬ ‫لديها سوا ًء من العسكريني التابعني للفرقة ‪ 13‬أو‬ ‫من املدنيني‪.‬‬ ‫استمرار املظاهرات أدى إىل زيادة حالة االحتقان‬ ‫من قبل جبهة النرصة تجاه الثوار يف معرة النعامن‪.‬‬ ‫فقامت النرصة بتنفيذ تهديدها السابق “ما جئناكم‬ ‫إال باملفخخات” وقامت بتاريخ الخامس من نيسان‬

‫بتفجري سيارة مفخخة يف السوق القديم ملعرة‬ ‫النعامن أدى اىل استشهاد امرأة وطفل وجرح عرشة‬ ‫مدنيني آخرين‪ .‬استمر بعد ذلك تفجري املفخخات‬ ‫بشكل متكرر ضمن حاويات القاممة ومل تسفر عن‬ ‫وقوع شهداء‪.‬‬ ‫بقيت املظاهرات مستمرة بشكل يومي وزاد عدد‬ ‫أيام التظاهر عن مئة مام دفع مؤيدي جبهة النرصة‬ ‫إىل االعتداء بالشتائم واالهانات عىل أم محمد التي‬ ‫تقوم بقيادة املظاهرات يف الساحة الرئيسية يومياً‪.‬‬ ‫كام قاموا باالعتداء عىل من يقوم بالهتافات محمد‬ ‫الصبيح بالرضب وكانت اإلصابات خفيفة‪.‬‬ ‫ولدى سؤال راسم غريب ناشط يف الحراك اعالمياً‬ ‫عن أهمية دور املعرة أجاب قائال “ملعرة النعامن‬ ‫أهمية رمزية وتاريخية يف ريف ادلب‪ ،‬حتى‬ ‫من قبل امليالد‪ ،‬فكانت ممراً وجرساً للعديد من‬ ‫الحضارات القدمية التي عاشت يف سوريا‪ ،‬وأخرجت‬ ‫من رحمها الكثري من املؤثرين يف التاريخ الثقايف‬ ‫العريب‪ ،‬كالشاعر والفيسلوف أبو العالء املعري‪.‬‬ ‫كام أنها كانت ساحة ملعارك وغزوات كثري‪ ،‬بسبب‬ ‫موقعها االسرتاتيجي الهام‪ ،‬فهي يف عرف أهايل‬ ‫املنطقة‪ ،‬عاصمة الجنوب يف محافظة ادلب‪.‬‬ ‫استمرت املعرة يف دورها املهم بالعرص الحديث‪،‬‬ ‫ومل َ‬ ‫تتوان عن االلتحاق بقطار الثورة السورية ضد‬ ‫نظام بشار األسد‪ ،‬منذ عام ‪ ،2011‬ففرضت نفسها‬ ‫مركزاً للحراك السلمي يف ريف ادلب‪ ،‬وكانت‬ ‫تجمعاً ألبناء الريف الغريب و الرشقي الثائرين ضد‬ ‫األسد‪ ،‬ومكاناً ليلتقوا به‪”.‬‬ ‫وعند سؤال راسم عن مطالب املتظاهرين التي‬ ‫يودون أن يتم تحقيقها أجاب‪“ :‬يف اليوم املئة من‬ ‫التظاهر تم إطالق بيان من قبل املتظاهرين أكد‬ ‫عىل مطالبهم الستة وهي‪:‬‬

‫واملخطوفني من الثوار واملدنيني ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬خروج جبهة النرصة من املدن والبلدات وعدم‬ ‫التدخل يف اإلدارات املدنية لها‪.‬‬ ‫‪- 6‬تشكيل محكمة رشعية مستقلة‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫“نتحســر على زمن الدكتاتور”‬ ‫َّ‬ ‫كاوا شيخي‬

‫العدد ‪2016 / 6 / 29 - 72 -‬‬

‫مقاالت‬

‫“نتحس عىل زمان الدكتاتور” جملة سمعناها‬ ‫َّ‬ ‫من قبل يف العراق واآلن نسمعها يف سوريا‪،‬‬ ‫وبالتأكيد قيلت يف مرص أيضاً!‬ ‫هكذا وبكل بساطة ينطقها الس ّذج وهم‬ ‫يق ّيمون الجديد من أ ّيامهم و ينتقدون اليسء‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫قالها يل شنكايل من العراق وقالها يل حلبي من‬ ‫سوريا وقالها يل كردي من عفرين‪ .‬‬ ‫تحس عىل صدام حسني وقال‪:‬‬ ‫طبعاً الشنكايل ّ‬ ‫“لو كان موجوداً ملا تجرأ االنتحاريون عىل‬ ‫دخول العراق‪ ،‬وملا أصبح نصف أهل العراق‬ ‫مجاهرين بطائفيتهم وبعدائهم للطوائف‬ ‫األخرى”‪..‬‬ ‫الحلبي قال إن “املعارضة أسوأ من النظام‪،‬‬ ‫مل يعد لدينا كهرباء وال ماء ومل نحصل عىل‬ ‫الكرامة التي سعينا ورائها”!‬ ‫الكردي راقب القرى الخالية من حوله وقال‪:‬‬ ‫“الحصار يقتلنا‪ ،‬ثالث سنوات من الحصار‬ ‫تد ّمر أكرب املدن”‪.‬‬ ‫تحس البسطاء عىل زمن الديكتاتور‪،‬‬ ‫هكذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومتنوا لو أنه مل تكن هناك ثورة وال من‬ ‫يحزنون!‬ ‫إ ّنه حديث ال بأس من سامعه من أميني أو‬ ‫من بسطاء مل تكن لديهم رؤية ملستقبل أفضل‬ ‫بل ولدوا وترعرعوا يف زمن الدكتاتور‪ ،‬وكانت‬ ‫أفضل حاالتهم تلك التي كانوا ينامون فيها‬ ‫شبعى وأصحاء‪.‬‬ ‫أما أن تسمعها ِم ّمن يدعي ادارة الثورة أو‬ ‫االشرتاك فيها فذلك ما يثري التساؤالت‪.‬‬ ‫الحنني إىل زمن صعب بسبب املرور يف مرحلة‬ ‫أصعب هو ضيق رؤية سببها جهل واستسالم‬ ‫للواقع!‬ ‫الذين يحنون إىل زمن الدكتاتور هم مناذج‬

‫من أناس حارصوا حياتهم باملمكن واملريئ‪،‬‬ ‫وسجنوا أحالمهم يف أقفاص الواقع؛ فبدالً من‬ ‫الحلم بزمن جميل يحلمون بالعودة إىل زمن‬ ‫أقل رداءة!‬ ‫الثورة ليست الهدف‪ ،‬إنها الوسيلة‪ ،‬والهدف‬ ‫منها هو خلق حياة أفضل من زمن ما قبل‬ ‫الثورة‪ .‬فإذا صادفت يف طريقها عرثات فال بد‬ ‫من إدراك أنها ما زالت مستمرة‪ .‬أما إذا انتهت‬ ‫الثورة واستقرت الحال وكانت األوضاع أسوأ‬ ‫أو ليست جيدة بالحد املطلوب فال بد من‬ ‫ثورة جديدة‪.‬‬ ‫اآلن نعود إىل الشنكايل ونقول له إنك مل تكن‬ ‫حراً يف زمن صدام ولكنك كنت آمناً‪ ،‬اآلن‬ ‫فقدت أمنك فال تظهر رغبتك يف العودة إىل‬ ‫زمن تضحي فيه بحريتك يف سبيل أمنك‪ ،‬بل‬ ‫احلم وكافح من أجل زمن أجمل تحظى فيه‬ ‫بكال األمرين؛ الحرية واألمان‪.‬‬ ‫إن إعداد الشعوب للثورة هي الخطوة األهم‬ ‫يف نجاح الثورات‪ ،‬وكذلك التحضري لسيناريو ما‬ ‫بعد الثورة‪ .‬أما اإلخالل يف هذا األمر فسيجعل‬

‫الجميع يحلمون مبا قد ال تستطيع الثورة‬ ‫تحقيقه‪ ،‬مام يؤدي يف كثري من األحيان إىل‬ ‫خيبات أمل قد تدفع الكثريين إىل الندم‬ ‫ألنهم قد يطلبون املستحيل‪.‬‬ ‫مثال عىل هذا الحديث‪ ،‬يف اليوم األول‬ ‫لثورة الشعب املرصي استشهد بعض‬ ‫الشباب وكان ألحدهم أخ قاد مجموعة‬ ‫من أقوى الشباب يف ميدان التحرير مطالباً‬ ‫برحيل مبارك‪ ،‬وبعد أن رحل مبارك سمعت‬ ‫هذا الشاب يقول ملاذا ضحى أخي بحياته؟‬ ‫وكأنه كان ينتظر من الثورة أن تنجح يف‬ ‫إسقاط مبارك وعندها سيعود أخوه‪.‬‬ ‫الثورات بحاجة إىل منظرين‪ ،‬واملنظرون‬ ‫الحقيقيون وإن كانوا ال ميثلون جميع‬ ‫فئات الشعب إال أنهم يقبلون الجميع‬ ‫ويستمعون إليهم‪ ،‬بل ويشاركونهم‬ ‫تفاصيل املسائل الجديدة‪ .‬وهذا كان سبباً‬ ‫يف فشل الثورات التي رفضت كل لون‬ ‫آخر يف عرص تعددت فيه األلوان وأصبح‬ ‫الجميع قادراً عىل الدفاع عن لونه‪.‬‬


‫أردوغان ليس جيدا وليس سيئا‬ ‫‪13‬‬

‫نبيل شوفان‬

‫العدد ‪- 72 -‬‬ ‫‪2016 / 6 / 29‬‬

‫يبقى التساؤل األكرب فيام يشهده العقل‬ ‫الجمعي للسوريني من يوم مجدوا فيه‬ ‫أردوغان وأطلقوا عليه األلقاب من قبيل‬ ‫السلطان وأسد السنة؛ وحتى س ّقطوه اليوم‬ ‫ونعتوه باملتخاذل والبياع هو (إىل متى؟)‪ ،‬إىل‬ ‫متى ننتهج املبالغة كأسلوب حياة‪ ،‬إىل متى‬ ‫تأخذنا التهوميات‪ ،‬فإن أحببنا شخصا رفعناه‬ ‫حتى صنعناه وهام نريد استشفاف واقعنا‬ ‫منه!‪ ،‬وإن كرهناه هجيناه يف كل حاالته‪،‬‬ ‫واألغرب وجود من ال يعجبه أي ترصف‬ ‫للرئيس الرتيك ال إن حارب روسيا وال إن‬ ‫صالحها‪ ،‬ووجود من ميجده يف الحالتني أيضا‬ ‫لكن دون سند موضوعي ميتلكه أي منهام‪.‬‬ ‫ال بد لنا نحن السوريون من تغيريات‬ ‫ثقافية تدفعنا للعمل بواقعية‪ ،‬وتجنبنا‬ ‫الضياع مبتاهات هواجس البقاء والنرص‬ ‫واألمان واألصدقاء واألعداء‪ ،‬يك نستطيع‬ ‫تحقيق اسرتاتيجية املمكن يف طريق الهدف‬ ‫املنشود‪ ،‬فال نخلط بني األخالق والسياسة‬ ‫أو بني الواقعية والوهم‪ ،‬وأن نصرب عىل‬ ‫وجهات النظر املختلفة‪ ،‬ونتخلص من عقدة‬ ‫الغري باالعتامد عىل ذواتنا‪ ،‬والبحث عن‬ ‫عيوبنا‪ ،‬وبنفس الوقت عن رجال سوريني‬ ‫تحكمهم نتائجهم النفعية علينا‪ ،‬وليس حجم‬

‫صداقاتهم مع دول أخرى‪.‬‬ ‫لدى كل الشعوب عاطفة قومية‪ ،‬ويف بلد‬ ‫دميقراطي كرتكيا من الطبيعي أن تظهر هذه‬ ‫العاطفة القومية عىل شكل واقعية سياسية‬ ‫يف ترصفات سياسيي هذا البلد‪ ،‬لذا فأردوغان‬ ‫هو تركيا وتركيا ليست أردوغان‪ ،‬ويف ظل‬ ‫تغريات جيوسياسية أشعلت حرائق مخيفة‬ ‫وقريبة منهم‪ ،‬ويف ظل خطر أحدق بالبالد‬ ‫وسمعتها‪ ،‬ونكث أورويب بوعود االتحاد‬ ‫والرشاكة‪ ،‬كل ما فعله أردوغان أنه يحاول‬ ‫تجريب ما مل يجربه‪ ،‬ليحافظ عىل متاسك‬ ‫الدولة وإال فإن تركة أتاتورك مهددة‪ ،‬وال أحد‬ ‫يف املنطقة حسب ما تثبته األحداث محصن‬ ‫أو عىل رأسه ريشة‪.‬‬ ‫أكرث من ذلك ميكن قراءة ما فعله الرئيس‬ ‫الرتيك قيامه بأول خطوة صحيحة أوىل له منذ‬ ‫أعوام‪ ،‬ولألمانة هي ليست ضعيفة فأردوغان‬ ‫جنح لنصف مصافحة‪ ،‬ومد له بوتني النصف‬ ‫اآلخر حني أعلن عن اتصاله‪ ،‬وهنا ندية‬ ‫واضحة يف تقاسم سنتميرتات الخطوة األوىل‬ ‫إلعادة العالقات بني البلدين‪ ،‬كام أعتقد أن‬ ‫الرئيس الرتيك حظي بنظرة من بعد رابع عىل‬ ‫املنطقة‪ ،‬فأدرك أخريا أن أمريكا استعملته‬ ‫كطعم يف شباك إليقاع روسيا‪ ،‬وأن أوروبا‬

‫ابتسمت له من طرف‪ ،‬واعرتفت مبجازر األرمن وأرسلت جنودا‬ ‫يقاتلون إىل جانب أل ّد أعداءه من قوات االتحاد الدميقراطي‬ ‫الكردي من طرف‪ ،‬ثم تأكد من حتمية رحيل األسد وتحول‬ ‫األخري إىل “ملهاة” دول صغرى‪ ،‬ريثام تكمل العظمى اتفاقاتها‪.‬‬ ‫بسبب كل ما سبق‪ ،‬ال ميكن القول بأن ترصفات أردوغان ال‬ ‫أخالقية‪ ،‬وإال سنقع يف رشك تناقضات ال تنتهي‪ ،‬لن يستطيع‬ ‫أحد يف البداية والنهاية وصف خدمة الرجل ملصالح بالده‬ ‫القومية بالالأخالقية‪ ،‬بل إن أخالقية أردوغان اتجاه عرشين‬ ‫مليون سوري‪ ،‬قد ترض ستني مليون تريك يا عزيزي‪.‬‬

‫مقاالت‬


‫بريطانيــا خارج االتحاد األوروبي‪،‬‬ ‫لمحــة تاريخية‪ ،‬ونظرة مســتقبلية‬

‫‪14‬‬ ‫ملحة تاريخية‪:‬‬

‫العدد ‪2016 / 6 / 29 - 72 -‬‬

‫اقتصاد‬

‫منذ عام ‪ 1951‬بدأت أوىل بوادر تشكيل االتحاد‬ ‫األورويب ليكون كتلة سياسية واقتصادية فريدة من‬ ‫نوعها‪ ،‬تأسس االتحاد عىل إثر اتفاق بني ستة دول‬ ‫واستمر التوسع إىل أن وصل عدد األعضاء األكرب‬ ‫يف تاريخ االتحاد إىل ‪ 28‬دولة عضو يف االتحاد‬ ‫األورويب إىل جانب ستة دول مرشحة للعضوية قبل‬ ‫خروج بريطانيا عام ‪.2016‬‬ ‫الدول املؤسسة وهي (أملانيا‪ ،‬إيطاليا‪ ،‬بلجيكا‪،‬‬ ‫فرنسا‪ ،‬لوكسمبورغ‪ ،‬هولندا) بدأت أول تجمع‬ ‫أورويب بعد اتفاق لتشكيل املجموعة األوروبية‬ ‫للفحم والصلب‪ ،‬وكانت هذه املجموعة نواة‬ ‫لتشكيل املجموعة االقتصادية األوروبية ثم‬ ‫االتحاد األورويب‪.‬‬ ‫يف عام ‪ 1957‬وقعت الدول الستة املؤسسة عىل‬ ‫معاهدة روما‪ ،‬بريطانيا رغبت باالنضامم إىل‬ ‫النادي األورويب لكن املوقف الفرنيس كان عائقاً‪،‬‬ ‫وكان شارل ديغول يعترب بريطانياً خادمة للواليات‬ ‫املتحدة األمريكية‪ ،‬ويف العام ‪ 1973‬التحقت كل‬ ‫من اململكة املتحدة والدامنارك‪ ،‬ثم اليونان عام‬ ‫‪ ،1981‬وإسبانيا والربتغال يف ‪ ،1986‬ثم إيرلندا يف‬ ‫‪ ،1993‬فالسويد وفنلندا والنمسا عام ‪.1995‬‬ ‫ويف ‪ 7‬فرباير‪/‬شباط ‪ُ 1992‬و ِّقعت معاهدة‬ ‫ماسرتيخت بهولندا وتم مبقتضاها تجميع مختلف‬ ‫الهيئات األوروبية ضمن إطار واحد هو االتحاد‬ ‫األورويب الذي أصبح التسمية الرسمية للمجموعة‪.‬‬ ‫وابتداء من عام ‪ 2004‬امتد االتحاد األورويب نحو‬ ‫دول أوروبا الرشقية بعد انهيار االتحاد السوفيايت‪،‬‬ ‫حيث انضمت عرش دول جديدة هي أستونيا‬ ‫وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وسلوفينيا‬ ‫والتفيا وليتونيا واملجر‪ ،‬كام انضمت كل من قربص‬ ‫ومالطا لالتحاد‪.‬‬ ‫ويف ‪ 2007‬انضمت رومانيا وبلغاريا‪ ،‬ووصل أعضاء‬ ‫االتحاد األورويب حتى ‪ 28 2014‬دولة‪ .‬وال تزال‬ ‫بعض الدول تنتظر لاللتحاق بركب االتحاد كرتكيا‬ ‫وألبانيا وأيسلندا ومقدونيا ومونتنيغرو ورصبيا‪.‬‬ ‫بريطانيا كدولة ضمن االتحاد األورويب كانت‬ ‫مميزة دامئاً‪ ،‬كانت ترفض دفع أكرث مام تناله من‬ ‫املوازنة األوروبية‪ ،‬ويف عام ‪ 1986‬قبلت االنضامم‬ ‫إىل السوق املفتوحة‪ ،‬لكنها متيزت برفض الوحدة‬ ‫النقدية وكل سياسات الجباية املشرتكة‪ .‬وكام‬ ‫متيزت يف الجانب االقتصادي قررت بقائها خارج‬ ‫اتفاقية سنغن‪ .‬وجاء هذا التميز بسبب سياسات‬

‫محافظة‪ ،‬لتصبح بذلك من أكرث الدول األوروبية‬ ‫عرضة للخروج منذ بداية دخولها‪.‬‬

‫خروج بريطانيا من االتحاد األورويب‪:‬‬

‫بتاريخ ‪ 23‬حزيران‪ /‬يونيو ‪ 2016‬خرجت اململكة‬ ‫املتحدة من االتحاد األورويب وفق استفتاء وعد‬ ‫به رئيس الوزراء ديفيد كامريون ضمن خطابه يف‬ ‫‪ 23‬يناير‪ /‬كانون الثاين ‪ 2013‬يف حال أعيد انتخابه‬ ‫لرئاسة مجلس الوزراء مرة أخرى يف االنتخابات‬ ‫الترشيعية التي شهدتها بريطانيا يف ‪.2015‬‬ ‫أبرز الخالفات بني املؤيدين واملعارضني لبقاء‬ ‫بريطانيا يف االتحاد األورويب تركزت عىل الهجرة‬ ‫واالقتصاد والتجارة والنظم والقواعد والسيادة‪.‬‬ ‫شهدت البالد يف عام ‪ 2015‬وصول ‪ 336‬ألف‬ ‫شخص بني مهاجرين والجئني‪ ،‬من بينهم ‪ 180‬ألف‬ ‫مهاجر من االتحاد األورويب‪ ،‬ويعتقد املؤيدون‬ ‫لخروج اململكة املتحدة من االتحاد األورويب‪،‬‬ ‫أن الحد من الهجرة سيخفض نفقات الرعاية‬ ‫االجتامعية‪ ،‬وينشط الخدمات العامة ويحفظ‬ ‫الوظائف للربيطانيني‪ ،‬إال أن خروج بريطانيا من‬ ‫االتحاد األورويب سيفقدها التأثري عىل سياسات‬ ‫الهجرة األوروبية ولن يكون لها الحق يف ضبط‬ ‫األمن عند مدخل النفق األورويب يف مدينة كاليه‬ ‫بفرنسا‪ ،‬حيث يتجمع آالف املهاجرين تحيناً‬ ‫لفرصة الوصول إىل الشواطئ الربيطانية‪.‬‬

‫نظرة مستقبلية‪:‬‬

‫انخفضت قيمة الجنيه اإلسرتليني بشدة ووصل إىل‬ ‫أقل مستوى له منذ ‪ 31‬عاماً‪ ،‬ومن املتوقع بقاء‬ ‫قيمته منخفضة عىل املدى املتوسط‪ ،‬مام سيؤثر‬ ‫عىل تكلفة رشاء السلع والخدمات من خارج‬ ‫اململكة‪ ،‬كام سيؤدي إىل زيادة التضخم‪ ،‬وستصبح‬ ‫السلع الربيطانية يف الخارج أقل سعراً‪.‬‬ ‫قد يعزز انخفاض قيمة الجنيه من زيادة الصادرات‬ ‫مام يزيد من مكاسب املصدرين‪ ،‬إال أن صادرات‬ ‫بريطانيا إىل االتحاد األورويب أقل من وارداتها‪،‬‬

‫حيث بلغت الصادرات إىل االتحاد األورويب نسبة‬ ‫‪ ،45%‬يف املقابل بلغت واردات بريطانيا من‬ ‫االتحاد األورويب نسبة ‪ %/53‬عام ‪.2015‬‬ ‫ووفقا لحسابات املركز األورويب لإلصالح‪ ،‬فإن‬ ‫انضامم بريطانيا إىل االتحاد األورويب أدى إىل زيادة‬ ‫صادراتها بنسبة ‪ .55%‬وبحسب “أوبن يوروب”‪،‬‬ ‫ميكن أن يؤدي خروج بريطانيا إىل خسارة الناتج‬ ‫املحيل اإلجاميل بحلول عام ‪ 2030‬بني ‪ 0,8%‬إىل‬ ‫‪.2,2%‬‬ ‫ومن دون إتاحة الوصول إىل السوق املشرتكة‪ ،‬فإن‬ ‫اململكة املتحدة ستفقد بعضا من االستثامرات‬ ‫األجنبية املبارشة التي مصدرها بنسبة ‪48%‬‬ ‫االتحاد األورويب (‪ 496‬مليار جنيه العام ‪)2014‬‬ ‫لصالح دول التكتل‪.‬‬ ‫ويعترب املستفيد األول من خروج بريطانيا من‬ ‫االتحاد األورويب هي لكسمبورغ‪ ،‬وقال وزير‬ ‫مالية لوكسمبورغ “بيري غرامينيا” مؤخرا “يسألني‬ ‫صحافيون بنية حسنة أو سيئة إذا كان خروج‬ ‫سوق املال يف لندن من االتحاد األورويب سيعطي‬ ‫دفعة لسوق لوكسمبورغ؟”‪.‬‬ ‫ويضيف مجيبا “ال أشاطر هذا التحليل رغم‬ ‫رسوري باألمر‪ ،‬ألن الكثري من الفاعلني يعتربون‬ ‫أن لوكسمبورغ ستصبح يف حال خروج بريطانيا”‬ ‫السوق املالية الرئيسية املحتملة يف أوروبا‪.‬‬ ‫ويستعد القطاع املرصيف يف لوكسمبورغ الذي‬ ‫يضم ‪ 143‬مؤسسة‪ ،‬الستقبال مصارف جديدة من‬ ‫لندن تابعة لدول غري أعضاء يف االتحاد األورويب‪،‬‬ ‫وخصوصا أمريكية وأسرتالية وكندية وسويرسية‬ ‫وتركية‪.‬‬ ‫وقال سريج دو سيليا‪ ،‬املدير العام لجمعية البنوك‬ ‫يف لوكسمبورغ‪“ ،‬سنحاول لعب ورقة توفري مقار‬ ‫رئيسية”‪ ،‬أي دعوة املجموعات العاملية الكربى إىل‬ ‫جعل مقرهم العام األورويب يف لوكسمبورغ‪.‬‬ ‫كثرية هي التداعيات والتحليالت حول ما ستؤول‬ ‫إليه األحوال نتيجة خروج بريطانيا من االتحاد‬ ‫األورويب‪ ،‬ومن املؤكد أنها سترتك أثراً واضحاً يف‬ ‫كافة املجاالت من الصناعة والتجارة والسياحة‬ ‫باإلضافة إىل اآلثار السياسية‪ ،‬وبشكل خاص فقدان‬ ‫صوت حليف أسايس للواليات املتحدة األمريكية‬ ‫يف االتحاد األورويب‪ .‬إال أنه من املبكر جداً الحديث‬ ‫عن انهيار يف االتحاد األورويب‪ ،‬عىل الرغم من أن‬ ‫العديد من األحزاب اليمينية يف البلدان األوروبية‬ ‫ترتقب الفرصة للخروج من االتحاد األورويب‪.‬‬


‫نشرة اقتصادية‬

‫طلعنا عالحرية ‪ -‬القسم االقتصادي‬

‫اهم املستجدات التي تهم السوريني يف الشتات والداخل‬

‫دخول مساعدات األمم‬ ‫المتحدة إلى المناطق‬ ‫المحاصرة ألول مرة بعد‬ ‫سنين من الحصار‬

‫العدد ‪2016 / 6 / 29 - 72 -‬‬

‫بعد شهر من إعالن املجموعة الدولية لدعم سوريا‬ ‫عن قرار ادخال املساعدات إىل املناطق املحارصة‪،‬‬ ‫بدء إدخال املساعدات براً بحسب الخطة املحددة‬ ‫لشهر حزيران‪ ،‬وقد أعلنت األمم املتحدة عن‬ ‫دخول أوىل مساعداتها إىل عدة مناطق‪.‬‬ ‫وبحسب األمم املتحدة دخلت املساعدات‬ ‫الغذائية من برنامج األغذية العاملي إىل داريا‪ ،‬يف‬ ‫ريف دمشق للمرة األوىل منذ بدء حصارها منذ‬ ‫عام ‪ ،2012‬وذلك يف إطار قافلة مشرتكة بني األمم‬ ‫املتحدة والهالل األحمر العريب السوري‪.‬‬ ‫وقدم برنامج األغذية مساعدات غذائية ـ تكفي‬ ‫‪ 2400‬شخص يف داريا ملدة شهرـ ودقيق قمح معبأ‬ ‫يف أكياس يكفي إلطعام أربعة آالف شخص ملدة‬

‫شهر‪.‬‬ ‫كام شملت القافلة إمدادات طبية ومواد صحية‪.‬‬ ‫وتشمل صناديق التغذية التي يقدمها الربنامج‬ ‫األرز والعدس والحمص والفول والربغل والزيت‬ ‫وامللح والسكر‪.‬‬ ‫ووفقا لبيان صحفي‪ ،‬من املقرر تسيري مزيد من‬ ‫القوافل إىل ‪ 19‬موقعا محارصا يف سوريا كجزء‬ ‫من خطة شهر حزيران يونيو‪ ،‬يف أعقاب موافقة‬ ‫الحكومة السورية عىل وصول املساعدات إىل‬ ‫جميع هذه املواقع‪.‬‬ ‫وعىل صعيد آخر‪ ،‬أعلن برنامج األغذية العاملي أن‬ ‫سلسلة من عمليات إسقاط املساعدات جوا عىل‬ ‫بلدة دير الزور املحارصة وفرت املواد الغذائية‬

‫ملئة ألف شخص محارصين داخل املدينة‪ .‬وقال‬ ‫إنه يعتزم االستمرار مبثل هذه العمليات الجوية‬ ‫يف األسابيع القليلة املقبلة لتوفري الحصة التموينية‬ ‫لشهر آخر‪.‬‬ ‫وخالل األيام القليلة األوىل من شهر حزيران يونيو‪،‬‬ ‫قدم الربنامج مساعدات غذائية إلنقاذ حياة أكرث‬ ‫من ‪ 1.4‬مليون شخص يف أنحاء سوريا كجزء من‬ ‫خطة شهرية للوصول إىل أربعة ماليني من النازحني‬ ‫واملستضعفني‪.‬‬ ‫وذكرت تنسيقية مدينة دوما‪ ،‬أن مساعدات أممية‬ ‫دخلت إىل مدينة دوما احتوت عىل ‪ 4800‬سلة‬ ‫غذائية باإلضافة ‪ 5200‬كيس طحني و‪ 753‬زبدة‬ ‫فستق و‪ 1500‬بسكويت متر مقدمة من برنامج‬ ‫األغذية العاملي‪.‬‬ ‫وفوط نسائية ‪ 1496‬وحقائب نظافة شخصية‬ ‫‪ 1496‬ومجموعة والدة أمنة ‪ 14‬من صندوق األمم‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫و‪ 464‬صندوق أدوية من منظمة الصحة وشوادر‬ ‫بالستيك ‪ 4800‬وعدة أدوات مطبخية و‪ 4000‬غالون‬ ‫مياه من “مفوضية األمم املتحدة” لشؤون الالجئني‬ ‫ومن السفارة “املرصية” ‪ 100‬صندوق حالوة ‪10‬‬ ‫صناديق مرتديال وعدد من أكياس الطحني‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫استهداف المحاصيل الزراعية في سوريا‬

‫الزراعية مع دخول اتفاق املجموعة الدولية لدعم‬ ‫سوريا حيز التنفيذ يف إدخال املساعدات األممية‬ ‫إىل املناطق املحارصة‪ ،‬إال أن حجم املساعدات مل‬ ‫يرتق حتى اآلن إىل تغطية كافة احتياجات السكان‬ ‫املحارصين‪ ،‬لتزداد املعاناة مع فقدان مساحات‬ ‫من األرايض املزروعة‪.‬‬ ‫تفتقد العديد من املدن والبلدات املحارصة‬ ‫يف ريف دمشق للقمح‪ ،‬وهو أحد أهم الركائز‬ ‫الغذائية يف سوريا املشهورة بقمحها‪ ،‬فقد بات‬ ‫مفقودا يف العديد من املناطق‪ ،‬وبشكل خاص‬

‫اقتصاد‬

‫أقبل حزيران معلناً عن بدء موسم حصاد القمح‪،‬‬ ‫ومع تطور األحداث الجارية يف سوريا بات القمح‬ ‫إرهابياً يف قاموس النظام األسدي املجرم‪.‬‬ ‫يستمر تحليق الطريان الحريب السوري يف األجواء‬ ‫ملتابعة مهامه يف قتل الشعب السوري‪ ،‬من قصف‬ ‫للمناطق السكنية واملدارس واملخابز واألسواق‬ ‫وصوالً إىل استهداف املشايف وكل ما من شأنه أن‬ ‫يساهم يف استمرار حياة املواطنني‪ ،‬إال أن مهام‬ ‫إضافية يف شهر حزيران باتت عىل عاتق سالح‬ ‫الجو السوري‪ ،‬أال وهي استهداف األرايض املزروعة‬ ‫بالقمح‪.‬‬ ‫تكثفت هجامت الطريان الحريب عىل األرايض‬ ‫الزراعية بشكل خاص يف املناطق املحارصة‪،‬‬ ‫وبإسناد من املدفعيات وكل أنواع األسلحة املجهزة‬ ‫ألداء هذه املهمة‪ ،‬وقد طال القصف العديد‬ ‫من األرايض الزراعية يف داريا وعدد من مناطق‬ ‫الغوطة الرشقية املحارصة منذ عام ‪.2012‬‬ ‫تزامنت حملة الهجوم الرشسة عىل املحاصيل‬

‫املناطق املحارصة التي كانت تعتمد بشكل أسايس‬ ‫عىل استجرار احتياجاتها من القمح من مناطق‬ ‫جنوب وشامل سوريا‪ ،‬ونتيجة للتطورات يف مناطق‬ ‫السيطرة وقطع الطرق والعديد من العوامل‪ ،‬بات‬ ‫الخبز شبه مفقود فيها‪ ،‬مام استدعى لوضع خطط‬ ‫لزراعة القمح وانتظاره أكرث من ستة أشهر‪ ،‬عىل‬ ‫اعتبار أن القمح من أساسيات األمن الغذايئ‪.‬‬ ‫يسعى املزارعون جاهدين بوسائل بدائية إىل‬ ‫إخامد الحرائق‪ ،‬وتعينهم قوات الدفاع املدين‬ ‫بقدراتها املحدودة آملني إنقاذ ما تبقى من‬ ‫املحاصيل ملجابهة الحرب الفتاكة التي يستخدمها‬ ‫النظام السوري لرتكيع وتجويع الثوار‪.‬‬ ‫ووفقا لبيانات نرشتها منظمة األغذية والزراعة‬ ‫التابعة لألمم املتحدة (فاو) قبل أكرث من شهر‪،‬‬ ‫فإن مساحة األرايض السورية املزروعة بالقمح‬ ‫والشعري ملوسم ‪ 2015-2016‬بلغت نحو ‪2.16‬‬ ‫مليون هكتار بعد أن كانت ‪ 3.12‬ماليني هكتار‬ ‫يف عام ‪.2010‬‬


‫‪16‬‬

‫شيا يغادرنا في منفاه الباريسي‬ ‫رياض ّ‬ ‫تار ًكا لنا قصيدته السينمائية‬ ‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪2016 / 6 / 29 - 72 -‬‬

‫ثقافة‬

‫رياض ش ّيا‪ ،‬ومن قبل نبيل املالح‪ ،‬نذير نبعة‪ ،‬حسني‬ ‫العودات‪ ،‬جورج طرابييش‪ ،‬ياسني رفاعية‪ ،‬ومطاع‬ ‫الصفدي‪ ،‬مفكرون ومبدعون سوريون غادرونا يف‬ ‫اللحظة املعادية للفكر واإلبداع واإلنسانية‪ ،‬لحظة‬ ‫الدم وقتل األطفال والنساء والشيوخ بدم بارد‪،‬‬ ‫لحظة ما قبل الخالص السوري‪.‬‬ ‫رياض ش ّيا (‪ - 1954‬محافظة السويداء بجنوب‬ ‫سوريا)‪ ،‬مخرج فيلم “اللجاة”‪ ،‬ظلمته بالده مبدعًا‪،‬‬ ‫وظلمه املنفى القرسي لسنوات طوال‪ .‬وقد كان‬ ‫رحيله يوم االثنني (‪ )13/6‬يف أحد مستشفيات‬ ‫باريس‪ ،‬بعد رصاع طويل مع رسطان الحنجرة‪،‬‬ ‫صدمة ألهله ومحبيه من املثقفني واملبدعني‬ ‫السوريني الذين زادهم رحيله املبكر أملًا ولوعة‪.‬‬ ‫الشاعرة السورية هاال محمد نعته قائلة‪“ :‬وداعًا‬ ‫رياض ش ّيا ‪ ...‬دخلت بيتكم يف السويداء مرا ًرا لدى‬ ‫تحضري الكثري من األفالم ومنت عندكم وأكلت من‬ ‫بني يدي والدتك‪ .‬كان بيتكم مبثابة شجرة هناك‪.‬‬ ‫شجرة العابر تحت قرص الشمس الحارق ْة‪ .‬شجرة‬ ‫السينام السورية يف السويداء‪ .‬العزاء للسينام‬ ‫السورية‪ .‬العزاء لسوريا‪ ..‬ذاكرة رهيبة نفخر بها‬ ‫تحملنا عىل ظهرها‪ ..‬لننجو‪ ،‬نهوي واحدًا تلو اآلخر‪..‬‬ ‫تلو اآلخر‪ ..‬تلو اآلخر‪.”..‬‬ ‫فيام قال املمثل الشاب رمزي شقري‪“ :‬رياض ش ّيا‪،‬‬ ‫مل نحتف بفلمك الوحيد‪ ،‬فقط شاهدناه‪ ،‬ومل نسأل‬ ‫عنك وأنت مرهق بأمل الحنجرة‪ ،‬قالئل ‪ -‬مل يتجاوزوا‬ ‫أصابع اليد الواحدة ‪ -‬سألوا عن أخبارك‪ ،‬إمرأة‬ ‫عظيمة واحدة حملتك وتحملتك (أيرين البريي)‬ ‫الجميلة‪ .‬يحق لك أن تكون كام كنت‪ً ،‬‬ ‫فيلم وحيد‬ ‫لتكشفنا‪ ،‬صخورا عراة ال ننفع‪ .‬استفق قليال لتقرأ‬ ‫عىل صفحات التواصل نعواتنا لك‪ ،‬لو اهتممنا بك‬ ‫كام اآلن النترصنا وأخرنا موتك لسنوات‪.”..‬‬ ‫بدوره قال املخرج السيناميئ أسامة محمد‪“ :‬رياض‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أنفاسك‬ ‫حبست‬ ‫ش ّيا ‪..‬كم من الساعات والسنني‬ ‫ولونتَها بالتأمل والتأمل والتأمل‪ .‬ألهذا كنت بني‬ ‫صمت وصمت تطلق ذاك الزفري املديد املديد‪..‬‬ ‫وسع “اللجاة”‪..‬‬

‫“اللجاة”‪ ..‬موسكو معهد السينام‪ .‬ملستك الرقيقة‬ ‫عىل الكتف تسبق كالمك حني تنوي الكالم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫صمتك عىل الكتف وتبوح‪ ..‬تشري يل نحو‬ ‫ُتو ِدعُ‬ ‫اللقطة الواسعة لشجرة يف “نجوم النهار”‪ ..‬هي‬ ‫لقطتك أنت يف فيلم يحمل اسمي‪ ..‬أخبؤها‬ ‫لك فيه‪ .‬مل يكن فيك ما يكفي من عنف لتعرب‬ ‫حواجز مؤسسة السينام نحو اللجاة‪ ..‬فأعرتك ما‬ ‫لدي منه‪ ،‬رددت لك الشجرة‪ ..‬عن ًفا‪“ .‬اللجاة”‬ ‫شهيقك العميق وزفريك العميق‪ ..‬جامل‪ .‬مل يكن‬ ‫فيك ما يكفي من القسوة لتعرب ممرات الظلم‪..‬‬ ‫نحو فيلم آخر‪.‬‬ ‫أصبح أصل ًعا وتشيب‪..‬‬ ‫بني فيلمني‪ ..‬نشيخ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫نتباعد ونتالقي تخبئ بيتًا من الشعر ترسله من‬ ‫نفس‬ ‫رؤوس أناملك وابتسامة‪ ،‬اسمع‪( :‬ولو أ َّنها ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تساقط أَن ُفسا)‪.‬‬ ‫نفس‬ ‫متوت جمي َعها ولكنّها ٌ‬ ‫حي املهاجرين‪،‬‬ ‫عيني من عىل سطح يف ّ‬ ‫وتنظر يف ّ‬ ‫“املهاجرون” هو الفيلم الذي حاولت يومها أن‬ ‫ّ‬ ‫أورطك به‪ ..‬مل أكن أرى منه إال الكلمة”‪.‬‬ ‫التغريد خارج رسب سينام النظام‪..‬‬ ‫“اللجاة” (من إنتاج املؤسسة العامة للسينام‬ ‫بدمشق ‪ 1993- -‬وحاز جائزة مهرجان دمشق‬ ‫السيناميئ يف دورته التاسعة)‪ ،‬هو الفيلم اليتيم‬ ‫للراحل رياض ش ّيا‪ ،‬وتدور أحداثه يف منطقة‬ ‫اللجاة ذات الطبيعة الصخرية البازلتية يف‬ ‫الجنوب السوري حيث قساوة األرض والطبيعة‪،‬‬ ‫تقابلها قساوة التقاليد والعادات والحياة يف تلك‬ ‫املنطقة‪ ،‬عرب قصة حب تدور بني فتاة وأستاذ‬ ‫مدرسة‪ ،‬مقابل عم الفتاة الذي يحاول الوقوف‬ ‫إىل جانبهام‪ ،‬غري أن وقوفه هذا‪ ،‬ال يجنبهام‬ ‫قسوة العادات والتقاليد واملوت‪.‬‬ ‫القصـــة التي تبدو للبعض بسيطة ومكررة‬ ‫وعادية يف عموميتها‪ ،‬جعل منها رياض ش ّيا‬ ‫قصيدة شعرية سينامئية خاصة‪ .‬خاصة أن املكان‬ ‫بغرابته وقسوته وبالتايل بشاعرية مدهشة‬ ‫طغت عليه‪ ،‬حولت الفيلم إىل بطل رئييس متا ًما‬ ‫كام كانت حال لغة السكون والسكينة والجمود‬

‫األزيل التي بدت مسيطرة عىل الفيلم من أوله إىل‬ ‫آخره‪.‬‬ ‫ومن املؤكد أن “اللجاة” انطال ًقا من هذه العنارص‬ ‫املتضافرة بدا مغردًا خارج رسب السينام السورية‬ ‫الرسمية‪ ،‬التي كانت وال زالت خاضعة لسلطة نظام‬ ‫األسد بكل ما قدمته‪ ،‬وبالتايل إذا كان هذا قد شكل‬ ‫نقاط القوة يف فيلم استثنايئ‪ ،‬فإنه شكل ً‬ ‫أيضا نقطة‬ ‫الضعف بالنسبة إىل جمهور مل يكن قد تع ّود بعد‬ ‫عىل التفاعل مع سينام ميكن‪ ،‬بعد كل يشء تسميتها‬ ‫“سينام األقاليم”‪ ،‬أي تلك السينام التي اعتادت أال‬ ‫تتجاوز فيلموغرافيتها الفيلم الواحد‪.‬‬ ‫ويرى الناقد السيناميئ السوري محمد عبيدو‪ ،‬أنه‬ ‫“شاءت عبثية ويأس الحياة السورية أن يخرج‬ ‫فيلم ً‬ ‫(رياض) ً‬ ‫يتيم واحدًا‪ ،‬فكان “اللجاة” الذي متيز‬ ‫يف لغته وطموحه السيناميئ وأسلوب رسده الحديث‬ ‫الذي اعتمد اللغة البرصية يف التعبري عن أفكاره‬ ‫ً‬ ‫محول نرثية رواية “معراج املوت” ملمدوح عزام إىل‬ ‫قصيدة شعر سينامئية”‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫صدمت األوساط اإلج‬ ‫تامعية والفنية والثقافية يف صباح يوم‬ ‫األربعاء (‪ 22‬حزيران‪/‬ي‬ ‫ونيو الجاري) يف بريوت‪ ،‬بانتحار الراقص‬ ‫الفلسطيني السوري الش‬ ‫اب حسن رابح (‪ 25‬سنة)‪ ،‬أحد أعضاء فرقة‬ ‫“سيمة” (‪ ،)SIMA‬الفا‬ ‫ئزة باملرتبة األوىل بالربنامج الشهري “عرب‬ ‫جوت تالنت” يف العام ‪.2013‬‬ ‫حسن الذي وضع حدًا‬ ‫لحياته كالجئ يف لبنان‪ ،‬أقدم عىل االنتحار‬ ‫برمي نفسه من الطابق‬ ‫السابع‪ ،‬بعد أن ُسدت بوجهه كافة أبواب‬ ‫الحياة نتيجة لسياسات‬ ‫الحكومة اللبنانية تجاه الالجئني السوريني‪،‬‬

‫وحرمانهم من أبسط‬

‫حقوقهم‬ ‫يف اإلقامة والعمل والتنقل والحياة الكرمية‪.‬‬

‫المقبل آخر أجل للتسجيل‬ ‫‪ 31‬تموز ُ‬ ‫ببرنامج دعم الفنانين السوريين‬ ‫“مخترب الفنون” هو برنامج دعم للفنانني‬ ‫السوريني‪،‬تطلقهاتجاهات‪-‬ثقافيةمستقلة‬ ‫للعام الثالث بالتعاون مع معهد غوته‪،‬‬ ‫وتتوجه من خالله إىل الفنانني والكيانات‬ ‫الثقافية السور ّية بهدف دعم مامرساتهم‬ ‫اإلبداعية لتكون متجاوبة مع األمكنة‬ ‫الجديدة املوجودين فيها‪ ،‬وإىل تعزيز‬ ‫أشكال التعبري الفنية وإتاحة الفرص أمام‬ ‫املبدعني املستقلني حتى يتمكنوا من تقديم‬ ‫أعاملهمالفنية‪.‬‬ ‫ويهدف الربنامج إىل دعم إنتاج أعامل‬ ‫فنية جديدة يف كافة أشكال التعبري الفني‬ ‫واإلبداعي ضمن القطاعات الفنية التالية‪:‬‬ ‫السينام والرسوم املتحركة‪ ،‬واملرسح والرقص‬

‫رحيل شيخ‬ ‫المنتجين‬ ‫السينمائيين‬ ‫السوريين نادر‬ ‫أتاسي‬

‫حكواتي‬ ‫الغوطة‪..‬‬ ‫مسلسل‬ ‫رمضاني‬ ‫من تحت‬ ‫القصف‬

‫فنية متواضعة‪ ،‬أنجز‬ ‫خربات‬ ‫ّات بسيطة منها ما هو مص ّنع محل ًّيا‪ ،‬و ً ضان ًيا يتابع الجمهور‬ ‫ق الرشقية مسلسل رم‬ ‫مبعد‬ ‫من ثوار غوطة دمش‬ ‫رب قناة “اآلن” ومواقع‬ ‫مبدعون‬ ‫شهر رمضان الكريم‪ ،‬ع‬ ‫حلقاته كل يوم خالل‬ ‫غوطة” هو األول من‬ ‫السوري‬ ‫ل الدرامي “حكوايت ال‬ ‫اإلجتامعي‪ ،‬واملسلس‬ ‫التواصل‬ ‫لفكرة وظروف العمل‪.‬‬ ‫هالخربية‪ ..‬عن الثورة‬ ‫ا‬ ‫ث‬ ‫نوعه من حي‬ ‫معنا‬ ‫شودة يقول مطلعها “يا حكوايت غوطتنا‪ ..‬س ّ شباب غوطة دمشق‬ ‫”‪ ،‬تروي مجموعة من‬ ‫بأن‬ ‫ة‪ ..‬يا حكوايت غوطتنا‬ ‫الذي تشنه طائرات‬ ‫ري‬ ‫السو‬ ‫صف الطريان اليومي‬ ‫ار وق‬ ‫ظل الحرب والحصار‪،‬‬ ‫الرشقية‪ ،‬متحدين الحص حايك واقعهم األليم يف‬ ‫صصا ت‬ ‫ق‪ ،‬ينتجها “تلفزيون‬ ‫النظام والعدو الرويس‪ ،‬ق ً دة كل منها عرش دقائ‬ ‫ت يومية ال تتجاوز م‬ ‫هة آلة النظام الدرامية‬ ‫يف حلقا‬ ‫ل يف الرغبة يف مواج‬ ‫تلخص فكرة املسلس‬ ‫سلسالت التي يصور‬ ‫وت‬ ‫اآلن”‪.‬‬ ‫من خالل األعامل وامل‬ ‫دت تزييف الحقائق‬ ‫لة اإلسالمية (داعش)‪.‬‬ ‫التي اعتم‬ ‫ها مكافئ لتنظيم الدو‬ ‫الثورة السورية عىل أن‬ ‫ب” عىل الرابط التايل‪:‬‬ ‫كثري منها‬ ‫موقع “اليوتيو‬ ‫وميكنكم متابعة حلقات املسلسل يف ‪https://www.youtu‬‬ ‫=‪be.com/watch?v‬‬ ‫‪gM-267ymHUM‬‬

‫ثقافة‬

‫فقدت الساحة الفنية السورية والعربية شيخ املنتجني السينامئيني السوريني‬ ‫املهندس نادر أتايس‪ ،‬أحد أهم أعمدة السينام العربية‪ ،‬الذي غادرنا يوم‬ ‫االثنني (‪ 20‬حزيران‪/‬يونيو الجاري)‪.‬‬ ‫والراحل من مواليد العام ‪ ،1919‬وقد بدأ رحلته يف مجال اإلنتاج السيناميئ‬ ‫عام ‪ ،1958‬حيث كانت األعامل الرحبانية املرسحية واملوسيقية يف ذروة‬ ‫شهرتها عىل مسارح بريوت ودمشق‪ ،‬عندئ ٍذ أراد نادر أتايس أن تصل عبقرية‬ ‫عايص ومنصور وفريوز إىل أبعد املسافات العربية عرب السينام‪.‬‬ ‫فأنتج مرسحية “بياع الخواتم” الغنائية‪ ،‬بتحويلها إىل فيلم سيناميئ من إخراج‬ ‫يوسف شاهني‪ ..‬ثم تاله فيلم “سفر برلك” من إخراج هرني بركات‪ ،‬وبعده‬ ‫فيلم “بنت الحارس”‪ ..‬وظلت رغبة بنفسه مرسحية “هالة وامللك” فاشرتى‬ ‫حقوقها‪ ،‬وحولها إىل فيلم استعرايض من إخراج حاتم عيل باسم “سيلينا”‬ ‫برضا الراحل منصور الرحباين‪..‬‬ ‫وهو منتج األفالم الشهرية مثل‪( :‬الحدود‪ ،‬التقرير‪ ،‬كفرون)‪ ،‬كام أنتج العديد‬ ‫من األفالم الفرنسية واألمريكية الشهرية عامل ًيا‪ .‬كذلك خاض يف مجال اإلنتاج‬ ‫التلفزيوين وآخر إنتاجاته يف هذا املجال مسلسل “املالك الثائر” عن سرية‬ ‫الشاعر جربان خليل جربان‪.‬‬

‫وفنون األداء‪ ،‬والكتابة اإلبداعية‪ .‬وكذلك‬ ‫الفنون البرصية مبا يشمل الفنون التشكيلية‬ ‫واملوسيقى ومشاريع التصميم البرصي‬ ‫والغرافييكوالتجهيزاتالفنية‪.‬‬ ‫وهو يتوجه إىل الفنانني واملبادرات الفنية‬ ‫أينام تواجدت يف سوريا ولبنان واألردن‬ ‫ومرص وتركيا‪ ،‬إضافة إىل بلدان املهجر يف‬ ‫أوروبا‪ .‬وقد بدأت إدارة الربنامج يف‬ ‫استقبال الطلبات منتصف هذا الشهر‬ ‫لتستمر حتى نهاية يوم ‪ 31‬متوز‪ /‬يوليو‬ ‫ا ُملقبل‪ ،‬وملعرفة رشوط وطريقة التقدم‪،‬‬ ‫ميكنكم الدخول ملوقع “اتجاهات” عىل‬ ‫الرابط التايل‪:‬‬ ‫‪http://ettijahat.org/page/247‬‬

‫العدد ‪2016 / 6 / 29 - 72 -‬‬

‫انتحار‬ ‫الراقص‬ ‫الفلسطيني‬ ‫السوري‬ ‫حسن رابح‬ ‫في لبنان‬

‫‪17‬‬


‫‪4‬‬ ‫‪18‬‬

‫عزازيل‬ ‫وانتهاء مفتوح (جزء أول)‬ ‫دء ُمفترض‬ ‫ٌ‬ ‫َب ٌ‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2015 // 68 // 29‬‬ ‫‪2 - 72‬‬

‫ثقافة‬ ‫لقاءات‬

‫أدهشني الروا ّيئ “يوسف زيدان” بروايته‬ ‫“عزازيل” إصدار دار “الرشوق” ‪ ،2008‬م ّرتني‪:‬‬ ‫م ّرة وأنا أتح ّقق من الوثيقة التاريخ ّية التي ُتع َت ُرب‬ ‫ٌ‬ ‫وثيقة افرتاضية‪.‬‬ ‫تبي أنها‬ ‫الرواية نق ًال لها‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُوأخرى عندما استطعت ْأن أف ِّكر كام ف ّكر بطل‬ ‫الرواية “هيبا” بالرغم من كونه شخصية افرتاضية‬ ‫كواقع‬ ‫وأنا شخص موجود يف الواقع‪ .‬فبني الوثيق ِة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اض‪،‬‬ ‫تاريخي َ‬ ‫وقع وانتهى وبات حتمياً‪ ،‬وبني االفرت ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫بدع قد يقع وقد ال يقع‪ ،‬ورمبا يسلك ّ‬ ‫كل‬ ‫م‬ ‫كخيالٍ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫املسالك املمكنة احتامليا‪ُ ،‬يد ِّون “هيبا” ذاكرته؛ ما‬ ‫م ّر بها وأمامها‪ .‬ويعيش القارئ مع “هيبا” ذكرياته‬ ‫الرشقي‬ ‫وتناقضاته يف زمن الرواية الدائريّ ‪ ،‬ومكانها‬ ‫ّ‬ ‫املفعم بالقداسة التي يضفيها البرش من عندياتهم‬ ‫عىل أماكنهم‪ ،‬ع ّلها تزيد من مكانتهم!‬ ‫وهنا تكمن عظمة الرواية! بأنها غري واقع ّية‪،‬‬ ‫بالرغم من األحداث التاريخية‪ ،‬من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬ميكن ْأن يف ِّكر أي قارئ للرواية كام‬ ‫ف ّكر بطلها “هيبا” االفرت ّ‬ ‫ايض والعاديّ ! وذلك عىل‬ ‫عكس كثري من الروايات التي تتكلم عن أبطالٍ‬ ‫ال ميكن َت ُثلها لفرادتها ومجازفتها وخارق ّيتها‪ .‬ومبا‬ ‫َّأن الرواية ليست عبار ًة خرب ّية‪ ،‬ميكن لنا الحكم‬ ‫عليها بالصواب والباطل كام يفعل النحويون‬ ‫وا ّللغويون‪ ،‬وليست قضي ًة منطق ّية‪ ،‬يجوز الحكم‬ ‫املناطقة‪ ،‬نجد رواية‬ ‫بصدقها وكذبها كام يفعل‬ ‫ِ‬ ‫تداع ُح ٍّر لالشعور “هيبا”‬ ‫“عزازيل” جلس َة‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫واعرتافاته‪ .‬ففي الرواية تكتب العبارة بدون رقاب ٍة‪،‬‬ ‫كام يلفظها الطفل واملجنون والسكران والواقع‬ ‫تحت التخدير واملتكلم يف نومه‪ ...‬بدون ُمحرز‬ ‫الضوابط املنطق ّية والدين ّية والتاريخ ّية والحضار ّية‪،‬‬ ‫ا ُملحر ُز الذي استناداً إليه ُتق َّوم الرواية من قبل‬ ‫ا ّللغويني واملناطقة واملشايخ والكهنة واملؤرخني‬ ‫واألطباء‪ .‬وما هذا التقويم الدارج إال من االقتناع‬ ‫واقع وقع‪ ،‬والس ّيام َّأن املؤلف أوقع‬ ‫َّأن الرواي َة ُ‬ ‫القارئ باستيهامات وتخيالت بات ال ُيف ِّرق بينها‬ ‫وبني الواقع كام وقع‪.‬‬ ‫َترسم ذاكرة الراهب “هيبا”‪ ،‬لوحات ماضيها‬ ‫مواقف‪ ،‬بألوان الفرح‬ ‫وذكرياتها‪ ،‬وما م ّرت به من‬ ‫ٍ‬ ‫والبهجة واإلثارة والتشويق‪ ،‬والتعاسة والحزن‬ ‫والتناقضات الداخل ّية العميقة‪ ،‬بلغ ٍة أدبية من‬ ‫الطراز الرفيع‪ ،‬و ُتد ِّون هذه الذاكرة تاريخها نفسه‪،‬‬ ‫وتكبته يف صندوقٍ ُمحكم اإلغالق لألجيال القادمة‪،‬‬ ‫وتخبئه تحت بالطة جانب بوابة دير أنطا ّ‬ ‫يك؛ ألنه‬ ‫مل يحن وقت االعرتاف بعد‪ ،‬ناقل ًة بذلك‪ ،‬إىل األجيال‬ ‫القادمة‪ ،‬الالشعو َر إىل الشعور‪ ،‬والرسيَّ إىل العلن‪،‬‬ ‫َ‬ ‫واملدفون تحت سابع أرض إىل ضوء الشمس‪.‬‬

‫ولهذا‪ ،‬ميكن ْأن تكون الرواية موضوعاً لدراسة‬

‫تنأى بنفسها عن املعايري ا ٌملوىص بها أكادميياً؛‬ ‫ألنها الواقع واالفرتاض‪ ،‬الحقيقة والحلم‪ ،‬املعاناة‬ ‫والصبوة يف آنٍ ‪ .‬ورمبا تبدو عملية النظر لرواية‬ ‫النفيس غري ذات‬ ‫“عزازيل” من منظور التحليل‬ ‫ّ‬ ‫جدوى‪ ،‬ولكنها لن تبدو بال مس ِّوغ إذا ما نظرنا‬ ‫ُ‬ ‫فالبطل يشهدُ ُمنكمشاً قتل‬ ‫إليها من زاوية مع ّينة‪.‬‬ ‫الوثني الطيب عىل يد مجموعة مسيح ّية‬ ‫أبيه‬ ‫ّ‬ ‫عندما كان يف التاسعة من عمره بدون ردة فعل‬ ‫إال انكفاءه‪ .‬حتى أ َّنه اعتنق املسيح ّية (دين قاتل‬ ‫األب) بعمق وسعى إىل الرهبنة دون ْأن ُيح ِّملها‬ ‫وزر جرمية قتل أبيه واكتفى مبسؤولية الجهلة من‬ ‫املسيحيني‪ .‬هل عاىن “عقدة أوديب” الفرويد ّية؟‬ ‫هل كان يرغب ال شعورياً بقتل أبيه ففضل ْأن‬ ‫تأيت بغري يديه لالستحواذ عىل زوجته‪/‬أ ّمه؟ ورمبا‬ ‫كان اعتناق دين قاتل أبيه تعبرياً عن رغبة االمتنان‬ ‫الالشعور ّية للقاتل؛ ألنه قام مبا كان عىل البطل‬ ‫القيام به‪ ...‬إ َّنها حالة من التامهي مع دين قاتل‬ ‫األب وزوج األ ّم‪ ،‬ومن العداوة املخص ّية معاً‪ .‬ونجد‬ ‫مثل هذه الحالة اآلن يف التامهي مع حزب قاتل‬ ‫األب وزوج األ ّم! وغابت عن البطل َّأن من يقتل‬ ‫األب يستحوذ عىل الزوجة أو األم‪ .‬فهل اشتهى‬ ‫البطل أ ّمه ومل يحصل عليها؟ وأيضاً يعرف “هيبا”‬ ‫بوشاية أمه املسيح ّية بأبيه فيغادرها كارهاً لها‪ ،‬ثم‬ ‫باكياً عليها عندما تزوجت من أحد الذين قتلوا‬ ‫أبيه‪ .‬الكره والبكاء هو أقىص ما يفعله غالباً‪ .‬بينام‬ ‫نجد حبيبته “أوكتافيا” الوثن ّية مل تتامهى مع‬ ‫دين قاتل زوجها وناصبته العداء‪ ،‬وكانت إيجابية‬ ‫ومبادرة حتى أنها طردت “هيبا” عندما عرفت‬ ‫أ َّنه راهب مسيحي‪ .‬ومل تخذل “هيباثيا” فقتلت‬ ‫دفاعاً عنها؛ قتلتها جامعة مسيحية وهي تدافع‬ ‫عن “هيباثيا” أثناء عملية سحلها‪ .‬وكذلك يعاين‬ ‫البطل الكوابيس واألحالم الكثرية ويعيش تناقضات‬ ‫نفس ّية متنوعة وغن ّية‪ .‬فعالقته بأمه املسيح ّية‬ ‫الوثني الطيب عالقة إشكال ّية طبعت‬ ‫الواش ّية وأبيه‬ ‫ّ‬ ‫حياته النفس ّية الالحقة كام طبعت عالقته باملرأة‬ ‫وبعزازيل وبالله‪ .‬وهذه مسائل طاملا خضعت‬ ‫النفيس‪ .‬إذن‪ ،‬نقرأ عن بطلٍ مل‬ ‫للتحليلِ والتأويل‬ ‫ّ‬ ‫يرتكب جرمية قتل األب بيديه‪ ،‬فهناك من ارتكبها‬ ‫عنه‪ ،‬ومل يحظ بأ ّمه ألن القاتل تزوجها‪ ،‬وبقي له‬ ‫تأنيب الضمري والتدّوين فقط؛ ألنه خذل أبيه‪،‬‬ ‫وتأسس عنده خذالن متالحق‪ ،‬وبىك أ ّمه وكرهها‬ ‫وافتقدها ليسقطها عىل “أوكتافيا” و”مرتا”‪،‬‬ ‫نفيس‪.‬‬ ‫االمرأتني اللتني أحبهام بخصاء ّ‬ ‫شخص ُيس ّمي نفسه بنفسه‪ ،‬و ُيع ِّمد‬ ‫“هيبا”‬ ‫ٌ‬ ‫نفسه بنفسه يف سياق والدة جديدة تدفن املايض‬ ‫والذكريات‪ ،‬وتدفعه ُقدماً يف تصاريف الحياة‬

‫شوكت غرزالدين‬

‫والطريق إىل الله‪ .‬كان له اس ًام النعرفه ورمبا‬ ‫يست ِع ُّر منه‪ ،‬وإلهاً مسيحياً ُتثار الشكوك الوثن ّية‬ ‫البيزنطي حوله‪ ،‬وأرسة تتكون‬ ‫والهرطوق ّية والجدل‬ ‫ّ‬ ‫املسيحي‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫وع‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫املسيح‬ ‫وأمه‬ ‫الوثني‬ ‫من أبيه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وزوجة ع ّمه النوب ّية‪ .‬فاختار‪ ،‬بلحظة هذيان‪ ،‬من‬ ‫اسم “هيبا” اس ًام له‪ ،‬وهو اختصار السم “هيباثيا”‬ ‫الفيلسوفة الهلنست ّية والتي سامها الروايئ “أستاذة‬ ‫ّ‬ ‫كل األزمان” و”شقيقة املسيح”‪ ،‬اتخذ االسم يف‬ ‫واملسيحي‪ ،‬بني‬ ‫الوثني‬ ‫إشارة رمز ّية للتوفيق بني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العقل والنقل‪ ،‬بني الدين والفلسفة‪ .‬التوفيق‬ ‫الذي امتاز به “الخاصة” من العارفني واملتكلمني‬ ‫والفالسفة يف العرص الوسيط؛ فهو يأخذ من‬ ‫“هيباثيا” ما يوافق إميانه القويم ويرتك ما يخالفه‪،‬‬ ‫يشهد قتلها وال يتدخل ويخذلها‪ .‬عملياً يأخذ‬ ‫النصف ويرتك النصف االخر للذبول‪ .‬ثم اختار‬ ‫والطب هدفاً‬ ‫كذلك املسيح ّية ديناً له والرهبنة‬ ‫ّ‬ ‫يصبو إليه بالرغم من قتل جهلة املسيح ّية أبيه‬ ‫والزواج من أ ّمه‪ .‬فهو شخصية الـ”بني بني” والعنّة‬ ‫الثقاف ّية‪ ،‬وقد وصف نفسه يوماً بالقول‪“ :‬يل تلك‬ ‫الصبوة‪ ،‬وليس يل ذاك اإلقدام”! وأخرياً يأكل‬ ‫السمك مخالفاً وصية ع ّمه الذي رباه وأبعده عن‬ ‫الزواج وكان يعتربه “ا ُملخ ِّلص”‪ ،‬ويتخىل عن فكرة‬ ‫العودة للديار ليك يعالج ع ّمه الذي كان سبباً يف‬ ‫دراسته للطب واتخاذه من الرهبنة طريقاً‪ .‬فيقتل‬ ‫ع ّمه نفسياً بالتخيل عنه!‬ ‫تتقاطع يف شخصه الذكريات واألمكنة وتجعل‬ ‫تناقضاته منه شخصاً بال مكانة؛ إ َّنه يف ال مكان‬ ‫شخص عاديّ غري خارق كام تعودنا‬ ‫االفرتاض! إ َّنه‬ ‫ٌ‬ ‫يف بعض الروايات عىل الشخص الخارق الحارق‬ ‫املتفجر‪ ،‬إ ّنه ضحية التوفيق‪ ،‬ضحية التعصب‬ ‫والوثني عىل حد سواء‪ .‬وما التعصب سوى‬ ‫الديني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإللزام باإلميان القويم كمعيا ٍر للحكم واإلدانة‪.‬‬ ‫باطني!‬ ‫وما التوفيق إال اعتامد إميان قويم‬ ‫ّ‬ ‫فنكون بالحالتني إزاء عملة واحدة بوجهني‪.‬‬ ‫يقول يف اإلهداء‪“ :‬إىل آية‪ ...‬تلك يا ابنتي‪ ،‬آيتي‪،‬‬ ‫التي مل ُتجعل للعاملني”! أي ما معناه َّأن روايته‬ ‫للخاصة وفوق مستوى الناس العاديني‪ ،‬وهذا‬ ‫باطني يتعاىل عىل العامة من البرش‪ .‬ثم‬ ‫موقف‬ ‫ّ‬ ‫يقول‪ :‬مستشهدا بالحديث النبوي الرشيف “لِ ُكلِّ‬ ‫امرئ شيطانه‪ ،‬حتى أنا‪ ،‬غري َّأن الله أعانني عليه‬ ‫ٍ‬ ‫فأسلم”‪ .‬الشيطان أسلم! َّإن شيطانه أسلم يف إشارة‬ ‫إىل االنتقال من املسيحية لإلسالم‪ ،‬اإلميان القويم‬ ‫البديل‪ .‬وهنا يستبدل إميانا قوميا بآخر قويم‪،‬‬ ‫ويستبدل الشيطان‪ ،‬وقد أسلم‪ ،‬بعزازيل اليهوديّ ‪-‬‬ ‫املسيحي‪ .‬أي‪ ،‬من األرثوذكسية إىل السنّة وامل ّلة‬ ‫ّ‬ ‫الناج ّية بدون نسب ّية اإلميان وتاريخيته‪.‬‬

‫يتبع‪...‬‬


‫بدي ياسمين!‬ ‫‪19‬‬

‫علي فاروق‬

‫العدد ‪- 72 -‬‬ ‫‪2016 / 6 / 29‬‬

‫شهادات‬

‫قد ال يعرف الكثريون أن معظم حاالت الوفاة التي‬ ‫تقع داخل السجون واملعتقالت السورية‪ ،‬سببها‬ ‫املرض بالدرجة األوىل‪ ،‬وليس التعذيب الجسدي‪،‬‬ ‫وإن كان التعذيب الجسدي‪ ،‬والنفيس‪ ،‬وقذارة‬ ‫أماكن االعتقال‪ ،‬وافتقارها ألدىن الرشوط الصحية‪،‬‬ ‫وندرة الطعام‪ ،‬وغياب العالج‪ ،‬سبباً يف إضعاف‬ ‫أجساد املعتقلني‪ ،‬ما يجعل مقاومتها لألمراض‬ ‫منعدمة تقريباً‪ ..‬عىل أن التعذيب بات يحتل املرتبة‬ ‫الثانية يف أسباب الوفاة‪ ،‬بعد املرض‪ ،‬عىل عكس ما‬ ‫كان عليه الحال يف األعوام الثالثة األوىل من الثورة؛‬ ‫حيث كان قتل املعتقلني بطرق وحشية‪ ،‬والتنكيل‬ ‫بهم بأساليب سادية‪ ،‬وتعريضهم ملامرسات همجية‬ ‫كاالغتصاب‪ ،‬واالعتداءات الجنسية املختلفة‪،‬‬ ‫والرضب بأنواعه‪ ،‬والحرمان من النوم‪ ،‬وغريها‪ ،‬من‬ ‫وسائل ‘‘الردع’’‪ ،‬والرتهيب‪ ،‬كمحاولة لوأد الثورة‪،‬‬ ‫والقضاء عليها يف بداياتها األوىل‪.‬‬ ‫يف األعوام التالية تحول التعذيب ألنساق منظمة‪،‬‬ ‫وعمليات ممنهجة‪ ،‬ومل تعد اعتباطية‪ُ ،‬وتارس‬ ‫بهدف الحصول عىل املعلومات‪ ،‬واخرتاق صفوف‬ ‫املعارضني‪ ،‬باإلضافة لدورها التقليدي‪ ،‬يف تكريس‬ ‫حالة الخوف‪ ،‬والرعب العام‪ ،‬باعتبارها وسيلة‬ ‫تحكم‪ ،‬وسيطرة‪ ،‬اعتمدها نظام األسد منذ اليوم‬ ‫األول لوصوله لسدة الحكم‪.‬‬ ‫ورمبا كان للنصائح‪ ،‬واإلرشادات التي قدمها‬ ‫املستشارون األمنيون اإليرانيون‪ ،‬والروس‪ ،‬دوراً يف‬ ‫دفع النظام لتعديل بعض سلوكياته األمنية‪ ،‬كام‬ ‫ساهم تسليط الضوء من قبل الدول‪ ،‬واملنظامت‬ ‫بنصيب يف ذلك‬ ‫الحقوقية عىل قضية املعتقلني‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫التغيري‪ ،‬دون أن يعني ذلك الوصول إىل الحد‬ ‫من التعذيب‪ ،‬أو إيقافه‪ .‬عمد النظام لتغريات‬ ‫شكلية‪ ،‬الجوهرية‪ ،‬يف مامرسات األجهزة األمنية‪،‬‬ ‫لتبدو وكأنها استجابة للمطالبات الدولية‪ ،‬وحاول‬ ‫ترويجها عىل أساس أنها ‘‘إصالحات أمنية’’‪ ،‬فيام مل‬ ‫تتعد حقيقتها أن تكون حمالت دعائية‪ ،‬ومناورات‪،‬‬ ‫وتبادل أدوار بني أجهزة مختلفة‪ ،‬ومتصارعة‪ ،‬مبا‬ ‫يشبه لعبة ‘‘الكرايس املوسيقية’’؛ ففي بداية الثورة‬ ‫مث ًال‪ ،‬اشتهرت إدارة املخابرات الجوية‪ ،‬وذاع صيتها‬ ‫بسبب ارتفاع أعداد املعتقلني الذين يستشهدون‬ ‫داخل أقبيتها‪ ،‬فجرى تعديل ذلك بعد مدة‪ ،‬لتتقدم‬ ‫مكانها إدارات أمنية أخرى‪ ،‬كشعبة املخابرات‬ ‫العسكرية‪ ،‬السيام الفرع (‪ ،)215‬وفرع املنطقة‬ ‫(‪ ،)227‬وإدارة املخابرات العامة “أمن الدولة”‪،‬‬

‫وال سيام الفرع (‪ ،)251‬املعروف باسم “فرع‬ ‫الخطيب”‪ ،‬والفرع (‪ ،)40‬الذي كان يرشف عليه‬ ‫العميد “حافظ مخلوف”‪ ،‬وفرع التحقيق (‪.)248‬‬ ‫بعد التفجري الذي وقع يف قلب دمشق‪ 18 ،‬متوز‬ ‫‪ ،2012‬أجرى “بشار األسد” بإرشاف املستشارين‬ ‫اإليرانيني‪ ،‬حركة تنقالت يف قيادات األجهزة‬ ‫األمنية؛ فتم نقل اللواء “عيل مملوك” من إدارة‬ ‫املخابرات العامة “أمن الدولة”‪ ،‬إىل رئاسة مكتب‬ ‫األمن الوطني‪ ،‬وعني اللواء “ديب زيتون” الذي‬ ‫كان يرأس شعبة األمن السيايس‪ ،‬مديراً إلدارة أمن‬ ‫الدولة‪ .‬تحسن الوضع نسبياً يف الفروع التي تتبع‬ ‫جهاز أمن الدولة‪ ،‬وانخفضت أعداد الشهداء‪ ،‬فيام‬ ‫ازداد األمر سوءاً يف فروع األمن السيايس‪ ،‬وارتفعت‬ ‫األرقام‪ ،‬بتعيني اللواء “رستم غزايل” رئيساً لها‪ .‬كان‬ ‫هذا يف الوقت الذي حافظت الفروع التابعة لشعبة‬ ‫املخابرات العسكرية‪ ،‬التي استمر اللواء “عبد‬ ‫الفتاح قدسية” يف رئاستها‪ ،‬عىل املعدالت املرتفعة‬ ‫يف حاالت الوفاة‪ ،‬وتبادلت الفروع العسكرية مركز‬ ‫وقت آلخر‪ ،‬من الفرع‬ ‫الصدارة فيام بينها‪ ،‬من ٍ‬ ‫(‪ ،)215‬إىل فرع املنطقة (‪ ،)227‬إىل فرع فلسطني‪،‬‬ ‫وفرع التحقيق (‪ ،)248‬والفرع (‪.)291‬‬ ‫خالل فرتة اعتقايل تنقلت بني ثالثة فروع أمنية‪،‬‬ ‫وسجن مدين‪ ،‬وسجن عسكري‪ ،‬وشهدت عدة حاالت‬ ‫وفاة‪ ،‬أربع منها كانت يف الفرع األول‪ ،‬حالتان من‬ ‫الحاالت األربع كانت نتيجة املرض‪ ،‬وحالة مختلطة‬ ‫نتيجة املرض‪ ،‬والتعذيب معاً‪ ،‬فيام حالة االستشهاد‬ ‫بسبب التعذيب املبارش‪ ،‬كانت لشاب من بلدة‬ ‫“برصى الشام”‪ ،‬يف ريف درعا‪ ،‬مل أمتكن من معرفة‬ ‫معلومات كافية عنه‪ ،‬فقد استشهد خالل األيام‬ ‫األوىل العتقاله‪ ،‬وكان ُيدعى “قتيبة” عىل األرجح‪.‬‬ ‫يف أحد األمسيات سالت دما ٌء من تحت الباب‪،‬‬ ‫وتسللت إىل مهجعنا‪ ،‬كان ذلك دم “قتيبة”‪ ،‬الذي‬ ‫وصل إىل الفرع ذلك املساء‪ ،‬مل يتمكن “قتيبة”‬ ‫من الدخول عىل رجليه إىل املهجع‪ ،‬فقد استقبله‬ ‫تعذيب ليس‬ ‫السجانون بحفلة‬ ‫ٍ‬ ‫لها ٌ‬ ‫مثيل‪ ،‬كادوا يخلعون باب‬ ‫املهجع الحديدي‪ ،‬لشدة ما‬ ‫رضبوا جسده النحيل عليه‪،‬‬ ‫لكننا مل نسمع صوتاً له مطلقاً‪،‬‬ ‫ظل “قتيبة” صامتاً طيلة “حفلة‬ ‫االستقبال”‪ ،‬التي استمرت ما‬ ‫يقرب الساعة‪ ،‬إىل أن ركل‬

‫السجان الباب‪ ،‬ورمى شبه جثة‪ ،‬مرضجة بالدماء‪،‬‬ ‫وأمرنا بعدم االقرتاب منها‪ ،‬أو الحديث معها‪ ،‬لكننا‬ ‫مل نأبه لقوله؛ ساعدين صديق يف تنظيف الدماء‬ ‫عن جسد “قتيبة”‪ ،‬وأحرضنا له ما ًء‪ ،‬وكرسة خبز‪،‬‬ ‫ثم حاولت أن أستفرس منه عن اسمه‪ ،‬وأهله‪،‬‬ ‫ومكان سكنه‪ ،‬لكنه رفض أن يجيب‪ ،‬وبعد فرتة‬ ‫من الصمت‪ ،‬همس فجأ ًة‪“ :‬جبيل سيجارة‪ ،‬وكاسة‬ ‫شاي‪ ،”..‬فأجبته‪ :‬والله يا صديقي ما يف عنا‪ ،‬يا‬ ‫ريت‪..‬‬ ‫ساعات‪ ،‬استدعي “قتيبة” لجلسة التحقيق‬ ‫بعد‬ ‫ٍ‬ ‫األوىل‪ ،‬فنهض الشاب بصعوبة‪ ،‬ليعود بعد ساعتني‬ ‫تقريباً‪ ،‬محموالً؛ وبعدها صار عاجزاً عن امليش‪،‬‬ ‫وصار يقيض حاجته يف مكانه‪ ،‬دون أن يشعر‪،‬‬ ‫وبدأنا نساعده يف تنظيف نفسه‪.‬‬ ‫يف جلسة التحقيق الثانية حملنا “قتيبة” ومددناه‬ ‫عىل األرض‪ ،‬خارج الباب‪ ،‬حرض املحقق وبدأ‬ ‫يستجوبه هناك‪ ،‬لكن “قتيبة” مل يتفوه بكلمة‪،‬‬ ‫ورفض حتى أن يقول اسمه‪ ،‬بقيت خلف الباب‬ ‫أحاول التنصت‪ ،‬سمعت املحقق يكلمه بهدوء‪،‬‬ ‫وحينها سمعت املحقق يناديه “قتيبة”‪ ،‬لكن‬ ‫“قتيبة” بقي صامتاً‪ ،‬ومل ينطق إال عندما أىت‬ ‫املحقق عىل ذكر زوجته‪ ،‬وابنته‪ ،‬عندها سمعت‬ ‫بكاءه ألول مرة‪ ،‬وسمعته يردد‪:‬‬ ‫“بدي ياسمني‪ !”..‬قدرت يف نفيس أن ذاك هو اسم‬ ‫ابنته‪..‬‬ ‫بعد يومني‪ ،‬كانت جلسة التحقيق الثالثة‪ ،‬واألخرية‪،‬‬ ‫أدخلنا جسده النازف‪ ،‬املهشم‪ ،‬ومددناه أرضاً‪ ،‬كان‬ ‫ينزف بغزار ٍة‪ ،‬وبالكاد كان يستطيع التنفس‪ ،‬يف‬ ‫ذلك اليوم تحطمت عظام “قتيبة”‪ ،‬كام تحطمت‬ ‫روحه‪ ،‬وبدا كام لو أنه تالىش نهائياً‪.‬‬ ‫يف عرص اليوم التايل‪ ،‬أعدنا جسده إىل املكان الذي‬ ‫رأينا دماءه تدخل منه‪ ،‬قبل أن يدخل علينا وجهه‪،‬‬ ‫كانت روحه تفيض ببط ٍء‪ ،‬وتغادر مر ًة واحد ًة‬ ‫جسده النحيل‪ ،‬املحطم‪.‬‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.