طلعنا عالحرية / العدد 71

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪71‬‬ ‫‪2016 / 6 / 11‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع‬ ‫داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعات السورية يف الخارج‬


‫‪2‬‬

‫لن نشــتم بشار األسد بعد اليوم!‬ ‫افتتاحية بقلم نبيل شوفان‬

‫العدد ‪2016 / 6 / 11 - 71 -‬‬

‫كان أصغر عنرص يف الرشطة السورية إذا‬ ‫امتعض مجرد امتعاض من شخص سجنه‬ ‫يف (ما وراء الشمس)‪ ،‬فام البال باملخابرات؟‬ ‫حسنا ما رأيك بالرئيس‪ ،‬أو برب البالد‬ ‫املسجلة باسمه؟ تخيلوا ماذا كان يحصل‬ ‫قبل سنوات خمس وعىل طول نصف قرن‬ ‫من الحكم املطلق الجائر لو أن أحداً أغضب‬ ‫الرئيس‪..‬‬ ‫تقول مجلة تايم األمريكية إن الشتائم تؤثر‬ ‫فيزيولوجياً عىل جسد الشتّام‪ ،‬وتؤدّي إىل‬ ‫تع ّرق بالكفني‪ .،‬اليوم الرئيس مل يكن بيده‬ ‫يشء سوى أن شتم ثم رعد وزبد ورغى‬ ‫ورضب بيده مكرب الصوت “املايك” أكرث من‬ ‫تسع مرات‪ ،‬عىل غري العادة‪.‬‬ ‫والشتيمة حسب النفسانيني هي قتل لفظي‬ ‫واجتامعي للطرف اآلخر‪ ،‬ويحاسب عليها‬ ‫القانون‪ ،‬وهي تحدث عادة بسبب مشاعر‬ ‫قهر وغرية تدفع إلهانة اآلخر لجعل مؤيديه‬ ‫يحتقرون املشتوم (املعارضة)‪ ،‬وهي بكل‬ ‫حال ليست عالجاً ّ‬ ‫لحل املشكلة‪.‬‬ ‫إضافة لفعلة الرئيس‪ ،‬ويف استعراض قصري‬ ‫للخطاب‪ ،‬فقد رفض بشار تغيري الدستور‬ ‫حتى من قبل حلفائه‪ ،‬رفض توصيف‬

‫دميستورا باملبعوث ووصفه بامليرس‪ ،‬كداللة‬ ‫عىل استياء النظام من كل طروحات املبعوث‬ ‫واتهمه بالتابع لدول تريد استعامر سوريا‪،‬‬ ‫رفض وجود معارضة معتدلة وقال إن حتى‬ ‫من يوصفون باالعتدال هم إرهابيون‪ ،‬انتقد‬ ‫ارتباط املعارضة بأمريكا والسعودية وشكر‬ ‫روسيا والصني وإيران‪.‬‬ ‫السقطة الجديدة تأيت بأن مستشاريه وكتابه‬ ‫وإعالمييه فقدوا السيطرة عىل الرجل حتى‬ ‫إعالمياً؛ مل يتوجه يوم أمس بشار األسد إىل‬ ‫مؤيديه ومل يطمئنهم بقرب نهاية الحرب‪،‬‬ ‫بل ك ّذب عىل لسانهم بشكل فاقع وفظ‬ ‫حني قال إنه يعرف بأنهم يرفضون الهدنة‬ ‫ووعدهم باملزيد من سفك الدم‪ ،‬مطالباً‬ ‫إياهم باملزيد من القرابني‪ ..‬باملزيد من‬ ‫اللحم والدم فداء لتامسكه الذي يحلم به‪.‬‬ ‫ال ننىس تصفيق كاتم صوت الشعب “مجلس‬ ‫الشعب”‪ ،‬ويف هذا سوء فهم للزمن والتاريخ‬ ‫الواقف لدى هذه الرشيحة من املستفيدين‪،‬‬ ‫ال هامش للحرية حقيقة يف مجلس منبثق‬ ‫عن عملية أمنية ومخابراتية أصيلة‪ ،‬وهؤالء‬ ‫انعكاس واضح لوجه النظام الذي مل يتغري‬ ‫أبداً وينبغي استبداله‪.‬‬

‫كلمة‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬ ‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫رئيس التحرير معاون رئيس التحرير املحرر الثقايف املحرر االقتصادي‬ ‫الغالف‬ ‫ليىل الصفدي‬ ‫وائل موىس‬ ‫سمري خلييل‬ ‫رامي العاشق‬ ‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫لسان حال مؤيديه قال يوم أمس سقى الله‬ ‫أيام عزك يا رئيس‪ ،‬فالشتيمة ليست شيئاً‬ ‫سيئاً ومخالفاً للعرف وحسب‪ ،‬بل هي يف‬ ‫املنطق أضعف وسيلة تعبري عىل رفض ما‬ ‫يجري ومحاولة تغيريه‪ .‬ومن هنا فورطتنا‬ ‫معك كبرية‪.‬‬ ‫أنا كاتب هذا املقال أضيف ملؤيديه وأنقل‬ ‫لهم مقولة السيد املسيح‪ُ “ :‬‬ ‫وب لَ ُك ْم إِ َذا‬ ‫“ط َ‬ ‫ع َّ َُيو ُك ْم َو َط َردُو ُك ْم َو َقا ُلوا َع َل ْي ُك ْم ُك َّل َك ِل َم ٍة‬ ‫ِ ِّ‬ ‫شي َر ٍة‪ِ ،‬منْ أَ ْج ِل‪َ ،‬كا ِذ ِبنيَ”‪.‬‬ ‫إذا فرسالة السوريني املعارضني قصرية؛ أقرص‬ ‫من خطاب بشار الشتّام وتقول‪ :‬نحن نشعر‬ ‫بالقوة وبالغلبة وبأننا فرضنا التغيري عليك‪،‬‬ ‫فإن كنت قد وصفتنا باملمسحة فنحن نتوقع‬ ‫هذه النهايات لرئيس ساقط‪ ،‬إن شتمنا من‬ ‫عدمه ال يهم‪ ،‬لن نشتمك بعد اليوم‪ ،‬ألن‬ ‫معركتنا أعقد من ذلك وأرقى أيضاً‪ ،‬نريد‬ ‫دولة الحرية والعدالة لكل السوريني‪ ،‬وداعاً‬ ‫لسوريا األسد‪ ،‬وداعاً للرئيس األوحد‪..‬‬ ‫أما إذا أردت قبل خروجك مامرسة معركة‬ ‫إباحية‪ ،‬هات بخاخك وتعال حيطان رساقب‬ ‫وحلب والرسنت وداريا وحاويات الزبالة يف‬ ‫ح ّيك‪.‬‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬ ‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل ‪ -‬هاين عباس‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫الطبيب القاتل أو الكائن “الالشــيء”‬

‫‪3‬‬

‫د‪ .‬عماد العبار‬

‫‪2016 / 6 / 11‬‬

‫وألن مريضنا “الطبيب”‪ ،‬كحال ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل نرجيس‬ ‫مريض‪ ،‬ال يستطيع إخفاء الحقيقة إىل األبد‪ّ ،‬‬ ‫وألن‬ ‫األبد سقط أص ًال يف سوريا‪ ،‬فكان ال ب ّد أن يقوم‬ ‫املريض بارتكاب جرمية كربى‪ ،‬فهذا أسهل عليه‬ ‫من االعرتاف بالحقيقة‪ ،‬أو االعتذار عن أخطائه‬ ‫واالنسحاب‪ ،‬بعد أن أصبحت كذبته الكبرية يف‬ ‫مهب العاصفة‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫كان عىل ديكتاتور “الصدفة املحضة”‪ ،‬أو الكائن‬ ‫“الال يشء”‪ ،‬أن يرتكب إمثاً عظي ًام يك يواري كذبته‪،‬‬ ‫ويحافظ عىل ما تبقى من هيبته املصنوعة رغ ًام‬ ‫عنه‪ .‬ولكنّ طبيبنا “املريض” يف النسخة السورية‪،‬‬ ‫مل يقتل والدته التي كانت تفضل عليه ابنها البكر‪،‬‬ ‫ومل يقتل زوجته وأطفاله‪ ،‬ومل يرتكب مجزرة‬ ‫محدودة ذهب ضحيتها بضعة أفراد من عائلته‬ ‫يك يغطي عىل فشله‪ ،‬كام فعل املريض الفرنيس‪،‬‬ ‫الرنجيس بتدمري البلد التي صدّقت‬ ‫بل قام األسد‬ ‫ّ‬ ‫املهتم باإلصالح والتحديث‪..‬‬ ‫أكذوبة الطبيب‬ ‫ّ‬ ‫دفع املجتمع مثن تصديقه ألسطورة بدأ التحضري‬ ‫لها منذ أواخر التسعينات‪ ..‬تقول تلك األسطورة‪:‬‬ ‫ّإن الديكتاتور األب‪ ،‬الذي ُقتل يف عهده عرشات‬ ‫اآلالف ميدانياً أو تحت التعذيب‪ ،‬سيرتك للناس‬ ‫من بعده شاباً طبيباً مصلحاً‪ ،‬وسيقوم األخري‬ ‫بتجديد النظام وإصالح ما فسد من قبل!‬ ‫انهارت األكاذيب ك ّلها دفعة واحدة‪ ،‬وسقط نظام‬ ‫األساطري‪ ،‬ذلك الوحش صاحب عرشات الرؤوس‬ ‫املخابرات ّية‪ ،‬ولكن الثمن كان باهظاً للغاية‪ :‬عاقب‬ ‫الرنجيس القاتل أولئك الذين اكتشفوا مرضه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وحطموا هيبة نظامه‪ ،‬ولعنوا روح والده‪ ،‬فقتل‬ ‫منهم نصف مليون‪ ،‬و ّ‬ ‫رشد بضعة ماليني‪ ،‬وهدم‬ ‫البلد فوق رؤوس البق ّية‪..‬‬ ‫وللجرمية بق ّية‪..‬‬

‫العدد ‪- 71 -‬‬

‫الرتكاب أيّ يشء‪ ..‬مهام كان‪ ،‬إن وجد ّأن صورته مهدّدة‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫يف التسعينات من القرن املايض‪ ،‬انشغل الرأي‬ ‫العام الفرنيس بقض ّية الطبيب املجرم جان كلود‬ ‫روماند‪ .‬بدأت قصة الرجل مع كذبة بسيطة‪،‬‬ ‫عندما كان عىل وشك أن ينهي سنته الثانية يف كلية‬ ‫الطب الحضور إىل‬ ‫الطب؛ حيث مل يستطع طالب ّ‬ ‫االمتحان الذي يؤهله للرتفع إىل السنة الثالثة‪،‬‬ ‫ولكون الشاب ينتمي إىل عائلة كانت شديدة‬ ‫التح ّفظ حول كل ما يتعلق بفشل أحد أفرادها‪،‬‬ ‫ولكونها كانت تبني آماالً أكرث من الالزم عىل‬ ‫ابنها الوحيد وترسم له مستقب ًال أكرب من طاقته‪،‬‬ ‫أو رغبته حتى‪ ،‬فقد اختار الشاب لنفسه تجنّب‬ ‫مواجهة أهله بحقيقة فشله يف الرت ّفع إىل السنة‬ ‫الثالثة‪ ،‬وبذلك يكون قد آثر الدخول يف متوالية‬ ‫غري منتهية من األكاذيب‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫تضخمت كرة األكاذيب‪ ،‬لدرجة ّأن العائلة كانت‬ ‫تعتقد ّأن ابنها تخ ّرج من الكلية‪ ،‬وبارش مزاولة‬ ‫ثم ّ‬ ‫توظف كباحث يف املق ّر الرسمي‬ ‫مهنته‪ّ ،‬‬ ‫الصحة العامل ّية يف جنيف‪ ،‬بالقرب من‬ ‫ملنظمة‬ ‫ّ‬ ‫بلدته الفرنس ّية التي تقع عىل مقربة من الحدود‬ ‫السويرسية‪ ،‬يف حني ّأن الحقيقة كانت مختلفة‬ ‫كل ّياً؛ فقد كان طالب الطب قد طرد من الجامعة‬ ‫بعد سنوات لتغ ّيبه املتك ّرر عن االمتحانات‪،‬‬ ‫عل ًام بأ ّنه كان دائم الحضور وشديد االهتامم‬ ‫باملحارضات!‬ ‫ً‬ ‫استم ّرت متوالية الكذب مدّة ‪ 18‬عاما! تزوج‬ ‫خاللها الطبيب “الوهم” وأنجب طفلني‪ ،‬وكانت‬ ‫حياته بالنسبة ملن حوله أقرب ما تكون إىل‬ ‫املثالية؛ فقد كان يغادر منزله صباحاً إىل مركز‬ ‫البحوث “الوهمي” مييض يومه ويعود يف املساء‪،‬‬ ‫ولكنّه كان‪ ،‬يف الحقيقة‪ ،‬مييض وقته يف الطرقات‪،‬‬ ‫أو يف مكتبة قريبة من بيته يقرأ فيها ما يلزمه من‬ ‫معلومات يف الطب‪ ،‬وقد كانت معلوماته غزيرة‪،‬‬ ‫مبا ال يرتك مجاالً ملن حوله للشك يف كفاءته‬ ‫الطب ّية‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫وألن الهالة التي رسمها حول ذاته كانت تتط ّلب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مستوى ماد ّيا واجتامع ّيا معينا‪ ،‬فقد كان بحاجة‬ ‫إىل مورد ضخم من املال‪ ،‬مام دفعه لالحتيال عىل‬

‫والديه وأصدقائه‪ ،‬بحجة أ ّنه سيقوم بإيداع املبالغ‬ ‫يف بنوك سويرسية‪ ،‬وبذلك يحصل أصحاب املال‬ ‫عىل فوائد أكرب بعد التهرب من الرضائب الفرنسية‪..‬‬ ‫استمر الحال عىل ما هو عليه إىل أن بدأت الحقيقة‬ ‫بالظهور‪.‬‬ ‫حدث ذلك مع زيادة إلحاح أصحاب املال عىل‬ ‫ثم ماطل يف‬ ‫الفوائد التي وعدهم بها الطبيب‪ّ ،‬‬ ‫وعوده إىل درجة مل يعد بإمكانهم تح ّملها‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إىل ازدياد شكوك زوجته‪ ،‬وتراكم األسئلة التي باتت‬ ‫مع ّلقة بدون أجوبة مقنعة‪..‬‬ ‫وحني بات كل يشء مهدداً باالنهيار‪ :‬السمعة‬ ‫الوهم ّية‪ ،‬ومظاهر الرتف القامئة عىل أموال أقرب‬ ‫وقصة النجاح األرسي لطبيب‬ ‫املق ّربني للعائلة‪ّ ،‬‬ ‫وهب حياته لعمله عىل مدى عرشين عام‪ ،‬لجأ‬ ‫جان كلود إىل قتل كل الذين حوله بدم بارد‪ ،‬كل‬ ‫الذين لن يكون مبقدورهم تح ّمل الحقيقة القاسية‪:‬‬ ‫حقيقة الكائن “الال يشء”!‬ ‫بدأ جان كلود بزوجته‪ ،‬فقتلها بعد أن ّ‬ ‫هشم رأسها‬ ‫يف الصباح وهي ماتزال نامئة‪ ،‬ثم أىت عىل طفليه‬ ‫الواحد تلو اآلخر بعد أن أمىض نهار ذلك اليوم‬ ‫معهام‪ ،‬ويف اليوم التايل غادر إىل منزل والديه وقام‬ ‫بقتلهام‪ .‬وهكذا قام “الال يشء”‪ ،‬أو القاتل الرنجيس‬ ‫بحسب تشخيص األطباء‪ ،‬بحل أزمته الداخلية من‬ ‫خالل ارتكاب مجزرة بشعة بحقّ أقرب الناس إليه‪..‬‬ ‫القصة الغريبة بقصة سورية مشابهة؛‬ ‫تذكرين هذه ّ‬ ‫قصة شخص ادّعى بأ ّنه طبيب عيون‪ ،‬ونحن ال‬ ‫ندري حقيق ًة إن كان طبيباً أم ال‪ ،‬ولكنّنا ندري جيداً‬ ‫أ ّنه مل يكن مؤه ًال لقيادة بلد‪ ،‬وبأ ّنه كان ُمبعداً عن‬ ‫مرسح األحداث من قبل والديه‪ ،‬يك ال يؤدي وجوده‬ ‫إىل رصاع بينه وبني أخيه األكرب الذي كان ّ‬ ‫محل ثقة‬ ‫والده‪ ،‬وكان ُيعدّه لوراثة حكمه‪ ،‬لوال ّأن القدر كان‬ ‫له كلمة أخرى‪..‬‬ ‫وجد رئيس “الصدفة املحضة” نفسه يف مكان غري‬ ‫مكانه‪ ،‬فأراد أن يثبت ملن حوله أ ّنه مؤهّ ل لحكم‬ ‫بلد بحجم سوريا‪ ،‬وقادر عىل إخضاع شعبه‪ ،‬وأ ّنه‬ ‫ليس أقل بطشاً وال إجراماً من أبيه إن لزم األمر‪..‬‬ ‫امتلك بشار األسد شخص ّية نرجس ّية يقتلها الغرور‪،‬‬

‫الحظها معظم الذين التقوا به‪ .‬وبحسب بعض‬ ‫الترسيبات فقد عامل أعمدة النظام من الحرس‬ ‫والتكب‪ .‬ومن صفات‬ ‫القديم بكثري من الفوق ّية‬ ‫ّ‬ ‫الشخص ّية الرنجس ّية أ ّنها ترى نفسها مركز الوجود‪،‬‬ ‫أتم االستعداد‬ ‫ويف لحظة ما قد يكون صاحبها عىل ّ‬


‫المعتقلون أوالً‬ ‫زياد إبراهيم‬

‫‪44‬‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2015 // 68 // 11‬‬ ‫‪2 - 71‬‬

‫مقاالت‬ ‫لقاءات‬

‫ميوت الشهيد مرة واحدة‪ ،‬وميوت املعتقل يف كل يوم عدة مرات‪ ،‬إذاً فاالعتقال‬ ‫هو موت مكثف‪ .‬لذا قام بعض السوريني الذين نجوا من االعتقال مبحض‬ ‫الصدفة (كام ذكر بيانهم) بإطالق حملة “املعتقلون أوالً” التي جاءت نتيجة‬ ‫لتقاطعات أفكار ورؤى مشرتكة بني مجموعات من الناشطني السوريني داخل‬ ‫سوريا وخارجها‪ ،‬لتنضم املجموعات يف عمل موحد يعطي للحملة أبعاداً أخرى‬ ‫تتعدى التضامن مع املعتقلني عىل صفحات التواصل االجتامعي‪.‬‬ ‫وتسعى “املعتقلون أوالً” إىل تحويل قضية املعتقلني إىل قضية رأي عام عاملي‪،‬‬ ‫للضغط عىل القوى املؤثرة واملرشفة عىل مفاوضات جنيف إلطالق رساح كافة‬ ‫املعتقلني قبل الرشوع بأي إجراءات يف القضية السورية التي تتمحور أص ًال‬ ‫حول حرية اإلنسان السوري وكرامته‪ .‬إضافة إىل تقديم معلومات واضحة عن‬ ‫املعتقلني للرأي العام العاملي واملجتمع الدويل الذي الزال حتى اللحظة ال يتحمل‬ ‫مسؤولياته بجدية تجاه قضايا السوريني اإلنسانية‪.‬‬ ‫ولالطالع أكرث عىل ماهية الحملة‪ ،‬التقت “طلعنا عالحرية” مع مجموعة من‬ ‫نشطاء الحملة لتوضيح رؤيتهم والوقوف عىل ما تم إنجازه حتى اآلن والنظرة‬ ‫املستقبلية للحملة‪.‬‬ ‫“تكمن أهمية الحملة يف توقيتها الذي جاء أثناء محادثات جينيف ‪ ،3‬بعدما تم‬ ‫االتفاق عىل وضع ملف املعتقلني كأولوية ألي مفاوضات أو ّ‬ ‫حل سيايس أو أي‬ ‫اجتامع محيل ودويل يخص سوريا والثورة السورية “ يقول عبد الله حكوايت أحد‬ ‫نشطاء الحملة‪ .‬ثم يتابع‪“ :‬تعزز الشعار بعد انضامم عدد كبري من السوريني‬ ‫املهتمني بشأن املعتقلني يف الداخل السوري والخارج لتحويل النشاطات الفردية‬ ‫لعمل جامعي منظم”‪.‬‬ ‫وعن أهداف الحملة يكمل حكوايت‪“ :‬نطمح أن تستطيع الحملة تحريك قضية‬ ‫املعتقلني أمام املحاكم الدولية ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم باإلضافة إىل‬ ‫الضغط عىل الصليب األحمر الدويل لتشكيل لجنة خاصة للدخول إىل السجون‬ ‫واملعتقالت املوجودة يف سوريا”‪.‬‬ ‫وعن التحضريات الخاصة بالحملة وامتدادها يف بعض الدول األوروبية يقول‬ ‫مازن حامدة‪ ،‬وهو معتقل سابق وناشط يف الحملة ‪”:‬تجري التحضريات للحملة‬ ‫عىل قدم وساق مبشاركة طوعية واسعة من جميع السوريني واألوروبيني املعنيني‬ ‫بقضية املعتقلني‪ .‬املعتقلون أهلنا وأبناؤنا! معلوماتهم وقصصهم وصورهم‬ ‫وحيثيات اعتقالهم حقائق مثبتة للجميع”‪ .‬وعن املدى املفتوح للحملة يتابع‪:‬‬ ‫“الحملة ليست مؤقتة بل مستمرة‪ ،‬سرتافقها ثم تتلوها نشاطات متّصلة مختلفة‬ ‫األشكال من شأنها التنبيه الدائم لقضية املعتقلني؛ من تظاهرات‪ ،‬رسومات‪،‬‬ ‫احتجاجات ضمن املؤمترات العاملية‪ ..‬الخ”‪.‬‬ ‫هذا وتستعد العاصمة الفرنسية باريس الحتضان مظاهرة خاصة باملعتقلني حيث‬ ‫من املقرر أن تبدأ بوقفة يف ساحة الباستيل ذات التاريخ املرتبط بالثورة الفرنسية‬ ‫ثم االنتقال إىل ساحة الجمهورية التي تعترب من أهم الساحات يف املدينة‪.‬‬ ‫عن املظاهرة يقول عمر الخطيب الناشط يف حملة “املعتقلون أوالً”‪“ :‬هي‬ ‫ليست حملة تذكريية فحسب بل هي موقفنا اإلنساين من قضية املعتقلني ورفض‬ ‫تحويلهم إىل ملف لألخذ والرد والتجاذبات السياسية؛ فاملعتقلون أوالً‪ ،‬وحر ّيتهم‬ ‫“سنعب عن ذلك‬ ‫قبل التفاوض”‪ .‬وعن املظاهرة املزمعة يف باريس يتابع عمر‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫بداي ًة من خالل تظاهرة الحادي عرش من حزيران الجاري التي سرتفع فيها‬ ‫ألف صورة أللف معتقل وستعرض شهادات عن التعذيب يف املعتقالت ورسوم‬ ‫كاريكاتورية لرسامني سوريني‪ ،‬وكذلك معرض للكتب” وختم عمر كالمه بالدعوة‬

‫“للمشاركة يف حضور التظاهرة ودعم قضيتنا العادلة”‪.‬‬ ‫وكانت الحملة قد بدأت قبل عدة أيام بنرش صور ملتضامنني مع الحملة‬ ‫حملوا بأيديهم الشعار الخاص بـالحملة‪ ،‬ووجهوا رسائل التضامن مع‬ ‫املعتقلني باإلضافة إىل نرش صور خاصة باملعتقلني متضمنة معلوماتهم‬ ‫ضمن تصنيفات محددة‪.‬‬ ‫تقول مريم فيام يتعلق بصور املعتقلني املعدة للطباعة‪ “ :‬من خالل‬ ‫املعلومات املتوفرة لدينا عن املعتقلني كان من املهم تسليط الضوء عىل‬ ‫اإلنسان القابع يف ظالم املعتقالت من خالل تفاصيل تربطه بنا مبارشة‪،‬‬ ‫مثل املواليد واملهنة وصورته الشخصية‪ ،‬إضافة إىل املعلومة الدقيقة‬ ‫حول جهة االعتقال وتاريخه” ثم تتابع عن تصنيف الصور‪“ :‬لدينا ثالث‬ ‫تصاميم متاميزة عن بعضها بفروق بسيطة للتعبري عن احتجاجنا ض ّد‬ ‫هذه االخرتاقات لإلنسانية‪ :‬ملف املعتقلني املغيبني قرسياً عند النظام‪،‬‬ ‫وملف الشهداء تحت التعذيب عند النظام‪ ،‬وملف املعتقلني واملغيبني‬ ‫من قبل التنظيامت األخرى”‪.‬‬ ‫يذكر أنه منذ بداية الثورة أنجزت الكثري من الحمالت الخاصة باملعتقلني‬ ‫عىل املستوى املحيل‪ ،‬لكن يف الحملة الحالية يطمح املنظمون إىل تشكيل‬ ‫ضغط حقيقي عىل املنظامت الدولية ومراكز صنع القرار وحشد التعاطف‬ ‫الدويل مع قضيتهم‪ ،‬وهذا ما تعكسه أجواء العمل املنظم والجهد الكبري‬ ‫املبذول من قبل جميع نشطاء الحملة للوصول إىل أهدافها‪ ،‬محاولني قدر‬ ‫اإلمكان أن تكون قضيتهم قبل كل القضايا األخرى ‪ ..‬فاملعتقلون أوالً‪.‬‬


‫والمظلومية‬ ‫الفوضى‬ ‫ّ‬ ‫شوكت غرزالدين‬

‫العدد ‪2016 / 6 / 11 - 71 -‬‬

‫أمام عالقة طرد ّية مفادها‪ :‬كلام ازدادت مظلوم ّياتنا ازدادت‬ ‫فرصتهم‪ ،‬أو كلام ازدادت مظلوم ّياتنا ازدادت مغامنهم!‬

‫مقاالت‬

‫السرتاتيج ّية الفوىض يف املنطقة العرب ّية تأثريات كبرية‬ ‫عىل املجتمع والدولة‪ .‬وبغض النظر ْإن كانت هذه‬ ‫الفوىض ّ‬ ‫“خلقة” أم “هدّامة” فإنها طالت املجتمع‬ ‫واليمني‪ ،‬كام طالت دول هذه‬ ‫اقي‬ ‫والليبي والسوريّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العر ّ‬ ‫املجتمعات‪ ،‬و ّمنت دورها يف تفريخ اإلرهاب وجذبه‪.‬‬ ‫إ َّنها تطال املجتمع فيتح ّول إىل حالة مبدّدة بعدما كان‬ ‫حالة هجينة وخليطة من ثالث حقب؛ ما قبل الحداثة‬ ‫والحداثة وما بعد الحداثة‪ .‬وتطال الدولة كذلك‪ ،‬فتتح ّول‬ ‫إىل دولة فاشلة بعدما كانت دولة استبداد ّية‪ .‬ومن ثنايئ‬ ‫تبدد املجتمع وفشل الدولة‪ ،‬تربز وتنبثق مظلوم ّيات ما‬ ‫قبل الحداثة؛ كمظلوم ّيات السنّة والشيعة واملسيح ّية‬ ‫والكورد والعلويني والحوثيني‪...‬الخ‪ .‬وتنطوي كل مظلوم ّية‬ ‫من هذه املظلوم ّيات عىل مظلوم ّيات عديدة كانطواء‬ ‫نبتة امللفوف عىل أوراقها‪.‬‬ ‫ففي الحني الذي أبرزت فيه العوملة مكونات مجتمعنا ما‬ ‫قبل الحداث ّية‪ ،‬أبرزت الفوىض مظلوم ّية هذه املكونات‬ ‫بإهاب إرهايبّ‪ .‬ورغم أننا عشنا مظلوم ّية الشعب‬ ‫الفلسطيني كمظلوم ّية عامل ّية برزت يف حقبة الحداثة‬ ‫ّ‬ ‫السابقة عىل العوملة والفوىض من ناحية منشئها ومن‬ ‫ناحية حلها‪ّ ،‬إل أ َّنها ما زالت مستمرة حتى اآلن‪ ،‬اليشء‬ ‫الذي ييش بأ َّنه ال حلول حداث ّية ملظلوم ّية حداث ّية فام‬ ‫بالك بالحلول الحداث ّية ملظلوم ّيات ما قبل حداث ّية‪ ،‬إنها‬ ‫التنفع!‬ ‫إ َّنها خط بيا ّين صاعد باتجاه بدائية املظلوم ّيات املحل ّية ما‬ ‫قبل حداث ّية‪ .‬ففي حقبة الحداثة كان العرب واملسلمون‬ ‫إزاء مظلوم ّية الشعب الفلسطيني‪ ،‬ثم أضيف عليها‬ ‫اقي يف تسعينيات القرن املايض‪،‬‬ ‫مظلوم ّية الشعب العر ّ‬ ‫اقي يف حقبة ما بعد‬ ‫الليبي‬ ‫ثم‬ ‫واليمني والسوريّ والعر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحداثة خالل السنوات الخمس املاضية‪ .‬ولكن عىل يد‬ ‫املستبدين العرب وبطشهم تنحدر املظلوم ّية لحالة أكرث‬ ‫محل ّية وبدائ ّية؛ فيصبح لدينا مظلوم ّية سن ّية وشيع ّية‬ ‫وأخرى كرد ّية‪ ..‬وعىل يد االحتالل تزداد هذه املظلوم ّيات‬ ‫عمقاً وعدداً‪ .‬وعىل يد الحشد الشعبي الشيعي‬ ‫والعلويّ و”الحشد الكرديّ ” تزداد حد ًة حساسية هذه‬ ‫املظلوم ّيات من بعضها البعض‪ .‬ومع داعش والنرصة‬ ‫رصنا إزاء مظلوم ّية علو ّية وإيزيد ّية وشيع ّية وإسامعيل ّية‬ ‫ودرز ّية‪ ...‬ورمبا الحقاً مظلوم ّية أورب ّية!‬ ‫ويعتقد بعض منظري داعش والنرصة َّأن هذه الفوىض‬ ‫هي فرصة ذهب ّية إلقامة املظلوم ّية السن ّية التي يدعّون‬ ‫متثيلها عىل حساب املظلوم ّيات األخرى‪ ،‬كام اعتقد بعض‬ ‫منظري الخارج ّية األمريك ّية قبلهم بالفوىض ّ‬ ‫الخلقة‬ ‫كاسرتاتيج ّية إلعادة بناء الرشق األوسط الكبري؛ أي َّأن‬ ‫الفوىض هنا ُت ِربز املظلوم ّية وتساعدها عىل االنتظام‪ ،‬أو‬ ‫تهدم األنظمة واملجتمعات لتنتظم من جديد‪ .‬حتى بتنا‬

‫تقوم هذه املظلوم ّيات إذاً‪ ،‬يف سياق فوىض‬ ‫ما بعد الحداثة‪ .‬وهي مظلوم ّيات استبطان ّية‬ ‫وتراكم ّية؛ يستبطن فيها أفراد الفئة املظلومة‬ ‫عدم االعرتاف بالهزمية‪ ،‬ويرتاكم فيهم ّ‬ ‫الغل‬ ‫والقهر ملعاودة الك ّرة عندما تسمح لهم الظروف‪.‬‬ ‫وهنا نالحظ غياب املظلوم ّية عند الشعب‬ ‫اليابا ّين أو األملا ّين أو اإليطا ّيل بالرغم من هول‬ ‫ضحايا الحرب العامل ّية الثان ّية‪ .‬بل عىل العكس‬ ‫من ذلك نالحظ هزمية دول املحور واالعرتاف‬ ‫بالهزمية لالنطالق من جديد‪ .‬وما زال كثريون‬ ‫عندنا يتباكون عىل سقوط الخالفة اإلسالم ّية عام‬ ‫‪ ،1923‬وعىل سقوط الحسني أو سقوط األندلس‬ ‫أو سقوط بغداد‪...‬‬ ‫ويف رصاع املظلوم ّيات يتنامى البعد األخالقي‬ ‫املرتبط بثنائية الخري ّ‬ ‫والش والحق والباطل؛‬ ‫فاملظلوم يف دائرة الخري والحق‪ ،‬والظامل يف دائرة‬ ‫ّ‬ ‫الش والباطل‪ .‬فيتنامى الشعور بالغنب والحقد‬ ‫والثأر‪ ،‬لتقوم املظلوم ّية هنا بوظيفتني اثنتني‪:‬‬ ‫األوىل ش ّد عصب الجامعة املظلومة‪ ،‬والثانية‬ ‫استجداء عطف وشفقة املجتمع الدو ّيل‪.‬‬ ‫وبالرغم من أ َّنه ال تفاضل باملظلوم ّية نرى‬ ‫التفاضالت عىل قدم وساق من جميع‬ ‫املظلوم ّيات؛ بحيث ترى ّ‬ ‫كل مظلوم ّية نفسها‬ ‫مظلومة أكرث من غريها‪ ،‬وترى َّأن من يظلمها‬ ‫هو ظامل أكرث من غريه ضمن اعتبارات التفوق‬ ‫املزعوم الثاوية يف املخيال االجتامعي الخاص بها‪.‬‬ ‫ويتط ّبع املظلوم بطبع الظامل عىل مبدأ تط ّبع‬ ‫املغلوب بطبع الغالب حسب ابن خلدون‪،‬‬

‫لتحقيق سيادة مظلوم ّيته عىل املظلوم ّيات‬ ‫األخرى‪ .‬وذلك بالرغم من َّأن ثنائية ظامل‪/‬‬ ‫مظلوم ثنائية وجود ّية تعرب عن استمرار الرصاع‬ ‫الوجوديّ عىل مستوى الحياة واملوت انطالقاً‬ ‫من هوية مل ميتلك صاحبها خياراً‪ .‬ومل َ‬ ‫ترق‬ ‫هذه الثنائ ّية الوجود ّية حتى اآلن لتكون ثنائية‬ ‫السيايس‪ .‬والحق‬ ‫مفهوم ّية تأخذ منحى الرصاع‬ ‫ّ‬ ‫يقال‪َّ :‬إن املظلوم ّية بهذا الشكل وصفة سحر ّية‬ ‫املجتمعي وتشكيل مناطق نفوذ عىل‬ ‫لالنتحار‬ ‫ّ‬ ‫صعيد الجغرافيا السياس ّية‪.‬‬ ‫والسؤال هنا هو‪ :‬ما جدوى طرح مشاريع‬ ‫وحلول حداث ّية تنتمي لعرص الحداثة يف‬ ‫سياقٍ ما بعد حدا ّيث؟ وال س ّيام َّأن قيم ما قبل‬ ‫الحداثة كالرعو ّية والقطيع ّية تتداخل مع قيم‬ ‫الحداثة كالعقالن ّية واملصلح ّية والبريوقراط ّية‬ ‫واملركز ّية‪ ،‬وتتداخل كذلك مع قيم ما بعد‬ ‫الحداثة كالعالقات االفرتاض ّية والفوىض والضياع‬ ‫والالتفاضل‪ .‬وهذا ظاهر للعيان يف مجتمعاتنا‬ ‫ودولنا‪.‬‬ ‫واقع بينام املظلوم ّية‬ ‫وهكذا نرى َّأن الظلم ٌ‬ ‫إيديولوجيا عابرة للزمان واملكان‪ .‬ففي سياق‬ ‫ما بعد الحداثة تربز مظلوم ّية مكونات الشعب‬ ‫املندرجة يف حقبة ما قبل الحداثة وترتاجع‬ ‫مظلوم ّية الشعب املندرجة يف حقبة الحداثة‪.‬‬ ‫والحل يكمن يف التعايش بني املظلوم ّيات وهو‬ ‫ما سرناه عىل املدى القصري واملتوسط ضمن‬ ‫مناطق نفوذ تكون أقل من تقسيم وأكرث من‬ ‫إدارة ذات ّية‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫‪86‬‬

‫صباح فيروز‬ ‫علي فاروق‬

‫العدد ‪66 -‬‬ ‫‪2016 / 62 / 11‬‬ ‫‪17 - 71‬‬

‫شهادات‬ ‫مقاالت‬

‫الساعة تتجاوز العارشة مسا ًء‪ ،‬كان قد مر عىل‬ ‫وجودي يف الفرع ‪ 25‬يوماً‪ ،‬الربد شديدٌ جداً‪،‬‬ ‫دامس‪ ،‬واملياه تغطي نصف أرضية‬ ‫والظالم‬ ‫ٌ‬ ‫املهجع‪ ،‬كنت مستلقياً عىل بطانية عسكرية‬ ‫قدمية‪ ،‬متدثراً بأخرى‪ ،‬بني النوم والصحو‪ ،‬كانت‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ومتداخلة يف آن تقفز يف‬ ‫متناقضة‬ ‫أفكا ٌر وصو ٌر‬ ‫رأيس‪ ،‬كنت أهلوس! رمبا ستالزمني تلك الحالة‬ ‫يف السجون الخمسة التي تنقلت بينها‪ ،‬وستزورين‬ ‫بني الفينة واألخرى خارجها‪..‬‬ ‫ُخ ّيل إيل أن صوتاً يناديني‪ ،‬بدا كصوت “محي‬ ‫دمشقي‪ ،‬وحيدٌ لعائلته‪ ،‬كان‬ ‫شاب‬ ‫الدين”‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫شاويشاً قبل مجيئي‪ ،‬وكان يصيل بالرس‪ ،‬قبل أن‬ ‫ييش به “‘أحدهم”‪ ،‬ل ُيعزل‪ ،‬ويودع يف املنفردة‬ ‫األوىل‪ ،‬ليخرج منها الحقاً‪ ،‬إىل سجن صيدنايا‪..‬‬ ‫ملاذا خرج “محي الدين” من املنفردة؟ وملاذا‬ ‫يناديني؟ هذا ما خطر يل‪ ،‬دون أن أفتح عيني‪..‬‬ ‫يف ذلك الفرع كان الشاويش هو املسؤول عن‬ ‫نزالء املنفردات؛ يدخل الطعام إليهم‪ ،‬ويسمح‬ ‫لهم بدخول الحامم‪ ،‬ويغلق عليهم األبواب‪ ،‬وكان‬ ‫أقدم املوجودين يف الفرع‪ ،‬وهو “جابر”‪ :‬طفل‬ ‫من الغوطة‪ ،‬ال يتجاوز الخامسة عرشة‪ ،‬نزي ًال يف‬ ‫املنفردة الثامنة‪ ،‬أصيب “جابر” بالشلل‪ ،‬بسبب‬ ‫التعذيب‪ ،‬لذا كان يقيض حاجته داخل زنزانته‪،‬‬ ‫يف زجاجة بالستيكية‪ ..‬كان القيح‪ ،‬والصديد يسيل‬ ‫من الجروح‪ ،‬و‘‘الخراجات’’ التي غطت جسده‬ ‫النحيل‪ ،‬وفوق ذلك كان مصاباً بإسهالٍ شدي ٍد‪،‬‬ ‫وهو أحد أخطر األمراض املعدية‪ ،‬التي تصيب‬ ‫املعتقلني‪ ،‬كانت روائح اإلنتان تتسلل من املنفردة‬ ‫جحيم ال يطاق‪.‬‬ ‫إىل املهجع‪ ،‬فتحول فضاءه إىل‬ ‫ٍ‬ ‫أمي‪،‬‬ ‫عرشيني‪،‬‬ ‫شاب‬ ‫الشاويش “أبو عامد”‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ووضيع‪،‬‬ ‫شخص يس ٌء‪،‬‬ ‫ليست له أي عالق ٍة بالثورة‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫َع ِمل لصاً قبل اعتقاله‪ ،‬عىل ما أخربين بنفسه‪.‬‬ ‫أما كالمه‪ ،‬وترصفاته فكانت تيش بعق ٍد نفسية‬ ‫مركبة‪..‬‬ ‫“أبو عامد” كان قاسياً‪ ،‬ومتسلطاً جداً‪ ،‬وكان‬ ‫الجميع يخافونه‪ ،‬وال يجرؤون عىل مخاطبته‪ ،‬كان‬ ‫ولسبب ال أعلمه‪ ،‬كان‬ ‫ادع‪ ،‬أو ضمري‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫يفتقد أي ر ٍ‬ ‫دوري‪ ،‬إىل‬ ‫شبه‬ ‫يب‬ ‫ييش‬ ‫وكان‬ ‫يكرهني جداً‪،‬‬ ‫بشكلٍ‬ ‫ٍ‬ ‫السجان املناوب‪ ،‬ليعاقبني يف الخارج‪..‬‬

‫ناداين “أبو عامد” يف أحد األيام‪ ،‬ذهبت‬ ‫إليه‪ ،‬فأخربين أنه قرر تكليفي مبسؤولية نزالء‬ ‫املنفردات‪ ،‬وطلب مني تحديداً إدخال الطعام لـ‬ ‫“جابر”‪ ،‬وإفراغ زجاجة فضالته‪..‬‬ ‫كان واضحاً سبب قراره‪ ،‬فقد أراد تجنيب‬ ‫مبرض ما‪ ،‬كام أراد إذاليل‪،‬‬ ‫نفسه مخاطر اإلصابة ٍ‬ ‫وإهانتي عىل ما َظن واعتقد‪ .‬لكني يف الحقيقة‬ ‫حرج‪ ،‬بل عىل‬ ‫ُس ِعدت بتكليفه‪ ،‬ومل أجد فيه أي ٍ‬ ‫العكس‪ ،‬فذلك سيساعدين عىل كرس روتني أيامي‬ ‫الرتيبة‪ ،‬ورمبا ميكنني من مساعدة زماليئ‪ ،‬من‬ ‫خالل هامش حرية الحركة والكالم التي سأنالها‪،‬‬ ‫فيزداد تواصيل معهم‪ ،‬ورمبا أتعرف عىل قصصهم‪،‬‬ ‫وحياتهم‪ ،‬وتجاربهم داخل السجن‪ ،‬وخارجه‪..‬‬ ‫عندما سمعت صوت “محي الدين” ينادي‪،‬‬ ‫شعرت بالقلق قلي ًال‪ ،‬فقد خطر يل أن “أبا عامد”‬ ‫سيكتشف أنني أتعمد ترك أبواب املنفردات‬ ‫مفتوحة لي ًال‪ ،‬ليستطيع أصدقايئ الدخول‪،‬‬ ‫لسبب ما‪ ،‬مل أبالِ ‪ ،‬ومل أفتح‬ ‫والخروج براحة‪ ،‬لكني‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫عيني‪ ،‬تالىش القلق كليا‪ ،‬عندما قفزت إىل رأيس‬ ‫فجأ ًة‪ ،‬صورة وجه صديقتي‪ ،‬أه‪ ..‬ما الذي تفعله‬ ‫اآلن؟ وقبل أن يتواىل مجيء صور أخرى‪ ،‬عاد‬ ‫الصوت من جدي ٍد‪ ،‬هذه املرة كان ُيلح‪“ :‬عيل‪..‬‬ ‫عيل‪ ..‬قوم”‪..‬‬ ‫فتحت عيني‪ ،‬فلم أجد “محي الدين”‪ ،‬شعرت‬ ‫بالراحة قلي ًال؛ كان “أبو عدنان”‪ ،‬الرجل الخمسيني‪،‬‬ ‫هو من ينادي‪ ،‬الحظت أنه كان يرتجف‪ ،‬ظننت‬ ‫ألول وهل ٍة أنه ٌ‬ ‫مريض‪ ،‬أو أنه يختنق‪ ،‬رمبا‪..‬‬ ‫ــ شبك “أبو عدنان”‪ ،‬شو يف؟‬ ‫ــ قوم شوف “أبو محمد”‪ ،‬ميكن مات!‪..‬‬ ‫شاب أربعيني‪ ،‬من إحدى بلدات‬ ‫“أبو محمد” ٌ‬ ‫أب لثالثة أطفال‪ ،‬صبيني وبنت‪،‬‬ ‫الغوطة الرشقية‪ٌ ،‬‬ ‫كان ال ينام تقريباً‪ ،‬يقيض معظم وقته يف الصالة‬ ‫أو الدعاء‪ ،‬رساً بالطبع‪ ،‬وكان يبيك طول الوقت‪،‬‬ ‫يف كل مرة أجلس إليه كان يحدثني عن أوالده‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مشتاق لرؤيتهم واحتضانهم والجلوس‬ ‫وكم هو‬ ‫معهم وتناول الشاي كام اعتادوا أن يفعلوا يوميا‪ً..‬‬ ‫كان يتحدث باستمرا ٍر عن ابنته الصغرية‪ ،‬ورصت‬ ‫لكرثة ما حدثني عنها‪ ،‬أتخيل وجهها الصغري‪ ،‬الذي‬ ‫لوحته الشمس‪ ،‬وضفائرها الذهبية الطويلة‪،‬‬

‫وفستانها الوردي‪ ،‬ودميتها الصغرية ناقصة‬ ‫الذراع!‪..‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أخربين أيضا أنه قىض (‪ )37‬يوما دون أن يستطيع‬ ‫قضاء حاجته‪ ،‬بسبب إصابته باإلمساك‪ ،‬وهو ما‬ ‫يحصل ألغلب املعتقلني يف بداية اعتقالهم‪..‬‬ ‫للمفارقة أصيب “أبو محمد” مبرض اإلسهال قبل‬ ‫أسبوع تقريباً‪ ،‬واليوم كان ُمت َع َباً جداً‪ ،‬حتى إنه مل‬ ‫ٍ‬ ‫ينهض لتناول نصف الرغيف املقدم كوجبة عشاء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ظل مستلقياً‪ .‬كان يتأمل ويتأوه‪ ،‬لكن صوته تغري‬ ‫ذلك املساء‪..‬‬ ‫ً‬ ‫نهضت مرسعا إىل حيث يستلقي “أبو محمد”‪،‬‬ ‫جلس “أبو عدنان” قبالتي‪ ،‬وضعت سبابتي‬ ‫عىل معصم “أيب محمد”‪ ،‬ال يوجد ٌ‬ ‫نبض‪ ،‬فنقلت‬ ‫أصبعي إىل رقبته‪ ،‬مل أشعر بنبضه أيضاً‪ ،‬قربت‬ ‫كفي من أنفه‪ ،‬ال آثر ألنفاسه‪ ،‬وأخرياً وضعت أذين‬ ‫فوق صدره‪ ،‬ال حياة‪..‬‬ ‫أدركت منذ لحظة اقرتايب األوىل أنه ٌ‬ ‫ميت‪ ،‬لكن‬ ‫لسبب ما قمت بتلك العمليات‪ ،‬لعلني أردت أن‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫أكون متأكدا‪ ،‬قبل إعالن وفاته‪ ،‬أو لرمبا رغبت‬ ‫يف تأخري مواجهة املوت‪ ،‬والتسليم بانتصاره عىل‬ ‫أحدنا‪ ،‬ما أمكن‪..‬‬ ‫بدأ الرفاق بالبكاء‪ ،‬فيام بدأ بعضهم بالصالة‪،‬‬ ‫وبرتتيل آيات القرآن الكريم‪..‬‬ ‫مل أبك‪ ،‬ومل ِّ‬ ‫أصل أيضاً‪ ،‬عدت بهدو ٍء لالستلقاء يف‬ ‫مكاين بجانب “عابد”‪ ،‬وبدأت أحدق يف الظالم‪،‬‬ ‫كنت خائفاً جداً‪ ،‬أرعبتني فكرة أن املوت كان‬ ‫هنا‪ ،‬كان قريباً جداً‪ ،‬وعىل بعد أمتا ٍر قليل ٍة مني‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫قدمية‪ ،‬إال‬ ‫ورغم أن تجربتي معه ‪-‬أي املوت‪-‬‬ ‫أنها مل تكن يوماً بهذا الشكل‪ ،‬وال يف مثل هذه‬ ‫الظروف‪ ،‬بدأ خد ٌر ٌ‬ ‫ثقيل يتسلل إىل أطرايف‪..‬‬ ‫قطع صوت “عابد”‪ ،‬الذي مل يتحرك من مكانه‪،‬‬ ‫خافت‪،‬‬ ‫بصوت‬ ‫خلويت املرعبة‪ ،‬كان “عابد” يغني‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أغني ًة لـ “فريوز” عىل ما أذكر‪ ،‬نظرت يف وجهه‪،‬‬ ‫ونظر إيل‪ ،‬مل نتكلم‪ ،‬مل أخربه كم كرهت صباحات‬ ‫البعث االشرتاكية‪ ،‬التي كانت تبدأ عىل أنغام‬ ‫“فريوز”‪ ،‬استمر يغني‪ ،‬دون توقف‪ ،‬وبقينا‬ ‫ساكنني‪ ،‬مل ننم يف تلك الليلة‪..‬‬

‫ٌ‬ ‫سجان‪ ،‬وسحب جثة “أيب محمد” من‬ ‫يف الصباح جاء‬

‫رجليه‪ ،‬وألقاه يف مؤخرة شاحنة عسكرية‪ ،‬ومىض‪..‬‬


‫فيلق الرحمن ‪ -‬جيش اإلسالم‬ ‫الغوطة الى أين؟‬ ‫أبو القاسم السوري‬

‫العدد ‪- 71 -‬‬ ‫‪2016 / 6 / 11‬‬

‫مقاالت‬

‫جيش اإلسالم وفيلق الرحمن‪ ،‬اقتتال داخيل وأخبار عن‬ ‫جبهات تتساقط‪ ،‬ومقاتلني من خرية الشباب تستشهد‪،‬‬ ‫وقطاع من أهم القطاعات يف الغوطة الرشقية‪ ،‬وهو‬ ‫القطاع الجنويب‪ ،‬يسقط بيد النظام املجرم‪ ،‬ودعوات‬ ‫من كل غيور عىل الثورة تصدح لرضورة وقف االقتتال‬ ‫مستعينني بكل الحجج الدينية والوطنية واألخالقية‬ ‫واملصلحية‪..‬‬ ‫ولعل أكرث ما يعرب عن حالة الدهشة التي أصابت‬ ‫الجميع مام حدث بالغوطة ما عرب عنه ميشيل‬ ‫كيلو حينام وصف ما يحدث يف الغوطة بأنه رصاع‬ ‫“الحمقى”‪ ،‬والذي سوف يهدم سقف البيت عىل‬ ‫تكل وال ّ‬ ‫الجميع‪ .‬وبعد جهود ال ّ‬ ‫متل اشرتكت فيها‬ ‫الفعاليات يف الغوطة بغالبيتها والفصائل العسكرية‬ ‫واملجالس اإلسالمية والعلامء والشخصيات السياسية‪..‬‬ ‫بعد كل هذا الجهد توصلنا التفاق يف الحدود الدنيا‬ ‫برعاية الدكتور رياض الحجاب‪ .‬وأنا ‪-‬كام الكثريين ممن‬ ‫بقي من املثقفني يف الغوطة‪ -‬آثرنا عدم ابداء الرأي‬ ‫عىل العلن يف املرحلة املاضية يك ال تكون كلمة ما هنا‬ ‫أو عبارة هناك عام ًال مضافاً يف إشعال النار املتّقدة‬ ‫الهم للجميع هو البحث عن كلمة‬ ‫يف الغوطة؛ فكان ّ‬ ‫جامعة لوقف هذا االقتال العبثي املدمر‪ .‬واليوم بعد‬ ‫أن وصلنا إىل اتفاق الحدود الدنيا‪ ،‬والذي يجب تدعيمه‬ ‫وترسيخه ألنه ما زال معرضاً يف كل يوم لالنهيار وعودة‬ ‫حالة االقتتال‪ ،‬بات ميكن لنا أن نقف متأملني ومحللني‬ ‫ملا حدث‪ ،‬ليس بعني الباحث عن تحميل مسؤولية ما‬ ‫حدث لجهة معينة فكلنا نتحمل املسؤولية‪ ،‬وال لتأجيج‬ ‫الرأي ض ّد أحد ما‪ ،‬وإمنا بعني الباحث عن أسباب الفشل‬ ‫التي أوصلتنا إىل هنا‪ ،‬والتي كادت أن تسهم والتي قد‬ ‫تسهم يف غرق املركب الذي يحملنا جميعاً‪.‬‬ ‫السؤال الرئييس الذي يجب أن ننطلق منه‪ :‬أمل نفاجأ‬ ‫جميعاً باندالع االقتتال بني فيلق الرحمن وجيش‬ ‫اإلسالم؟‬ ‫الحقيقية وبكل وضوح كل من يحمل نظرة واعية لواقع‬ ‫الغوطة وعىل اطالع بتفاصيل الحياة يف الغوطة يدرك‬ ‫أن االقتتال كان قادماً ال محالة؛ فجميعنا يعرف ذلك‬ ‫دون أن نعرف ساعته أو يومه‪ ،‬ولكننا كنا عاجزين عن‬ ‫وقف تدهور كرة الثلج الدافعة باتجاه هذا االقتتال‪،‬‬ ‫ولعل أهم دوافع هذا االقتتال العامة هي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬العقلية التسلطية التي تحملها الفصائل العسكرية‬ ‫بعموم سورية‪ ،‬والتي تجعلها تنظر لنفسها عىل أنها‬ ‫املرشحة للحكم بعد إسقاط النظام‪ ،‬ليس بشكل تشاريك‬ ‫مع اآلخرين‪ ،‬بل بعقلية التغلب والقهر‪.‬‬ ‫‪ - 2‬غياب املؤسسة املدنية أو العسكرية أو املشرتكة‬ ‫الحاضنة للجميع‪ ،‬والتي ميكن أن تكون ضامناً للجميع‬

‫يف األوقات الحرجة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬غياب املرشوع الوطني الجامع واملشاريع الحزبية‬ ‫أو املنهجية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تغليف املشاريع العسكرية بعباءات دينية ُتظهر‬ ‫الفصيل بأنه الفرقة الناجية الوحيدة وكل اآلخرين‬ ‫مخالفني وطغاة وبغاة وخوارج الخ‪....‬‬ ‫‪ - 5‬شخصنة قرار الفصيل بشخصية القائد العسكري‪،‬‬ ‫وغياب املؤسسة بشكلها العام‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ضعف القطاع املدين وعدم قدرته عىل خلق‬ ‫ميكانيزمات إصالحية لهذا الوضع املرتدي واصطفاف‬ ‫البعض مع هذا الفصيل أو ذاك‪.‬‬ ‫هذه األسباب تنطبق بالعموم عىل غالبية الفصائل يف‬ ‫سورية‪ .‬أما إذا أردنا الدخول بشكل أعمق لتوصيف‬ ‫الحالة يف الغوطة‪ ،‬فسنجد أن كال الفصيلني ارتكب‬ ‫أخطاء أدت إىل ما حدث‪.‬‬ ‫ولنبدأ بجيش اإلسالم‪ ،‬فجيش اإلسالم يف الفرتة األخرية‬ ‫ارتكب عدداً من األخطاء دفعت باتجاه هذا االقتتال‬ ‫ومنها‪:‬‬ ‫‪ - 1‬القراءة الخاطئة لتعيني محمد علوش كبري‬ ‫مفاوضني عىل أنه صك إطالق اليد يف فعل ما يشاء‪،‬‬ ‫مع أن القارئ املتمعن لهذا التعيني يجب أن يقرأه‬ ‫بصورة معاكسة؛ فقبيل هذا التعيني دعت روسيا إلدراج‬ ‫جيش اإلسالم وأحرار الشام عىل قامئة اإلرهاب‪ ،‬وبالتايل‬ ‫الترشيع برضبهام وهذا يعني يف الغوطة إقرار بدمار‬ ‫الغوطة‪ ،‬باعتبار جيش اإلسالم هو الفصيل األقوى فيها‪،‬‬ ‫وما كان من باقي مكونات املعارضة سوى أن تدرك‬ ‫خطورة ذلك عىل الثورة عموماً‪ ،‬وبالتايل قامت غالبية‬ ‫مكونات املعارضة باحتضان جيش اإلسالم وإفشال‬ ‫املساعي الروسية‪ ،‬وبالتايل فإن الدرس الذي كان يجب‬ ‫أن يستخلص هو رضورة الرشاكة مع اآلخر كضامن‬ ‫وحام وليس العكس‪.‬‬ ‫‪ - 2‬انسحاب الكتلة املدنية القريبة من جيش اإلسالم‬ ‫من مرشوع الهيئة العامة يف الغوطة الرشقية وبالتايل‬ ‫إضعاف الهيئة العامة عن لعب دور الضامن املدين يف‬ ‫مثل هكذا مواقف‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قيام جيش اإلسالم باالستيالء عىل مقرات االتحاد‬ ‫اإلسالمي ألجناد الشام بعد انضامم االتحاد لفيلق‬ ‫الرحمن‪ ،‬والذي أثار مخاوف مرعبة لدى جميع الفصائل‬ ‫األخرى التي اعتربت نفسها عىل جدول االستهداف‪.‬‬ ‫‪ - 4‬التعامل غري املهني مع قضية االغتياالت يف الغوطة‬ ‫الرشقية‪.‬‬ ‫وعىل مستوى الفيلق كانت هناك أخطاء ال تقل خطورة‬ ‫عام سبق وهي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬تجميد العضوية يف القيادة العسكرية املوحدة يف‬

‫الغوطة‪ ،‬وبالتايل غياب املستوى املؤسيس العسكري مع‬ ‫جيش اإلسالم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الرد عىل استيالء الجيش عىل مقرات الفيلق‬ ‫بترصفات من نفس القبيل يف مناطق يكون فيها الفيلق‬ ‫هو الطرف األقوى‪.‬‬ ‫‪ - 3‬وكان الخطأ األكرب هو إطالق عملية عسكرية كبرية‬ ‫اعتربت من جانب فيلق الرحمن استباقية عىل عمل‬ ‫مدبر يعده الجيش ضد الفيلق‪ ،‬ولكن هذا األمر مل يكن‬ ‫محسوب النتائج فدخلنا جميعاً باقتتال كان من نتائجه‬ ‫ما ذكر يف املقدمة‪.‬‬ ‫وبالتايل فنتيجة أخطاء الفصيلني وعدم قدرة القطاع‬ ‫املدين عىل أن يكون ضامناً لهام‪ ،‬انحدر الوضع إىل ما‬ ‫وصل من اقتتال‪ ،‬وبدأت العيون ترتقب قرارات جريئة‬ ‫من قائدي الفصيلني أبو هامم قائد جيش اإلسالم وأبو‬ ‫النرص قائد فيلق الرحمن‪ ،‬توقف هذا الجنون‪ .‬وأكرب‬ ‫املصائب التي يجب التوقف عندها يف تحليل ما حدث‬ ‫هام أمران أساسيان‪:‬‬ ‫‪ - 1‬غالبية الحلول التي طرحت انطلقت من مسلمة أن‬ ‫حالة ما قبل االقتتال هي حالة طبيعية يجب العودة‬ ‫إليها تحت حجة عودة الوفاق واألخوة بني الفصائل‪،‬‬ ‫وكأن الفصائلية قدر ال بد منه يف الثورة‪ ،‬مع أن الحقيقة‬ ‫التي يجب أن ال تغيب عن أذهاننا هي أن الفصائلية‬ ‫كانت الداء الذي أنهك الثورة والذي إذا ما استمر قد‬ ‫يهلكها‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ترسيخ قبول العنارص لدى الطرفني ملبدأ إطالق النار‬ ‫عىل إخوتهم من باقي الفصائل‪ ،‬وهذا أمر خطري جداً‬ ‫يجب العمل بكل قوة للتوعية بخطورته وحرمة اإلقدام‬ ‫عليه ولو صدرت أوامر من القائد بهذا الخصوص‪.‬‬ ‫‪ - 3‬غياب الرؤية الواضحة لدى قادة الفصائل والعنارص‬ ‫بالدور الذي يجب أن يؤديه السالح املوجود بني‬ ‫أيديهم‪ ،‬بحامية الشعب السوري والثورة واملناطق‬ ‫املحررة‪ ،‬لنجد أن غاية هذا السالح تحولت نحو حامية‬ ‫الفصيل! حتى أصبحنا نرى استخداماً كبرياً للذخائر‬ ‫واألسلحة مبواجهة بعضهم بعضاً‪ ،‬يف حني أن الجبهات‬ ‫تشهد شحاً يف السالح والذخرية‪.‬‬ ‫وعليه ميكن القول إن الغوطة الرشقية متر مبخاض‬ ‫عسري نحو والدة جديدة‪ ،‬وعىل الجميع أن يكون عىل‬ ‫مستوى املسؤولية؛ من قادة فصائل إىل ناشطني مدنني‬ ‫إىل فعاليات ومؤسسات‪ ..‬وإن مل نصل إىل هذا املستوى‬ ‫من املسؤولية‪ ،‬وأنا استبعد ذلك يف ّ‬ ‫ظل سواد طريقة‬ ‫التفكري املنغلقة للجميع‪ ،‬فأخىش ما أخشاه أن نصل إىل‬ ‫مرحلة نجد فيها أنفسنا مضطرين للجلوس عىل طاولة‬ ‫نوقع فيها عىل اتفاق هزمية‪ ،‬وحينها فقط ميكن أن‬ ‫ندرك جواب السؤال الرئييس وهو‪“ :‬الغوطة إىل أين؟”!‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫تســليم المساعدات بالجو‬

‫العدد ‪2016 / 6 / 11 - 71 -‬‬

‫ّ‬ ‫حل عىل الطريقة الروسية‪:‬‬ ‫ماذا بعد الدبلوماسية األمريكية؟ اليشء‬ ‫يبدو أن روسيا وإيران وحزب الله (حلفاء عىل اإلطالق!‬

‫تقارير‬

‫دعت املجموعة الدولية لدعم سوريا يف ختام‬ ‫اجتامعها يف ‪ 17‬أيار‪ /‬مايو‪ ،‬منظمة (برنامج‬ ‫األغذية العاملي) التابعة لألمم املتحدة إىل‬ ‫إنشاء جسور جوية وعمليات إنزال جوي‬ ‫لجميع املناطق السورية املحتاجة إذا ما‬ ‫استمر منع القوافل الربية لألمم املتحدة‬ ‫من إيصال املساعدات اإلنسانية إىل املناطق‬ ‫املحارصة‪ ،‬وذلك ابتداءاً من ‪ 1‬حزيران‪ /‬يونيو‪.‬‬ ‫فقد شكل استخدام قوات النظام منهجية‬ ‫“االستسالم أو املوت جوعاً” سمة أساسية‬ ‫يف الحرب األهلية السورية‪ .‬وقد ّمتت مراراً‬ ‫عرقلة جهود اإلمدادات اإلنسانية من قبل‬ ‫قوات النظام‪ ،‬فض ًال عن قوات تنظيم الدولة‬ ‫اإلسالمية “داعش” وبعض الجامعات املس ّلحة‪.‬‬ ‫يناقش مايكل آيزنشتات من معهد واشنطن‬ ‫قضية التسليم الجوي للمساعدات اإلنسانية‬ ‫يف سوريا‪ ،‬ويعترب أن هذه القضية تعرتيها‬ ‫عقبات كبرية ولن يكون النقل الجوي فعاالً‬ ‫بدون النقل الربي‪ ،‬فهو مكلف جداً وقليل‬ ‫الفعالية وقد يتعرض للرسقة والنهب‪ .‬واألصل‬ ‫هو الضغط السيايس الذي يجب أن تطبقه‬ ‫واشنطن واملجتمع الدويل‪ ،‬عىل موسكو‬ ‫لتحقق التزاماتها يف جنيف وفيينا يف ما يتعلق‬ ‫بوصول املساعدات اإلنسانية‪ ،‬والضغط عىل‬ ‫نظام األسد للسامح بعبور قوافل املساعدات‬ ‫الغذائية‪ ،‬أو أن متنح واشنطن جامعات‬ ‫املعارضة السورية املعتدلة الوسائل الالزمة‬ ‫لكرس الحصار الذي تفرضه قوات النظام‬ ‫عىل مناطقها‪ ،‬وهو ما مل يحدث‪ .‬وبالتايل جاء‬ ‫املوعد املرتقب ومل يحدث أي يشء‪ ،‬وظهر‬ ‫تخاذل املجتمع الدويل مرة أخرى وتركه‬ ‫الشعب السوري ملصريه‪.‬‬

‫األسد) قد أصبحوا واثقيني عىل نحو متزايد‬ ‫بأن الواليات املتحدة بدأت بالفعل تتعاطى‬ ‫مع نظام الرئيس بشار األسد كرشيك يف‬ ‫الحرب ضد تنظيم الدولة اإلسالمية “داعش”‪.‬‬ ‫وتأمل هذه األطراف الثالثة بأن تنتزع موافقة‬ ‫من واشنطن عىل أال يكون ّ‬ ‫تخل األسد عن‬ ‫الرئاسة‪ ،‬سواء خالل املرحلة االنتقالية أو‬ ‫بعدها‪ ،‬رشطاً الزماً و ُمسبقاً إليجاد حل سيايس‬ ‫للنزاع‪.‬‬ ‫يناقش يزيد صايغ هذا االحتامل يف مركز‬ ‫كارنيغي للرشق األوسط‪ ،‬ويعترب أن هذه‬ ‫املقاربة فاشلة ولن تحظى بالنجاح بكل‬ ‫األحوال‪ ،‬فانتصار األسد “إن تحقق” سيكون‬ ‫مثق ًال باألمثان الباهظة التي تفوق املكاسب‪،‬‬ ‫ولن يستطيع بحال من األحوال أن يكون‬ ‫مستقراً كام يرغب النظام؛ فلم يعد لدى‬ ‫األسد أي موارد إلعادة اإلعامر يف املستقبل‪ ،‬أو‬ ‫تطبيق سياسة العىص مع الجزرة‪ ،‬كام سيواجه‬ ‫األسد تحدياً غري مسبوقاً يتمثل يف السيطرة‬ ‫عىل الجامعات العسكرية األهلية التي ّمناها‬ ‫النظام ملواجهة الثورة وباتت متيل أكرث فأكرث‬ ‫نحو االستقاللية‪ .‬وباملحصلة يعترب يزيد صايغ‬ ‫أن روسيا وإيران سيدركان أن كسب الحرب‬ ‫سيكون أرخص بكثري من الحفاظ عىل السالم‬ ‫يف سوريا‪.‬‬ ‫ولذلك فإن املقاربة األكرث رؤيوية وعقالنية‬ ‫من جانب روسيا وإيران وحزب الله بحسب‬ ‫صايغ‪ ،‬هي السعي إىل تحقيق مصالحة‬ ‫حقيقية بني نظام األسد واملعارضة السورية‪،‬‬ ‫والتوصل إىل عملية انتقال سيايس تكون جد ّية‬ ‫وف ّعالة‪ .‬وما خال ذلك‪ ،‬سيرتتب عىل هذه‬ ‫األطراف الثالثة الحفاظ عىل سالم َن ِك ْد وغري‬ ‫قابل للحياة‪ ،‬وضبطه لزمن بعيد بعد انتهاء الرصاع‪.‬‬

‫كثرياً ما هدد جون كريي بوجود ّ‬ ‫خطة بديلة‬ ‫يف حال مل تنجح مفاوضات جنيف‪ ،‬وهاهي‬ ‫مفاوضات جنيف قد فشلت فش ًال ذريعاً‬ ‫وعادت معدالت القتل للحال التي كانت‬ ‫عليه من قبل بل أكرث‪ ،‬فام هي خطة الواليات‬ ‫املتحدة البديلة؟‬

‫يجيب غيل زميك ليمن من مجلس العالقات‬ ‫الخارجية (‪ )CFR‬عىل هذا السؤال فيعترب‬ ‫أنه خالل ست سنوات من الحرب يف سوريا‪،‬‬ ‫يبدو أن الواليات املتحدة قد سلكت مسارين‪،‬‬ ‫أولهام دبلوماسية عنيدة يدفع من خاللها وزير‬ ‫الخارجية كريي وفريقه أطراف النزاع لوقف‬ ‫إطالق النار‪ ،‬أما املسار الثاين فهو حرب تشنها‬ ‫الواليات املتحدة تدريجياً عىل تنظيم الدولة‬ ‫اإلسالمية مستخدمة وحدات عمليات خاصة‬ ‫أمريكية (ترافقها قوات محلية) والطائرات‬ ‫بدون طيار وسالح الجو‪ ،‬مع تجنب البيت‬ ‫األبيض أي إشارة إىل عملياته هذه كعمليات‬ ‫حربية‪ .‬وبني املسارين خيط رفيع جداً‪ ،‬ويبدو‬ ‫أن الواليات املتحدة قد أحبت هذه الطريقة‬ ‫حتى اآلن‪.‬‬ ‫ولذلك فإن تقييم الفشل مختلف إذاً بالنسبة‬ ‫لإلدارة األمريكية‪ ،‬فهي ترى أن السياسة‬ ‫املتبعة ناجحة حتى اليوم وحققت الكثري‬ ‫من النتائج املرجوة‪ ،‬أما هزمية تنظيم الدولة‬ ‫والحل السيايس يف سوريا “فاإلدارة تعلم أنها‬ ‫ليست ممكنة يف األشهر السبعة القادمة”‬ ‫يضيف أحد مسؤويل البيت األبيض‪“ :‬رمبا‬ ‫ال تكون اإلدارة الحالية مهتمة بهذا السؤال‬ ‫أساساً‪ ،‬فهذه املهمة سترتكها إلدارة ترامب أو‬ ‫كلينتون”‪.‬‬


‫أرض الكالم‬ ‫المقال الحائز على جائزة سمير قصير لحرية الصحافة لهذا العام‬

‫العدد ‪- 71 -‬‬

‫مقاالت‬

‫مل تفارق مخيلتي مشاهد فيلم “وداعاً لينني”‪ ،‬وأنا‬ ‫أرافق أمي املصابة باللوكيميا يف مشفى البريوين‬ ‫يف دمشق عام ‪ .2011‬أمي التي كانت تعيش أملها‬ ‫بصمت‪ ،‬وتراقب انطفاءها بصمت‪ ،‬رحلت يف ذلك‬ ‫العام الذي بدأت فيه سوريا تنتفض‪ ،‬وتخرج عن‬ ‫صمتها‪.‬‬ ‫يف الفيلم‪ ،‬قام األوالد باملستحيل ليك يخفوا عن‬ ‫أمهم املصابة مبرض عُ ضال انهيار جدار برلني‪،‬‬ ‫وانهيار النظام الشيوعي الشمويل يف أملانيا الرشقية‬ ‫معه‪ ،‬فقد أرادوا أن ترحل أمهم دون أن ترى‪ ،‬أو‬ ‫تعرف‪ ،‬أن عاملها الذي كانت جزءاً عضوياً منه‬ ‫ينهار‪ .‬أما نحن‪ ،‬أوالد الخوف‪ ،‬فقد كنّا نلعب مع‬ ‫أمنا لعبة اإلخفاء املتبادل‪ ،‬كنا نخفي عنها‪ ،‬بطريقة‬ ‫تبدو ساذجة‪ ،‬طبيعة مرضها‪ ،‬وطبيعة ما يحدث‬ ‫يف سوريا‪ ،‬وكانت تخفي عنّا أنها تعرف وتستشعر‬ ‫األمر‪ ،‬كنّا نعرف وتعرف أن مرضها قاتل‪ ،‬وأن مرض‬ ‫سوريا بنظامها املتوحش مخيف كالرسطان‪ .‬كانت‬ ‫تستمع لي ًال بوجل لصوت الرصاص من نافذة‬ ‫غرفتها يف املشفى‪ ،‬الذي ال يعني سوى أن دمشق‬ ‫تحت الرصاص‪ .‬هي تخفي مخاوفها ونحن نبادلها‬ ‫اإلخفاء‪ ،‬لكن األمل كان يعجن الخوف ليظهر إىل‬ ‫السطح‪ ،‬واملوت كان هو الطريق‪ ،‬وهو املعرب إىل‬ ‫عامل آخر مل نكن لنعرف عنه شيئاً‪.‬‬ ‫عندما رحلت أمي يف الشهر التاسع عام ‪ ،2011‬مل‬ ‫تكن تعرف أين قد ُفصلت من عميل‪ ،‬وأن رفاقي‬ ‫يف العمل جازفوا بتهريبي من أيدي األمن عندما‬ ‫جاؤوا للقبض ع ّ‬ ‫يل يف مكان عميل‪ ،‬ومل تكن تعرف‬ ‫أين كنت أخرج يف املظاهرات يف دمشق‪ ،‬وال أين‬ ‫أكتب يف الصحف اللبنانية ضد “امرباطورية‬

‫الخوف” التي بدأت تتصدع يف قلوبنا‪ ،‬وال أين‬ ‫كنت مطلوباً يف الوقت ذاته لخدمة االحتياط‬ ‫للمشاركة يف قتل السوريني‪ ،‬يف أسوأ فرع أمني‬ ‫يف سوريا‪ :‬فرع املخابرات الجوية‪ ،‬وعند سهيل‬ ‫الحسن (صاحب فكرة الرباميل املتفجرة‪ ،‬وطريقة‬ ‫األرض املحروقة)‪ .‬ما زلت أذكر كيف كان يجمعنا‬ ‫أثناء الخدمة اإللزامية عام ‪ ،2006‬ويطلب منا‬ ‫معلومات عن مجموعة أحزاب “التجمع الوطني‬ ‫الدميقراطي”‪ ،‬ثم يوبخنا ويرصفنا ألننا “جامعيون‬ ‫حمري” ال نفيده بيشء ذي قيمة يف خدمة الوطن‬ ‫املخابراتية‪ .‬سهيل الحسن الذي كنا نسم ّيه تن ّدراً‬ ‫“ساسويك”‪ ،‬نظراً لجسمه الريايض النحيل‪ ،‬وحركاته‬ ‫البهلوانية املضحكة رغم كل ما فيها من جد ّية‪،‬‬ ‫كانت كلمته ال تصبح اثنتني عند رئيس الفرع‬ ‫“جميل الحسن” صاحب نظرية قتل مليون سوري‬ ‫ألجل سيادة الرئيس‪ ،‬وقاتل “غياث مطر” أجمل‬ ‫أيقونات الثورة السلمية…‬ ‫لكني مل ألتحق وقتها‪ ،‬ومل أخرب أمي بيشء‪.‬‬ ‫هي رحلت عن هذا العامل‪ ،‬وأنا بكيت حتى فاضت‬ ‫روحي بطعم الفقد املرير‪ ،‬كنت طوال عمري‬ ‫أخىش من تلك اللحظة‪ ،‬وأرتعب من التفكري‬ ‫فيها‪ .‬لكن‪ ،‬مع رحيلها‪ ،‬انتبهت إىل شعور غريب‬ ‫رافق الحزن‪ ،‬شعور بالتحرر من عبء الخوف من‬ ‫مويت الخاص‪ .‬رمبا كانت تلك آلية دفاعية الواعية‬ ‫ألقاوم األمل‪ ،‬ال أعلم‪ ،‬لكن فكرة االعتقال أو املوت‬ ‫كنت أخشاها سابقاً بشكل مضاعف‪ ،‬ليس ألين‬ ‫عب يوماً محمود‬ ‫“أخجل من دمع أمي” فقط‪ ،‬كام ّ‬ ‫درويش‪ ،‬بل ألين أخىش من حرستها الكبرية‪ ،‬هي‬ ‫التي أشبعتها الحياة حرسات‪ ،‬مل يكن لها إالنا‬

‫عزاء‪ .‬يف ما بعد‪ ،‬كانت تقتلني أملاً بشكل خاص‬ ‫قصص األمهات السوريات الاليت فقدن أوالدهنّ يف‬ ‫الحرب‪ ،‬ففي بلد مثل سوريا‪ ،‬حيث القهر الذكوري‬ ‫هرمي يبدأ بالسلطة‪ ،‬ومير بالدين‪ ،‬وينتهي‬ ‫نظام‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫محط إسقاط‬ ‫باملجتمع‪ ،‬كانت أمهات سوريا هنّ‬ ‫القهر‪ ،‬ومركز الصرب املديد‪ ،‬وباملحصلة مركز‬ ‫التعويض الدافئ واالحتضاين عن الخوف واالغرتاب‬ ‫الذي يفرضه االستبداد املنترش يف هواء البلد ومائه‬ ‫وترابه‪.‬‬ ‫يف سن العارشة‪ ،‬شكاين مخرب صغري يف املدرسة‬ ‫للمدير‪ ،‬وأعطاه رسالة مزيفة قال إين كتبتها‬ ‫لزميلتي‪ ،‬حبيبتي وقتها‪ ،‬ومعروف أن مدارس‬ ‫البعث كانت مصانع للمخربين والوشاة الذين‬ ‫ُتكا َفأ وشايتهم بأن يصبحوا عرفاء للصف‪ .‬وعندما‬ ‫أرسل املدير خلفي إىل غرفة اإلدارة للتحقيق‪،‬‬ ‫كان يهددين بالرشطة التي كانت للمصادفة فع ًال‪،‬‬ ‫موجودة يف البلدة وتظهر من شباك اإلدارة بشكل‬ ‫واضح‪ ،‬واعرتفت بكل يشء أمام ضحك األساتذة‬ ‫وخويف‪ ،‬وبالفعل مل أعد إىل الكالم معها أبداً‪،‬‬ ‫لكنني تعلمت من وقتها أن الحب ذنب‪ ،‬وأنه‬ ‫ُمراقب من السلطة‪ ،‬وأن االعرتاف ليس خالصاً‪ ،‬بل‬ ‫وقوعاً يف فخ الخضوع والخوف وانعدام القيمة‪،‬‬ ‫الرسية عندي شك ًال من أشكال‬ ‫لذلك أصبحت ّ‬ ‫ً‬ ‫التمرد‪ ..‬كل يشء كان رسيا يف “سوريا األسد”‪:‬‬ ‫رسي؛ هو‬ ‫رسي‪ ،‬والقهر ّ‬ ‫األحزاب رسية‪ ،‬والحب ّ‬ ‫تعاقد اجتامعي عىل اإلخفاء‪ ،‬إخفاء الواقع وحجبه‬ ‫وإظهار آخر مغاير له‪ .‬الواقع املحجوب كان هو‬ ‫الواقع املطلوب من السلطة دامئاً االعرتاف به‬ ‫وعنه‪ ،‬والخربة األهم يف سوريا أن الجميع مذنب‬ ‫حتى “يعرتف” ويثبت براءته‪ ،‬الضامئر منهكة من‬ ‫حجم الكبت وحجم املراقبة الذاتية قبل الكالم‬ ‫وبعده وأثناءه‪ .‬تلك الثقافة الرس َّية امللعونة هي‬ ‫التي انفجرت عام ‪ ،2011‬وهي املارد الذي ما زال‬ ‫يستعيص عىل اإلعادة إىل القمقم؛ رغم كل الحرب‬ ‫والقتل والتدمري‪ ،‬بعد خروجه العظيم‪.‬‬ ‫وتكست ثورتنا وحارصها‬ ‫رمبا فشلنا يا أمي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الظالم‪ ،‬وتشتتنا يف بقاع األرض‪ ،‬لكننا لن نعود إىل‬ ‫إمرباطورية الصمت القدمية‪ .‬هل تتخيلني معي ما‬ ‫أصعب الكالم‪ ،‬وما أكرب أمثانه يف عامل يريدنا أن‬ ‫نصمت؟ فأنت عرفت وخربت جيداً معنى الصمت‬ ‫وقهره‪ .‬أظنك حزينة‪ ،‬ولكني أسمع صوتك يف‬ ‫داخيل ينادي‪ :‬تكلموا!‪.‬‬

‫‪2016 / 6 / 11‬‬

‫حصل الزميل الكاتب ماهر مسعود عىل جائزة سمري‬ ‫قصري لحرية الصحافة عن فئة مقال الرأي لهذا العام‬ ‫‪ ،2016‬وذلك عن مقاله (أرض الكالم) املنشور يف‬ ‫العدد ‪ 66‬من مجلة طلعنا عالحرية الصادر بتاريخ‬ ‫‪ 7‬آذار ‪2016‬‬ ‫أرسة طلعنا عالحرية تتقدم باملباركة وأطيب التمنيات‬ ‫للزميل املبدع ماهر مسعود لحصوله عىل الجائزة‪،‬‬ ‫ونؤكد عىل اعتزازنا بوجوده بيننا للعمل من أجل‬ ‫حرية الصحافة واإلعالم ومن اجل حرية السوريني‬ ‫عموماً‪ ،‬وتحية ملؤسسة سمري قصري عىل دعمها‬ ‫املستمر للثقافة وحرية الصحافة‪.‬‬ ‫نعيد نرش املقال مجددا‪ ،‬قراءة ممتعة‪.‬‬

‫ماهر مسعود‬

‫‪9‬‬



‫نشرة اقتصادية‬

‫طلعنا عالحرية ‪ -‬القسم االقتصادي‬

‫اهم املستجدات التي تهم السوريني يف الشتات والداخل‬

‫توقف أنشطة باي بال في تركيا وتأثيرها على الالجئين السوريين‬

‫إلكرتوين مجاين‪ ،‬إال ان باي بال تسجل بلد اإلقامة‬ ‫ليتم التعامل مع الحساب وفق العملة املحلية‬ ‫لبلد اإلقامة‪ ،‬ورغم عدم طلب باي بال ألي أوراق‬ ‫ثبوتية أثناء فتح الحساب‪ ،‬إال أن اإلجراءات األمنية‬ ‫املطلوبة لتأكيد الحساب كفيلة بتأكيد بلد اإلقامة‬ ‫ومالك الحساب‪ ،‬حيث يتم فرض قيود محددة عىل‬ ‫الحساب إىل أن يتم ربطه بحساب بنيك محيل‪،‬‬ ‫وال ميكن تغيري بلد اإلقامة دون طلب رسمي مع‬ ‫إثبات يدل عىل بلد اإلقامة الجديد‪.‬‬

‫العدد ‪2016 / 6 / 11 - 71 -‬‬

‫أعلنت مؤخراً رشكة باي بال عن توقف خدماتها‬ ‫يف تركيا‪ ،‬وهي رشكة أمريكية تعمل يف مجال‬ ‫املدفوعات عرب االنرتنت يف جميع أنحاء العامل‪،‬‬ ‫وتأثرت أسعار أسهمها بشكل سلبي نتيجة خرب‬ ‫توقف خدماتها يف تركيا‪.‬‬ ‫جاء اإلعالن عن توقف خدمات الرشكة نتيجة‬ ‫رفض الرتخيص الرسمي من قبل الوكاالت املحلية‬ ‫التنظيمية‪ ،‬وقد علقت الرشكة عرب موقعها بأنها‬ ‫ستسمر يف سعيها لتحصيل األذونات الالزمة لتوفري‬ ‫الخدمات لعمالئها يف تركيا مرة أخرى يف املستقبل‪.‬‬ ‫وبهذا الصدد تم تحديد مهلة حتى ‪ 6‬حزيران‬ ‫‪ 2016‬لسحب األرصدة عرب حسابات البنوك‬ ‫املحلية‪ ،‬وبعد انقضاء املهلة سيتم تعليق كافة‬ ‫عمليات السحب واإليداع باإلضافة لعمليات‬ ‫الرشاء‪.‬‬ ‫فتح الحسابات يف باي بال يشبه عملية إنشاء بريد‬

‫تعترب باي بال من الرشكات املهمة بالنسبة لالجئني‬ ‫السوريني يف تركيا‪ ،‬حيث يعتمد عليها الكثري من‬ ‫العاملني يف املجاالت اإلبداعية الخاصة‪ ،‬كام أنها‬ ‫كانت أداة مهمة للعديد من املنظامت لجمع‬ ‫التربعات‪ ،‬ويف هذا اإلطار بات عىل عمالء باي بال‬ ‫من السوريني يف تركيا إيجاد حلول بديلة‪ ،‬وهو أمر‬ ‫معقد للغاية نتيجة عدم قدرة الغالبية يف تحصيل‬ ‫إقامات رسمية مام يحرمهم من فتح حسابات‬ ‫مرصفية‪.‬‬ ‫ما تزال بعض البنوك الرتكية تتقبل فتح الحسابات‬ ‫للسوريني دون وجود إقامة رشط توفر بطاقة‬ ‫كملك وجواز سفر ساري املفعول‪ ،‬إال أن األمور‬ ‫ليست واضحة املسار‪ ،‬فاإلجراءات الرسمية يف‬ ‫تركيا حتى اآلن تتعامل مبعايري مزدوجة مع حاميل‬ ‫بطاقة الكملك‪ ،‬وتبقى الخيارات اآلمنة لالجئني‬ ‫السوريني أو الضيوف يف تركيا بعيدة املنال‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫تغير غير متوقع بسعر الليرة السورية بسبب تالعب حكومي‬

‫بدعم االقتصاد أو التخفيف عن املواطنني‪ ،‬تسعرية‬ ‫البنك املركزي املعلنة مع بداية األسبوع ‪ 500‬لرية‬ ‫سورية للدوالر ثم تعديلها إىل ‪ 470‬لرية‪ ،‬أظهرت‬ ‫ألول مرة أن البنك يقدم سعر رصف أعىل من‬ ‫أسعار السوق السوداء والفارق تجاوز ‪ 170‬لرية‬ ‫لكل دوالر‪.‬‬ ‫تتحرك العمالت بناء عىل أخبار اقتصادية أساسية‪،‬‬ ‫وتحتوي هذه األخبار االقتصادية عىل العديد من‬ ‫املؤرشات الغائبة يف سوريا‪ ،‬بداية من مؤرشات‬ ‫األسعار والبطالة واإلنتاج ومعدالت النمو وسعر‬

‫اقتصاد‬

‫مل تنته الحرب يف سوريا‪ ،‬ومل يتغري واقع االنتاج‬ ‫املحيل املتدهور‪ ،‬لتعلن العملة السورية مساراً‬ ‫جديداً‪ ،‬وما من يشء يربر االرتفاع الالمنطقي‬ ‫لسعر العملة السورية مقابل العمالت األجنبية‪.‬‬ ‫وصل سعر الدوالر مقابل اللرية السورية يف‬ ‫منتصف شهر أيار املايض إىل ‪ 645‬بعد تدهور‬ ‫األوضاع بشكل غري مسبوق يف العديد من املناطق‬ ‫السورية واشتداد القصف عىل محافظة حلب‪،‬‬ ‫وبدأ السعر يرتاجع بشكل تدريجي ليصل بتاريخ‬ ‫‪ 26/05/2016‬إىل ‪ 590‬لرية مقابل الدوالر‪.‬‬ ‫بحسب موقع اللرية اليوم ظهر ارتفاع مفاجئ للرية‬ ‫السورية مقابل العمالت األجنبية حيث وصل سعر‬ ‫الدوالر الواحد إىل ‪ 350‬لرية سورية‪ ،‬وتداولت عدد‬ ‫من الصحف املوالية عن وصول السعر اىل ‪300‬‬ ‫لرية‪ ،‬ويف طرطوس إىل ‪ 250‬لرية‪.‬‬ ‫تزامن وقت ارتفاع سعر اللرية مع أيام العطلة‬ ‫األسبوعية ألسواق العمالت العاملية مام يثري‬ ‫الشكوك بأن تالعباً ما يجري ولغايات ال عالقة لها‬

‫الفائدة وغريها‪ .‬ويف املحصلة توضح هذه املؤرشات‬ ‫واألخبار القيمة الحقيقية للعملة‪ ،‬وهذا غري متوفر‬ ‫يف سوريا‪ ،‬إال أن القاعدة األساسية لألسواق لتحديد‬ ‫األسعار عىل مبدأ العرض والطلب يبدو أن هنالك‬ ‫من يسعى للتالعب بها يف سوريا وفق لعبة دنيئة‬ ‫سترض املواطنني والتجار وترسع من انهيار العملة‬ ‫السورية‪.‬‬ ‫العديد من املواطنني الحظ رفض العديد من‬ ‫البنوك تسليم مبالغ مالية بالعملة السورية‪،‬‬ ‫واستعدادها لتلبية أي مبلغ بالدوالر‪ ،‬مام يدل عىل‬ ‫عملية تدخل مبارش من البنوك إلغراق األسواق‬ ‫بالدوالر واحتجاز العملة السورية مام يزيد من‬ ‫الطلب عليها لعدم توفرها‪.‬‬ ‫خطة املضاربة التي وضعها البنك املركزي بالتعاون‬ ‫مع رشكات الرصافة يف احتكار اللرية وتوفري الدوالر‬ ‫أثر يف سعر اللرية السورية بشكل مؤقت‪ ،‬لكن‬ ‫القيمة الحقيقية للرية السورية ستعود للظهور‬ ‫قريباً‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫شعراء من العالم‪“ :‬أتضامن مع الثورة‬ ‫السورية ضد الديكتاتورية واالحتالل األجنبي”‬ ‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪2016 / 6 / 11 - 71 -‬‬

‫ثقافة‬

‫أطلق عدد من الشعراء والشاعرات حول العامل‪،‬‬ ‫من املشاركني باملهرجان الدويل للشعر والربيع يف‬ ‫العاصمة املولدوفية تشيناوا مايو‪/‬أيار ‪ ،2016‬بيانا‬ ‫تضامنيا مع الشعب السوري‪ ،‬وهو بحسب ترصيح‬ ‫شاعر األوديسة السورية نوري الجراح املشارك‬ ‫بفعاليات املهرجان‪“ ،‬املحطة الثانية يف رحلة بيان‬ ‫شعراء العامل املتضامنني مع نضال الشعب السوري‬ ‫ضد نظام االسد واالحتالل الرويس‪/‬اإليراين الذي‬ ‫انطلق من القارة الالتينية”‪.‬‬ ‫جاء البيان الذي تلقت مجلة “طلعنا عالحرية”‬ ‫نسخة منه تحت عنوان‪( :‬أنا شاعر‪ ،‬أتضامن‬ ‫مع الثورة السورية ضد الديكتاتورية واالحتالل‬ ‫األجنبي)‪ ،‬ومام جاء فيه “الحرية للشعب السوري‬ ‫املكافح ضد الديكتاتورية‪ ،‬أوقفوا القتل وارفعوا‬ ‫أيديكم عن سوريا”‪.‬‬ ‫بدأ التوقيع عىل البيان يوم ‪ 21‬مايو‪ /‬أيار املنرصم‬ ‫ليتواصل عدة أيام متتالية‪ ،‬وممن وقعه شعراء من‬ ‫مولدافيا وأوروبا وآسيا وأمريكا الالتينية وجزيرة‬ ‫موريشوس‪ .‬وعىل رأسهم الشعراء الضيوف من‬ ‫العامل ومعهم رئيس اتحاد كتاب مولدوفا وهنا‬ ‫قامئة منتخبة من املوقعني‪ :‬جوستو جورجي بادرون‬ ‫(إسبانيا)‪ ،‬أنيتا بارناسيا (إيطاليا)‪ ،‬عمر تيمول‬ ‫(موريشوس)‪ ،‬ماريا أوغوستينا (مولدافيا)‪ ،‬أرتريو‬ ‫كوركريا (بريو)‪ ،‬باس كواكمن (هولندا‪-‬مدير مهرجان‬ ‫روتردام الشعري)‪ ،‬الستري جان بلوث (جزيرة مريا‬ ‫برتيني)‪ ،‬شارل دوكال (بلجيكا)‪ ،‬أوندي فريينس‬ ‫(بلجيكا)‪ ،‬يوانا ورفاس (بولونيا) جاكوب كورنهاوزر‬ ‫(بولونيا)‪ ،‬مهيلو كامونيوك (أوكرانيا) روبري آدم‬ ‫(بلجيكا)‪ ،‬الكساندرو كاستيليكان ‪ ،‬ولوان بينتيا‪،‬‬ ‫ودونيا لونايت‪ ،‬لون موريشان‪ ،‬كاسيان كريستي‬ ‫(رومانيا)‪ ،‬دان اليكس (بلجيكا)‪ .‬أركادي سويك فينو‬ ‫(شاعر ورئيس اتحاد كتاب مولدوفا)‪ ،‬نوري الجراح‬ ‫(سوريا)‪.‬‬ ‫وعن دور الشاعر يف ثورة الحرية عىل درب جلجلة‬ ‫الخالص من االستبداد والطغيان‪ ،‬يقول الشاعر‬ ‫الجراح‪“ :‬ال ميكننا ْأن نغفر ُّ‬ ‫للشعراء هروبهم من‬ ‫معركة الحرية‪ ،‬وترك املطالبني بها يخوضونها بدمهم‬ ‫العاري يف مواجهة االستبداد ووحوشه‪ .‬ال ميكننا ْأن‬ ‫ننادي بالحرية ألنفسنا‪ ،‬كشعراء‪ ،‬ثم عندما يقتدي‬ ‫النَّاس بالفكرة ويثورون عىل ُّ‬ ‫الطغيان مطالبني‬ ‫باسرتداد حريتهم وكرامتهم‪ُ ،‬ن ِدي ُر لهم ظهورنا‬

‫وننك ُر عليهم ثورتهم‪ .‬ثم نطلع عليهم بأقبح الحجج‬ ‫والذرائع‪ .‬شخص ًيا‪ ،‬ال ميكنني ْأن أرى يف هذا عم ًال‬ ‫أخالق ًيا‪ ،‬بل َّإن صاحبه ُم َر ٌ‬ ‫اوغ يعوزه الحدُّ األدىن‬ ‫الشجاعة األخالقية‪ .‬لطاملا كان ُّ‬ ‫من َّ‬ ‫الشعراء صوت‬ ‫الحرية‪ ،‬وهم ال يستحقون اسم َّ‬ ‫الشاعر ما مل يكونوا‬ ‫صوت َّ‬ ‫الضحية يف األزمنة العاصفة‪ .‬بعد العراقيني‪،‬‬ ‫ومن قبلهم الفلسطينيني واللبنانيني والجزائريني‪،‬‬ ‫السوريون يفضحون بدمهم املهراق مشهد‬ ‫ها هم ُّ‬ ‫سقوط القيم وانهيار األخالق يف زمننا املعارص وعاملنا‬ ‫الحديث ا ُمل َعولَ ِم‪ ،‬وا ُمل َكو َن ِن‪ .‬وعىل َّ‬ ‫الشاعر العريب‪ْ ،‬إن‬ ‫هو أرا َد ْأن يرد َم ال َف ْج َوة ا ُمل ْر ِع َب َة بني وعيه وضمريه‬ ‫ْأن يكون صوتهم‪ ،‬بوصفهم َّ‬ ‫الضحية الكونية الجديدة‬ ‫التي ُأ ِري َد لدمها الغزير ْأن يتدفق بال لون تحت‬ ‫أبصار عمياء وضامئر ميتة‪َ ،‬ق ِب َل ْت ْأن تتهدَّم وتحرتق‬ ‫سوريا التي أهدت العامل األبجدية والفنون واألديان‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬بعد خمس سنوات من الهولوكوست‬ ‫“الفاريس” برعاية أممية‪ .‬ها نحن يف دراما سورية‬ ‫وص اإلغريق‬ ‫فوق تاريخية‪ ،‬تراجيديا َخ ْل َخ َل ْت ُن ُص َ‬ ‫ُّ‬ ‫السورية َّ‬ ‫هش َم ْت‬ ‫والطرواديني والقرطاجيني‪ .‬املأساة ُّ‬ ‫جميع املآيس‪ ،‬وجعلت من مشاهد هومريوس‬ ‫وفريجيليوس واسخيلوس وسوفوكل أيقونات شاحبة‪.‬‬ ‫باتت الرتاجيديا السورية املتعاظمة األيقونة األكمل‬ ‫للأمساة اإلنسانية‪ .‬مل يبق يشء مل ُي َج َّر ْب عىل الجسد‬ ‫السوري‪ .‬مل يبق يشء واقعي وال يشء خيايل‬ ‫الجامعي ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫السوريني وفوق‬ ‫ومل يجربه الطغيان ورعاته عىل ُّ‬ ‫جسدهم الجامعي من باب إخضاعهم‪ ،‬ولكن بال‬ ‫جدوى‪ .‬فهم‪ ،‬فرادى وجامعات‪ ،‬يأبون إال ْأن يكونوا‬

‫صوت َّ‬ ‫الضحية الكونية؛ عاب ًرا األزمنة واملسافات‪.‬‬ ‫عناد جامعي قدري وانسداد أفق يصنعان املأساة‪،‬‬ ‫تلو املأساة‪ ،‬وكل مرة بابتكار غري مسبوق”‪.‬‬ ‫َات‬ ‫ويضيف صاحب‬ ‫وس ‪َ ..‬مر ِث َّي ُة َبن ِ‬ ‫ٌ‬ ‫لس ُب ْ‬ ‫“قارب إىل ْ‬ ‫ْ‬ ‫َن ْع ٍش”‪“ :‬حتَّى قبل سنوات قليلة‪ ،‬قبل أن ترصخ‬ ‫َّ‬ ‫الضحية ويظهَر دمها‪ ،‬قبل ْأن يتدفق َن ْه ُر الدَّم العريب‬ ‫ُ‬ ‫يف َّ‬ ‫ص‪،‬‬ ‫الشوارع‪ ،‬ويتحول ُّ‬ ‫السوريون إىل أ ْم ُثولَ ِة ال َع ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫كان َّ‬ ‫الشاع ُر العريب ُيط ِّوف بأسطورته العزالء ً‬ ‫صارخا‬ ‫َّ‬ ‫يف برية منفاه املفرد‪ .‬واليوم‪ ،‬فإن د َم الحرية بات‬ ‫َي ْد ُفقُ يف نشيد َّ‬ ‫الشاعر العريب أصوا ًتا ُت َخالط صوتهُ‪.‬‬ ‫مل يعد صوته مفردًا‪ ،‬ومل تعد فكرته عن الحرية مجرد‬ ‫خياالت عزالء غريبة يف عامل غريب‪ .‬مل يعد الشاعر‬ ‫ذلك املَ ْن ِف ُّي املفرد املعلق بني أرض وسامء غريبني‪،‬‬ ‫ولكنه بات واحدًا يف جمع تراجيدي يقف باملاليني‬ ‫عىل أبواب القيامة ويرضب بابها بجباه دامية‪ .‬ولكن‬ ‫َ‬ ‫كيف َي َت َف َّك ُر ُّ‬ ‫الشعراء إزا َء املصائر الرتاجيدية الكربى‬ ‫للسوريني املبللني بالدَّم‪ ،‬ضحايا املحرقة األممية‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫يف‬ ‫اآللهة‪،‬‬ ‫خالقي‬ ‫كانوا‬ ‫طاملا‬ ‫وهم‬ ‫سة املتوسط‪،‬‬ ‫ُ َّ‬ ‫ومبتكري األمميات‪ .‬هل ينزوي َّ‬ ‫ُ‬ ‫ويصمت‬ ‫الشاعر‬ ‫أم ُي َغاِ ُمر مع ال ُّلغة ليكتب نشيدًا ملحم ًيا كو َين‬ ‫النَّزعة وال ُرؤى والخياالت‪ ،‬يتأسس نسيجه ال ُّلغوي‬ ‫السديات‬ ‫والتخيييل وتتأسس نربته ولهجته عىل َّ‬ ‫األوىل‪ ،‬األقانيم واأليقونات الكربى املتصارعة يف‬ ‫مخيلة اإلنسان ونصوصه‪ .‬ال ُب َّد ْأن َ‬ ‫تكون القصيد ُة‪،‬‬ ‫بإرادة شاعرها م َّرة‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫ورغم عنه مرات‪ ،‬أرضا وسام ًء‬ ‫لآلالم اإلنسانية الكربى”‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫باريس‪ ،‬واشنطن‪ ،‬هامبورغ وحيفا‪..‬‬ ‫سوريون في األدب‪ ،‬الموسيقا والمسرح‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫الحدود في باريس‬

‫خمسة شعراء سوريين في حيفا‬ ‫شارك شعراء سوريون وفلسطينيون‬ ‫سوريون بني مجموعة شعراء من فلسطني‬ ‫والعامل يف احتفالية فلسطني لألدب يف‬ ‫دورتها التاسعة‪ ،‬يف ظاهرة هي األوىل من‬ ‫نوعها يف مدينة حيفا‪ ،‬منهم من شارك‬ ‫مشاركة حية ومنهم من شارك عرب الفيديو‪.‬‬ ‫عنونت الفعالية باسم “نصوص منثورة يف‬ ‫املدينة” وكانت يف عدة مواقع ثقافية‬ ‫ضمن مدينة حيفا‪ ،‬وشارك بها ثالثون‬ ‫شاع ًرا من حول العامل‪.‬‬ ‫الشعراء السوريون هم‪ :‬متام هنيدي‪ ،‬رائد‬ ‫وحش‪ ،‬رامي العاشق‪ ،‬رشا عمران وغياث‬ ‫املدهون‪ ،‬جميعهم شاركوا عرب الفيديو‬ ‫باستثناء الشاعر غياث املدهون الذي كان‬ ‫يف فلسطني أل ّول مرة‪ ،‬بعد أن حصل عىل‬

‫جائزتان للبانة القنطار ورمزي شقير في‬ ‫مهرجان هيلين هايس في واشنطن‬

‫روزيا‬ ‫ياسين‬ ‫حسن تصدر‬ ‫روايتها‬ ‫“الذين‬ ‫مسهم‬ ‫السحر”‬

‫لروائية السورية روزا‬ ‫ذين مسهم السحر” ل‬ ‫دار الجمل رواية “ال‬ ‫واية التي تتحدث عن‬ ‫صدر عن‬ ‫هامربوغ األملانية‪ ،‬الر‬ ‫التي تعيش يف مدينة‬ ‫الفها توقيع التشكيلية‬ ‫ياسني حسن‬ ‫والتي حملت لوحة غ‬ ‫عامي ‪ 2011‬و ‪،2013‬‬ ‫وريا التي وصفتها بـ‬ ‫بني‬ ‫روايتها إىل بلدها س‬ ‫سوريا يا عيىس‪ ،‬أهدت روزا‬ ‫ل انتامء يف كل مكان‪،‬‬ ‫ية رؤ‬ ‫أهلها السوريني من ك‬ ‫السور رية يف قلب العامل” وإىل‬ ‫لفي للرواية الصادرة‬ ‫“قطعة صغ‬ ‫جاء عىل الغالف الخ‬ ‫ن مسهم السحر”‪ .‬و‬ ‫تغينا كام تغري الناس‬ ‫ذي‬ ‫“أولئك ال‬ ‫سحر‪ّ ،‬‬ ‫“يف السنتني املاضيتني انقلبت األشياء كال أزمان قياسية‪ ،‬وانتهت‬ ‫أمس‪:‬‬ ‫ت عالقات حميمية ب‬ ‫كالسحر كذلك‪ .‬نشأ‬ ‫عاملقة بلحظة أي ًضا‪،‬‬ ‫جميعهم‪،‬‬ ‫حظة! تحول أقز ٌام إىل‬ ‫وات بل‬ ‫ديات هائلة انكتبت‪،‬‬ ‫عالقات كانت حميمية لسن املقة‪ ،‬إىل أقزام! تراجي‬ ‫سوا كع‬ ‫ازل‪ ،‬بلحظة أي ًضا”‪ .‬كام‬ ‫وتق ّلص عاملقة‪ ،‬طاملنا ك ّر ت كرتاجيديات‪ ،‬إىل مه‬ ‫رس‬ ‫بوك أن عدة دور نرش‬ ‫وتح ّولت تراجيديات طاملا ك ّ ىل صفحتها عىل فيس‬ ‫ية روزا ياسني حسن ع‬ ‫وائ‬ ‫ذكرت الر ذه الرواية‪ ،‬ملا احتوته‪.‬‬ ‫رفضت نرش ه‬

‫ثقافة‬

‫حصل الفنان السوري رمزي شقري عىل جائزة أفضل ممثل مرسحي‬ ‫يف مهرجان هيلني هايس يف العاصمة األمريكية واشنطن‪ ،‬عن دوره‬ ‫يف مرسحية سالومي‪ ،‬كام حصلت مغنية األوبرا السورية الفنانة لبانة‬ ‫القنطار عىل جائزة العمل الجامعي يف املرسحية ذاتها‪.‬‬ ‫وقد ذكر موقع السوري الجديد أن العرض قد احتوى عىل عدة لغات‬ ‫منها اإلنكليزية والعربية والعربية واآلرامية‪ ،‬إذ أن النص مستوحى من‬ ‫العهد القديم وزمن االحتالل الروماين لبالد الشام‪ ،‬يف مقاربة مرسحية‬ ‫ملا يجري اليوم‪.‬‬ ‫يذكر أن رمزي شقري قام بتمثيل دور يوحنا املعمدان يف هذه املرسحية‪.‬‬

‫الجنسية السويدية‪ ،‬وقام بجولة يف‬ ‫وطنه األم وشارك يف عدة أمسيات يف‬ ‫فلسطني التاريخية ورام الله ومتحف‬ ‫محمود درويش‪.‬‬

‫العدد ‪2016 / 6 / 11 - 71 -‬‬

‫أقام الشاعر السوري‬ ‫فادي جومر مع املوسيقي السوري محمد‬ ‫عيىس أمسية شعرية م‬ ‫وسيقية يف العاصمة الفرنسية باريس بعنوان‬ ‫“الحدود” يف جامعة‬ ‫باريس‪ ،‬قرأت ترجمتها إىل الفرنسية مي‬ ‫مصطفى‪ ،‬قام خاللها‬ ‫الشاعر السوري فادي جومر بقراءة مجموعة‬ ‫من قصائده باللغة املح‬ ‫كية مبرافقة آلة العود‪ ،‬أمام جمهور فرنيس‬ ‫بطريقة ح ّية غري تق‬ ‫ليديّة كانت أشبه بعرض مرسحي شعري‪،‬‬ ‫تن ّقل فيه جومر بني ال‬ ‫جمهور‪ ،‬وتعامل مع الديكور والشموع كجزء‬ ‫أسايس من العرض‪.‬‬ ‫يذكر أن الشاعر الس‬ ‫وري فادي جومر مقيم يف أملانيا‪ ،‬وسيشارك‬ ‫قري ًبا يف أهم مهرجان‬ ‫يف أوروبا “إيكس” يف مرسحية غنائية من‬ ‫تأليفه‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫ثالثة نصوص‬ ‫‪4‬‬ ‫‪14‬‬

‫ياسر خنجر‬

‫ُوجهة‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2015 // 68 // 11‬‬ ‫‪2 - 71‬‬

‫والذي ِمن رما ٍد قل ُبهُ‪،‬‬ ‫يوم‪ ،‬أيّ يوم‪.‬‬ ‫لن يص َري إىل ال َو ِ‬ ‫هج ذات ٍ‬ ‫التفح ِم‪،‬‬ ‫بسلطانِ‬ ‫ّ‬ ‫َمن َت َع ّمدَت عينا ُه ُ‬ ‫بص الضو َء بوصلة‪ً،‬‬ ‫لن ُي ِ َ‬ ‫لن يس َري ّإل إىل العتم‪.‬‬ ‫صوم‬ ‫يبارك الله صو ًما مل تكرسه شهوة الحرية‪ ،‬أما أنا فال‪.‬‬ ‫يبارك الله سكاكني مشحوذة‬ ‫تفطر عىل عنق الحرية‪ ،‬أما أنا فال‪.‬‬ ‫يواصل الله لعن سوريا يف شهره الفضيل‪،‬‬ ‫أما أنا فألعن ما ّ‬ ‫رشع الله يف سوريا‬ ‫وأكتفي بالصوم مكرهً ا عن وصلها‪،‬‬ ‫أبارك ملن أفطر طيلة الشهر‪ ،‬طيلة العمر‬ ‫عىل رغبة الحرية‪.‬‬ ‫جوع‬ ‫يا ُأ َّمنا الله‪،‬‬ ‫أنجبيني اليو َم كام أنجبتني من ُ‬ ‫قبل‪.‬‬ ‫أنجبيني اآلن ال َ‬ ‫دليل وال نب ّيا‪،‬‬ ‫ال كاهنًا‪ ،‬ال رسوالً أو غفور‪.‬‬ ‫أنجبيني وليكن يف مضايا صليبي‪ ،‬قرب هذا الحصار‪،‬‬ ‫واضحا مثل فج ٍر ال يخيب‪،‬‬ ‫شاه ًقا قدر جوعي‪ً ،‬‬ ‫وقري ًبا مثل قلبي من ضلوعي‪.‬‬ ‫أنجبيني‪،‬‬ ‫وليكن خبزًا يف مضايا جسمي املغدور‪.‬‬

‫ُ‬ ‫الحي‬ ‫قوط‬ ‫الس‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬

‫حيدر هوري‬

‫ُخ ِذي ما َتسا َق َط‬ ‫لكنْ دَعي ما َتب ّقى‬ ‫البيوت‪ُّ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وكل َّ‬ ‫ْ‬ ‫صارت وحيد ْة‬ ‫وارع‬ ‫فكل‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ُخ ِذي ما َت َسا َق َط‬ ‫لكنْ د ِعي ما ت َب ّقى‬ ‫بيع ابتكا َر الزّهو ِر‬ ‫ليك‬ ‫يستطيع ال َّر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عل ا ّل َ‬ ‫ليك أ ْج َ‬ ‫ليل با ًبا ُّ‬ ‫يطل عىل ُحل ِمنَا‬ ‫الشهيدةْ‬ ‫يف ُقرانا َّ‬ ‫ُخ ِذي ما َت َسا َق َط‬ ‫لكنْ َد ِعي ما ت َب ّقى‬ ‫َ‬ ‫عروض الخليلِ ‪،‬‬ ‫خذي من حرويف‬ ‫رح الشهي ِد‪،‬‬ ‫بالغ َة ُج ِ‬ ‫ولكن دعي للعيونِ الحننيَ‪ ،‬ووزن البكا ِء‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ألن ال ِبال َد تريدُ‬ ‫اكتامل ال َق ِصيد ْة‬ ‫ُخ ِذي ما تسا َقطَ‬ ‫لكنْ َد ِعي ما َتب ّقى‬ ‫َد ِعي يل‪..‬‬ ‫ني إىل ّ‬ ‫ظل زيتُون ٍة‬ ‫َش َمل َ‬ ‫الحن ِ‬ ‫السهولِ البعيدة‪ْ..‬‬ ‫يف ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫لعل الحام َم يحط عَليهَا‬ ‫هم طوفاننا بال َّرحيلِ‬ ‫إذا ّ‬ ‫َ‬ ‫عذوق الفؤا ِد‬ ‫وهزّت‬ ‫الحيا ُة العنيدة‪ْ.‬‬ ‫َ‬ ‫تساقط‬ ‫خذي ما‬ ‫لكنْ َد ِعي ما ت َب ّقى‬ ‫دعي غدنا يهتدي لأل َغاين‪..‬‬ ‫َّحيب‬ ‫كر ٍاع يجيدُ الن َ‬ ‫إذا َ‬ ‫القطيع‪..‬‬ ‫كلب‬ ‫مات ُ‬ ‫ِ‬ ‫كطفلٍ بسيطٍ‬ ‫الشيدة‪ْ.‬‬ ‫ُ‬ ‫روب خطا ُه ّ‬ ‫تخون الدُّ ُ‬

‫ثقافة‬ ‫لقاءات‬

‫ُخ ِذي ما َت َ‬ ‫ساقط‬ ‫لكن دعي ما تب ّقى‬ ‫ئب منِّي‬ ‫خذي‬ ‫َ‬ ‫هاجس ال ّذ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ـــــ فإن سئمت الدِّما َء‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الم‪ .‬ـــــــ‬ ‫الس‬ ‫ني‬ ‫يق‬ ‫الحروب‪/‬‬ ‫ظنون‬ ‫سئمت‬ ‫ِ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ني الطريد ْة‬ ‫لعل أجيدُ الحيا َة بع ِ‬ ‫ُخ ِذي ما تب ّقى‬ ‫ﻷن ا ّلذي قد َت َ‬ ‫ّ‬ ‫ساقط حت ًْم سيحيا‬ ‫لريسم خطو البال ِد الجديد ْة‬ ‫َ‬


‫يوميات ياسمين (‪)9‬‬

‫تكس أرسار‬ ‫ما قبل املوت كانت “ألبومحيي” هي ّ‬ ‫الوجود وانكشاف الحقيقة‪ ،‬كانت لحظة صفاء عرف‬ ‫فيها امتزاج الخالق باملخلوق‪ ،‬عرف فيها الخط‬ ‫الفاصل بني الوجود و العدم‪ ،‬ليولد ّ‬ ‫الشعر عىل‬ ‫لسانه‪ ،‬يف الظالم وعىل حافة فقدان الوعي‪ ،‬كان كالماً‬ ‫عذباَ غامضاَ‪ ،‬لكنه كاملوسيقا‪ ،‬كاملاء املنساب من بني‬ ‫ٌ‬ ‫لهامات تع ُرب‬ ‫هم‬ ‫وحزن قد ارتدّا‪ .‬صدىً‬ ‫ٍ‬ ‫األنامل‪ٌّ ،‬‬ ‫يفضح كل هذا‬ ‫ودم‬ ‫اآلفاق هو امتز ُاج الله‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بدموع ٍ‬ ‫النفاق‪“ .‬أبو محيي” الذي ينوس بني لحظات صح ٍو‬ ‫تتضاءل يغني فيها بحنجر ٍة مبحوحة “للقاشوش”‬

‫العدد ‪- 71 -‬‬

‫لوحة للفنان ديالور عمر بعنوان “قصة الجئة”‬

‫وبني لحظات انفصال عن الواقع كانت بتزايد ال‬ ‫ّ‬ ‫يكف فيها عن موسيقا الكالم الغامض‪ ،‬مل يقدروا‬ ‫عىل كرسه‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫تحجر‪ ،‬وعيناه‬ ‫ما حصل أن صحوه انتهى‪ ،‬وجهه ّ‬ ‫تحدقتا‪ ،‬وعضالته فقدت القدرة عىل االستجابة‪،‬‬ ‫ولسانه ما توقف عن ّ‬ ‫الشعر‪...‬‬ ‫مل يعد يعرف “أبو محيي” أين هو‪ ،‬صار الواقع غري‬ ‫موجود‪ ،‬كان يقول‪“ :‬هي الحرية تحت السالسل”‪.‬‬ ‫كان يرصخ كثرياً‪“ :‬الس ّيد هو من ال يهاب املوت”‪.‬‬ ‫مل يقتلوه‪ ،‬أوقفوا حفالت التعذيب‪ ،‬صار بنظرهم‬ ‫موضوعاً للضحك والجنون‪...‬‬ ‫َ‬ ‫قيل عنه أ ّنه كان سي ًال من الحنان املتدفق‬ ‫للمعذبني املرميني مبهجعه‪ُ ،‬ي ِّ‬ ‫نظف جروحهم‪،‬‬ ‫ويغسل أجسادهم من الدماء والرباز‪ُ ،‬يطعمهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وقيل أيضاً أنه يحتضنهم يك يناموا‪.‬‬ ‫يسقيهم‪،‬‬ ‫ال أحد يعرف ما كان يهمسه يف آذانهم‪ ،‬لكنها‬ ‫روح تعانق السامء لتنقل‬ ‫بالتأكيد هي جرعات من ٍ‬ ‫الرسائل‪...‬‬ ‫َ‬ ‫قيل أيضاً أن موته كان بعد نوبة هيجانٍ حاد ٍة‪،‬‬ ‫أصابته بعد ادخال قادمني جدد للمهجع‪ ،‬أحد‬ ‫القادمني الجدد ٌ‬ ‫طفل بعمر “ماجد”‪ ،‬عندما رآه‬ ‫“أبو محيي”‪ ،‬عاش صحواً صاحبه رصاخاً‪“ :‬الاااا‬ ‫معش فيي أتحمل ماجد ثاين”! هي صحوته‬ ‫األخرية التي أودت بحياته‪...‬‬ ‫‪ ...................................‬يتبع يف العدد القادم‬

‫‪2016 / 6 / 11‬‬

‫بعد استشهاد “ماجد”‪ ،‬كثري ٌة هي الروايات عىل‬ ‫لسان ا ُملفرج عنهم تحدثت عن تغريات طالت‬ ‫“أبو محيي”؛ تح ّوالت هي من الندرة‪ ،‬أشبه‬ ‫يوم واحد من موت الطفل‪،‬‬ ‫باألساطري‪ ،‬بدأت بعد ٍ‬ ‫ً‬ ‫حيث ُنودي عىل من بقي ح ّيا ل “يبصموا “عىل‬ ‫“اعرتافاتهم” التي غالباَ ما تكون ملفقة‪ ،‬والبصمة‬ ‫هي سعادة بانتهاء التحقيق‪ ،‬وبالنتيجة جحيم‬ ‫التعذيب‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫العائدون اىل املهاجع ما كفت عيونهم النظر للحرب‬ ‫األزرق عىل اإلبهام‪ ،‬اللون الذي يحمل عالمات‬ ‫ٌ‬ ‫صوت كالرع ِد‬ ‫النجاة‪ ،‬و الوالدة الثانية‪ ...‬دوى‬ ‫ُ‬ ‫ارتجاجه يف جنبات السجن‪ ،‬كأمنا نه ٌر أري َد له‬ ‫مسا ٌر محدّد‪ ،‬لكن فاجأهم الفيضان! نعم هو‬ ‫فيضان “أبو محيي” عندما رصخ بهم “بدكن‬ ‫بصمتي يا أنذال‪ ،‬ما عندكن غري طريقة وحيدة‪،‬‬ ‫تقطعويل أصبعي‪ .”...‬وكأنهم كانوا ينتظرون أي‬ ‫فيضان بفارغ الصرب‪ ،‬مل يخفوا فرحتهم بلعبة‬ ‫تستهويهم “كرس االرادات “ و”الرصاع من أجل‬ ‫السيطرة “‪“ ،‬أبو محيي” الذي تح ّول لكتل ٍة صلب ٍة‬ ‫ال تلني‪ ،‬يسبهم ليل نهار‪ ،‬يواظب عىل شتمهم عند‬ ‫كل لقاء‪ ،‬حرصوا عىل تعذيبه حتى يصل للحظة‬ ‫السابقة للموت‪ ،‬هم ال يريدون موته‪ ،‬يدركون‬ ‫جيداً أن موته انتصاره‪ ،‬لكنهم ال يعرفون أن لحظة‬ ‫ما قبل املوت هي إدراك ال ّروح لعبثية الحياة‬ ‫واالنتصار األكيد لغايتها‪ ،‬وأن اليشء يخيف‪.‬‬

‫سالم الغوطاني‬

‫‪15‬‬

‫شهادات‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.