طلعنا عالحرية / العدد 70

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪70‬‬ ‫‪2016 / 5 / 22‬‬

‫المعتقلون‬

‫الغوطة الشرقية‬ ‫بين سندان النظام‬ ‫ومطرقة المعارضة‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع‬ ‫داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعات السورية يف الخارج‬

‫في انتظار حياة‬


‫‪2‬‬

‫كي ال تســقطوا لحظة سقوطه!‬ ‫افتتاحية بقلم ياسر العيتي‬

‫العدد ‪2016 / 5 / 22 - 70 -‬‬

‫ليس الهدف من هذا املقال إلقاء اللوم عىل هذا‬ ‫الطرف أو ذاك يف القتال الحاصل يف الغوطة‪ .‬ال‬ ‫أقول ذلك تهرباً من مواجهة الحقائق وإمنا ألنني‬ ‫لست يف موقع يخولني لعب دور القايض وأعتقد‬ ‫أن من لعبوا هذا الدور ساهموا يف تأجيج القتال‬ ‫وإعطاء املربرات ألطرافه ليستمروا‪ .‬األولوية يف‬ ‫رصاع من هذا النوع هي الدعوة إىل وقف القتال‬ ‫فوراً وتحميل جميع األطراف مسؤولية متساوية‬ ‫يف وقفه بغض النظر عام ميكن أن يصدر عن‬ ‫قضاء مستقل ويف وقت الحق من أحكام‪.‬‬ ‫إن هديف من هذا املقال لفت نظر األطراف‬ ‫املتصارعة إىل مآالته الخطرية عىل املدى البعيد‪،‬‬ ‫املتجلية يف خسارة تلك األطراف لحاضنتها‬ ‫الشعبية ولثقة الناس بها وللدور الذي ميكن أن‬ ‫تلعبه يف بناء سورية القادمة‪.‬‬ ‫ظلت الغوطة إىل ما قبل القتال األخري ‪-‬وعىل‬ ‫الرغم مام يكتنف تجربتها من سلبيات‪ -‬معقد‬ ‫آمال الكثري من السوريني‪ .‬وعىل الرغم من سخط‬ ‫الناس عىل الكيانات العسكرية بسبب استعارتها‬ ‫ألساليب النظام األمنية يف فرض نفوذها ومواجهة‬ ‫خصومها‪ ،‬إال أن نجاح هذه الكيانات يف تجنب‬ ‫االقتتال الداخيل عىل الرغم من تناقضاتها حفظ‬ ‫لها بعض املكانة يف قلوب الناس‪.‬‬ ‫اهتزت تلك املكانة إن مل نقل سقطت كلياً مع‬ ‫سقوط عرشات الضحايا من الطرفني يف هذا‬ ‫القتال املشؤوم‪ .‬وأقول لكل فصيل مقاتل ال‬

‫تستهينوا بإرادة حاضنة شعبية تتجرع غصص‬ ‫العذاب منذ خمس سنوات لتسرتد ما سلبه‬ ‫النظام من كرامة عرب عرشات السنني‪ .‬كانت‬ ‫مشكلة هذه الحاضنة مع النظام وما زالت‬ ‫استهانته بحياة أبنائها وهي تسجل اليوم أسامء‬ ‫من يفعلون ذلك من قادة ويجازفون مبستقبل‬ ‫الغوطة ومستقبل الثورة كلها‪ ،‬ولن يكون يوم‬ ‫الحساب بعيداً فالحرب لن تكون بال نهاية‪ ،‬وال‬ ‫أحد سيمنع الناس من النزول إىل الشارع لتقول‬ ‫كلمتها عندما تسمح الظروف بذلك‪.‬‬ ‫من أراد أن يكون فصي ًال لرشيحة معينة من أهل‬ ‫الغوطة ويترصف عىل هذا األساس سيكون له ما‬ ‫أراد وسيجد خلفه اآلالف‪ ،‬ومن أراد أن يكون‬

‫كلمة‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬ ‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫رئيس التحرير معاون رئيس التحرير املحرر الثقايف املحرر االقتصادي‬ ‫الغالف‬ ‫ليىل الصفدي‬ ‫وائل موىس‬ ‫سمري خلييل‬ ‫رامي العاشق‬ ‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫فصي ًال لكل السوريني ويترصف عىل هذا األساس‬ ‫سيكون له ما أراد وسيجد خلفه املاليني‪.‬‬ ‫هذه الحرب لن تكون بال نهاية والذين يقاتلون‬ ‫يف الغوطة وغريها ليسوا (عسكراً) بل مدنيون‬ ‫من أهل األرض اضطرهم ظلم النظام إىل حمل‬ ‫السالح للدفاع عن أرضهم وعرضهم وبالتايل لهم‬ ‫الحق بل من واجبهم أن يشاركوا يف أي عملية‬ ‫سياسية قادمة‪ .‬عندما يهدأ صوت السالح سيبدأ‬ ‫الحساب ولن يعطي الناس أصواتهم ملن ساهم‬ ‫يف سفك دمائهم وتضييع غوطتهم‪ .‬ما زالت‬ ‫الفرصة قامئة لرتميم ما تهدم من مكانة يف‬ ‫النفوس وإعادة بناء الثقة من جديد‪ .‬الرابح يف‬ ‫هذا الرصاع من يبادر إىل إيقافه‪.‬‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬ ‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل ‪ -‬هاين عباس‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫حكايات وغسيل وبلد‬

‫‪3‬‬

‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫العدد ‪- 70 -‬‬ ‫‪2016 / 5 / 22‬‬

‫مقاالت‬

‫يف قصص األطفال‪ ،‬تبطل اللعنة عندما متوت‬ ‫الساحرة الرشيرة التي عقدت تعويذتها‪ ،‬وتتوقف‬ ‫أيضاً كل مفاعيلها؛ فيعود الضفدع أمرياً وسي ًام‪،‬‬ ‫وتعود املدينة املتحجرة وسكانها للحياة‪ ،‬وتزهق‬ ‫كل األفاعي والوحوش والخفافيش وتختفي‪،‬‬ ‫وتزهر األرض من فورها‪..‬‬ ‫أتذكر هذه الحكايات عندما أسمع معارضني‬ ‫وث ّواراً يربطون خالصنا من كل آفاتنا وبالوينا‬ ‫بإسقاط نظام األسد‪.‬‬ ‫“االستبداد أصل لكل فساد” كام قال الكواكبي‬ ‫رحمه الله‪ ،‬صحيح‪ .‬ورغم تعقيدات كثرية يف‬ ‫الوضع السوري ال زال التخ ّلص من األسد ونظامه‬ ‫أفضل بداية لتفكيك العقد‪ ،‬والنفاثات فيها‪ .‬غري‬ ‫إن الثورة فعل لنقد الذات وتغيريها قبل تغيري‬ ‫اآلخر‪ ،‬بل إن الواقع ال يتغري إال بتغيري الذات‪،‬‬ ‫وعندها أيضاً يتغري اآلخر! والثورة هي مفتاح‬ ‫لباب التغيري وليست هي التغيري‪ ،‬هي فرصة‬ ‫ليتخلص مركب البلد من الصخرة عىل طريقه‪،‬‬ ‫ولتبدأ عجلة التغيري بالدوران‪ .‬وعىل الناس ‪-‬قبلها‬ ‫وأثناءها وبعدها‪ -‬أن يستمروا بالدفع وبذل‬ ‫الجهد ليميش املركب ويتقدّم رغم عواصف تأتيه‬ ‫وستأتيه ال محالة‪.‬‬ ‫أحفظ أيضاً حكاية الطريق والهدف‪ ،‬والطريق‬ ‫هو الهدف‪ .‬صحيح أيضاً‪ .‬لكننا هنا نتكلم عن‬ ‫يتم بكبسة زر؛‬ ‫موضوع آخر‪ ،‬مفاده أن التغيري ال ّ‬ ‫فلن تتحول بالدنا ‪-‬ونعرف كيف كانت‪ -‬إىل جنات‬ ‫عدن بني يوم وليلة‪.‬‬ ‫نتكلم اليوم باالتجاه اآلخر‪ ،‬رغم أمثلة كثرية‬ ‫طيبة عن البلد وأهلها وعن الثورة ومكتسباتها‪،‬‬ ‫مسجلة باسم‬ ‫وعن قيم نبيلة أصبحت عالمات ّ‬ ‫السوريني‪.‬‬ ‫يف هذا البلد‪ ،‬وليس يف غريه‪ ،‬كنا‪ ،‬ورمبا ال زلنا‪،‬‬ ‫نسمي النفاق واملداهنة حكمة‪ ،‬والرشوة ورسقة‬ ‫الكهرباء شطارة‪ ،‬وصاحب العالقات املشبوهة مع‬ ‫ضباط الجيش واملخابرات وجيهاً وواسطة خري‪ .‬يف‬ ‫هذا البلد كان تعليق صورة حافظ أسد وابنيه‬ ‫باسل وبشار عىل صدور العسكريني املتطوعني‬ ‫واملجندين ‪-‬مبن فيهم طالب التدريب الجامعي‪-‬‬

‫أمراً عادياً‪ ،‬كام كان ترديد شعارات البعث كل‬ ‫صباح لزاماً يف كل املدارس الحكومية والخاصة‪،‬‬ ‫ومن يُشاهَ د بأنه ال يحرك شفاهه بالهتاف‪ ،‬أو‬ ‫ال يشارك بحلقات الدبكة احتفاالً بتمديد حكم‬ ‫األب أو وريثه أو غبط ًة بإنجاز ادعاه أحدهام أو‬ ‫كالهام‪ ..‬من يرفض هذا وما شابهه‪ ،‬أو حتى مجرد‬ ‫أن يل ّمح بشكوكه‪ُ ،‬يتّهم بالتهور والجنون من قبل‬ ‫زمالئه وأصدقائه وأغلبية املجتمع‪ ،‬فض ًال عن سدنة‬ ‫الصنم‪ .‬سأتذكر هنا ته ًام إضافية مثل التطرف أو‬ ‫(إخونجي) أو (وهّ ايب) للمسلم الذي ّ‬ ‫يصل يف‬ ‫الجيش أو أثناء دوامه الحكومي‪.‬‬ ‫وبالنسبة لنا فكثري من مآيس الشعوب والبلدان‬ ‫األخرى ‪-‬وضمنها حروب ومجازر ونازحون والجؤون‬ ‫وجياع وباقي ما يصيبنا اليوم‪ ..-‬كانت بالوي غرينا‬ ‫مواد لحشو نرشة األخبار‪ ،‬وإن ذكرناها فللشجب‬ ‫والندب‪ ..‬وال يشء أكرث‪.‬‬ ‫كيف توقف تدفق ذاكرة سلبية عن الخراب الذي‬ ‫كنا نعيشه؟!‬ ‫لكن‪ ..‬وعىل هيئة نفحة من نفحات الله‪ ،‬قامت‬ ‫الثورة‪ ،‬وقام السوريون ح ّقاً‪ .‬والله يحيي األرض بعد‬ ‫موتها‪.‬‬ ‫يف الكالم عن الثورة ومنجزاتها‪ ،‬نسعى جاهدين‬ ‫لرتسيخ فكرة أن السوريني قادرون عىل إدارة‬

‫شؤونهم‪ .‬نحاول الرتكيز عىل اإليجابيات و قصص‬ ‫النجاح‪ .‬وكثرياً ما نتحاىش نرش الغسيل الوسخ‬ ‫لنبتعد عن السلبية و”من قال هلكت األمة فهو‬ ‫أهلكها”‪..‬‬ ‫والعجيب أن البعض يركز عىل اإليجابيات لدرجة‬ ‫ال ميكن أن توصف باإليجابية‪.‬‬ ‫يعترب ذكر بعض الحقائق عن مخرجات ُتحسب‬ ‫عىل الثورة‪ ،‬أو أنها بسببها‪ ،‬غريباً كأنه نكتة‬ ‫سخيفة‪.‬‬ ‫من أسمج هذه املفارقات أن املناطق املحررة‬ ‫امتألت مبكاتب (أمنية)‪ُ ،‬ت َّيز عن بعضها باألرقام‪،‬‬ ‫يراجعها املواطن متّه ًام‪ ،‬ويحصل فيها عىل‬ ‫(إضبارة) من جملة ما تتضمن‪ :‬استامرة (أمنية‬ ‫أيضاً)‪ ،‬تستجوبه عن كل أقاربه وأصدقائه وجريانه‬ ‫وأعاملهم وتوجهاتهم‪..‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومن نكد الدنيا أن تشاهد فيلام رديئا مرة أخرى‪..‬‬ ‫‪..‬يتم االطالع عىل موبايله الشخيص ويطلب منه‬ ‫إعطاء بريده وحساباته عىل مواقع التواصل مع‬ ‫كلامت املرور‪.‬‬ ‫هل فاتك فلم الرقابة عىل املطبوعات واالنرتنت؟‬ ‫ال بأس‪ ..‬هناك عروض أخرى أكرث حامساً‪..‬‬ ‫مخربون‪ ،‬مقنّعون‪ ،‬حواجز تفتيش‪ ،‬مداهامت‪،‬‬ ‫مطلوبون‪ ،‬سجون‪ ،‬تعذيب‪..‬‬ ‫ال يكفي الحبل لنرش غسيلنا!‬ ‫وباإلضافة إىل مسلسل غري نظيف أيضاً لتتبع حياة‬ ‫الناس والتدخل يف تفاصيلها‪ ،‬ال غسيل أوسخ من‬ ‫أن السوريني‪ ،‬أبناء الثورة الواحدة‪ ،‬عادوا (كفاراً)‬ ‫يرضب بعضهم رقاب بعض‪ .‬والفضيحة ال يتسرت‬ ‫عليها أصحابها بل يفتخرون بها!‬ ‫ما أسهل إنعاش الذاكرة املثقلة بأفالم الرعب‬ ‫والغسيل الوسخ‪ ..‬وهل صعب أن يقلب الناس‬ ‫الرشيط ويعودون أبطاالً لفلمهم وينرشون‬ ‫غسي ًال نظيفاً وبألوانهم؟‪ ..‬سبق وفعلوا‪..‬‬ ‫أحاول أن أعدّل نهايات القصص عندما أحكيها‬ ‫البنتي‪ ،‬لكني ال أخربها أننا بعد رحيل الطاغية‬ ‫الرشير سيبقى علينا التعامل مع الخفافيش‬ ‫والضفادع والحرباوات والسحايل‪ ..‬وديدان‬ ‫تنخرنا‪ ..‬منّا وفينا‪.‬‬


‫‪44‬‬

‫الغوطة الشرقية بين سندان النظام‬ ‫ومطرقة المعارضة‬ ‫قصي األحمد‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2015 // 58 // 22‬‬ ‫‪2 - 70‬‬

‫مقاالت‬ ‫لقاءات‬

‫ال يخفى عىل أحد ما للغوطة الرشقية من أهمية‬ ‫كبرية؛ حيث تعترب رأس حربة الثورة السورية‪،‬‬ ‫لعدة أسباب‪ ،‬أهمها جوارها للعاصمة دمشق‪.‬‬ ‫استغرب الكثريون عندما حمل أهلها السالح‪،‬‬ ‫وبدؤوا بقتال النظام‪ ،‬وذلك بسبب شدة القبضة‬ ‫األمنية التي كانت مفروضة من النظام عليها‪،‬‬ ‫والذي يسري يف شوارعها وطرقاتها‪ ،‬يعرف ذلك‬ ‫من كرثة املنشآت والثكنات العسكرية بداخلها‪،‬‬ ‫حيث عمل النظام عىل تحويلها إىل مربع أمني‬ ‫له بامتياز‪.‬‬ ‫وقد ضمت الغوطة بداخلها العديد من األلوية‬ ‫والكتائب‪ ،‬ذات التوجهات واأليديولوجيات‬ ‫املختلفة ‪-‬النابعة من اختالف موجود مسبقاً‪،‬‬ ‫مل يعلم األهايل أنه سيتحول يوماً ما إىل خالف‬ ‫مس ّلح‪ .-‬ذابت التشكيالت العسكرية كلها مع‬ ‫الزمن لتصبح خمسة فصائل‪ ،‬قبل أن يقوم ثالثة‬ ‫بالتوحد‪ ،‬تحت مسمى جيش الفسطاط‪،‬‬ ‫منها‬ ‫ّ‬ ‫لتصبح الغوطة أمام ثالثة فصائل‪ ،‬تجمعها‬ ‫رابطة الدم والجنسية وقتال النظام‪ ،‬وتختصم يف‬ ‫األيدولوجيات والتوجهات واألفكار‪.‬‬ ‫ جيش اإلسالم‪ :‬ويعترب من أكرب الفصائل يف‬‫الغوطة الرشقية‪ ،‬وله حضور سيايس بارز‪ ،‬خصوصاً‬ ‫وأن كبري مفاويض الهيئة العليا للمفاوضات‬ ‫محمد علوش‪ -‬هو عضو املكتب السيايس‬‫للجيش‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ فيلق الرحمن‪ :‬أيضا فصيل كبري يضم عددا من‬‫التشكيالت الكربى يف الغوطة كجند العاصمة‪،‬‬ ‫وكتائب واعتصموا واالتحاد اإلسالمي ألجناد‬ ‫الشام‪ ،‬وميتاز برتتيبه وتنظيمه العسكري‪.‬‬ ‫ويضم ك ًال من كتائب فجر‬ ‫ جيش الفسطاط‪:‬‬‫ّ‬ ‫األمة وجبهة النرصة وكتيبة أحرار الشام‪.‬‬ ‫شهدت الغوطة اختالفات ومناوشات بني الحني‬ ‫واآلخر بني هذه الفصائل‪ ،‬اقترص أغلبها عىل‬ ‫خالف امتد ليوم أو يومني‪ ،‬ورمبا مل يتع ّد نطاق‬ ‫بلدة واحدة‪.‬‬ ‫غري أن األمر مل يستمر كذلك‪ ،‬فقد امت ّد الخالف‬ ‫هذه املرة ليشمل كل بلدات الغوطة الرشقية‬ ‫ويوقع مئات من القتىل والجرحى من كل‬ ‫األطراف ومن املدنيني‪.‬‬ ‫بداية القصة كانت يف صباح يوم الخميس ‪28-‬‬ ‫‪ ،4-2016‬عندما استفاق أهايل الغوطة عىل‬ ‫أصوات إطالق النار‪ ،‬وانتشار كثيف للحواجز‬ ‫األمنية يف الطرقات‪ ،‬حيث قام كل من فيلق‬

‫الرحمن وجيش الفسطاط‪ ،‬مبهاجمة مقرات لجيش‬ ‫االسالم‪ ،‬بدعوى عدم تسليم جيش اإلسالم للقامئة‬ ‫من املتهمني بعمليات خطف واغتيال حدثت يف‬ ‫الغوطة الرشقية‪ ،‬وكذلك ر ّداً منه عىل مصادرة جيش‬ ‫اإلسالم عدة مقرات تعود لالتحاد اإلسالمي املنضم‬ ‫مؤخراً لفيلق الرحمن‪ ،‬بحسب ما ذكرت بيانات‬ ‫صادرة عن الفيلق‪ .‬لتندلع بعدها االشتباكات بني‬ ‫الطرفني‪ ،‬ويسقط عرشات القتىل‪ ،‬بينهم أكرث من‬ ‫عرشة مدنيني‪ ،‬متزامنة مع حملة اعتقاالت واسعة‪،‬‬ ‫ملنتسبي كال الفصيلني‪.‬‬ ‫وبدأ بعدها الرتاشق اإلعالمي‪ ،‬ليلقي كل طرف‬ ‫باللوم عىل اآلخر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫استمر القتال يوما كامال‪ ،‬وعلت فيه أصوات العقالء‬ ‫ووجهاء الغوطة للتهدئة‪ ،‬ولكن دون جدوى‪.‬‬ ‫ومع طول فرتة االقتتال غري املعتادة‪ ،‬شهدت الغوطة‬ ‫تحركاً ملحوظاً من قبل بعض املؤسسات والفعاليات‬ ‫املدنية؛ مثل مجلس املحافظة والهيئة العامة‬ ‫للغوطة الرشقية باإلضافة لوجوه وشخصيات سورية‬ ‫يف املهجر؛ حيث ُقدّمت العديد من املبادرات لوقف‬ ‫إطالق النار ولكن دون جدوى أيضاً‪.‬‬ ‫ومع وصول الجميع إىل طريق مسدود‪ ،‬خرج‬ ‫آالف من املدنيني‪ ،‬يف مظاهرات تخطت خط النار‪،‬‬ ‫وتوجهت إىل دوما مطالبة الجميع بالتهدئة‪ ،‬ونصبوا‬ ‫خيامهم يف خطوط التامس‪ ،‬واعتصموا فيها‪ ،‬جاعلني‬ ‫من أنفسهم دروعاً برشية ملنع االقتتال‪.‬‬ ‫تحت هذا الضغط الشعبي‪ ،‬التزم ‪-‬عىل مضض‬ ‫وتخوف‪ -‬كل من جيش اإلسالم وفيلق الرحمن‬ ‫بوقف إطالق النار والخروج من بلدة مرسابا أهم‬ ‫نقطة اشتباك‪.‬‬ ‫ولكن األمر ازداد سوءاً‪ ،‬بعد اقتحام جيش اإلسالم‬ ‫لبلدة مرسابا عىل حني غرة‪ ،‬لتعود األمور للتصعيد‬ ‫من جديد‪ ،‬ولتنطلق مبادرات جديدة‪ ،‬لرأب الصدع‬ ‫الذي حصل‪.‬‬ ‫املتتبع لهذه املبادرات‪ ،‬التي أطلقتها الفعاليات‬

‫املدنية‪ ،‬يالحظ ترشذماً وعدم وضوح يف الرؤية‬ ‫يف معظمها‪ ،‬كام يالحظ توجساً من قبل الفصائل‪،‬‬ ‫يف االستجابة لها‪.‬‬ ‫وعىل أي حال‪ ،‬مل تحقق أي مبادرة حتى اآلن‪،‬‬ ‫مطالب الحاضنة الشعبية باملجمل‪.‬‬ ‫آخر هذه املبادرات‪ ،‬كانت تنص عىل خروج لكل‬ ‫من جيش اإلسالم‪ ،‬وفيلق الرحمن‪ ،‬من بلدة‬ ‫مرسابا‪ ،‬وتسليمها لقيادة الرشطة والفعاليات‬ ‫املدنية يف البلدة‪ ،‬ثم الجلوس عىل طاولة الحوار‬ ‫بني طريف النزاع‪ ،‬لحل القضايا العالقة بينهام‪ ،‬وقد‬ ‫لقيت هذه املبادرة استجابة من قبل الفصائل‪،‬‬ ‫ولكن عىل الورق فقط‪.‬‬ ‫الالفت للنظر هو تأثر بعض جبهات الغوطة‬ ‫باالقتتال الحاصل بقلبها‪ ،‬خصوصاً يف جبهتها‬ ‫الجنوبية‪ ،‬حيث أن املتابع ملا يحصل عىل‬ ‫الجبهات‪ ،‬يالحظ منو القبضة األمنية للفصائل‬ ‫العسكرية‪ ،‬عىل حساب جبهاتها‪ ،‬التي يفرتض أن‬ ‫تكون هي األصل‪.‬‬ ‫والجدير بالذكر‪ ،‬أن النظام طيلة هذه الفرتة‪ ،‬مل‬ ‫يقم بأي عمل عسكري كبري‪ ،‬كام كان يفعل قبل‬ ‫ساعات فقط من بدء االقتتال‪ ،‬خصوصاً يف جبهة‬ ‫باال‪ ،‬وبقي ينتظر اىل أن انتهز الفرصة املناسبة‪،‬‬ ‫وانقض عىل بلدة الركابية‪ ،‬املحاذية لبلدة دير‬ ‫العصافري‪ .‬كام وافق النظام عىل وقف إلطالق‬ ‫النار يف عدة مدن‪ ،‬كان منها الغوطة الرشقية‪.‬‬ ‫ولعله بذلك يحرض لعمل عسكري كبري‪ ،‬دون‬ ‫مضايقة من أحد‪ ،‬فاملعركة اآلن أصبحت داخلية‪،‬‬ ‫أو يراقب من بعيد عن كثب ما يحصل يف الداخل‪،‬‬ ‫محاوالً استغالل أي فرصة لالنقضاض‪ ،‬رمبا تأتيه‬ ‫عىل طبق من ذهب‪ ،‬ويف الحالتني النظام هو‬ ‫الرابح األكرب‪.‬‬ ‫وكانت أوىل مثرات االقتتال‪ ،‬تهجري أكرث من ‪1000‬‬ ‫عائلة من بلدة دير العصافري ومعظم مناطق‬ ‫جنوب الغوطة‪ ،‬خوفاً من تقدم لقوات النظام‪.‬‬ ‫ومن مثراته‪ ،‬تجزيء بلدات الغوطة‪ ،‬وسقوط قتىل‬ ‫من املدنيني‪ ،‬حيث أنهم دامئاً الخارس األكرب يف‬ ‫الحروب‪.‬‬ ‫اآلن ال صوت يعلو فوق صوت الرصاص‪ ،‬فالحديد‬ ‫والنار هام اللغة الوحيدة التي تتكلم‪ ،‬فإىل أين‬ ‫سيقود هذا االقتتال غوطة دمشق؟!‪..‬‬ ‫هل ستكون أمام تجربة جزائرية جديدة؟ أم هل‬ ‫ستستفيق الفصائل بعد أن يدركوا أنهم حققوا أكرب‬ ‫مكاسب للنظام؟ ورمبا يكون ذلك بعد فوات األوان!‬


‫هكذا ّ‬ ‫تكلمت زارا‬ ‫‪5‬‬

‫شوكت غرزالدين‬

‫العدد ‪2016 / 5 / 22 - 70 -‬‬

‫مقاالت‬

‫رمبا يثري عنوان املقالة تداخ ًال فيام بينه وبني عنوان‬ ‫كتاب لـ”نيتشه” اسمه “هكذا تك ّلم زارادشت”‪.‬‬ ‫فاسم “زارا” يف الكتاب اختصا ٌر السم “زارادشت”‪،‬‬ ‫بينام هنا هو اسم لقرية سور ّية‪ .‬وإذا كان كتاب‬ ‫“نيتشه” ُينبئنا بقدوم اإلنسان املتفوق “السوبرمان”‬ ‫وتأسيس “إرادة الق ّوة”‪َّ ،‬‬ ‫فإن مجزرة قرية “زارا”‬ ‫ا ُملرعبة ُتنبئنا بفعل اإلنسان العاديّ ومنو الباطل‬ ‫ّ‬ ‫واالنحطاط يف فعله عىل حساب ثاليث الحقّ‬ ‫والقبح‬ ‫والخري والجامل!‬ ‫ُخبنا عن‬ ‫أجل‪ ،‬تك ّلمت “زارا” من خالل مأساتها لت ِ‬ ‫قيمة الفعل القبيح ّ ّ‬ ‫والشير والباطل كفعلٍ ُيناقض‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والخي والحقّ أوال‪ ،‬ولتخربنا أيضا عن‬ ‫قيمة الجميل ّ‬ ‫واقعة تعايش هذه القيم املتناقضة معاً يف نفسنا‬ ‫البرش ّية الفرد ّية ثانياً‪ .‬وعن هذا التعايش أك ّد‬ ‫“هرياقليط” فلسفياً عىل انشطار الواحد إىل اثنني يف‬ ‫آنٍ ‪ :‬الحرارة هي سخونة وبرودة‪ ،‬واملكان هو فوق‬ ‫وتحت‪ ،‬والزمان هو قبل وبعد‪ ،‬والحق هو باطل‬ ‫وحقيقة‪ ،‬والجامل هو قبيح وجميل‪ ،‬واألخالق هي‬ ‫ّ‬ ‫رش وخري‪..‬‬ ‫ً‬ ‫وهكذا إذا‪ ،‬يعيش مرتكبو األفعال الوحش ّية بيننا‬ ‫كأناس عاديني‪ ،‬نصادفهم يف شوارعنا ومطاعمنا‪ ،‬وقد‬ ‫تعلموا يف مدارسنا وجامعاتنا‪ ،‬وص ّلوا يف جوامعنا‪،‬‬ ‫وعليهم هيئة البرش‪ ،‬ال ُتف ِر ّقهم عن غريهم من‬ ‫البرش‪ ،‬فال تراهم عىل هيئة وحوش كارسة لتبتعد‬ ‫عنهم‪ .‬إنهم يجمعون يف آنٍ شخصية البطل عند من‬ ‫ميدحهم وشخصية الوحش عند من يذ ّمهم‪ ،‬وهم‬ ‫أناس عاديون بالحقيقة! هذا بالرغم من أنني كنت‬ ‫مقتنعاً بداي ًة َّ‬ ‫بأن من يقوم بفعل القنص الحقري‬ ‫والقتل الشنيع بالجملة ليسوا سور ّيني بل إنهم‬ ‫من جنسيات غري سور ّية رمبا تكون إيران ّية‪ ،‬فكيف‬ ‫لسوريّ ْأن يفعل بسوريّ آخر هذا الفعل؟!‬ ‫كتب “فرويد” يوماً عن معاودة غريزة القتل‬ ‫والتهام لحم البرش إىل الظهور يف أزمنة وأمكنة‬ ‫مختلفة كرضورة نفس ّية أصيلة تظهر يف الحاالت‬ ‫الحد ّية‪ ،‬وحاول تش ّذيب هذا “العود األبدي”‬ ‫لظهورها بواسطة الحضارة‪ ،‬ع ّلها تق ّيد هذه الظاهرة‬ ‫وتنحو بها للزوال‪ .‬ولكن هيهات ْأن ُتش ِّذب حضارتنا‬ ‫مثل هذه األفعال الهمج ّية؛ َّ‬ ‫ألن حدود ودرجات‬ ‫املقوالت الحضار ّية كالخجل والقرف والخوف واألمل‬ ‫والندم تتقلص وتتوسع بفضل الل ّذة واإليديولوجيا‬ ‫فاضل بني القيم‪.‬‬ ‫النسب ّية التي ال ُت ِ‬ ‫ّ‬ ‫واألمثلة ‪-‬عىل األفعال القبيحة واملنحطة والباطلة‪-‬‬ ‫كثرية جداً مع األسف‪ ،‬ومتنوعة جداً بتنوع األفراد‬

‫والجامعات والجهاد ّيني واألحزاب واألنظمة والدول‬ ‫يف مسلسل الرعب السوريّ الذي “أبطاله” قوى‬ ‫متعددة الجنسيات واألديان واألعراق والطوائف‪،‬‬ ‫حتى طالت بعض وسائل اإلعالم واإلعالم ّيني‪ .‬وفكرة‬ ‫ٌ‬ ‫باطلة حقوقياً‬ ‫رعب فكر ٌة‬ ‫“الجهاد” كاسرتاتيج ّية ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫وشير ٌة أخالقياً‬ ‫ّ​ّ‬ ‫وقبيحة جامليا ولكنها فكرة س ّيدة‬ ‫ومعيار ّية عند كث ٍري من العاديني‪.‬‬ ‫تطول قامئة املرعبني كثرياً وتطال كثريين‪ .‬فمن‬ ‫صورة “عصام زهرالدين” بجانب أشالء برش ّية‬ ‫معل ّقة‪ ،‬ورجوعاً إىل صورة جهاد ّيني يدوسان جثث‬ ‫نساء يف قرية “الزارا” وصور ضحايا املجزرة فيها‬ ‫التي ارتكبها النظام‪ ،‬إىل “سيلفي والجثث خلفي”‬ ‫إلعالم ّية موالية يف حلب و”سيلفي والجثث خلفي”‬ ‫يبي‬ ‫إلعالمي معارض يف حلب‪ ،‬ملقطع الفيديو الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫االحتفال بالجثث والتعامل معها عند حزب “البي‬ ‫واي دي”‪ ،‬لصور الجثث بدون رؤوس ومدعوس‬ ‫الرويس‬ ‫عليها يف تدمر من ِقبل جيش النظام‪ ،‬للقصف‬ ‫ّ‬ ‫الهمجي عىل مدينة حلب وأسواقها ومدارسها‬ ‫ّ‬ ‫ومشافيها وما رافقه من صور وفيديوهات وتقارير‬ ‫إعالم ّية‪ ،‬للمجازر التي ارتكبتها القوى اإليران ّية‬ ‫ومشتقاتها‪ ،‬ملجزرة الكياموي التي قام بها النظام‬ ‫يف الغوطة الرشق ّية واالمتصاص الدو ّيل لها‪ ،‬للتغطية‬ ‫اإلعالمية يف مجزرة “داريا” وتنقل اإلعالم ّية بني‬ ‫الجثث حينها‪ ،‬مروراً بالسفاح “جون” وقطع رؤوس‬ ‫الرهائن والذبح بالجملة عىل يد داعش والنرصة‪،‬‬ ‫وصوالً إىل “أبو صقار خالد الحمد” آكل قلب‬ ‫جنديّ سوريّ يف “بابا عمرو”‪ ،‬دون أن ننىس مجازر‬ ‫النظام يف “الحولة” و”جديدة الفضل” و”العتيبة”‬ ‫وصور ‪ 11‬ألف معتقل قضوا تحت التعذيب‪..‬‬ ‫مثة منط يرسي يف مختلف حاالت التعاطي مع‬ ‫املجازر والقتل والتمث ّيل بالجثث وكأنه خوارزمية‬ ‫إجراءات منهج ّية تبدأ بتكذ ّيب الواقعة أوالً‪ ،‬ثم‬ ‫تلف ّيق التهمة للعدو ثانياً‪ ،‬وبعدها ّمتج ّيد الفعل‬ ‫ثالثاً‪ ،‬ومن ثم ترب ّيره عقلياً رابعاً‪ ،‬وتوظيفه يف‬ ‫محاربة اإلرهاب والدفاع عن النفس الفرد ّية أو‬ ‫الوطن ّية أو القوم ّية أو الدين ّية خامساً‪ ،‬لنصل لتربيء‬ ‫الفرد أو الجامعة من املسؤول ّية عن الفعل وتحم ّيل‬ ‫وزر الفعل عىل الدين أو الطائفة أو الجنس سادساً!‬ ‫ومل تكف قيم حضارتنا لتخفيف قبح املشهد‬ ‫يكف تكرار الباطل‬ ‫وضالله وانحطاطه! ومل‬ ‫ِ‬ ‫والقبيح والرشير ليجعل من الظاهرة أمراً عادياً‬ ‫ومألوفاً ومبتذالً! ويستمر هذا الفعل رغم إدانته‬ ‫واحتقاره ورغم ترب ّيره ومتجيده‪ ،‬اليشء الذي ييش‬

‫َّ‬ ‫بأن أي واحد منا ميكن ْأن يفعل هكذا! فتقويض‬ ‫الحقّ والجامل والخري لصالح الباطل والضالل‬ ‫والقبح ّ ّ‬ ‫والش يتالزم مع تق ِويض كوننا ومجتمعنا‬ ‫محصنني‬ ‫وعملنا‪ .‬ورمبا نصبح بهذا التقويض غري ّ‬ ‫تجاه مامرسة أفعال الرعب! فكيف يتحول شخص‬ ‫عاديّ مثله مثلنا ارتاد مدارسنا وصادفناه بشوارعنا‬ ‫ومطاعمنا وجلس بيننا إىل أن يكون وحشاً من جهة‬ ‫وبط ًال من جهة أخرى؟!‬ ‫ال يصدر الفعل الباطل ّ ّ‬ ‫والشير والقبيح بحالتنا‬ ‫عن الشيطان وال عن الرضورة‪ ،‬بل يصدر منّا نحن‬ ‫البرش العاديون ونحن بكامل قوانا العقل ّية‪ .‬وما‬ ‫تربئة النفس البرش ّية من فعلها الفرديّ وخيارها‬ ‫الشخيص وإدانة دين صاحب الفعل أو طائفته أو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جنسه إل دمياغوجية وتضليل لالبتعاد عن واقعنا‬ ‫كأجساد برش ّية لها حدود عىل تحمل الجوع‬ ‫والعطش واألمل والجنس‪.‬‬ ‫َّإن القيمة عالقة مساواة أساساً بني أفعال مختلفة‬ ‫تتساوى يف عموم ّيتها أو قواسمها املشرتكة‪ .‬وبحذف‬ ‫املساواة نكون قد حذفنا العمومية والقيمة من‬ ‫الفعل وعندها يصبح من املستحيل معرفة الفعل‬ ‫وتقوميه‪ .‬ونغرق عندئذ يف حالة الالتفاضل بني‬ ‫القيم‪ ،‬ويف حالة النسب ّية التي ترى يف القتل غري‬ ‫الرضوريّ مجرد وجهة نظر!‬ ‫ما ينقصنا سورياً ليس السالح واملال واالستجداء‪ ،‬ما‬ ‫ينقصنا هو القيمة يف ثالثية الحقّ والخري والجامل!‬ ‫وكام تك ّلمت “زارا” وقبلها “حلب” و”حمص”‬ ‫و”درعا” و”الغوطة”‪ ..‬نقول‪ :‬هكذا تك ّلمت سور ّية!‬


‫‪86‬‬

‫في انتظار حياة‪..‬‬ ‫علي فاروق‬

‫العدد ‪66 -‬‬ ‫‪2016 / 52 / 22‬‬ ‫‪17 - 70‬‬

‫شهادات‬ ‫مقاالت‬

‫يف األسبوع األول من االعتقال‪ ،‬وبعد أربع أو خمس‬ ‫جلسات‪ ،‬انتهى التحقيق‪ ،‬كان التحقيق يجري لي ًال؛‬ ‫ٍ‬ ‫يأيت السجان فريكل الباب الحديدي بقو ٍة‪ ،‬متعمداً‬ ‫بصوت ساخ ٍر عىل‬ ‫إرهاب املوجودين‪ ،‬ثم ينادي‬ ‫ٍ‬ ‫بكلامت نابي ٍة‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫“الشاويش”‪ ،‬وهو يشتم‬ ‫ٍ‬ ‫“فالن الفالين‪ ..‬ع البحر‪ ،”..‬وذلك معناه أن املعتقل‬ ‫مطلوب للتحقيق‪ ،‬وعىل “الشاويش”‬ ‫املنادى عليه‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫عصب عينيه‬ ‫ي‬ ‫وأن‬ ‫ثيابه‪،‬‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫رسيع‬ ‫أن يجرده‬ ‫َ ِ‬ ‫بقطعة قامش داكنة‪ ،‬وأن يكبل يديه خلف ظهره‪،‬‬ ‫وأن يقوده إىل الباب‪ ،‬ليصطحبه السجان إىل‬ ‫التحقيق‪.‬‬ ‫الطريق من املهجع إىل غرفة التحقيق‪ :‬خطاطيف‬ ‫جانب‪ ،‬من األمام والخلف‪،‬‬ ‫وكالبات تنهش من كل ٍ‬ ‫واألعىل واألسفل‪ ،‬مل أكمل يوماً ذلك الطريق‪،‬‬ ‫إذ دامئاً ما كان السجانون يعيدوين إىل املهجع‪،‬‬ ‫ويطلبون من “الشاويش” غسل الدماء عن وجهي‬ ‫ركبتي‬ ‫وجسدي‪ ،‬ثم يعيدون اصطحايب‪ ،‬ألجثو عىل‬ ‫ّ‬ ‫أمام املحقق‪ ،‬عارياً‪ ،‬مكب ًال‪ ،‬مغمض العينني‪ ،‬تحت‬ ‫ساعات‬ ‫سام ٍء مثلج ٍة‪ ،‬قارص ٍة‪ ،‬لثالث أو أربع‬ ‫ٍ‬ ‫متواصل ٍة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫من الصعب جدا وصف حال املعتقل حني يسمع‬ ‫السجان ينادي اسمه‪ ،‬ومع هذا فال مانع من‬ ‫املحاولة‪ ،‬حيث يشعر املعتقل يف تلك اللحظة أن‬ ‫دمه تجمد يف عروقه‪ ،‬وأن دماغه توقف‪ ،‬وحواسه‬ ‫تعطلت‪ ،‬تنقبض أحشاؤه‪ ،‬وترتفع إىل األعىل‪ ،‬كأنها‬ ‫تسعى للخروج من فمه‪ ،‬تنحل ركبتاه‪ ،‬و ُتشل‬ ‫أعضاؤه‪ ،‬تنفجر يف صدره كتلة من الهلع‪ ،‬كتلة‬ ‫رعب ناري ٍة مؤمل ٍة‪ ،‬تحرق داخله‪ ،‬تخطف أنفاسه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ومتزق قلبه‪ ،‬يف تلك اللحظة ينفصل املعتقل متاماً‪،‬‬ ‫ويصبح ذاه ًال‪ ،‬يش ٌء يشبه موقف يوم القيامة‪،‬‬ ‫رمبا‪..‬‬ ‫ُّ‬ ‫بت أدرك بعد تجربة االعتقال‪ ،‬أنه ميكن أن تكون‬ ‫حيوات منفصل ٍة‪ ،‬وهي‬ ‫لإلنسان يف الدنيا‪ ،‬ثالث‬ ‫ٍ‬ ‫مختلفة عن بعضها باملطلق‪ ،‬فال يربطها ببعضها‬ ‫إال الجسد‪ ،‬الذي يبقى لإلنسان ذاته‪ ،‬أما روحه‪،‬‬ ‫وعقله‪ ،‬ونفسه‪ ،‬فمختلفة كلياً يف كل واحد ٍة منها‪.‬‬ ‫حياته األوىل قبل االعتقال حيث تكون له أفكاره‪،‬‬ ‫وتاريخه‪ ،‬وأحالمه‪ ،‬ومشاعره‪ ،‬وأحاسيسه‪ ،‬وهذه‬ ‫تنتهي كلها لحظة وصوله إىل فرع األمن‪ ،‬هناك‬ ‫حني يجرد من ثيابه‪ ،‬ويقف عارياً كيوم والدته‪،‬‬ ‫وفيام تنهال عليه السياط‪ ،‬والشتائم‪ ،‬ميوت اإلنسان‬ ‫الذي كانه‪ ،‬لتبدأ يف هذه اللحظة حياته الثانية‪،‬‬

‫الزميل والكاتب عيل فاروق الذي خرج مؤخرا ً من املعتقل‪ ،‬يكتب ملجلة‬ ‫حيوات منفصلة” للمعتقل يف سوريا‪.‬‬ ‫طلعنا عالحرية عن “ثالث‬ ‫ٍ‬ ‫أهال به مجددا وبالنرص والحرية وحياة رابعة كرمية لكل املعتقلني‪.‬‬

‫يف هذه الحياة الثانية يجوز عدم اعتباره إنساناً‬ ‫باملعنى الحقيقي‪ ،‬وال حتى حيواناً‪ ،‬فالحيوان يلقى‬ ‫معامل ًة ورعاي ًة أفضل‪ ،‬يف هذا الطور ميكن اعتباره‬ ‫كائناً حياً فقط‪ ،‬كائناً يشبه الكائنات املجهرية‪ ،‬ال‬ ‫يشعر بوجوده أحدٌ ‪ ،‬وال يهتم لوجوده أحدُ ‪ ،‬هو‬ ‫نفسه ال يشعر بوجوده أحياناً‪ ،‬وهو يتمنى لو‬ ‫أنه مل يوجد يوماً‪ ،‬ومل ُيخلق قب ًال‪ .‬يف هذه الحياة‬ ‫الثانية يكون كائناً بال عقل‪ ،‬وال روح‪ ،‬وال مشاعر‪،‬‬ ‫كائنٌ مجردٌ ينتظر املوت‪ ،‬ويشتهيه يف كل لحظ ٍة‪،‬‬ ‫كائنٌ ينتظر وفقط‪ ،‬وهو يعتمد عىل غرائزه من‬ ‫أجل البقاء‪ ،‬وهذا ما يجعله ‘‘يستوحش’’ أحياناً‪،‬‬ ‫فال يهتم ألي قيم‪ ،‬وال ينضبط بأي معيا ٍر‪ ،‬لذلك‬ ‫ميكن أن تراه َيعتدي عىل كائنات أخرى‪ ،‬تشاركه‬ ‫محيطه الضيق‪ ،‬حني متر بلحظة ضعف‪ ،‬أو حالة‬ ‫انكشاف‪ ،‬فيسلبها طعامها‪ ،‬ورشابها‪ ،‬أو يغتصب‬ ‫مكان جلوسها‪ ،‬ونومها‪ ،‬أو يقتلها فيام لو ُأمر‬ ‫بذلك‪ ،‬أو استدعى بقاءه ذلك‪.‬‬ ‫بروايات صادم ٍة عام‬ ‫يخرج الكثري من األشخاص‬ ‫ٍ‬ ‫مروا به يف الحياة الثانية‪ ،‬وعام خربوه فيها من‬ ‫حيا ٍة ال تشبه الحياة‪ ،‬حيا ٍة همجي ٍة‪ ،‬متوحش ٍة‪،‬‬ ‫رشس‪ ،‬رغم‬ ‫كائن ٍ‬ ‫تجرب خائضها عىل التحول إىل ٍ‬ ‫أن مكانته‪ ،‬وموقعه النسبيني ال يتعديان مكانة‬ ‫وموقع خلي ٍة مجهري ٍة‪ ،‬عاجز ٍة‪ ،‬وغالباً ما تكون أكرث‬ ‫تلك الخاليا توحشاً‪ ،‬وافرتاساً هم أولئك املدعوون‬ ‫بـ”الشاويش”‪ ،‬وهم معتقلون قدامى‪ ،‬أفقدتهم‬ ‫إقامتهم الطويلة يف السجن أخر ما بقي من‬ ‫مشاعر إنسانية‪ ،‬وطمعوا يف الحصول عىل حصة‬ ‫أكرب من الطعام‪ ،‬ومقدار أقل من التعذيب‪ ،‬من‬ ‫خالل السلطات التي يخولها السجانون لهم‪ ،‬يف‬ ‫توزيع الطعام والرشاب‪ ،‬وتنظيم أماكن النوم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫والوقوف‪ ،‬و‘‘ترقيم’’ املعتقلني ‘‘املشاغبني’’‪ ،‬ونقل‬ ‫املعلومات إىل السجانني‪ ،‬فالسجانون ممنوعون‬ ‫من دخول املهاجع ألسباب أمنية‪ ،‬وصحية‪ ،‬لذلك‬ ‫يستعينون بـ”الشاويش” ليكون عينهم‪ ،‬وأذنهم‪،‬‬ ‫وسوطهم داخل املهجع‪.‬‬ ‫خالل عبوري الحياة الثانية تلك‪ ،‬عاينت العديد‬ ‫من تلك الحاالت‪ ،‬وسمعت عن الكثري منها أيضاً‪،‬‬ ‫أخربين صديقي “أنس” الذي التقيته يف سجن‬ ‫“عدرا” املركزي‪ ،‬أنه قتل مساعد “الشاويش” يف‬ ‫فرع فلسطني‪ ،‬خنقه بكيس الخبز‪ ،‬بعد ذهابه‬ ‫للنوم لي ًال‪ ،‬ألنه منعه من دخول الحامم! كان‬ ‫بالتهاب يف الكبد‪ ،‬وكان واقعاً‬ ‫“أنس” وقتها مصاباً‬ ‫ٍ‬

‫تحت تأثري حال ٍة يسميها املعتقلون بـ‘‘الفصل’’‪،‬‬ ‫وهي تعني فقدان الشخص لقواه العقلية‪ ،‬نتيجة‬ ‫عصبي‪ُ .‬يصاب الكثري من املعتقلني‬ ‫تعرضه النهيا ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫نتيجة التعذيب والضغوط النفسية بتلك الحالة‪،‬‬ ‫ومن ُيصاب بها غالباً ما ينتهي به األمر إىل املوت‪،‬‬ ‫بسبب غياب العالج‪ ،‬وامتناع املعتقل املريض‬ ‫تدريجياً عن الطعام‪ ،‬أو بسبب إعطاء السجانني‬ ‫األوامر لـ”الشاويش” برضب املعتقل “الفاصل”‬ ‫عىل رأسه‪ ،‬بحذا ٍء‪ ،‬أو رضب رأسه بالحائط حتى‬ ‫ميوت‪.‬‬ ‫أما الحياة الثالثة‪ ،‬فتبدأ لحظة خروج الكائن‬ ‫الحي من املعتقل‪ ،‬عندها يعود إنساناً من جدي ٍد‪،‬‬ ‫لكنه ال يعود اإلنسان الذي كانه قبل السجن‪ ،‬وال‬ ‫املخلوق الذي كانه يف السجن‪ ،‬بل يكون شخصاً‬ ‫ماض‪ ،‬وال يعرف‬ ‫جديداً‪ ،‬ولد اآلن‪ ،‬مل يعد عنده ٍ‬ ‫إال اليسري عن الحارض‪ ،‬وال ميلك غري الشك يف‬ ‫شخص ليست له ذاكرة‪ ،‬و ال روح‪ ،‬وال‬ ‫املستقبل‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫حتى مشاعر‪ ،‬وهو سيحتاج وقتاً يتناسب طرداً‬ ‫مع املدة التي قضاها يف السجن‪ ،‬ليعيد اكتشاف‬ ‫الحياة‪ ،‬واختبار األفكار‪ ،‬واألحاسيس‪ ،‬واملشاعر‪،‬‬ ‫فهو مل يعتد يف الطور السابق إال الشعور باألمل‪،‬‬ ‫وحني يتوقف هذا الشعور الضاغط فجأ ًة‪ ،‬يشعر‬ ‫املرء بالحرية‪ ،‬والضياع‪ ،‬والخوف أيضاً‪.‬‬ ‫مرت يب منذ ابتدأت حيايت الثالثة الكثري من‬ ‫املواقف‪ ،‬وعربت رأيس العديد من التساؤالت‪،‬‬ ‫من مثل‪ ،‬ما الذي أشعره اآلن؟ مباذا أفكر؟ وما‬ ‫الذي ع َّ‬ ‫يل أن أفعله؟ فعدا التعب العام‪ ،‬والدائم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ال أشعر بيش ٍء تقريبا‪ ،‬حتى حني أداعب ابنة أخي‬ ‫التي ولدت بعد اعتقايل‪ ،‬مث ًال‪ ،‬غالباً ما ال أشعر‬ ‫بيش ٍء تجاهها‪ ،‬فيام يداهمني الشعور باإلرهاق‪،‬‬ ‫والضيق بعد دقيقتني فقط من حملها‪.‬‬ ‫هل أتظاهر بأنني أفكر‪ ،‬أو أنني أعرف ما الذي‬ ‫سأفعله؟ أو أنني أشعر بالعاطفة‪ً ،‬‬ ‫مثل؟ لكن كيف‬ ‫أفعل ذلك؟ فأنا مل أعد أملك ذاكرة‪ ،‬ودماغي‬ ‫متوقف عن العمل‪ ،‬وليست لدي أي طاق ٍة لفعل‬ ‫يش ٍء‪ ،‬وكيف يكون أص ًال الشعور بالسعادة‪ ،‬أو‬ ‫بالحنان‪ ،‬أو بالحزن‪ ،‬أو بالحب‪..‬؟ أنا يف الحقيقة‬ ‫مل أعد أعرف!‬ ‫يف الواقع ليس من سبيل لإلجابة عىل ٍأي من‬ ‫التساؤالت املطروحة آنفاً‪ ،‬وال من طريقة ملعرفة‬ ‫اليشء الذي سينتهي األمر إليه‪ ،‬وال أملك يف الوقت الراهن‬ ‫إال االنتظار‪ ،‬والصالة من أجل حيا ٍة رابع ٍة أفضلٍ ‪.‬‬


‫سوريا ليست بحاجة إلى ً‬ ‫حل سياسي!‬ ‫‪7‬‬

‫أنور عباس‬

‫العدد ‪- 70 -‬‬ ‫‪2016 / 5 / 22‬‬

‫بحكم إسالمي سني شبيه بحكم الخلفاء‬ ‫الراشدين محله‪ ،‬وترافق ذلك مع وضوح‬ ‫الدعم الشيعي لنظام األسد‪ ،‬الذي تجسد‬ ‫يف مساندة إيران‪ ،‬واستقدام مقاتيل حزب‬ ‫الله الذي تاله استقدام مقاتلني شيعة‬ ‫من إيران وأفغانستان وباكستان والعراق‬ ‫ليحاربوا يف صفوف النظام‪ ،‬بدعوى حامية‬ ‫املقدسات ووقف م ّد الجهاد السنّي‬ ‫التكفريي لبسط الهيمنة الشيعية اإليرانية!‬ ‫لقد أصبح األمر‪ ،‬والحالة تلك‪ ،‬عىل‬ ‫غاية كبرية من التعقيد‪ ،‬ومل تعد الحلول‬ ‫السياسة هي املنشودة من قبل األطراف‬ ‫املتصارعة عىل األرض أو القوى التي‬ ‫تدعمها ومتدها باملال والسالح وتحمي‬ ‫مصالحها يف املحافل الدولية‪ .‬وتغريت‬ ‫تضاريس الرصاع كلياً‪ .‬لقد أظهر هذا‬ ‫التحول يف طبيعة الرصاع أن السوريني‪،‬‬ ‫وكثري من املجتمعات األخرى يف املنطقة‪،‬‬ ‫الزالت تقوم عىل بنى اجتامعية متخلفة‬ ‫متاماً من حيث عالقة املكونات املختلفة‬ ‫للمجتمع ببعضها اآلخر‪ ،‬ومن حيث فهمها‬ ‫لنفسها كمجموعات برشية‪ ،‬ومن حيث‬ ‫نظرتها لشؤونها ووعيها بهويتها الثقافية‪،‬‬ ‫وعالقتها باملجتمعات األخرى‪ ،‬واستيعابها‬ ‫ملوضوعات مثل العنف والحكم العادل‪،‬‬ ‫والحريات العامة ومحدداتها‪ ،‬وحقوق‬ ‫اآلخرين‪ .‬لكن املقلق فع ًال هو التعرية‬ ‫التي حصلت ملنظومة القيم التي تحكم‬ ‫املجتمع السوري‪ ،‬والتي تبني أيضاً أنها‬ ‫من الهشاشة مبا يدعو لقلق عميق‪،‬‬ ‫ويستدعي وقفة مع الذات للتفكري بشكل‬ ‫جامعي يف متاسكها وقيمتها‪ ،‬لسرب هذه‬ ‫املنظومة التي يبدو أنها مل تكن موجودة‬

‫أص ًال‪ ،‬كناظم عام لسلوك الجميع بالشكل‬ ‫الذي تخيلناه‪ .‬لقد تحول الكثريون من‬ ‫هاتفني للحرية ومطالبني بها إىل مقاتلني‬ ‫يف صفوف مجموعات تقرتف أسوأ أنواع‬ ‫العنف واالنتهاكات‪ ،‬وتح ّول بعض آخر‬ ‫من مطالب بالعدالة ومحاربة الفساد‬ ‫إىل فاسدين يعملون يف مشاريع وبرامج‬ ‫قامت عىل اقتصاد الحرب‪ ،‬وأمعنوا يف‬ ‫استغاللها أسوأ استغالل‪.‬‬ ‫تفرز الحروب كثرياً من البشاعة ويصبح‬ ‫لها اقتصادها القائم عىل استمرارها وعىل‬ ‫الظروف التي تخلقها‪ ،‬لكن ما حدث يف‬ ‫سوريا يفوق املعتاد‪ .‬لقد أظهرت هذه‬ ‫األزمة تج ّذر مشاكل تهميش املرأة التي‬ ‫يرزح مجتمعنا تحت وطئتها‪ ،‬وعمق‬ ‫تأصل العنف يف سلوكنا يف كل الحلقات‬ ‫االجتامعية‪ ،‬وتفوق الهوية الدينية‬ ‫واملذهبية والعرقية عىل الهوية الوطنية‬ ‫التي كان من املفرتض أن تجمعنا جميعاً‪.‬‬ ‫تلك املشاكل ليست سياسية وحسب‪ ،‬بل‬ ‫هي مشاكل اجتامعية تحتاج إىل عالج‬ ‫مديد‪ ،‬ويتطلب ذلك ثورة اجتامعية‬ ‫حقيقية تعيد صياغة هذه البنى‪.‬‬ ‫يف أحسن السيناريوهات سيتنحى بشار‬ ‫األسد‪ ،‬وقد يحاكم هو وزمرة من الناس‬ ‫الذين عملوا معه يف حربه تلك‪ .‬لكن‬ ‫البادي للعيان ال ينبئ بأننا سنكون عىل‬ ‫قدر املسؤولية‪ ،‬ولن نستطيع االنتقال‬ ‫بسوريا إىل حال أحسن‪ ،‬وأن الحرب التي‬ ‫نشبت ع ّرتنا بحيث مل نعد قادرين عىل‬ ‫اإلميان بأنفسنا كأمة تستطيع صياغة عقد‬ ‫اجتامعي جديد‪ ،‬حيث يفاقم غياب الوعي‬ ‫واألدوات من حدة األزمة بشكل مخيف‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫ترتبط السياسة وحلولها وتحوالتها بالواقع االجتامعي والثقايف‬ ‫للبالد‪ ،‬ومامل تتوفر بنى اجتامعية وثقافية ومنظومات قيم معينة‪،‬‬ ‫لن تتمكن أي أمة من بناء نظام سيايس مستقر يضع مصلحة البالد‬ ‫واملواطنني يف قمة أولوياته وهو ما نلمسه يف سوريا اليوم‪.‬‬ ‫ال يبدو أن سوريا جاهزة يف وضعها الحايل لحل سيايس‪ ،‬لغياب البنى‬ ‫االجتامعية الالزمة‪ ،‬وتفيش ثقافة القبيلة فيها‪ ،‬وغياب توفر رؤية‬ ‫يتفق عليها الجميع ملا ستكون عليه سوريا ومجتمعها‪ .‬وال تقترص‬ ‫الخطوط التي ينقسم عىل طولها السوريون عىل خط النظام‪-‬‬ ‫املعارضة‪ ،‬بل إن االنقسام يطال عمق البنية االجتامعية السورية‬ ‫عىل طول خطوط الدين والعرق والطائفة والقومية والعرق‬ ‫والجنس والعمر واملصلحة االقتصادية واأليديولوجيا واملنطقة‬ ‫والخلفية املدنية أو الريفية‪ .‬وميكن القول بأنه ما مل تقم ثورة‬ ‫اجتامعية تطال أكرث األماكن عمقاً يف الرتكيبة التي نعرفها‪ ،‬وتخلص‬ ‫إىل عقد اجتامعي جديد كلياً‪ ..‬لن ينجح حل سيايس أياً كان كائنه‪،‬‬ ‫وسينتهي بنا األمر إىل اقتسام السلطة بني مجموعة من التكوينات‬ ‫الهجينة التي ال تجمع عىل يشء إال البقاء يف الحكم بدافع الرغبة‬ ‫فيه‪ ،‬أو بحجة حامية مصالح من متثلهم‪.‬‬ ‫أظهرت الثورة السورية وما تبعها من أحداث جسام عىل الصعيد‬ ‫الداخيل والدويل واإلقليمي عمق األزمة التي تعيشها سوريا ودول‬ ‫أخرى شبيهة بها‪ .‬ومل يعد الحديث عن حل سيايس لألزمة مجدياً‪،‬‬ ‫بعد أن تبني عمق األسباب وتجذرها يف أعامق البنية الفكرية‬ ‫واالجتامعية والثقافية للمجتمع السوري‪ .‬وألن الحل السيايس يعني‬ ‫تغيرياً يف نظام الحكم أو تعدي ًال عليه‪ ،‬من خالل إدخال عنارص‬ ‫جديدة ذات توجهات مختلفة‪ ،‬فإن هذا الحل لن يعدو كونه‬ ‫جراحة تجميلية تطال السطح‪ ،‬وال تصل إىل عمق جسم املشكلة‬ ‫واملجتمع؛ فقد تبني أن االختالف السيايس حول طبيعة النظام‪،‬‬ ‫بالنسبة للكثريين منا‪ ،‬ليس سوى استبدال السني بالعلوي‪ ،‬أو ضامن‬ ‫عدم إزاحة العلوي من الحكم‪ .‬وبالنسبة للبعض اآلخر ليس سوى‬ ‫استعادة شكل قديم من أشكال الدولة التي مل تعد تصلح يف أواننا‬ ‫هذا‪ ،‬أو تعزيز الشكل الحايل بالقدر األقل من الخسائر‪ ،‬أو بناء‬ ‫دولة عىل النمط الغريب بكل ما فيه مام ال يتقبله املجتمع السوري‬ ‫املحافظ نسبياً‪.‬‬ ‫يف عهد األسد‪ ،‬تم استغالل البنى االجتامعية املتخلفة القامئة‪،‬‬ ‫من القبلية والعشائرية واملناطقية ومعادات الريف والحرض‪،‬‬ ‫واالنقسامات األفقية عىل أساس الدين والطائفة‪ ..‬لتعزيز نظام‬ ‫الحكم‪ ،‬وتجىل ذلك يف تحالفات عقدها األسد مع رجال الدين‬ ‫وأصحاب املال‪ ،‬وفتح الباب عىل مرصاعيه للعلويني ليصبحوا األغلبية‬ ‫الساحقة يف الجيش واألمن اللذين أصبح لهام اليد الطوىل يف حكم‬ ‫البالد‪ .‬وأتت الثورة السورية التي طرحت شعارات مغايرة لذلك‪ ،‬مل‬ ‫تلبث‪ ،‬وقد اندلع العنف يف البالد بعد اختيار النظام للقوة أسلوباً يف‬ ‫حل األزمة‪ ،‬أن تراجعت كلياً أو جزئياً‪ ،‬سيام بني من حملوا السالح‬ ‫ويف أوساط حاضناتهم االجتامعية ومؤيديهم‪ ،‬واستبدلت بشعارات‬ ‫دينية تنم عن غياب الوعي حول الصيغ الناجعة يف تحقيق التغيري‬ ‫املنشود‪ .‬لقد تراجع زخم املطالبة بالحرية والعدالة‪ ،‬وحلت املطالبة‬


‫مهجــرون يتقاســمون الحياة مع طالب المدارس‬

‫‪8‬‬

‫محمد هشام ‪ -‬زاكية‬

‫العدد ‪2016 / 5 / 22 - 70 -‬‬

‫تقارير‬

‫ُّ‬ ‫تكتظ بلدة زاكية التابعة لناحية الكسوة يف ريف‬ ‫دمشق باملهجرين من شتى أنحاء سوريا بأعداد‬ ‫كبرية جداً‪ ،‬دفعت اللجان القامئة عىل رعاية‬ ‫املهجرين إلسكان قسم كبري منهم‪ ،‬ممن هم دون‬ ‫ّ‬ ‫خط الفقر‪ ،‬يف املدارس الحكومية‪.‬‬ ‫“يارس القايض” مسؤول التنسيق اإلغايث مع إدارة‬ ‫املدارس يف مدينة زاكية‪ ،‬تحدث لطلعنا عالحرية‬ ‫عن الرضورة التي اقتضت تحويل املدارس إىل‬ ‫مأوى لالجئني‪“ :‬دفع عدد العائالت املهجرة الكبري‬ ‫البالغ ‪ 1200‬عائلة اللجان العاملة إىل إسكان عدد‬ ‫من األهايل يف املدارس‪ ،‬حيث تم توزيع ‪ 150‬عائلة‬ ‫عىل سبع مدارس يف البلدة”‪ .‬وأضاف‪“ :‬املدارس‬ ‫التي سكن فيها األهايل كانت وال تزال متارس‬ ‫مهمتها التدريسية‪ ،‬وهذا يؤثر سلباً من غري شك‬ ‫عىل سري العملية التدريسية”‪.‬‬ ‫وعن كيفية استخدام الصفوف أفاد السيد يارس‪:‬‬ ‫“تم تقسيم كل مدرسة من املدارس السبع إىل‬ ‫قسمني؛ قسم ُتواصل فيه العملية التدريسية‬ ‫ُ‬ ‫حيث تم تكثيف عدد‬ ‫وقسم إليواء األهايل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الطالب يف كل قاعة ليصل إىل ‪ 40‬طالبا يف الشعبة‬ ‫الواحدة‪ ،‬تلك التي مل تكن تتسع ألكرث من ‪ 25‬طالباً‬ ‫يف الظروف العادية”‪.‬‬ ‫وتابع‪“ :‬هذه املدارس كأي مؤسسة حكومية أخرى؛‬ ‫ليست مجهزة باملرافق الصحية إال مبا يسد حاجتها‬ ‫االعتيادية‪ ،‬إال أن طبيعة استخدامها الجديد دفعتنا‬ ‫إىل إنشاء عدد من املرافق الصحية الجديدة‪ ،‬وذلك‬ ‫ليتمكن األهايل واألرس من قضاء مختلف حوائجهم‬ ‫املعيشية”‪.‬‬ ‫كام ن ّوه السيد “باسل” أحد أفراد الكادر اإلغايث‪،‬‬ ‫بأ ّنه قد تم تقسيم كل صف من الصفوف التي‬ ‫تم إفراغها من أثاثها املدريس إىل غرفتني‪ ،‬تسكن‬ ‫بكل واحدة منهام أرسة‪ .‬كام قام الفريق اإلغايث‬ ‫بالتنسيق مع إدارة املدارس ‪-‬التي أبدت تعاوناً‬ ‫حيال ذلك‪ -‬بتفقد الكهرباء وتأمني إيصال‬ ‫إنارة ليلية لجميع الشعب والغرف باستخدام‬ ‫البطاريات‪.‬‬ ‫وعن الصعوبات التي ال زالت تواجه هذا العمل‪،‬‬ ‫أفاد مراسل طلعنا عالحرية بأن األهايل يشتكون‬ ‫من بعد املرافق الصحية عن الغرف‪ ،‬مام يسبب‬ ‫للنساء خاصة حرجاً يف مامرسة شؤونهم املعيشية‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل مشكلة إضافية هي االضطرار إىل‬ ‫االختالط أثناء استخدام هذه املرافق‪.‬‬ ‫وحول طبيعة الطقس داخل الغرف علقت السيدة‬

‫“بثينة البني” ابنة الغوطة الرشقية‪“ :‬الجدر ُان غري‬ ‫ُ‬ ‫تنقل الرطوبة والربد الشديد‪،‬‬ ‫املعزولة‪ ،‬والتي‬ ‫ُتشعرنا كأ ّننا نعيش بغري سقف؛ ويف الصيف يكون‬ ‫الحال سيئاً ج ّداً بسبب الحرارة املرتفعة‪ ،‬خصوصاً‬ ‫مع تعذر مغادرة الغرف والصفوف ساعات الدوام‬ ‫املدريس لتجنب التشويش عىل الطالب”‪.‬‬ ‫وعن الصعوبات التي تواجه الطالب خالل العملية‬ ‫التدريسية أفاد األستاذ “مظهر” مدير إحدى‬ ‫املدارس اإلعدادية يف املدينة‪“ :‬كثافة الطالب داخل‬ ‫الشعب تجعل من االستيعاب والتمكن من طرح‬ ‫األسئلة واستيفاء الفهم أمراً صعباً جداً‪ ،‬بسبب‬ ‫االكتظاظ‪ ،‬واضطرار األهايل إىل التجول يف املدرسة‪،‬‬ ‫وهذا دفع كثرياً من الطالب للجوء إىل املدرسني‬ ‫املختصني لتحصيل املعلومات واستيعاب األفكار‬ ‫بشكل أفضل”‪ ،‬وتابع‪“ :‬تتضاعف الصعوبة أيام‬

‫امتحانات الشهادتني اإلعدادية والثانوية‪ ،‬حيث‬ ‫يتم تكثيف الطالب يف القاعات خالل االمتحان‬ ‫للتغ ّلب عىل إشكالية ق ّلة الشعب ا ُملتاحة وعدد‬ ‫ُ‬ ‫تتعارض مع قوانني‬ ‫املتقدمني الكبري‪ ،‬وهي خطو ٌة‬ ‫وزارة الرتبية والتعليم خالل االمتحانات‪ ،‬إال أنه مل‬ ‫يكن باليد حيلة‪ ،‬كام تم نقل امتحانات الشهادة‬ ‫الثانوية إىل مدينة الكسوة‪ ،‬بأوامر من الوزارة بعد‬ ‫اطالعها عىل واقع املدارس”‪.‬‬ ‫لعل السوريني اليوم مل يعودوا يجدون يف أي‬ ‫ظاهرة محزنة يف سوريا ما يدعو إىل االستغراب‬ ‫أو إىل الحزن حقاً‪ ،‬فام نزفته سوريا من دماء‬ ‫وأرواح وخراب أمات اإلحساس يف قلوبهم‪ ،‬وأصاب‬ ‫مشاعرهم بالجمود‪ ،‬بانتظار اليوم الذي تنتهي فيه‬ ‫الحرب ليبدؤوا مشوارهم يف اسرتداد طبيعتهم‬ ‫اإلنسانية بعد أن أدمتها سنوات الحرب الطوال‪.‬‬


‫المنطقة الشــرقية في محافظة الســويداء‬

‫نوار عقل‬ ‫ّ‬

‫عن (تجارة الســاح‪ ،‬ميليشــيا الدفاع‬ ‫الوطني‪ ،‬والبادية)‬

‫العدد ‪- 70 -‬‬ ‫‪2016 / 5 / 22‬‬

‫وصواريخ ومتفجرات وبشكل يومي وبكميات‬ ‫كبرية‪ .‬وحاالت االعتقال غري املتوقعة‪ ،‬من جهات‬ ‫مختلفة‪ ،‬والتي كانت تحدث لبعضهم صدفة‪،‬‬ ‫ويتم ضبطهم بالجرم املشهود‪ ،‬كانت تنتهي‬ ‫ببساطة شديدة‪ ،‬وباحتفاالت يلحقها إطالق النار‬ ‫ابتهاجاً بالتحرير! وتع ّد مدينة شهبا أكرب مثال عىل‬ ‫االخرتاقات التي تقوم بها العصابات‪ ،‬والتي بدأت‬ ‫مسريتها إما تشبيحاً‪ ،‬وإما مع الدفاع الوطني‪ ،‬ثم‬ ‫تفرغت ألعاملها الخاصة مدعومة برموز السلطة‬ ‫السياسية واألمنية يف السويداء‪ .‬من رسقة وتهريب‬ ‫وترويج للمخدرات ‪...‬إلخ (وعىل عينك يا تاجر)‪.‬‬ ‫ومن املتوقع أن هذه املظاهر االستفزازية قد‬ ‫تنقلب لصدام مسلح مع األهايل يف أي لحظة‪.‬‬ ‫يف اآلونة األخرية‪ ،‬تم نقل ميليشيا الدفاع الوطني‬ ‫الذين ال تتجاوز أعدادهم اآلن مئتني وخمسني‬ ‫عنرصاً يف كل املحافظة‪ ،‬وذلك بعد عمليات‬ ‫االستقالة واإلقالة التي حدثت‪ .‬تم نقلهم إىل قرى‬ ‫السويداء الرشقية‪ ،‬هذا ما أثار مشكلة مع األهايل‬ ‫الذين يعون خطورة مثل هذا التغيري الحاصل‪.‬‬ ‫وقد رصح قائد امليليشيا يف املنطقة الرشقية‬ ‫العميد رياض الطويل أنه سيقوم بسياسة الحصار‬ ‫والتجويع للسكان يف البادية وأن هذا القرار قرار‬ ‫مركزي من العاصمة‪.‬‬ ‫إن هدف النقاط الجديدة التي ثبتتها ميلشيات‬ ‫الدفاع واضح متاماً‪ :‬رعاية عملية التهريب ألخذ‬ ‫حصصهم منها‪ ،‬وباملقابل محاولة حصار البادية‬ ‫واالعتداء عىل سكانها بكافة الوسائل‪ .‬وما يثري من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى قد تؤدي إىل تغريات جديدة‬ ‫القلق أن إعالم النظام أع ّد تقريراً مزيفاً جديداً يف املنطقة من املرجح أن تكون مدروسة ومخططاً لها‪.‬‬

‫تقارير‬

‫تسكن يف رشقي محافظة السويداء مجموعة كبرية‬ ‫من البداوة‪ ،‬من عشائر مختلفة؛ (الهتم‪ ،‬الغياث‪،‬‬ ‫العدوان‪ ،‬الحسن) وهي عشائر لها امتداد مع‬ ‫عشائر األردن‪ ،‬وبادية حمص‪ .‬ويعتمدون عىل قرى‬ ‫الجبل الرشقية يف حاجاتهم املختلفة‪ ،‬كام وتربطهم‬ ‫مع أبناء الجبل عالقات قدمية قامئة مبجملها عىل‬ ‫التعاون والصداقة واملصالح املتبادلة‪.‬‬ ‫حاولت اإلشاعات التي يبثها النظام دامئاً تصوير‬ ‫البادية بكونها مليئة مبقاتيل داعش‪ ،‬الذين‬ ‫يتجهزون للهجوم عىل الجبل‪ ،‬ترافق ذلك مع‬ ‫تهديدات لونا الشبل املقربة من األسد ألهايل‬ ‫السويداء‪ .‬بعدها متت السيطرة عىل منطقة القرص‬ ‫من قبل تنظيم داعش‪ ،‬عىل الطرف البعيد من‬ ‫الجبل‪ ،‬ونزح الكثري من أهايل القرص إىل املنطقة‬ ‫رشقي الجبل‪ ،‬واستمر البداوة بالقدوم إىل بعض‬ ‫القرى التي كانت واعية إلشكالية قطع الصالت مع‬ ‫البادية وال أخالقيتها‪ .‬استمر مجيؤهم وذهابهم‬ ‫بشكل آمن لقضاء حاجاتهم املختلفة‪.‬‬ ‫قبل أكرث من عام أعدت قناة امليادين تقريراً مطوالً‬ ‫ومصوراً عن الخطر القادم من الرشق؛ حيث‬ ‫أوضحت أن االشتباكات ال تهدأ بني أشبال الدفاع‬ ‫الوطني واألهايل‪ ،‬وبني داعش‪ ،‬الذين ال تفصلهم‬ ‫سوى مئات األمتار‪ .‬وأخذت لألبطال املزعومني‬ ‫لقطات وأيديهم عىل الزناد وعيونهم عىل العدو‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وقد كان هذا محط سخرية من األهايل ليس أكرث‪.‬‬ ‫بعد هذا التقرير بأشهر نصب الدفاع الوطني‬ ‫عىل طريق البادية كميناً ُقتل به رجل وطفلة‪.‬‬ ‫واستثمرت الجرمية إعالمياً باعتبارها عملية نوعية‬ ‫ُقتل فيها بعض اإلرهابيني والذ اآلخرون بالفرار‪،‬‬ ‫ومبجهود كبري من األهايل تم اسرتجاع الجثامني‬ ‫ليتم دفنها بشكل الئق‪.‬‬ ‫غري أن هذه القرى أصبحت‪ ،‬وبشكلٍ الفت ومم ّيز‬ ‫بعد هذه األحداث‪ ،‬السيام بعد معركة مطار‬ ‫الثعلة‪ ،‬ممراً للسالح القادم من السويداء ودرعا‪،‬‬ ‫إىل البادية ومن ثم إىل داعش‪ .‬وتعدُّ تجارة وتهريب‬ ‫السالح عم ًال مزدهراً لبعض األنذال املدعومني‬ ‫أمنياً من قبل النظام وبشكل واضح ورصيح‪ .‬ومل‬ ‫تعد تقترص عىل نقل الذخرية أو السالح الخفيف‪،‬‬ ‫بل تعدت ذلك إىل السالح املتوسط‪ ،‬من ألغام‬

‫عن طبيعة هذا التثبيت‪ ،‬حيث واكبه ونقله عىل‬ ‫أنه سيطرة بعد تحرير لنقاط التالل املطلة عىل‬ ‫البادية‪ ،‬وبالتايل سيتم التعامل مع كل ما هو رشق‬ ‫هذه التالل بوصفه إرهابياً‪.‬‬ ‫وقد بدأ بشكل فعيل تفعيل هذه النقاط‪ ،‬وذلك‬ ‫عن طريق إطالق النار بشكل عشوايئ ومن عيارات‬ ‫ثقيلة عىل أهداف متحركة كسيارات عابرة‪ ،‬أو ثابتة‬ ‫ملناطق تجمع منازل البدو (الخيام)‪ .‬وبعد حادثة‬ ‫إطالق النار توجه األهايل الغيورون عىل السلم‬ ‫األهيل‪ ،‬والواعون ملخططات التهجري‪ ،‬وإمكانية‬ ‫الخراب الذي من املؤكد أن عصابة الدفاع الوطني‬ ‫حريصة عليه‪ ،‬إليقافهم عند حدهم وتهديدهم‪.‬‬ ‫وقد وصل األمر اآلن بعد زيارة قائد امليليشيا‬ ‫يف السويداء رشيد سلوم وتعزيز عنارصه وزيادة‬ ‫التسليح‪ ،‬إىل حالة من التحدي واستعراض القوة‪،‬‬ ‫قد تتطور يف أية لحظة‪ .‬والجدير بالذكر أن سكان‬ ‫املنطقة الرشقية يف قرى السويداء قد حافظوا‬ ‫عرب خمس سنوات مضت من الثورة عىل عالقات‬ ‫ممتازة مع سكان البادية‪ ،‬متصدين لكل اإلشاعات‬ ‫والتحريضات واالعتداءات التي تنال منهم‪ .‬غري أن‬ ‫القرار السيايس واضح بهذا الشأن؛ فحالة التجييش‬ ‫ضد النازحني الجدد‪ ،‬وحاالت االعتقاالت الكثرية‬ ‫والعشوائية للبدو يف السويداء الحاصلة اآلن ال‬ ‫تنذر بالخري‪ ،‬باإلضافة إىل الكم الهائل من التهريب‬ ‫للسالح برعاية ضباط وأمنيني باتجاه داعش رشقاً‪،‬‬ ‫توحي بقرار واضح لتغذية الحرب الدائرة يف سوريا‬

‫‪9‬‬


‫فساد دولي في بحر الحرب السورية‬ ‫‪10‬‬

‫وائل موسى‬

‫العدد ‪2016 / 5 / 22 - 70 -‬‬

‫اقتصاد‬

‫تحقيقات وتداعيات‪ :‬أصدرت شبكة األنباء‬ ‫اإلنسانية ‪ IRIN‬تقريراً حول تحقيق أمرييك كشف‬ ‫عمليات فساد يف املعونات عرب الحدود الرتكية‬ ‫السورية‪ ،‬مام أدى إىل تعليق متويل الوكاالت‬ ‫الرئيسية بسبب العموالت غري املرشوعة والرشوة‪.‬‬ ‫جدير بالذكر أن صدور التقرير وإعالن الوكالة‬ ‫األمريكية للتنمية الدولية يف أوائل مايو ‪ 2016‬بعد‬ ‫سنوات عديدة من الكتامن جاء عقب انسحاب‬ ‫املعارضة من محادثات السالم التي انهارت نتيجة‬ ‫التصعيد العنيف من القوات الروسية وعصابات‬ ‫األسد‪ ،‬وقد أعلن املتحدث الرسمي باسم الهيئة‬ ‫العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة‪ ،‬أن السبب‬ ‫الرئييس يف االنسحاب وتأجيل املفاوضات هو عدم‬ ‫جدية الطرف اآلخر‪ ،‬وبشكل خاص عدم وجود أي‬ ‫تغيريات عىل صعيد املساعدات اإلنسانية‪.‬‬ ‫وأشار التقرير إىل أن التحقيقات التي تجريها هيئة‬ ‫رقابية حكومية أمريكية حول الفساد يف تقديم‬ ‫املساعدات عرب الحدود الرتكية السورية تغوص إىل‬ ‫أعامق أكرب مام كان متوقعاً وتكشف عن تورط‬ ‫عدد أكرب من املنظامت غري الحكومية مام ُذكر يف‬ ‫تقارير سابقة‪.‬‬ ‫وقد أعلنت الوكالة األمريكية للتنمية الدولية يوم ‪6‬‬ ‫مايو أنها طلبت من بعض املنظامت غري الحكومية‬ ‫التي ترسل املساعدات من تركيا إىل سوريا وقف‬ ‫جزء من عملها‪ .‬وتأيت هذه الخطوة يف أعقاب‬ ‫تحقيق يجريه مكتب املفتش العام الذي وجد‬ ‫شبكة من املوردين التجاريني وموظفي املنظامت‬ ‫غري الحكومية وغريهم ممن تواطأ “لالنخراط يف‬ ‫تزوير املناقصات ومخططات متعددة للرشوة‬ ‫والعموالت غري املرشوعة تتعلق بعقود إيصال‬ ‫املساعدات اإلنسانية داخل سوريا”‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من أن الوكالة األمريكية للتنمية‬ ‫الدولية ترفض التعليق عىل حاالت محددة‪،‬‬ ‫فقد كشفت املقابالت التي أجرتها شبكة األنباء‬ ‫اإلنسانية أن التحقيقات قد أثبتت تورط العديد‬ ‫من املنظامت الرئيسية‪ ،‬مبا يف ذلك الهيئة الطبية‬ ‫الدولية (‪ )IMC‬ولجنة اإلنقاذ الدولية (‪)IRC‬‬ ‫واملنظمة غري الحكومية األيرلندية (‪ ،)GOAL‬وأن‬ ‫تلك املنظامت عوقبت بتعليق التمويل جزئياً عىل األقل‪.‬‬

‫ويسمح قرار مجلس األمن رقم ‪ 2165‬الصادر يف‬ ‫يوليو ‪ 2014‬رصاحة لوكاالت األمم املتحدة بتقديم‬ ‫املساعدات عرب الحدود السورية الدولية‪ .‬مع ذلك‪،‬‬ ‫فإن املنظامت غري الحكومية الدولية تقوم بإيصال‬

‫املعونات بهذه الطريقة منذ عام ‪ 2012‬عىل األقل‪.‬‬ ‫ويتم تسليم معظم املساعدات إىل املناطق التي‬ ‫تسيطر عليها املعارضة داخل سوريا عرب الحدود‬ ‫مع تركيا واألردن‪ ،‬وأحياناً لبنان‪ .‬وال تقل قيمة‬ ‫املساعدات الرسمية املقدمة عرب الحدود من‬ ‫الجهات املانحة الرئيسية عن ‪ 500‬مليون دوالر‬ ‫سنوياً‪.‬‬ ‫إضاءة‪ :‬حجم األموال املقدمة وبحسب املوقع‬ ‫الرسمي لخدمة التتبع املايل التابع لألمم املتحدة‬ ‫يوضح أن حجم االستجابة لعام ‪ 2016‬وصل إىل‬ ‫حدود ‪ 14%‬من حجم املساعدات املطلوبة‪ ،‬فيام‬ ‫وصل حجم االستجابة لعام ‪ 2015‬إىل ‪42.8%‬‬ ‫من حجم املساعدات املطلوبة‪ ،‬ويعكس مستوى‬ ‫االستجابة بشكل واضح عدم تجاوز ‪ 50%‬مام هو‬ ‫مطلوب سنوياً‪ ،‬مام يعني عدم جدية املانحني‬ ‫يف العمل عىل توصيل املساعدات إلنهاء معاناة‬ ‫السوريني‪.‬‬ ‫فض ًال عام سبق‪ ،‬مل يوضح التقرير أي تفاصيل‬ ‫حول املساعدات املقدمة للسوريني يف املناطق‬ ‫التي ما تزال خاضعة ملا يسمى ب (الحكومة‬ ‫السورية)‪ ،‬وسبق أن أثريت العديد من التساؤالت‬ ‫حول املساعدات املخصصة للشعب السوري‬ ‫والتي توضح يف عدة تحقيقات وعمليات توثيق‬ ‫لناشطني سوريني أنها تستخدم لدعم مليشيات‬ ‫األسد‪ ،‬كام أن قس ًام كبرياً منها بات سلعة تجارية‬ ‫ضمن األسواق دون رقيب أو حسيب حول الفساد‬ ‫املوجود يف هذا الجانب‪.‬‬ ‫تحليل‪ :‬ازدواجية املعايري الدولية يف التدقيق‬ ‫والتحقيق وعىل الرغم من انها ال تعفي املنظامت‬ ‫اإلنسانية السورية املساهمة يف الفساد من‬ ‫املسائلة‪ ،‬إال أنها توضح بشكل منقطع النظري إىل‬ ‫زيادة األعباء عىل كاهل الشعب السوري الثائر يف‬ ‫وجه طاغية‪ ،‬فقد ساهمت الجهات املانحة بشكل‬ ‫مبارش يف عمليات الفساد واإلفساد ملنظامت‬

‫املجتمع املدين‪ ،‬يف الوقت الذي عجزت فيه دول‬ ‫العامل مجتمعة عن كرس الحصار القاتل يف العديد‬ ‫من املناطق السورية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تطورات‪ :‬هذا وأعلنت مؤخرا املجموعة الدولية‬ ‫لدعم سوريا عن اتفاق يبدأ فيه برنامج األغذية‬ ‫العاملي يف إلقاء املساعدات اإلنسانية للمناطق‬ ‫املحارصة جواً إذا تعرث وصولها براً بحلول األول من‬ ‫يوليو‪ /‬حزيران املقبل‪ ،‬كام أعلن كريي األول من‬ ‫أغسطس‪/‬آب املقبل موعدا مبدئيا لبدء املرحلة‬ ‫االنتقالية يف سوريا‪.‬‬ ‫وذكر وزير الخارجية األمرييك أن املساعدات‬ ‫اإلنسانية تستهدف الوصول إىل مناطق دوما‬ ‫وحرستا الرشقية وزملكا وداريا والفوعة وكفريا‬ ‫ومضايا والزبداين واملعضمية والريموك وكفربطنا‪،‬‬ ‫مضيفا أنه بدءا من األول من الشهر املقبل ويف‬ ‫حال ُمنعت األمم املتحدة من إيصال املساعدات‪،‬‬ ‫فإن املجموعة الدولية تدعو برنامج الغذاء العاملي‬ ‫إىل إلقاء املساعدات جوا للمناطق املذكورة‪.‬‬ ‫الفساد ومنظامت املجتمع املدين‪ :‬عىل الرغم‬ ‫من الدور املهم املتوقع أن تواجهه منظامت‬ ‫املجتمع املدين الناشئة يف ظل الثورة السورية‬ ‫ملواجهة الفساد‪ ،‬إال أن الوقائع تشري إىل ذوبان‬ ‫هذه املنظامت يف بحر الفساد‪ ،‬حيث ما تزال‬ ‫كافة الجهات العاملة يف الشأن اإلنساين السوري‬ ‫تتكتم عن مصادر التمويل وحجمها وأماكن‬ ‫رصفها‪ ،‬فالشفافية املالية غري موجودة يف حسابات‬ ‫املنظامت‪ ،‬عىل الرغم من أن العديد من املنظامت‬ ‫تشري بشكل واضح يف أنظمتها الداخلية وسياساتها‬ ‫إىل أهمية دور الشفافية يف التقارير املالية‬ ‫السنوية‪ ،‬إال أن لكل منظمة أبوابها الرسية املخفية‬ ‫حتى عن العاملني فيها‪ ،‬وال يخفى عىل أحد أن‬ ‫مجالس إدارة املنظامت وهمية‪ ،‬فض ًال عن عدم‬ ‫وجود أعضاء غري اإلدارة‪.‬‬ ‫الجهات املانحة ساهمت بشكل واضح يف القضاء‬ ‫عىل الشفافية وعدم املحاسبة‪ ،‬والذريعة دامئاً هي‬ ‫حساسية املعلومات والخطر املحدق بالقامئني عىل‬ ‫هذه املؤسسات‪ ،‬حيث تعترب الجهات املانحة ان‬ ‫اإلعالن عن حجم التمويل للمشاريع وتوضيح‬ ‫أسامء القامئني عليها يجعلهم عرضة االستهداف من‬ ‫قبل املسلحني املتطرفني‪ ،‬لتبدو العملية مشابهة‬ ‫متاماً لحالة الفصائل املسلحة التي ترفض التوحد‬ ‫لسبب أسايس ال يحتاج الكثري من التحليالت‬ ‫للكشف عنه‪ ،‬أال وهو صندوق التمويل الخفي‪.‬‬


‫نشرة اقتصادية‬

‫طلعنا عالحرية ‪ -‬القسم االقتصادي‬

‫اهم املستجدات التي تهم السوريني يف الشتات والداخل‬

‫بحسب الطلبات املنشورة يف موقعهم عىل االنرتنت‪ ،‬تظهر‬ ‫معظم املشاريع موجهة لدعم مناطق موالية لبشار األسد‪،‬‬ ‫وسبق أن أعلن املكتب عن طلب عروض أسعار إلزالة‬ ‫األنقاض من إحدى طرقات حمص التي باتت خالية من‬ ‫سكانها‪.‬‬ ‫ينحرص تقديم العروض بالرشكات املوجودة يف دمشق‪ ،‬حيث‬ ‫يتم استقبال غالبية الطلبات عرب املكتب القطري لربنامج‬ ‫األمم املتحدة اإلمنايئ يف منطقة املزة‪ ،‬وتثري هذه العروض‬ ‫الكثري من التساؤالت حول حيادية الربامج والقدرة عىل تلقي‬ ‫العروض من رشكات متعددة يف بلد ميلئه الفساد ويعيش‬ ‫تحت حكم طاغية يقتل شعبه يومياً يف ظل صمت دويل‪.‬‬

‫تنظيم الدولة‬ ‫وقانونين مخالفات‬ ‫سير جديد‬ ‫عىل الرغم من االشتباكات العنيفة‬ ‫والقصف املستمر من الطائرات الحربية‬ ‫واملدافع وراجامت الصواريخ عىل احياء‬ ‫مدينة دير الزور الخاضعة لسيطرة تنظيم‬ ‫الدولة‪ ،‬وحالة عدم االستقرار والخوف‬ ‫الذي يعيشه املدنيون جراء ذلك‪ ،‬أصدر‬ ‫تنظيم الدولة قرارات ومراسيم جديدة‪.‬‬ ‫فقد أصدرت اليوم ما تسمى بــ “ الرشطة‬ ‫اإلسالمية يف والية الخري” يف مدينة دير‬ ‫الزور قراراً جديداً تعلن فيه عن البدء‬ ‫باملحاسبة عىل املخالفات املرورية‬ ‫وتحديد مبلغ معني لقاء كل مخالفة‪.‬‬ ‫حيث نرشت صفحة دير الزور تذبح‬ ‫بصمت قامئة للمخالفات من بينها‪ ”.‬عدم‬

‫وجود رخصة قيادة‪ ،‬حمولة زائدة‪ ،‬السري عكس‬ ‫السري‪ ،‬والكتابة عىل السيارة “‪ ،‬حيث تبدأ رضيبة‬ ‫املخالفات من ‪ 500‬لرية سورية‪ ،‬وتنتهي ب ‪10000‬‬ ‫آالف‪.‬‬ ‫والجدير بالذكر أن أغلب الطرق غري معبدة وبعضها‬ ‫مدمر وال توجد خدمات للطرق واملواصالت‪ ،‬وأيضا‬ ‫خطورة الشوارع من ناحية وجودها عىل جبهات‬ ‫القتال وتعرضها الدائم لغارات من طريان التحالف‬ ‫الدويل والرويس والسوري‪.‬‬ ‫يذكر أن تنظيم الدولة قد سيطر يف شهر متوز ‪2014/‬‬ ‫عىل عدة أحياء داخل مدينة دير الزور‪ ،‬وقام بإصدار‬ ‫قوانني ومراسيم صارمة بحق املدنيني واإلعالميني‪ ،‬قد‬ ‫تصل العقوبة يف بعض االحيان لإلعدام‪.‬‬ ‫نق ًال عن شبكة شام اإلخبارية‪.‬‬

‫العدد ‪2016 / 5 / 22 - 70 -‬‬

‫يتقدم املكتب القطري لربنامج األمم‬ ‫املتحدة اإلمنايئ يف سوريا بطرح طلب‬ ‫عروض ملشاريع متنوعة يف سوريا كان‬ ‫آخرها يف شهر مايو‪/‬أيار الحايل‪:‬‬ ‫توريد معدات رش مبيدات ملنطقة‬ ‫السلمية‪ ،‬املوعد النهايئ ‪،24/05/2016‬‬ ‫الهدف اإلمنايئ (الزراعة العامة)‬ ‫توريد أدوات مساعدة لذوي‬ ‫اإلعاقة يف سوريا‪ ،‬املوعد النهايئ‬ ‫‪ ،29/05/2016‬الهدف اإلمنايئ (صحة)‬ ‫توفري وتركيب أجهزة إضاءة شمسية‬ ‫يف حمص وطرطوس‪ ،‬املوعد النهايئ‬ ‫‪ ،22/05/2016‬الهدف اإلمنايئ (*)‬

‫ذكرت وكالة األناضول لألنباء الرتكية أن‬ ‫االتحاد األورويب أعلن يف ‪ 12/05/2016‬أنه‬ ‫يخطط لتقديم دعم مادي لالجئني السوريني‬ ‫يف تركيا‪ ،‬بقيمة مليار يورو‪ ،‬حتى نهاية يوليو‪/‬‬ ‫متوز املقبل‪.‬‬ ‫جاء ذلك خالل اجتامع اللجنة التنفيذية‬ ‫املعنية بالدعم األورويب لالجئني السوريني يف‬ ‫تركيا‪ ،‬بالعاصمة البلجيكية بروكسل‪ ،‬حيث‬ ‫قررت ترسيع الدعم املايل املخصص لالجئني‬ ‫ضمن إطار تقاسم األعباء‪.‬‬ ‫وقال عضو املفوضية األوروبية يوهانس هان‪،‬‬ ‫املسؤول عن سياسات التوسيع والجوار‪ ،‬إن‬ ‫االتحاد قدم لرتكيا حتى اآلن ‪ 200‬مليون يورو‬ ‫من أصل ‪ 3‬مليارات يورو املتعهد بها‪ ،‬مضي ًفا‬ ‫“أعتقد أن يصل املبلغ املقدم حتى نهاية‬ ‫يوليو‪ /‬متوز إىل مليار يورو”‪.‬‬ ‫وكان االتحاد األورويب قد تعهد خالل القمة‬ ‫الرتكية االوروبية‪ ،‬التي انعقدت يف ‪ 29‬نوفمرب‪/‬‬ ‫ترشين ثان ‪ ،2015‬بتقديم دعم مادي بقيمة‬ ‫‪ 3‬مليار يورو من أجل الالجئني السوريني يف‬ ‫تركيا‪ ،‬وقرر يف قمة ‪ 18‬مارس‪ /‬آذار املايض‬ ‫تقديم ‪ 3‬مليارات يورو إضافية حتى نهاية‬ ‫عام ‪ 2018‬يف حال انتهاء األوىل‪.‬‬ ‫ومن املقرر أن ُيستخدم الدعم املادي املذكور‬ ‫يف مجاالت التعليم والصحة والبنية التحتية‬ ‫والتغذية وتأمني االحتياجات األخرى لالجئني‬ ‫السوريني يف عموم تركيا‪.‬‬

‫اقتصاد‬

‫مشاريع لبرنامج‬ ‫األمم المتحدة‬ ‫اإلنمائي في سوريا‬

‫تسريع الدعم المادي‬ ‫لالجئين السوريين في‬ ‫تركيا‬

‫‪11‬‬


‫تيسير خلف لـ”طلعنا عالحرية”‪:‬‬

‫‪12‬‬

‫في “مذبحة الفالسفة” تعاملت مع تاريخنا‬ ‫بنظرة جديدة‬

‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪2016 / 5 / 22 - 70 -‬‬

‫ثقافة‬

‫يف “مذبحة الفالسفة” الصادرة مؤخ ًرا عن “املؤسسة‬ ‫العربية للدراسات والنرش” يف بريوت ّ‬ ‫وعمن‪،‬‬ ‫يستعيد الكاتب والروايئ تيسري خلف‪ ،‬السنوات‬ ‫ً‬ ‫محاول اإلضاءة عىل‬ ‫األخرية من حياة مدينة تدمر‬ ‫جوانب غامضة من تاريخ تلك املدينة التي تحولت‬ ‫يف عهد ملكتها زنوبيا إىل مرشوع مدينة فاضلة‪.‬‬ ‫وللتعرف عىل منجزه الروايئ الرابع التقت “طلعنا‬ ‫عالحرية” بـ”خلف”‪ ،‬فكان هذا الحوار‪:‬‬ ‫يقول خلف‪“ :‬روايتي تندرج تحت مسمى ”الرواية‬ ‫التاريخية”‪ ،‬وهي تستلهم حقبة قدمية من تاريخ‬ ‫املرشق العريب‪ ،‬يف نهضته األوىل بعد قرون طويلة من‬ ‫االلتحاق باالمرباطوريات الكربى‪ ،‬كانت جذوة هذه‬ ‫النهضة مجموعة من الفالسفة األفالطونيني الذين‬ ‫استقطبتهم ملكة تدمر زنوبيا إلقامة امرباطورية‬ ‫املرشق عىل أسس العدالة والفضيلة وتقسيم‬ ‫العمل املستمدة من قوانني جمهورية أفالطون‪،‬‬ ‫ولكن الظروف املحيطة بهذه االمرباطورية املمتدة‬ ‫من األناضول إىل مرص مل تسمح لها بأن تستمر‪،‬‬ ‫فتضافر ضدها أعداء الداخل وأعداء الخارج إىل‬ ‫أن كانت النهاية املأساوية املعروفة بتدمري عاصمة‬ ‫االمرباطورية‪ ،‬وإعدام الفالسفة وحبس امللكة يف‬ ‫قرص تيبور”‪.‬‬ ‫تدمر وتصويب الرواية التاريخية‬ ‫تتحدث الرواية (تقع يف ‪ 200‬صفحة من القطع‬ ‫املتوسط) بلسان كاهن تدمر األكرب يف عهد امللكة‬ ‫زنوبيا‪ ،‬وتيضء عىل جوانب غامضة من تاريخ تلك‬ ‫املدينة التي تحولت يف عهد ملكتها زنوبيا إىل‬ ‫مرشوع مدينة فاضلة مل تأذن الظروف لها أن تكتمل‪،‬‬ ‫إذ هاجمت قوات اإلمرباطور الروماين أورليانوس‬ ‫مبساعدة قوات بعض القبائل العربية جيوش زنوبيا‬ ‫وأنهت حكمها يف العام ‪ 275‬للميالد‪ ،‬واقتيدت‬ ‫امللكة ومجلس حكامئها (الفالسفة) مخفورين إىل‬ ‫حمص‪ ،‬حيث نصبت محكمة هناك حكمت عىل‬ ‫الفالسفة باإلعدام‪ ،‬وباإلقامة الجربية عىل امللكة يف‬ ‫قرص تيبور قرب روما‪.‬‬ ‫وبسؤاله عن الشواغل التي عمل عليها يف منجزه‬ ‫يبي ُمحدثنّا أنه “عىل مستوى األفكار‬ ‫الرسدي الرابع‪ّ ،‬‬ ‫طرحت وجهة نظر جديدة يف طريقة النظر والتعامل‬ ‫مع تاريخ تلك الحقبة‪ ،‬فرصاع زنوبيا مع أورليانوس‪،‬‬ ‫ليس رصاعًا بني الرشق والغرب كام حاول كثري من‬ ‫املورخني التأكيد عليه‪ ،‬بل هو رصاع بني وجهتي نظر‬ ‫يف الحياة‪ ،‬كان لها مؤيدوها يف غرب االمرباطورية‪،‬‬

‫ولها ً‬ ‫أيضا معارضون يف الرشق‪ ،‬ولذلك كان مؤيدو‬ ‫زنوبيا يعتربون أنفسهم مؤيدين للمملكة الفضيلة‪.‬‬ ‫أما عىل مستوى اللغة فقد اشتغلت عىل موضوعة‬ ‫اللغة القدمية‪ ،‬وطرائق الخطاب التي كانت سائدة‬ ‫قبل ‪ 18‬قر ًنا من خالل قراءايت ألدب وفكر تلك‬ ‫العصور‪ ،‬وأظنني وصلت إىل ماكنت أريد”‪.‬‬ ‫محاكاة لتاريخ الديكتاتورية املعارص‪..‬‬ ‫يف “مذبحة الفالسفة” يحاول تيسري خلف اإلجابة‬ ‫عن مجموعة من التساؤالت املتعلقة بالهوية‬ ‫الثقافية للمرشق يف ذلك الزمن‪ ،‬واستحالة إقامة‬ ‫مملكة فاضلة يف عامل تتناهبه املصالح السياسية‬ ‫والتناقضات الدينية‪ .‬راو ًيا كيف اغتال الغرب املدينة‬ ‫يف العام ‪ 275‬للميالد يف وقت ترتكب فيه “داعش”‬ ‫اليوم جرميتها الكربى مغتالة حارض وتاريخ تدمر‪،‬‬ ‫يف هذا السياق سألناه‪ :‬هل تعمدت كتابة هذا‬ ‫التاريخ روائ ًيا يف محاولة ملحاكاة الحارض‪ ،‬والربط‬ ‫ماض من ٍري حكمه العقل وحارض بغيض يسيطر‬ ‫بني ٍ‬ ‫عليه االستبداد السيايس والديني؟ وكيف ترى األدب‬ ‫كشهادة حية عن اللحظة التاريخية؟ فأجابنا‪“ :‬أنا‬ ‫مشغول بالحارض‪ ،‬وليك أفهمه أبحث وسائل تحليله‬ ‫حتى يف التاريخ‪ ،‬كنت أتساءل دو ًما ملاذا قتل‬ ‫أورليانوس الفالسفة وعفا عن الجنود الذين عاد‬ ‫وأرسلهم إىل شاميل إفريقيا‪ ،‬ال شك يف أنه كان يدرك‬ ‫خطر استمرار هذا الفكر ألنه الشك سيعيد بناء‬

‫نهضة حتى لو خرست تدمر املعركة‪ ،‬الخطر بالنسبة‬ ‫ألورليانوس مل يكن يف جيوش تدمر وإمنا يف فالسفتها‬ ‫ومفكريها‪ ،‬متا ًما كام يفكر أي ديكتاتور مغتصب يف‬ ‫هذا العرص‪ ،‬حني يسجن املثقفني ويقتلهم ويطلق‬ ‫رساح املتطرفني ويعقد الصفقات مع حملة السالح‪”.‬‬ ‫ونسأل الروايئ الفلسطيني السوري عن الحدود‬ ‫الفاصلة يف العمل الروايئ بني االشتغال عىل‬ ‫التوثيق والخيال الروايئ؟ وهل هناك فرو ًقا بني‬ ‫كتابة التاريخ املعتمد عىل الوثائق التاريخية‪ ،‬وبني‬ ‫الرواية التاريخية؟ فيقول‪“ :‬أعتقد أن فن الرواية‬ ‫يحتمل ماال يحتمله النص التاريخي‪ ،‬يف الرواية‬ ‫مثة هامش للخيال‪ ،‬إجابات عىل أسئلة معلقة‪،‬‬ ‫وجهة نظر جديدة‪ ،‬فأنت غري ملزم بحرفية الرواية‬ ‫التاريخية وقوانينها الصارمة‪ ،‬أنت هنا حر يف قراءة‬ ‫التاريخ‪ُ ،‬تسبغ عليه رؤيتك كام كونتها من مصادر‬ ‫شتى‪ ،‬ولذلك فإن الرواية التاريخية هي فن شديد‬ ‫الوعورة‪ ،‬وفيه مغامرة كربى تحتاج إىل عمل توثيقي‬ ‫مضاعف‪ ،‬وجهد بحثي ال يقل عن الجهد االبداعي‬ ‫الذي تفكر فيه‪.”..‬‬ ‫وهنا يتجدد السؤال هل أن “الرواية تحيك ما مل يقله‬ ‫التاريخ” وذلك انطال ًقا من تجربة “خلف” الرسدية‬ ‫يف روايتيه (موفيوال ‪ ،2013 -‬ومذبحة الفالسفة‪-‬‬ ‫‪)2016‬؟‪ .‬فيقول‪“ :‬نعم عىل الرواية التاريخية أن‬ ‫تستنطق الوثيقة التاريخية‪ ،‬وأن تبني عليها‪ .‬وحني‬ ‫نشأ علم التاريخ عىل يد هريودوت قبل ‪2500‬‬ ‫عام‪ ،‬كان هذا الهاجس يالزمه‪ ،‬فلم يخل نصه من‬ ‫خيال إبداعي‪ ،‬ومحاكمة عقلية للوقائع‪ ،‬ولذلك‬ ‫يشكك بعض مؤرخي العرص الحديث املدرسيني‬ ‫بكتاب هريودوت‪ ،‬لوجود الخيال فيه‪ ،‬ولكن اآلداب‬ ‫املعارصة حلت هذه اإلشكالية وابتدعت الرواية‬ ‫التاريخية لتجاوز هذه املعضلة”‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫سوريو “الشتات” في األدب والسينما والدراما‬ ‫ّ‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫فرج بيرق‬ ‫دار وفواز القادري يحصالن‬ ‫على ج‬ ‫ائزة الشاعر حامد بدرخان‬

‫جائزة جديدة لفيلم “بوردينغ”‬ ‫حصل فيلم بوردينغ للمخرج‬ ‫والكاتب السوري غطفان‬ ‫غنوم بالجائزة الخاصة للجنة‬ ‫التحكيم للدورة الخامسة من‬ ‫املهرجان املتوسطي للسينام‬ ‫والهجرة مبدينة وجدة يف‬ ‫اململكة املغربية‪ ،‬وقد تألفت‬ ‫لجنة التحكيم من املخرج نور‬ ‫الدين الخامري رئيسا‪ ،‬ووزيرة‬ ‫الثقافة السابقة الفنانة ثريا‬

‫الفنان‬ ‫فارس‬ ‫الحلو في‬ ‫الدراما‬ ‫الفرنسية‬

‫ألمانيا يو ّثق‬ ‫م “جليلة” في‬ ‫فيل‬ ‫رأة في الثورة‬ ‫دور الم‬

‫ريسدن يوم األربعاء‬ ‫هاوس” يف مدينة د‬ ‫دت صالة “شتادتايل‬ ‫مخرج السوري عدنان‬ ‫شه‬ ‫م السوري “جليلة” لل‬ ‫أيار‪-‬مايو‪ ،‬عر ًضا للفيل‬ ‫حمل طاب ًعا توثيقيا‪،‬‬ ‫‪11‬‬ ‫ث والعرشين دقيقة‪،‬‬ ‫يتو‪ .‬الفيلم ذو الثال‬ ‫السورية يف مجريات‬ ‫ج‬ ‫املرأة‬ ‫للحدث الثوري يف سوريا‪ ،‬سيام مشاركة سلمية‪ ،‬ومشاركة املرأة‬ ‫هرة‬ ‫األحداث وصناعتها‪ ،‬منذ انطالقة أول تظا ل اإلغايث‪ ،‬ومساهمتها‬ ‫ن تظاهرات‪ ،‬إىل العم‬ ‫تالها م‬ ‫ية للمدن والبلدات‬ ‫الفاعلة بها‪ ،‬وما ساعدات الغذائية والطب ّ‬ ‫املؤثرة يف إيصال امل‬ ‫يز للمرأة السورية يف‬ ‫الفيلم عىل الدور املم‬ ‫اء‬ ‫ض‬ ‫السور ّية املحارصة‪ ،‬وأ‬ ‫تقارير الصحفية‪.‬‬ ‫العمل اإلعالمي امليداين كالتصوير ورفع ال ية جليلة الرتك‪ ،‬ابتعد‬ ‫نه اسم الناشطة السور‬ ‫عنوا‬ ‫دوران حول شخصية‬ ‫الفيلم الذي حمل راجية فريدة‪ ،‬عن ال‬ ‫خرجه عرب توليفة إخ‬ ‫ظهور مبارش لصاحبة‬ ‫م‬ ‫سورية “جليلة”‪ ،‬دون‬ ‫أة‬ ‫حورية‪ ،‬جاعال كل امر‬ ‫ياسية سورية معنية‬ ‫م‬ ‫جليلة الرتك ناشطة س‬ ‫السم‪ .‬جدير بالذكر أن‬ ‫الشعب الدميقراطي‬ ‫ا‬ ‫وهي عضو يف حزب‬ ‫حقوق املرأة خاصة‪،‬‬ ‫ى التغيري الدميقراطي‬ ‫ب‬ ‫ويف إعالن دمشق لقو‬ ‫السوري‬

‫ثقافة‬

‫دخل املمثل السوري فارس الحلو الدراما الفرنسية من خالل مشاركته األوىل من‬ ‫نوعها يف املسلسل ‪ Le Bureau des Légendes‬أو “مكتب األساطري” للمخرج‬ ‫اربك روشان‪.‬‬ ‫واعترب الفنان السوري املقيم يف فرنسا حال ًيا والحاصل عىل جائزة أفضل ممثل‬ ‫مبهرجان فالنسيا السيناميئ الدويل يف العام ‪ ،2007‬أن هذا العمل يفتح له أبوا ًبا‬ ‫جديدة عىل املستوى العاملي‪.‬‬ ‫وقال الحلو يف ترصيح ملوقع سيديت إنه يجسد شخصية تدعى هاشم الخطيب‪،‬‬ ‫وهو رجل أعامل سوري مقيم يف فرنسا‪ ،‬وتدور أحداث العمل يف مكتب‬ ‫االستخبارات الفرنسية واألمريكية‪.‬‬ ‫ووف ًقا للحلو الذي يشغل عضوية نقابة الفنانني بدمشق منذ العام ‪،1984‬‬ ‫سيعيش هاشم قصة حب مع فتاة فلسطينية اسمها ناديت‪ ،‬ما يدفعه لدخول‬ ‫سوريا عىل أساس أنها مهمة‪ ،‬لكن يكون السبب الرئييس البحث عن حبيبته التي‬ ‫تتعرض للتهجري بسبب األوضاع يف البالد‪.‬‬

‫جربان‪ ،‬واملخرجة التونسية كاهينة عطية‪،‬‬ ‫واملنتجة الفرنسية ماريا دميوالن‪ ،‬واملثلة‬ ‫نزهة رحيل‪ ،‬والناقد السيناميئ بالل مرميد‪.‬‬

‫العدد ‪2016 / 5 / 22 - 70 -‬‬

‫أعلنت لجنة جائزة الش‬ ‫اعر حامد بدرخان لإلبداع‪ ،‬والتي أطلقتها‬ ‫رابطة الكتاب والصحافيني‬ ‫الكورد يف سوريا ضمن سلسلة جوائزها‬ ‫األدبية‪ ،‬عن منحها يف دو‬ ‫رتها الجديدة للشاعرين فرج بريقدار وفواز‬ ‫القادري‪ ،‬وتكونت لجنة ا‬ ‫لتحكيم التي يرتأسها الشاعر حسان عزت‬ ‫من‪ :‬إبراهيم محمود‪ ،‬أ‬ ‫مني سيدو‪ ،‬جان دوست‪ ،‬مروان عيل‪ ،‬فدوى‬ ‫كيالين‪ ،‬يونس الحكيم‪ ،‬محمد املطرود‪.‬‬ ‫يذكر أن فرج بريقدار شاعر‬ ‫ومعتقل سيايس ملدة ‪ 14‬عا ًما من مواليد‬ ‫‪ 1951‬ويقيم يف السويد‬ ‫صدر له أكرث من عرشة كتب وصدرت له‬ ‫ترجامت لشعره إىل لغ‬ ‫ات عدة‪ ،‬كام حصل عىل عدة جوائز دولية‪.‬‬ ‫أما فواز القادري فهو من‬ ‫مواليد دير الزور ‪ 1956‬فصدر له أكرث من‬ ‫عرشة كتب‪ ،‬ويحب أن يع‬ ‫ّرف نفسه بـ “الشاعر األمي” ألنه مل يتعلم‬ ‫يف املدرسة‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫في الحرب‬ ‫‪4‬‬ ‫‪14‬‬

‫رامي العاشق‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2015 // 58 // 22‬‬ ‫‪2 - 70‬‬

‫السالح‬ ‫أعطيك‬ ‫يف الحرب‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫دمك‬ ‫فأعطني ِ‬ ‫ِ‬ ‫السام ُء ٌ‬ ‫قريبة‬ ‫ُ‬ ‫نهدك الدامي‬ ‫والخوف ل ّو َن ِ‬ ‫طافح بالنا ِر والبارو ِد‪،‬‬ ‫ووجه ُِك ٌ‬ ‫ك ُّف ِك ل ّو ْ‬ ‫حت‪،‬‬ ‫الشامي‬ ‫ك ّفي تق ّب ُل لو َن ِك‬ ‫َّ‬ ‫الرصاص‪:‬‬ ‫يسألني‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫“أال تخاف”؟‬ ‫وأطلقُ‬ ‫جفني املكسو ِر‬ ‫يف‬ ‫التي‬ ‫ر‬ ‫النا‬ ‫‪،‬‬ ‫أجيب‬ ‫“بىل”‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خالص ًة لوج ِهك‪:‬‬ ‫واحبيبا ُه اح ِرتق! فالرب ُد أك ُرث من شفاهك زرقة‪ً،‬‬‫والنا ُر تسأ ُلك البقا َء‪.‬‬ ‫دم‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫بالصمت وبكا ْيئ‪،‬‬ ‫طافح‬ ‫ِ‬ ‫ووجه ُ​ُك ٌ‬ ‫الهدو ُء سؤا ُل ِك الباقي‬ ‫بالزيت‬ ‫وعتم ِك ُمو َقدٌ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ظالم ُمش َع ٌل‪..‬‬ ‫والدنيا ٌ‬ ‫الحرب‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫من يلْ‬ ‫اب؟‬ ‫غ ُري‬ ‫ِ‬ ‫وجهك يف الخر ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فخفت!‬ ‫حملت أسلح ًة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كتبت شع ًرا‪َ ..‬‬ ‫بات مكسو َر النهاي ِة‬ ‫ُ‬ ‫ألقاك‬ ‫قلت‪ :‬سأ ِع ّد الخر َ‬ ‫ليوم ِ‬ ‫اب ِ‬ ‫انتهى مني‬ ‫ني‬ ‫و ْمل يق َو الحن ُني عىل الحن ِ‬ ‫معارك مل تكنُْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وكنت وحدي يف‬

‫ثقافة‬ ‫لقاءات‬

‫الحرب‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫أعطيك القصيد َة‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫كهدب ضاق جفنٌ ما علي ِه‬ ‫أعطني قلم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الكتاب‬ ‫فهم منتح ًرا عىل جسد‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫خذي يديّ‬ ‫قبلتك األخرية‬ ‫وأعطني يف‬ ‫الصبح ِ‬ ‫ِ‬ ‫دون أن أدري‬ ‫َ‬ ‫وال ترمي عىل جسدي ظالل ِك‬ ‫ال تقويل يل “وداعًا”‬ ‫قويل لَهْ‪.‬‬ ‫وتجاهليه‪..‬‬ ‫حدس النسا ِء‬ ‫وأخ ِريس َ‬ ‫ً‬ ‫الظالم‬ ‫يف‬ ‫ا‬ ‫غيظ‬ ‫املوت‬ ‫كذا ميوت‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫املوت يع ِر ُف مقت َل ْه‬

‫الجئين‬ ‫فادي جومر‬

‫الحرب‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫ال تقوى الطيور عىل الغنا ِء‬ ‫رأيت عصفو ًرا تغ ّو َط َ‬ ‫ُ‬ ‫فوق جنديّ ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫غاضب‪،‬‬ ‫برأس‬ ‫رأيت نعامة نهضت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫فيختفون‪..‬‬ ‫نغم تحملق يف الصغا ِر‬ ‫ورأيت طائر ًة بال ٍ‬ ‫ْ‬ ‫العيون‬ ‫الرصاص من‬ ‫الحرب ينهم ُر‬ ‫يف‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الحرب‬ ‫أما أنا يف‬ ‫ِ‬ ‫يأكلني حذايئ مثل طاغي ٍة صغ ٍري‬ ‫ر َاح ُ‬ ‫يأكل منزلَ ْه‬ ‫فإذا ُج ِر ُ‬ ‫حت خلع ُت ُه‬ ‫َ‬ ‫فعال َم جرحي أذهلهْ؟‬ ‫قدمي تس ُري إىل الوراء‬ ‫الشوق َ‬ ‫ُ‬ ‫أدرك ن ّد ُه‬ ‫ومىش إلي ِه وك ّبل ْه‬ ‫“بني خذين”‬ ‫‪:‬‬ ‫الغياب‬ ‫يسألني‬ ‫يف الحرب‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ال أع ُري له انتباهً ا‬ ‫أقتبس السؤال‪ ،‬وأختفي يك أسأل ْه‬ ‫ثم‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫أحيا كآخ ِر م ّي ٍت‬ ‫وأوص َل ْه‬ ‫أخ َذ الرساب عىل يدي ِه َ‬ ‫الحرب أخت ُرب الحيا َة ومو َتها‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫وجهي كأن له الغبا َر متيمةٌ‬ ‫ُ‬ ‫واملوت يكملني‬ ‫ومويت أكم َل ْه‬ ‫ُ‬ ‫الزمان‬ ‫الحرب ال يقف‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫عىل املعاب ِر يف الحصا ِر‬ ‫ٌ‬ ‫وقاذف للنا ِر وجهي‬ ‫أس ُري مقطوع اليدين‬ ‫غاضب كمجنزر ْة‬ ‫ٌ‬ ‫يف الحرب وحدي مجزرةْ‬ ‫الدامي‬ ‫وجهك‬ ‫يو ًما سأسكن‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫خيبات الحيا ِة‬ ‫وأحيص كل‬ ‫ِ‬ ‫وأقتفي أث َر النهاية‬ ‫مثل من ق َل َب الكتاب وأ ّول ْهَ‬ ‫الخالص‬ ‫ثم اقتفى قد َر‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫وعجل ْه‬ ‫ّ‬ ‫يا قاتل ْة‪..‬‬ ‫الحرب ال تدري بأن املوت يصنع شاع ًرا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فاملوت حزّم خرص أغنيتي‬ ‫أ ّما أنا‪..‬‬ ‫وقلبي‪...‬‬ ‫صار قلبي‪ ....‬قنبلةْ‬

‫ِمن املوت‪..‬‬ ‫ِمن حقد عَم ياكل عمر‬ ‫ِمن تعب معجون بقهر‬ ‫ِمن حلم عم يشحد صرب‬ ‫هربوا‪..‬‬ ‫أصلن ِمن الحرف العتيق‬ ‫وريحنت من غار‪..‬‬ ‫وجوهن متل آخر حريق‬ ‫نارين تحت النار‪..‬‬ ‫تعنب‪ ..‬وجع حنّ الطريق‬ ‫والبحر ّ‬ ‫نشف‪ ..‬غار‪..‬‬ ‫عَ كتافهن‪..‬‬ ‫م ِتل اليل حملوا والدهن‬ ‫وحقّ انهضم‪ ..‬يعيشوا متل هالناس‬ ‫بجيابهن‪..‬‬ ‫متل اليل خبوا جباههن‬ ‫ومفتاح بيت انهد فوق الراس‬ ‫ع تيابهن‪..‬‬ ‫متل اليل ردّوا بابهن‬ ‫يداروا القهر‪ ،‬عملوا الصرب‪ :‬مرتاس‬ ‫وتف ّرقوا‪..‬‬ ‫عم تودّع األبدان وقت غياب‪:‬‬ ‫أرواح ّ‬ ‫منهن أكل منّه الوجع‪ ..‬تـ قال حاج‬ ‫منهن غرق‪ ،‬بالرمل أو بالبحر ملا ماج‬ ‫منهن وصل‪ ..‬وملا وصل ردّوا بوجهو الباب‬ ‫ومنهن ِو ِقف‪:‬‬ ‫بني الرمل واملي وامللح الحلو‬ ‫مدري طفل‬ ‫مدري خ ِلق ختيار عمرو مو إلو‬ ‫غرقان ع ّ‬ ‫شط الحلم!‬ ‫وكيف الـ ِو ِصل ع الشط ‪..‬‬ ‫ِو ِصل ورجع غرقان؟‬ ‫كم ألف ض ّلوا بالبحر‬ ‫بقلب البحر‬ ‫وكم ألف غرقوا ِع الرمل‬ ‫مبوج القهر‬ ‫كل طفل قتلولوا الحلم‪“ :‬إيالن”‪..‬‬


‫يوميات ياسمين (‪)8‬‬

‫‪ ...................................‬يتبع يف العدد القادم‬

‫‪2016 / 5 / 22‬‬

‫اليابسة الوحيدة كانت الطاولة‪ ،‬واملياه التي أنعشت‬ ‫قدمي “أبو إلياس” الحافيتني جعلته منتشياً‪ .‬أمر‬ ‫“ماجد” بالركوع عىل الطاولة بعد أن وضع عليها “رزاً‬ ‫وعدساً ومشمشاً”‪“ :‬يلال حبيبي بس خلص هذول الك”‬ ‫محققاً “أبو إلياس”‪“ :‬بزره فيه كجنسه”‪.‬‬ ‫يف اليوم الرابع‪ :‬عمل الله النورين العظيمني؛ الشمس‬ ‫والقمر‪ ،‬ليفصل النور عن الظلمة‪ ،‬والليل عن النهار‪،‬‬ ‫ولتكون األيام والسنني والفصول‪ ،‬و دائرة الزمان‪345“ .‬‬ ‫يلال برسعة لك عرصة‪ ،‬مطلوب عالتحقيق”‪ُ .‬ط ِّمشت‬ ‫عينيه‪ ،‬و ُربطت يديه‪ ،‬ليأتيه صوت ّ‬ ‫أجش يسمعه ألول‬ ‫مرة‪“ :‬هنت أمجد”؟ “ال سيدي ماجد”‪“ ..‬لك خرى وال‬ ‫أنت ‪ ،345‬آبتفهم؟”‪“ ،‬حكيلنا يا ‪ 345‬من أول ما نزلت‬ ‫من بطن الرش‪ ..‬لهلق‪ ..‬وأصحك تقيل عن شو بدك تحيك‪..‬‬ ‫املهم تحيك وما توقف”‪ .‬مرتجفاً وباكياً بدأ “ماجد”‬ ‫الحديث مبا أسعفته الذاكرة عن مرحلة ما قبل املدرسة‪،‬‬ ‫ثم دخوله املدرسة وأسامء املعلمني واملعلامت‪ ..‬قاطعته‬ ‫لكمة أردته أرضاً‪“ :‬عبتتمسخر علينا يا عرصة‪ ،‬والله‬ ‫لخيل طي‪..‬ك متل طي‪ ..‬الرقاصة‪ ..‬أحيك وال عن السالح‬ ‫ييل إجا لعندكن عالضيعة”‪ .‬ليفهم “ماجد” الصغري أن‬ ‫الزمن عندهم ليس حياته بل هو يشء آخر؛ الزمان الذي‬ ‫عاشه ال قيمة له يف حرضتهم‪ ،‬زمانهم مختلف‪ ،‬مفارق‪،‬‬ ‫متعال! “احكييل عن املظاهرات‪ ..‬بدي أسامء‪ ،‬وكيف‬ ‫بلشتو تجيبو سالح‪ ..‬والعمليات اإلجرامية ييل تساوت‬ ‫حويلة الضيعة”‪ .‬متنهنهاً من البكاء “ماجد”‪“ :‬والله يا‬ ‫سيدي بحيايت ما شفت سالح”‪“ .‬كذاب وال‪ ..‬خذو وبكرا‬ ‫لينولوا راسو”‪.‬‬ ‫اليوم الخامس‪“ :‬ولتفض املياه زحافات ذات نفس حية‬ ‫وليطر طري فوق األرض عىل جلد السامء”‪ .‬م ّر الصباح‬ ‫كام ًال دون استدعائه‪ .‬بعد وجبة الغداء‪ُ ،‬فتح الباب‬ ‫ّ‬ ‫وأطل من ورائه “أبو إلياس” تجتاحه نوبة‬ ‫الحديدي‬ ‫غضب مصطنعة‪ ،‬أمسك “مباجد” من شعره وج ّره عىل‬ ‫طول امل ّمر املمتلئ ببقع الدماء‪ ،‬اصطدم “ماجد” بجثة‬ ‫رجل ممدد ثم بجثة أخرى‪ ،‬هاجمته نار الخوف صقيعاً‬ ‫بارداً ّ‬ ‫احتل كيانه‪“ ..‬لك عبتخبي علينا يا كلب‪ ..‬لك أبو‬ ‫محيي قال أنو البواريد انحطت عندكن باملطحنة‪ ،‬والله‬

‫العدد ‪- 70 -‬‬

‫لوحة للفنان ديالور عمر بعنوان “قصة الجئة”‬

‫الصبي يف‬ ‫لخيل السمك ياكل راسك”‪ .‬وأدخل رأس‬ ‫ّ‬ ‫حوض السمك‪“ .‬ماجد” الذي أيقظته كلمة املطحنة‬ ‫غاب بني الذكرى واالختناق‪“ .‬وليطر طري فوق األرض‬ ‫عىل جلد السامء” تحولت يف أسطورة الفناء إىل‪“ :‬يلال‬ ‫طلعويل يا عبساط الريح”‪“ ،‬لتخرج األرض ذوات أنفس‬ ‫حية” فكانت البهائم والوحوش والدواب‪“ ،‬وقال الله‬ ‫نعمل اإلنسان عىل صورتنا كشبهنا” وكان اإلنسان عىل‬ ‫صورته‪ ،‬ذكراً وأنثى خلقهم وباركهم الله وقال لهم‬ ‫أمثروا وأكرثوا‪ ..‬وقال الله إين قد أعطيتكم كل بقل‬ ‫يبزر بزراً‪ ..‬وكل شجر فيه مثر‪ ..‬لكم يكون طعاماً‪ ..‬وكل‬ ‫حيوان‪ ..‬وكل طري‪ ..‬وكل دا ّبة عىل األرض فيها نفس‬ ‫ح ّية‪ ..‬ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن‪ .‬وكان‬ ‫مساء وكان صباح يوماً سادساً”‪.‬‬ ‫فتحت أبواب الجحيم منذ الصباح الباكر‪ .‬أم َر كل‬ ‫املساجني بالخروج دفعة واحدة إىل ساحة يحيطها سور‬ ‫ذو علو شاهق‪ ،‬وعدد السجانني كان بتزايد‪ ،‬وكأن آلة ما‬ ‫خلف السور تقوم بتصنيعهم‪ ،‬أو أن خروجهم كان من‬ ‫جهنمي لألرض‪ ،‬عراة الصدر‪ .‬العضالت الكبرية‬ ‫باطن‬ ‫ّ‬ ‫املفتولة تخفي الوجوه الوحشية عن عيون السجناء‬ ‫الذين افرتشوا أرض الساحة‪ ،‬يحملون العيص والسياط‬ ‫وقضباناً ثخينة من الحديد‪ ،‬يحملون رصاخهم املل ّون‬ ‫بكل أشواق القتل والتعذيب‪ ،‬رغبة اإلبادة لكل ما‬ ‫هو حي تحرك أجسادهم‪ .‬بعد أول جلسة من الرضب‬ ‫بالعيص والحديد‪ ،‬باأليدي واألرجل‪ ،‬رصخوا باملساجني‬ ‫بأن يتجردوا من كل مالبسهم‪ ،‬مبا فيها القطع التي‬ ‫عربت عن بدايات وعي البرش لنفسهم‪ .‬املنظر املهيب‬ ‫ملئات األجساد املتالصقة املمددة‪ ،‬رائحة خوفهم‬ ‫حركت بالسجانني غريزة الذئب بالذبح الجامعي‪ .‬آلة‬ ‫التصنيع مل تتوقف عن إنتاج الذئاب والوحوش لتغذي‬ ‫جهنم املفتوحة‪ .‬الرصاخ والعويل والبكاء‪ ،‬برك الدم‪،‬‬ ‫صوت العظام املتكرسة‪ ،‬العيون الشاخصة ألبعد نقطة‬ ‫من الكون‪ ،‬العيون املعاتبة للمباركة اإلله ّية‪ ،‬معاتبة‬ ‫بأن كيف تركت ابنك وحيداً؟!‬ ‫الكثري من املسنني فارقوا الحياة بالنصف ساعة األوىل‪،‬‬ ‫كانوا أكرث حظاً من غريهم‪ .‬رائحة املوت املنترشة‬ ‫باملكان أم ّلت الكثريين بقرب الخالص‪ ،‬وخففت‬ ‫عذاباتهم‪“ .‬ماجد” البايك دامئاً وأبداً‪ ،‬البايك وابتسامته‬ ‫الصينية مل تغادر وجهه‪ ،‬مل يعد يقوى عىل النهوض؛‬ ‫خدر برجليه‪ ،‬الكتف املخلوع‪ ،‬أضالعه التي سمع‬ ‫تكسها‪ ،‬غيابه املتك ِّرر عن الوعي‪ ،‬وصوالً اىل‬ ‫صوت ّ‬ ‫نجد‪ ..‬واالنفصال عن كل هذا األمل‪.‬‬ ‫الهذيان ا ُمل ِ‬ ‫“فرغ الله يف اليوم السابع من عمله الذي عمل‪،‬‬ ‫فاسرتاح يف اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل‪،‬‬ ‫وبارك الله اليوم السابع وقدّسه ألنه فيه اسرتاح‪ ..‬هذه‬ ‫مبادئ السموات واألرض حني خلقت‪”..‬‬ ‫وكان اسرتجاع روح “ماجد”‪ ..‬لكن اىل حني‪..‬‬

‫شهادات‬

‫روح “فريوز” املضطربة املأسورة عند مالئكة السامء‬ ‫كانت تحلم بحلولٍ يف أحد األجساد امليتة تحت‬ ‫التعذيب والقريبة من زنزانة “ماجد”‪ ،‬أو حلول يكون‬ ‫باألشياء؛ جدار الزنزانة أو بابها أو بنطال “ماجد”‪،‬‬ ‫جرابه‪ ،‬حذائه ال فرق!‬ ‫أليس اضطراب روحها دليل عىل أن السامء مل تقدّم‬ ‫اإلجابة؟ أو أن اإلجابة ال تساعد عىل السكينة؟ أم‬ ‫هو قلب أ ٍّم آثر االمتداد والطوفان عىل قد ٍر ال يق ّر‬ ‫به؟ هل استجابت السامء لكل هذا الهيجان بأن تكون‬ ‫عيناً يف الجدار الصلب تراقب اعتداءات “أبو إلياس”‬ ‫عىل الجسد الورديّ ؟ وأذناً عىل أكرة الباب الحديديّ‬ ‫تسمع رصخات مسكوتة لحنجرة تبيك وتبيك وتصدح‬ ‫روحك‬ ‫أملاً وقيحاً؟ “ماما دخلك يا ماما وينك؟” هل‬ ‫ِ‬ ‫ستبقى مس ّمرة عىل أبواب السجن وجدرانه رافض ًة‬ ‫العودة‪ ،‬أم أنك ستحاكمني السامء؟‬ ‫استشهد “ماجد”! جسده الغض مل يتحمل أكرث من‬ ‫“سفر الت ّكوين” كام هي‬ ‫سبعة أيام‪ ..‬سبعة أيام هي ِ‬ ‫أسطورة الفناء!‬ ‫يف اليوم األول‪“ :‬ليكن نور”؛ خلق الله النور وفصل‬ ‫النور عن الظلمة‪ ..‬صار النهار والليل‪ .‬ويف اليوم األول‬ ‫من زنازينهم‪“ :‬شو اسمك ولك عرصة”؟ وبصوت عاجز‬ ‫هو الرماد املطفأ‪“ :‬ماجد سيدي”‪“ .‬أنت عنا رقم ولك‬ ‫طي‪ ...‬رقمك ‪ ،345‬تعا وال‪ ..‬رح أكتبو عجسمك”‪ .‬أكان‬ ‫مرشطاً أو قطعاً من البالستيك الحارق املذاب؟ دموع‬ ‫“ماجد” املرافقة لرصاخه “آخ يا أمي آخ” سيوالً لذاكرة‬ ‫تكتب تاريخاً‪ .‬يف اليوم األول ألغيت األسامء!‬ ‫يف اليوم الثاين‪“ :‬ليكن جلدٌ يف وسط املياه”؛ ليكون‬ ‫فاص ًال بني مياه ومياه‪ ،‬ودعا الله الجل َد سامءاً‪ .‬اليوم‬ ‫الثاين عند “أبو إلياس”‪“ :‬ليك يا منيك‪ ..‬اليوم ما بدنا‬ ‫تقلنا يش” مشرياً اىل الكرباج الذي بيده‪“ ،‬عزرائيل بدو‬ ‫يبوسك بس”‪ ،‬وبدأ َيجلدُ “ماجد”‪ ،‬هو يوم الج ْلد قبل‬ ‫التحقيق‪ .‬مل يتحمل الصغري سوى دقائق معدودة حتى‬ ‫ثم مياهٌ‪..‬‬ ‫ثم ميا ٌه ليستفيق‪ ،‬ثم جلدٌ ّ‬ ‫أغمي عليه‪ .‬جلدٌ ّ‬ ‫بعدها ُل ّف الجسد النازف ببطانية سوداء ُليمى يف‬ ‫الزنزانة!‬ ‫ثالث األيام‪ ،‬قال الله‪“ :‬لتجتمع املياه تحت السامء إىل‬ ‫مكان واحد و لتظهر اليابسة”‪ ،‬فكانت األرض والبحر‪.‬‬ ‫وأم َر األرض‪“ :‬لتنبت عشباً و بق ًال‪ ...‬وشجراً يعمل مثراً‪،‬‬ ‫بزره فيه كجنسه”‪“ .‬أبو إلياس” الذي كان يهتم بنظافة‬ ‫بالسجان‪“ :‬جبيل ‪ 345‬يشطفيل املكتب”‪.‬‬ ‫مكتبه صاح‬ ‫ّ‬ ‫دخل “ماجد” املكتب وهو يرتجف من الحمى التي‬ ‫ما فارقته الليل بطوله‪ ،‬أصابه الخوف من “أبو إلياس”‬ ‫الناظر للكدمات املنترشة عىل جسم الصغري‪“ :‬شو‬ ‫بك حبيبي ال تخاف نحنا هيك منستقبل ضيوفنا‪،‬‬ ‫يلال فرجيني شطارتك بالشطف‪ ،‬وإذا اشتغلت مليح‬ ‫مش عزرائيل ييل بدو يبوسك‪ ،‬ميكن أين بوسك”! أرض‬ ‫الغرفة امتألت باملاء املحمول عىل كتف “ماجد”‪،‬‬

‫سالم الغوطاني‬

‫‪15‬‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.