مجلة طلعنا عالحرية / العدد 95

Page 1

‫حرية ‪ ،‬كرامة‪ ،‬مواطنة‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬ ‫‪2021 / 6 / 15‬‬

‫مجلة شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫نظام آل األسد‪..‬‬ ‫حمنة ثالثة شعوب‬


‫أقوى دليل!‬ ‫‪2‬‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬ ‫‪2021 / 6 / 15‬‬

‫تسألني صحفية غربية عن “أقوى دليل لديكم يثبت‬ ‫التهمة عىل جيش اإلسالم يف قضية اختطاف رزان”‪.‬‬ ‫قبل أن أجيبها أفكر يف ما ميكن أن تعرفه السيدة عن‬ ‫سوريا وعن السوريني وثورتهم‪ ،‬أو حتى عن سمرية‬ ‫ورزان ووائل وناظم‪.‬‬ ‫سيديت‪ ،‬الجرمية هي اختطاف رزان وسمرية ووائل‬ ‫وناظم؛ أربعة‪ :‬سيدتني ورجلني‪.‬‬ ‫تستدرك (كام يستدرك كل من يسمعون هذا التصحيح)‪:‬‬ ‫“طبعاً طبعاً‪ ..‬هم أربعة‪ ،‬أقصد رزان واآلخرين‪،”..‬‬ ‫أصحح‪ :‬هم أربعة‪ ،‬ال يقبلون االختزال‬ ‫لكني مرة أخرى ّ‬ ‫بـ “رزان وأصدقائها” وال “سمرية واآلخرين” وال يوجد‬ ‫ترتيب اصطالحي لذكر أسامئهم‪..‬‬ ‫وال أعرف إن كنت سأثبت عندها انطباعاً محتمالً‬ ‫عنا معرش السوريني “شعب الله الفهامن”! من مثل‬ ‫أن “السوريني يعيدون تعريف املصطلحات واألشياء‪،‬‬ ‫ويجيبون عن السؤال بأسئلة”‪:‬‬ ‫س ّمينا النتائج التي وصلنا لها “قرائن” ‪evidence‬‬ ‫لنتحاىش كلمة “أدلة” ‪ proof‬ذات الداللة النهائية‪،‬‬ ‫الجنائية والقانونية‪.‬‬ ‫وقد نرشنا كثرياً منها يف مواضع عديدة‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫شاهد عيان يف صبيحة الجرمية‪ ،‬قال إنه رأى‬ ‫املختطفني يف سيارة متجهة ألحد املقرات‪ ،‬املقر ليس‬ ‫لجيش اإلسالم‪ ،‬صحيح‪ ،‬لكنه يتبع لرجل من جيش‬ ‫األمة‪ ،‬تم استثنائه من التعذيب والسجن املديد أسوة‬ ‫بزمالئه بالفصيل عندما بطش جيش اإلسالم بجيش‬ ‫األمة ون ّكل بعنارصه بعد الحادثة‪.‬‬ ‫شاهدتان قالت كل منهام‪ ،‬ومبعزل عن األخرى‪ ،‬إنها‬

‫رأت رزان يف أحد سجون التوبة التابعة لجيش اإلسالم‪.‬‬ ‫كذب جبهة النرصة البواح بإنكارها معرفة أي يشء‬ ‫عن قضية املختطفني األربعة‪ ،‬وكذلك ويف نفس السياق‬ ‫عن قضية اختفاء الدكتور أحمد بقاعي‪ ،‬والذي خرج‬ ‫الحقاً من سجن يتبع لجبهة النرصة نفسها‪ .‬وبناءا عىل‬ ‫هذا حاول جيش اإلسالم تربئة نفسه مجدداً بتذكريه‬ ‫بالعداء بينه وبني جبهة النرصة‪ ،‬بدليل املعارك الكثرية‬ ‫بينه وبينها‪ ،‬وطرد الجيش للجبهة من معقله مدينة‬ ‫دوما‪ ..‬والواقع أن ما يذكره هذا الدفاع صحيح‪ ،‬لكنه‬ ‫لعب بخط الزمن؛ ألن الخالف واملعارك أتت بعد‬ ‫ٌ‬ ‫تقارب بني الفصيلني يعرفه الجميع‪ ،‬وبالتأكيد احتوى‬ ‫هذا التحالف تنسيقاً أمنياً‪ ،‬باعتباره أفضل ما يتقنه‬ ‫الفريقان‪.‬‬ ‫مسألة الالبتوب وتحديد العنوان‪ ،‬والشخص من‬ ‫جيش اإلسالم الذي قام بفتحه‪ ..‬تم الكالم عنها كثرياً‪..‬‬ ‫وهناك من ش ّكك بها‪ ،‬ولكننا أصبحنا نعرف أن الراحل‬ ‫زهران علوش غضب غضباً شديداً‪ ،‬ووبخ املسؤول عن‬ ‫هذه “الغلطة” بفتح الالبتوب وشدد إجراءاته بعدها‪.‬‬ ‫حادثة إطالق النار عىل باب مكتب املختطفني‬ ‫وشفعه برسالة تهديد رصيح بالقتل‪ ،‬والتي سبقت‬ ‫االختطاف‪ ،‬واعرتف مرتكبوها أنهم ينفذون أوامر‬ ‫الشيخ كعكة مفتي جيش اإلسالم‪ .‬قائد العملية وبعد‬ ‫أن اعرتف بجرمه (هرب) من مكان توقيفه عىل‬ ‫ذمة التحقيق‪ ،‬هرب دون غريه من عرشات أو مئات‬ ‫املوقوفني‪ .‬ثم أصبح لصيقاً بقيادات جيش اإلسالم‪،‬‬ ‫وينفذ لصالحهم عمليات أمنية وعسكرية حتى اآلن‪،‬‬ ‫بعد أن كان ينفذ عملياته كـ ‪! freelancer‬‬ ‫التحقيق الذي فتحه جيش اإلسالم ليربئ نفسه‬ ‫ويرفع العتب‪ ،‬ثم ملا بدأ زمام هذا التحقيق يفلت منه‬ ‫حاول تعطيله‪ ،‬ومع ذلك وصل التحقيق إىل مسؤولية‬ ‫جيش اإلسالم عن الجرمية‪.‬‬ ‫إفادات معتقلني خرجوا من سجون جيش اإلسالم‬ ‫عن التحقيقات التي جرت معهم‪ ،‬وأنهم ُسئلوا عن‬ ‫رزان‪ ،‬وأن املحققني أتوا عىل ذكر معلومات مل يكن‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫افتتاحية‬

‫املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً‬ ‫وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير‬ ‫املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد‬

‫مجلة شهرية تعنى بالشأن السوري‬ ‫ثقافية‪ ،‬اجتامعية‪ ،‬سياسية‬ ‫محرر ثقايف‬ ‫غسان نارص‬ ‫ّ‬

‫محررون‬ ‫كامل شيخو ‪ -‬حسن عارفة‬

‫نصار‬ ‫افتتاحية بقلم أسامة ّ‬

‫نصار‬ ‫رئيس التحرير أسامة ّ‬

‫نائب رئيس التحرير ليىل الصفدي‬ ‫املدير اإلداري معتصم أبو الشامات‬

‫الغالف‬ ‫سمري خلييل‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل ‪ /‬هاين ع ّباس‬

‫يعرفها أحد غري رزان‪ ،‬ما يشري إىل استجوابات لرزان من‬ ‫قبل نفس املحققني‪.‬‬ ‫وجود الدافع املستمر ‪ constant motive‬عند‬ ‫الخاطفني‪ ،‬وسجلهم الحافل بإقصاء املختلفني‪.‬‬ ‫خالل السنوات السابقة‪ ،‬متت تصفية مجموعة‬ ‫من األشخاص‪ ،‬باغتياالت أو بالقتل يف ظروف غامضة‪،‬‬ ‫يجمع بني عدد منهم قاسم مشرتك؛ هو احتاملية‬ ‫تخص اختفاء أصدقائنا األربعة‪ ،‬أو‬ ‫معرفتهم ملعلومات ّ‬ ‫حتى احتاملية تورطهم بالجرمية‪.‬‬ ‫نقاشات محدودة يف غرف مغلقة‪ ،‬وكل منها له‬ ‫سياق معني‪ ،‬مع متنفذين و‪ /‬أو متنفذين سابقني يف‬ ‫جيش اإلسالم‪ ،‬كلها كانت تدور باعتبار مسؤولية جيش‬ ‫اإلسالم عن الجرمية أمراً مفروغاً منه وليست موضع‬ ‫البحث‪ ،‬وإمنا يناقش فيها ما ميكن فعله اآلن (أو يف‬ ‫حينه) للكشف عن مصري املخطوفني‪.‬‬ ‫هذه قرائن‪ ،‬قد يكون بعضها ضعيفاً أو مغلوطاً أو‬ ‫مختلقاً‪ ،‬ولكن األكيد أن فيها مجموعة من الحقائق‪،‬‬ ‫تحتاج ملتابعة لبناء ملف حقوقي‪ ،‬سيصل حت ًام ألدلة‬ ‫وحقائق نهائية‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬ما هو أقوى دليل؟‬

‫الدليل ‪ proof‬الذي عندي قوي ونهايئ‪ ،‬وهو يتجاوز‬ ‫املتّهم بالجرمية (اآلن عىل األقل)‪ ،‬لكنه يثبت وجود‬ ‫تواطؤ‪ ..‬تواطؤ بعدم التعامل مع القرائن‪ ،‬أو عدم تتبعها‬ ‫ليتم توضيحها وتفنيدها‪.‬‬ ‫لتصبح أد ّلة‪ ،‬أو حتى ّ‬ ‫دلييل هو استمرار تغييب األربعة ومجهولية مصريهم‪،‬‬ ‫حتى بعد تهجري الثوار من الغوطة ومن مرسح الجرمية‪،‬‬ ‫وإىل اآلن بعد سبع سنني ونصف من اختفاء األربعة‪،‬‬ ‫رغم وجود مواد ومعطيات تكفي جداً لبناء مرافعة‬ ‫تصل إىل نتيجة‪.‬‬ ‫املتواطئون كرث‪ ،‬ورمبا اضطروا لهذا التواطؤ تحت‬ ‫الضغط‪ ،‬أو بسبب تورطهم بيشء ما‪ ،‬له أو ليس له‬ ‫عالقة بالقضية نفسها‪ ،‬أو لخوفهم من املواجهة‪ ..‬أو‬ ‫حتى لرضاهم بواقع تغييب الرشفاء األربعة!‬

‫تفاعل معنا عرب صفحاتنا عىل اإلنرتنت‬ ‫‪facebook.com/rising4freedom‬‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬ ‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫أمن رقمي ومحاسبة‬ ‫وائل موىس‬

‫زمالء مختطفون يف سوريا‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫نظام آل األسد‪..‬‬ ‫حمنة ثالثة شعوب‬

‫‪3‬‬

‫مرزوق الحلبي ‪ -‬فلسطين المحتلّة‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬ ‫البقية في الصفحة ‪........13‬‬

‫‪2021 / 6 / 15‬‬

‫النفوذ واملوارد بالقوة‪ .‬وهو ما جعل أحد “الرفاق”‬ ‫ُيسارع إىل تقريعي وتوبيخي بادّعاء ال زلت أسمع‬ ‫مثله من بعض أوساط الطبقة السياس ّية الفلسطين ّية‪.‬‬ ‫ثم جاءت الحرب عىل املخ ّيامت‪ ،‬ومحاوالت تصفية‬ ‫عرفات بأيدي سورية ووكالئها‪ ،‬لتؤ ّكد أننا بشأن‬ ‫سلوك سوريّ رسمي ُمثري للسؤال والشك بخصوص‬ ‫جوهر مرشوعه وغاياته‪ .‬زادت منهام تقارير صحفية‬ ‫وأحاديث منقولة عن مواطنني سوريني وناشطني‪ .‬وهو‬ ‫دعوتي أن‬ ‫ما دفعني إىل اإلجابة بـ “ال” كبرية عىل‬ ‫ْ‬ ‫أترأس وفد مثقفني من فلسطينيي الداخل إىل دمشق‪.‬‬ ‫و ُقلت‪ :‬ماذا سيكون موقف النظام لو سألته عن‬ ‫سيايس‬ ‫حقيقة وجود أكرث من عرشين ألف معتقل‬ ‫ّ‬ ‫يف كل لحظة ُمعطاة؟ ُ‬ ‫وكنت حاز ًما يف القول إنني‬ ‫لست مستعدًّا ملنح هذا النظام املستب ّد أي نوع من‬ ‫الرشعية‪.‬‬ ‫ال أقول هذا بأثر رجعي أو من قبيل مديح الذات‪،‬‬ ‫وإمنا كمدخل لنقد موقف بعض النخب السياس ّية‬ ‫الفلسطينية‪ .‬ليس ألنها ال زالت تؤ ّيد نظام املجازر يف‬ ‫دمشق فحسب‪ ،‬بل ألنها ال تزال غري قادرة عىل فهم‬ ‫الدور الذي يلعبه نظام آل األسد يف إحداث محنة‬ ‫ُمحيقة بشعوب سوريا ولبنان وفلسطني‪ ،‬والعالقة بني‬

‫ّ‬ ‫تعث املرشوع التحرري املدين يف هذه املواقع بفعل‬ ‫فاعل وهو نظام آل األسد‪ .‬من فرط “الجمود” يف‬ ‫مواقف هذه األوساط مل تنتبه إىل دالالت تدمري مخ ّيم‬ ‫الريموك عاصمة الشتات الفلسطيني‪ ،‬القوة الضاغطة‬ ‫يف الالوعي العريب عىل موضع حق العودة إلبقائه‬ ‫ح ًّيا ينتظر إحقاقه‪ .‬وللحقيقة‪ ،‬مل ينتبه الرأي العام‬ ‫الفلسطيني والعريب لهذا الحدث ومعانيه‪ .‬خاصة وأنه‬ ‫ُفهم كخطوة رضورية يف إطار الحرب عىل داعش أو‬ ‫قوى املعارضة السورية ذات التوجهات األصولية التي‬ ‫تدعمها اململكة العربية السعودية‪ .‬بيد أننا نقرأ هذه‬ ‫الخطوة ضمن ما نس ّميه املشاريع الخف ّية‪ ،‬أو األدوار‬ ‫غري املعلنة للنظام السوري يف اإلقليم‪ ،‬كجزء من سعيه‬ ‫إىل االحتفاظ بالحكم مهام يكن‪ .‬نقدّر ً‬ ‫مثل أن تسليم‬ ‫القنيطرة كان بداية تكتيكات النظام الذي نشأ عام‬ ‫س ّمي “الحركة التصحيحية” للحصول عىل ضامنة‬ ‫إرسائيلية لبقائه يف بداياته‪ .‬ونقدّر عىل الجهة الثانية‬ ‫من الزمن أن تدمري الريموك جاء يف إطار سعيه إىل‬ ‫ضامن عدم انهياره‪.‬‬ ‫بينام كانت اإلدارة األمريكية تضغط ّ‬ ‫لحل منظمة‬ ‫األونروا باعتبارها اعرتافاً من الرشعية الدول ّية بقضية‬

‫مقاالت‬

‫وثائقي أعده طاقم‬ ‫ُق ّيض يل أن أح ّرر النصوص لفيلم‬ ‫ّ‬ ‫تلفزيو ّين مح ّ‬ ‫يل لصالح قناة الجزيرة عن الجوالن يف‬ ‫معارك حرب حزيران ‪ .1967‬يومها‪ ،‬استوقفتني شهادة‬ ‫أحد املغاوير الذي قال إنهم مل يفهموا أبداً أوامر‬ ‫االنسحاب التي تلقوها‪ ،‬عل ًام بأنهم كانوا ‪-‬ووحدات‬ ‫مرتبطة بهم‪ -‬يف مرابضهم جنوب هضبة الجوالن‬ ‫وبكامل جهوزيتهم القتالية‪ .‬يف زيارة للجوالن املحتل‬ ‫سألت عن الرجل حتى وصلت إليه واستمعت إىل‬ ‫قصته من مصدر أ ّول باهتامم وقلق‪ .‬ذهبت إىل‬ ‫ّ‬ ‫معاريف أستجوبهم يف بعض األسئلة حتى سمعت‬ ‫ضابطي أبليا بالء‬ ‫قصصا أخرى‪ .‬ومنها عن اغتيال‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫حسنًا يف ص ّد الهجامت اإلرسائيلية يف جنوب الجوالن‪،‬‬ ‫واضط ّرا لالنسحاب بفعل أوامر مل تكن بالنسبة لهام‬ ‫منطق ّية؛ ال عسكر ًيا وال وطن ًّيا‪.‬‬ ‫بقصة معروفة عن الوزير‬ ‫ارتبطت القصص ك ّلها ّ‬ ‫السو ّري الذي تف ّقد مدينة القنيطرة يف اليوم الخامس‬ ‫للحرب‪ ،‬ليتفاجأ بعد ساعة من زيارته املدينة ببيان‬ ‫من راديو دمشق ُيعلن سقوطها! وملا سأل عن ذلك‬ ‫تم إسكاته بالق ّوة‪ .‬قصص ُتثبت‬ ‫وزي َر الدفاع يف حينه ّ‬ ‫يف ترابطها وجود عالقة غري معلنة بني النظام يف سوريا‬ ‫وبني إرسائيل الرسمية‪ .‬وأنا الشغوف بربط الخيوط‬ ‫ونسج الصور بناء عىل تأ ّمل التفاصيل والوقائع ارتأيت‬ ‫أن أقيم الرابط بني “فرع فلسطني” يف املخابرات‬ ‫السور ّية وبني تدمري الريموك ـ عاصمة الشتات‬ ‫الفلسطيني‪ّ .‬‬ ‫فكل ما سمعته من شهادات عن ذاك‬ ‫الفرع وقسوته وجهنم ّيته ارتبط عندي بتدمري املخ ّيم‪/‬‬ ‫العاصمة‪ ،‬وبأوامر االنسحاب من الجوالن و”تسليم”‬ ‫القنيطرة يف اليوم الخامس من الحرب‪ ،‬وبعدم إطالق‬ ‫رصاصة واحدة عىل جبهة الجوالن منذ اتفاقيات‬ ‫وقف إطالق النار من العام ‪.1974‬‬ ‫سبق هذا الربط توبيخ كان من نصيبي يف جريدة‬ ‫“االتحاد” الحيفاوية‪ ،‬عندما كتبت ً‬ ‫مقال أقيم فيه‬ ‫تشابهًا بني االحتالل اإلرسائييل لجنوب لبنان واالحتالل‬ ‫ُ‬ ‫اعتربت األمر تقاسم مناطق‬ ‫السوري لبريوت‪ .‬وقد‬


‫تغيري أم تلميع؟‬

‫‪4‬‬ ‫جورج كتن‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬ ‫‪2021 / 6 / 15‬‬ ‫مقاالت‬

‫يسعى أبو محمد الجوالين قائد هيئة تحرير الشام‪،‬‬ ‫التي تسيطر عىل املنطقة الخارجة عن سلطة النظام‬ ‫السوري يف محافظة إدلب وريف حلب الغريب‪،‬‬ ‫إلظهار منظمته الجهادية بأنها تختلف عام تتصورها‬ ‫أطراف محلية وخارجية‪ .‬فـ”الهيئة” التي كانت‬ ‫تسمى جبهة النرصة واملصنفة عىل قامئة اإلرهاب‬ ‫الدولية‪ ،‬هي أحد فروع تنظيم القاعدة العاملي‪،‬‬ ‫عملت عىل متايز عن تنظيم الدولة اإلسالمية يف‬ ‫العراق والشام‪ ،‬وكذلك عاد الجوالين وانشق عن‬ ‫تنظيم القاعدة لتصبح “الهيئة” سورية‪ ،‬بال ارتباط‬ ‫بأي جهة جهادية خارج سوريا‪.‬‬ ‫عمل الجوالين إلظهار أنه تغري يف ترصيحات‬ ‫واجراءات شكلية‪ ،‬مثل محو أنصاره لشعارات‬ ‫متطرفة من عىل جدران يف إدلب‪ ،‬أو ارتدائه لبدلة‪،‬‬ ‫كخروج عام يعتربه املتطرفون اإلسالميون تقليداً‬ ‫محرماً للغرب الكافر‪ .‬لكنه يف حديثه املطول األخري‬ ‫مع صحفي أمرييك ركز أكرث عىل متيزه عن املنظامت‬ ‫الجهادية‪ ،‬وبالدرجة األوىل أن املنطقة التي يسيطر‬ ‫عليها‪ ،‬وتضم ‪ 5‬ماليني نسمة‪ ،‬ال تشكل تهديداً ألمن‬ ‫أوروبا وأمريكا وللمجتمع الغريب عموماً‪ ،‬ليقول إن‬ ‫“الهيئة” ال ولن تنفذ عمليات خارجية‪ ،‬وهي ض ّد‬ ‫قتل املدنيني األبرياء يف أي مكان بالعامل‪ ،‬وأنه حتى‬ ‫عندما كان يف منظمة القاعدة كان يعارض العمليات‬ ‫الخارجية‪ ،‬وأن هذا كان موقفه يف ‪ 11‬أيلول‪ ،‬عندما‬ ‫هاجمت القاعدة برج التجارة العاملي يف نيويورك‪،‬‬ ‫رغم أنه مل يخف “سعادته”! لرضب أمريكا التي‬ ‫يعترب أن سياستها يف الوقوف إىل جانب الصهاينة‬ ‫ض ّد املسلمني‪ ،‬ومع األنظمة الطاغية ضد شعوبها‪،‬‬ ‫هي سياسة خاطئة‪ ،‬ينتقدها دون قبول قتل املدنيني‬ ‫األبرياء كام حدث يف “غزوة نيويورك”‪.‬‬ ‫أراد أن يقنع الغرب باعتدال “الهيئة” لرفعها من‬ ‫قامئة اإلرهاب العاملية‪ ،‬رغم أنه دافع عن العمليات‬ ‫االستشهادية عىل أنها وسيلة وليست غاية بحد‬

‫ذاتها‪ ،‬ولكنه نفى استهدافها للمدنيني!‬ ‫ورأى الجوالين أنه ميكن تطبيع العالقات مع الغرب‬ ‫والتالقي حول قاسم مشرتك‪ ،‬هو وقف تدفق‬ ‫الالجئني السوريني إىل أوروبا‪ ،‬ووضع ح ّد لألزمة‬ ‫اإلنسانية يف سوريا؛ فالسوريون يف منطقته يحتاجون‬ ‫لكل يشء‪ ،‬املاء والدواء والغذاء والكهرباء‪ .‬وحتى إنه‬ ‫طالب بالتنسيق مع األمم املتحدة يف هذه املجاالت‪.‬‬ ‫كام اعترب هيئته جزءاً “كبرياً”! من الثورة السورية‬ ‫ضد حكم ظامل‪ ،‬دون أن يوضح ما طبيعة الحكم‬ ‫الذي يحبذه فيام إذا سقط النظام‪.‬‬ ‫دافع عن الرشيعة اإلسالمية التي يتبناها فقط‬ ‫من زاوية أنها تقبل بوجود تجمعات من ديانات‬ ‫ومذاهب مختلفة عن اإلسالم‪ ،‬وأن تطبيق الرشيعة‬ ‫ال يعني استبعادهم‪ .‬واكتفى مبدح الرشيعة‬ ‫بالعموميات بأنها “عادلة”‪ ،‬دون الخوض يف الدفاع‬ ‫عن متييزها مث ًال ضد املرأة‪ ،‬أو ض ّد الطوائف األخرى‪،‬‬ ‫التي رغم عدم استبعاد أفرادها فهم يف ظل حكم‬ ‫الرشيعة مواطنون من الدرجة الثانية‪ .‬كام مل يتعرض‬ ‫لتكفري الرشيعة‪ ،‬كام يفرسها عادة الجهاديون‪،‬‬ ‫للدميقراطية وتحليلها قتل الذي يغري دينه “املرتد”‬ ‫وغري ذلك‪..‬‬ ‫كام نفى الجوالين تصفية الفصائل املسلحة التابعة‬ ‫للجيش الحر لتأمني هيمنته الكاملة عىل املنطقة‪،‬‬ ‫بل إنه صفاها باعتبارها مجرد عصابات لصوص‬ ‫وقطاع طرق! وهي باإلضافة لتهم التبعية لداعش‬ ‫أو العاملة للنظام أو لروسيا أو التحالف الدويل أو‬ ‫شتم الذات اإللهية‪ ،‬تهم ميكن أن توجه ألي معارض‬ ‫ضمن منطقته لتكون حجة لتصفيته‪.‬‬ ‫كام نفى وجود التعذيب واملعاملة الوحشية يف‬ ‫سجونه املتعددة‪ ،‬ومنها سجن العقاب يف جبل‬ ‫الزاوية وسجن حارم وسجن إدلب املركزي‪ .‬كام‬ ‫تجاهل اإلعدامات دون محاكامت والدفن يف مقابر‬ ‫جامعية التي وثقتها منظامت حقوقية‪.‬‬

‫حتى إنه نفى أن لديه سجون كـ”هيئة”!! فهي‬ ‫جسم عسكري بحت‪ ،‬فيام السجون تابعة للجهات‬ ‫املدنية “حكومة اإلنقاذ” والجسم القضايئ‪ ،‬وكأنها‬ ‫هيئات مستقلة وليس هو الذي عينها كهيئات‬ ‫صورية تتلقى أوامرها من قيادات “الهيئة”‪.‬‬ ‫ومل يكتف الجوالين بالهيمنة العسكرية من خالل‬ ‫تصفية من يعارضه أو ال يتحالف معه‪ ،‬وال بالهيمنة‬ ‫السياسية من خالل تعيني حكومة إنقاذ تتبع‬ ‫لسلطته‪ ،‬بل طال األمر الهيمنة االقتصادية حيث‬ ‫وضعت “الهيئة” يدها عىل جميع املوارد االقتصادية‬ ‫يف املنطقة وطردت املنافسني‪ ،‬فاحتكرت املحروقات‬ ‫ومقالع الحجر والتجارة الخارجية‪ ،‬وافتتحت املطاعم‬ ‫واملنتزهات واملوالت‪ ..‬ما جعلها التاجر والصناعي‬ ‫األول يف املنطقة‪.‬‬ ‫هل ستعترب الترصيحات وبعض اإلجراءات بالنسبة‬ ‫للغرب والعامل عىل أنها تغيري يف سلوك “الهيئة”؟‬ ‫سيكون الجوالين ومن يواليه سذجاً إن ظنوا أنها‬ ‫ستغري من نظرة العامل له أو ملنظمته‪ ،‬فتشطبه من‬ ‫قامئة اإلرهاب‪ ،‬ويتم الكف عن مالحقته‪.‬‬ ‫ما يجري لن يعترب أكرث من محاولة تلميع لصورته‬ ‫البشعة‪ ،‬وليس تغيرياً يف العمق آلراء ومواقف‬ ‫الجامعة املوصومة باإلرهاب عن حق‪ ،‬وحتى لو‬ ‫مل تقم بعمليات خارجية‪ ،‬فيام تستمر يف عملياتها‬ ‫اإلرهابية يف املناطق التي تسيطر عليها بقوة السالح‪.‬‬ ‫فال يشء يضمن أال يكون هذا موقفاً مرحلياً إىل أن‬ ‫تتمكن الجامعة أكرث‪.‬‬ ‫لن يغري كثرياً من صورة “الهيئة” ادعاء أنها جزء‬ ‫أسايس من الثورة السورية‪ ،‬لالختالف الكبري بني‬ ‫أهداف الثورة الشعبية التي نادت بالحرية وتغيري‬ ‫النظام الديكتاتوري األسدي لبناء نظام دميقراطي‬ ‫علامين‪ ،‬يعطي السلطة للشعب من خالل ممثليه‬ ‫املنتخبني بحرية وشفافية‪ .‬فإذا كان انتامء الجوالين‬

‫‪....‬‬


‫‪....‬‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬

‫وبإطالق رساح جميع معتقيل الرأي يف سجون‬ ‫الهيئة‪ ،‬والسامح بتشكيل األحزاب والتكتالت‬ ‫السياسية والنشاط السيايس بحرية ودون قيود يف‬ ‫كافة أرجاء املنطقة‪ ،‬والكف عن مالحقة معاريض‬ ‫“الهيئة”‪ ،‬وتشكيل مجلس إداري محيل انتقايل ميثل‬ ‫كافة األطراف السياسية إىل أن تسمح الظروف‬ ‫بإجراء انتخابات حرة ونزيهة‪ ،‬ميثل مواطني املنطقة‬ ‫يف املفاوضات مع األطراف األخرى من أجل ّ‬ ‫حل‬ ‫سيايس يف سوريا حسب القرارات الدولية‪.‬‬ ‫لتغيري حقيقي‪ ،‬ال ب ّد أيضا للـ”الهيئة” أن ّ‬ ‫تكف عن‬ ‫تطبيق الرشيعة فع ًال أو املطالبة بتطبيقها‪ ،‬لكونها‬ ‫غري صالحة للعرص‪ ،‬ولتعارضها مع حكم الشعب‬ ‫وممثليه املنتخبني‪ .‬فحاكمية الله التي يروجها‬ ‫الجوالين وأمثاله من منظامت اإلسالم السيايس‬ ‫نظرية خيالية‪ ،‬تعطي السلطة ملن يدعي أنه ميثل‬

‫الله عىل األرض‪ ،‬ونتيجتها حكم استبدادي لقلة مام‬ ‫يسمى “علامء” تتسرت بالنصوص‪ ،‬وتقيم استبداداً‬ ‫مامثال لالستبداد األسدي‪ ،‬وقد يكون أسوأ منه‪ .‬ومن‬ ‫أمثلتها نظام دولة البغدادي الداعشية املنقرض‪،‬‬ ‫ونظام ماليل إيران اإلسالمي الراهن‪ .‬كام ال بد من‬ ‫إنشاء جسم قضايئ مستقل من قضاة مدنيني‪ ،‬ال‬ ‫من “رشعيني” كام هم حالياً‪ ،‬لتكون أوىل محاكامتها‬ ‫لجميع مرتكبي جرائم حرب وجرائم ض ّد اإلنسانية‪،‬‬ ‫ألي طرف انتموا‪.‬‬ ‫بدون مثل هذه التغيريات الحقيقية لن تفلح عملية‬ ‫تلميع الجوالين و”هيئته” لصورتهم أمام املجتمع‬ ‫الدويل واإلقليمي واملحيل‪ .‬وسيكون الجوالين كمن‬ ‫يضحك عىل نفسه أو يخادعها‪ ،‬فيظن أنه مبثل هذه‬ ‫املرسحية ميكن أن يزيل اسمه واسم منظمته من‬ ‫قامئة اإلرهاب وما يتبعها من مالحقة‪.‬‬

‫‪2021 / 6 / 15‬‬

‫وهيئته للثورة أىت عن طريق العمل إلسقاط الحكم‬ ‫الظامل‪ ،‬فذلك جزء من أهداف الثورة‪ ،‬وال يصل إىل‬ ‫إقامة النظام الدميقراطي‪ .‬فالرشيعة التي سيطبقها‬ ‫الجوالين لن تختلف عن النظام الحايل إال بالشكل؛‬ ‫حيث سيستبدل استبداداً يعتمد عىل حكم الشخص‬ ‫بحكم استبدادي آخر يعتمد عىل نصوص يعتربها‬ ‫مقدسة‪ ،‬فيام هي غري صالحة للعرص وتتناقض يف‬ ‫معظمها مع حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫التغيري الذي ميكن أن يعترب حقيقياً‪ ،‬وهو عىل‬ ‫األرجح شبه مستحيل‪ ،‬يبدأ بتبني إقامة نظام‬ ‫دميقراطي مدين كبديل عن النظام االستبدادي‬ ‫األسدي‪ ،‬ليبدأ تطبيقه بقدر ما تسمح به ظروف‬ ‫املواجهة العسكرية يف منطقة إدلب وغرب حلب‪،‬‬

‫‪5‬‬

‫كاريكاتري‬


‫َ‬ ‫يف النزعتني اخلالصية واجللدية‬

‫‪6‬‬ ‫أوس المبارك‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬ ‫‪2021 / 6 / 15‬‬ ‫مقاالت‬

‫تبدو النزعة الخالصية هي إحدى‬ ‫ ‬ ‫سمتني تك ّونان الطيف األعم يف العمل الثوري‬ ‫واملعارض يف كل مراحله؛ وهي أن يتقدم إسقاط‬ ‫األسد عىل كل ما سواه‪ .‬ففي نظر السوريني الذين‬ ‫ضاق ذرعهم من عقود حكم األسدين الطويلة‪،‬‬ ‫ورأوا انتصارات رسيعة للثورات حولهم‪ ،‬كان كل‬ ‫يشء “مقدوراً عليه” بعد إسقاطه‪ .‬وقد أثبتت‬ ‫السنني العرش املاضية التي استطاع األسد فيها‬ ‫البقاء يف الحكم أن يف ذلك جانباً من الصواب‪ ،‬لكنّ‬ ‫شيئاً من “املقدور عليه” مل يحدث خاللها‪ .‬فأصبح‬ ‫أمر ترتيب البيت الداخيل للثورة ثانوياً‪ ،‬وبرزت‬ ‫“قيادة” ال مت ّثل ما تدَّعيه وال تقوى عىل قيادة‬ ‫فعلية‪ ،‬وظهرت مسميات أوسع من التشكيالت‬ ‫التمثيلية التي تحملها‪ .‬نحت النزعة الخالصية‬ ‫إذن إىل نزق وضيق صرب‪ ،‬وتعدت الطموح الجامع‬ ‫إىل احتكار متثييل‪ ،‬واملرشوع الوطني إىل “إسقاط‬ ‫األسد” وحسب‪ .‬حتى ظهرت لنا تشكيالت سياسية‬ ‫وفصائل عسكرية قامت بتفريغ املرشوع الوطني‬ ‫الذي ُب ْ‬ ‫نيت عليه الثورة وداست عليه‪ .‬وما زال‬ ‫األمر عىل هذا الحال حتى يومنا هذا‪ ،‬ومل تخفت‬ ‫غلواء املزاودة بإسقاط األسد وإن تبدلت أشكالها‪.‬‬ ‫مل تكن النزعة الخالصية عام ًال مساعداً‬ ‫ ‬ ‫لهدفها‪ ،‬وإن كانت العوامل الحاسمة اإلقليمية‬ ‫التباس‪،‬‬ ‫والدولية تتخطاها‪ .‬لدينا يف هذا الشأن‬ ‫ٌ‬ ‫س ّهل عىل محبي جلد الذات النزوع نحو تصوير‬ ‫بقاء األسد حتى اليوم كأ ّنه “ذنبنا”‪ .‬سنصطلح عىل‬ ‫الجلدية” مقابل النزعة الخالصية‪،‬‬ ‫تسميتها “النزعة َ‬ ‫وهي السمة الثانية‪ .‬ففي حني وجود حكم أسدي‬ ‫مل يقدم أي تنازالت أو إصالحات سياسية يف‬ ‫الجوهر‪ ،‬ويتعامل مع معارضيه بالطريقة التي‬ ‫شهدناها يف صور قيرص‪ ،‬ومع عدم وجود إرادة‬

‫دولية فاعلة إلزاحته‪ ،‬وانتهاجه للعسكرة والعنف‬ ‫واستقدام املزيد من العنف يف حل تحدياته‪ ،‬تصبح‬ ‫الجلدية مزيجاً من التبسيط ور ّد النتائج إىل‬ ‫النزعة َ‬ ‫طبيعة قا ّرة فينا‪ .‬يف كلتا النزعتني استجابة مليول‬ ‫سياسية وملواقع إيديولوجية وما نتج عنها من‬ ‫مرتبة االنخراط يف هذا الواقع‪.‬‬ ‫وللنزعتني الخالصية والجلدية انحدار ج ٌّ‬ ‫يل من‬ ‫تحطيم السياسة الذي انتهجه الحكم األسدي تجاه‬ ‫السوريني‪ ،‬فتواءمت النزعتان مع ضحالة الخربات‬ ‫العامة وتبسيط املشاريع السياسية وتهميش الكثري‬ ‫من العوامل الداخلية والخارجية وضعف مقاربة‬ ‫الواقع يف الفعل السيايس املعارض‪ .‬فأصبحت‬ ‫مقولتا (مشاكلنا كلها من األسد) و(نحن شعب‬ ‫ما بيسوى) تخترصان تعريف املسألة السورية‬ ‫لدى الفئة األوسع يف املعارضة ومؤيدي الثورة‪.‬‬

‫مع تجاوز النزعة الجلدية للحرص لدى املعارضة‪،‬‬ ‫حيث تنترش يف أوساط املؤيدين أيضاً‪.‬‬ ‫يلزم اشتغال أكرب عىل النزعتني‪ ،‬معرفياً‬ ‫ ‬ ‫وسياسياً‪ ،‬لتفكيكهام والحد من تداعياتهام عىل‬ ‫الشأن العام‪ .‬حيث إن ما تو ّلدانه من العطالة‬ ‫والعدمية السياسية تهددان بالهدر سنني أخرى‬ ‫قد تكون طويلة‪ ،‬وتعرضان الكرس لجرب غري سويّ ‪.‬‬ ‫ومبا أن املسألة السورية‪ ،‬بعد عرش سنني كارثية‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫وصلت إىل حالة استعصاء ومت ّوت بطيء‪ ،‬فإن‬ ‫العمل املعريف وإعادة بناء املجال السيايس مبا‬ ‫يتناسب مع ما قد استقر عليه الحال اليوم‪ ،‬قد‬ ‫يكونان أنسب ما ينشغل به السوريون املعارضون‬ ‫اليوم‪ ،‬لتجاوز االنكسارات وضياع مرشوعهم‬ ‫السيايس‪ .‬وإن تم ذلك ببطء وبنتائج بعيدة زمنياً‪،‬‬ ‫فرمبا ذلك الزمن يلزم أيضاً‪.‬‬


‫املرتزقة السوريون‪:‬‬ ‫كيف ينظرون ألنفسهم؟‬

‫‪7‬‬

‫مصعب الحمادي‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬ ‫ختاماً‪ ،‬هناك نقطتان مهمتان أو ّد التأكيد عليهام‬ ‫لإلحاطة باملوضوع من ّ‬ ‫كل جوانبه‪:‬‬ ‫أوالً‪ ،‬ال ينطبق معيارا التحالف العسكري والتربير‬ ‫اإلسالمي عىل كل قادة فصائل املرتزقة‪ ،‬فـ”أبو‬ ‫ُ‬ ‫تواصلت معه)‬ ‫عمشة” مث ًال‪( ،‬وخالفاً للقائد الذي‬ ‫هو مجرم حرب معروف وقاطع طريق منذ بداية‬ ‫الثورة السورية‪ ،‬ال تحركه يف هذه املعمعة إال‬ ‫غرائزه ونزواته اإلجرامية؛ فهو مرتزق باحث عن‬ ‫املال والسطوة الرشيرة‪ ،‬مهام كانت التربيرات التي‬ ‫يرتكز إليها‪.‬‬ ‫ثانياً‪ ،‬تتحمل جامعة اإلخوان املسلمني السورية‬ ‫املسؤولية الوطنية واألخالقية عن جرائم التدليس‬ ‫الخطرية التي متارسها بحقّ الجيل السوري الشاب‬ ‫منذ عام ‪ 2011‬حتى اليوم‪ .‬ففي حني تسببت‬ ‫العقيدة الفاسدة لهذه الجامعة بتجنيد شبابنا يف‬ ‫التنظيامت املتطرفة يف املايض‪ ،‬كداعش والقاعدة‪،‬‬ ‫ها هي اليوم تقيض عىل مستقبل من بقي منهم‬ ‫بتحويلهم إىل مرتزق ٍة يذهبون للقتال واملوت‬ ‫خارج حدود الوطن بال أي معنى‪.‬‬

‫‪2021 / 6 / 15‬‬

‫(اإلخواين) السوري بغسل أدمغة الشباب الصغار‬ ‫حتى تقنعهم أنهم مسلمون قبل أن يكونوا‬ ‫سوريني‪ ،‬وأن من واجبهم مقاتلة الكفار أينام كانوا‬ ‫نرص ًة لإلسالم واملسلمني‪.‬‬ ‫وهكذا ّمتت إضافة اسم الجرنال الليبي خليفة‬ ‫حفرت عىل أنه عد ٌّو لإلسالم متاماً مثل بشار األسد يف‬ ‫سوريا‪ .‬بل تم ّ‬ ‫ضخ الدماء يف مسألة العداء الرتيك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫األرمني بوصفه عدا ًء إسالميا مسيحيا لتربير إرسال‬ ‫“املجاهدين” إىل أذربيجان ا ُملسلمة‪.‬‬

‫تقارير‬

‫عاد النقاش مؤخراً حول املرتزقة السوريني يف‬ ‫ليبيا وأذربيجان بعد أن أصدر الزمالء يف (املركز‬ ‫السوري للعدالة واملساءلة) و (سوريون من‬ ‫أجل الحقيقة والعدالة) تقريراً ممتازاً بخصوص‬ ‫املوضوع‪ ،‬ر ّكز عىل الجانب االقتصادي منه‪ ،‬حيث‬ ‫ّ‬ ‫تستغل ميليشيات “الجيش الوطني” أحوال الناس‬ ‫املزرية يف الشامل السوري‪ ،‬وحالة الفقر املدقع‬ ‫يف مخ ّيامت النزوح‪ ،‬يك تقوم مبا ّ‬ ‫سمه التقرير بـ‬ ‫“التجنيد االستغاليل” للشباب وإرسالهم للموت‬ ‫املجاين خارج الحدود السورية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫دعا التقرير تركيا إىل “مراقبة ومنع أنشطة تجنيد‬ ‫املرتزقة يف مخيامت النازحني يف شامل غرب سوريا‬ ‫الخاضعة للسيطرة الرتكية”‪ ،‬وهي أنشطة يقوم‬ ‫رئييس فيلق الشام؛ الجناح العسكري‬ ‫بها بشكلٍ‬ ‫ّ‬ ‫لجامعة اإلخوان املسلمني‪.‬‬ ‫ومن املفارقات التي يع ّرج التقرير عىل ذكرها‬ ‫مسألة نجاح املرتزقة السوريني يف املهام العسكرية‬ ‫التي أوكلت إليهم يف كل من ليبيا وأذربيجان‪ .‬ففي‬ ‫ليبيا متت بنجاح عملية ص ّد قوات اللواء خليفة‬ ‫حفرت وإيقافها عند حدّها‪ .‬ويف أذربيجان نجح‬ ‫املرتزقة يف استعادة إقليم ناغورنوكاراباخ لصالح‬ ‫القوات األذربيجانية التي تق ّوت بهم ضد أرمينيا‪،‬‬ ‫فكانوا عام ًال حاس ًام يف الرصاعني املذكورين‪.‬‬ ‫أمام هذه الحمالت املظ ّفرة للمرتزقة السوريني‬ ‫يحقّ لنا أن نتساءل إن كان العامل االقتصادي‬ ‫كاف بح ّد ذاته‬ ‫الذي استفاض التقرير برشحه ٍ‬ ‫لتفسري تحول بعض السوريني لالرتزاق العسكري؟‬ ‫ُ‬ ‫توجهت بهذا السؤال ألحد قادة الفصائل الكربى‬ ‫املذكورة يف التقرير واملتهمة بتجنيد املرتزقة يف‬ ‫الشامل السوري‪ ،‬فأعطاين تفسرياً مغايراً متاماً‪.‬‬ ‫فالقصة بنظر القائد املذكور (الذي طلب منّي‬ ‫عدم ذكر اسمه رفعاً للحرج مع “اإلخوة األتراك”‬ ‫قصة حلف عسكري ال فرار منه بني‬ ‫كام قال) هي ّ‬ ‫ما بقي من مقاتيل الثورة السورية والدولة الرتكية‪.‬‬ ‫وفقاً لهذا القائد فقد خرست الثورة السورية كل‬ ‫حلفائها‪ّ ،‬‬ ‫وتخل العامل ك ّله عنها ومل يبق إال تركيا‪.‬‬ ‫ولهذا السبب‪ ،‬ق ِبل الثوار سابقاً دخول القوات‬ ‫الرتكية إىل مناطقهم لتحريرها من داعش ومن‬

‫قوات ‪ PKK‬املتحالفة مع‬ ‫النظام‪ ،‬حيث قاتل الثوار‬ ‫والجنود األتراك جنباً إىل‬ ‫جنب داخل سوريا كحلفاء‬ ‫لهم مصالح مشرتكة‪.‬‬ ‫ويف املقابل‪ ،‬فعندما‬ ‫طلبت الحكومة الرتكية‬ ‫من حلفائها السوريني‬ ‫املساعدة يف دعم السياسة‬ ‫الخارجية الرتكية‪ ،‬فقد قبلوا من باب الوفاء لرشوط‬ ‫التحالف‪ ،‬واإلقرار بوحدة املصري بني بقايا الثورة‬ ‫السورية والدولة الرتكية الداعم الوحيد املتب ّقي‬ ‫لها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كام أشار القائد لنقط ٍة أخرى ال تقل أهمية‪ ،‬فدعم‬ ‫الجهود العسكرية الرتكية من قبل الثوار يعود‬ ‫أمس الحاجة‬ ‫عليهم مبكاسب مال ّية هائلة هم يف ّ‬ ‫إليها‪ .‬فالقائد املذكور لديه ثالثة آالف مقاتل‬ ‫يتو ّزعون عىل جبهات القتال مع النظام السوري‪،‬‬ ‫وهو ال ميانع بإرسال بعضهم مبهامت خارجية‬ ‫لصالح الحلفاء األتراك إذا كان ذلك سيعود عىل‬ ‫خزينة الفصيل بأموال كثرية تساعدهم عىل البقاء‬ ‫عىل قيد الحياة مد ًة أطول‪.‬‬ ‫وبعيداً عن قضية الحلف العسكري بني الثوار‬ ‫وتركيا‪ ،‬هناك موضوع االرتباط اإليديولوجي‪،‬‬ ‫والذي ال ّ‬ ‫يقل أهمي ًة يف نجاح جهود تجنيد املرتزقة‬ ‫عن العام َلني االقتصادي والعسكري‪ .‬فحسب عض ٍو‬ ‫ُ‬ ‫تحدثت إليه يف باريس‬ ‫يف جامعة اإلخوان املسلمني‬ ‫فإن الفصائل املوالية لرتكيا من واجبها إرسال‬ ‫املقاتلني إىل ليبيا وإىل أي مكانٍ آخر “للدفاع عن‬ ‫أهل السنّة”‪ .‬وهكذا نعود للنقطة التي افرتق‬ ‫عندها السوريون كثرياً منذ بدايات الثورة بسبب‬ ‫الشقاق الخطري الذي أحدثته وتحدثه جامعة‬ ‫اإلخوان املسلمني السورية يف صفوف املعارضني‬ ‫لنظام األسد‪.‬‬ ‫فحسب هذه الجامعة وحسب رجال الدين‬ ‫التابعني لها يف الشامل السوري‪ ،‬فالثورة السورية‬ ‫ليست شأناً سور ّياً‪ ،‬بل إسالمياً! وهكذا تتكفل‬ ‫“إدارة التوجيه املعنوي” يف الجيش الوطني‬


‫رحالت ونزهات على ضفاف نهر‬ ‫النيب هوري يف عفرين بريف حلب‬

‫‪8‬‬ ‫حسين الخطيب‬

‫العدد‬ ‫‪95‬‬

‫‪2021 / 6 / 15‬‬ ‫تقارير‬

‫متتاز منطقة عفرين بريف حلب الشاميل بطبيعة‬ ‫ترس الناظر إليها‪ ،‬من جبال وأشجار وسهول‬ ‫خالبة ّ‬ ‫وأنهار‪ ،‬جعلتها وجهة لكل األهايل يف الشامل الغريب‬ ‫من سوريا‪ ،‬باعتبارها مركزاً لالصطياف والرتويح عن‬ ‫النفس يف ظل قسوة الحياة وضيقها‪.‬‬ ‫ومع ارتفاع درجات الحرارة من كل عام‪ ،‬أو دخول‬ ‫فصل الربيع‪ ،‬ينطلق سكان ريف حلب الشاميل من‬ ‫مدن اعزاز ومارع والباب‪ ،‬وإدلب أيضاً وغريها‪ ،‬إىل‬ ‫أنهار مدينة عفرين وبحريتها املشهورة “ميدانيك”‬ ‫لالصطياف هناك‪ ،‬وتغيري ألجواء العمل والروتني‬ ‫اليومي‪ ،‬ال سيام أن سنوات عديدة مرت عليهم وهم‬ ‫يهلعون ويهربون من بلدة ألخرى خشية القصف‬ ‫واملوت‪.‬‬ ‫يف السنوات السابقة غابت هذه الرحالت عن أجواء‬ ‫السوريني‪ ،‬وأصبح من املستحيل إيجاد أجواء يسودها‬ ‫الهدوء يف ظل سيطرة الحرب عىل واقعهم‪ ،‬وكامل‬ ‫أوقاتهم التي كانت متعبة وحزينة وطويلة أكرث من‬ ‫أنها مجرد سنوات‪ ،‬إال أن الهدوء النسبي اآلن دفع‬ ‫األهايل إىل قضاء ساعات مميزة مع األهل واألصحاب‬ ‫يف منطقة عفرين‪.‬‬ ‫زارت مجلة “طلعنا عىل الحرية” منطقة “النبي‬ ‫هوري” بريف عفرين الشاميل‪ ،‬هذه املنطقة يرتادها‬ ‫الناس بشكل كبري خالل الصيف بسبب مرور نهر‬ ‫عفرين عربها‪ ،‬ومتيزها بالهدوء التام لبعدها عن القرى‬ ‫واملدن وعن الطريق الرئييس‪.‬‬ ‫يظهر املشهد من بعيد‪ ،‬عرشات العائالت تجمعت‬ ‫عىل ضفاف النهر وتحت ظالل األشجار‪ ،‬يجلسون‬ ‫جلسات السمر والضحكات ال تكاد تتوقف‪ ،‬بينهم‬ ‫أطفال يلعبون باملاء وآخرون يلعبون كرة القدم عىل‬ ‫ضفة النهر‪ ،‬وآخرون يجلسون قرب النار يشوون‬ ‫اللحوم ويحرضون وجبة الغداء‪ ،‬ويرشبون الرنجيلة‪،‬‬ ‫وسط أجواء مفعمة بالراحة‪.‬‬ ‫“عبد الرحمن الوحيد” من مدينة الباب بريف حلب‬ ‫الشاميل الرشقي أحد زائري املنطقة مع مجموعة من‬ ‫رفاقه يقول لـ “مجلة طلعنا عىل الحرية”‪“ :‬مل أزر‬ ‫هذه املنطقة منذ عرش سنوات تقريباً‪ ،‬حيث كانت‬ ‫الزيارة مع أصدقايئ أيضاً‪ ،‬عندها كنت يف التعليم‬ ‫األسايس‪ ،‬لكننا خالل الثورة ضد النظام وحربه علينا‪،‬‬ ‫تركنا تلك األماكن دون زيارة”‪ .‬وأضاف‪“ :‬اتفقت مع‬ ‫أصدقايئ من أجل التحضري للرحلة وزيارة منطقة‬ ‫النبي هوري يف عفرين‪ ،‬وتقاسمنا العمل عىل التحضري‬

‫من أجل الحصول عىل أجواء مختلفة عام مىض‬ ‫من الحرب والكوارث املقيتة من نزوح وغريه”‪.‬‬ ‫وأوضح‪“ :‬منطقة عفرين منطقة فريدة ومميزة‬ ‫عن باقي مناطق ريف حلب الشاميل‪ ،‬وهي‬ ‫املجال الوحيد املتاح لنا من أجل الحصول‬ ‫عىل هذه األجواء‪ ،‬ال سيام أن الحرب مل تفارقنا‬ ‫واملوت والقصف أيضاً حتى اآلن”‪.‬‬ ‫السوريون خالل زيارتهم لتلك املنطقة ال‬ ‫يجدون وصفاً لها ألنها فائقة الجامل‪ ،‬غيبتها‬ ‫الحرب عنهم كام غابت قلوبهم البيضاء‪،‬‬ ‫يحاولون التعايش مع هذا الواقع مهام كان‬ ‫متعباً‪ ،‬ومن الغريب جداً أن تكون هذه املنطقة‬ ‫التي ال تبعد سوى كيلومرتات معدودة فاقدة‬ ‫أناسها الطيبني‪.‬‬ ‫التقت مجلة “طلعنا عىل الحرية” عدد من‬ ‫األهايل هناك بينهم أرس بأكملها ومجموعات من‬ ‫الشباب‪ ،‬وبعضهم طلبة جامعات‪ ،‬من مناطق‬ ‫سورية مختلفة جمعتهم أقدارهم يف شامل‬ ‫غريب سوريا‪ ،‬يحاولون أن يعيشوا أجواءهم التي‬ ‫فقدوها بشكل ما لعلهم يكسبون شيئاً من رغد‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫“محمد نبهان” وهو مدرس من مدينة مارع‬ ‫بريف حلب قال لـ “مجلة طلعنا عىل الحرية”‬ ‫إنه يزور كل عام منطقة النبي هوري مع زمالئه‬ ‫يف العمل‪ ،‬أي أن الزيارة تكون مع نهاية العام‬ ‫الدرايس‪ ،‬تزامناً مع احتفائهم بنهاية العام‬ ‫الدرايس بخري وسالمة‪.‬‬ ‫وأضاف‪“ :‬الرحلة تكون تشاركية أيضاً بني جميع‬ ‫املعلمني‪ ،‬نقيض أوقاتاً ممتعة مع الزمالء بعد‬ ‫عام كامل من العمل‪ ،‬لكن يف السابق كانت‬ ‫رحالتنا إىل أكرث من مكان إال أنه نتيجة سيطرة‬

‫النظام وغريها عىل املناطق مل تتبق سوى منطقة‬ ‫عفرين للتمتع بأجوائها اللطيفة”‪.‬‬ ‫وأكد‪“ :‬أن االهايل يتوجهون إىل تلك املنطقة‬ ‫بإمكانيات محدودة‪ :‬بعض الكيلوغرامات من‬ ‫لحوم الدجاج ألن لحوم األغنام باهظة الثمن‪،‬‬ ‫وقليل من املرشوبات واملأكوالت مبا يتامىش مع‬ ‫وضعهم املادي”‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من أن الرحالت من الرفاهيات‪ ،‬إال‬ ‫أنها أصبحت تخلو نوعاً ما من البذخ والرتف أو‬ ‫رصف املال فوق اإلمكانيات لدى األهايل الذين‬ ‫يرغبون يف قضاء يوم ممتع بني سهول وجبال‬ ‫منطقة عفرين‪ ،‬إذ تحكمهم املادة أيضاً‪ ،‬وأصبح‬ ‫من النادر جداً أن تشاهد أشخاصاً يرصفون فوق‬ ‫قدراتهم فهم يلجؤون إىل املأكوالت األقل مثناً‬ ‫ألن سيدفعون تكاليف باهظة بني أجور الطريق‬ ‫وارتفاع أسعار الحاجيات الالزمة للرحلة‪.‬‬ ‫وقد لفت أحد املواطنني الذين يرتددون عىل‬ ‫املكان يف النهاية أنه ال ميكن وصف املنطقة‬ ‫بأجوائها الفريدة فقط‪ ،‬فهي ليست آمنة متاماً‪،‬‬ ‫وليس باإلمكان البقاء هناك بعد حلول الظالم‬ ‫حتى ولو لساعة واحدة‪ ،‬بسبب غياب األمن‪،‬‬ ‫وعدم تخديم املنطقة من نقاط طبية وأمنية‬ ‫ومطاعم ومساجد وغريها‪.‬‬ ‫وأضاف “يبدو أن االهتامم السياحي يف املنطقة‬ ‫نادر جداً إذ ال تتوفر هناك طرقات معبدة‬ ‫وآمنة ومطاعم أو مقاهي لالستثامر يف ظل‬ ‫انعدام األمن‪ ،‬الذي يلعب دوراً هاماً يف عمل‬ ‫تلك املنشآت‪ ،‬والتي يف حال تم استثامرها‬ ‫جيداً ستوفر فرص عمل لعرشات من معييل‬ ‫األرس‪ ،‬وأرباح جيدة عىل املستثمرين والجهات‬ ‫املحلية‪ ،‬املسؤولة عنها”‪.‬‬


‫أمراض خطرية وروائح مؤذية‪..‬‬ ‫خميمات مشال غرب سوريا تعج بالنفايات‬

‫‪9‬‬

‫نايف البيوش‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬ ‫مضيفاً‪“ :‬تعمل املديرية بالتعاون مع املجالس‬ ‫املحلية عىل ترحيل القاممة من املخيامت‪ ،‬ورميها‬ ‫يف مناطق بعيدة عن التجمعات السكانية‪ ،‬لنتفاجأ‬ ‫املكب‪ ،‬وهذا‬ ‫باستحداث مخيم جديد بالقرب من ّ‬ ‫األمر هو من أبرز الصعوبات التي تواجهنا يف‬ ‫ترحيل القاممة”‪.‬‬ ‫وتعمل املديرية عىل التخلص من النفايات من‬ ‫خالل حرقها بطريقة بدائية‪ ،‬لعدم وجود حراقات‬ ‫ومعامل مخصصة لتكرير النفايات‪ ،‬حيث تنظم‬ ‫املديرية ‪-‬وفق اإلمكانات املتاحة‪ -‬حمالت تعقيم‬ ‫ورش مبيدات دورية‪ ،‬تستهدف املخيامت النائية‬ ‫والقريبة من هذه املكبات‪.‬‬

‫‪2021 / 6 / 15‬‬

‫البيئة”‪.‬‬ ‫وترتفع نسبة الخطورة يف النفايات بوصول األطفال‬ ‫إليها‪ ،‬الحتوائها عىل حقن ورؤوس إبر وقثاطر‬ ‫وريدية‪ ،‬حيث ميكن أن تنتقل بعض الفريوسات‬ ‫نتيجة إحداث جرح بيد الطفل مسببة له التهاب‬ ‫كبد‪ ،‬أو التهابات أخرى‪.‬‬ ‫حلول‬ ‫يعطي الطبيب الرحمون بعض الحلول للتخلص‬ ‫من مشكلة النفايات وأرضارها‪ ،‬إما بإعادة تدويرها‬ ‫أو دفنها‪ ،‬أو عىل األقل حرقها كأفضل الحلول‬ ‫املتاحة وأقلها تكلفة‪.‬‬ ‫الطبيب عيل األحمد‪ ،‬أحد العاملني يف القطاع‬ ‫الصحي التابع ملديرية صحة إدلب‪ ،‬واملطلع عىل‬ ‫عمل املديرية يقول ملجلة “طلعنا عالحرية”‪:‬‬ ‫“ازدياد أعداد املخيامت شامل غريب سوريا‪ ،‬أدى‬ ‫لنقص حاد يف األرايض املخصصة لرتحيل النفايات‪،‬‬ ‫مشرياً إىل أن معظم األرايض الشاغرة هي عبارة‬ ‫عن سفوح جبلية وغري صالحة لالستعامل”‪.‬‬

‫تقارير‬

‫مل يتوقع الشاب “عمر نعسان” (‪29‬عاماً) أن‬ ‫إصابته مبرض إلتهاب الكبد الوبايئ منذ أكرث من‬ ‫ثالثة أشهر‪ ،‬سببها انتشار مكبات القاممة عىل‬ ‫مقربة من مخيم مشهد روحني شامل إدلب‪ ،‬الذي‬ ‫يعيش فيه مع أبويه وإخوته منذ نزوحهم من‬ ‫مدينتهم معرة النعامن أواخر عام ‪.2019‬‬ ‫عاىن عمر من أعراض مرضية صعبة وقاسية‪ ،‬ومنها‬ ‫حمى شديدة‪ ،‬ضعف عام يف الجسم‪ ،‬فقدان‬ ‫الشهية‪ ،‬غثيان وقيء‪ ،‬أمل يف البطن‪ ،‬آالم املفاصل‬ ‫والعضالت‪ ،‬إضافة إىل بول داكن اللون‪ .‬مل ُي َ‬ ‫شف‬ ‫الشاب من املرض حتى اللحظة‪ ،‬رغم ارتياده‬ ‫لعيادات األطباء وتناوله الكثري من األدوية التي مل‬ ‫تجد نفعاً مع حالته “املستعصية” عىل ح ّد وصفه‪.‬‬ ‫عمر مل يكن الوحيد‪ ،‬وإمنا تعددت الحاالت املرضية‬ ‫يف املخيامت العشوائية شامل غرب إدلب‪ ،‬جراء‬ ‫االنتشار العشوايئ ملكبات القاممة دون أي مسعى‬ ‫من املعنيني واملسؤولني‪ ،‬وعىل رأسهم حكومة‬ ‫اإلنقاذ‪ ،‬لنقل تلك املكبات إىل أمكنة بعيدة‪،‬‬ ‫وخاصة بعد أن بدأت تشكل وبا ًء حقيقياً يهدد‬ ‫آالف النازحني اليائسني الذي يواجهون صعوبات‬ ‫حياتية كبرية بسبب الحرشات والروائح‪.‬‬ ‫األطفال يف خطر!‬ ‫أصيب الطفل “صهيب السامل” (‪ 7‬سنوات) مبرض‬ ‫القوباء الجلدي‪ ،‬جراء تعرضه للدغات البعوض‬ ‫والذباب التي تغزو مخيمهم يف دير حسان‪ ،‬تقول‬ ‫والدته إنهم يعانون كرثة الحرشات والزواحف‬ ‫والبعوض والذباب‪ ،‬بسبب انتشار مك ّبات النفايات‬ ‫عىل مقربة من مخيمهم‪ ،‬وهو ما تسبب بأمراض‬ ‫عديدة ألهايل املخيامت‪ .‬وتشكو أم صهيب إهامل‬ ‫املسؤولني لألمر رغم خطورته‪ ،‬والذين مل يكلفوا‬ ‫أنفسهم حتى عناء ّ‬ ‫رش املبيدات الحرشية داخل‬ ‫املخيامت‪ ،‬وتتساءل بحزن‪“ :‬ألهذه الدرجة باتت‬ ‫تهم أحداً وال تعني أحداً‪ ،‬أال يكفي تهجرينا‬ ‫حياتنا ال ّ‬ ‫ونزوحنا وعيشنا عىل هامش الحياة!”‪ .‬تصمت‬ ‫قلي ًال لتعود لحالة ابنها املرضية وتقول‪“ :‬يف البداية‬ ‫مل نعرف ماهية هذا املرض‪ ،‬فنوعية التحسس‬ ‫والحبوب الكبرية التي ظهرت عىل وجهه ويف‬ ‫مناطق متفرقة من جسمه بدت غريبة بالنسبة لنا‪،‬‬ ‫وهي رسيعة االنتشار يف الجسم‪ ،‬وتسبب عدوى‬ ‫شديدة بني فئة األطفال يف املخيم‪ ،‬فسارعنا لعرض‬

‫صهيب عىل طبيب جلدية‪،‬‬ ‫والذي وصف له بعض املراهم‬ ‫الجلدية واملضادات الحيوية‪،‬‬ ‫وبعد متابعته ملدة شهرين‬ ‫بدأ بالتحسن بشكل تدريجي‪،‬‬ ‫لكننا نخاف من اإلصابة بعدوى‬ ‫أخرى جديدة من أطفال املخيم‬ ‫املصابني أيضاً”‪.‬‬ ‫رأي طبي‬ ‫“د‪ .‬دريد رحمون” مسؤول الرعاية الصحية يف‬ ‫مديرية صحة إدلب الحرة يوضح أن مرض القوباء‬ ‫هو واحد من األمراض الجلدية الشائعة التي‬ ‫تصيب األطفال يف املخيامت‪ ،‬مضيفاً‪“ :‬يظهر عىل‬ ‫شكل لطخة حمراء حول الفم أو األنف وسببه‬ ‫جرثومي‪ ،‬وهي من أنواع الجراثيم املذهبية أو‬ ‫املكورات العنقودية القيحية‪ 30% ،‬من الحاالت‬ ‫تظهر عىل شكل فقاعة‪ ،‬و‪ 70%‬منها تنمو بشكل‬ ‫كبري لتنفجر وتنترش بأماكن أخرى‪ ،‬وهذا املرض‬ ‫ينتقل عن طريق اللمس من طفل آلخر” ‪.‬‬ ‫قامت مديرية الصحة بدورها باستدراك األمر‬ ‫بعد استقبال صور لعدة حاالت من قبل إدارة‬ ‫املخيامت‪ ،‬وتم تشكيل لجنة مختصة مؤلفة من‬ ‫أطباء وممرضني‪ ،‬وعملت هذه الفرق عىل املتابعة‬ ‫للحاالت قدر اإلمكان‪.‬‬ ‫مخاطر متعددة‪ ..‬وال حلول واضحة‬ ‫عن مخاطر انتشار النفايات بالقرب من املخيامت‬ ‫واألمراض التي تسببها‪ ،‬يتحدث الطبيب األخصايئ‬ ‫باألمراض الداخلية “عيل الرحمون” لطلعنا‬ ‫عالحرية‪“ :‬القاممة تشكل أرضاً خصبة للبكرتيا‬ ‫والجراثيم‪ ،‬وتؤدي إىل تفيش وانتقال الكثري من‬ ‫األمراض أهمها الكولريا‪ ،‬املالريا‪ ،‬التيفوئيد‪ ،‬األمراض‬ ‫الصدرية‪ ،‬واألمراض الجلدية مثل الالشامنيا‪،‬‬ ‫والتسمم‪ ،‬التهاب الكبد‪ ،‬التهاب األمعاء‪ ،‬وأنواع‬ ‫متعددة من الرسطانات‪ ،‬كرسطان القولون والدم‪،‬‬ ‫وغريها من األمراض املزمنة واملستعصية”‪.‬‬ ‫ويضيف الطبيب‪“ :‬تلك األمراض يف تزايد مستمر‬ ‫مع انتشار املخيامت العشوائية‪ ،‬وزيادة الكثافة‬ ‫السكانية وانعدام السبل الخدمية فيها‪ ،‬وانتشار‬ ‫املكبات عىل مقربة منها‪ ،‬ما يؤثر سلباً ليس عىل‬ ‫صحة البرش فقط وإمنا أيضاً عىل الحيوانات وعىل‬


‫منهاج مزدوج يف مدينة الرقة‪...‬‬ ‫‪10‬‬

‫الطالب خيوضون امتحانات شهادتي اإلعدادية‬ ‫والثانوية وسط ظروف قاسية‬ ‫الرقة – عبد اهلل الخلف‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬ ‫‪2021 / 6 / 15‬‬ ‫تقارير‬

‫بعد منتصف الليل تستيقظ “هديل” البالغة من‬ ‫العمر ‪ 19‬عاماً‪ ،‬لتبدأ بتجهيز نفسها للذهاب‬ ‫لتقديم امتحانات الشهادة الثانوية‪ ،‬حيث تضطر‬ ‫لقطع مسافة ‪ 30‬كيلومرت من مدينتها الرقة باتجاه‬ ‫املناطق الخاضعة لسيطرة النظام جنوب رشق‬ ‫املدينة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وعند الساعة الثانية ليال تستقل هديل حافلة‬ ‫صغرية مع نظرياتها من الطالبات؛ فاملسافة ليست‬ ‫بعيدة ولكن التشديد عىل الحواجز العسكرية‬ ‫التابعة لقوات سوريا الدميقراطية وللنظام السوري‬ ‫يجربهن عىل الذهاب قبل ست ساعات من بدء‬ ‫االمتحان‪ ،‬خوفاً من التأخر عىل مواعيد الحضور‪.‬‬ ‫لوقت‬ ‫وتوضح هديل بأنها أحياناً ال تستطيع النوم ٍ‬ ‫كاف‪ ،‬ما يؤثر سلباً عىل كتابتها أثناء االمتحان‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتقول‪“ :‬يف إحدى املرات مل أنم إال لساعتني فقط‪،‬‬ ‫االمتحان يبدأ الساعة الثامنة صباحاً‪ ،‬ولكن نحن‬ ‫نخرج قبل ست ساعات‪ ،‬وبعد انتهاء االمتحان‬ ‫والعودة للرقة يستغرق الطريق أيضاً حوايل‬ ‫الساعتني بسبب التدقيق والتفتيش عىل الحواجز”‪.‬‬ ‫معظم الطالب يف الرقة يفضلون الحصول عىل‬ ‫الشهادات الدراسية من حكومة النظام السوري‪،‬‬ ‫كونها رسمية ومعرتف بها‪ ،‬إضافة إىل ذلك ال توجد‬ ‫امتحانات شهاديت تعليم أسايس وثانوي يف الرقة‬ ‫الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الدميقراطية‪.‬‬ ‫حيث أن املنهاج الذي يد ّرس يف املدارس التابعة‬ ‫لإلدارة الذاتية هو منهاج التعلم الذايت املقدم‬ ‫من منظمة اليونيسيف التابعة لألمم املتحدة‪،‬‬ ‫أما “منهاج اإلدارة” فال وجود له يف مناطق الرقة‬ ‫والطبقة ودير الزور ومنبج‪.‬‬ ‫وبحسب مديرية الرتبية التابعة لحكومة النظام يف‬ ‫الرقة‪ ،‬والتي يقع مقرها يف مناطق سيطرتها جنويب‬ ‫املدينة‪ ،‬فإن عدد الطالب الذين تقدموا لالمتحانات‬ ‫هذا العام يف ريف الرقة الخاضع لسيطرة النظام‬ ‫بلغ ‪ 17836‬طالب وطالبة‪ ،‬موزعني عىل ‪ 147‬مركز‬ ‫امتحاين يف بلدات السبخة ومعدان ودبيس عفنان‬ ‫الخاضعة لسيطرة قوات النظام‪.‬‬ ‫كام جهزّت مديرية الرتبية مراكز إيواء للطالب‬ ‫القادمني من مناطق بعيدة يف ريف الرقة‪ ،‬مثل‬

‫تل أبيض وسلوك والجرنية وغريها‪ ،‬يتم فيها توفري‬ ‫اإلقامة والطعام من منظمة اليونيسيف والهالل‬ ‫األحمر السوري وجمعيات أخرى‪.‬‬ ‫ويعتمد الطالب يف الرقة عىل الدروس الخصوصية‬ ‫يف املعاهد التعليمية الخاصة‪ ،‬أو يف املعاهد العامة‬ ‫التابعة للجنة الرتبية مبجلس الرقة املدين‪ ،‬وتد ِّرس‬ ‫منهاج النظام ملرحلتي التعليم األسايس والثالث‬ ‫الثانوي‪.‬‬ ‫ويضطر األهايل يف الرقة لدفع مبالغ مالية مرتفعة‬ ‫لقاء تعليم أبنائهم يف املعاهد التعليمية العامة‬ ‫والخاصة‪ ،‬وبحسب لجنة الرتبية مبجلس الرقة املدين‬ ‫فإن عدد طالب شهاديت الكفاءة والثانوية املسجلني‬ ‫يف املعاهد بالرقة يبلغ ‪ 12584‬طالباً وطالبة‪.‬‬ ‫ويوجد يف الرقة وريفها الخاضع لسيطرة قسد ‪57‬‬ ‫معهد تعليمي خاص‪ ،‬و‪ 23‬معهد عام يتبع للجنة‬ ‫الرتبية‪ ،‬تبلغ األقساط الشهرية لكل طالب يف‬ ‫املعاهد الخاصة ‪ 73‬ألف لرية سورية ما يعادل (‪20‬‬ ‫دوالر أمرييك) لطالب الشهادة الثانوية العلمية‪،‬‬ ‫و‪ 62‬ألف للثانوي األديب‪ ،‬و‪ 40‬ألف للتاسع‪.‬‬ ‫أما يف املعاهد العامة فتبلغ األقساط ‪ 53‬ألف لرية‬ ‫شهرياً لطالب الثانوي العلمي‪ ،‬و‪ 47‬ألف للثانوي‬ ‫األديب‪ ،‬و‪ 30‬ألف للتاسع‪ ،‬و”هذه تكاليف مرتفعة‬ ‫مقارن ًة بالوضع املعييش للسكان” عىل ح ّد تعبري‬ ‫“عبد اللطيف الحسن” والذي لديه ولدان هذه‬ ‫السنة يف الصف التاسع والثالث الثانوي‪.‬‬ ‫يلفت عبد اللطيف إىل أنه سائق سيارة أجرة ودخله‬ ‫ال يكفي ملصاريف املعيشة واألقساط الشهرية‬ ‫لتعليم األوالد‪ ،‬فيضطر لالستدانة من أصدقائه‬ ‫وأقاربه يف سبيل تعليم أبنائه‪ ،‬مضيفاً “التكاليف‬ ‫مرتفعة جداً‪ ،‬عدا عن األقساط الشهرية‪ ،‬نضطر‬ ‫حالياً لدفع أجرة النقل من الرقة ملركز االمتحان يف‬ ‫السبخة بالريف الرشقي ‪ 70‬ألف لرية سورية لكل‬

‫طالب عن كل فرتة االمتحان”‪.‬‬ ‫ويتابع حديثه ليقول‪“ :‬أعرف صديقاً لديه ابنة‬ ‫متفوقة يف الصف التاسع‪ ،‬ولكن بسبب ظروفه‬ ‫االقتصادية املرتدية مل يسجلها يف املعاهد التعليمية‬ ‫وأوقف دراستها! التكاليف العالية للتعليم تدفع‬ ‫الكثري من الناس إليقاف تعليم أبنائهم”‪.‬‬ ‫وتصف “صهباء فريج” وهي معلمة رياضيات‪،‬‬ ‫التعليم بالنسبة لطالب الرقة بـ “القهر”‪ ،‬تقول إن‬ ‫وضع الطالب هنا يختلف عن باقي املحافظات‪،‬‬ ‫فهم مضطرون لدفع مثن كل درس‪ ،‬ويضطرون‬ ‫لتحمل ما ال يطاق عىل الحواجز العسكرية يف‬ ‫طريقهم لالمتحان‪ ،‬عىل عكس املحافظات األخرى‬ ‫حيث التعليم فيها مجاين واالمتحان يف نفس‬ ‫املنطقة‪.‬‬ ‫وتشكو صهباء قلة االهتامم بالنسبة للعملية‬ ‫التعليمية بعد سنوات الحرب‪ ،‬وتعزو تدين مستوى‬ ‫الرتبية إىل املراقبني يف قاعات االمتحان؛ فهم‬ ‫“يرهبون الطالب وال يوفرون لهم أجواء هادئة‬ ‫ومريحة‪ ،‬بعضهم يطلب من الطالب إذا كان متفوقاً‬ ‫أن يشارك يف الغش وينقل معلوماته لباقي الطالب!‬ ‫والبعض اآلخر يفاقم توتر الطالب بأسلوبه الفظ‪،‬‬ ‫ويريد أن يكتب تقريره بأي شكل من األشكال دون‬ ‫أدىن مراعاة لنفسية الطالب”‪.‬‬ ‫وعن الحواجز التي ال تراعي الحالة النفسية‬ ‫للطالب لفتت صهباء قائلة‪“ :‬تفتيش دقيق يستمر‬ ‫لساعات وأسئلة وتحقيق مع الطالب كأنهم قادمني‬ ‫من بلد آخر! هؤالء الطالب يدفعون رضيبة باهظة‬ ‫الستكامل دراستهم”‪.‬‬ ‫والجدير ذكره أن مكتب الدفاع يف اإلدارة الذاتية‬ ‫أصدر قراراً الشهر املايض بعدم مالحقة الطالب‬ ‫الذكور املطلوبني للتجنيد اإلجباري حتى نهاية‬ ‫االمتحانات‪.‬‬


‫تكاليف الزواج ترهق الشباب يف إدلب‬ ‫‪11‬‬ ‫دارين الحسن ‪ -‬إدلب‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬ ‫‪2021 / 6 / 15‬‬

‫بالزواج‪ ،‬منهم “وليد الحسون” (‪ 29‬عاماً)‬ ‫الذي نزح مع أرسته من معرة النعامن منذ‬ ‫سنة ونصف‪ ،‬إىل مخيم يف بلدة كليل بريف‬ ‫إدلب الشاميل‪ ،‬يتحدث لطلعنا عالحرية عن‬ ‫معاناته‪“ :‬تقدمت لخطبة فتاة من ذات‬ ‫املخيم منذ شهرين‪ ،‬لكن أهلها رفضوا أن‬ ‫تعيش ابنتهم يف خيمة‪ ،‬رغم أن أجرة أي‬ ‫منزل تتجاوز مبلغ ‪ 50‬دوالراً أمرييك شهرياً‪،‬‬ ‫عل ًام أن راتبي الشهري ال يتجاوز ‪ 100‬دوالر”‪.‬‬ ‫املرشدة االجتامعية “رانية الغريب” (‪36‬‬ ‫عاماً) من مدينة إدلب تحذر من عواقب‬ ‫املغاالة يف املهور بقولها‪“ :‬يساهم الغالء‬ ‫وارتفاع تكاليف الزواج بتأخر سن الزواج‪،‬‬ ‫األمر الذي يجرب الكثري من الشباب عىل إلغاء‬ ‫الفكرة أو السفر بحثاً عن فرصة عمل تحسن‬ ‫أحوالهم املعيشية ومتكنهم من تحقيق‬ ‫حلمهم يف الزواج”‪.‬‬ ‫وتضيف‪“ :‬ارتفاع نسبة العنوسة للطرفني‬ ‫قد يؤدي إىل االنحراف األخالقي‪ ،‬وفقدان‬ ‫االستقرار النفيس‪ ،‬وظهور نتائج كارثية عىل‬ ‫األرس وعىل املجتمع بشكل عام”‪ ،‬مؤكدة‬ ‫عىل رضورة توعية املجتمع لتيسري الزواج‬ ‫والتخفيف من مصاريفه‪ ،‬والعمل عىل‬ ‫مساعدة الفئة غري القادرة عىل الزواج‪،‬‬ ‫وتحسني أوضاعهم املعيشية من خالل توفري‬ ‫فرص عمل‪.‬‬ ‫حاالت كرست التقاليد!‬ ‫ً‬ ‫من جهتها “غادة املصطفى” (‪ 40‬عاما) من‬ ‫مدينة معرة النعامن‪ ،‬زوجت ابنتها منذ شهر‬ ‫مبهر مقبول ودون تعقيدات‪ ،‬فهي ال تجد‬

‫رضراً من مراعاة ظروف الشباب املرتبطة‬ ‫أساساً بالوضع العام وظروف الحرب الصعبة‪،‬‬ ‫من خالل التخيل عن بعض العادات الثانوية‬ ‫يف األعراس‪ ،‬كحفلة الزفاف والوالئم‪ ،‬واالكتفاء‬ ‫بخواتم الزواج فقط‪ ،‬وسكن العروس مع أهل‬ ‫زوجها‪ ،‬وإقامة حفلة صغرية يف منزل العائلة‪،‬‬ ‫ورشاء الحاجات الرضورية فقط‪ ،‬مضيفة‪:‬‬ ‫“ال مشكلة من استئجار ثوب الزفاف نظراً‬ ‫القتصار استخدامه عىل يوم واحد فقط‪،‬‬ ‫واالقتصار يف رشاء الذهب عىل خاتم الخطبة‬ ‫إىل جانب املالبس الرضورية فقط”‪.‬‬ ‫وتخالف “حنان فيلوين” (‪ 23‬عاماً) هذا‬ ‫الرأي‪ ،‬التي ال تزال طالبة يف جامعة إدلب‪،‬‬ ‫حيث ترى أن املهر سند للمرأة وحامية لها‬ ‫فيام لو حدث الطالق‪ ،‬موضحة‪“ :‬إذا تنازلت‬ ‫الفتاة عن بعض متطلبات الزواج‪ ،‬فسوف‬ ‫تتنازل عن حقوقها بشكل دائم”‪.‬‬ ‫وتضيف‪“ :‬الرشط األسايس يف الرجل الذي‬ ‫يطلب يد فتاة أن يكون قادراً عىل فتح بيت‬ ‫وتحمل مسؤولية اإلنفاق عىل أرسته‪ ،‬ومن مل‬ ‫يستطع تأمني مهر عروسه فلن يكون قادراً‬ ‫عىل تحمل مسؤولياته املادية مستقب ًال “‪.‬‬ ‫أصبحت تكاليف الزواج هاجساً لدى غالبية‬ ‫الشباب‪ ،‬الذين يجدون أنفسهم مرتددين‬ ‫يف اإلقدام عىل هذه الخطوة‪ ،‬ال سيام مع‬ ‫عدم وضوح زمن معني النتهاء الحرب‪،‬‬ ‫مقابل ظروف اقتصادية مأساوية‪ ،‬تزداد‬ ‫صعوبة يوماً بعد آخر‪ ،‬يعجز يف ظلها معظم‬ ‫السوريني عن تأمني احتياجاتهم األساسية ليك‬ ‫يفكروا أص ًال يف تكوين أرسة ‪.‬‬

‫تقارير‬

‫يعجز الكثري من الشباب يف إدلب عن تأمني تكاليف الزواج‪،‬‬ ‫كتوفري السكن املستقل‪ ،‬الذهب واملهور‪ ،‬أو تحضريات الزواج‪،‬‬ ‫مع ازدياد معدالت البطالة وانخفاض مستوى الدخل وشح فرص‬ ‫العمل‪ ،‬وعوامل كثرية‪ ..‬فيام يتمسك كثري من العائالت بالعادات‬ ‫والتقاليد‪ ،‬حيث يرى البعض أن “الزواج السهل يؤدي إىل طالق‬ ‫سهل”‪.‬‬ ‫املهر بالدوالر األمرييك‬ ‫انهيار قيمة اللرية السورية يدفع معظم األرس يف إدلب إىل تسجيل‬ ‫مهور بناتهم بالدوالر األمرييك‪ ،‬مام يدفع العديد من الشباب‬ ‫للعزوف عن الزواج‪ ،‬أو يلجؤون إىل تحمل مخاطر ومصاعب‬ ‫السفر إىل تركيا للعمل لعدة أشهر وجمع املال‪ ،‬والعودة من‬ ‫أجل الزواج‪.‬‬ ‫بعد تفاهم وقصة حب استمرت عدة أشهر‪ ،‬فقد يوسف فرصته‬ ‫بالزواج من الفتاة التي أحبها‪ ،‬ودرسا سوي ًة يف جامعة إدلب‪،‬‬ ‫ليكون غالء املهر عائقاً أمام زواجهام‪ ،‬وكفي ًال باإلجهاز عىل األحالم‬ ‫والخطط التي رسامها معاً للمستقبل كام يقول‪ ،‬وذلك بعد أن‬ ‫طلب أهلها مهراً مل يستطع الشاب يوسف تأمينه‪“ :‬طلب أهل‬ ‫العروس تسجيل مبلغ ‪ 3000‬دوالر أمرييك كمعجل‪ ،‬ومثله مؤجل‪،‬‬ ‫مع رشاء ‪ 50‬غرام من الذهب” يقول يوسف‪ .‬ويضيف مستنكراً‪:‬‬ ‫“كيف ميكن لشاب يف مقتبل العمر أن يؤمن هذا املبلغ يف ظل‬ ‫الظروف املعيشية املرتدية التي نعيشها!”‪.‬‬ ‫عزوف عن الزواج‬ ‫حال غالء املهور دون زواج املئات من الشباب يف إدلب‪ ،‬التي‬ ‫يعاين سكانها األصليون والنازحون من قلة فرص العمل‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن قلة األجور يف حال توفره‪.‬‬ ‫ً‬ ‫“أحمد الشيخ أحمد” (‪ 33‬عاما) من مدينة إدلب‪ ،‬مل يقدم عىل‬ ‫خطوة الزواج حتى اآلن‪ ،‬بسبب عدم توفر املال الالزم‪ ،‬موضحاً‪:‬‬ ‫“تكاليف الزواج باتت كبرية ومن الصعب تأمينها عىل معظم‬ ‫الشباب‪ ،‬وبالنسبة يل أعمل طوال اليوم يف معمل لصنع البالط‬ ‫للحصول عىل ‪ 25‬لرية تركية‪ ،‬بالكاد تكفي ملساعدة والدي يف‬ ‫مرصوف املنزل‪ ،‬وتأمني مرصويف الشخيص من تبغ ومواصالت‬ ‫وفاتورة إنرتنت”‪.‬‬ ‫يؤكد الشيخ أحمد أن مثن غرفة النوم املستعملة يتجاوز مبلغ‬ ‫الـ ‪ 200‬دوالر أمرييك‪ ،‬فيام بلغ سعر الذهب حوايل ‪ 55‬دوالراً‬ ‫للغرام الواحد‪“ ،‬إىل جانب ثوب الزفاف الذي يشكل مثنه املقدر‬ ‫بأكرث من ‪ 300‬دوالر مصدر قلق للزوج‪ ،‬فيام يعترب حلم كل فتاة‬ ‫تتمنى دخول القفص الزوجي” بحسب قوله‪.‬‬ ‫كام زاد النزوح من معاناة الكثري من الشباب‪ ،‬وقلل من فرصهم‬


‫يف سوريا ال ملكية بدون موافقة أمنية‬ ‫‪12‬‬

‫درعا‪ ..‬املوافقات األمنية تعطل عمليات بيع وشراء العقارات‬ ‫علي المحاميد‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬ ‫‪2021 / 6 / 15‬‬ ‫تقارير‬

‫عادت املوافقات األمنية لتتصدر املشهد من جديد‬ ‫يف درعا‪ ،‬حيث ال يسمح ألحد بتسجيل عقار ميلكه‬ ‫باسمه دون الحصول عىل موافقة أمنية‪ ،‬وهو أمر شبه‬ ‫مستحيلبالنسبةللمعارضني!‬ ‫التقت مجلة طلعنا عالحرية بحاالت تسعى إلثبات‬ ‫مليكة عقارات ميلكونها‪ ،‬وال يستطيعون الترصف به‪،‬‬ ‫بسبب عدم قدرتهم عىل تسجيله بالصحيفة العقارية‪،‬‬ ‫وبسبب اشرتاط الحصول عىل املوافقة األمنية‪.‬‬ ‫هذا األمر أصبح عقدة ليس لها حل‪ ،‬مع أنه يعترب‬ ‫روتينياً للبعض‪ ،‬وخاصة ملؤيدي النظام السوري‪ ،‬لكن‬ ‫بالنسبة ملعارضيه فهو كابوس‪ ،‬يصطدم بالرفض املبارش‬ ‫أو دفع مبالغ باهظة قد تصل إىل املاليني‪ ،‬حسب صفة‬ ‫الشخص املعني باألمر‪.‬‬ ‫“أبو فارس” من أبناء درعا‪ ،‬اشرتى قطعة أرض منذ‬ ‫سنوات‪ ،‬وبدأ مبعاملة تثبيت امللكية‪ ،‬حول ذلك‬ ‫يوضح‪“ :‬قمت برفع دعوى قضائية ضد املالك األصيل‬ ‫وهو متوىف‪ ،‬وقد حصلت عىل حكم مربم بتسجيل‬ ‫العقار باسمي‪ ،‬وليك تتابع إجراءات التسجيل يف دائرة‬ ‫املصالح العقارية‪ ،‬يجب عليك الحصول عىل موافقة‬ ‫أمنية مسبقة‪ ،‬تخولك تسجيل العقار باسمك‪ ،‬ويقوم‬ ‫فرع األمن السيايس يف درعا بإصدار موافقة بذلك‪،‬‬ ‫ولكن بعد ميض أكرث من شهرين تم رفض الطلب‬ ‫دون إيضاح األسباب”‪.‬‬ ‫ويتابع أبو فارس‪“ :‬بالنسبة يل الرفض متوقع‪ ،‬فأنا‬ ‫معارض للنظام السيايس يف سوريا‪ ،‬الذي يريد أن أدفع‬ ‫مثن هذه املعارضة‪ ،‬بحرماين من أبسط حقوقي التي‬ ‫ينص عليها الدستور كمواطن يل حق التملك والبيع‬ ‫والرشاء‪ ،‬ولكن أن تعيش ضمن عصابة تحكم البلد فال‬ ‫يجب أن تستغرب مام يحصل فيها”‪.‬‬ ‫ال أمل لذوي املختفني قرسيا!‬ ‫“شذى” موظفة حكومية‪ ،‬ذاقت األم ّرين حتى‬ ‫استطاعت أن تعود إىل عملها يف مديرية الرتبية‪،‬‬ ‫بعد أن تم فصلها لسنوات بسبب الدراسات األمنية‬ ‫املطلوبة للعودة لوظيفتها‪ ،‬وزوجها معتقل ولديها‬

‫ثالثة أوالد‪ ،‬اشرتت منذ سنوات شقة سكنية يف درعا‬ ‫بنظام األقساط‪ ،‬وتحاول جاهدة إثبات ملكيتها للعقار‪.‬‬ ‫تقول شذى‪“ :‬بعد رفع دعوى قضائية لتثبيت امللكية‬ ‫وحصويل عىل حكم مربم بتسجيل العقار باسم زوجي‪،‬‬ ‫كون العقد املوقع بينه وبني صاحب العقار األصيل‪،‬‬ ‫تقدمت بطلب الحصول عىل موافقة أمنية لتسجيل‬ ‫العقار يف الصحيفة العقارية‪ ،‬وما زلت أنتظر املوافقة‪،‬‬ ‫والتي أتوقع أن تأيت بالرفض؛ كون زوجي مغيب قرسياً‬ ‫ومعتقل يف سجون النظام منذ ‪ 9‬سنوات‪ ،‬وحسب‬ ‫حاالت مشابهة أتت بالرفض للمغيبني”‪.‬‬ ‫للحديث عن هذا األمر‪ ،‬تواصلت “طلعنا عالحرية”‬ ‫مع محامي يف درعا يعمل يف مجال نزاع امللكيات‬ ‫العقارية (نتحفظ عىل ذكر اسمه)‪.‬‬ ‫يوضح املحامي‪“ :‬رشع النظام السوري بوجوب‬ ‫الحصول عىل موافقة أمنية سابقة لتسجيل أي عقار‬ ‫مهام كانت صفته‪ ،‬ويتم ذلك بتقديم طلب يف مديرية‬ ‫املالية مرفق معه عقد البيع‪ ،‬وإخراج قيد عقاري‬ ‫وإخراج قيد مدين للبائع والشاري‪ ،‬و ُيرفع للجهات‬ ‫األمنية املختصة‪ ،‬ليقوم الفرع املختص بعمل دراسة‬ ‫أمنية عن البائع والشاري‪ ،‬بالسؤال عن أمور ال متت‬ ‫ملوضوع امللكية والعقار بأي صلة‪ .‬إن املوضوع أمني‬ ‫بحت‪ ،‬وال متنح املوافقة األمنية ألي شخص “تحت‬ ‫اسمه خط أحمر” أو لديه إشكاالت أو سوابق أمنية‬ ‫من وجهة نظر النظام”‪.‬‬ ‫ويضيف‪“ :‬موضوع طلب املوافقات األمنية يشمل‬ ‫أيضاً وكاالت البيع والرشاء بكافة أصنافها؛ فليك يقوم‬ ‫الكاتب بالعدل املك ّلف بإبرام الوكالة وفق األسس‬ ‫الرشعية‪ ،‬وهي حضور الطرفني والبصم عىل محرض‬ ‫الوكالة‪ ،‬فال بد من الحصول املسبق عىل املوافقة‬ ‫األمنية‪ ،‬حتى يقبل كاتب العدل منحهم وكالة‪،‬‬ ‫يستطيع مبوجبها املشرتي أن يسجل ملكية عقاره عىل‬ ‫الصحيفةالعقارية”‪.‬‬ ‫وبحسب املحامي‪ ،‬املوافقات األمنية تدخل حتى يف‬ ‫معامالت “حرص اإلرث”‪ ،‬مشرياً إىل أن‪“ :‬أي شخص‬

‫يرغب يف إجراء معاملة حرص إرث ال بد من الحصول‬ ‫عىل موافقة أمنية من أجل التسجيل يف الصحيفة‬ ‫العقارية‪ ،‬ويف حال تم رفض أحد األشخاص ألسباب‬ ‫أمنية‪ ،‬فإن جميع األسامء الواردة يف طلب حرص اإلرث‬ ‫ال يستطيعون استكامل التسجيل”‪.‬‬ ‫متاعب تسبب خالفات كثرية!‬ ‫“أبو أنور” تاجر عقارات يف مدينة درعا يتحدث‪:‬‬ ‫“موضوع الحصول عىل املوافقة األمنية زاد من‬ ‫متاعب املواطن‪ ،‬وخاصة يف حال أن املشرتي قد‬ ‫دفع مبلغاً مالياً قبل التسجيل حتى يتم البيع الكامل‬ ‫الحقاً‪ ،‬ويف الكثري من الحاالت ال يتمكن من الحصول‬ ‫عىل موافقة أمنية بسبب إشكاالت لدى البعض‪ ،‬فال‬ ‫يستطيع استكامل التسجيل وقد يتم فسخ البيع‪ ،‬وهنا‬ ‫تكون املشكلة أن البائع ال يستطيع رد املبلغ الذي‬ ‫تحصل عليه‪ ،‬ويبدأ النزاع الذي قد يتطور بشكل‬ ‫مخيف وقد يصل بالتهديد والوعيد بني املتنازعني”‪.‬‬ ‫ويؤكد أبو أنور أن عمليات البيع والرشاء يف درعا‬ ‫انخفضت بشكل كبري‪ ،‬رغم رخص أسعار العقارات‬ ‫بسبب تدين سعر رصف اللرية السورية مقابل‬ ‫الدوالر‪ ،‬ما سبب طلباً متزايداً من قبل املغرتبني لرشاء‬ ‫العقارات‪ ،‬لكن هذه الرغبة تصطدم باملوافقة األمنية‪.‬‬ ‫الجدير بالذكر أن قانون املوافقات األمنية‪ ،‬صدر يف‬ ‫وخص القانون املناطق الحدودية‬ ‫البداية عام ‪ّ ،2004‬‬ ‫التي تبعد ‪ 14‬كم عن أي رشيط حدودي‪ ،‬ويخص‬ ‫فقط األرايض الزراعية‪ ،‬ثم شمل العقارات داخل‬ ‫املخطط التنظيمي للمدن يف عام ‪.2008‬‬


‫نظام آل األسد‪ ..‬حمنة ثالثة شعوب‬

‫‪13‬‬ ‫تتمة من الصفحة ‪........3‬‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬ ‫‪2021 / 6 / 15‬‬

‫الالجئني الفلسطينيني ومطلب حقّ العودة‪ ،‬كان‬ ‫النظام السوري ّ‬ ‫يدك بيوت املخ ّيم ويد ّمره كـ “حارضة”‬ ‫فلسطينية يف الشتات القريب من فلسطني‪ .‬وقد كان‬ ‫تدمرياً منهجياً ـحسب الصور والشهادات التي حصلت‬ ‫عليهاـ ال تتعاون السلطات السورية يف إعادة رفع‬ ‫األنقاض فيه‪ ،‬وتسهيل عودة أهله النازحني هنا وهناك‬ ‫وخارج حدود سوريا‪ .‬هذا ناهيك عن تعريضه إىل‬ ‫عملية “تعفيش” مل ترتك فيه إبرة وال ملعقة!‬ ‫وقد عرب املرشوع السوري يف هذا اإلطار الحدود إىل‬ ‫داخل لبنان؛ حيث تع ّرضت املخيامت الفلسطينية‬ ‫والفلسطينيون لضغط غري مفهوم من قوى لبنانية‬ ‫موالية للنظام السوري ووكيلة إليران‪ .‬و ُيعيدنا هذا‬ ‫الحدث بوقائعه إىل حرب املخيامت بعد “خروج‬ ‫بريوت” يف العام ‪ 1982‬بواسطة وكالء فلسطينيني‬ ‫لبنانيني‪ .‬حرب بدأت يف األرض السورية وانتقلت إىل‬ ‫الساحل اللبناين‪ .‬حرب مل تقترص عىل املخ ّيامت بل‬ ‫طالت كل زاوية يف لبنان تنبض بقضية فلسطني‪ ،‬ال‬

‫س ّيام القوى الوطنية وقياداتها‪.‬‬ ‫خيط واحد يربط بني تسليم القنيطرة ـ حزيران ‪1967‬‬ ‫ـ والسبعينيات ـ تل الزعرت واغتيال كامل جنبالط ـ‬ ‫والثامنينيات ـ حرب املخ ّيامت ـ والتسعينيات ـ‬ ‫مخابرات النظام‪ /‬فرع فلسطني وقمع القيادات‬ ‫الفلسطينية وترويض النُخب ومحاولة خلق بدائل‬ ‫فلسطينية ملنظمة التحرير عىل مدار القضية وعُ مقها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وصول إىل تدمري “حارضة اللجوء” يف الريموك‪ ،‬مرو ًرا‬ ‫بتحويل سوريا إىل سجن لشعبها وقوى التحرر‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬وتحويل لبنان إىل مزرعة للمخابرات ُتدار‬ ‫من عنجر‪ً ،‬‬ ‫وصول إىل تدمري الحارضة يف سوريا بعد‬ ‫‪ 2011‬بعد القبض عىل روح لبنان ـ بريوت ومصادرة‬ ‫مستقبل الشعب اللبناين وتاريخه‪ ،‬من خالل نظام‬ ‫الشيعي حرة يف التخريب‬ ‫الخاوة‪ ،‬وإطالق يد الوكيل‬ ‫ّ‬ ‫الشامي‪ ،‬وإن‬ ‫ـ مقتلة واحدة ممتدة يف املكان والزمان‬ ‫ّ‬ ‫تعددت أساليبها ـ من القوة الناعمة وإرهاب الدولة‪،‬‬ ‫التوحش التام كام رأينا يف العقد األخري‪.‬‬ ‫إىل ّ‬ ‫أما َمن ال يرى ذلك عىل جثث مئات آالف القتىل‬ ‫وعرشات آالف الذين اختفت آثارهم يف املقابر‬

‫الجامعية واملغائر والوديان السحيقة‪ ،‬وال يف سحق‬ ‫املدن والحارضة فإما أنه أعمى النظر أو أعمى القلب‬ ‫أو يعيش وع ًيا كاذ ًبا‪ .‬أو أنه مضط ّر لإلذعان للقوة‬ ‫الغاشمة القادرة إىل اآلن عىل تأجيل الحقائق أو‬ ‫طمسها‪.‬‬ ‫أما العامل الذي حولنا فهو ليس سوى أنظمة تبحث‬ ‫عن الفرص يف محن الشعوب وأراضيها‪ّ .‬‬ ‫وإل كيف‬ ‫نفهم تقاسم القوى الفاعلة سوريا األرض واملوارد‬ ‫والبرش ـ تركيا وروسيا وإيران وأمريكا وإرسائيل ـ‬ ‫خمسة احتالالت لن تكون مؤ ّقتة بقدر ما ستكون‬ ‫ممتدة بامتداد آبار النفط والغاز يف الر ّقة‪ ،‬وبامتداد‬ ‫الساحل السوريّ الذي صار روس ًّيا‪ .‬قوى استعملت‬ ‫وتستعمل آل األسد ليس لحكم سوريا فحسب‪ ،‬بل‬ ‫ألداء مهامت أخرى ومنها تعطيل املشاريع الوطنية‬ ‫لفلسطني ولبنان‪ ،‬أيضاً‪..‬‬ ‫يف إطار تدرييس ملادة العلوم السياس ّية أحاول أن‬ ‫أط ّور مفهوم الدولة كعصابة ليس ّإل ـ وقد ز ّودين‬ ‫النظام السوريّ بنموذج يدعم املوديل املفاهيمي‬ ‫الذي أسعى إليه‪.‬‬

‫مقاالت‬


‫صور لتعايش أهالي “سورية املصغرة”‬ ‫يف الشمال احملرر‬

‫‪14‬‬ ‫شمس الدين مطعون‬

‫العدد‬

‫مل يكن عدد سكان محافظة إدلب ليتجاوز مليون‬ ‫نسمة قبل عرش سنوات‪ ،‬أما األن فهي تضم حوايل‬ ‫‪ 4‬مليون من معظم املحافظات السورية‪ ،‬تجمعهم‬ ‫هويتهم السورية وانتامؤهم لثورتهم‪.‬‬

‫‪95‬‬ ‫‪2021 / 6 / 15‬‬ ‫تقارير‬

‫شهدت املدن واملحافظات السورية تكراراً‬ ‫لسيناريوهات النزوح وحمالت التهجري خالل‬ ‫األعوام األخرية‪ ،‬وشكلت محافظة إدلب مالذاً آمناً‬ ‫لهم خارجاً عن حكم نظام األسد‪.‬‬ ‫وح ّول هذا التنوع السكاين مدينة إدلب إىل “سوريا‬ ‫مصغرة” إن صح التعبري؛ وبات نسيج سكانها‬ ‫خليطاً من أهايل من معظم املحافظات‪ ،‬وامتزجت‬ ‫معيشتهم بشكل كبري‪ ،‬فلم يعد من السهل التفريق‬ ‫بني األهايل املقيمني والوافدين إليها‪.‬‬ ‫“من عارش القوم أربعني يوماً صار منهم‪ ،‬فكيف‬ ‫ألكرث من عامني؟!“ يقول “أبو عدنان” وهو مهجر‬ ‫من جنوب دمشق‪.‬‬ ‫مل يشعر أبو عدنان بالغربة بعد انتقاله إلدلب‪،‬‬ ‫فهو يرى أنه ال توجد عوائق ميكن الوقوف عندها‪.‬‬ ‫يقول أبو عدنان إن “انتقالنا من جنوب دمشق هو‬ ‫انتقال من جبهة قتال ودفاع لجبهة أخرى‪ ،‬جميعنا‬ ‫نلتقي بهدف الدفاع عن الثورة وهذا األساس‪،‬‬ ‫وبعدها ميكن تسوية أي يشء“‪.‬‬ ‫وأدى التنوع السكاين يف محافظة إدلب إىل تنشيط‬ ‫وازدهار عدة جوانب‪ ،‬حيث شهدت املشاريع‬ ‫االستثامرية تطوراً ملحوظاً‪ ،‬ال سيام ارتفاع عدد‬ ‫املطاعم وتنوعها الكبري‪ ،‬وتعدد األصناف التي‬ ‫تقدمها‪.‬‬ ‫ليتمكن العم “أبو مازن” من الحصول عىل طبقه‬ ‫املفضل من أكلة “الكبة‪ ،‬صاجية والسفرجلية”‬ ‫وهي إحدى أصناف املأكوالت الحلبية الشهرية؛ ال‬ ‫يحتاج سوى لبضع دقائق ليقطع الطريق املقابل‬ ‫ملنزله‪ ،‬حتى يصل إىل مطعم “مشاوي حلب” الذي‬ ‫يديره طباخ حلبي‪.‬‬ ‫وعىل بعد أمتار قليلة يقع محل يشتهر بصنع‬ ‫حالوة الجنب‪ ،‬وعىل الجهة املقابلة مطعم يقدم‬

‫“فتة الرؤوس واملقادم” عىل‬ ‫الطريقة الدمشقية‪.‬‬ ‫يقول “أبو مازن” وهو من‬ ‫أهايل مدينة إدلب‪“ :‬املطاعم‬ ‫أصبحت تقدم أصنافاً أكرث‬ ‫متيزاً؛ فهي تصنع عىل أصولها‬ ‫وبأيدي أصحابها“‪.‬‬ ‫تجمع املطاعم يف إدلب‬ ‫سمة تجارية مشرتكة‪ ،‬ويعرب‬ ‫كل اسم مطعم عن عالمة‬ ‫تجارية تشري إىل هوية صاحبه كـ الدمشقي‪،‬‬ ‫مشاوي حلب‪ ،‬الحميص‪ ،‬وأبو محمد الدرعاوي‬ ‫والدوماين والديراين‪ ..‬وغريها من املسميات التي‬ ‫تحمل أسامء املدن والبلدات التي غاب أهلها عنها‪.‬‬ ‫“أبو ثائر الشامي” وهو مهجر من الغوطة الرشقية‬ ‫بريف دمشق افتتح مح ًال لبيع حالوة “النابلسية‬ ‫واملدلوقة” يف إدلب قال‪“ :‬كنت امتلك مح ًال كبرياً‬ ‫يف مدينتي لبيع الحلويات قبل أن أنتقل إىل الشامل‬ ‫املحرر”‪.‬‬ ‫الحظ أبو ثائر منذ وصوله ملدينة إدلب غياب طبق‬ ‫حالوة “النابلسية” نتيجة عدم توفر خربات جيدة‬ ‫تتقن طريقة صنعها‪“ :‬هذه املهنة قد ورثتها عن‬ ‫أيب الذي ورثها بدوره عن جدي؛ لذلك قررت أن‬ ‫أعمل بها من جديد‪ ،‬وقد حظيت بقبول جيد”‪.‬‬ ‫تحافظ اللهجات املتنوعة للمحافظات السورية‬ ‫عىل لكنتها؛ فبإمكانك االستامع لبائع التمر هندي‬ ‫ينادي عىل بضاعته باللهجة الحمصية‪ ،‬وإىل جانبه‬ ‫بائع الخضار بلهجته الديرية‪.‬‬ ‫يحاول املهجرون يف إدلب الحفاظ عىل عاداتهم‬ ‫وتقاليدهم التي كانت تتميز بها مناطقهم‪ ،‬ويف‬ ‫الوقت ذاته يظهر بني أهايل املحافظات السورية‬ ‫يف إدلب تناغم مميز يف التأقلم وتبادل العادات‬ ‫والطقوس‪.‬‬ ‫تقول “أم فؤاد” وهي سيدة دمشقية تقيم يف‬ ‫ريف إدلب‪“ :‬بالشام تهنئة املولد تبدأ من صباح‬ ‫اليوم التايل للوالدة‪ ،‬بينام يف إدلب تكون التهنئة‬

‫بعد مرور سبعة أيام عىل الوالدة‪ ،‬ويوم واحد تدعو‬ ‫إليه صاحبة املناسبة يسمى “استقبال” لتتم فيه‬ ‫املباركات”‪.‬‬ ‫أعجبت أم فؤاد بهذه العادة وقررت تطبيقها يف‬ ‫مناسبات عائلتها‪“ :‬هيك برتتاح الولدانة‪ ،‬وبتقدر‬ ‫تقوم بضيوفها“ قالت السيدة‪.‬‬ ‫وتروي “فاطمة” وهي سيدة إدلبية متزوجة من‬ ‫شاب حميص‪ ،‬أن أهلها مل يكونوا ليقبلوا بفكرة‬ ‫الزواج من شخص “غريب” لو عرضت عليهم من‬ ‫قبل “والغريب مبفهوم أهلها من خارج البلدة”‪.‬‬ ‫تقول “فاطمة” إنها مل تشعر بالغربة بعد زواجها‬ ‫برجل مل تكن تعرف يشء عن طبيعة حياته وعادات‬ ‫أهله‪“ :‬قبل أن يصبح زوجي أصبحنا جرياناً ملدة‬ ‫عامني منذ قدومه مع عائلته مجهراً من بلدته يف‬ ‫حمص‪.‬‬ ‫أقيم حفل زفاف فاطمة بطقوس أفراح مختلطة‬ ‫بني عادات املحافظتني‪ ،‬واستخدمت الحناء لتزين‬ ‫يدي العروس‪ ،‬وأقيمت العراضة للعريس عىل‬ ‫الطريقة الحمصية‪ ،‬ووزعت الحلويات اإلدلبية‬ ‫“الشعبيات” وحالوة الجنب الحمصية عىل الضيوف‪.‬‬ ‫وخالل السنوات األخرية يالحظ ارتفاع نسبة‬ ‫الزيجات بني أبناء املحافظات املختلفة يف إدلب‪،‬‬ ‫حيث ساهم التقارب الذي يعيشونه يف تعرف‬ ‫سكان كل منطقة عىل عادات وتقاليد املناطق‬ ‫األخرى؛ ما جعل حالة من التعايش واالندماج تتم‬ ‫بشكل أرسع‪.‬‬


‫اجلرأة على املوت‬ ‫‪15‬‬

‫بشرى البشوات‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬ ‫‪2021 / 6 / 15‬‬ ‫مقاالت‬

‫قبل الثورة السورية بسنوات قليلة أفرغ شاب‬ ‫صغري بندقية صيده يف جثة شقيقه‪ ،‬بعد أن تحصنّ‬ ‫األخري يف أحد محال الجريان‪.‬‬ ‫مل يقم أحد من الجريان بنجدة أو مساعدة املصاب‬ ‫بالرغم من استغاثته وهروبه وتنقله بني أسطح‬ ‫الجريان طلباً للحامية واإلغاثة‪ ،‬قبل أن يسقط أخرياً‪،‬‬ ‫ويف جسده سبع طلقات يف أماكن عدة‪.‬‬ ‫صاحب املحل‪ ،‬وخوفاً من أن يتم إغالق محله‬ ‫بسبب التحقيقات والتعقيدات األخرى‪ ،‬سارع عىل‬ ‫الفور إىل إلقاء الجثة خارجاً‪ ،‬وبقيت هناك حوايل‬ ‫ساعة من الزمن ريثام حرضت دور ّية الرشطة‪.‬‬ ‫(األخ األكرب شقيق الضحية والقاتل‪ ،‬كان يقبع هو‬ ‫األخر يف السجن بتهمة سطو مس ّلح قبل سنوات‬ ‫طويلة)‬ ‫أثناء االعتقال جاء رجال الرشطة لبيتنا الصطحاب‬ ‫والدي معهم بصفته مختاراً للحي‪ ،‬ويجب أن تتم‬ ‫بعض اإلجراءات بحضوره‪.‬‬ ‫أخربنا أيب الحقاً بأنه حني سأل القاتل ملَ فعلت‬ ‫ذلك؟ أجابه‪“ :‬لو مل أقتله لقتلني”!‬ ‫يف ذلك املساء تعارك الشقيقان يف محل الحالقة؛‬ ‫وقف األصغر (القاتل) خارج املحل‪ ،‬وراح يرصخ‬ ‫بعلو صوته‪ ،‬حاول الجريان عقد الصلح بينهام‪ ،‬لكن‬ ‫ذلك مل ينجح؛ فالعائلة لها تاريخ معروف جيدًا‬ ‫بالنزاعات‪.‬‬ ‫أكرث ما يؤمل يف هذه الحادثة ويرسم عالمة استفهام‪،‬‬ ‫كان صمت أبناء الحارة حول القاتل‪ ،‬وعدم تقديم‬ ‫يد املساعدة‪.‬‬ ‫بعد الحادثة وملدة عام أو أكرث‪ ،‬مل أستطع ولو‬ ‫ملرة أن أعود إىل ذلك الزقاق‪ .‬شعرت بحزن وحقد‬ ‫وغضب عىل كل سكانه‪ ،‬وذلك ملا صدر عنهم من‬ ‫تجاهل لتلك املذبحة!‬ ‫هذا هو العنف املتخفي الذي رأيناه فيام بعد يف‬ ‫سوريا‪..‬‬ ‫الجرأة عىل الدم!‬ ‫ُ‬ ‫الجرأة عىل املوت!‬ ‫تحيك الكتب الدينية عن أول جرمية حدثت يف‬ ‫التاريخ‪.‬‬ ‫لقد قام قابيل بقتل أخيه وهو نائم‪ ،‬و ُيقال ّإن‬ ‫حادثة القتل هذه قد حدثت يف جبل (قاسيون)‬ ‫ّ‬ ‫املطل عىل دمشق‪ ،‬وبهذا يكون هابيل أ ّول من ُقتل‬

‫عىل سطح األرض‪.‬‬ ‫مل يعرف قابيل كيف يواري ج ّثة أخيه‪ ،‬وق ّرر أن‬ ‫يحمله يف جراب عىل ظهره حائراً ومضطرباً ال يعلم‬ ‫ما يفعل‪ ،‬إىل أن بعث الله تعاىل غرابني يقتتالن‪،‬‬ ‫فقتل أحد الغرابني نظريه‪ ،‬وقام بعمل حفر ٍة يف‬ ‫ّ‬ ‫التاب مبنقاره ليواري فيها ج ّثة الغراب اآلخر‬ ‫ويخفيها تحت ّ‬ ‫التاب‪.‬‬ ‫ومن هذا املشهد تع ّلم قابيل متأ ّثراً ومستشعراً‬ ‫بيشء من الحرسة و النّدم‪ ،‬فقام بحفر حفر ٍة ألخيه‬ ‫ودفن ج ّثته تحت ّ‬ ‫التاب‪.‬‬ ‫هذه الحرسة مل تقرتب من القاتل يف قصتنا‪ ،‬ألنه‬ ‫لوحة للفنان التشكييل ديالور ُعمر‬ ‫كان يعرف بأن شقيقه كان سيقتله لو متكن منه!‬ ‫عىل مقربة من قاسيون وتحت أرض دمشق‪ ،‬التي‬ ‫شهدت أول جرمية يف التاريخ‪ ،‬مات وميوت اآلالف يتحدث علم النفس عن امليول واالنفعاالت بأنها‬ ‫من السوريني ممن مل يجدوا من يدفنهم‪ ،‬مل يجدوا أصل الرش‪ ،‬يقول فرويد بأنه ال يجب محاربتها‬ ‫بل يجب ترويضها حتى تستقيم ومتيش يف نسقها‬ ‫من يخرج يف جنازاتهم ويش ّيعهم‪.‬‬ ‫يف كتاب عامل بال خرائط لـ”عبدالرحمن منيف‪ ،‬االجتامعي واألخالقي‪ ،‬تأطريها وتشذيبها‪ ،‬وهذا ما‬ ‫وجربا إبراهيم جربا” يتحدث املؤلفان عن جرمية فعله العرف والقانون الحقاً‪ ،‬وإن تفاوتت درجات‬ ‫حدثت يف مكان ما‪ ،‬عن قتل صار يف مكان ما‪ ،‬عن تطبيقه‪.‬‬ ‫ظلم يف مكان ما‪ ،‬يف عامل ممكن أن تقع إسقاطاته ما يحدث يف عامل الغربان مختلف متاماً؛ فاملعروف‬ ‫السياسية واالجتامعية والفنية عىل أي بقعة يف عن الغربان أنها تترصف بشكل غريب حول‬ ‫الطيور النافقة من نفس جنسها‪ ،‬فهي تجتمع‬ ‫البالد العربية‪:‬‬ ‫“القتل هناك يف ع ّز النهار‪ ،‬يف ع ّز الشمس‪ ،‬قتل حولها وتصيح بصوت عالٍ ‪.‬‬ ‫طبعاً افرتض الكثريون فكرة مفادها أن ذلك جزء‬ ‫مجاين‪..‬‬ ‫من طقوس جنائزية تقوم بها هذه الطيور‪ ،‬و ُيعرف‬ ‫روح سادية رشيرة جاهلة‪.‬‬ ‫أيضاً عن الفيلة والزرافات وقرود الشمبانزي‬ ‫القتل األحمق األعمى الرشس املجنون‪.‬‬ ‫قتل النساء‪ ،‬األطفال‪ ،‬املرىض‪ ،‬الجرحى‪ ،‬املمرضات‪ ،‬والعديد من طيور فصيلة الغرابيات أنها تبقى‬ ‫قريبة من أقرانها النافقة حديثاً لفرتة ما‪ ،‬لكن‬ ‫األطباء‪.‬‬ ‫أن تطلق عليهم الرشاشات من أيدي أناس حقيقني قابيل البرشي مل يفعل ذلك‪ ،‬لقد قام ببساطة برمي‬ ‫الجثة إىل الرصيف ووقف مع حشد من سكان‬ ‫برش مثلنا‪ ،‬أن يقتلوا بإرصار بربود‪ ،‬بعمى‪.‬‬ ‫الحي يطالع دمائها النازفة والثقوب التي مألت‬ ‫أوه والعامل‪ ،‬طز عىل هذا العامل‪ ،‬كله يتفرج وهو‬ ‫ّ‬ ‫الجسد‪ ،‬ريثام حرض رجال الرشطة وقاموا بعملهم!‬ ‫ساكن صامت‪ ،‬وكأن ال يشء يعنيه‪.‬‬ ‫يتحدث علامء الطيور عن حقيقة معروفة وهي‬ ‫مؤامرة صمت مجرمة‪ ،‬قذرة‪ ،‬تستمر وال تنتهي‪.‬‬ ‫وضجيج اآلخرين حول قضايا أبسط بآالف املرات أن الغربان ال تنىس وجه من ُيشكل تهديداً لها‪،‬‬ ‫فقد تم اكتشاف ذلك من خالل عدة تجارب‪.‬‬ ‫ميأل الدنيا‪.‬‬ ‫كيف ميكن إال أن أكون مع القتىل‪ ،‬مع الضحايا‪ ،‬إىل كام أن هذه الغربان متلك جرأة ملهاجمة النسور‪،‬‬ ‫أن يكف الرعب‪ ،‬إىل أن تنتهي الوحشية‪ ،‬إىل أن ويتحدث الناس عن أن الغربان حيوانات وقحة‪،‬‬ ‫جريئة وشجاعة وبأنها تحتفي مبيتها بطقس أشبه‬ ‫يسمع صوت الحق املخنوق؟‬ ‫إىل أن تعود إىل البرش إنسانيتهم‪ ،‬إن كانت بالعزاء‪.‬‬ ‫‏بكل ما للسواد من مهابة تفعل الطيور ذلك‪.‬‬ ‫ستعود”‪.‬‬


‫احلي الذي ّ‬ ‫“الشيخ ّ‬ ‫ّ‬ ‫حتول بصمود أهله‬ ‫جراح”‬ ‫لرمز فلسطيين ملقاومة التطهري العرقي‬

‫‪16‬‬ ‫غسان ناصر‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬ ‫‪2021 / 6 / 15‬‬ ‫تقارير‬

‫أكرث من سبعة آالف فلسطيني مهدّدون بالطرد‬ ‫من منازلهم املهدّدة بدورها بالهدم‪ ،‬واملستفيدون‬ ‫من هذه اإلجراءات التعسفية اإلرسائيلية هم‬ ‫املستوطنون الصهاينة‪ .‬هذا هو الواقع الجديد‬ ‫الذي فرضته سلطات االحتالل يف ظرف سيايس‬ ‫ساخن؛ فرئيس وزراء الحكومة بنيامني نتنياهو‬ ‫متمسك بالدور الرئييس يف مشهد ال يريد له‬ ‫نهاية‪ ،‬هر ًبا وتصدي ًرا ألزماته السياسية الداخلية‬ ‫حي “الشيخ ج ّراح” سيكونون‬ ‫املتالحقة‪ .‬وسكان ّ‬ ‫وقود هذا الهروب؛ فعملية التطهري العرقي‬ ‫الحي مستم ّرة‪ ،‬وذلك‬ ‫والتهجري القرسيّ ومحارصة ّ‬ ‫رغم الحراك الفلسطيني املقاوم‪ ،‬عىل امتداد‬ ‫خارطة الوطن املمزّق جغراف ًيا‪ ،‬للمخططات‬ ‫اإلرسائيلية الهادفة إىل تهويد القدس واقتالع‬ ‫أصحاب األرض من مدينتهم املقدّسة‪ ،‬وح ّيهم‬ ‫الذي تعود تسميته للقرن السادس عرش ميالدي‬ ‫بحسب مصادر تاريخية‪.-‬‬‫الحي املقديس املالصق للمسجد‬ ‫فام أصل حكاية ّ‬ ‫األقىص املبارك‪ ،‬والرابط بني رشقي القدس وغربها‪،‬‬ ‫الذي خرج إىل دائرة الضوء من جديد مؤخ ًرا؟‬ ‫حي “الشيخ ج ّراح”‬ ‫من يعرف جيدًا جغرافيا ّ‬ ‫يدرك ملاذا هو تحديدًا يف “عني العاصفة” دامئا‪ً،‬‬ ‫وعىل موعد متجدّد من “الكر والفر” بني أصحابه‬ ‫املدنيني العزل وقطعان املستوطنني املدججني‬ ‫باألسلحة النارية‪ ،‬والذين تحميهم آلة اإلرهاب‬ ‫الصهيونية‪ ،‬فهو يقع عىل متاس مبارش مع ما يعرف‬ ‫بخط هدنة ‪ ،1949‬ومع الشطر الغريب للقدس‬ ‫الذي استوىل عليه الصهاينة‪ ،‬ويجاور متا ًما عددًا‬ ‫من املستوطنات غري الرشعية التي بنيت يف العقود‬ ‫األخرية‪.‬‬ ‫الحي يف رشقي القدس التي بقيت‬ ‫يتوسط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حي “وادي‬ ‫للفلسطينيني من عاصمتهم املحتلة‪ّ ،‬‬ ‫وحي “الساهرة” من‬ ‫الجوز” من الجهة الرشقية ّ‬ ‫الجهة الجنوبية‪ .‬ويعترب “الشيخ ج ّراح” الرابط‬

‫بجبل سكوبس املس ّمى “الحوض املقدس” عند‬ ‫اإلرسائيليني‪.‬‬ ‫ومنذ ‪ 73‬عا ًما تسعى حكومات االحتالل اإلرسائييل‬ ‫املتعاقبة إىل اقتالع الوجود الفلسطيني وجذوره‬ ‫الحي‪ ،‬الذي كانت الحكومة األردنية‬ ‫من هذا‬ ‫ّ‬ ‫أهدته إىل الجئني فلسطينيني ومنحت منازل لـ‬ ‫‪ 28‬عائلة‪ ،‬مساحة الواحد نحو ‪ 70‬مرتًا مرب ًعا مع‬ ‫حديقة متتد عىل مساحة ‪ 400‬مرت مربع‪ .‬فعملت‬ ‫الحي ومحارصته‪،‬‬ ‫سلطات االحتالل عىل تطويق ّ‬ ‫بإنشاء وزارات أمنية حساسة وإقامة مباين‬ ‫حكومية أخرى يف سياق سلوكها التوسعي املتد ّرج‪،‬‬ ‫بقصد دفع العائالت الفلسطينية للرحيل‪ .‬وأول ما‬ ‫بالحي كان منزل عائلة “الشنطي”‬ ‫احتله الصهاينة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫كموطئ قدم للتمدّد الحقا وإبعاد املقدسيني عن‬ ‫الحي بأكمله‪ .‬كام استولوا عىل قرص “كرم املفتي”‬ ‫ّ‬ ‫الذي بناه الشيخ طاهر الحسيني والد مفتي‬ ‫فلسطني الحاج محمد أمني الحسيني عام ‪،1840‬‬ ‫والذي تح ّول الح ًقا إىل فندق “شيربد”‪ .‬وصادروا‬ ‫قرب حجازي السعدي الذي أسمته بـ “قرب شمعون‬ ‫الصديق” وح ّولته إىل مزار لليهود‪.‬‬ ‫أصل الحكاية يعود للقرن السادس عرش ميالدي‬ ‫الحي املقديس برضيح “الشيخ الج ّراح”‪،‬‬ ‫يشتهر ّ‬ ‫ً‬ ‫حيث أقيم مسجد ال يزال قامئا حتى يومنا هذا‪،‬‬ ‫الحي؟‬ ‫ولكن من هو هذا الشيخ الذي ينسب إليه ّ‬ ‫الجواب وف ًقا للروايات التاريخية والشفاهية‬ ‫املتداولة حول أصل الحكاية أنه يف العام ‪،1880‬‬ ‫وصل ملدينة القدس اليهودي يوسف بن رحاميم‪،‬‬ ‫قاد ًما من أوروبا‪ ،‬هار ًبا من االضطهاد الذي طال‬ ‫اليهود هناك‪ ،‬فسارع إىل نجدته‪ ،‬املقديس ابن‬ ‫حي “الشيخ ج ّراح”‪ ،‬عبد ربه خليل بن إبراهيم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وأجره قطعة أرض لنجدته‪ .‬ووفق القانون الرشعي‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬يس ّمى هذا االستئجار “التحكري”‪ ،‬وهو‬ ‫يتيح تأجري اليهود األرض ومينع بيعها لهم مبوجب‬ ‫األنظمة والقوانني العثامنية‪.‬‬

‫الحي بـ “الشيخ ج ّراح”‪ ،‬فلها قصة‬ ‫أما تسمية ّ‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫تتضارب املعلومات يف حقيقة اكتسابه هذا االسم‪،‬‬ ‫وهوية الرجل الذي منحه اسمه‪ ،‬ووف ًقا لبعض‬ ‫املصادر التاريخية‪ّ ،‬‬ ‫فإن أقدم اإلشارات التي وردت‬ ‫حي “الشيخ ج ّراح”‪ ،‬أو شخص الشيخ ج ّراح‪،‬‬ ‫عن ّ‬ ‫جاءت من القرن السادس عرش ميالدي‪ .‬حيث‬ ‫يذكر مجري الدين الحنبيل‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد‬ ‫العمري (‪860-928‬هـ)‪ ،‬يف كتابه ُ‬ ‫«األنس‬ ‫املقديس ُ‬ ‫الجليل يف تاريخ القدس والجليل» و ُيعرف بـ «تاريخ‬ ‫الحنبيل»‪ ،‬أنه رأى زاوية يف القدس‪ ،‬باسم الزاوية‬ ‫الج ّراحية‪ ،‬وتقع بظاهر القدس‪ ،‬من جهة الشامل‬ ‫كام حدّدها‪ ،‬وأضاف‪“ :‬ولها ٌ‬ ‫وقف ووظائف مرتبة‬ ‫ونسبتها لواقفها األمري حسام الدين الحسني بن‬ ‫رشف الدين عيىس الج ّراحي”‪ .‬وأضاف الحنبيل‪ّ ،‬أن‬ ‫الج ّراحي املذكور‪ ،‬هو أحد أمراء امللك صالح الدين‬ ‫األيويب‪ ،‬مح ّددًا وفاة صاحب الوقف الج ّراحي‪ ،‬سنة‬ ‫‪ 598‬للهجرة‪ ،‬مؤ ّكدًا أنه دفن يف تلك الزاوية‪ّ ،‬‬ ‫وأن‬ ‫هناك عددًا من املدفونني يف جهتها القبلية‪ ،‬قد‬ ‫يكونون من جامعة الج ّراحي‪.‬‬ ‫ومع مرور األيام صار قرب الج ّراح مزا ًرا‪ ،‬وأصبح اسم‬ ‫صاحبه‪“ ،‬شيخ”‪ ،‬بعدما ذكر الحنبيل يف مصنفه‪،‬‬


‫‪17‬‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬ ‫‪2021 / 6 / 15‬‬ ‫تقارير‬

‫بأنه أمري‪ .‬إذ يقول الشيخ عبد الغني النابليس‬ ‫املقديس‪ ،‬الحموي األصل‪ ،‬يف رحلته املوسومة‬ ‫بـ«الحرضة األنس ّية يف الرحلة القدس ّية»‪ ،‬والتي قام‬ ‫بها لفلسطني يف أواخر القرن السابع عرش ميالدي‪،‬‬ ‫يقول‪“ :‬فوصلنا إىل مزار الشيخ ج ّراح‪ ،‬فوقفنا هناك‬ ‫وقرأنا الفاتحة”‪ ،‬ويضيف‪“ :‬هذا املزار‪ ،‬يف املدرسة‬ ‫الج ّراحية” مستندًا إىل ما ذكره الحنبيل يف تاريخه‪،‬‬ ‫من دون أن يتط ّرق إىل ّأن الحنبيل كان قد وصفه‬ ‫باألمري عند صالح الدين األيويب‪ .‬وبعدما كان أم ًريا‪،‬‬ ‫عند الحنبيل يف تاريخه‪ ،‬ثم صار ً‬ ‫شيخا مبزار يف رحلة‬ ‫تبي أنه كان طبي ًبا ً‬ ‫أيضا‪ ،‬بحسب‬ ‫الشيخ النابليس‪ّ ،‬‬ ‫مصادر تاريخية حديثة‪ ،‬مل تستند إىل أي مرجع‬ ‫سابق يف إطالق هذه الصفة اإلضافية عىل الشيخ‬ ‫«املفصل يف‬ ‫الج ّراح! فبحسب ما جاء يف كتاب‬ ‫ّ‬ ‫تاريخ القدس»‪ ،‬الذي وضعه املؤ ّرخ املقديس عارف‬ ‫العارف‪ّ ،‬‬ ‫فإن الشيخ ج ّراح‪ ،‬كان طبي ًبا‪ ،‬دون أن‬ ‫ّ‬ ‫يؤ ّكد تلك املعلومة‪ ،‬إل أنه نقلها يف سياق ترجمته‪،‬‬ ‫للمدرسة الج ّراحية‪ً ،‬‬ ‫ناقل أنه يقال ّإن الج ّراح‪ ،‬كان‬ ‫خاصا‪ ،‬للملك صالح الدين األيويب‪ .‬وأ ًيا كانت‬ ‫طبي ًبا ًّ‬ ‫الحي‪،‬‬ ‫الروايات التاريخية والشفاهية حول تسمية ّ‬ ‫ّ‬ ‫فإن ما هو ثابت هو حقّ أصحاب األرض األصليني‬ ‫من الفلسطينيني يف ملكيته مهام احتال ود ّبر‬

‫ّ‬ ‫املحتل الصهيوين‪.‬‬ ‫رم ٌز لحداثة املجتمع املقديس قبل النكبة‬ ‫حي “الشيخ ج ّراح” برقم‬ ‫ال ميكن حرص مساحة ّ‬ ‫يضم‬ ‫محدّد‪ ،‬لكنّ الثابت أنه يف عام ‪ 1905‬كان ّ‬ ‫‪ 167‬عائلة يف ‪ً 167‬‬ ‫منزل البعض منها قصور فاخرة‪،‬‬ ‫وهذا عدد كبري يف بداية القرن الـعرشين قبل منو‬ ‫أحياء البقعة والطالبية غريب القدس‪ ،‬وقبل ‪10‬‬ ‫سنوات من الحرب العاملية األوىل‪.‬‬ ‫ومن أبرز املحاوالت الصهيونية العديدة عىل مدار‬ ‫العقود املاضية‪ ،‬ما عُ رف مبعارك “الشيخ ج ّراح”‬ ‫قبيل النكبة عام ‪ ،1948‬التي القت ً‬ ‫فشل صهيون ًيا‬ ‫ذري ًعا‪ ،‬وواجهت مقاومة فلسطينية باسلة حمت‬ ‫الحي وسكانه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتذكر مصادر فلسطينية تاريخية‪ ،‬أن معظم‬ ‫حي “الشيخ ج ّراح” كانوا قبيل النكبة من‬ ‫سكان ّ‬ ‫الطبقة الراقية الرث ّية الوازنة يف املجتمع‪ ،‬كعائالت‬ ‫(الحسيني والنشاشيبي وغوشة وجار الله)‪،‬‬ ‫وسعت العصابات الصهيونية كث ًريا للقضاء عليهم‬ ‫وترشيدهم؛ لحرمان القدس من مورد يغذيها‬ ‫الحي والفلسطينيني‬ ‫بالعقل واملال‪ ،‬ما حدا بأهايل ّ‬ ‫من حولهم ملقاومة العصابات ودفعها عسكر ًيا‪.‬‬ ‫الحي بالذاكرة‬ ‫ومنذ مطالع القرن املايض ارتبط ّ‬

‫الجمع ّية للمقدسيني والفلسطينيني عا ّمة‪،‬‬ ‫كرمز للحداثة التي أصابت املجتمع املقديس‬ ‫والفلسطيني قبل االحتالل الربيطاين بزمن طويل‪،‬‬ ‫الحي ‪-‬بحسب مؤ ّرخني معارصين‪ -‬عن‬ ‫وعب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التغيري الكبري يف منط الحياة الثقافية واالجتامعية‬ ‫للشعب الفلسطيني‪ ،‬وكان األكرث من ًوا بعد النكبة‪،‬‬ ‫والخيار األمثل ملق ّرات القنصليات والسفارات‬ ‫األجنبية واملستشفيات والفنادق التي فقدت‬ ‫مبانيها غريب القدس‪.‬‬ ‫حي “الشيخ ج ّراح” مع املخططات‬ ‫وحكاية ّ‬ ‫التوسعية الصهيونية قدمية‪ ،‬ففي عام ‪1950‬‬ ‫تقدّمت وحدات منظمة “الهاغانا” الصهيونية‬ ‫الحي واحتلت ثالثة منازل لعائالت‬ ‫اإلرهابية إىل ّ‬ ‫فلسطينية وهي تدعي ملكيتها‪ .‬ويف عام ‪2009‬‬ ‫استوىل الصهاينة عىل منزل عائلة “الغاوي”‬ ‫بالقوة ورموا أثاث املنزل إىل خارج الدار وحولوه‬ ‫نواح أخرى من‬ ‫مركزًا لالنطالق منه لالستيالء عىل ٍ‬ ‫“الشيخ الج ّراح”‪ ،‬ما وضع جميع املقدسيني يف‬ ‫خاصة ّأن املستوطنني يواصلون هدم‬ ‫دائرة الخطر‪ّ ،‬‬ ‫املنازل الخالية ويخططون لبناء وحدات سكنية‬ ‫يف إطار مخطط تهويد القدس وإمتام الطوق‬ ‫االستيطاين عىل الشطر الرشقي منها‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫‪18‬‬

‫إصدار جديد عن رح‬

‫لة الزعيم النهضوي فخري البارودي إىل أوروبا‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬

‫صدر حدي ًثا‪ ،‬عن ّ‬ ‫“املؤسسة العربية للدراسات والنرش” يف بريوت‪،‬‬ ‫كتاب «الرحلة األوروبية‪ ،1911-1912 ،‬من دمشق إىل روما‪،‬‬ ‫باريس‪ ،‬ميونيخ‪ ،‬فيينا‪ ،‬بلغراد‪ ،‬بودابست‪ ،‬صوفيا‪ ،‬إستانبول»‪،‬‬ ‫للزعيم النهضوي الوطني فخري البارودي‪ ،‬وهو الكتاب الحائز‬ ‫عىل “جائزة ابن بطوطة لتحقيق املخطوطات” لعام ‪.2021‬‬ ‫ً‬ ‫ووفقا للنارش‪ ،‬تكتسب هذه اليوميات للبارودي قيمة استثنائية‬ ‫كونها ّ‬ ‫تعب يف جوانب منها عن أحالم وتط ّلعات وأفكار شخصية‬ ‫نهضوية سورية ذات تط ّلع ليربايل مبكر‪ .‬فالرحلة املبكرة إىل‬ ‫أ‬ ‫وروبا كانت فرصة شخصية للبارودي الشاب ليمتحن أفكاره‬ ‫املدنية‪ ،‬ويجد لتط ّلعاته النهضوية‬ ‫ً‬ ‫منوذجا‪ .‬ففي كل سطر من‬ ‫سطور هذه اليوميات (‪ 440‬صفحة من القطع الكبري)‪ّ ،‬مثة‬

‫‪2021 / 6 / 15‬‬

‫«لست ً‬ ‫حبرا» ديوان جديد‬ ‫للشاعر والروائي هوشنك أوسي‬

‫ثقافة‬

‫صدر عن مركز الشعر يف بلجيكا (‪ )Poëziecentrum‬وبدعم من‬ ‫نادي القلم البلجييك (‪ )PEN Vlaanderen‬ديوان جديد للشاعر‬ ‫والروايئ السوري الكردي هوشنك أويس‪ ،‬بعنوان «لست بح ًرا…‬ ‫لكن قلبي ميلء بالنوارس»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يتضمن الديوان‪ ،‬الذي جاء يف (‪ 76‬صفحة من القطع الكبري)‪،‬‬ ‫عىل‬ ‫ثالث‬ ‫عرشة‬ ‫قصيدة‬ ‫عربية‪،‬‬ ‫إىل‬ ‫جانب الرتجمة الهولندية‬ ‫لهذه القصائد التي انتقاها أويس‪ ،‬والتي كتبها يف مدينة “أوستند”‬ ‫البلجيكية‪ ،‬حيث يقيم منذ عام ‪.2012‬‬ ‫نقل القصائد من العربية إىل الهولندية املرتجمة “لوره باتن”‪،‬‬ ‫أستاذة اللغة العربية يف جامعة “لوفن” البلجيكية‪ .‬وقدّم للديوان‬ ‫الكاتب والروايئ البلجييك “أيريك فالمينك”‪ ،‬رئيس نادي القلم‬ ‫البلجييك‪.‬‬ ‫يذكر ّأن هوشنك أويس من مواليد ‪ ،1976‬يف مدينة الدرباسية‪،‬‬ ‫شامل رشقي سوريا‪ .‬يحمل الجنسية البلجيك ّية‪ .‬يكتب باللغتني‬ ‫الكرد ّية والعرب ّية‪ .‬وصدر له حتّى اآلن تسعة دواوين شعر ّية‪.‬‬ ‫كام صدرت له ثالث روايات‪ ،‬وحصلت روايته األوىل «وطأة‬ ‫اليقني‪ ..‬محنة السؤال وشهوة الخيال» (‪ ،)2016‬عىل “جائزة كتارا‬ ‫للرواية العربية” عام ‪ ،2017‬و ّمتت ترجمتها إىل اللغتني االنكليز ّية‬ ‫والفرنسية‪ .‬كام ُترجمت مناذج من نصوصه الشعر ّية إىل االنكليز ّية‪،‬‬ ‫الفرنس ّية‪ ،‬والهولند ّية‪.‬‬

‫نفحة من أمل وهبة وتط ّلع‪ ،‬وطرفة ّ‬ ‫تعب عن روح ت ّواقة إىل‬ ‫ال‬ ‫صباحا هاد ًيا‬ ‫جديد املبتكر يف حياة األمم املتقدّمة‪ ،‬لع ّله يكون م ً‬ ‫عىل زمن عريب جديد‪ّ ،‬‬ ‫عبت عنه هذه الشخصية‪ ،‬التي رسعان‬ ‫ما رجعت من أوروبا لتخوض غامر نضال مجتمعي متعدّد‬ ‫األوجه‪ :‬ثقايف‪ ،‬فكري‪ ،‬فني‪ ،‬سيايس‪ .‬فالبارودي الشاب اليقظ ابن‬ ‫ا‬ ‫لبيت الدمشقي العريق جعل من بيته يف حي القنوات قبلة‬ ‫ل‬ ‫ألدباء واملفكرين والفنانني والزعامء السياسيني عىل مدار أكرث‬ ‫من نصف قرن من الحراك اليومي ألجل املستقبل‪ .‬وح ّوله إىل‬ ‫قلعة مقاتلة يف مواجهة االستعامر الفرنيس والقوى الرجعية م ًعا‪،‬‬ ‫وليتح ّول هو نفسه إىل أشهر زعيم دمشقي طوال النصف األول‬ ‫من القرن العرشين‪ ،‬وبعض النصف الثاين منه‪.‬‬

‫تكريم أملاني يسرى مارديين وفيلم درامي‬ ‫حصلت السباحة السورية وسفرية األمم‬ ‫املتحدة للنوايا الحسنة‪ ،‬يرسى مارديني‬ ‫(‪ 23‬عا ًما)‪ ،‬نهاية الشهر املايض‪ ،‬عىل‬ ‫جائزة يف أملانيا لدورها املؤ ّثر يف وسائل‬ ‫التواصل االجتامعي‪.‬‬ ‫وتسلمت مارديني‪ ،‬الجائزة التي متنحها‬ ‫رشكة “‪ ”About you‬األملانية لألزياء يف‬ ‫فئة الرياضة‪ ،‬حسبام نقلت وكالة األنباء‬ ‫األملانية‪ ،‬وأقيم حفل توزيع الجوائز‪ ،‬التي متنح يف سبع فئات‪ ،‬هذا العام من دون جمهور‬ ‫بسبب جائحة (كوفيد‪.)-19‬‬ ‫وكانت مارديني أثارت ضجة يف وسائل اإلعالم العام ‪ 2015‬بعدما استطاعت هي وشقيقتها‬ ‫سحب قارب لالجئني سباحة بعد أن تع ّرض لخطر االنقالب يف بحر إيجة‪ ،‬وإيصاله إىل‬ ‫الشاطئ‪.‬‬ ‫وقالت مارديني يف كلمة شكر خالل تسلم الجائزة‪“ :‬أنا ممتنة للغاية ألنني عىل قيد الحياة‪.‬‬ ‫عندما بدأت السباحة ما كنت أتص ّور ّأن الرياضة ستنقذ حيايت”‪ ،‬مضيفة أنها تريد اليوم إلهام‬ ‫األطفال والالجئني يف كافة أنحاء العامل للمكافحة من أجل تحقيق أحالمهم وعدم التخيل عنها‪.‬‬ ‫ويتابع مارديني عىل حسابها عىل إنستغرام أكرث من ‪ 130‬ألف متابع‪ .‬وشاركت يف “أوملبياد‬ ‫ريو دي جانريو” العام ‪ 2016‬ضمن فريق الالجئني‪ ،‬كام شاركت يف بطولة كأس العامل للسباحة‬ ‫العام ‪ .2017‬وتحاول اآلن التأهل مجددًا لألوملبياد‪ .‬وكانت منصة “نتفليكس” أعلنت قبل‬ ‫فيلم درام ًيا يتناول حياة يرسى وشقيقتها السباحة والناشطة سارة‪ ،‬يحمل‬ ‫أسابيع إنتاجها ً‬ ‫عنوان ‪.The Swimmers‬‬ ‫ويروي الفيلم بالتحديد القصة املذهلة للشقيقتني أثناء هربهام من سوريا التي مزّقتها‬ ‫الحرب‪ ،‬العام ‪ ،2015‬ورحيلهام من تركيا إىل أملانيا عرب البحر‪ ،‬حيث مت ّكنتا من إنقاذ ‪ 20‬الجئًا‬ ‫آخر كانوا معهام عىل منت قاربهم الذي أوشك عىل الغرق‪.‬‬


‫إبداعات ونشاطات سورية‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫«اخلطاب اإلسالمي إىل أين‪...‬؟» كتاب جديد للصحفي وحيد تاجا‬

‫العدد‬

‫‪95‬‬

‫صدر يف القاهرة‪« ..‬ألنك‬ ‫استثناء» للشاعرة سلمى مجو‬

‫«يف الطريق إىل السويد» باكورة‬ ‫أعمال خولة بدر‬

‫‪2021 / 6 / 15‬‬

‫عن “دار الفكر” يف دمشق و”دار الفكر املعارص” يف‬ ‫بريوت وديب‪ ،‬صدرت الطبعة الثانية من كتاب «الخطاب‬ ‫اإلسالمي إىل أين‪...‬؟» للصحفي السوري وحيد تاجا‪.‬‬ ‫والكتاب مجموعة من الحوارات مع عدد من العلامء‬ ‫واملفكرين اإلسالميني وغري اإلسالميني من املط ّلعني بعمق‬ ‫عىل الخطاب اإلسالمي املعارص‪.‬‬ ‫قدّم للكتاب املفكر والفيلسوف املغريب الدكتور طه عبد‬ ‫الرحمن‪ .‬وفيه يحاول املحاور من خالل هؤالء املفكرين‬ ‫والعلامء رسم صورة للواقع العريب واإلسالمي‪ ،‬السيام‬ ‫بعد أحداث الحادي عرش من أيلول‪ /‬سبتمرب ‪،2001‬‬ ‫ويبحث معهم أسباب هذا الواقع والسبل الكفيلة‬ ‫بتجاوزه‪ ،‬دون أن يتجاوز قضايا وموضوعات هي بني‬ ‫القضايا الحساسة يف الواقع الراهن كام يف موضوعي‬

‫الدميقراطية والتعددية‪ ،‬والعالقة مع اآلخر من خالل ما‬ ‫يحيط بواقع وتطور الحركات والجامعات اإلسالمية يف‬ ‫البلدان املختلفة‪ ،‬كام تع ّرض يف جانب آخر من هذه‬ ‫الحوارات إىل ما يراه الكتّاب واملفكرون والعلامء يف‬ ‫موقف الخطاب اإلسالمي املعارص من الكيان الصهيوين‬ ‫وموضوع السالم املطروح معه‪ .‬وتجمع حوارات هذا‬ ‫الكتاب آراء ووجهات نظر وتحليالت نحو عرشين مفك ًرا‬ ‫وكات ًبا ورجل دين من مشارب أيديولوجية وسياسية‬ ‫مختلفة‪ ،‬ومن بلدان وبيئات لها ذات الطبيعة يف‬ ‫االختالف‪ ،‬ليس فقط الجغرايف‪ ،‬وإمنا اختالف يف البيئات‬ ‫السياسية واالجتامعية واالقتصادية والثقافية‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫تفاوت تأثري هذه البيئات يف القضايا التي أثارتها حوارات‬ ‫هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫صدرت عن “دار سامح” يف‬ ‫السويد‪ ،‬رواية «يف الطريق إىل‬ ‫السويد» للكاتبة الفلسطينية‬ ‫السورية خولة بدر‪ ،‬وهي‬ ‫باكورة أعاملها األدبية‪.‬‬ ‫تدور أحداث الرواية‪ ،‬كام‬ ‫يوحي عنوانها‪ ،‬عىل خلفية‬ ‫موجة اللجوء الكربى‪ ،‬التي‬

‫ثقافة‬

‫عن‬ ‫دار “ببلومانيا للنرش” يف القاهرة‪ ،‬صدر ديوان «ألنك استثناء»‬ ‫لل‬ ‫شاعرة‬ ‫ال‬ ‫سورية سلمى جمو‪.‬‬ ‫وتقد‬ ‫ّم جمو يف ديوانها األول‪ ،‬الذي جاء يف (‪ 98‬صفحة من القطع‬ ‫املتو‬ ‫سط)‪،‬‬ ‫مثان وعرشين قصيدة‪ ،‬تناولت فيها قضايا فكرية وفلسفية‬ ‫عن‬ ‫حياتها وواقعها‪ ،‬ليكون الغزل والفلسفة محورين أساسيني‬ ‫للديوان‪.‬‬ ‫تقول‬ ‫الشاعرة السورية‪“ :‬ألنك استثناء‪ :‬هو ديوان يتألف من جزأين‪،‬‬ ‫األول‬ ‫ي‬ ‫تناول‬ ‫قضايا الحب والحب الصويف‪ ،‬ووجودية املرأة العاشقة‬ ‫يف امل‬ ‫جتمع الرشقي‪ ،‬واإلسقاطات النفسية االجتامعية لتلك العالقة‪.‬‬ ‫و‬ ‫الشق‬ ‫الثاين يتناول قضايا فلسفية ونفسية واجتامعية دقيقة‪،‬‬ ‫ح ُ‬ ‫اولت بها الغوص مع تلك القصائد إىل محاولة بالتحدث عن‬ ‫مو‬ ‫اضيع‬ ‫ح‬ ‫ساسة‪ ،‬لخلق وعي مسؤول تجاه الكثري مام يُعاش ويدفن‬ ‫يف ظلمة مجتمع العرف والتقاليد”‪.‬‬

‫اقتلعت مئات اآلالف من السوريني والفلسطينيني من بيوتهم وحياتهم يف سوريا هر ًبا‬ ‫من ويالت الحرب‪ ،‬ليسلكوا دروب اللجوء الوعرة يف معظمها‪ ،‬ويركبوا قوارب املوت التي‬ ‫مل تصل كلها‪.‬‬ ‫ُتص ّور بدر يف روايتها جان ًبا من ملحمة الفرار شبه الجامعي‪ ،‬حني اندفعت موجة عاتية من‬ ‫البرش عىل دروب اللجوء‪ ،‬لتصحبنا عرب تلك الدروب راوي ًة لنا ً‬ ‫بعضا من حكايات الالجئني‬ ‫الذين قذفت بهم الحرب ومصاعب الحياة وأوضاع بلدانهم غري املستقرة إىل املنايف‬ ‫البعيدة‪ .‬وبأسلوب أديب جميل‪ ،‬ولغة مبسطة تنقل الكاتبة الشابة بحرفية رسدية الفتة‪،‬‬ ‫الكثري من الصور الواقعية واملشاهد املؤملة التي رافقت هؤالء الهامئني عىل وجوههم بح ًثا‬ ‫عن األمان‪ ،‬وتلقي الضوء عىل السامرسة الذين‪ ،‬راحوا يستغلون معاناة البرش وآالمهم‬ ‫من أجل الرثاء‪ ،‬يف عمليات ال أخالقية هي أقرب إىل االتجار بالبرش‪ .‬ورغم ما احتوته من‬ ‫مشاهد مؤملة حول معاناة الهاربني من الجحيم‪ ،‬مل تخل الرواية من الصور واملشاهد‬ ‫الرومانسية‪ ،‬التي رأتها بطلة الرواية بعينيها الدامعتني ّ‬ ‫وسجلتها‪ ،‬عىل الرغم من قسوة‬ ‫مزيجا من املشاعر‬ ‫األوضاع التي م ّرت بها وخطورة األحداث التي خاضتها‪ ،‬لتقدّم لنا ً‬ ‫اإلنسانية املختلفة واملتناقضة أحيا ًنا‪.‬‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.