طلعنا عالحرية / العدد 58

Page 1

‫حرية كرامة مواطنة‬

‫العدد ‪58‬‬

‫عن التدخل العسكري الروسي في سوريا‬

‫زوج سميرة‬ ‫خيانة المثقف‬

‫‪2015 / 10 / 31‬‬

‫عبود؟ أم كفرنبل؟‬ ‫هل‬ ‫نصدق غسان ّ‬ ‫ّ‬

‫أو دولة العراق‬ ‫والشام (اإلسالمية)‬

‫داعش‪ISIS :‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع‬ ‫داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعات السورية يف الخارج‬


‫‪2‬‬ ‫واقعية أكثر‪ ..‬آمال وأحالم أقل‪..‬‬ ‫افتتاحية بقلم ليلى الصفدي‬

‫العدد ‪2015 / 10 / 31 - 58 -‬‬

‫مع اقرتاب أي حراك سيايس دويل نحو حل األزمة‬ ‫السورية تتعاىل األصوات من مختلف جهات‬ ‫املعارضة السورية والعديد من الشخصيات‬ ‫النافذة إعالمياً وسياسياً‪ ،‬برفض املشاركة‬ ‫اإليرانية‪ ،‬ورمبا أيضاً الروسية‪ ،‬يف نوع من اإلفراط‬ ‫يف األوهام والرغبوية‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن نتائج مؤمتر فيينا األخري‪،‬‬ ‫والذي كان فيه وجود إيران وغريها مقدماً عىل‬ ‫وجود املعارضة السورية‪ ،‬ومع أننا ال نعلق‬ ‫اآلمال عىل هذه التحركات واملؤمترات‪ ،‬إال أننا‬ ‫ندعو إىل تغليب التفكري الواقعي واملوضوعي‬ ‫لدى قيادات املعارضة املخولة بإنهاء عذابات‬ ‫ترسخ حتى‬ ‫السوريني وترشدهم‪ ،‬والتي لألسف مل ّ‬ ‫اآلن إال فشلها واصطفافها املوضوعي ضد مصالح‬ ‫السوريني‪.‬‬ ‫فبعد خمس سنوات من الحرب الطاحنة يف‬ ‫سوريا وعىل سوريا‪ ،‬من املفرتض أن يكون قد‬ ‫وضح لكل من هو معني بحل األزمة السورية‬ ‫أن ال حلول واقعية ميكنها تجاهل مصالح إيران‬ ‫وروسيا‪ ،‬بل أن عقدة الربط والحل تبدو أكرث‬ ‫فأكرث بيد األخرية‪.‬‬ ‫هذا من جهة‪ ،‬أما من الجهة األخرى فيبدو‬ ‫مستهجناً ح ّد الذهول اعتقاد بعض السوريني‬ ‫وعىل األخص منهم القيادات بوجود حلفاء‬ ‫وأصدقاء للشعب السوري ميكن االعتامد عىل‬ ‫إراداتهم لحل األزمة السورية‪ .‬بل إنه ليبدو من‬ ‫الغباء املفجع االعتقاد بأن أمريكا وحلفاءها‬ ‫يريدون مصلحة سوريا والسوريني أكرث مام‬

‫تريده قوى أخرى‪ ،‬أو أن سياسات قطر والسعودية ‪-‬مث ًال‪ -‬تجاه الربيع العريب عموماً كانت‬ ‫أقل رشاً وخراباً من سياسات إيران وروسيا‪.‬‬ ‫يبدو من الثابت اليوم أن ال حلفاء واقعيني للسوريني‪ ،‬ويبدو من أقل الواجب امللقى عىل‬ ‫عاتق قيادات املعارضة االعرتاف بأخطائها‪ ،‬بل وبقزميتها أمام تضحيات شعبها العظيمة والتي‬ ‫مل تدانيها تضحيات شعب آخر يف العقود األخرية‪ ،‬وعىل عاتق هذه القيادات يقع أمر السعي‬ ‫من أجل إيقاف هذه املعاناة املستمرة بكل السبل املمكنة وعىل قاعدة االعرتاف بالواقع‪.‬‬ ‫واالعرتاف بالواقع يعني أوالً أن رصاع الدول عىل أرضنا ومقدراتنا وحارضنا ومستقبلنا ال‬ ‫يخدم إال مصالح تلك الدول ومخططاتها املختلفة للمنطقة‪ ،‬وأنه‪ ،‬ومع شديد األسف‪ ،‬ال ميكن‬ ‫استبعاد أية جهة دولية ألنها ليست عىل مزاجنا‪ ،‬وواقعنا الصعب ال يتيح االنتقائية‪ ،‬وإذا كان‬ ‫اجرتاح الحلول من خالل موقف عقالين وموحد لعموم السوريني يبدو بعيد املنال اليوم‪ ،‬فال‬ ‫مناص من التعامل مع الواقع والقبول بالتفاوض حول الحلول املغايرة لآلمال واألحالم من أجل‬ ‫وقف نزيف الدم ونزيف البرش املتدفق عرب البحار والرباري‪.‬‬

‫كلمة‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫ليىل الصفدي‬

‫معاون رئيس التحرير‬ ‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫املحرر الثقايف‬ ‫رامي العاشق‬

‫محرر القسم الكوردي‬ ‫مريال بريوردا‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫عن التدخل العسكري الروسي في سوريا‬

‫‪3‬‬

‫جاد الكريم الجباعي‬

‫العدد ‪- 58 -‬‬ ‫‪2015 / 10 / 31‬‬

‫ال نشك يف أن الحكومة الروسية تعرف تفاصيل‬ ‫األوضاع السورية معرفة دقيقة‪ ،‬من خالل‬ ‫سفارتها‪ ،‬وهي أكرب سفارة يف املنطقة‪ ،‬ومن‬ ‫خالل خربائها العسكريني والفنيني وقواتها‬ ‫البحرية وأصدقائها املبثوثني يف الجسم السيايس‬ ‫واالقتصادي والعسكري السوري ‪ ..‬ومع ذلك‬ ‫عربت يف املنظامت الدولية عامة ويف مجلس األمن‬ ‫خاصة عن سقوط أخالقي مريع‪ ،‬بتجاهلها جميع‬ ‫الوقائع السورية ومعاناة السوريني‪ ،‬فلم تر يف‬ ‫أكرثية الشعب السوري سوى إسالميني متطرفني‬ ‫وإرهابيني وعصابات مسلحة‪ .‬هذا حكم أخالقي‬ ‫وال شك‪ ،‬ولكنه مؤسس عىل توجس السياسة‬ ‫الروسية من الحركات الشعبية والتحوالت‬ ‫الدميقراطية داخل الحدود الروسية وخارجها‪.‬‬ ‫آن للفكر السيايس أن يفرق بني الحكومات‬ ‫والشعوب‪ .‬الحكومة الروسية‪ ،‬كغريها من‬ ‫الحكومات الرشقية والغربية والعربية واإلرسئيبية‬ ‫كانت تقف دوماً يف الصف املعادي للشعب‬ ‫السوري وغريه من الشعوب‪ ،‬وتتحالف مع‬ ‫املستبدين بهذه الشعوب وناهبي ثرواتها وقوة‬ ‫عملها‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫يخطئ من يظن أن العالقات الدولية شفافة‬ ‫ميكن تب ُّينها وفقاً لعدد قليل من املعايري‪ ،‬كمعيار‬ ‫املصلحة أو املنفعة ومعيار الصداقة أو العداوة‬ ‫ومعيار التنافس أو الرصاع ومعيار الربح أو‬ ‫الخسارة ‪ ،..‬عىل أهمية هذه املعايري وإمكاناتها‬ ‫اإلجرائية‪ ،‬التي ال يجوز تجاهلها‪ .‬فالسياسات‬ ‫الخارجية ألي دولة خالصة بالغة الكثافة والتعقيد‬ ‫عن أوضاعها الداخلية‪ ،‬االجتامعية ‪ -‬االقتصادية‬ ‫والثقافية والسياسية واألخالقية‪ ،‬ومستوى متدن‬ ‫املجتمع ومشاركة أفرادة‪ ،‬إناثاً وذكوراً‪ ،‬وفئاته‬ ‫االجتامعية يف الحياة العامة‪ ،‬ال كقوى منتجة‬ ‫للرثوة املادية فقط‪ ،‬بل كذوات حرة ومستقلة‬ ‫كل منها مرشوع تحقق كياين‪ ،‬يف أفق اإلنسانية‬ ‫أيضاً‪ ،‬ومدى عمق التعارضات االجتامعية وقدرة‬ ‫املجتمع عىل حلها سل ًام‪ ،‬وفقاً لطابع العالقة‬ ‫الجدلية بني املعرفة والسلطة‪ ،‬عىل الصعيدين‬ ‫املايكروي أو الصغري واملاكروي أو الكيل‪ ،‬عالوة‬ ‫عىل نظام الحكم وبنية السلطة وأشكال مامرستها‬ ‫وآليات اشتغالها‪.‬‬ ‫ولكن التحليل ال يتسق إال إذا وضعت هذه‬ ‫العنارص أو العوامل جميعاً يف سياقها التاريخي‪،‬‬ ‫الرويس والعاملي؛ فقد شهدت روسيا‪ ،‬يف خالل قرن‬ ‫واحد انتقاالً من القيرصية‪ ،‬التي كانت توصف‬ ‫بأنها “قلعة االستبداد” إىل االشرتاكية البلشفية‬ ‫(املاركسية اللينينية)‪ ،‬ثم إىل التوتاليتارية‪،‬‬ ‫(الستالينية) ثم إىل الرأساملية الليربالية الجديدة‬ ‫املافياوية‪ .‬وكان كل واحد من هذه االنتقاالت‬ ‫يجب ما قبله أو ينقطع عنه‪ ،‬عىل الصعيدين‬ ‫ُّ‬ ‫األيديولوجي والسيايس بوجه خاص‪ .‬فثمة‬ ‫انقطاعات تاريخية واستمرار تاريخي يصعب‬ ‫الجزم يف غلبة أي منهام أو يف مدى عمقه‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬هناك من الوقائع ما ميكن أن يكون ذا‬ ‫داللة عميقة يف تحليل بنية النظام الرويس وبنية‬ ‫السلطة‪ ،‬من أهمها موقف اتحاد الكتاب الروس‬ ‫من الرئيس السوري بشار األسد‪ ،‬وموقف الربملان‬ ‫الرويس وموقف الكنيسة األرثوذكسية من التدخل‬ ‫العسكري يف سوريا‪ ،‬يف ضوء موقف الحكومة‬ ‫الروسية الباكر من املسألة السورية‪.‬‬ ‫هذه الوقائع ال تدل يف نظرنا عىل انسجام املراجع‬ ‫االجتامعية (الربملان) والثقافية (اتحاد الكتاب)‬ ‫واأليديولوجية (الكنيسة) والسياسية (الحكومة)‬ ‫والعسكرية (قيادة الجيش واملخابرات) من‬ ‫املسألة السورية بقدر ما تدل عىل بنية النظام‬ ‫الرويس وبنية السلطة‪ ،‬وتلقي بعض الضوء عىل‬

‫مدى االنقطاع التاريخي أو االستمرار التاريخي‪،‬‬ ‫مام يجعلنا نفرتض أن فكرة الحرب الباردة مل متت‬ ‫يف الرؤية اإلسرتاتيجية الروسية‪ ،‬وهي رؤية غدت‬ ‫مركبة من عنارص قيرصية وبلشفية وتوتاليتارية‪،‬‬ ‫من أبرز عنارصها اقرتان الدميقراطية بالرأساملية‬ ‫“الغربية”‪ ،‬وأحقية االتحاد الرويس‪ ،‬وريث االتحاد‬ ‫السوفييتي وريث القيرصية‪ ،‬يف تشكيل خريطة‬ ‫العامل االقتصادية والسياسية‪ .‬ومل متت كذلك‬ ‫عداوة “الرشق” لــ “الغرب” والسعي إىل وضع‬ ‫حد لتفوقه وغطرسته‪ ،‬يف الحدود الدنيا‪ .‬يف هذه‬ ‫النقطة تلتقي الرؤية اإلسرتاتيجية الروسية مع‬ ‫الرؤية “اإلسالمية” األكرث أصولية وتطرفاً‪ ،‬ومع‬ ‫الرؤية القومية العربية (البعثية) األكرث أصولية‬ ‫وتطرفاً‪ .‬غري أن املفارقة تكمن يف توجس الحكومة‬ ‫الروسية من التطرف اإلسالمي من جهة‪ ،‬وتحالفها‬ ‫مع نسخته الشيعية‪ ،‬اإليرانية واللبنانية (حزب‬ ‫الله) وغريهام‪ ،‬ومصادر توليده وإمداده السنية يف‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬أي إنها تتوسل بالتطرف اإلسالمي‬ ‫خارج حدودها‪ ،‬وتحاربه داخل حدودها‪ ،‬شأنها يف‬ ‫ذلك شأن الواليات املتحدة األمريكية وبعض دول‬ ‫االتحاد األورويب‪ ،‬وشأن النظام السوري نفسه‪ .‬ما‬ ‫يعني أن الحلف الذي تعمل عىل إنشائه ملحاربة‬ ‫“داعش”‪ ،‬مقابل الحلف الذي تقوده الواليات‬ ‫َ‬ ‫الهدف املعلنَ من‬ ‫املتحدة األمريكية‪ ،‬يتعدى‬ ‫إنشائه‪ ،‬فام دام “داعش” حاجة موضوعية‬ ‫للسياسات التدخلية‪ ،‬الروسية منها والغربية‬ ‫والعربية واإلرسائيلية‪ .‬فإن لألهداف املعلنة غالباً‬ ‫وظيفة تربيرية‪.‬‬ ‫لقد تبنت الحكومة الروسية موقف النظام‬ ‫السوري وسلطته الشموليه تبنياً تاماً‪ ،‬منذ انطالقة‬ ‫الحراك الشعبي السلمي‪ ،‬ربيع ‪ ،2011‬بل ميكن‬ ‫أن نفرتض أن موقفها يزيد عىل التبني واملوافقة‬ ‫ويتعداهام إىل املشاركة يف التوجيه والقرار‪ ،‬بحكم‬ ‫حاجة النظام السوري إىل املساعدات العسكرية‬ ‫والفنية واالقتصادية واملالية الروسية‪ .‬فالسياسة‬ ‫الروسية ليست تابعة للسياسة السورية‪ ،‬بل‬ ‫العكس هو الصحيح‪ ،‬بحكم عالقات القوة التي‬ ‫تحكم السياسات الدولية‪ ،‬وبحكم حاجة النظام‬ ‫السوري‪ ،‬التي تجربه عىل اإلذعان لرشوط حلفائه‪.‬‬ ‫أي إن الحكومة الروسية كانت وال تزال رشيكاً‬ ‫وحليفاً وعوناً للحكومة السورية‪ ،‬وهذا ما ال تنكره‬ ‫دمشق‪ ،‬وقد اعرتفت به موسكو رصاحة‪.‬‬ ‫ميكن وصف السياسة الروسية وموقفها من‬ ‫املسألة السورية بقرص النظر‪ ،‬ألنها قرصت رهانها‬

‫عىل النظام السوري والسلطة السورية والرئيس‬ ‫السوري‪ ،‬ال عىل سوريا والشعب السوري‪ .‬ولكن‬ ‫مراجعة السياسات الروسية منذ قرن من الزمن‬ ‫حتى اليوم تجعل هذا الوصف من قبيل الحكم‬ ‫األيديولوجي‪ ،‬ألن السياسات الروسية مل تكن‬ ‫تعنى بقضايا الشعوب وتطلعاتها‪ ،‬حتى يف املرحلة‬ ‫السوفييتية‪ ،‬وكانت خياراتها ورهاناتها مقصورة‬ ‫دوماً عىل الحكام‪ ،‬وهكذا سائر الدول والحكومات‪،‬‬ ‫فقد تحالف الحكومات السوفييتية مع عبد النارص‬ ‫وصدام حسني وحافظ األسد ومعمر القذايف ‪..‬‬ ‫عىل الرغم من تنكيلهم بالشيوعيني واليساريني‬ ‫والوطنيني الدميقراطيني‪ ،‬أي مبن يفرتض أنهم‬ ‫حلفاؤها األقربون يف أوساط الشعوب‪ .‬وباعت‬ ‫للعرب عامة والفلسطينيني خاصة شعارات ثورية‬ ‫مناوئة لإلمربيالية والصهيونية والعنرصية ‪ ..‬يف حني‬ ‫كانت الدولة الثانية التي اعرتفت بدولة إرسائيل‪،‬‬ ‫بعد الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬واعتربت الحركة‬ ‫الصهيونية حركة تحرر وطني‪ ،‬وأقامت وال تزال‬ ‫تقيم أفضل عالقات التعاون مع دولة إرسائيل‪،‬‬ ‫وها هي تنسق معها عسكرياً يف إدارة الحرب يف‬ ‫سوريا‪ ،‬والتنسيق العسكري غري ممكن من دون‬ ‫تنسيق سيايس‪.‬‬


‫داعش‪ISIS :‬‬ ‫‪44‬‬

‫أو دولة العراق‬ ‫والشام (اإلسالمية)‬ ‫(‪)1‬‬

‫د‪ .‬محمّد العمّار‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪2015/ /10‬‬ ‫‪8 // 231 - 58‬‬

‫مقاالت‬ ‫لقاءات‬

‫ينشغل العامل بداعش أكرث بكثري مام انشغل بسارس وانفلونزا الطيور‬ ‫والخنازير‪ ،‬وأكرث مام انشغل باحرتار األرض وتبدالت املناخ‪ ،‬يف الوقت‬ ‫الذي يتجاهل فيه مآس حقيقية وكوارث فظيعة تجتاح حياة بلدان‬ ‫وشعوب كاملة‪ ،‬بل وتش ّكل تهديداً أكيداً وليس محتم ًال لألمن والسلم‬ ‫العامليني‪ ،‬يتجاهلها وكأنها ال تحدث‪ ،‬رغم تس ّمم املناخات اإلنسانية بني‬ ‫الشعوب آلماد طويلة‪ ،‬كام أنها تستبيح منظومة القيم اإلنسانية التي‬ ‫يتغنى بها الجميع‪ ،‬دول‪ ،‬وأحزاب‪ ،‬ومنظامت مجتمع مدين‪ ،‬ومؤسسات‬ ‫دولية‪ ،‬وحقوقية وإنسانية‪ ،‬ما الذي يجعل مثل هذا التجاهل يحدث؟‬ ‫وعىل أي أساس؟ وبأي طريقة تحدد االهتاممات العاملية يف الوقت‬ ‫الحارض؟ أال يجدر بنا أن نواجه أنفسنا ونضعها أمام هذا السؤال؟‬ ‫وفيام يتعلق بداعش‪ ،‬هل نستطيع أن نسأل ماهي داعش؟ أين مكمن‬ ‫الخطورة يف هذه الظاهرة؟ كيف نشأت؟ ما هو حجم التهديد الذي‬ ‫ميكن أن تشكله للمنطقة والعامل؟ ما هو حجم الجرمية التي تورطت‬ ‫بها؟ من تخدم من خالل سياساتها؟‬ ‫املؤسس عىل روح داعش وفلسفتها كيف‬ ‫أستغرب كيف ينظر العامل َّ‬ ‫يستهجنها ويستغربها؟ إذا كانت داعش يف التحليل النهايئ ليست إال‬ ‫حالة تقوم عىل فلسفة أن من حقي أن أفرض عىل اآلخرين ما أراه‬ ‫حقاً بالقوة‪ ،‬إنها حالة من اإلكراه املدعوم بالقوة العارية‪ .‬أعتقد أنها‬ ‫ليست أكرث من ذلك عندما نزيل كل عمليات التشويه التي صنعها‬ ‫اإلعالم حولها‪.‬‬ ‫إذا اتفقنا عىل هذا التعريف‪ ،‬فهل داعش ظاهرة نادرة الحدوث يف‬ ‫عاملنا؟ أليست كل مؤسساتنا املحلية والدولية تقوم عىل حق القوة‪،‬‬ ‫وليس عىل قوة الحق‪ ،‬أليست مأساة السوريني صورة من صور فرض‬ ‫رأي ورؤية عىل شعب ووطن بالقوة العارية الفظيعة؟ أليست حالة‬ ‫من اإلكراه الذي استمر لعقود؟ وملا رفع الشعب نداء الحرية تحركت‬ ‫القوة الضامن الوحيد لنظام القمع يف سوريا‪ ،‬لتصبح مدوية صائتة‬ ‫وقد كانت صامتة لعقود‪ ،‬يدعمها النظام العاملي بتقاسم أدوار مفضوح‬ ‫ليس له هدف سوى إدارة املعركة بني اإلكراه الذي ميثله النظام املحيل‬ ‫والعاملي والال إكراه الذي رفع لواءه االثوار‪ ،‬يف واحدة من أكرث املناطق‬ ‫أهمية بالعامل‪.‬‬ ‫إذا كانت مؤسسات صناعة الرأي ومجلس إدارة العامل الداعيش بعمق‬ ‫الذي يسمى زورا (مجلس األمن) والذي يسريه دواعش العامل الكبار‪،‬‬ ‫ال يحرتم إال إرادة األقوياء‪ ،‬ويعطيهم الحق يف فرض ما يريدون ويرون‬ ‫عىل العامل‪ ،‬فلامذا كانت لداعش كل هذه الظالل املرعبة املخيفة التي‬ ‫أفزعت االعامل (الحر)‪ ،‬وجعلته يتعايش مع فظائع عصابة دمشق التي‬ ‫امتدت لخمس سنوات من القتل اليومي املنظم الذي تتصاغر أمامه‬ ‫فظائع الخمري الحمر يف كمبوديا‪ ،‬رمبا يشبهه إىل حد ما ما صنعه بوتن‬ ‫يف الشيشان‪ ،‬وكذلك أنست العامل مجازر امليليشيات الطائفية التي‬ ‫ذرعت البالد يف كل اتجاه لترتك حيث حلت فظاعات يشيب لهولها‬ ‫الولدان كام يقال!‬ ‫ما املميز يف داعش الذي يجعلها محط كل هذا االهتامم؟ هذا ما‬ ‫سنتحدث عنه يف مرة قادمة‪..‬‬

‫مــن يســتطيع هزيمــة داعــش؟‬ ‫أنور عبّاس‬ ‫منذ ظهورها يف سوريا يف نيسان ‪ ،2013‬توسعت “الدولة اإلسالمية يف العراق والشام”‬ ‫عىل نحو كبري‪ ،‬وخاضت معارك طاحنة مع قوات النظام ومع تشكيالت املعارضة املسلحة‬ ‫عىل تنوعها واختالف إيديولوجياتها‪ .‬وتجمع املعارضة املسلحة بكل أطيافها تقريباً عىل‬ ‫أن داعش هي عدو ال يقل خطراً عن قوات النظام ومن يدعمه من ميليشات وقوات‪.‬‬ ‫ترص عىل أن قتال األسد هو معركتها األوىل‪ ،‬لتكون داعش ثانية عىل سلم األولويات‬ ‫لكنها ّ‬ ‫بالنسبة ملعظمهم‪ ،‬ما مل تكن تلك الفصائل يف وضعية الدفاع عن النفس‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من الحملة الجوية التي يخوضها الحلف الدويل عىل التنظيم‪ ،‬والحملة الجوية‬ ‫الروسية التي نراها اليوم‪ ،‬إال أن متددها وصمودها الزال حقيقة يف كثري من املناطق‪ ،‬ومل‬ ‫يحدث أن ألحقت بها هزمية كبرية إال يف املناطق الكردية‪ ،‬حيث يتوفر مقاتلون عىل األرض‬ ‫بعدة وعدد أهّ لهم لخوض معارك أرضية ضد التنظيم‪ ،‬بتغطية جوية هائلة من طائرات‬ ‫التحالف الدويل‪ .‬ويعني هذا أن تنظيم الدولة ‪-‬وهو عدو مشرتك ملراكز القوى العاملية‬ ‫يف واشنطن وموسكو ولندن وحتى عواصم املنطقة من الدوحة إىل تل أبيب والقاهرة‪،‬‬ ‫وللمعارضة املسلحة السورية‪ -‬لن يهزم إال من خالل حرب طاحنة عىل األرض‪ ،‬ال يبدو أن‬ ‫وزج املوارد املطلوبة فيها وخاصة البرشية منها‪ .‬ويبقى أمر‬ ‫العامل اليوم مستعد لخوضها ّ‬ ‫هزمية الدولة االسالمية ‪ -‬والحالة تلك ‪ -‬بعيد املنال ما مل تتوفر هذه القوة البرشية و ُتد ّرب‬ ‫ُوتد بالعتاد الالزم وتحظى بإجامع دويل وإقليمي وسوري‪.‬‬ ‫ال يستطيع النظام السوري خوض هذه الحرب بقواته املتهالكة‪ ،‬التي ال تكاد تستطيع‬ ‫أن تحمي ما تبقى له من أرض يسيطر عليها يف مناطق نفوذه‪ ،‬ولن يكون مؤه ًال مهام‬ ‫استعاد من عافيته بفضل الدعم الجوي الرويس‪ ،‬والدعم البرشي اإليراين‪ .‬وهذه الحرب التي‬ ‫ستكلفه الكثري من األرواح والعتاد‪ ،‬وقد تعني تخليه عن مناطق أخرى كثرية أكرث حيوية‬ ‫وتقع ضمن ما يسميه بسورية املفيدة‪ .‬وعليه‪ ،‬تبقى داعش بالنسبة له معركة جانبية‬ ‫يخوض بعض فصولها حني يضطر إىل ذلك ومادامت غارات التحالف تعيق تقدماً رسيعاً لها‬ ‫نحوه‪ .‬وقد ال يأيت اليوم الذي يتمكن فيه من خوض مثل هذه الحرب أبداً‪ .‬يزيد عىل ذلك‪،‬‬ ‫أن حرباً كهذه يجب أن تخاض عىل أرض فقد النظام فيها حاضنته الشعبية بشكل كامل‬ ‫أو شبه كامل‪ ،‬وسيحارب ‪-‬إن فعل ذلك‪ -‬عىل أرض معادية يكن كل من يقطنها له العداء‬ ‫والكراهية‪ ،‬مام يجعل حظوظه بالفوز بالنرص معدومة متاماً‪ .‬ولن تستطيع امليليشيات‬ ‫األجنبية من حزب الله‪ ،‬وعراقيني وأفغان‪ ،‬وحتى عسكريني إيرانيني تحقيق أي نرص يذكر‬ ‫عىل داعش يف تلك املناطق لألسباب ذاتها‪ .‬وملا ميكن لتدخلها يف تلك املناطق من أن يثريه‬ ‫لدى فصائل املعارضة املسلحة األخرى التي يحمل البعد الديني يف النزاع أهمية بالنسبة‬ ‫لها اليوم‪ ،‬حيث تعترب هذه امليليشات عدواً لها وال تراها منفصلة عن النظام الذي تحاربه‪،‬‬ ‫بل يشكل مذهبها مربراً آخر ملحاربتها‪.‬‬ ‫يبقى الخيار الوحيد ملحاربة داعش وتحقيق نرص عليها هو فصائل املعارضة املسلحة‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذلك اإلسالمية السلفية منها والقابلة ليشء من الرتويض‪ .‬وإذا أراد الغرب أن يحقق نرصاً‬ ‫حقيقياً عىل التطرف الجهادي الذي يعتربه التهديد األكرب ألمنه‪ ،‬فإن عليه وضع اسرتاتيجية‬ ‫دقيقة لتوحيد تلك الفصائل وتسليحها‪ ،‬ومدها باملعلومات االستخبارية والخطط الالزمة‬ ‫لتشنّ حرباً مزدوجة عىل كل من داعش واألسد‪ ،‬ألن حرباً ض ّد داعش لن تغريها ما دام‬ ‫عدوها األول واألكرب ‪-‬نظام األسد‪ -‬مطمئناً وبعيداً عن نار هذه الحرب‪.‬‬ ‫هذا العدو املشرتك للسوريني ومعارضتهم املسلحة وللعامل املرتقب يجب أن يكون محوراً‬ ‫للتقدم نحو اسرتاتيجية موحدة لهزمية داعش واألسد معاً‪ .‬ستدرك روسيا قريباً أن األسد لن‬ ‫يفيدها يف ذلك‪ ،‬وأن حمالتها الجوية لن تفيد يف أكرث من حاميته من االنهيار مرحلياً‪ ،‬وأنه‬ ‫مهام بلغ هذا الدعم لن يستطيع أن يستعيد ما خرسه من أرض وحاضنة شعبية‪ ،‬وأن رهان‬ ‫بوتني عىل األسد خارس عىل املدى الطويل‪.‬‬ ‫نعم إن روسيا اليوم تقصف قوات املعارضة املسلحة‪ ،‬وال تحارب داعش كام تقول‪ ،‬لكن‬ ‫الحمالت الجوية لن تجدي يف تحقيق نرص حاسم‪ ،‬وإن أفادت يف تحقيق انتصارات جزئية‬ ‫هنا وهناك‪ .‬وسيدرك الغرب أيضاً أن حاجتهم للمعارضة املسلحة يف محاربة داعش ستصبح‬ ‫أكرث إلحاحاً‪ ،‬وأن عليهم االلتفات جدياً نحوها بوصفها جزءاً كبرياً من الحل السيايس‬ ‫والعسكري‪ ،‬مهام كان من أمر تشتتها وأسلمتها‪.‬‬


‫زوج سميرة‬ ‫‪5‬‬

‫ياسين الحاج صالح‬

‫كان ينبغي أن أبقى‪ ،‬فال منيض من الغوطة إال معاً‪،‬‬ ‫أو بعد ضامن وضع آمن لها‪.‬‬ ‫لكن ليس هذا ما أريد قوله هنا‪ ،‬وقد سبق أن‬ ‫قلته غري مرة عىل كل حال‪ ،‬كتابة وكالماً مسج ًال‬ ‫صوتياً‪ .‬ما أريد قوله عىل مشارف عامني من تغييب‬ ‫سمرية هو إنها هي اليوم املحور األول لبناء هويتي‬ ‫ودوري‪ ،‬وتعريفي لذايت‪ .‬عدا أنها ال تغيب عن‬ ‫بايل‪ ،‬وعدا ما يف تغييبها مع رزان ووائل وناظم مام‬ ‫يشبه األسطورة‪ ،‬أسطورة أجد نفيس معنياً بروايتها‬ ‫وتفصيلها وتكرارها‪ ،‬واستيضاح معانيها الشخصية‬ ‫والعامة‪ ،‬عدا ذلك سمرية شخص‪ /‬قضية تتقاطع فيها‬ ‫وعندها مسائل الثورة والتغري السيايس يف سورية‪،‬‬ ‫وقضايا الظلم والعدالة والحرية واالستعباد والكرامة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وقضايا املرأة والسلطة البطريركية‬ ‫والتمييز الجنيس‪ ،‬وقضايا الدين والطائفية والتمييز‬ ‫الطائفي‪ ،‬وقضايا االعتقال والسجن والتعذيب‬ ‫والخطف والتغييب والفقد والقتل‪ ،‬وقضايا النضال‬ ‫السيايس والثقافة واملسؤولية االجتامعية للمثقفني‪،‬‬ ‫وقضايا الثورة الثقافية واألخالقية والدينية‪ .‬ليس‬ ‫هذا تكثرياً اعتباطياً لقضايا ميكن أن ترمز لها سمرية‬ ‫أو ترتبط بها بصور متنوعة‪ .‬هناك كثري من املنطق‬ ‫يف رمزية سمرية‪ :‬فهي امرأة معارضة للنظام عىل‬ ‫أسس سياسية وأخالقية علامنية‪ ،‬وهي علوية‬ ‫املنبت‪ ،‬وهي معتقلة سابقة تعرضت للتعذيب‬ ‫عىل أيدي األسديني‪ ،‬وهي مخطوفة اليوم من قبل‬ ‫إسالميني‪ ،‬وهي مغيبة يف الظالم منذ نحو عامني‪.‬‬ ‫وهذه العنارص يف تكوينها تسوغ أن تكون سمرية‪،‬‬ ‫أكرث من أي شخص آخر يف سورية بحدود ما أعرف‪،‬‬ ‫رمزاً لرصاعنا‪ ،‬ألخالقيته ولجذريته وملأساويته‪.‬‬ ‫بعض هذه القضايا من اهتاممايت األقدم‪ ،‬لكن‬ ‫كلها‪ ،‬الجديدة منها والقدمية‪ ،‬تكتسب توجيها‬ ‫مغايراً‪ ،‬وشخصية وكثافة‪ ،‬من ارتباطها بشخص حي‪،‬‬ ‫خجول وكريم‪ ،‬محب وعادل‪ ،‬معطاء ومرتفع‪ ،‬هو‬ ‫سمرية‪ .‬سمرية هي يف آن معاً هذا الشخص الحي‬ ‫العيني‪ ،‬وهي قضية متعددة األبعاد وخصبة‪ .‬ليس‬

‫يف هذا الوجه ما يجرد سمرية من شخصيتها‪ ،‬بل‬ ‫إن شخص سمرية هو ما يضفي كثافة وحياة عىل‬ ‫هذه القضايا‪ ،‬ويخرجها فيام يخصني من كونها‬ ‫انشغاالت عامة يتحمس لها املرء‪ ،‬إىل التزامات‬ ‫حية‪ ،‬شخصية‪ .‬وأكرث من ذلك‪ ،‬ليست تلك‬ ‫االلتزامات أشياء أقوم بها بشغف أو بأكرث من‬ ‫شغف‪ ،‬بل صارت هويتي‪ :‬أشياء أريد أن أكون أداة‬ ‫لها أو صوتاً؛ أفكر فيها‪ ،‬أشتغل عليها‪ ،‬أربطها طوال‬ ‫الوقت بسمرية املخطوفة واملغيبة‪ ،‬وأرتبط بها‪،‬‬ ‫وأتغري من أجلها‪ .‬أتغري عىل نحو خاص‪ .‬لست منذ‬ ‫اآلن الشخص نفسه قبل خطف سمرية وبعده‪ ،‬وال‬ ‫أريد أن أكون‪ .‬ال أريد أن أعرف كشخص وكدور‬ ‫عام يف انفصال عن امرأيت املخطوفة املغ ّيبة‪،‬‬ ‫وعن جملة املالبسات الخاصة والعامة‪ ،‬السياسية‬ ‫والثقافية‪ ،‬للقضية‪ ،‬وما يتصل منها بإطار رصاعنا‬ ‫العام وبالخاطفني‪ ،‬أشخاصاً وعقيدة وسياسة‪.‬‬ ‫املسألة فيام يخصني د ْين و ِدين‪“ .‬د ْين معنى”‬ ‫ودين حياة‪ .‬وهام‪ ،‬الدِّين والد ْين‪ ،‬مام ال يستنفد‬ ‫فيه القول‪ ،‬مام لن ّ‬ ‫أكف عن االنشغال به إىل حني‬ ‫تكون سمرية هنا‪ .‬هي وحدها من تنهي القصة‪.‬‬ ‫سمرية هي سياستي‪ ،‬لكن قضية سمرية ليست‬ ‫قضية سياسية وحقوقية فقط‪ .‬بالنسبة يل هي‬ ‫قضية ثقافية وأخالقية بالقدر نفسه أو أكرث‪ .‬أو‬ ‫هي الشخص التي تلتقي عندها أكرث من غريها‬ ‫االلتزامات السياسية والحقوقية من جهة مع‬ ‫االلتزامات األخالقية والثقافية من جهة ثانية‪.‬‬ ‫وهي لذلك بالذات سند للجذرية عىل هذه‬ ‫املستويات كلها‪ .‬الجذرية التحررية هي ما تكرم‬ ‫سمرية‪ ،‬ومعها رزان ووائل وناظم‪ ،‬وفراس وباولو‬ ‫واسامعيل‪ ،‬وفائق وجهاد‪ ،‬وما ال يحىص غريهم‪،‬‬ ‫وهي ما ميكن أن تكون سنداً لتشكل جديد‬ ‫ملجتمعنا وثقافتنا وسياستنا‪.‬‬ ‫كانت سمرية زوجتي‪ ،‬اليوم هي أيضاً وأساساً‬ ‫محور هويتي‪ .‬أنا زوج سمرية!‬ ‫وأنا سمرية يف غيابها‪.‬‬

‫العدد ‪2015 / 10 / 31 - 58 -‬‬

‫مصدر الصورة‪ :‬إنرتنت‬

‫مقاالت‬

‫إثر اختطافها قبل ما يقرتب من عامني تواتر تعريف‬ ‫سمرية بأنها زوجتي‪ .‬هذا ‪-‬رمبا‪ -‬من باب تقديم‬ ‫نقطة عالم للتعرف عىل املرأة التي اختطفت مع‬ ‫ناظم حامدي ورزان زيتونة ووائل حامدة (جرى‬ ‫تعريفه عىل نحو متواتر أيضا بأنه زوج رزان)‪ ،‬ومل‬ ‫تكن معروفة عىل نطاق واسع‪ .‬وبحق اعرتضت‬ ‫عىل هذا التعريف بدور حسن‪ ،‬الناشطة والكاتبة‬ ‫الفلسطينية الفذة‪ ،‬التي كتبت باالنكليزية مقاالً‬ ‫بعد وقت قليل من الخطف‪ ،‬أوردت فيه معلومات‬ ‫وفرية عن دور سمرية يف الكفاح السوري منذ‬ ‫مثانينات القرن العرشين‪ .‬وكتبت بنفيس عدداً من‬ ‫النصوص عن سمرية‪ ،‬اشتملت عىل معلومات عن‬ ‫تاريخها الشخيص‪ ،‬ومساهامتها يف العمل العام‬ ‫منذ اعتقالها عام ‪ 1987‬وإىل ما بعد خروجها من‬ ‫السجن‪ ،‬فأيام “ربيع دمشق” وصوالً إىل الثورة‪،‬‬ ‫ثم انضاممها إ ّيل يف دوما يف أيار ‪ .2013‬أو ّد أن‬ ‫أصحح معلومة وردت يف مقالة بدور‪ ،‬تقول إننا‬ ‫افرتقنا لعامني بسبب تواريّ يف دمشق بعد بداية‬ ‫الثورة‪ .‬الواقع أننا كنا معاً معظم الوقت يف سنتي‬ ‫التواري؛ فقط يف بضع الشهور األوىل التالية للثورة‬ ‫كانت سمرية تعيش أكرث الوقت يف بيتنا املستأجر‬ ‫يف ضاحية قدسيا‪ ،‬وهذا ألين كنت أقيم وقتها يف‬ ‫مكان ال يسمح بعيشنا معاً‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬وطوال أكرث‬ ‫من عام ونصف‪ ،‬كنا معاً أكرث الوقت‪ .‬افرتقنا مرتني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ذهبت إىل الغوطة الرشقية يف ‪ 3‬نيسان‬ ‫مرة حني‬ ‫‪ .2013‬ودّعتها صباح ذلك اليوم بأمل أن نلتقي‬ ‫قريباً‪ .‬كانت وجهتي هي الرقة‪ ،‬أما الغوطة فمحطة‬ ‫(ترانزيت) عىل الطريق إليها‪ .‬ومل يكن مجيء سمرية‬ ‫إىل الغوطة مخططاً له‪ ،‬لكن حني طال مقامي فيها‬ ‫ْ‬ ‫فضلت أن تأيت وتشارك يف الحياة املتاحة‬ ‫نسبياً‪،‬‬ ‫هناك‪ .‬كانت صارت لتوها مطلوبة يف دمشق‪ ،‬وكان‬ ‫من شأن املجيء إىل الغوطة أن يضعها يف مأمن من‬ ‫املالحقة‪ ،‬وإن ليس يف مأمن من القصف ومخاطره‪.‬‬ ‫مل يكن يف بالنا قط أي مخاطر أخرى يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫كنا يف شوق إىل بعضنا‪ ،‬كنت مشتاقاً لها وكانت‬ ‫مشتاقة يل‪ ،‬وإن كان ميازج الشوق من جهتي‬ ‫خشية من أن تنفلت األمور من أيدينا‪ ،‬فال نستطيع‬ ‫التحكم بها‪ .‬هذه خشية رافقتني عىل الدوام‪ ،‬رمبا‬ ‫بفعل تجربة السجن‪ .‬لكن مل أكن أستطيع مقاومة‬ ‫رغبة سمرية يف تجريب حياة مغايرة‪ .‬االنضامم يل يف‬ ‫الغوطة مل يكن القصة كلها‪.‬‬ ‫واالفرتاق الثاين وقع يف متوز ‪ 2013‬حني مضيتُ‬ ‫إىل الرقة‪ ،‬املدينة التي أنحدر منها‪ ،‬يف رحلة ما‬ ‫كان ممكنا أن ترافقني سمرية فيها‪ .‬ودّعتها مساء‬ ‫‪ 10‬متوز بأمل التالقي يف وقت قريب‪ .‬كانت لدينا‬ ‫تقديرات وخطط حول سبل اجتامعنا من جديد‪.‬‬ ‫لكني بذهايب ارتكبت خطأ كبرياً‪ ،‬مصريياً يف الواقع‪.‬‬


‫خيانــة المثقــف‬ ‫‪6‬‬

‫سميح الصفدي‬

‫العدد ‪2015 / 10 / 31 - 58 -‬‬

‫مقاالت‬

‫لست أقصد بهذا العنوان املكرر ذلك “املثقف” الذي‬ ‫يخون!! “مثقف” البالط أو “مثقف” الجامعة‪ ..‬أو‬ ‫غريهام‪ ،‬إمنا أقصد املثقف الذي ُيخان‪ ،‬الذي يقع‬ ‫عليه وعىل ما ميثله من مباديء فعل الخيانة‪ ،‬كقولنا‬ ‫“خيانة الوطن” مث ًال‪ ،‬أقول هنا “خيانة املثقف”‪.‬‬ ‫وكلمة “الخيانة” تحيلنا فوراً إىل األخالق والضمري‬ ‫اإلنساين‪ ..‬ذلك أن هذا املقال يود أن يقول أن ال‬ ‫مثقف بال ضمري وال ضمري بال ثقافة‪ ،‬وبالتايل فإنه‬ ‫من املربر القول أن ال وجود للمثقف الخائن‪ ...‬ألن‬ ‫الخائن دوماً هو إنسان بال ثقافة‪ ..‬أو بثقافة مبتورة‪،‬‬ ‫إمنا الوجود هو للمثقف املهزوم بالرضورة يف واقعنا‬ ‫الراهن‪ ..‬الذي ُيخان و ُيعزل‪ ..‬و ُيسجن و ُيهمل‪ ...‬أو‬ ‫ُينفى و ُيقتل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتجنباً لإلطالة هنا أجد نفيس ملزما بأن أحيل القارئ‬ ‫إىل مقالة سابقة بعنوان “البنى الطبعية وتأثرياتها يف‬ ‫متايزات مواقف السوريني” كانت قد نرشت يف العدد‬ ‫‪ 56‬من طلعنا عالحرية‪ ،‬وأخرى موسعة كانت قد‬ ‫نرشت يف موقع الجمهورية للدراسات‪ .‬ومن الصعب‬ ‫عىل من مل يقرأ الجزء السابق أن يفهم سياق هذا‬ ‫املقال واستنتاجاته‪.‬‬ ‫بنا ًء عىل ما عرضته يف املقال السابق حول غياب‬ ‫الضمري يف البنى النفسية للمجتمعات التي ُربيت‬ ‫عىل القمع كحال املجتمعات العربية‪ ،‬فإنه ملن‬ ‫الطبيعي أيضاً أال يكون هناك عالقة صح ّية ما بني‬ ‫املثقف‪ /‬صاحب الضمري‪ ،‬واملجتمع‪ .‬وباملثقف أقصد‬ ‫كل من يتخارج مع الواقع ويحاول تغيريه‪ ،‬ويستبطن‬ ‫أخالقاً جديدة غري األخالق السائدة‪ ،‬حيث تكون‬ ‫مرجعيته األخالقية داخل نفسه ال خارجها‪.‬‬ ‫وإذ أقول أن هذا املثقف األصيل ال يخون فإنني‬ ‫بالطبع ال أصدر حك ًام مطلقاً‪ ،‬إمنا القصد أنه ليس‬ ‫من طبعه الخيانة‪ ،‬وهو إذ يخون فإنه يخون فرعياً‪،‬‬ ‫استثنائياً‪ ،‬بينام تكون الخيانة عند من سأسميهم‬ ‫“التابعني” عادة شبه حتمية‪.‬‬ ‫ولنقل من البداية إن تجربة املثقف املوصوفة هنا‬ ‫ال تحايك أنصاف املثقفني أو املثقفني “األتباع”‪ ،‬إمنا‬ ‫هي تحايك املثقف األصيل‪ ،‬االستثناء‪ ،‬والذي خاض‬ ‫أو يخوض تجربة حية يف مامرسة الثقافة ومحاولة‬ ‫التغيري ضمن املحيط‪.‬‬ ‫ومثلام ال متلك الشمس إال أن تيضء فإن شعلة املثقف‬ ‫صاحب الضمري ال بد أن تنري‪ ،‬وال بد إذ ذاك أن يدخل‬ ‫يف عالقة تفاعلية مع محيطه املظلم لن تجر عليه إال‬ ‫الويالت فيام بعد‪.‬‬

‫بالعموم ستمر تفاعالت املثقف مع أفراد مجتمع‬ ‫كهذا بثالثة أطوار متتالية‪ :‬طور التأثر واإلعجاب‬ ‫ويرتافق برغبة مترسعة يف التغيري من قبل التابع عىل‬ ‫الصعيدين الخاص والعام‪ ،‬ثم طور التامهي والتبعية‪،‬‬ ‫يعقبه طور الخيانة‪.‬‬ ‫يف مرحلة التامهي سوف يشكل املثقف بدي ًال خارجيا‬ ‫عن ضمري مفقود لدى التابع‪ ،‬لكن الخارجي سوف يبقى‬ ‫خارجياً‪ ،‬وسيكون له ثقله الضاغط عىل الطباع الراسخة‬ ‫يف الطبقات النفسية العميقة‪ .‬سوف تتسم هذه املرحلة‬ ‫بالنسبة للتابع بازدواجية متعبة تقيده وتثقل عليه ليفكر‬ ‫أو يترصف وفق مباديء املثقف‪ ..‬وال يندر أن يكتشف‬ ‫املثقف املتبوع هذه االزدواجية‪ ،‬خصوصا عندما يتسنى‬ ‫له أن يعاين التابع يف أوقات ال متوقعة‪ ،‬لريى فيه ذلك‬ ‫الجانب املختبيء وراء القناع الذي دأب عىل االحتجاب‬ ‫خلفه يف حضور املثقف ‪ /‬الضمري‪.‬‬ ‫إال أن هذا الضغط املتواصل وغري املقصود الذي‬ ‫يشكله مجرد وجود املثقف سوف ال ينتهي إال بحتمية‬ ‫واحدة‪ ...‬االنفجار يف لحظة الحقيقة‪ ،‬واالنكشاف عىل‬ ‫كره عميق ومشاعر انتقامية مذهلة راكمها هذا التابع‬ ‫يوماً بيوم ولحظة بلحظة‪ ..‬انتقام عىل كل لحظة ال‬ ‫صدق عاشها مقلداً أو مسرتضياً والده البديل‪.‬‬ ‫من املرجح أن يحدث هذا االنفجار يف أوقات الضعف‬ ‫والهزائم التي تواجه املثقف‪ ،‬وما أكرثها يف هذا الواقع‬ ‫املأزق الذي ال ينتج إال هزمية مستمرة‪.‬‬ ‫من جهة أخرى فإن جدلية هذه الواقعة املتكررة‬ ‫تلقى الضوء عىل جانب من أسباب هذه الهزمية‬ ‫املستمرة التي تكابدها النخب الثقافية العربية التي‬ ‫تحاول أن تكون حديثة ودميوقراطية ومتسامحة‪،‬‬ ‫وهذا مقابل النجاح املتصاعد لألطر والجامعات‬ ‫القامئة عىل القمع واالستبداد‪ .‬فهي تفرس سيكولوجياً‬ ‫ظاهرة االنشقاقات واالنقسامات والخيانات الدامئة‬ ‫املدهشة يف ال منطقيتها‪ ،‬تلك القدرة الدامئة عىل‬ ‫الهدم مقابل العجز عن البناء‪ ،‬القدرة عىل التفتت‬ ‫وتشكيل كيانات أصغر‪ ،‬وذلك من دون أي اعتبار ال‬ ‫للمصالح العامة وال حتى الخاصة‪ .‬وتعلمنا التجربة‬ ‫أن كل ظاهرة إنسانية تكرارية ال تجد تفسريها يف‬ ‫املنفعة أو املنطق البديهي العام من األجدر التفتيش‬ ‫عن أسبابها يف األعامق النفسية‪.‬‬ ‫ضمن هذه الدوامة املتواصلة من الخيانة فالتفرق‬ ‫فاالنقسام‪ ،‬من النادر جداً أن نلمح حاالت انفصال‬ ‫سلمية تحفظ قلي ًال من الود أو االحرتام املتبادل‪،‬‬ ‫بل أن الذي يحدث يف الغالب انفصاالت حادة‪،‬‬

‫انتقامية‪ ،‬تفيض غالباً إىل قطيعة أبدية‪ .‬وسوف يبقى‬ ‫املثقف ردحاً طوي ًال من الزمن عقب واقعة الخيانة‬ ‫عرضة لهجامت متنوعة األشكال ومحاوالت اإلسقاط‬ ‫األخالقي بأساليب الفضح والتجني واإلهانات السادية‪،‬‬ ‫وليس غريباً إذا ذاك أن تكون أخالقه بالذات عرضة‬ ‫للتشكيك والبحث املجهري كونها هي التي شكلت‬ ‫ذلك الثقل الضاغط عىل التابع طوال طور التامهي‪.‬‬ ‫وال بد من التنويه هنا أن أخطر هذه الخيانات‬ ‫وأعتاها تأيت من أصحاب منط “الطبع الرشجي” والتي‬ ‫كنا وصفناها يف الجزء السابق‪ .‬فهي إىل جانب قوتها‬ ‫وعنادها ومثابرتها ونظاميتها الجشعة‪ ،‬متتلك خاصية‬ ‫مبنتهى الخطورة‪ ،‬وهي التباسها وشبهها الكبري مع‬ ‫«األخالق» العامة املتوارثة من جهة‪ ،‬ومع األخالق‬ ‫الطبقية والقيم «العرصية» للحداثة الغربية من‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬مام يضفي عليها متاسكاً وقوة ومرجعية‬ ‫أخالقية زائفة تفتقد إليها األمناط الطبعية األخرى‪.‬‬ ‫ونظراً لتثبت هذا الطبع الشديد عىل املال ومتحور‬ ‫حياته حوله فإن الذمم املالية واالتهامات باالنتهازية‬ ‫والرسقة وما إىل ذلك من مهاترات الفساد املنترشة‬ ‫سوف تسم الشطر األكرب من الحرب الرضوس التي‬ ‫سيخوضها التابع ضد املثقف عقب لحظة الخيانة‪.‬‬ ‫هذا إضافة إىل السخرية الوضيعة ومحاوالت التقليل‬ ‫من شأن املثقف وقيمة أفكاره‪ ،‬وال يندر أن توضع‬ ‫حياته الخاصة وحياة أرسته تحت مرشط رقابة كاشفة‬ ‫منتهكة ألبسط خصوصيات الكائن البرشي وذلك‬ ‫بحجة اختبار مبتذل ملدى مطابقة سلوكه ألفكاره‪.‬‬ ‫هذه النزعة االنتقامية التي تجد ضالتها يف شعار‪:‬‬ ‫“مطابقة الفكر واملامرسة”‪ ،‬تجعل سلوك املثقف‬ ‫اليومي معياراً لعقله وصدقه ومكانته الحقيقية‪،‬‬ ‫حيث يتم الرتبص به‪ ،‬ومحاولة اإليقاع به متلبساً‪ ،‬وقد‬ ‫تتطور شبكات استخبارات عفوية وغري معلنة لهذا‬ ‫الغرض‪ ،‬ويتخذ ضمن هذه الرؤية القرسية أي سلوك‬ ‫حيايت غري منسجم مع ُمثل املثقف االصيل قيمة‬ ‫عظيمة‪ ،‬قد ترقى اىل مستوى “الخيانة العظمى”‪.‬‬ ‫النتائج العامة لسريورة هذه التفاعالت نراها بوضوح‬ ‫يف واقعنا املأساوي‪ ،‬عزلة متزايدة يكابدها املثقف‬ ‫األصيل‪ ،‬وشعور دائم لديه بانعدام الثقة والرتدد‬ ‫املتأهب دوماً لخيانة قادمة‪ ،‬مام يعزز لدى اآلخرين‬ ‫“التكب”‪.‬‬ ‫نظريتهم الرائجة حول “االستعالء” و‬ ‫ّ‬ ‫وبينام يتقدم املثقفون الصفوف يف التجارب التغيريية‬ ‫الكربى لدى شعوب أخرى‪ُ ،‬يدفع مثقفونا دفعاً إىل‬ ‫الهامش‪.‬‬


‫ثقافتنا المريضة برفض النقد‬

‫‪7‬‬

‫يوسف المنجد‬

‫ص ّد املؤامرة‪ ،‬نقع فيام يراد لنا الوقوع فيه‪( :‬وهم‬ ‫االستهداف الدائم)‪ ،‬حتى يستم ّر ع َ​َم َنا عن جذور‬ ‫مشكالتنا الحقيقية الثاوية يف نفوسنا‪ ،‬ونستنزف‬ ‫بالتايل طاقاتنا يف الهباء‪ ،‬بدالً من أن نستثمرها‬ ‫فيام يزيدنا قوة ومناعة تجعل املؤامرات تفشل‬ ‫وترت ّد إىل صانعيها‪ .‬وهذا من أكرب املؤامرات‪.‬‬ ‫أما الوهم الثاين (الكامل أو االكتفاء الحضاري)‬ ‫ترسب إلينا من استشعارنا التامهي مع ديننا‪،‬‬ ‫فقد ّ‬ ‫حتى بتنا نعتقد أننا نحن هو وهو نحن‪ ،‬وأن‬ ‫ثقافتنا هي هو‪ ،‬وهو ثقافتنا‪ .‬ومبا أنه دين الله‪،‬‬ ‫ومن صفات الله الكامل‪ ،‬ومبا أن الله قد أكمل‬ ‫هذا الدين وك ّمله (اليوم أكملت لكم دينكم) فقد‬ ‫سحبنا هذا الكامل إىل ذواتنا وثقافتنا متوهمني‬ ‫أن لنا ولها ما لله ودينه من كامل‪.‬‬ ‫وال ّ‬ ‫شك أن من يعتقد بنفسه الكامل‪ ،‬سريفض‬ ‫ويتصدى لكل نقد أو حتى محاولة نقد‪ ،‬عىل‬ ‫اعتبار أن النقد يتضمن اتهاماً بالنقص أو الخطأ‪،‬‬ ‫وهي عيوب يتنزّه عنها الكاملون‪ ،‬فنحن ‪-‬بحسب‬ ‫هذا الوهم‪ -‬الذين يحق لنا نقد اآلخرين‪،‬‬ ‫وإرشادهم إىل عيوبهم‪ ،‬ونحن النموذج الذي‬ ‫يجب عىل اآلخرين أن يتطابقوا معه ليضمنوا‬ ‫ألنفسهم االستقامة والصواب والنجاة‪ .‬فنحن‬ ‫ُم ّلك الحقيقة املطلقة والوحيدة والكاملة التي‬ ‫يترسب إليها أدىن ّ‬ ‫شك‪ ،‬وما عليه غرينا خليط‬ ‫ال ّ‬ ‫من الحق والباطل‪ ،‬أو باطل محض ال خري فيه‬ ‫ّ‬ ‫قط‪ .‬لذلك فنحن يف غنى تام واكتفاء مطلق‪ ،‬وال‬ ‫حاجة لنا فيام لدى اآلخرين من فكر نسرتشد‬ ‫به يف بناء نهضتنا والتخلص من مشكالتنا‪ .‬هذا‬ ‫يف حني أن الحقيقة املطلقة هي ملك لله تعاىل‬ ‫وحده‪ ،‬وأن ما يحياه البرش (ونحن منهم) إن هو‬

‫إال تفسريات وتصورات قد تدنو من الحقيقة‪،‬‬ ‫وقد تبتعد عنها‪ ،‬ولكنها مهام بلغت من العمق‬ ‫فال ميكنها أن تحيط بها أو أن تستحوذ عليها أو‬ ‫تحتكرها؛ فالحقيقة عص َّية عىل االختزال يف فهم‬ ‫برشي ض ّيق‪ ،‬فهي نبع ميتح منه كل البرش ٌّ‬ ‫كل عىل‬ ‫قدر صفائه وشفافيته‪ ،‬وتبقى الحقيقة هي هي‬ ‫دون أن تنقص أو تتأثر (قل لو كان البحر مداداً‬ ‫لكلامت ريب لنفد البحر قبل أن تنفد كلامت ريب‬ ‫ولو جئنا مبثله مددا) ّ‬ ‫و(كل ابن آدم خطاء) كام‬ ‫أخرب الرسول الكريم صىل الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫عقدة الرنجسية الثقافية هذه ترتكز يف صلب‬ ‫أزمتنا الفكرية‪ ،‬ويف أساس مشكلتنا الحضارية‪ ،‬وما‬ ‫مل نتعاف منها ونسرتد برشيتنا الطبيعية أي ننظر‬ ‫ألنفسنا بأننا (برش ممن خلق) بال أي استثناءات‬ ‫أو امتيازات‪ ،‬فال أمل يف نهضة أو تقدم‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬التخلص من ثقافة رفض النقد‪ ،‬أو التعايف‬ ‫من مرض الوسواس القهري منه وضدّه‪ ،‬هو‬ ‫رشط تأسييس ألي انطالقة حضارية‪ ،‬ليس ذلك‬ ‫فحسب‪ ،‬بل ال ب ّد من نشوء حركة تربوية ثقافية‬ ‫نشطة تستهدف بناء عقل نقدي ذايت‪ ،‬مبعنى أنه‬ ‫ال يكفي أن نتحول من رفض النقد إىل تقبله‪،‬‬ ‫فهذا األمر عىل الرغم من أهميته القصوى‪،‬‬ ‫يبقى سلوكاً سلبياً ألنه يرتهن إىل نشاط خارجي‬ ‫أو غريي‪ ،‬أما العقل النقدي الذايت‪ ،‬فهو نشاط‬ ‫إيجايب يشمل النقد الغريي‪ ،‬والذايت معاً‪ ،‬أي أنه‬ ‫ال يكتفي باالستفادة من النقد الرباين‪ ،‬بل ينهض‬ ‫هو بعملية نقد جوانية‪ ،‬تستهدف الحفر حول‬ ‫جذور املشكالت‪ ،‬والتنقيب عن مصادر املعوقات‬ ‫التي تعوق نهضتنا وتحول دون مشاركتنا يف بناء‬ ‫الحضارة اإلنسانية‪.‬‬

‫العدد ‪2015 / 10 / 31 - 58 -‬‬

‫لوحة للفنان عامر الزعبي ‪ -‬املصدر‪ :‬إنرتنت‬

‫مقاالت‬

‫مثة أوهام مرتسبة يف قعر ثقافتنا العربية‬ ‫واإلسالمية تجعلنا نتخذ موقفاً مسبقاً سلبياً‬ ‫من النقد بشكل عام برصف النظر عن مصدره‬ ‫ومحتواه‪ .‬مضمون هذا املوقف هو الشك والريبة‬ ‫واالتهام‪ ،‬دون أن نكلف أنفسنا عناء اختبار ما‬ ‫إن كان النقد جاداً رصيناً متامسكاً‪ ،‬أو مغرضاً‬ ‫متهافتاً‪ .‬فكل نقد هو تشويه‪ ،‬وكل نقد هو هدام‪،‬‬ ‫وكل نقد ال شك أن األعداء يقفون وراءه‪ ،‬وحتى‬ ‫إن كان مصدره داخلياً وموثوقاً فهو مرفوض أيضاً‪،‬‬ ‫ألنه ُيظهر نقاط الضعف لألعداء‪ ،‬أو يزعزع ثقة‬ ‫األصدقاء واألتباع! وهو عيب ثقايف تدفع أمتنا‬ ‫مثنه منذ قرون‪ ،‬وال تزال‪.‬‬ ‫من هذه األوهام وهم االستهداف الخارجي أو‬ ‫املؤامرة‪ ،‬ووهم الكامل واالكتفاء الحضاري‪.‬‬ ‫فالوهم األول (االستهداف الخارجي أو املؤامرة)‬ ‫يزرع يف نفوسنا التوجس والنفور تجاه كل رأي‬ ‫ميس ثقافتنا من قريب أو بعيد‪ ،‬بقليل‬ ‫يحاول أن ّ‬ ‫أو كثري‪ ،‬سواء كانت جهة وروده داخلية أم‬ ‫خارجية‪ ،‬ويجعلنا نتخذ وضعية دفاعية‪ ،‬أي أننا‬ ‫ندير ظهرنا لثقافتنا ونتوجه بأبصارنا وعواطفنا‬ ‫وال أقول بعقولنا‪ -‬نحو ما نظنه مصدر تهديد‪،‬‬‫فال نعود نرى عيوبنا ومشكالتنا‪ ،‬ألنها تصبح‬ ‫خارج نطاق رؤيتنا‪ ،‬وألن اهتاممنا يرتكز عىل‬ ‫كيفية ر ّد ما نتوهّ م أنه عدوان يستهدفها‪ .‬فهذا‬ ‫الوهم يجعل طاقاتنا الفكرية موجهة نحو الخارج‬ ‫ومشتتة يف كل اتجاه‪ ،‬ويعمينا يف الوقت نفسه‬ ‫عن عيوبنا الداخلية التي ال ّ‬ ‫تكف تتفاقم وترتاكم‬ ‫دون أن نشعر بذلك‪ ،‬أو نشعر ولكننا نستخف‬ ‫ونتهاون‪ .‬واعتدنا يف ّ‬ ‫ظل هذا الوهم أن نعزو كل‬ ‫مشكلة وكل فشل وكل تر ٍّد وكل تخ ّلف إىل ذلك‬ ‫االستهداف الخارجي‪ ،‬دون أن يخطر يف بالنا أن‬ ‫نعود إىل أنفسنا ونفتّش خاللها عن مكامن الخلل‬ ‫الذي ال يربحنا‪ ،‬مع أن الله تعاىل يخاطبنا يف كل‬ ‫حني‪( :‬قل هو من عند أنفسكم)‪( ،‬وما أصابك من‬ ‫مصيبة فمن نفسك)‪.‬‬ ‫وبالطبع ال نريد هنا أن ننفي وجود استهداف أو‬ ‫مؤامرة‪ ،‬فذلك محض سذاجة ال يقع فيها إال من‬ ‫أعامه بريق حضارة اآلخر‪ ،‬وشغله هيامه بها عن‬ ‫الشعور بذلك‪ ،‬فاملؤامرة موجودة وهي من طبائع‬ ‫األشياء‪ ،‬فاألعداء إن مل يتآمروا لن يبقوا أعداء بل‬ ‫سيتحولون إىل أصدقاء‪ .‬ولكن جل ما نريد قوله‬ ‫هو أن مرضنا باملؤامرة هو بحد ذاته وقوع يف‬ ‫فخ املؤامرة‪ ،‬أي أننا باستغراقنا أنفسنا وطاقاتنا يف‬


‫عبود؟ أم كفرنبل؟‬ ‫هل‬ ‫نصدق غسان ّ‬ ‫ّ‬

‫‪8‬‬

‫رامي العاشق‬

‫العدد ‪2015 / 10 / 31 - 58 -‬‬

‫ن َ‬ ‫رش رئيس املكتب اإلعالمي ملنظمة اتحاد املكاتب‬ ‫اإلعالمية رائد فارس‪ ،‬صور جدار ّية فسيفسائية‬ ‫بانورام ّي ٍة للثورة السورية تم صنعها يف مدينة‬ ‫كفرنبل الشهرية بالفتاتها‪ ،‬وكانت بطول “‪24.5‬‬ ‫مرتًا” يف محاولة للدخول يف موسوعة غينيس بأكرث‬ ‫من مليون قطعة موزاييك حجرية‪ ،‬تم إنتاجها يف‬ ‫“مشغل الفسيفساء” الذي مي ّوله رجل األعامل‬ ‫غسان عبود‪ ،‬وأشار املسؤول عن املرشوع عبد الله‬ ‫ّ‬ ‫محمد البيوش إىل ّأن‪“ :‬الجدارية تقدّمت ملوسوعة‬ ‫غينيس عىل أ ّنها فيلم وثائقي أو موضوع ّ‬ ‫يلخص‬ ‫خمس سنوات م ّرت عىل الثورة السورية”‪.‬‬ ‫أخطاء تاريخية‬ ‫ضمت اللوحة صو ًرا لرموز ثور ّية منها‪ :‬حمزة‬ ‫الخطيب‪ ،‬أحمد الصياصنة‪ ،‬غياث مطر‪ ،‬باسل‬ ‫شحادة‪ ،‬األب باولو‪ ،‬هادي العبد الله‪ ،‬عبد الباسط‬ ‫الساروت‪ ،‬فدوى سليامن‪ ،‬باإلضافة إىل صورتني‬ ‫لفيصل القاسم وغسان عبود‪ ،‬وارتكب صانعو‬ ‫اللوحة خطأً توثيق ًّيا باعتامد مقتل الطفل حمزة‬ ‫الخطيب بداي ًة للثورة فقد ُقتل الح ًقا بتاريخ‬ ‫ّ‬ ‫وبغض النظر عن‬ ‫‪ 2011\4\29‬تحت التعذيب‪،‬‬ ‫غياب شخصيات ثور ّية عن اللوحة قدمت أكرث من‬ ‫القاسم وعبود‪ ،‬كمعن العودات‪ ،‬عبد العزيز الخري‪،‬‬ ‫رزان زيتونة‪ ،‬أبو الفرات‪ ،‬وغريهم‪ّ ،‬إل أن هناك‬ ‫خطيئة تاريخية ال يسكت عنها‪ :‬وهي استعامل‬ ‫صورة املقدّم حسني الهرموش عىل شعار الجيش‬ ‫الحر‪ ،‬الهرموش الذي أسس حركة “لواء الضباط‬ ‫األحرار” يف حزيران ‪ 2011‬التي اندثرت فجأة‬ ‫بعد االنقالب عليها إلنشاء “الجيش الحر” بقيادة‬ ‫وضم الحركة إليه يف أيلول‬ ‫العقيد رياض األسعد ّ‬ ‫بعد اختطاف الهرموش يف تركيا‪ ،‬وتسليمه للنظام‬ ‫السوري يف أواخر آب من العام نفسه‪ ،‬حيث ّمتت‬ ‫خاصة بعد ظهور‬ ‫تصفيته هناك عىل األغلب‪ّ ،‬‬ ‫املرسبة لشهداء‬ ‫صورة تم نسبها إليه بني الصور ّ‬ ‫التعذيب‪.‬‬

‫تقارير‬

‫تسويقية‬ ‫أهداف‬ ‫ّ‬ ‫ال يستطيع أحد إغفال الهدف التسويقي من هذه‬ ‫اللوحة قبل أي هدف آخر قد يحمل شعارات‬ ‫وطنية وثورية كربى‪ ،‬هذا الهدف يصب يف مصلحة‬ ‫الذي م ّول املشغل ليصنع الجدارية التي تحمل‬ ‫صورته وثالث لوغوهات ملؤسساته‪ :‬أورينت‬ ‫نيوز‪ ،‬أورينت لألعامل اإلنسان ّية‪ ،‬وبالتأكيد‪ ،‬ومبا‬

‫ال يقبل الشك يسعى السيد عبود للحصول عىل‬ ‫إنجاز إعالمي يف موسوعة غينيس يرفع من رصيده‬ ‫وباملحصلة؛ فقد خرج‬ ‫عند رشكائه وداعميه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عبود بنصيب “األسد” من كعكة الجدارية بثالث‬ ‫لوغوهات وبورتريه‪ ،‬وهذا ما مل يحصل عليه أحد‬ ‫من أبطال الثورة الذين “ ُك ِّرموا” يف هذا العمل!‬ ‫املبدأ ذاته واملالمح اختلفت‬ ‫ميكن أليّ سوريّ أن يبحث عن الفروق الخمسة‬ ‫بني بورتريه األسد وبورتريه عبود‪ ،‬مل يختلف يشء‪،‬‬ ‫رأسا مكان رأس‪ ،‬وهذا يعود إىل تجارية‬ ‫فقط وضعوا ً‬ ‫الحرفة التي اعتمدها أصحابها يف سوريا منذ زمن‪،‬‬ ‫حيث قال محمد السلوم من كفرنبل‪“ :‬جميع‬ ‫ورش الفسيفساء تجارية تعمل ألغراض الكسب‬ ‫املادي فقط‪ ،‬وقد أنتجت لوحات عديدة منها أكرب‬ ‫لوحة مسجلة يف العامل‪ ،‬يف اإلمارات للشيخ زايد‪،‬‬ ‫ولوحات كثرية جدًا ألبنية فروع الحزب والنقابات‬ ‫واألبنية الرسمية‪ ،‬ومؤخ ًرا صنعت لوحات مشابهة‬ ‫ألردوغان وامللك سلامن!” وهذا ما ينفي أيّ صبغة‬ ‫تكرمي ّية عن اللوحة‪ ،‬ويجعلها لوحة تجارية تم‬ ‫متويلها من غسان عبود لغايات شخصية وإعالم ّية‬ ‫تك ّرسه ومؤسساته ورمزًا!‬ ‫عبود وليست إنتاج كفرنبل‬ ‫إنتاج ّ‬ ‫ّ‬ ‫وضح السلوم‪“ :‬حاول البعض تسويق أن من صنع‬ ‫هذه اللوحة هي كفرنبل بصفتها الثورية‪ ،‬وهذا‬ ‫غري صحيح‪ ،‬فمن قام بصناعة هذه اللوحة هو‬ ‫مشغل فسيفساء تابع ملؤسسة أورينت‪ ،‬أي أنه‬ ‫يتلقى أجوره من السيد غسان عبود شخص ًيا رغم‬ ‫نفيه علمه بهذا األمر” وأضاف‪“ :‬أود التأكيد عىل‬ ‫أن هذه اللوحة مل تصدر عن مؤسسة ثورية يف‬ ‫كفرنبل‪ ،‬وال تعرب عن موقف املدينة الثوري‪ ،‬هي‬ ‫“حكاية ثورة من وجهة نظر مؤسسة أورينت”‬ ‫فقط ال أكرث وال أقل‪ ،‬ونرفض نحن أبناء كفرنبل‬ ‫استغالل اسم املدينة واملتاجرة به لتوزيع شهادات‬ ‫رشف عىل أيّ كان”‪ .‬وهذا ما وافقته عليه إميان‬ ‫األحمد التي تساهم يف رسم لوحات كفرنبل‬ ‫الشهرية‪“ :‬اللوحة من إنتاج مؤسسة أورينت وال‬ ‫تعب عن كفرنبل‪ ،‬وهذا ال يعني إنكار ما قدمه‬ ‫ّ‬ ‫غسان عبود من خالل مؤسسة أورينت‪ّ ،‬إل أننا‬ ‫إذا أردنا تكريم رموز الثورة؛ فال يجوز وضع صورة‬ ‫عبود يف نفس مرتبة الشهداء أو الهرموش أو األب‬ ‫باولو”‪.‬‬

‫عبود‪ :‬فاجأين العمل الرائع!‬ ‫غسان ّ‬ ‫أنكر ع ّبود أن اللوحة من إنتاجه وشكر أهايل‬ ‫كفرنبل عىل تكرميه الذي “تفاجأ به” وكتب عىل‬ ‫صفحته‪“ :‬أشكر أهايل كفرنبل األحرار عىل الرشف‬ ‫العظيم الذي منحوين إياه‪ .‬حقيقة فاجأين هذا‬ ‫العمل الرائع وأوقع بالغ األثر يف نفيس!” وحاول‬ ‫بشتّى الوسائل نفي عالقته باملوضوع والظهور‬ ‫مبظهر البطل املتواضع‪ ،‬وتلبيس أهايل كفرنبل‬ ‫ما حصل‪ ،‬واعتبار اللوحة تكر ًميا له‪ ،‬واالنتقادات‬ ‫حسدًا وحقدًا‪ ،‬وأ ّكد أنه ال ميلك أي مشغل يف سوريا‬ ‫بل يدعمهم فقط‪ ،‬األمر الذي يتناقض مع موقف‬ ‫“املرشف الفني والتنفيذي للفسيفساء يف مؤسسة‬ ‫أورينت لألعامل اإلنسانية” أحمد الحميد البيوش‬ ‫الذي اعترب املعرتضني أبوا ًقا ومرتزقة وسبب ّ‬ ‫تأخر‬ ‫النرص‪ ،‬وع ّلق عىل كالم ع ّبود “رصامينا أرشف من‬ ‫كالم‬ ‫لحيتهم‪ ،‬ونحن ال نجازيك مهام قدمنا لك” يف ٍ‬ ‫موغلٍ يف السوء ويفوق يف سوئه “الوطن العريب‬ ‫قليل عليك يا سيادة الرئيس”!‬ ‫لغسان عبود‪ ،‬وتكذيب‬ ‫وبني تكذيب أهايل كفرنبل ّ‬ ‫ع ّبود ألهايل كفرنبل‪ ،‬أصبحت سوريا وثورتها‬ ‫ّ‬ ‫ومحطمة‬ ‫كقطع الفسيفساء هذه لكنها متناثرة‬ ‫بسبب سياسة ع ّبود املعادية ملكونات الشعب‬ ‫السوري التي ك ّرستها وسائل إعالمه وترصيحاته‪،‬‬ ‫تار ًة بتجميل صورة داعش‪ ،‬وتار ًة باعتبار شهداء‬ ‫سلم ّية شبيحة‪ ،‬وتار ًة باعتبار الكورد ماسحي‬ ‫أحذية‪ ،‬والكثري الكثري الذي يتع ّذر إحصاؤه هنا‪،‬‬ ‫هكذا ُيفرض عىل الثورة بق ّوة املال تكريم أعدائها‪.‬‬ ‫أراء وتعليقات‬ ‫طلبنا التعليق عىل القض ّية من كثريين‪ ،‬اعتذر‬ ‫بعضهم “خو ًفا من سطوة ع ّبود” وبعضهم لعدم‬ ‫رغبته يف فتح جبهات إعالم ّية ترض مبرشوعه‪ ،‬وقال‬ ‫أحدهم‪“ :‬عندما أكتب اسمه أشعر أن الكومبيوتر‬ ‫بدأ يرتجف!” وباملقابل فإن بعضهم ب ّرر خطوة‬ ‫ع ّبود واعتربها من حقه‪ ،‬وعلينا النظر بطريقة‬ ‫براغامتية‪ ،‬أ ّما من تجاوب معنا‪ ،‬فهنا نعرض‬ ‫تعليقه‪:‬‬ ‫رائد الفارس‪“ :‬إذا أردت القيام بعمل وقررت وضع‬ ‫لوغو مؤسستك عليه أو صورتك فهذا أمر يتعلق‬ ‫بك‪ ،‬ومن وجهة نظري ليس جيدًا‪ ،‬وهو أمر أقرب‬ ‫إىل السلبي‪ ،‬كل من يتبنى الثورة ويدعي العمل‬


‫‪9‬‬

‫ألجلها يتبع ذات األمر بأساليب مختلفة فالجميع‬ ‫يسعى للرتويج للعمل الذي يقوم به ليستمر فيه‬ ‫أو ليطوره‪ ،‬وبدا األمر طبيع ًيا نوعًا ما‪ .‬ليست‬ ‫الثورة كذلك‪ ،‬ولكن الظروف التي وصل إليها‬ ‫الشعب السوري وقسوة العيش التي يرزح تحته‬ ‫أودت به إىل هنا”‪.‬‬

‫العدد ‪- 58 -‬‬

‫صاحبه من العقاب أبدًا”‪.‬‬ ‫الباحث كريم عنكري‪“ :‬صدمت عندما رأيت‬ ‫صوريت فيصل القاسم وغسان عبود يف لوحة‬ ‫موزاييك كفرنبل الخاصة بتوثيق رموز وأعالم‬ ‫الثورة السورية‪ ،‬أصابني نوع من الذهول والتذمر‬ ‫واالمتعاض من وجود هاتني الصورتني يف تلك‬ ‫اللوحة الرائعة‪ ،‬التي ال يعكر جامليتها سوى‬ ‫هاتني الشخصيتني‪ ،‬فهام أبعد ما تكونان عن واقع‬ ‫الثورة”‪.‬‬ ‫الصحايف والناشط الحقوقي شيار خليل‪“ :‬تقديس‬ ‫األشخاص األحياء بهذه الطريقة هو تراجع عن‬ ‫معايري الثورة‪ ،‬ويشبه حكم البعث الذي قدس‬ ‫األشخاص لخمسني عا ًما والنتيجة كانت دمار‬ ‫سوريا‪ ،‬نحن ال نريد أصنا ًما جديدة نريد أن نتحرر‬ ‫من كل هذه الشخصيات واألفكار العفنة التي‬ ‫ُزرعت يف أدمغتنا من خالل البعث العفن‪ .‬غسان‬ ‫عبود هو أحد األشخاص الذين يحولون مالهم‬ ‫السيايس إىل أل ّي ٍة تحكم الشعب‪ ،‬ويحاول من‬ ‫خالل املشاريع االجتامعية واإلغاثية التي يعمل‬ ‫عليها يف املناطق املحررة تلميع صورته‪ ،‬حيث‬ ‫حاول يف أطمة طباعة اسمه عىل ألبسة الطالب‪،‬‬ ‫وبرأيي هذا العمل يف قمة االنحطاط ويجب علينا‬ ‫محاربته كام نحارب النظام واملستغلني جمي ًعا”‪.‬‬ ‫الصحايف ناجي الجرف ‪”:‬القصة ليست أكرث من‬ ‫إرضاء غرور لرجل أموال سوري حرمه األسد‬ ‫من إشباع غروره لعقود واليوم سنحت الفرصة‬

‫له‪ ،‬املفارقة ّأن املشغل الذي صنع هذه “التحفة‬ ‫الوطنية” هو ذاته الذي صنع لوحات لقائد مسرية‬ ‫التطبيل والتزمري بشار األسد‪ ،‬والدنيا دوالب وأي‬ ‫واحد معو عملة فيه يقعد ويدور عليه”‪.‬‬

‫‪2015 / 10 / 31‬‬

‫الباحث مصعب الحامدي‪“ :‬عندما يدفع هذا‬ ‫الشخص لبعض الشباب البسطاء يف الداخل يك‬ ‫يضعوا صورته عىل لوحة فسيفساء جانب صورة‬ ‫الشهيد عبد القادر الصالح واملفقودين من رموز‬ ‫الثورة كاألب باولو وعبيدة بطل؛ فهذا عبث خطري‬ ‫واستخفاف بالثورة من أصلها ال يجب أن ينجو‬

‫مصدر الصورة‪ :‬إنرتنت‬

‫الصحايف بسام يوسف‪“ :‬الثورة التي داست عىل‬ ‫أصنام مدججة بالسالح‪ ،‬ومحمية بجيوش من‬ ‫العبيد‪ ،‬وعمرها عقود؛ ستدوس رسيعا عىل‬ ‫لوحات يصنعها مهووسون بالعظمة‪ ،‬وال يفهمون‬ ‫معنى أن يثور شعب‪ ،‬إنها ثورة وليست مزادًا!”‪.‬‬ ‫الناشط السيايس أكرم الصفدي‪“ :‬غسان عبود الذي‬ ‫قال يل ولعدد من السوريني يف اجتامع غري رسمي‬ ‫ملناقشة مآالت الثورة السورية يف عام ‪“ :2011‬أنا‬ ‫جاي اليوم أحيك باسم السنة وال تزعلوا مني!”‬ ‫هذا (البطل) اليوم يحاول مصادرة دماء أبناء هذه‬ ‫الثورة ورشاء ذمم أبناء كفرنبل!”‪.‬‬ ‫الكاتب فادي عزام‪“ :‬عىل جدارية كفرنبل تم‬ ‫التصويت عىل الجدارة‪ ،‬جدارة من يستحق أن‬ ‫يكون من رموز هذه الثورة العظيمة‪ ،‬ميكن لك‬ ‫أن تهب كل ثروتك وال تشرتي بها سوى حقيقتك‪،‬‬ ‫اتعظ يا هذا فريحمك الله حني تعرف قدرك‪،‬‬ ‫فليس هناك من حاقدين وال حاسدين‪ ،‬فقط هو‬ ‫تصويت عىل مرشوعيتك من خارج إطار أتباعك‬ ‫ومتملقي ثروتك‪ً ،‬‬ ‫وأيضا رسالة إىل كفرنبل نفسها‪،‬‬ ‫سوريا الحرة تحبكم‪ ،‬فانتبهوا لنبلكم وليس كل ما‬ ‫يصدر عنكم ميكن أن يكون هو البوصلة”‪.‬‬

‫تقارير‬

‫الفنان منري الشعراين‪“ :‬هي مهزلة من مهازل‬ ‫“معارضة” رجال األعامل املتحالفني مع املال‬ ‫النفطي‪ ،‬والدول ذات املطامع يف الوطن سياسية‬ ‫كانت أم اقتصادية أم استعامرية‪ ،‬هؤالء الذين‬ ‫كبتوا الثورة وأعلنوها ثورة مضادة تريد أن‬ ‫تستبدل استبدادًا باستبداد‪ ،‬وتنكروا للشعارات‬ ‫الوطنية املدنية الرافضة للتدخل الخارجي املنادية‬ ‫بوحدة الشعب السوري املطالبة باملساواة‬ ‫والحرية والكرامة له‪ .‬هي اعتداء عىل صورة‬ ‫أهل كفرنبل وصوتهم العاقل‪ ،‬وفصل من فصول‬ ‫الكوميديا السوداء التي نعيشها والتي أسهم‬ ‫فيها كل قذر وكل تاجر رخيص من تجار اإلعالم‬ ‫بأنواعهم وتجار السالح مصدرين ومستوردين‬ ‫ومن املتاجرين بآمال السوريني وآالمهم ودمائهم‬ ‫مهام كانت الرايات التي يرفعونها قومجية كانت‬ ‫أم وطنية أم دينية أم مذهبية‪ ،‬تتجه رش ًقا أم غر ًبا‬ ‫أم نحو القبلة أو قبالت العرص‪ .‬الشعار الوحيد‬ ‫عىل اللوحة غيبي تسللوا به إىل عواطف الناس‬ ‫ومهد الطريق لوكالئه عىل ألوانهم‪“ :‬مالنا غريك‬ ‫يا الله”‪ ،‬إىل جانب الشعار الغيبي هذا‪ ،‬نجد آلهة‬ ‫اإلعالم الجزيرة والعربية ووليدهام غري الرشعي‬ ‫“أورينت”‪ ،‬باإلضافة إىل رموز اإلعالم الطائفي‬ ‫املصلحي املغرض التابع لكل يشء إال الثورة‬ ‫التي يدعي النطق باسمها‪ ،‬فيصل القاسم ضيف‬ ‫غسان عبود زعيم الفساد‬ ‫الرشف عىل لوحة م ّولها ّ‬ ‫واإلفساد الثورجي‪ ،‬ووضع يف قلبها صورته وذيلها‬ ‫بخاتم مؤسسته السوداء‪ .‬عار أن نرى صور بعض‬ ‫من رموز ثورتنا إىل جانب كل هذه النفايات‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬عار أن نرى هذه اللوحة تسد األفق‬ ‫يف كفرنبل”‪.‬‬


‫هل أوقع المجلس الوطني الكردي نفسه في الفخ؟‬

‫‪10‬‬ ‫داريوس الدرويش*‬

‫العدد ‪2015 / 10 / 31 - 58 -‬‬

‫القسم الكوردي‬

‫مع بداية العام الدرايس الحايل‪ ،‬أصدرت سلطات‬ ‫اإلدارة الذات ّية يف سوريا مناهج باللغة الكرد ّية يف‬ ‫املدارس الخاضعة لسيطرتها؛ حيث جرى استبدال‬ ‫لكافة الكتب العرب ّية املق ّررة للصفوف الثالثة‬ ‫األوىل من مرحلة التعليم االبتدايئ بكتب مشابهة‬ ‫باللغة الكرد ّية‪ ،‬مع مراعاة إزالة ّ‬ ‫كل ما يتع ّلق‬ ‫باألدلجة البعث ّية يف تلك املناهج السابقة‪ .‬وقد‬ ‫طال التغ ّيري معظم املدارس الحكوم ّية بعد بعض‬ ‫املصادمات مع وزارة الرتب ّية التابعة لنظام دمشق‪،‬‬ ‫الخاصة‬ ‫يف حني بقيت املدارس الرسيان ّية واألرمن ّية‬ ‫ّ‬ ‫واملدارس الحكوم ّية يف األحياء ذات الغالب ّية‬ ‫العرب ّية مستثنا ًة من هذا القرار‪.‬‬ ‫وحال اإلعالن عن هذه املناهج الجديدة‪ ،‬تصدّرت‬ ‫أحزاب املجلس الوطني الكردي معارضة هذا‬ ‫تم تسويقه عىل أ ّنه‬ ‫القرار بحجج متفاوتة؛ فام ّ‬ ‫ٌ‬ ‫رفض لتحويل املناهج من األيديولوج ّية البعث ّية إىل‬ ‫يتم إثباته‪ ،‬بل ترافق‬ ‫األيديولوج ّية األوجالن ّية‪ ،‬مل ّ‬ ‫مع مطالب بإعادة املناهج القدمية املؤدلجة‬ ‫أساساً‪ ،‬كام ّأن إثارة املخاوف حول مسألة االعرتاف‬ ‫بهذه املناهج من قبل وزارة الرتب ّية مل تستند عىل‬ ‫أساس قانوين أو عميل؛ فمن جهة‪ ،‬ال تشرتط وزارة‬ ‫الرتبية عىل املتقدّمني المتحان الشهادة اإلعداد ّية‬ ‫أن مي ّروا باملراحل املدرس ّية السابقة لها‪ ،‬وال تشرتط‬ ‫عىل املتقدّمني المتحان الشهادة الثانو ّية سوى‬ ‫الحصول عىل الشهادة اإلعداد ّية (مع مراعاة العمر‬ ‫يف الحالتني)‪ ،‬ما يعني ّأن أيّ منهاج يدرسه الطالب‬ ‫يعترب “معرتفاً” به قانوناً طاملا يساعدك عىل النجاح‬ ‫يفس وجود العديد‬ ‫يف تلك االمتحانات‪ ،‬وهذا ما ّ‬ ‫الخاصة يف دمشق وحلب (املدرسة‬ ‫من املدارس‬ ‫ّ‬ ‫الباكستانية‪ ،‬األمريك ّية‪ ...‬الخ) والتي ال تلتزم بشكل‬ ‫كامل باملناهج الحكوم ّية‪ .‬أما من الناحية العمل ّية‪،‬‬ ‫فهل ميكن للكرد تو ّقع أ ّنه حال تخ ّرج الطالب‬ ‫الذين يدرسون باللغة الكرد ّية بعد ‪ 12‬عاماً من‬ ‫اآلن (وبعد ‪ 17‬عاماً من انطالق الثورة السور ّية)‬ ‫لن تكون الدولة السور ّية‪ ،‬أ ّياً كان نظام حكمها‪،‬‬ ‫معرتفة باللغة الكرد ّية‪ ،‬وبالتايل بشهاداتهم؟ إن مل‬ ‫يكن هذا مضموناً‪ ،‬فمن األفضل القلق عىل مصري‬

‫الصورة توضيحية‪ :‬املصدر إنرتنت‬

‫الشعب الكردي بالكامل عوض القلق عىل مصري‬ ‫الطالب فقط‪.‬‬ ‫والحال ّأن نقض تلك الحجج الشكل ّية ال يجب أن‬ ‫يقف حاجزاً أمام معرفة الدوافع الحقيق ّية لهذه‬ ‫املعارضة‪ ،‬فا ّتجاه عدد غري قليل من ذوي الطالب‬ ‫الكرد إىل تسجيل أبنائهم يف املدارس ذات املنهاج‬ ‫العريب ال يوحي باقتناع تام لدى الكرد بجدوى‬ ‫وربا يكون من املفيد أكرث إعادة‬ ‫املناهج الكرد ّية‪ّ ،‬‬ ‫هذه الدوافع إىل عوامل اقتصاد ّية عوض الحكم‬ ‫عليهم بأ ّنهم “ليسوا كرداً”‪ ،‬فسوق العمل يف سوريا‬ ‫كانت مر ّكزة يف املدن الكبرية ذات الغالب ّية العرب ّية‪،‬‬ ‫ما يعني أن لغة العمل هي اللغة العرب ّية وذلك‬ ‫ّ‬ ‫بغض النظر عن مدى انفتاح الحكومة السور ّية‬ ‫تجاه اللغة الكرد ّية يف املستقبل‪ .‬ولطاملا كان عدم‬ ‫إتقان الكرد للعرب ّية محادث ًة عائقاً هائ ًال أمامهم‬ ‫للحصول عىل عمل مناسب‪ ،‬هذا رغم ّأن النظام‬ ‫التدرييس كان بكامله عرب ّياً‪ ،‬فكيف به إن تح ّول‬ ‫إىل الكرد ّية؟‬ ‫ّ‬ ‫وبغض النظر عن ّأن أ ّياً من اإلدارة الذات ّية‬ ‫واملجلس الوطني الكردي مل يقم بدراسة جد ّية‬ ‫ملدى واقع ّية هذه املقاربة للمستقبل يف ّ‬ ‫ظل‬ ‫التغيات السياس ّية الكربى التي تحصل اآلن‪ ،‬عدا‬ ‫ّ‬ ‫عن دراسة سبل لتاليف الرضر الذي قد يرتكه هذا‬

‫الواقع عىل ّ‬ ‫كل لغات األقل ّيات يف سوريا (الكردية‬ ‫– الرسيان ّية – األرمن ّية – الرشكس ّية‪ ...‬الخ)‪ّ ،‬‬ ‫فإن‬ ‫املجلس الوطني الكردي تل ّقف هذه املخاوف‬ ‫ووجدها ثغر ًة مناسب ًة ليعود عربها إىل الشارع‬ ‫الكردي بعد انكفاء طويل‪.‬‬ ‫ونتيجة لعدم قدرته عىل التعبري الدقيق عن‬ ‫هذه املخاوف (عرب تسويق الحجج السابقة)‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فإن العديد من الناشطني املستق ّلني‪ ،‬إىل جانب‬ ‫ّ‬ ‫سياس ّيي اإلدارة الذات ّية‪ ،‬اعترب أن هذه العودة‬ ‫جاءت كمواجهة للحقوق الثقاف ّية الكرد ّية من‬ ‫قبل األحزاب الكرد ّية نفسها‪ ،‬وهو املوقف الذي‬ ‫مل يتو ّقعوه حتّى من القوى العرب ّية يف املعارضة‬ ‫السور ّية‪.‬‬ ‫وربا يكون من املعقول هنا تفسري املوقف‬ ‫ّ‬ ‫“املتساهل” لآلسايش (جهاز الرشطة يف اإلدارة‬ ‫الذات ّية) مع املظاهرات التي أطلقها املجلس‬ ‫الوطني الكردي ض ّد هذه املناهج‪ ،‬وهي التي مل‬ ‫تتساهل عىل هذا النحو مع مواقف معارضة تجاه‬ ‫سياسات أخرى يف السابق‪ّ ،‬‬ ‫بأن هذا املوقف كان‬ ‫يف سبيل إزالة العقبات أمام املجلس إلظهار نفسه‬ ‫مبظهر املعارض للحقوق األساس ّية للشعب الكردي‪،‬‬ ‫وبالتايل فقدان املزيد من شعب ّيته القليلة أص ًال‪.‬‬ ‫*كاتب كردي سوري‬


‫ـترجاعية َعــن‬ ‫فصــول اسـ‬ ‫َّ‬ ‫ان ُم َع ْسـ َـك ًر ا‬ ‫المـ َـك ِ‬

‫خواطــر حول‬ ‫ا لو طن‬

‫جوان تتر‬

‫كنت أستمع إىل املوسيقى التي تنساب يف أنحاء‬ ‫املقهى الصيفي وتنتقل موجاتها من طاولة إىل‬ ‫أخرى‪ ،‬يف ليلة سامؤها صافية ونسامتها عليلة‬ ‫تداعب الزهور والورود املتناثرة ما بني املرتادين‬ ‫املتسامرين‪...‬‬ ‫وأفكر‪ ...‬هذه املوسيقى يف هذا الجو الهادئ‬ ‫الجميل هي ما سيبقى يف أذهان املوجودين‬ ‫عن «وطن» جمعهم يف لحظة ما‪...‬‬ ‫عىل كل طاولة‪ ،‬كان هناك نقاش وحديث‬ ‫مختلف‪ ،‬لكنهم يف ال وعيهم كانوا جميعا‬ ‫يستمتعون باملوسيقى والنسامت العليلة‬ ‫ويتوحدون فيها بشكل من األشكال‪ ...‬املوسيقى‬ ‫كانت األوارص التي ربطت وجمعت ما بني‬ ‫فسيفساء «أوطانهم» وأطرتها يف «وطن» كبري‬ ‫احتواهم جميعاً‪.‬‬ ‫ما يسميه كل واحد منا «وطن» هو ما عاشه‬ ‫واختزنه يف ذاكرته‪ ..‬هو مختلف عن «وطن»‬ ‫اآلخرين‪ ...‬وكان ميكن له أن يتداخل مع كل‬ ‫«اﻷوطان» ليشكل من كل هذه الفسيفساء‬ ‫صورة كبرية لو أتيح للناس حياة طبيعية هادئة‬ ‫يغمرها السالم واأللفة‪ ..‬األمر الذي حرمنا منه‬ ‫لنصف قرن عىل االقل‪ ...‬ما تبقى لنا هو فقط‬ ‫تلك التجارب املريرة واملحن والشدائد والقمع‬ ‫الجامعي الذي شكل اإلطار الجمعي الوحيد‬ ‫لكل األوطان الصغرية‪.‬‬ ‫يف حالتنا‪ ،‬يف سوريا «األسد»‪ ...‬املوسيقى‬ ‫كانت‪ ...‬ضجيحاً ورصاخاً وصيحات أمل وغضب‬ ‫ومرارة‪ ...‬أصوات قمع وقهر ونداءات استغاثة‪...‬‬ ‫حالة طوارئ وعسكر وبساطري وانفجارات‬ ‫وتبعرث حريات‪ ...‬هل ميكن لـ «وطن» عىل هذه‬ ‫الشاكلة أن «يجمعنا» أم أنه تحول إىل خطر‬ ‫كبري مميت لكل «أوطاننا» الفردية؟‬ ‫صار الوطن املتخيل وه ًام‪...‬‬ ‫وصارت عالقتنا بـ «الوطن» املتاح‪ ...‬اعتيادا‪ً...‬‬ ‫وتقلص «وطننا» إىل أوطان فردية متناثرة‪...‬‬ ‫خائفة من بعضها‪...‬‬

‫العدد ‪2015 / 10 / 31 - 58 -‬‬

‫مصدر الصورة‪ :‬إنرتنت‬

‫همام يوسف‬

‫ثقافة‬

‫ُ‬ ‫محتجزًا داخيل‪ ،‬أو ر َّمبا أنا املحت َ​َج ُز‬ ‫املكان ما ز َال‬ ‫َ‬ ‫داخل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫داخل أسوار املكانِ القديم!!‪ُ ،‬‬ ‫تلك‬ ‫أعيش‬ ‫الحيا ِة السحيقة وأ َنا ُأما ِر ُس حيايت االعتياد َّية بعد‬ ‫خروجي من الث َك َن ِة‪/‬امل َكان‪.‬‬ ‫حكاي ُة الجنديّ ‪ :‬محمد الحسني أو (أبو رجب)‬ ‫هذا ما كنّا نسميه فيام بيننا نحنُ الجنود‬ ‫كان وال يز ُال ُ‬ ‫األصدقاء‪َ ،‬‬ ‫ميلك يف قلبي األث َر‬ ‫الوحيد باإلضافة إىل عد ٍد من الجنود اآلخرين‪،‬‬ ‫كنت أخدم يف منطق ٍة عسكر َّية متتاز بالحنان!!‬ ‫َأجل‪ ،‬الحنان الذي نفتقد ُه خارج الثكن ِة األشب ِه‬ ‫طابع‬ ‫بالسجن‪ ،‬ولك َّن ُه سجن جميل يغ ِل ُب عليه ُ‬ ‫ّ‬ ‫الجاف‪ ،‬ال أع َلم‬ ‫األخ َّوة أكرث من طابع ال َعسك َر ِة‬ ‫ما الذي حصل َ‬ ‫لك يا أبا رجب اآلن ويف هذ ِه‬ ‫ّ‬ ‫اللحظ ِة ال َّر ِاهنَة‪ّ ،‬‬ ‫كل ما أتذك ُر ُه أ َّنك َ‬ ‫غبت ليالٍ‬ ‫عن الثكنة وعُ د َ​َت أقوى ِّمام َ‬ ‫كنت عليه ساب ًقا‬ ‫َ‬ ‫وأنت تغنّي لألمطا ِر يف سهل الغاب وتبيك ك َّلام‬ ‫َ‬ ‫رأيت صو َر التظاهرات يف تلكلخ ع َرب التلفاز‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫لتهمس يف أذين‪ :‬لقد‬ ‫بخ َّف ٍة تقف ُز إىل رسيري‬ ‫َ‬ ‫أستفرس عن‬ ‫البازالء!!‬ ‫ذبحوا عددًا ج َّيدًا من‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫توضيحا ألستب َ‬ ‫وميض‬ ‫ابتسامتك يف‬ ‫ني‬ ‫البازل ِء‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لتصمت‬ ‫عينك اليمنى تحديدًا‪ :‬إ َّنهُم عساك ُر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ثم يرسة لتلفظ املفرد َة‬ ‫وأنت‬ ‫تلتفت مين ًة ومن َّ‬ ‫الغبي‪.‬‬ ‫َا‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫النظام‬ ‫ر‬ ‫عساك‬ ‫القميئة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫الجنود ‪ :‬جنودٌ ُك ُث فر ّوا من الخدمة‬ ‫حكايات ُ‬ ‫العسكر َّية منذ بداية اندالع الثورة يف سوريا‬ ‫ومنهم من هَ َرب إىل بال ٍد ُأخرى خو ًفا من اعتقالٍ‬ ‫أو باألحرى هر ًبا ِم َّم ه َو موجودٌ يف الذاكر ِة‬ ‫القدمية من ألَ ٍم مخزَّن يخىش الفا ُّر من أن‬ ‫ويعيش َ‬ ‫َ‬ ‫الحاالت‬ ‫هول‬ ‫َي ِث َب إىل ذهن ِه مج َّددًا‬ ‫ِ‬ ‫خوف وهَ َل ْع‪،‬‬ ‫تتضمن ُه من‬ ‫املاضية وما كانت‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫يقول (ك‪.‬ج) أحد العساكر املنش ّقني عن الخدمة‬ ‫العسكرية يف جيش النظام السوريّ ‪ُ :‬‬ ‫كنت أف ُقد‬ ‫ُ‬ ‫أتناول طعام الغداء‬ ‫ات األصدقاء‪،‬‬ ‫يف اليوم عرش ِ‬

‫مع مجموع ٍة من رفاق الخدمة‪ ،‬وعند العشاء‬ ‫ُ‬ ‫النصف اآلخر يكون إ َّما‬ ‫ال أرى َّإل نصفهم بينام‬ ‫ُ‬ ‫يعرف َأحدٌ مكانه‪،‬‬ ‫جريحا أو أس ًريا ال‬ ‫م َّيتًا أو‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫يش ٌء مؤلِ ٌم أن تفقد أح َّباء لك تك َّونوا يف أقىس‬ ‫ظروف الخدمة العسكر َّية‪ ،‬أسأ ُلهُ‪ :‬إن‬ ‫الظروف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫تسنَّت لك الفرصة يف القا ِد ِم من األ َّيام أن تلتقي‬ ‫ذات النقطة العسكر َّية‪،‬‬ ‫باألصدقاء القدامى ويف ِ‬ ‫ُ‬ ‫سيكون ذلك مدعا ًة للرسو ِر بالنسبة إليك؟‪..‬‬ ‫هل‬ ‫رس ٍة ومن ثم‬ ‫تغرو َرق عيناه وهو يتأ َّم ُل الفر َاغ بح َ‬ ‫يتف َّر ُس يف وجهي قائ ًال‪َ :‬أجل سيكون ذلك مدعا ًة‬ ‫لرسوري ولكن َ َ‬ ‫دونا قتلٍ أو اعتدا ٍء أو أصوات‬ ‫سالح!‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫برا ِثنُ‬ ‫الجريح أكا ُد‬ ‫ني‬ ‫أن‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫رس‬ ‫ح‬ ‫الغياب‬ ‫الغياب‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بص مشه َد‬ ‫أستبينه وأملس ُه بيديّ هاتني‪ ،‬أكا ُد أ ِ ُ‬ ‫الضابطِ وهو يهوي بيد ِه الثقي َل ِة عىل وج ِه‬ ‫عسكريٍّ من دير الزور أل َّن ُه ر َف َض نعت ُه بسليلِ‬ ‫ثم ُيدعَس بالحذا ِء العسكريّ‬ ‫اإلرهابيني‪ ،‬ومن ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يقول (م ‪.‬ح) منشقٌّ آخر عن جيش‬ ‫ال َق ِذر‪،‬‬ ‫النظام‪ :‬ال ميكنُ ليشء أن ُيط ِّه َر دماغي وبأيِّ‬ ‫املشاهد‬ ‫شكلٍ من األشكال من ُغبا ِر ولو َث ِة هذ ِه‬ ‫ِ‬ ‫طاملا أ َّنني عىل قي ِد الحياة ُوأتا ِب ُع مشه َد الثو َر ِة‬ ‫ع َرب أرشطة الفيديو أو عىل اإلنرتنت‪ ،‬ما ِمن ق َّو ٍة‬ ‫يف العالَ ِم قادرة عىل جعيل أنىس َ‬ ‫تلك األ َّيام وأنا‬ ‫ُ‬ ‫سيعيش الجنديُّ جند ًّيا حتَّى وه َو‬ ‫يف الجحيم‪.‬‬ ‫خا َر َج املكانِ ا ُمل َعس َكر طاملا َّأن األرايض السور َّية‬ ‫ثكنات عسكر َّية مو َّزعة ب َ‬ ‫ني‬ ‫بر ّمتها أصبحت‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫داخل الوطن متحي‬ ‫مؤ ِّي ٍد و ُمعا ِرض‪ ،‬ال الحيا ُة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الهروب يفيدُ‬ ‫النسيان بيشء‪،‬‬ ‫تلك املشاهد وال‬ ‫ُ‬ ‫وليست‬ ‫هذ ِه سوريا التي “لَ ْم” نح ُلم بها َق ّط‪َ ،‬‬ ‫هذ ِه ذكرياتنا التي َودَدنا أن نخزِّنها َ‬ ‫داخل املكانِ‬ ‫ُ‬ ‫ضباب‪،‬‬ ‫والدليل‬ ‫املخص ِص للذكرى‪ ،‬الغدُ غا ِم ٌض‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫قاتة‪.‬‬ ‫والرؤى ِ‬

‫‪11‬‬


‫‪12‬‬

‫نهايــة تليــق بحبــك‬ ‫هيمى اليوسفي‬

‫العدد ‪2015 / 10 / 31 - 58 -‬‬

‫القصة الكثري من القصص ّإل أنها‬ ‫قد تشبه هذه ّ‬ ‫ال تشبه أ ًيا منها‪ ،‬فأنا يكفي يل أن أسمع االسم‪ ،‬أو‬ ‫ألتقي بشاعر‪ ،‬أو أقرأ قصيدة‪ ،‬أو حتى؛ أن أعرف‬ ‫بوالدة قصة حب يف ظروف صعبة؛ لتبتلعني دوامة‬ ‫الذكرى فأعود إليه‪ .‬يومها سافرت من حلب إىل‬ ‫دمشق لحضور تأبني “محمود درويش”‪ ،‬وال أذكر‬ ‫إن كانت هناك فرتة اسرتاحة أو أن أحد الشعراء‬ ‫الحارضين أطال الحديث‪ ،‬فمللت وخرجت من‬ ‫القاعة ً‬ ‫قليل‪ ،‬وهناك التقيته للمرة األوىل‪ .‬أشعل‬ ‫سيجارة وسألني “هل تصدقني موته؟”‪ ،‬ال أذكر‬ ‫مباذا أجبته‪ ،‬لكنني أذكر أنه قال “جميعهم‬ ‫يتحدثون عنه ويرثونه اآلن وهو يضحك علينا‪،‬‬ ‫باملناسبة؛ الشاب ذو القميص الوردي الذي‬ ‫يجلس إىل جانبك محظوظ‪ ،‬لكنه كثري الكالم”‪.‬‬ ‫كان طال ًبا يف السنة األخرية يف قسم األدب العريب‪،‬‬ ‫وكنت سأبدأ سنتي الثالثة يف كلية الهندسة‬ ‫ضائعة بني دراستي العلمية وشغفي باألدب‪ ،‬وكان‬ ‫البوصلة التي أحتاجها ألتجنب العرثات‪“ .‬خطوة‬ ‫أخرى ستكفي يك أصدق أن يف عينيك منفى‬ ‫وبالد” بهذه القصيدة اعرتف يل مبشاعره دون‬ ‫حتى أن ينطق كلمة حب واحدة‪ ،‬وغمرين من‬ ‫جهايت كلها رغم مئات الكيلومرتات التي تفصلنا‬ ‫(أغيد) علمني الحب والجنون والتمرد والكتابة‪،‬‬ ‫علمني التدخني والغرية والشوق والخوف من‬ ‫الغياب (أغيد) هو خالق اإلنسانة التي رصتها‬ ‫اليوم‪ .‬وألنه كان متمردًا عنيدًا وح ًرا‪ ،‬وضع القدر‬ ‫يف طريقه أستا ًذا جامع ًيا ليعرقل تخرجه أكرث من‬ ‫مرة‪ ،‬فيقرر االستسالم ويلتحق بالخدمة اإللزامية‬ ‫ألنه ال يريد السفر‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫طموحنا كان كأي عاشقني يف ذاك الزمان‪ ،‬بيتًا‬ ‫لحبنا برشفة ميلؤها الحبق نطل منها عىل “الشام”‬ ‫كل صباح‪ ،‬ودواوين شعر سيهديني إياها‪ ،‬زارين يف‬ ‫شباط ‪ 2010‬يف حلب‪ ،‬جاء قبل عيد الحب بأسبوع‬ ‫ألنه لن يستطيع تغيري موعد إجازته‪ ،‬بدا مختل ًفا‪،‬‬ ‫أخربين أنه مل يعد يستطيع احتامل ذلك الذل أكرث‪،‬‬ ‫وكنت أحاول أن أحمل عنه القليل من التعب‪،‬‬ ‫همست له “لكنني أحببت سمرتك” وفاجأته‬ ‫بهديتي‪ ،‬كنت قد جمعت كل ما استطعت من‬ ‫قصائده وطبعت نسختني منها واخرتت عنوا ًنا‬ ‫للديوان وصورة غالف‪ ،‬أهديته ً‬ ‫حلم صغ ًريا‪،‬‬

‫ووعدًا بأنني أنتظر أن متأل نسخ دواوينه رفوف‬ ‫املكتبات‪ .‬قبالتنا املرسوقة‪ ،‬أغنيايت‪ ،‬وقصائده‪،‬‬ ‫وثقتها طرقات دمشق وحلب وتذاكر السفر‬ ‫الكثرية بني املدينتني‪ ،‬وصورة وحيدة جمعتنا سو ًيا‬ ‫يف املركز الثقايف بالعدوي يوم أمسيته‪.‬‬ ‫وألننا كنا “زوج مجانني” مجربين عىل أن نكون‬ ‫بعيدين دو ًما‪ ،‬كنا نختلف ونتجادل ونقرر إنهاء‬ ‫العالقة بعد مكاملة متوترة‪ ،‬ثم منوت من الشوق‬ ‫بعد بضع ساعات فنبيك ونعود ونقول إننا أقوى‬ ‫من كل ذلك‪ ،‬مصيبة تلك العالقة كانت أنه علمني‬ ‫التمرد ثم أصابه البعد مبرض الغرية الذي تطور‬ ‫إىل شك يشعل النار عند أقل احتكاك بعد خالف‬ ‫كبري‪ ،‬انفصلنا‪ ،‬فقدت توازين وشخصيتي‪ ،‬وضعت‬ ‫يف دوامات الكآبة والعزلة‪ ،‬هو مل يتوقف يو ًما عن‬ ‫حبي وظل يؤكد يل يف كل رسالة أو مكاملة أنني‬ ‫سأكون له “حتى لو تزوجت كل رجال األرض‪،‬‬ ‫سأعود يو ًما إليه ليموت يف حضني” حني أسأل‬ ‫نفيس اليوم عن رس قسويت آنذاك؛ أعجز عن‬ ‫اإلجابة‪ ،‬رمبا كان عنادي ومتسيك برأيي ونفوري‬ ‫من غريته!‬ ‫اشتعلت الثورة‪ ،‬وأنا أعرف مسب ًقا أنه ثائر من‬ ‫قبل الثورات‪ ،‬ومتمرد قبل أن يأيت الربيع‪ ،‬وحر‬ ‫أكرث من أي إنسان عرفته‪ ،‬خويف عليه كان‬ ‫ينهكني‪ ،‬لن يطلق النار! أنا أعرفه‪ ،‬من املستحيل‬ ‫أن ينصاع لألوامر‪ ،‬أوان ترسيحه قد حان‪ ،‬لكنهم‬ ‫قرروا االحتفاظ به‪ ،‬أرسل يل ليخربين أنه ال‬ ‫يستطيع االحتامل أكرث‪ ،‬ثم استطاع أن يتصل يب‬ ‫مرة ليخربين أنه يف حمص‪ ،‬وأنه كام أعرفه ولن‬ ‫يتغري لكنه ينتظر “الفرصة” يف ‪ 30‬أيار ‪ 2012‬جاء‬ ‫اتصاله‪“ ،‬قيض عيل” هذا ما قاله‪ ،‬كانوا يحرسون‬ ‫باب مهجعه وسيأخذونه نحو املجهول يف الصباح‬ ‫“مل يتغري يشء‪ ..‬ستظلني الروح‪ ،‬ال تخايف‪ ،‬فخوفك‬ ‫يوجع قلبي”‪.‬‬ ‫مل أنم ليلتها ومل أعرف كيف أترصف وال ماذا‬ ‫افعل‪ ،‬يف صباح اليوم التايل كانت آخر رسائله‬ ‫تصلني “ال بقا تتصيل وال تبعتي يش” ثم ابتلعه‬ ‫الغياب‪ ،‬مل أوفر جهدًا يف محاولة معرفة أخباره‬ ‫أو مكانه أو طريقة ملساعدته‪ ،‬دون جدوى!‬ ‫استطعت يف أواخر عام ‪ 2013‬أن أعرف أنه يف‬

‫سجن القابون العسكري‪ ،‬وأن عائلته خارج البالد‬ ‫وال يريدونني أن أنرش قصته أو قضيته‪ ،‬احرتمت‬ ‫رغبتهم وقررت أن ألجم خويف عليه بالصمت‪،‬‬ ‫الخوف من أن تؤذيه أية خطوة أقوم بها؛ جعلني‬ ‫عاجزة عن فعل يش ٍء إال محاولة تقيص أخباره‬ ‫التي كانت عملية شبه مستحيلة‪ ،‬كل املقربني‬ ‫مني يعرفون (أغيد) وقصتنا الغريبة‪ ،‬واعتقاله‪،‬‬ ‫وقصائده‪ ،‬وعجزي وانتظاري‪ ،‬يعرفون أنني‬ ‫أحببت بعده‪ ،‬ويعرفون أن وجوده “معي” يشء‬ ‫آخر مختلف عن كل مألوف يف الحب والعالقات‪،‬‬ ‫كنت كل فرتة أسأل عنه دون أية أخبار جديدة‪،‬‬ ‫أكتب اسمه عىل محرك البحث يف محاولة يائسة‬ ‫ألجد خرب إطالق رساحه‪ ،‬أو أي خرب آخر عن مكان‬ ‫اعتقاله‪ ،‬وألنه تعود دامئًا ‪-‬وحتى بعد انفصالنا‪-‬‬ ‫أن يكتب يل شيئًا يوم ميالدي؛ فمن املستحيل أن‬ ‫مير هذا اليوم دون أن أتذكره‪ 14 ،‬نيسان ‪2015‬‬ ‫كتبت اسمه الثاليث وضغطت زر البحث‪ ،‬فقدت‬ ‫كل حوايس يف تلك اللحظة‪ ،‬تجمدت أمام الخرب‬ ‫“استشهد تحت التعذيب”!‬ ‫ال أعرف كم من الوقت ظللت أبيك أمام الخرب‬ ‫دون أن أجرؤ عىل فتح الرابط لقراءته ً‬ ‫كامل‪،‬‬ ‫أيقظتني رغبتي بالتشبث بأمل أخري “تشابه‬ ‫أسامء”‪ ،‬فتحت الرابط مرة أخرى‪ ،‬دققت اسم‬ ‫األم وتاريخ امليالد ومكان االعتقال‪ ،‬كل املعلومات‬ ‫ً‬ ‫مبتسم تتصدر الخرب! مل أخرج‬ ‫صحيحة‪ ،‬وصورته‬ ‫من اله ّوة تلك إال بإقناع نفيس بعدم التصديق‪،‬‬ ‫أخاطبه يوم ًيا “إذا كنت مل تصدق موت درويش‬ ‫بعد أن نعاه العامل كله بجنازة ضخمة؛ كيف‬ ‫تريدين أن أصدق خرب موتك؟”‪.‬‬ ‫الشعراء ال ميوتون‪ ،‬وأغيد شاعر يعرف موهبته‬ ‫كل من قرأ كلامته‪ ،‬ترك عندي مخطوط ديوانه‬ ‫األول وائتمنني عىل حلمه كام لو أنه عرف مسب ًقا‬ ‫أن شيئًا ما سيحدث‪ ،‬وها أنا أكتب عنه اليوم‪ ،‬ال‬ ‫ألزيد قصص الشهداء واحدة فأنا ال أصدق غيابه‪،‬‬ ‫أكتب عنه عاش ًقا مجنو ًنا ألذ ّكر نفيس أنني بطلة‬ ‫قصة حب تشبه الروايات‪ ،‬أنني كنت حبيبة شاعر‬ ‫ال حبيبة شهيد‪ ،‬أكتب فقط ألقول إنني سأنتظر‬ ‫ً‬ ‫قليل عودته‪ ،‬فإن تأخر‪ ،‬سأبحث عن نارش للديوان‬ ‫وسأحيك عنه للجميع ألفاجئه بأنه أصبح مشهو ًرا‬ ‫حني يعود‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫أصوات من سوريا‬ ‫مبدعون يحملون الياسمين إلى العالم‬

‫‪13‬‬

‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫أصوات من سوريا بعد “عود غريب”‬

‫فيلم “بوردينغ” يف السويد وقري ًبا يف أملانيا‬

‫عُ رض فيلم “بوردينغ” للمخرج السوري غطفان‬ ‫غنّوم يف مدينة ماملو السويدية بدعوة من‬ ‫الجمعية األوروبية للتنمية البرشية‪ ،‬بعد عرضه‬

‫كنان العظمة يف كولونيا‬

‫أقام عازف الكالرينيت السوري كنان العظمة‬ ‫ً‬ ‫حفل موسيق ًيا مشرت ًكا مع املغنّية الرتكية “آينور”‬ ‫يف مدينة كولونيا األملانية بتاريخ ‪2015\10\23‬‬ ‫يف مرسح القاعة الفيالهارومنية الكولونية مع‬ ‫مجموعة موسيقيني أتراك‪ ،‬حرض الحفل عدد‬ ‫كبري من الجمهور غالبيته من الجالية الكردية‬ ‫والرتكية والسور ّية باإلضافة إىل األملانيني‪ ،‬قدّم فيه‬ ‫العظمة مجموعة من مقطوعاته املوسيق ّية مع ما‬ ‫قدّمته آينور من أغنيات بالكردية والرتكية وسط‬ ‫تفاعل كبري من الجمهور‪ ،‬يذكر أن العظمة قدّم‬ ‫الكثري من الحفالت واألعامل املوسيق ّية وأهداها‬ ‫إىل الشعب السوري والالجئني مع مجموعة من‬ ‫املوسيقيني السوريني واألجانب‪.‬‬

‫شاركت الفنانة السورية زينة الحالق يف افتتاح‬ ‫مهرجان أيام قرطاج املرسحية بدعوة من مخرج‬ ‫االفتتاح محمد عيل بن جمعة مبشهد من مرسحية‬ ‫أخرجتها ومثلتها مع رشيكها يف اإلخراج والتمثيل‬ ‫زياد توايت‪ ،‬كام شاركت مبشهد من مرسحية روميو‬ ‫وجولييت‪ ،‬ووجهت كلمة للجمهور هناك عن‬ ‫الفنانني املضطهدين‪ ،‬ويذكر أن الحالق كانت‬ ‫املمثلة السورية الوحيدة يف املهرجان الذي كان‬ ‫ّ‬ ‫كل املشاركني فيه من التونسيني‪.‬‬

‫فادي الصباغ يحمل الياسمني إىل أملانيا‬

‫عرض الفنان السوري فادي الصباغ مرسحيته‬ ‫“ياسمني” يف البيت الثقايف يف مدينة فايبيلينغن‬ ‫األملانية باللغة األملانية‪ ،‬ياسمني مرسحية‬ ‫مونودرامية تتحدث عن الحرب والهجرة‬ ‫والذكريات الشخصية تتجسد بعالقة البطل مع‬ ‫وسادته‪ ،‬وتعالج املرسحية ‪-‬رغم كل األمل الذي‬ ‫تتحدث عنه‪ -‬الواقع بطريقة ساخر ٍة ال تستجدي‬ ‫استعطاف الجمهور‪ ،‬املرسحية من تأليف وإخراج‬ ‫ومتثيل‪ :‬فادي الصباغ‪ ،‬غريوغراف‪ :‬غريغوري‬ ‫دوريس‪ ،‬مساعد مخرج‪ :‬سكارليت لورنس‪ ،‬تقنيني‪:‬‬ ‫وائل عليوي ونرص الدين البحرة‪.‬‬

‫جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر لعام ‪2015‬‬ ‫التقدير ّية للكاتب السوري مصطفى خليفة‪.‬‬

‫منحت جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر لعام ‪2015‬‬ ‫جائزتها التقديرية الثانية عن أدب السجون للكاتب‬ ‫السوري مصطفى خليفة صاحب رواية “القوقعة”‬ ‫الشهرية مناصف ًة مع الكاتب املغريب أحمد املرزوقي‪،‬‬ ‫فيام ذهبت الجائزة األوىل للكاتبة الفلسطينية عائشة‬ ‫عودة‪ ،‬وكانت لجنة التحكيم لهذا العام مستقلة عن‬ ‫املؤسسة ومك ّونة من خمسة أسامء عربية معروفة‬ ‫وهم‪ :‬محمد األشعري (املغرب)‪ ،‬رزان ابراهيم (األردن)‪،‬‬ ‫خالد خليفة (سوريا) سامية محرز (مرص)‪ ،‬صموئيل‬ ‫شمعون (العراق)‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫أقام الفنان السوري الشاب عبد الله غباش حفل ًة‬ ‫موسيق ّية مبدينة زالفلد يف أملانيا يف مق ّر تجمع‬ ‫الشباب اليساري‪ ،‬قدّم فيها أغنياته التي تتحدّث‬ ‫عن اللجوء والثورة التي تض ّمنها ألبومه الثاين‬ ‫ّ‬ ‫ويحض‬ ‫“عود غريب” الذي أنتجه يف اسطنبول‪،‬‬ ‫اآلن أللبومه الثالث الذي يتابع يف القضايا ذاتها‪،‬‬ ‫وسيشارك يف افتتاح معرض رسومات بعنوان‬ ‫“أمل” سيقدّم فيه موسيقا من تأليفه بعنوان‬ ‫“أصوات من سوريا” مع مجموعة من الشباب‬ ‫األملانيني‪.‬‬

‫حقيقي دون متثيل!‬ ‫توثيقي‬ ‫فيلم‬ ‫“العبور” ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫إعالمي عن فيلم “العبور”‬ ‫عرض أول تقرير‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للمخرج جورج كوريان عىل املحطة الثقافية‬ ‫يف التلفزيون السويدي ضمن فعاليات“ “�‪Ref‬‬ ‫‪ ”ugees on film‬التي يقيمها معهد الفيلم‬ ‫السويدي‪ ،‬بحضور صاحب فكرة الفيلم “رامي‬ ‫العرموين” الذي قام بتصوير رحلته مع مجموعة‬ ‫من األصدقاء عىل قوارب املوت من مرص إىل‬ ‫أوروبا‪ ،‬وبحضور الصحافية السورية “أنجيال‬ ‫السليامن” التي كانت إحدى شخصيات الفيلم‬ ‫الحقيقية‪ ،‬وكذلك بحضور مجموعة من اإلعالميني‬ ‫السويديني‪ ،‬وسيتم عرض الفيلم قري ًبا عىل‬ ‫املحطات التلفزيونية األوروبية‪ ،‬يعرض الفيلم‬ ‫رؤية جديدة عن الالجئني السوريني‪ ،‬ويعالج‬ ‫قض ّيتهم بأسلوب مختلف‪.‬‬

‫زينة الحالق يف افتتاح مهرجان أيام قرطاج‬ ‫املرسحية‬

‫العدد ‪2015 / 10 / 31 - 58 -‬‬

‫عيل فرزات يف هولندا بدعوة من الربملان األورويب‬

‫سافر رسام الكاريكاتري السوري عيل فرزات إىل‬ ‫هولندا بدعوة من الربملان األورويب ضمن زيارة‬ ‫لرشح ما يجري يف سوريا‪ ،‬ووضع مقرتحات‬ ‫لطرحها أمام املسؤولني األوروبيني بعيدًا عام‬ ‫تر ّوجه وسائل اإلعالم واملنابر السياسية‪ ،‬قام من‬ ‫خاللها بعدة نشاطات فنية ومحارضات ولقاءات‬ ‫تلفزيونية وورشات فنية بني طالب املدارس‪ ،‬وذكر‬ ‫فرزات أنه ملس تجاو ًبا ومحبة كبرية وتقدي ًرا‬ ‫للثورة السورية الحرة الدميقراطية التعددية‬ ‫املدنية بعيدًا عن النظام بحسب تعبريه‪.‬‬

‫يف العاصمة السويدية ستوكهومل‪ ،‬يف سياق عرض‬ ‫قض ّية الفيلم الذي يتحدّث عن الهجرة غري‬ ‫الرشعية للسوريني يف البحر‪ ،‬شارك يف الندوة بعد‬ ‫الفيلم‪ ،‬مسؤولون وممثلون عن منظامت حقوق‬ ‫اإلنسان واملجتمع املدين ملناقشة ظاهرة الهجرة‬ ‫املتزايدة والصعوبات التي يواجهها املهاجرون‬ ‫يف طريق وصولهم إىل بر األمان‪ ،‬وكان الفيلم‬ ‫قد شارك يف مهرجان ماغويل هوليوود الغربية‬ ‫ودخل املسابقة الرسمية من أصل ‪ً 3700‬‬ ‫فيلم‪ ،‬ثم‬ ‫عُ رض يف مهرجان سيسيليا يف إيطاليا‪ ،‬وتم دخوله‬ ‫حال ًيا يف مسابقة سان فرانسيسكو‪ ،‬كام تم طلب‬ ‫الفيلم ملهرجان حقوق اإلنسان يف براغ وتقدميه‬ ‫ملهرجان برلني السيناميئ‪ .‬يذكر أن الفيلم الذي‬ ‫أخرجه وص ّوره غطفان غنّوم قد ُأنتج مبيزانية‬ ‫شبه معدومة‪ ،‬ومدّة الفيلم ساعة ونصف الساعة‪.‬‬


‫أمي‬ ‫خاتم ّ‬

‫‪14‬‬ ‫نوال السباعي‬ ‫العدد ‪2015 / 10 / 31 - 58 -‬‬

‫تصدقت أمي بخاتم عرسها أول مرة لفلسطني‪،‬‬ ‫عاد الخاتم‪ ،‬فامذا يفعل الفلسطين ّيون بخاتم عرس‬ ‫رخيص ال يباع؟ يف املرة الثانية؛ وضعتْه يف صندوق‬ ‫يجمع املساعدات ألفغانستان‪ ،‬عاد الخاتم! ال ميكن‬ ‫لخاتم عرس بسيط أن يفعل شيئًا للمجزورين‬ ‫هناك!! يف املرة الثالثة؛ خلعت أمي خامتها‪ ،‬مل تجد‬ ‫ما تتصدق به للشيشان غريه كانوا ً‬ ‫أبطال‪ ،‬وكان عليها‬ ‫أن تنرصهم ضد الروس املستذئبني‪ ،‬عاد الخاتم‬ ‫مكسور الخاطر!! يف املرة الرابعة؛ وضعت أمي خاتم‬ ‫عرسها يف يد جدة فلسطينية‪ ،‬صكت العجوز الكرمية‬ ‫وجهها وضحكت‪“ :‬ما عساين أفعل بخامتك املنحوس‬

‫حتى ال نظهر كندبة على جبين العالم‬

‫ثقافة‬

‫لحظ ًة من فضلك‬ ‫أ ّيها العامل‪..‬‬ ‫امنحنا دقيق ًة واحد ًة‬ ‫لنغسل الدم عن وجوهنا‬ ‫لنلون زرقة أيدينا وأقدامنا‬ ‫ولنبحث بني أكوام الركام‬ ‫عن مالبس أنيقة‬ ‫لنعيد تصفيف شعورنا كام يجب‬ ‫حتى نسهل األمر عىل وكاالت األنباء‬ ‫التي تحاول أن تثبت للعامل أجمع‬ ‫أ ّننا بخري متا ًما‬ ‫ّ‬ ‫وأن عىل الناس أن يلتفتوا‬ ‫للثقوب السوداء‪،‬‬ ‫مواسم الجفاف‪،‬‬ ‫وأنواع الحيتان املهدّدة باالنقراض‬ ‫ً‬ ‫ضج ًة كهذه‬ ‫بدل من أن يثريوا ّ‬ ‫ملج ّرد ّأن بلدة صغرية‬ ‫شطبت من عىل الخارطة‪..‬‬ ‫لحظة من فضلك‬ ‫أ ّيها العامل‪..‬‬ ‫أعطنا بضع دقائق‬ ‫لندهن املساحيق فوق وجوهنا املدماة‬ ‫لننفخ الروح يف جثثنا املصلوبة‬ ‫جثثنا املع ّلقة فوق أعمدة اإلنارة‬ ‫من أثر االنفجارات‪..‬‬ ‫لنبحث عن أيدينا املبتورة‬ ‫ونلصقها عىل عجالة بأجسادنا‬ ‫يك ال يهدر العامل‬ ‫دقائقه الثمينة‬

‫يف إطالق الشجب واالستنكارات من أجلنا‬ ‫لحظة أ ّيها العامل‪..‬‬ ‫رستنا‬ ‫لنخ ّبئ مهاجرينا تحت أ ّ‬ ‫لنعيد أطفالنا الالجئني إىل أرحامنا‬ ‫لنطلق خيامنا باللني يف الفضاء‬ ‫لنطلب من جرياننا‬ ‫الط ّيبني جدًا‬ ‫أشقاءنا العرب‬ ‫أن يخبئوا مأساتنا‬ ‫أوانينا املنزلية‬ ‫وثيابنا الرثة‬ ‫يف خزاناتهم الفارهة‬ ‫لدقائق‬ ‫دقائق فقط‪..‬‬ ‫حتى ال يتسنّى ملم ّثالت هوليوود األنيقات‬ ‫أن يلتقطن صو ًرا للمباهاة‬ ‫بجانب أطفالنا‬ ‫أطفال العامل الثالث‬ ‫وهن يرتكن مسافة واضحة‬ ‫بينهنّ‬ ‫وبني أجسادنا النحيلة‪،‬‬ ‫والقذرة‪...‬‬ ‫لنختبئ يف حجر أمهاتنا‬ ‫ولتختبئ أمهاتنا يف حجر أمهاتهنّ كذلك‬ ‫وهكذا‪..‬‬ ‫علينا أن نختفي قليلً‬ ‫يك يتسنّى للعامل أن يلتقط صوره ضاح ًكا‬ ‫حتّى ال نظهر كندبة عىل جبني العامل‬ ‫كبقعة قذرة عىل ياقة مالبسه‬

‫هذا؟؟ بيعيه واش ِرت لطفل الحجارة قفا ًزا مطاط ًّيا‬ ‫يقيه خدش األحجار املقدسة”! يف املرة الخامسة؛‬ ‫سافر الخاتم إياه إىل البوسنة‪ ،‬مر بسريبرينيتشا‪ ،‬دار‬ ‫يف رساخيبو‪ ،‬جال يف كوسوفا‪ ..‬غرق يف الدم‪ ،‬وعاد‬ ‫دست‬ ‫أحمر مرع ًبا كسيد الخواتم! يف املرة السادسة؛ ّ‬ ‫أمي خامتها يف مظروف‪ ،‬وأرسلته إىل العراق‪ ،‬جاءتها‬ ‫رسالة من مصلحة الربيد بأنها ستوضع عىل الئحة‬ ‫دعم اإلرهاب العاملي‪.‬‬ ‫واع ُت ِقل الخاتم !‪.‬‬ ‫ملا م ّر قطار املوت واألهوال عىل سوريا‪ ،‬مل تجد أمي‬ ‫خامتها لتعني به جائ ًعا يف مخيم الريموك أن يشرتي‬ ‫بثمنه عروسة “زيت وزعرت‪”.‬‬

‫آالء حسانين‬ ‫األنيقة‪ ،‬واملر ّتبة‪..‬‬ ‫حتّى ال يأخذ العامل وقتًا ً‬ ‫طويل‬ ‫يف اختيار زاوية التصوير املناسبة‬ ‫التي تظهر مالمحه‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫قبحا‪..‬‬ ‫أقل ً‬ ‫حتّى ال نزعج صباحاتك‬ ‫بأخبار موتنا‬ ‫العاديّ واملكرر‪..‬‬ ‫علينا أن نذهب إىل قياماتنا بهدوء‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫عل مآسينا تختفي‬ ‫كفقاعات صابون يف الهواء‬ ‫حتّى يكون بوسعك‪..‬‬ ‫أ ّيها العامل‬ ‫أن تظهر ضاح ًكا‬ ‫يف صورك ك ّلها‬ ‫دون أن تقلق‬ ‫من أن ّ‬ ‫تطل بناتنا‬ ‫من محاجرك‪..‬‬ ‫داميات وباكيات وحزاىن‪..‬‬ ‫أو أن ينطلق سه ًوا‬ ‫أحد أطفالنا‬ ‫ املك ّومني وراء الستار‪-‬‬‫ر ً‬ ‫اكضا‪..‬‬ ‫خلف حرشة أو ّ‬ ‫قط بريّ‬ ‫وهكذا‬ ‫ويا لألسف‪..‬‬ ‫سيظهر ّ‬ ‫بكل بشاعته‪..‬‬ ‫أمام الكامريا‬ ‫سيفسد عىل العامل األنيق‪..‬‬ ‫حفلته‪.‬‬


‫بعــد أورفا‪ ..‬مــاذا على‬ ‫الناشــطين أن يفعلــوا؟‬

‫‪15‬‬ ‫خليل الحاج صالح‬

‫باسل مطر‬ ‫مرشوع سالمتك‬

‫‪www.salamatech.org‬‬

‫شهداء‬

‫جاء الخرب صاعقا‪ .‬فتحت فيسبوك‪ ،‬لتطالعني‬ ‫منشورات كثرية تنعي كل من فارس حامدي‬ ‫وإبراهيم عبد القادر‪ ،‬الناشطني يف حملة الرقة‬ ‫تذبح بصمت‪ ،‬اللذان قضيا ذبحا عىل أيدي‬ ‫داعش‪.‬‬ ‫ليست هذه املرة األوىل التي تطال يد داعش‬ ‫الغادرة أعدائها يف تركيا‪ ،‬ففي غازي عنتاب تم‬ ‫القبض عىل انتحاري بحزام ناسف بالقرب من‬ ‫مبنى تتخذ فيه عدد من املجموعات املدنية‬ ‫السورية مكاتب لها‪ ،‬ويف أورفا‪ ،‬وبعد ساعات‬ ‫من اكتشاف جرمية تصفية فراس إبراهيم‪،‬‬ ‫قامت الرشطة الرتكية بتفكيك سيارة مفخخة‪،‬‬ ‫واعتقال شخصني عىل مسافة قريبة من مكان‬ ‫الجرمية‪.‬‬ ‫ليست داعش بقوة عظمى‪ ،‬وال متتلك أجهزة‬ ‫استخبارات قوية كالتي متتلكها الدول‪ ،‬لكن‬ ‫عرص املعلومات جعل العمل االستخباري‬ ‫سهال للغاية‪ ،‬وإذا ما أضيف إليه جهلنا‬ ‫(واستهتارنا) بكيفية حامية أنفسنا من رشور‬ ‫تقنيات االتصاالت واملعلومات‪ ،‬يصبح العمل‬ ‫االستخبارايت أمرا يقوم به الهواة بنفس مهارة‬ ‫املحرتفني‪.‬‬ ‫من املؤمل حقا أن نستيقظ عىل هذا اإلحساس‬ ‫العارم بالخطر ونحن ننعي اثنني من خرية‬ ‫شبابنا الذين واظبوا عىل مقارعة داعش‬ ‫بالحقيقة‪ ،‬وتوثيق جرامئها‪ ،‬والوقوف يف وجه‬ ‫التطرف‪ ،‬متخذين من الكلمة سيفا‪ ،‬لكن هناك‬ ‫درس يف هذه القصة علينا أن نتعلمه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫يبدو أن الخروج من سوريا إىل ما نعتقد أنه‬ ‫بلد آمن مل يعد كافيا‪ ،‬ويبدو أنه علينا‪ ،‬أكرث من‬ ‫ذي قبل‪ ،‬إيالء سالمتنا حرصا أكرث من أي وقت‬ ‫مىض‪ .‬مل يتبق الكثريون منا‪ ،‬ومعظمنا نال منه‬ ‫السجن أو املوت‪ ،‬وجلنا مهجر يف بقاع األرض‪،‬‬

‫ومن تبقى منا يف الداخل يقف كل يوم بني‬ ‫املوت والحياة‪ ،‬يبدأ نهاره وال يعرف هل ينهيه‬ ‫قبل أنه تنهيه رصاصة أو برميل أو صاروخ أو‬ ‫سكني‪.‬‬ ‫ليس لدي ما أقول سوى بضع نصائح ملن قد‬ ‫يكونون هدفا ليد الغدر‪ .‬ال شك أن املوت‬ ‫سيطال من أتت منيته‪ ،‬لكن كام يقول الحديث‬ ‫“إعقل وتوكل” وعلينا جميعا اتخاذ كل ما من‬ ‫شأنه أن يحمي سالمتنا‪.‬‬ ‫ ال تستهرت‪ ،‬كن حريصا‪ ،‬وال تجعل أمر معرفة‬‫مكانك سهال عىل من يرتبصون بك‪ .‬ال تشارك‬ ‫موقعك من خالل شبكات التواصل االجتامعي‬ ‫أبدا‪ .‬قم بتعطيل ميزة تحديد املوقع عىل كل‬ ‫الخدمات التي تستخدمها‪.‬‬ ‫ احرص عىل استخدام حسابات وهمية لعملك‪،‬‬‫وال تفصح عن هويتك الحقيقية‪.‬‬ ‫إن كنت شخصية معروفة‪ ،‬وتستخدم اسمك‬ ‫الحقيقي يف نشاطك‪ ،‬فال تفصح عن مكانك‬ ‫أبدا‪ ،‬وال توثق تحركاتك من خالل فيسبوك‬ ‫أو تويرت‪ ،‬وال تنرش أية معلومة توحي مبكان‬ ‫تواجدك‪ .‬إذا كانت هذه هي الحال‪ ،‬قم بتغيري‬ ‫مكان إقامتك فورا‪.‬‬ ‫ أذا كنت تشك بأنك مراقب أو مستهدف‪،‬‬‫عليك بتغيري مكانك عىل الفور‪ ،‬واالمتناع عن‬ ‫الرتدد عىل األماكن التي كنت ترتادها قبل‬ ‫انتقالك‪.‬‬ ‫ عليك التفكري مليا يف األماكن العامة التي‬‫تعقد فيها لقاءات أو اجتامعات عمل‪.‬‬ ‫ استخدم تقنيات اتصال آمنة‪ ،‬وال ترتك أي أثر‬‫يف رسائلك يوحي مبكانك أبدا‪ .‬إن تم اخرتاق‬ ‫هذه الرسائل سيتم الكشف عن مكانك فوراً‪.‬‬ ‫الرحمة لشهداء الرقة تذبح بصمت‪ ،‬ولشهداء‬ ‫الحقيقة والحرية جميعا‪.‬‬

‫العدد ‪2015 / 10 / 31 - 58 -‬‬

‫الشهيدان فارس حامدي وإبراهيم عبد القادر‪ -‬مصدر الصورة انرتنت‬

‫رمبا ليس ألسباب عملية وحسب أن يقتل‬ ‫أحد منتسبي داعش اثنني من شباب الرقة‬ ‫الناشطني يف الثورة منذ أيامها االوىل ذبحا‬ ‫بالسكني داخل مسكنهام يف أورفا الرتكية‪،‬‬ ‫بل هي رغبة العقل املدبر يف اغتيالهام‬ ‫ذبحا لريد إىل شباب الرقة بتهكم الرسالة‬ ‫التي أطلقوها يف وجه العامل كله “الرقة‬ ‫ًُتذبح بصمت”‪ ،‬ليقول لهم املجاز ال يفيد‪،‬‬ ‫وهاكم الذبح الفعيل‪.‬‬ ‫إبراهيم عبد القادر وفارس الحامدي الذ َين‬ ‫ُوجدا اليوم صباحا مذبوحني يف شقتهام‬ ‫هام رسالة داعش إىل العامل كله‪ ،‬ال إىل‬ ‫الرقيني وحدهم‪ ،‬مكثفة ومخترصة وناصعة‬ ‫وبليغة‪ :‬نذبحكم كل يوم نذبحكم يف كل‬ ‫مكان نذبحكم جملة ونذبحكم أفرادا‪.‬‬ ‫هذه رسالتها املوظفة لها‪ ،‬تذبح املجتمع‬ ‫عىل رسير بركوستوس الذي فصلته له‪،‬‬ ‫وتذبحه بالصورة النمطية التي انتجته عنه‪،‬‬ ‫وتذبحه بيد أعدائها‪ ،‬رشكاءها املوضوعيني‬ ‫يف الذبح‪.‬‬ ‫يا إلهي‪ ،‬كيف ميكن أن تكتب يوما سرية‬ ‫الرقة كمدينة!؟ كيف ومن أين تبدأ‬ ‫سرية هذا البقعة املخترب!؟ من يستطيع‬ ‫أن ينصفها‪ ،‬ينصف أبناءها!؟ أبناء الفقر‬ ‫والحرمان‪ ،‬أبناء هذه املستعمرة الداخلية‪.‬‬ ‫وحش اإلرهاب متعدد الرؤوس والهيئات‬ ‫ينهشها كل يوم‪ ،‬وال قدرة لها عىل رده‬ ‫حتى هذه اللحظة‪ .‬أقل ما ميكن فعله لها‬ ‫من أبناءها أن يكرموا هذا املوت اليومي‬ ‫بصخب‪ .‬قبل أيام وصف جرنال أمرييك أبا‬ ‫عيىس‪ ،‬قائد لواء ثوار الرقة‪ ،‬بأنه “يُكرث‬ ‫من الجلبة”‪ ،‬ألن أبا عيىس قلق من مالمح‬ ‫إسرتاتيجيا الواليات املتحدة وحلفائها‬ ‫عىل االرض يف شامل سورية‪ ،‬ومجرب عىل‬ ‫مسايرتها تكتيكا‪ .‬وهذا يذكر بلحظات‬ ‫نشوء داعش‪ ،‬قاومها الرقيون وحدهم‪،‬‬ ‫قبل أن يُدركوا أنهم مرتوكني ملصري ال شأن‬ ‫لهم يف تقريره وأن داعش هي حصتهم‬ ‫الحالية‪ .‬وال يبدو انها ستكون آخر داعش‪.‬‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.