طلعنا عالحرية / العدد 64

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪64‬‬

‫ملف العدد‬

‫‪2016 / 2 / 1‬‬

‫التفاوض تحت النار‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع‬ ‫داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعات السورية يف الخارج‬


‫لحظات من ذهب‬

‫‪2‬‬

‫افتتاحية‬ ‫بقلم‬ ‫أسامة‬ ‫نصار‬ ‫العدد ‪- 64 -‬‬ ‫‪2016 / 2 / 1‬‬

‫عىل م ّر السنوات الخمس الفائتة‪ ،‬هناك لحظة‬ ‫تبدو اآلن من عامل آخر‪ ،‬فيها ماليني السوريني‬ ‫(ماليني بالفعل!) يقفون عىل صعيد واحد يف‬ ‫وقت واحد وهم عىل قلب واحد‪ ..‬يقولون‬ ‫للعامل نحن هنا‪ ،‬اآلن‪ ،‬ومعاً‪ ..‬نريد أن نكون!‬ ‫وحسم‬ ‫مل يكن حل ًام‪ ..‬انترصت الثورة من وقتها ُ‬ ‫األمر لصالح الشعب‪.‬‬ ‫كام مل تكن تلك املظاهرات الكرنفالية الكبرية‬ ‫هي اللحظة املط ّولة الوحيدة‪ .‬ففي كل مدينة‬ ‫وقرية شهد الثائرون املبكرون لحظات شعروا‬ ‫فيها أن البلد تغريت‪ ،‬وأن العامل ك ّله سيتغري‬ ‫كذلك‪.‬‬ ‫لحظة منوذجية من صبيحة اقتحام جيش‬ ‫النظام املط ّعم بالشبيحة ملدينة البيضا يف‬ ‫بانياس‪ ،‬وبعد املشهد الصادم ملجموعات‬ ‫كبرية من الجنود والشبيحة‪ ،‬وقد جمعوا كل‬ ‫رجال البلدة يف ساحتها وراحوا ين ّكلون بهم‬ ‫أمام العجائز والنساء‪ ،‬وكذلك أمام عدسة‬ ‫رسبت‬ ‫رسبت املقطع الشهري لإلعالم‪ ،‬و ّ‬ ‫كامريا ّ‬ ‫فيه ضحكات ألحمق ُيدعى (أبو حيدر) وهو‬ ‫يدوس مع زمالئه جباه شباب املدينة املك ّبلني‪.‬‬ ‫القصة مكررة‪ ،‬ونعرفها جميعاً‪ ،‬اقتحام للقرية‬ ‫الصغرية العزالء‪ ،‬قتل لبعض سكانها‪ ،‬تعذيب‬ ‫وإذالل لكل من فيها‪ ،‬محاوالت لخلق الفنت‬ ‫الطائفية بني األهايل‪ ،‬ثم اعتقال الجميع‪..‬‬ ‫جميع الرجال‪ .‬ثم ماذا؟‬ ‫يف الفجر التايل ليوم القرية الجهنمي الطويل‪،‬‬

‫تعتصم نساء البيضا عىل الطريق الدويل‪،‬‬ ‫وتنضم لهن نساء بانياس وقرى مجاورة‪ ،‬يهتفن‬ ‫ّ‬ ‫ض ّد الظلم وللمطالبة برجال القرية وشبابها‪.‬‬ ‫اضطر النظام إلرسال وفد يفاوضهن‪ ،‬ويل ّبي‬ ‫كل مطالبهنّ ‪ ،‬وأخرج جميع معتقيل القرية‬ ‫وجريانها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قبل أسابيع فقط أيضا استجاب النظام األصم‬ ‫املصمت ‪-‬ألول مرة بعمره‪ -‬لنداءات الناس‬ ‫يف الشارع‪ ،‬وأرسل وزير داخليته ليستمع‬ ‫لصوت رمبا كانت دهشة أصحابه أك َرب من‬ ‫دهشة الوزير نفسه وهو يقول لهم مرعوباً‪:‬‬ ‫(‪..‬مظاهرة!‪ ..‬عيب!)!!‬ ‫يف تشييع شهداء كفرسوسة ثم يف املزّة‪ ،‬وأيضاً‬ ‫يف امليدان يف قلب دمشق‪ ،‬كان النظام يبدأ‬ ‫املفاوضة بطلب أن تبقى الجنائز صغرية‬ ‫يتم التشييع‬ ‫وململمة‪ ،‬ثم يضطر بالقبول أن ّ‬ ‫الضخم‪ ،‬عىل أن ال ُيرفع علم الثورة وال ُيهتف‬ ‫بإسقاط النظام‪ .‬كان الناس يعتربون أن التزامهم‬ ‫ينتهي بدفن الشهيد‪ .‬ويعرفون أن النظام لن‬ ‫يلتزم مبا تع ّهد به أثناء املفاوضات؛ من أنه‬ ‫سيح ّقق يف أمر إطالق النار عىل املظاهرة‬ ‫التي ارتقى فيها املش َّيعون‪ ،‬وأنه سيعمل عىل‬ ‫محاسبة املتس ّببني‪ ،‬بل يعد أيضاً بأن مواجهة‬ ‫املظاهرات بالنار لن تتكرر!‬ ‫يبدو تذكرنا ملطلع الثورة مفرطاً يف الرومانسية‪،‬‬ ‫ويبدو معه لزاماً علينا‪ ،‬ونحن نعدّد مرات‬ ‫اضطر بها النظام أن يأيت صاغراً ليفاوض الناس‬

‫كلمة‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬

‫وهم ع ّزالً‪ ،‬أن نذكر بعضنا بأن هذه اللحظات‬ ‫مل تكن حل ًام (مرسوقاً أو مقتوالً أو ملعوناً!…)‬ ‫بل هي أحداث م ّرت بالفعل وهي حقيقية‪،‬‬ ‫وصورها يف ذاكرتنا أصلية‪.‬‬ ‫واليوم مازلنا نكابر ليك ال نعرتف بأننا ‪-‬من وقت‬ ‫أن فشلنا بإمساك اللحظات الذهبية الكثرية يف‬ ‫البدايات‪ -‬ونحن نراهن عىل حصان خارس‪ ،‬بل‬ ‫إننا دخلنا سباق الخيول املد ّربة ببغل مستعار‪،‬‬ ‫ال نعرف ركوبه ونخاف أن يركبنا!‬ ‫كنا كسوريني نذهب للمفاوضات خفافاً؛ ال‬ ‫تثقلنا أنهار الدماء وأنقاض املدن املد ّمرة‬ ‫ّ‬ ‫املقطعة‪ ..‬ع ّزالً‬ ‫واألموال املس ّيسة والرؤوس‬ ‫لكن أقوياء؛ يدفئنا دم الشهيد الساخن أكرث‬ ‫من شمس الربيع العريب (الذي انقلب صقيعاً)‪.‬‬ ‫دول منّا‪ ،‬وال بأن تقطع ٌ‬ ‫ال نأبه مبا تريده ٌ‬ ‫دول‬ ‫دعمها عنّا أو عن ذخائرنا‪ .‬فسالحنا نحن‪،‬‬ ‫وذخريتنا نحن‪ ،‬وهدفنا أيضاً نحن!‬ ‫نسجل هنا فص ًال آخر من سجاالت (سلمية‬ ‫ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫أم مسلحة؟)‪ ،‬وال نحاول أن نرمي (اآلخرين)‬ ‫باملشكلة‪ .‬فال يشء يعيد أو يع ّوض أو حتى‬ ‫ير ّمم ما فات؛ الشهداء‪ ،‬الجراح‪ ،‬املعتقالت‬ ‫وغرف التعذيب‪ ،‬التغريب‪ ..‬الوقت‪ ..‬والذاكرة!‬ ‫لكنّ الدرس الذي نتع ّلمه من سني الثورة‬ ‫وشهور املفاوضات أن الحرب أو منتجاتها‬ ‫لن تأيت بالعدالة؛ فالعدالة هدف يتحقق‬ ‫بالبناء والرتاكم‪ ،‬وال ميكن تحصيله بالسمرسة‬ ‫واملفاصلة والتطفيف‪.‬‬ ‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫ليىل الصفدي‬

‫معاون رئيس التحرير‬ ‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫املحرر الثقايف‬ ‫رامي العاشق‬

‫املحرر االقتصادي‬ ‫وائل موىس‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫اللعب على هاوية التفاوض‬

‫‪3‬‬

‫ماهر مسعود‬

‫العدد ‪- 64 -‬‬ ‫‪2016 / 2 / 1‬‬

‫لذلك كله عىل املعارضة أن تتنبه‪ ،‬إىل أن مرشوعية‬ ‫مطالبها التي يدعمها الرأي العام السوري املعارض‬ ‫اليوم‪ ،‬والتي عرب بيان صادر عن أكرث من مائة‬ ‫وخمسني مؤسسة مدنية معارضة وآالف النشطاء‬ ‫والكتاب واملثقفني وغريهم من األفراد عن‬ ‫التحامهم بها قبل البدء باملفاوضات‪ ،‬تلك الرشعية‬ ‫ّ‬ ‫املحك بالنسبة للداخل‬ ‫واملرشوعية ال تقف عىل‬ ‫والخارج فحسب‪ ،‬بل إن التنازل عن رشوطها‬ ‫التي هي ُمتض َمنة يف قرار مجلس األمن األخري‬ ‫والقرارات السابقة‪ ،‬يعد سامحاً للدول الحليفة‬ ‫بالتخيل عن التزاماتها التي ال تتعلق بها أص ًال من‬ ‫أجل “سواد عيون” الشعب السوري‪ ،‬وتفويضاً‬ ‫للمجتمع الدويل بالحرب الكونية ضد السوريني‪،‬‬ ‫وتفريطاً بالقضية السورية وبآالم املاليني‪ ،‬دون‬ ‫أمل يف استعادة أي حق مهام كان صغرياً من نظام‬ ‫األسد وحلفائه‪ ،‬وتحوي ًال لنصف الشعب السوري‬ ‫إىل إرهابيني موصوفني سيتوجهون طوعاً وكرهاً‬ ‫إىل أمثال البغدادي بحثاً عن عدالة ساموية ال‬ ‫متنحها األرض املقفرة للحل السيايس عىل الطريقة‬ ‫الروسية املنشودة‪.‬‬

‫ملف العدد‬

‫ُّ‬ ‫يدل التفاوض عرب التاريخ عىل انعدام إمكانية‬ ‫الحسم والنرص العسكري ألي من األطراف‬ ‫املتنازعة‪ ،‬فلم يسبق أن تفاوض منترص مع مهزوم‪.‬‬ ‫املنترص يفرض رشوطه وال يفاوض عليها‪ .‬هذا هو‬ ‫درس التاريخ‪.‬‬ ‫يحاول النظام منذ خمس سنوات االنتصار عىل‬ ‫الشعب الثائر ضده يف سوريا‪ ،‬ومل يرتك وسيلة‬ ‫قذرة أو سالحاً فتّاكاً إال واستخدمه ضد السوريني‪،‬‬ ‫وبالرغم من ذلك فقد آل للسقوط أكرث من مرة منذ‬ ‫‪ ،2012‬لكنه كان يجد دامئاً نظاماً دولياً قوياً يدعمه‬ ‫ويحميه من االنهيار‪ .‬وهو مل يبخل يف املقابل برد‬ ‫الجميل‪ ،‬إن كان ببيع األرض والعرض إليران عام‬ ‫‪ ،2012‬أو بالتخيل عن السالح االسرتاتيجي ألمريكا‬ ‫ومن خلفها ارسائيل عام ‪ ،2013‬أو بالتوقيع عىل‬ ‫صك االحتالل العسكري الرويس عام ‪.2015‬‬ ‫ُّ‬ ‫يدل التفاوض الحاصل يف جنيف‪ 3‬عىل مسألة يف‬ ‫غاية األهمية‪ ،‬وهي أن انعدام الحسم بني األطراف‬ ‫املتنازعة مل يبق خاصاً بسوريا‪ ،‬بل انتقل إىل واقعة‬ ‫دولية وإقليمية محكومة بانعدام القطبية‪ ،‬ولذلك‬ ‫تبدو املفاوضات حاجة دولية أكرث من كونها‬ ‫سورية‪ ،‬ويبدو التفاوض دولياً وإقليمياً أكرث من‬ ‫كونه سوريا‪ ،‬وذلك مع األخذ بعني االعتبار‪ ،‬أنه‬ ‫من دون األطراف السورية لن متيش أي عملية‬ ‫تفاوضية‪ ،‬ولن تأخذ أي من األطراف الدولية‬ ‫الداخلة يف التفاوض‪ ،‬ويف صلب النزاع‪ ،‬أي صفة‬ ‫رشعية تبحث عنها بقوة تحت سقف األمم‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫هذا الوضع التفاويض يف ّ‬ ‫ظل الالقطبية الحاصلة‪،‬‬ ‫يعد ورقة هامة جداً بيد املعارضة (واملقصود‬ ‫هيئة التفاوض دون غريها) إن عرفت كيف تلعب‬ ‫سياسة بني الوحوش ا ُمل ِّ‬ ‫تدخلة واملديرة للمفاوضات‬ ‫واملحتاجة لها يف الوقت ذاته‪ .‬فام يريده الروس‪،‬‬ ‫أصبح واضحاً وضوح الشمس (يتطابق مع ما‬ ‫يريده النظام عىل املدى القريب ورمبا املتوسط‪،‬‬ ‫ضم حركة‬ ‫وإن اختلف عنه يف املدى البعيد) وهو ُّ‬ ‫أحرار الشام وجيش اإلسالم إىل “داعش” وجبهة‬ ‫النرصة‪ ،‬وإجامل املعارضة املسلحة يف معظمها‬ ‫تحت بند اإلرهاب‪ ،‬باإلضافة إىل ضم البقية الباقية‬ ‫لصالح الحرب الدولية ضد “اإلرهاب” برشاكة‬ ‫النظام يف دمشق‪ ،‬ثم ما يتبع ذلك من تشكيل‬ ‫حكومة وحدة وطنية بقيادة األسد مع تنازالت‬ ‫طفيفة هنا وهناك‪.‬‬ ‫األمريكان أيضاً يريدون ما يسعى إليه الروس‪،‬‬ ‫ولكن مع حسابات إقليمية مختلفة‪ ،‬تعطي أهمية‬

‫ال ميكن تجاوزها لرتكيا ودول الخليج واألردن‪،‬‬ ‫والعامل العريب و”السنَّة” بوجه عام‪ .‬ولذلك فإن‬ ‫الضغط األمرييك عىل املعارضة هدفه كسب‬ ‫الرشعية منها‪ ،‬وتوقيعها وإرشاكها يف الحرب‬ ‫الروسية األمريكية ضد “اإلرهاب” بعد ّ‬ ‫تشميله‬ ‫كل املعارضة اإلسالمية املسلحة‪ ،‬وذلك دون أن‬ ‫تجد دوالً مثل تركيا والسعودية مكاناً لالعرتاض‬ ‫عىل ما و َّقع عليه أصحاب الحق واألرض األساسيني‪،‬‬ ‫أي املعارضة املمثلة بهيئة التفاوض‪.‬‬ ‫ومن هنا فإن إرصار املعارضة عىل هيئة الحكم‬ ‫االنتقايل بصالحيات كاملة‪ ،‬ومنع ادراج املعارضة‬ ‫اإلسالمية بس ّلة اإلرهاب مهم جداً‪ ،‬وذلك من أجل‬ ‫إحراج الحلفاء قبل األعداء‪ ،‬حيث إنه ال مشكلة يف‬ ‫العمق عند دول مثل األردن أو السعودية أو تركيا‬ ‫يف إعادة تأهيل النظام عىل الطريقة األمريكية‬ ‫الروسية‪ ،‬إن وافقت املعارضة وقبلت بالفتات‬ ‫املرمي لها يف جنيف‪ ،3‬وهو ما وافقت عليه منذ‬ ‫زمن طويل “معارضات” بال كرامة من أمثال هيثم‬ ‫مناع أو قدري جميل أو غريهم من الحارضين يف‬ ‫جنيف‪.‬‬ ‫من املمكن كام يقول الروس‪ ،‬أن تتم املفاوضات‬ ‫“مبن حرض”‪ ،‬أي دون الهيئة العليا للتفاوض‪،‬‬ ‫لكن ذلك لن يعطي أي رشعية دولية للقصف‬ ‫الرويس واإليراين واألسدي ضد املعارضة‪ ،‬وهو ما‬ ‫يعني أن دوالً مثل تركيا أو السعودية أو غريها‪،‬‬ ‫لن تتوقف عن دعم املعارضة بكل الوسائل‪ ،‬كام‬ ‫أن ذلك قد يلم الشمل بني كل الفصائل املعارضة‬

‫باإلضافة طبعاً لجبهة النرصة‪ ،‬وهذا بالضبط ما ال‬ ‫تريده أمريكا؛ وطبعاً روسيا من الخلف‪ ،‬ولذلك‬ ‫نراهم يؤكدون مع دميستورا بطريقة غارقة يف‬ ‫االحتيال الوضيع‪ ،‬أن املفاوضات هي “فرصة” البد‬ ‫للمعارضة من “انتهازها” والتعبري عن مطالبها‬ ‫أمام الجميع‪.‬‬


‫‪44‬‬

‫هل ســينتج “جنيف ‪ ”3‬حالً للصراع في سورية؟‬ ‫أبو القاسم السوري‬

‫‪- 64‬‬ ‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2016 // 82 // 21‬‬ ‫‪2015‬‬

‫العدد‬ ‫ملف‬ ‫لقاءات‬

‫العيون ترنو جميعها باتجاه جنيف‪ ،‬بانتظار ما‬ ‫ستؤول إليه املفاوضات‪ ،‬أو كام يتم تسويقها بأنها‬ ‫حل للرصاع يف سورية‪ّ .‬‬ ‫(مباحثات) تهدف إىل ّ‬ ‫ولعل‬ ‫أحالم الشعب السوري تتع ّلق يف كل مرة بأي جهد‬ ‫يخفف املعاناة التي فرضها النظام املجرم عليهم‪،‬‬ ‫ولكن الحقائق الجيوسياسية عىل األرض السورية‬ ‫واملصالح اإلقليمية والدولية ال زالت تؤرش إىل أن‬ ‫البيئة السياسية اإلقليمية والدولية مل تصل إىل‬ ‫مرحلة اتخاذ القرارات املصريية‪ ،‬رغم أن الدول‬ ‫اإلقليمية والدولية وصلت لقناعة برضورة تخفيف‬ ‫حدة الرصاع حالياً‪ ،‬وليس إنهائه بالكامل ألن‬ ‫الجميع مدرك أن الرصاع املمتد يف سورية ملدة‬ ‫‪ 5‬سنوات ال ميكن حرص آثاره مبفاوضات سياسية‬ ‫فقط؛ بل يلزمها تغيري وقائع عىل األرض‪ ..‬ودائرة‬ ‫العنف التي أطلقها النظام املجرم يف محاولته‬ ‫إخامد الثورة السورية ال ميكن حرص تداعياتها‬ ‫إال بإخراج املو ّلد الرئييس للعنف من مركزه‬ ‫بشكل نهايئ‪ ،‬لكن هذا األمر ليس مطروحاً حالياً‬ ‫بسبب املساندة الروسية اإليرانية للنظام‪ ،‬وتشتت‬ ‫وترشذم البديل الثوري له‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فإن أردنا أن نؤرش إىل قراءة سياسية‬ ‫عقالنية ملا يحدث عىل أرض الواقع يف سورية‪،‬‬ ‫وانعكاساتها عىل املفاوضات السياسية لوجدنا أن‬ ‫النظام وحلفاءه وضعوا ّ‬ ‫جل جهودهم يف الفرتة‬ ‫املاضية الستحصال أوراق ق ّوة قبل املفاوضات‪،‬‬ ‫متثلت يف احتالل مناطق سلمى وربيعة يف الالذقية‬ ‫وتأمني منطقة الساحل بالكامل‪ ،‬إضافة إىل احتالل‬ ‫مناطق يف حمص وأخرياً يف درعا من خالل احتالل‬ ‫الشيخ مسكني‪ .‬بينام الدول املساندة للثورة‪،‬‬ ‫وخاصة اإلقليمية منها كالسعودية وتركيا‪ ،‬مل تعمل‬ ‫عىل الرد عىل هذا األمر من خالل مساندة قوى‬ ‫الثورة املس ّلحة عىل األرض‪ ،‬مام ساهم يف خسارة‬ ‫هذه القوى لهذه املناطق‪ ،‬وهذا يطرح السؤال‪:‬‬ ‫هل هذا يؤرش إىل أن هذه الدول تخ ّلت عن‬ ‫دعمها للثورة السورية‪ ،‬وقد تم تسليم الورقة‬ ‫السورية بالكامل للروس واإليرانيني؟‬ ‫أعتقد أن اإلجابة بالتأكيد أن هذا األمر مل يحصل‪،‬‬ ‫ألن الدول اإلقليمية الرئيسية تدرك أن هذا األمر‬ ‫يهدد أمنها القومي مبارشة‪ ،‬وهو ما لن تسمح‬

‫به إطالقا‪ ،‬ليس من باب الوقوف األخالقي مع‬ ‫الشعب السوري‪ ،‬بل انطالقا أساساً من قراءة‬ ‫مصلحية ترتبط بوجود هذه الدول‪ .‬وعليه‪ ،‬يبدو‬ ‫أن هناك توافقاً إقليمياً ودولياً بالحدود الدنيا أفرز‬ ‫التطورات األخرية يف سورية‪ .‬هذا التوافق ينبني‬ ‫أساساً عىل رضورة إيجاد مرحلة جديدة وصورة‬ ‫جديدة للرصاع يف سورية‪ ،‬سمتها الرئيسية تخفيف‬ ‫حدة الرصاع وتغيري الوقائع عىل األرض وإيجاد‬ ‫قوى جديدة‪ ،‬ومبيزان قوى جديد‪ .‬ميكن لهذه‬ ‫التغريات أن تفرز يف النهاية ّ ً‬ ‫حل للرصاع يف سورية‪.‬‬ ‫ولعل القرار األممي األخري ‪ 2254‬هو خري دليل‬ ‫عىل هذا التوجه؛ حيث أكد القرار عىل خطوات‬ ‫عملية تسهم يف تخفيف حدة الرصاع‪ ،‬ولكنه ابتعد‬ ‫عن أي نقاط قد تؤرش إىل إنهاء الرصاع وخاصة‬ ‫عقدة رحيل رأس النظام‪.‬‬ ‫ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إذا كانت‬ ‫الصورة بهذا الشكل‪ ،‬فام الفائدة التي ستجنيها‬ ‫الثورة من اشرتاكها يف هذه املفاوضات؟‬ ‫إن هذا السؤال هو من أهم األسئلة التي كانت‬ ‫تدور يف خلد أعضاء الهيئة العليا للتفاوض‪ ،‬والتي‬ ‫امتازت لح ّد اآلن مبهنية عالية يف األداء‪ ،‬وخاصة‬ ‫أداء رئيسها رياض حجاب؛ فأغلب قادة املعارضة‬ ‫يدركون أن النظام سعى وبكل جهده إىل تحويل‬ ‫املناطق املحررة إىل مناطق غري صالحة للعيش‪،‬‬

‫من خالل القصف املمنهج والحصار‪ ،‬ولذلك فإن‬ ‫الوصول إىل خطوات إنسانية‪ ،‬والتي تضمنها القرار‬ ‫األممي‪ ،‬وخاصة وقف إطالق النار ّ‬ ‫وفك الحصار‬ ‫وإدخال املساعدات‪ ،‬سيجعل من املناطق املحررة‬ ‫مناطق قابلة للسكن‪ ،‬ويعيد لها بريقها‪ ،‬وبالتايل‬ ‫سيعيد للثورة من حيث ال ندري بريق العمل‬ ‫املدين الثوري‪ ،‬وهو العمل الذي ميكن ‪-‬إن توفر‬ ‫الوعي الكايف‪ -‬أن يفرز ميكانيزمات قادرة عىل‬ ‫طرح بدائل سياسية حقيقية‪ ،‬تكون قادرة عىل‬ ‫التعامل مع املصالح اإلقليمية والدولية‪ ،‬وبالتايل‬ ‫يكون إنهاء النظام أمراً قاب ًال للتحقق‪ .‬ورمبا تعود‬ ‫للثورة بوصلتها باتجاه بناء سورية دولة دميقراطية‬ ‫مدنية‪ ،‬وهي الوجهة التي سعى النظام وبكل‬ ‫جهده إىل حرفها باالتجاه العنفي ووسم الثورة‬ ‫باإلرهاب‪ .‬لذلك سيسعى النظام للمامطلة وعدم‬ ‫اإليفاء بأي تعهد إنساين‪ ،‬وخاصة وقف إطالق‬ ‫النار‪ ،‬لذلك ال ب ّد من تبني اسرتاتيجية تفاوضية‬ ‫وفق محددين رئيسني‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬عدم التنازل عن تحقيق البنود اإلنسانية التي‬ ‫تضمنها القرار األممي ‪ 2254‬بأي شكل كان‪ ،‬وقد‬ ‫أثبتت الهيئة التفاوضية مقداراً عالياً من املهنية‬ ‫لح ّد اآلن يف مقاربتها لهذا املوضوع‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬رفض الوصول إىل أي اتفاق يرشعن بقاء‬ ‫النظام‪.‬‬

‫كريي ودي ميستورا والفروف خالل املؤمتر الصحايف يف ختام محادثات فيينا املاضية حول األزمة السورية (أ ف ب)‬


‫التفاوض تحت النار‬ ‫‪5‬‬

‫شوكت غرزالدين‬

‫العدد ‪- 64 -‬‬ ‫‪2016 / 2 / 1‬‬

‫ملف العدد‬

‫ّ‬ ‫والتفاويض يف سور ّية يف‬ ‫يتالزم املساران العسكريّ‬ ‫آنٍ ‪ ،‬بالرغم من ّأن تقدّم أحدهام يقتيض تراجع‬ ‫اآلخر‪ .‬وبالرتابط مع انعدام الحسم العسكريّ‬ ‫مرجحة عىل فرص الحسم‬ ‫تغدو فرص التفاوض ّ‬ ‫العسكريّ وأكرث واقعية وأقل تكلفة‪.‬‬ ‫وما صدور قرار مجلس األمن ‪ 2254‬أساساً إ ّال تعبرياً‬ ‫عن أرجحية التفاوض لقطع الطريق عىل خمس‬ ‫تهديدات أساس ّية لبنية النظام الدو ّيل؛ تهديدات‬ ‫متداخلة ومرتاكبة زمنياً ومنطقياً وواقعياً‪ :‬التهديد‬ ‫األول هو ابتعاد الحسم العسكريّ وتكلفته‬ ‫عىل أصعدة مختلفة عسكر ّية ومال ّية وبرش ّية‪،‬‬ ‫وما يحمله من إمكانية التورط يف املستنقع‬ ‫السوريّ ‪ .‬أ ّما الثاين فهو الوضع اإلنساين يف سور ّية‬ ‫واملرتبط بالحصار والجوع واالعتقال والقتل تحت‬ ‫التعذيب‪ ...‬وما يش ِّكله هذا الوضع من ضغط عىل‬ ‫النظام العاملي ومنظامته الدول ّية الحتوائه بشكل‬ ‫من األشكال أو االلتفاف عليه‪ .‬والثالث هو اللجوء‬ ‫والنزوح وما يرتتب عليهام من مشاكل االندماج‬ ‫والعنرص ّية واألمن واألموال التي تطال الجميع‬ ‫بنسب متفاوتة‪ .‬والتهديد الرابع هو الفوىض وما‬ ‫تش ِّكله من فرصة كبرية لقوى جهاد ّية برزت بشدّة‬ ‫وال تعري انتباهاً لحسابات الربح والخسارة باملعنى‬ ‫التقليدي‪ ،‬وليست ﻣﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍ ّ‬ ‫ﻟﺘﺴﻠﺢ‬ ‫ﻭﺍﻟﺮﺩﻉ كالدول القوم ّية‪ .‬وأخرياً‪ ،‬التهديد الخامس‬ ‫هو الدولة السور ّية الفاشلة؛ لضعف تحكمها‬ ‫بالسالح والرثوة والقضاء واإلعالم من جهة أوىل‪،‬‬ ‫وعدم تحمل مسؤولياتها يف األمن واالستقرار‬ ‫عىل املجاالت الداخلية واإلقليمية والدولية من‬ ‫جهة ثانية‪ .‬ولهذا يسعى النظام الدو ّيل إىل عملية‬ ‫تفاوض ّية كرضورة وليس كهبة منه‪.‬‬ ‫أ ّما وقد التحق وفد املعارضة السور ّية مبفاوضات‬ ‫جنيف استناداً إىل قرار مجلس األمن وإىل‬ ‫تطمينات وضامنات مكتوبة بتطبيق البندين ‪12‬‬ ‫و ‪ 13‬منه‪ ،‬فيجب عىل الوفد املفاوض‪ ،‬وميكن‬ ‫له‪ ،‬عدم االنجرار إىل عدة تحوالت يجري العمل‬ ‫لتحقيقها وإفراغ عملية التفاوض من مضمونها‬ ‫ومنها مث ًال‪:‬‬ ‫يجري العمل عىل تحويل املفاوضات إىل مباحثات‬ ‫أو محادثات؛ اليشء الذي يسلب وفد املعارضة‬ ‫قيمته السياس ّية‪ .‬وتحويل مرشوع تشكيل “هيئة‬ ‫حكم انتقايل كاملة الصالحيات” إىل “حكومة‬ ‫سيايس‬ ‫وحدة وطن ّية”‪ .‬وتحويل الهدف من انتقال‬ ‫ّ‬

‫سيايس‪ .‬وتحويل مجرم الحرب إىل‬ ‫إىل إصالح‬ ‫ّ‬ ‫محارب لإلرهاب‪ .‬والتحول لتجزئة قرار مجلس‬ ‫األمن‪ ،‬يف حني ًّأن فاعليته تكمن بكليته ال بأجزائه‪.‬‬ ‫وتحويل التفاوض عن مجرمي الحرب واعتبارهم‬ ‫رشكاء‪ .‬وتحويل األعني عن تضحيات السوريني‪.‬‬ ‫وتحويل الوصل الواقعي بني املسار السيايس وبني‬ ‫املسار اإلنساين إىل فصل افرتايض بينهام؛ اليشء‬ ‫الذي يض ّيع مسألتي املسؤولية والعدالة من جهة‪،‬‬ ‫وال يجيب ‪-‬من جهة أخرى‪ -‬عن سؤالني أساسيني‬ ‫يرتبطان بهاتني املسألتني وهام‪ :‬ملاذا حدثت هذه‬ ‫الكارثة اإلنسانية بالسوريني؟ ومن يقف وراءها؟‬ ‫وإذا ما متت هذه التحوالت ووافق وفد املعارضة‬ ‫عليها سيكون مؤمتر جنيف الوجه اآلخر لداعش‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وسيطبق هذا املؤمتر شعار داعش يف البقاء‬ ‫والتمدد‪.‬‬ ‫من هنا تبدو “التطمينات والضامنات” الدول ّية‬ ‫و “نية” الهيئة العليا للتفاوض يف “اختبار جد ّية‬ ‫ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻷﺧﺮ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻤﻟﺒﺎﺣﺜﺎﺕ ﻣﻊ ﻓﺮﻳﻖ ﺍﻷﻣﻢ‬ ‫ﺍﻤﻟﺘﺤﺪﺓ ﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﺍﻻﻟﺘﺰﺍﻣﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻭﺍﻤﻟﻄﺎﻟﺐ‬ ‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻛﻤﻘﺪﻣﺔ ﻟﻠﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺿﻴﺔ ﻭﺇﻤﺗﺎﻡ‬ ‫ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﺍﻟﺴﻴﺎﻲﺳ ﻋﺮﺒ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻫﻴﺌﺔ ﺣﻜﻢ‬ ‫ﺍﻧﺘﻘﺎﻲﻟ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﺼﻼﺣﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳية” تبدو‬ ‫تطمينات نافلة ون ّية يف غري مح ّلها‪ .‬ومثل هذه‬ ‫التطمينات وهذه الن ّية املعلنة ما هي إ ّال سياسة‬ ‫الباب املوارب؛ نصف مفتوح نصف مغلق الذي‬ ‫لخصته فريوز بأغنية تعا وال تجي!‬

‫فقد فشلت روسيا بثالث مسائل وهي‪ :‬إدخال‬ ‫عنارص يف وفد املعارضة واستبعاد أخرى منها‪ .‬ويف‬ ‫تصنيف اإلرهابيني‪ .‬ويف تشكيل وفد ثالث‪ .‬بينام‬ ‫نجحت يف ثالث مسائل‪ :‬تأخري بدء التفاوض قرابة‬ ‫شهر‪ .‬وإحداث تغيريات عىل األرض كاسرتجاع‬ ‫“سلمى وربيعة والشيخ مسكني”‪ .‬وإمداد النظام‬ ‫بجرعة أمل نأمل أن تكون وهمية‪.‬‬ ‫يبت ّز النظام وحلفاؤه هيئة التفاوض العليا والوفد‬ ‫املفاوض باإلرهاب‪ ،‬وما عىل الهيئة العليا للتفاوض‬ ‫ووفدها املفاوض ّإل ابتزاز النظام بوصفه مجرم‬ ‫تم استبعاد ممثل جيش اإلسالم من‬ ‫حرب‪ .‬وقد ّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫الوفد املفاوض مرحليا عىل أمل أن يعود إىل الوفد‬ ‫يف مرحلة الحقة‪.‬‬ ‫ويبقى تصدير اإلرهاب وتشكيله خطراً عىل‬ ‫املدنيني ‪-‬ال عىل الدول القومية‪ -‬ناظ ًام للتوجهات‬ ‫الدول ّية‪ .‬وتبقى مشكلة التورط يف املستنقع‬ ‫السوري‪ ،‬وتبديد الرثوة والقوة والتعامل بفاعلية‬ ‫وأقل تكلفة بوصلة ترشد املواقف الدول ّية‪ .‬يجب‬ ‫وميكن العزف عىل مثل هذه املعطيات؛ فقوة‬ ‫وفد املعارضة يف املفاوضات تكمن بتضحيات‬ ‫السوريني األسطورية أساساً إلنجاز تغيري وطني‬ ‫دميقراطي‪ ،‬ويساند هذه القوة الواقع الذي جعل‬ ‫الجميع بحاجة إىل عملية تفاوضية‪ .‬اليشء الذي‬ ‫يجعلنا نقول للهيئة العليا للمفاوضات ولوفدها‬ ‫املفاوض‪ :‬أنتم أقوياء وعليكم التفاوض بقوة‬ ‫إلنجاز طموحات السوريني‪.‬‬

‫قصف املقاتالت الروسية يف حلب ‪ -‬مصدر الصورة إنرتنت‬


‫‪6‬‬

‫هل تمتلك المفاوضات‬ ‫مقومات النجاح؟‬ ‫أنور عباس‬

‫العدد ‪- 64 -‬‬ ‫‪2016 / 2 / 1‬‬

‫ملف العدد‬

‫يقبل السوريون اليوم عىل مرحلة حاسمة من تاريخ أزمتهم تتمحور حول‬ ‫إطالق مفاوضات بني النظام واملعارضة للوصول إىل ّ‬ ‫حل لهذه األزمة‪ .‬وتضع‬ ‫القوى الدولية واإلقليمية كل ثقلها أو شيئاً منه لدفعها نحو الحدوث‪ .‬لكن‬ ‫أحداً ال يبدو عازماً عىل جعلها تؤيت مثاراً تعود عىل السوريني بالخري‪ ،‬وهو أمر‬ ‫لن نتطرق إليه بالتفصيل هنا‪.‬‬ ‫يتلخص الهدف العام لهذه املفاوضات‪ ،‬وفق ما رشح عنها حتى لحظة كتابة‬ ‫هذا املقال‪ ،‬بالوصول إىل ّ‬ ‫حل سيايس لألزمة السورية‪ ،‬وهو هدف بعيد املنال‬ ‫ضمن املعطيات الحالية‪.‬‬ ‫يجدر القول بأن كل ما يحدث يف سوريا جدير بالتفاوض‪ ،‬وأن أي تطور يوفر‬ ‫قطرة من الدم هو تطور إيجايب يف ّ‬ ‫ظل هذا البحر املمتد من املوت والدمار‪.‬‬ ‫هذا ما تفرضه الواقعية بأي حال‪.‬‬ ‫ليس هذا ّ‬ ‫جل ما يصبو إليه السوريون‪ ،‬لكنه‪ ،‬ويف ضوء الواقع األليم الذي‬ ‫آلت إليه الثورة‪ ،‬يشكل أولوية مرحلية‪ .‬يجب دون ريب التفريق بني الحلول‬ ‫والصفقات االسرتاتيجية طويلة األمد‪ ،‬والحلول التكتيكية التي تعالج جزءاً‬ ‫أو أجزاء من األزمة‪ .‬ميكن أحيانا التساهل حول حلول املدى البعيد لتحقيق‬ ‫مكاسب مرحلية أو العكس‪ ،‬سيام حني يتع ّلق األمر بحياة األبرياء‪.‬‬ ‫يبدو مفيداً أن ننظر بقليل من التحليل إىل األمور كام هي عىل األرض ويف‬ ‫املحافل‪ .‬وال يبدو أن هناك الكثري مام يجمع النظام واملعارضة من حيث‬ ‫األهداف من هذه املفاوضات‪ .‬واألهداف املتعلقة مبستقبل سوريا‪ّ ،‬‬ ‫ولعل‬ ‫النظام ميتلك وضوحاً أكرب يف رؤيته تلك‪ ،‬وهي رؤية همجية أحادية؛ فهو‬ ‫يدافع عن سوريا األسد والحزب الواحد والعائلة الواحدة‪ ،‬ولديه حليف‬ ‫يزج بطريانه وجنوده دع ًام له‪ ،‬وحلفاء آخرون يساندونه يف املحافل‬ ‫عسكري ّ‬ ‫الدولية وكواليس السياسة والصفقات الكربى‪ .‬لكن املعارضة مشتتة يف رؤيتها‬ ‫تلك‪ ،‬وال تحظى بحليف بوزن روسيا أو إيران‪ ،‬وهو أمر يضعف موقفها‬ ‫التفاويض كثرياً‪ .‬يعني هذا أن إمكانية اللقاء حول حل أو خطة للحل ال يبدو‬ ‫ظاهراً للعيان‪ .‬فام يفرق الطرفني أكرث بكثري مام ميكن أن يجمعهام‪ ،‬إن وجد‬ ‫هذا األخري أص ًال‪.‬‬ ‫يف علم التفاوض‪ ،‬هناك أركان ال بد من توفرها للرشوع مبفاوضات تحظى‬ ‫بالنجاح‪ ،‬لن نرسدها جميعها هنا‪ .‬لكن التفاوض عىل أمر ما بني طرفني أو‬ ‫أكرث يتطلب توفر ما يسمى بـ “حيز االتفاق املحتمل” بني أطراف التفاوض‪.‬‬ ‫يتم عىل أمر ألطراف عملية التفاوض فيه‬ ‫والتفاوض‪ ،‬أوالً وقبل كل يشء‪ّ ،‬‬ ‫مصلحة واضحة‪ ،‬مع توفر إمكانية تقديم التنازالت ضمن حدود املصلحة‬ ‫العليا لكل طرف‪.‬‬ ‫ال يتم التفاوض حول أمور متناقضة متاماً ال ميكن االلتقاء حولها‪ .‬فالتفاوض‬ ‫هو عملية ثنائية‪ ،‬ترمي إىل الوصول إىل حل يتفق عليه طرفان‪ ،‬حتى يف‬ ‫حاالت الحرب‪ ،‬للقيام بأمر معاً! إن غياب هذه املساحة يعني أنها عملية‬ ‫إلخضاع طرف لرشوط الطرف اآلخر كاملة‪ ،‬وهو يناقض جوهر مفهوم‬ ‫التفاوض القائم عىل الوصول إىل ّ‬ ‫حل وسط ملشكلة ما‪ .‬أو قد يعني‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يبدو عليه الحال‪ ،‬أن حظوظ النجاح تصبح شبه معدومة‪.‬‬ ‫عىل املعارضة اليوم وهي تستعد لجنيف الثالثة‪ ،‬أن تجيب عن أسئلة حيوية‬ ‫جداً‪ .‬هل هناك يشء من هذه املساحة املشرتكة فع ًال؟ هل هناك نقاط‬ ‫مشرتكة بني النظام واملعارضة ميكن أن يتم االتفاق حولها؟ هل هناك مرونة‬ ‫لدى أطراف املفاوضات لتوسيع هذه املساحة من خالل تقديم تنازالت‬ ‫معينة؟ هل ميتلك أي من الطرفني القوة (‪ )leverage‬للضغط باتجاه كسب‬ ‫املزيد؟ هل متتلك املعارضة هذه القوة؟‪..‬‬

‫في الغوطة الشرقية‬

‫متفائلون ومتخوفون‬ ‫من عملية التفاوض‬ ‫محمد الثائر‬ ‫يف محاولة لإلضاءة عىل رأي الشارع السوري يف الداخل‪ ،‬ومساهمة يف‬ ‫الجدل الدائر حول موضوع املفاوضات (أو املباحثات!) التي تجري اآلن يف‬ ‫جنيف بني وفدي نظام األسد واملعارضة السورية‪ ،‬استطلعت مجلة طلعنا‬ ‫عالحرية آراء عدد من املواطنني والناشطني يف الغوطة الرشقية املحارصة‪.‬‬ ‫مل يجد جميع من حاورناهم مشكلة يف التفاوض من حيث املبدأ‪ ،‬وتفاوتت‬ ‫تطلعاتهم ومخاوفهم بحسب طريقة نظرهم للواقع وملا هو ممكن‪.‬‬ ‫السيد راتب خبية‪ ،‬موظف يف مكتب االرتباط التابع لالئتالف السوري‬ ‫لقوى الثورة‪ ،‬قال‪“ :‬أنا مع املفاوضات ويكفي قت ًال للجميع‪ ،‬ويجب أن‬ ‫يكون هناك حل” وأضاف خبية‪“ :‬ينبغي للمعارضة السورية التي ستذهب‬ ‫إىل جنيف ‪-‬إن ذهبت‪ -‬أن يكون خيارها األسايس ّ‬ ‫فك الحصار عن املدنيني‬ ‫ووقف القصف‪ .‬وال بد يف النهاية من الوصول إىل حكومة انتقالية ال يكون‬ ‫لألسد ونظامه املجرم الذي شارك يف قتل الشعب السوري أي دور فيها”‪.‬‬ ‫ويف مسألة ّ‬ ‫فك الحصار ووقف آلة القتل األسدية اتفق مع خبية الناشط‬ ‫اإلعالمي هيثم ب ّكار مضيفاً أن “عىل هيئة التفاوض إنهاء حكم األسد وفق‬ ‫مقررات جنيف ‪ 1‬بحكومة انتقالية كاملة الصالحيات ال وجود فيها لألسد‬ ‫ورموزه”‪.‬‬ ‫ورأى د‪ .‬محمد‪ ،‬الطبيب يف املكتب الطبي املوحد أن “علينا أن نذهب‬ ‫للمفاوضات إن كسبنا شيئاً فهذا جيد وإن مل نكسب شيئاً فلن يكون‬ ‫الوضع أسوأ”‪.‬‬ ‫أما السيدة أم محمد‪ ،‬وهي ناشطة يف املجال اإلغايث وأم لستة أوالد‪،‬‬ ‫فقالت‪“ :‬قل لن يصيبنا إال ما كتب الله لنا” أنا متفائلة أن الله سيكتب لنا‬ ‫الخري بعد كل هذا الصرب”‪.‬‬ ‫املسعف أحمد راتب‪ ،‬وكذلك املوظف يف القطاع الطبي أبو محمد‪ ،‬اتفقا‬ ‫عىل أن املفاوضات أمر واقع وهي “مفروضة عىل السوريني”‪ .‬وأضاف‬ ‫راتب‪“ :‬أرى أن الهيئة العليا للمفاوضات التي تتخذ من الرياض مقراً‬ ‫لها هيئة قوية ومتثل صوتاً للمعارضة القوية‪ ،‬وقوتها ال تأيت من قوة‬ ‫شخصياتها وال من قوتها عىل األرض‪ ،‬بل تأيت من قوة الدول املستضيفة‬ ‫لها‪ ،‬وأيضاً قوة مواقف الدول الراعية”‪ ،‬وع ّلل راتب دعم بعض الدول‬ ‫ملواقف هيئة التفاوض بتعقيدات أخرى مثل الوضع يف اليمن بالنسبة‬ ‫للسعودية‪ ،‬وتهديد فصائل كوردية بالنسبة لرتكيا‪ ،‬وأضاف‪“ :‬ال أق ّلل من‬ ‫شأن املعارضني‪ ،‬لكن قوتهم ستكمن يف أن يكونوا سياسيني بكل حرفية‬ ‫ومهنية‪ ،‬وال ّ‬ ‫شك أن دعم الفصائل العسكرية الضاربة عىل األرض للهيئة‬ ‫سيمنحها قوة يف التكتيك أمام املكر الذي قد ميكر للمعارضة”‪ .‬ومل يستبعد‬ ‫راتب أن نصل لوضع يتجادل فيه املفاوضون يف جنيف بينام يتصارع‬ ‫مقاتلو كل طرف عىل الجبهات‪ ،‬وختم كالمه بأن “النرص لصاحب النفس‬ ‫الطويل”‪ .‬بينام أضاف أبو محمد‪“ :‬علينا الذهاب ألننا بني أمرين أحالهام‬ ‫مر‪ ..‬والدول التي تدعي أنها من أصدقاء الشعب السوري هي التي تضغط‬ ‫علينا لنقدم التنازالت لنظام القتل؛ فهم يضعون األسئلة أيضاً ويحاولون أن‬ ‫يجيبوا عليها‪ .‬وسوريا بإذن الله لن تقسم ألن فيها رجاالً أبطال”‪.‬‬


‫أهالي إدلب مع الشروط‬ ‫المسبقة لحضور جنيف‬ ‫سمير كرم‬

‫العدد ‪- 64 -‬‬ ‫‪2016 / 2 / 1‬‬

‫وتابع أيضاً‪“ :‬ال يوجد بديل عن املفاوضات‪ ،‬وال‬ ‫ب ّد من الذهاب إليها”‪ ،‬مؤكداً أن عدم الذهاب‬ ‫سينعكس سلباً عىل املعارضة‪ ،‬ودعا أيضاً للتظاهر‬ ‫خالل أسبوع املفاوضات وغريها حتى تحقق الثورة‬ ‫أهدافها ومطالبها‪.‬‬ ‫ويوافقه الرأي الناشط واإلعالمي محمد الخاين‬ ‫(ريف إدلب‪ -‬خان شيخون)‪ ،‬بقوله إن “عىل هيئة‬ ‫التفاوض املشاركة يف جنيف‪ ،‬برشط أال تكون‬ ‫مفاوضات لتقديم التنازالت مقابل األمن واألمان‪،‬‬ ‫فذلك يستدعي القيام بثورة ثانية إلعادة الكرامة‬ ‫التي فقدها الشعب السوري منذ سنني”‪ ،‬ورفض‬ ‫الخاين التعويل عىل مواقف الدول التي بحثت‬ ‫عن مصالحها عىل حساب الشعب السوري؛ “فال‬ ‫خري منها والمن مواقفها وال من مساعداتها التي‬ ‫غلبت عليها رائحة الربغل واملعكرونة عىل رائحة‬ ‫البارود”!‬ ‫وعن بديل املفاوضات تابع قائ ًال‪“ :‬ال ب ّد من وحدة‬ ‫املعارضة السياسية أوالً وفصائل الجيش الحر‬ ‫املقاتلة عىل األرض ثانياً‪ ،‬وتقديم الدعم العسكري‬ ‫لهم‪ ،‬تزامناً مع النزول إىل الساحات والتظاهر يف‬ ‫كل املناطق السورية”‪.‬‬ ‫ويرى املحامي محمود الرسالن (ريف إدلب‪-‬‬ ‫كفرنبل)‪ ،‬أن “املشاركة يف املفاوضات من قبل‬ ‫الهيئة برشوطها الواضحة‪ ،‬أم ٌر جيد”‪ ،‬مؤكداً يف‬ ‫الوقت ذاته أن “مواقف الدول ليست صادمة‬ ‫وستنتج شيئاً تجاه الرصاع السوري”‪ ،‬وعن بديل‬ ‫املفاوضات أكد الرسالن أن “طرد ميليشيا النظام‬ ‫والقوات الروسية هو السبيل الوحيد إلنهاء‬ ‫الرصاع”‪ ،‬وأردف قائ ًال‪“ :‬إن العمليات العسكرية‬

‫للجيش الحر ُتظهر القوة لنا إىل جانب املظاهرات‬ ‫التي توصل صوتنا”‪.‬‬ ‫أما د‪ .‬خالد أبو عبد الله (ريف إدلب‪ -‬معرة‬ ‫النعامن)‪ ،‬فيعتقد أن “عىل هيئة التفاوض مقاطعة‬ ‫املفاوضات‪ ،‬حتى تعرف الدول الكربى‪ ،‬أن الشعب‬ ‫السوري ‪-‬بالفعل‪ -‬يبحث عن الحرية‪ ،‬ال عن‬ ‫مفاوضات تحولت إىل منتدى”‪ ،‬الفتاً أن “كل يوم‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تريد دولة ما أن تضيف شخصا مهام بالنسبة لها‬ ‫إىل قامئة وفد التفاوض‪ ،‬فض ًال عن املوقف األمرييك‬ ‫األخري الذي بدى متالعباً يف مصري السوريني”‪،‬‬ ‫مشرياً إىل أن “حظوظ جنيف تساوي العدم”!‬ ‫وتابع أيضاً‪“ :‬لن يرحل األسد بالتفاوض‪ ،‬فلم نر‬ ‫شيئاً من التزامات النظام السوري بالقرارات‬ ‫األممية املتعلقة بالوضع اإلنساين‪ ،‬فكيف تسقط‬ ‫ذلك عىل هيئة الحكم اإلنتقايل؟!”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫السيايس واملدين ض ّد‬ ‫ومىض بالقول‪“ :‬النضال‬ ‫ّ‬ ‫الدكتاتور ّية الفاش ّية لألسد‪ ،‬إىل جانب املظاهرات‬ ‫وتوثيق االنتهاكات وغريها‪ ..‬تش ّكل عامل ضغط‬ ‫عىل القوى الدول ّية واإلقليم ّية لفرض ّ‬ ‫سيايس‬ ‫حل‬ ‫ّ‬ ‫يبدأ مبرحلة انتقال ّية ال وجود فيها لألسد”‪.‬‬ ‫أفلحت الجهود التي بذلتها معظم الدول يف‬ ‫الحصول عىل موافقة مرتددة من الهيئة العليا‬ ‫للتفاوض للمشاركة بجنيف‪ ،‬بعد أن تلقت األخرية‬ ‫توضيحات بشأن‬ ‫من املبعوث األممي دي ميستورا‬ ‫ٍ‬ ‫الرشوط املسبقة‪ ،‬يف حني كان الرتهيب والضغط‬ ‫قد فشال يف عقد عملية التفاوض كام كان مقرراً لها‬ ‫يف ‪ 29‬كانون الثاين‪ /‬يناير‪ ،‬فيام ينتظر السوريون‬ ‫بارقة أمل تنهي مأساتهم‪...‬‬

‫ملف العدد‬

‫ال تزال املعارضة السورية متمسكة مبوقفها‬ ‫حيال مفاوضات السالم املقرر عقدها يف جنيف‪،‬‬ ‫بإرصارها عىل اعتامد بيان جنيف ‪ ،1‬وقراري‬ ‫مجلس األمن ‪ 2118‬و‪ 2254‬كمرجعيات أساسية‬ ‫لبدء املفاوضاًت‪ ،‬فيام برزت تغري ٌ‬ ‫ات دولية بدأت‬ ‫تطفو إىل السطح؛ حيث بدا الرتاجع األمرييك املريب‬ ‫عن دعم الشعب السوري وتطلعاته واضحاً‪ ،‬األمر‬ ‫الذي ينذر بفشل املفاوضات‪.‬‬ ‫ويف هذا الصدد أثار البيان الصادر عن الخارجية‬ ‫األمريكية‪ ،‬امتعاضاً بني أوساط السوريني؛ ففي‬ ‫بيانٍ وصف بالتوضيحي نفى املبعوث الخاص‬ ‫لسوريا مايكل راتني ما تم تداوله بشأن اجتامع‬ ‫وزير خارجية بالده جون كريي مع قادة الهيئة‬ ‫العليا للمفاوضات‪ ،‬الذي تضمن ضغوطاً‬ ‫وإمالءات‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫بالتنازل إىل أقىص ح ّد عن املطالب‪ ،‬نزوال عند‬ ‫رغبات الروس‪.‬‬ ‫يف هذا الصدد استطلعت مجلة “طلعنا عالحرية”‬ ‫آراء عد ٍد من الشباب يف الداخل السوري‪ ،‬حول‬ ‫وتوجهت إليهم باألسئلة‬ ‫املفاوضات املقبلة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫‪ - 1‬هل تشجع الهيئة العليا للمفاوضات عىل‬ ‫املشاركة يف مؤمتر جنيف وفقاً للرشوط املسبقة‬ ‫التي تتمسك بها املعارضة‪ ،‬وأبرزها وقف القصف‬ ‫ودخول املساعدات إىل البلدات واملدن املحارصة‬ ‫وإطالق رساح املعتقلني؟‬ ‫‪ - 2‬ما رأيك باملواقف الدولية تجاه املفاوضات‪،‬‬ ‫وخاصة الدول التي تؤثر يف الرصاع السوري؟‬ ‫ّ‬ ‫‪ - 3‬ما هي البدائل املمكنة للمفاوضات والتي‬ ‫تضمن تحقيق أبسط ما ميكن ملا يتطلع إليه‬ ‫السوريون منذ آذار ‪2011‬؟‬ ‫‪ - 4‬هل تؤيد فكرة استمرار العمل الثوري بجانب‬ ‫العمليات العسكرية لتحقيق نتائج ملموسة إن‬ ‫استحالت املفاوضات؟‬ ‫الباحث والناشط عيل قسوم (ريف إدلب‪-‬‬ ‫كفرسجنة) أكد أن “املفاوضات مهمة‪ ،‬وعىل الهيئة‬ ‫حضور جنيف واملشاركة برشوطها املسبقة”‪،‬‬ ‫الفتاً إىل أن “الرصاع السوري بات مرتبطاً بالواقع‬ ‫الداخيل والواقع الخارجي‪ ،‬مبا فيها أروقة األمم‬ ‫املتحدة وساسة الدول الكربى‪ ،‬التي أبدت مواقف‬ ‫منذ بداية الثورة مؤسفة جداً‪ ،‬وخاصة أمريكا‬ ‫والدول األوربية”‪.‬‬ ‫وأوضح قسوم أن “الترصيحات والدعم العسكري‬ ‫مل تكن من أجل االنتصار‪ ،‬وإمنا لتحقيق نوع من‬ ‫التوازن بني األطراف واستمرار الحرب التي أدت‬ ‫لتدمري سوريا اقتصادياً وإجتامعياً” عىل ح ّد قوله‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫عام أوباما األخير‪ :‬فرصة الحلفاء‬ ‫للتخلص من الوصاية األمريكية‬ ‫طلعنا عالحرية‪ -‬موقع مرقاب‬

‫العدد ‪- 64 -‬‬ ‫‪2016 / 2 / 1‬‬

‫تقارير‬

‫توتر سعودي إيراني متصاعد‬ ‫ألقى التوتر السعودي اإليراين األخري بظالله عىل‬ ‫تحليالت مراكز األبحاث العربية والعاملية فيام‬ ‫يخص املنطقة؛ فجذور التوتر بني البلدين متتد‬ ‫لعقود بحسب تحليل مطول قدمه املركز العريب‬ ‫لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬ويبني املركز أن إيران‬ ‫اعتمدت يف اخرتاق الدول العربية من خالل‬ ‫اللعب عىل ورقة العرب الشيعة‪ ،‬وفشل الدول‬ ‫العربية بإنشاء دول مواطنة حقيقة‪ ،‬عدا عن‬ ‫استغالل القضية الفلسطينية بعد تخيل العرب‬ ‫عنها‪ ،‬فالحرب الباردة بني البلدين تزداد سخونة‬ ‫وقطع العالقات يعترب “نقطة تحول خطرية يف‬ ‫منطقة غري مستقرة ومتزقها الحروب” بحسب‬ ‫برنارد هايكل يف بروجيت سانديكت الذي‬ ‫يضيف أنه “بدون تدخل دويل يجلب البلدين‬ ‫للتفاوض فإن تنافسهام سوف يعرقل الجهود من‬ ‫أجل االستقرار يف الرشق األوسط برمته”‪ ،‬ولكن “‬ ‫نفوذ الواليات املتحدة محدود يف إيقاف الخالف”‬ ‫يقول الباحث آرون ديفيد ميلر يف مركز ويلسون‬ ‫ف”إيران والسعودية ليستا إيران القدمية‬ ‫والسعودية القدمية واملتشددون الحاكمون يف‬ ‫البلدين سيبقون هذه املنافسة مستمرة”‬ ‫عام أوباما األخير‪ :‬فرصة الحلفاء‬ ‫للتخلص من الوصاية األمريكية‬ ‫كشف إعدام السعودية للشيخ النمر عن حجم‬ ‫التوتر الكامن يف العالقات السعودية األمريكية‪،‬‬ ‫وبخاصة فيام يتعلق باملقاربة األمريكية الجديدة‬ ‫نحو إيران‪ ،‬وهو ما زاد مخاوف السعودية وعمق‬ ‫شكوكها يف نيات الواليات املتحدة‪ ،‬ما دفعها‬ ‫إىل مزيد من التصعيد متثل بقطع العالقات‬ ‫الدبلوماسية بني البلدين‪.‬‬ ‫وقد أظهر “خطاب حالة االتحاد” الذي رشح‬ ‫فيه أوباما سياسته الداخلية والخارجية وهو عىل‬ ‫أعتاب عامه األخري يف الحكم‪ ،‬ومن ثم خطاب‬ ‫جون كريي أمام جامعة الدفاع الوطني‪ ،‬أن‬ ‫الواليات املتحدة تراجعت يف املوضوع السوري‬ ‫واكتفت بدور عراب روسيا يف املفاوضات بحسب‬ ‫تحليل لخطاب أوباما وكريي قدمه املركز العريب‬ ‫لألبحاث‪ ،‬مؤكدا أنه “من غري املرجح أن يطرأ‬ ‫أي تغيري عىل السياسة الخارجية األمريكية يف‬ ‫العام األخري من إدارة أوباما‪ ،‬وهي السياسة‬

‫التي”تكيف” نفسها وتغري أولوياتها بدل فرضها‬ ‫عىل الواقع‪ ،‬حيث تراجعت عن رشوطها بخصوص‬ ‫الحل يف سوريا وحتى عن موقفها من استخدام‬ ‫السالح الكياموي‪ ،‬وأعادت التواصل مع روسيا‬ ‫بعد ضم القرم وأخرجت القضية الفلسطينية من‬ ‫أجندتها متاماً رغم إعالنها عىل رأس أجندة أوباما‬ ‫يف أول فرتة رئاسته”‬ ‫“ولذلك من األفضل لحلفاء أمريكا املبادرة لتبني‬ ‫سياسات تراعي مصالحهم بل ورمبا انتهاز الفرصة‬ ‫للتحرر من الوصاية األمريكية واألخذ برشوط‬ ‫والتزامات هذا التحرر‪ “ .‬يضيف التقرير‪.‬‬ ‫تنظيم الدولة يخسر ميداني ًا‬ ‫ويتوسع عالمي ًا‬ ‫تنظيم الدولة الذي تشكل الحرب عليه نقطة‬ ‫االتفاق الوحيدة “نظرياً” بني دول العامل أجمع‪،‬‬ ‫أثبت أنه ما يزال لديه القدرة عىل شن عمليات‬ ‫إرهابية عابرة للدول والقارات برغم تسويق‬ ‫اإلدارة األمريكية الدائم أن التنظيم يف طور‬ ‫الرتاجع‪ ،‬فبفارق ال يتعدى األيام شن التنظيم‬ ‫هجوماً يف وسط اسطنبول‪ ،‬ومن ثم هجوماً‬ ‫آخر يف جاكرتا عاصمة أندونيسيا‪ ،‬وأظهر فيديو‬ ‫جديد ظهر حديثاً ومل يتم تأكيده بعد‪ ،‬بثته قناة‬ ‫سكاي نيوز بأن تنظيم الدولة يشغل ما ميكن‬ ‫وصفه بـ”مدرسة تقنية جهادية” يف مدينة الرقة‬ ‫تقوم بتطوير أسلحة معقدة بشكل مل يسبق له‬ ‫مثيل‪ ،‬وهو ما يعتربه الباحث ديف ماجومدار‬ ‫يف الناشونال انرتيست تأكيداً “أن ما يحمله هذا‬ ‫التنظيم من طموحات وقدرات وخطورة ال ميكن‬ ‫مواجهته بسهولة” ‪ ،‬بينام يعترب الباحث أمبريين‬ ‫زمان يف مركز ويلسون‪ ،‬أن هجوم اسطنبول‬ ‫يقدم فرصة أخرى لرتكيا “إللغاء موقفها املناهض‬ ‫لألكراد‪ ،‬واالنضامم لهم يف مواجهة تنظيم الدولة‬ ‫اإلسالمية‪، ،‬وتهدئة العالقة مع واشنطن‪ ،‬وعندها‬ ‫ستكون أنقرة تعني متاماً مع تقوله عندما ترصح‬ ‫بأنها تساعد العامل بالحرب عىل التنظيم” بحسب‬ ‫الكاتب‪ ،‬يف حني يتوقع الباحث بول بيلر يف‬ ‫الناشونال انرتيست أن يزيد التنظيم من وترية‬

‫هجامته الدولية لكسب قاعدة أنصار جدد‬ ‫ليعوض بذلك تراجعه الكبري عىل أرض الواقع‪.‬‬ ‫استنفار‬ ‫السورية‪:‬‬ ‫جنيف‬ ‫سعودي تركي مقابل خطة‬ ‫روسية و”حياد” أمريكي‬ ‫تندرج األحداث الثالثة التالية‪ :‬قطع العالقات‬ ‫السعودية‪-‬اإليرانية‪ ،‬وزيارة بايدن ألنقرة‪،‬‬ ‫ومحادثات جنيف حول األزمة السورية‪ ،‬يف‬ ‫منطق واحد؛ فالسعودية وتركيا واملعارضة‬ ‫السورية‪ ،‬يعتقدون أن مصالحهم مل تعد تجد‬ ‫املراعاة املنشودة من القوى الغربية بجسب‬ ‫تقدير موقف قدمه مركز الجزيرة للدراسات ‪،‬‬ ‫بل إن هذه القوى الغربية باتت‪ ،‬من أجل قتال‬ ‫تنظيم الدولة والقاعدة‪ ،‬أقرب إىل االتفاق مع‬ ‫خصومهم يف طهران وموسكو ودمشق‪ ،‬وليس‬ ‫قطع السعودية عالقاتها مع إيران إال اعرت ً‬ ‫اضا عىل‬ ‫قبول الغرب بدور إيراين متزايد يف شؤون املنطقة‪،‬‬ ‫وليست زيارة بايدن إال محاولة إلقناع تركيا بقبول‬ ‫أكراد سوريا كرشكاء يف الحرب عىل تنظيم الدولة‬ ‫فقد تصاعد الدعم األمرييك والرويس لحزب‬ ‫االتحاد الدميقراطي الكردي بعد أن أصبح العمود‬ ‫الفقري ملا بات يعرف بقوات سوريا الدميقراطية‪،‬‬ ‫وإن كان الدعم األمرييك سينخفض قليال خشية‬ ‫إغضاب أمريكا لرتكيا بحسب تحليل للمركز‬ ‫العريب لألبحاث‪ ،‬إال أن هذه القوات ستعوض‬ ‫هذا النقص بدعم رويس متزايد ضمن إطار‬ ‫الخطة الروسية للرشق األوسط بحسب ماكسيم‬ ‫سوتشوف يف الناشونال انرتيست‬ ‫أما محادثات جنيف فهي ليست إال محاولة‬ ‫أمريكية غربية للتقرب من املحور اإليراين‪-‬الرويس‬ ‫عىل حساب الثورة السورية بحسب تحليل مركز‬ ‫الجزيرة للدراسات الذي قدمنا له أعاله‪ ،‬وطاملا أن‬ ‫املدنيني هم األهداف الرئيسية لألسد ومساعديه‬ ‫من الخارج فلن يكون ممكناً تحقيق أي تقدم‬ ‫باتجاه السالم يف سوريا بحسب فريدريك هوف‬ ‫مستشار أوباما السابق يف مقال نرشه يف املجلس‬ ‫األطلنطي‪.‬‬


‫يوميات ياسمين (‪)2‬‬ ‫سالم الغوطاني‬

‫معتصم أبو الشامات‬

‫ويقلبها‪..‬‬ ‫ مزورة؟‬‫يخفق قلب الراكب خفقات متسارعة‪ ..‬ينظر إليه‬ ‫الرشطي وكأنه التقط فريسة املساء‪..‬‬ ‫ نعم‬‫ وملاذا مل تنزل عندما ناديت؟‬‫ خفت‪ ..‬أرجوك لدي أطفال يجب أن أعود‬‫إليهم‪.‬‬ ‫ ستندم جداً‪ ،‬أمامي أيها اإلرهايب‪.‬‬‫يرضبه بعقب البندقية عىل كتفه ويبطحه أرضاً‪،‬‬ ‫ويرصخ عليه بصوت عال وبلهجة محلية جداً‪:‬‬ ‫ قدامي لتحت!‬‫يصعد رشطيان آخران إىل الباص‪ ،‬يسحبون‬ ‫الراكب ‪ 17‬وينهالون عليه رضباً ورك ًال عىل مرأى‬ ‫من بقية الركاب‪ ،‬وينزلونه من الباص الذي تابع‬

‫رحلته تاركاً خلفه الراكب ‪.17‬‬ ‫ كيف هربت كل تلك الفرتة‪ .‬أنتم السوريون‬‫يجب أن تختفوا من هنا‪.‬‬ ‫ كنت ألزم املنزل‪.‬‬‫ وملاذا خرجت هذه املرة؟‬‫ كنت أود أن أرى النور‪ ..‬لست إرهابياً ولن‬‫أكون‪..‬‬ ‫ فتحنا لكم بيوتنا واستقبلناكم ببلدنا وأرسلنا‬‫لكم الطائرات لتنقلكم من الحرب إىل هنا‪..‬‬ ‫ هل تعلم أن ابني غرق يف البحر؟‬‫يجره رجال الرشطة إىل الحائط‪ ،‬يرصخ الراكب‬ ‫‪“ 17‬بقيت حراً وسأموت حراً‪ ..‬لن تقتلوا الثورة”‪.‬‬ ‫صوت رصاصة يدوي يف املكان‪ ،‬ويسود الصمت‬ ‫املطبق‪! ..‬‬

‫شهادات‬

‫عام ‪ 2025‬يف مدينة أوروبية‪ ..‬يتوقف الباص‪،‬‬ ‫يصعد إليه رشطي مرشعاً بندقيته يف الهواء‪،‬‬ ‫ينطق بلغة أجنبية‪:‬‬ ‫ السوريني ينزلو لتحت والباقي يطلع الهويات‪..‬‬‫!‬ ‫مل ينهض أحد من مكانه‪ .‬يبدأ الرشطي بالتفتيش‬ ‫راكباً تلو اآلخر‪ ،‬يقرأ الهوية عىل عجل ويعيدها‬ ‫لصاحبها‪ ،‬وهكذا حتى يصل إىل الراكب ‪،17‬‬ ‫يخطف الهوية من يد الراكب‪ ،‬يقرأها بالتفصيل‬

‫منشان ما عاد تحيك عن ييل صار معنا”‪ .‬أخربتني‬ ‫“ياسمني” بتلك الحادثة قالت يل‪“ :‬والله والله أول‬ ‫يش كثري انبسطت أنو “ل ّيان” عبتحيك ألنو بدي ياها‬ ‫تحيك‪ ,‬مش منشان الناس تعرف شو صار‪ ,‬آخر همي‬ ‫يعرفوا‪ ,‬بس ألنو سكوتها مخ ّوفني”‪.‬‬ ‫مل يكن ما ملحته “ل ّيان” بجانب حاوية القاممة سوى‬ ‫بقايا فتات من الخبز اليابس‪ ,‬ضاقت مساحة الرؤيا‪،‬‬

‫العدد ‪- 64 -‬‬

‫حاجز تفتيش‬ ‫في أوربا ‪2025‬‬

‫لوحة للفنان ديالور عمر بعنوان “قصة الجئة”‬

‫‪2016 / 2 / 1‬‬

‫تنفس الثقيل‪ ,‬إحسايس بتوقف الزمن‪,‬‬ ‫بط ُء‬ ‫ّ‬ ‫وعج ُز عقيل عن التفكري‪ ,‬أنا املق ّيدة بكل ذلك‪،‬‬ ‫أدركت غرقي يف أوراق ياسمني ال قراءيت لها؛‬ ‫فالعبارات التي ُكتبت عىل عجل مبدها وجزرها‪,‬‬ ‫أمواج مرتفعة‪ ,‬وروحي‪ ،‬عىل عجزي وضعفي‬ ‫ٌ‬ ‫وقلة حيلتي‪ ،‬ال ترفرف فوق سطح املاء‪ ...‬كل هذا‬ ‫األمل السوريّ ليس إال نفياً لنا‪.‬‬ ‫أنت ضياع روحي‪ ,‬واسرتدادها من‬ ‫“ياسمني” ِ‬ ‫جديد‪ .‬ليس ألوراقك أي ترتيب زمني وكأنها‬ ‫ومضات فارة من الزمان واملكان‪ .‬أحاول جاهدة‬ ‫ترتيبها‪ ,‬وأتردد يف سؤالك عنها‪ ...‬وهل ُتسأل‬ ‫لحظات انفصالها عن موتها؟! وهل‬ ‫الذاكرة يف‬ ‫ِ‬ ‫يكون للزمن معنى إذا اجتمعت كل األحداث‬ ‫وتالقت يف نقطة شقاء؟! تلك نقطة قد حوت‬ ‫األمة بكل تاريخها‪ ,‬نتج ّمد جميعاً عندها‪ ،‬وليس‬ ‫هناك ما بعدها سوى تعريفاً جديداً نعيشه‬ ‫للوطن‪.‬‬ ‫تستوقفني إحدى األوراق مبا تحمله من وجع‪:‬‬ ‫“اتصلوا فيي اليوم من روضة ابنتنا “ل ّيان”‪ ،‬ما‬ ‫تفكر يا “جمعة” إنها روضة من ييل كنا نفكر‬ ‫نحط “ل ّيان” فيها؛ فهي روضة تابعة لالتحاد‬ ‫النسايئ‪ ,‬وعدد األطفال بالصف ال يذكرين إ ّال‬ ‫مبراكز اإليواء التي ٌحرشنا فيها‪ .‬ملّا وصلت‪ ,‬حكتني‬ ‫املديرة وهيي متأثرة‪ ,‬وخايفي عليي ‪-‬هيك‬ ‫قالت‪ -‬وطلبت مني بصفتي وص ّية عىل “ل ّيان”‬

‫واعرتى املشهد املريئ ضبابية‪ ،‬يتخللها مبنتصف‬ ‫املشهد بالضبط وضوحاً يستحرض كل االلوان‬ ‫لكرسات خبز يابس‪.‬‬ ‫وبيديها الصغريتني املرتجفتني حملت “ل ّيان” بقايا‬ ‫الصف‪ ,‬وبنربة‬ ‫الخبز هذه‪ ,‬ودخلت بها إىل معلمة ّ‬ ‫فيها من الرباءة تغريد الطيور صباحاً‪ ,‬نرب ٌة واثقةٌ‬ ‫غري مرتدّدة لكنها هامسة‪“ :‬حرام هالخبز ينكب‬ ‫يا آنسة‪ ,‬هذا كان بابا يد ّور عليه دوار‪ ,‬وينظفلنا‬ ‫يا وناكلو”‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫كلامت كتبتها يدٌ مرتعشة تعلوها رسومات غري‬ ‫واضحة‪ ,‬عىل األغلب أنها خربشات لـِ”ل ّيان”‪:‬‬ ‫“بعد خروجنا األول‪ ,‬قبل اعتقال زوجي “جمعة”‬ ‫بشه ٍر ونصف‪ ,‬هو خروج وعودة‪ ,‬اختبأنا حوايل‬ ‫ثالثني يوماً يف بناي ٍة مهجور ٍة عىل أطراف البلدة‪,‬‬ ‫“جمعة” مطلوب لألمن‪ ,‬وقد خرجنا معه حتى ال‬ ‫نصبح رهائن للمقايضة‪ .‬يف مخبأنا مل نعد مهددين‬ ‫جوع‪ ،‬نسيت اآلن كل وجعه‪ ،‬ألنك كنت ما‬ ‫إال من ٍ‬ ‫تزال معنا يا “جمعة”‪ ...‬لكنها “ل ّيان” يا “جمعة”‪,‬‬ ‫ذاكرة صامتة ال تنطفئ‪ ,‬رشح الحكاية وملخصها‪.‬‬ ‫أمام جوعها تلبسك ألول مرة هذا الهاجس ‪-‬أن‬ ‫تجوع‪ -‬صار وسواسا متلكك ومتلكني‪ ...‬عىل‬ ‫أطراف البلدة تحولنا اىل أشباه أشباح تبحث عن‬ ‫الطعام‪ ،‬ليان هي الوحيدة العاجزة بيننا إال من‬ ‫أيد أتوق لتقبيلها كانت تنظف لها بقايا الخبز‪.‬‬ ‫‪ ...................................‬يتبع يف العدد القادم‬

‫‪9‬‬


‫‪10‬‬

‫تجارة الالجئين “المشروعة”‬ ‫بالالجئين في تركيا‬ ‫وائل موسى‬

‫العدد ‪2016 / 2 / 1 - 64 -‬‬

‫اقتصاد‬

‫تجمعات السوريني يف تركيا أنتجت العديد من‬ ‫األعامل الجديدة يف تركيا‪ ،‬وإن تشابهت مع بعض‬ ‫األعامل االعتيادية يف البلد املضيف إال أنها تتميز‬ ‫عنها بشكل الفت‪ ،‬ومتيزها ليس بالرضورة مدعاة‬ ‫لفخر السوريني خارج سوريا‪.‬‬ ‫منذ عام ‪ 2011‬والالجئون السوريون يتدفقون‬ ‫إىل تركيا حتى وصلت أعدادهم إىل ما يزيد عن‬ ‫مليوين الجئ بني عائالت وأفراد‪ ،‬وهذا العدد من‬ ‫الالجئني أكرب من عدد سكان أصغر ‪ 10‬دول يف‬ ‫العامل‪ .‬وبحسب طبيعة اختالف الشعوب عن‬ ‫بعضها البعض يف العادات واألطعمة وأسلوب‬ ‫التعامل وغريها‪ ،‬نجد لدى الالجئ حاجة دامئة‬ ‫يف التعامل مع من يشبهه‪ ،‬كام يسهل التعامل‬ ‫معه بلغته ولو كان هذا الشبيه يسء املعاملة‪،‬‬ ‫فالحاجة تخفف من بعض السيئات يف مثل هذه‬ ‫األحوال‪ ،‬وهنا نجد العديد من التجار‪ ،‬ليسوا‬ ‫تجاراً طبيعيني‪ ،‬بل تجار أزمة يستغلون الالجئني‬ ‫اآلخرين ويتاجروا يف احتياجاتهم‪.‬‬ ‫تتامهى بعض التجارات مع األعامل الطبيعية‬ ‫يف البلد املستضيف مثل املطاعم والبقاليات‬ ‫واملكاتب العقارية والخدمات وتحصيل األوراق‪،‬‬ ‫إال أن أنواعاً من التجارات غري االعتيادية يف البلد‬ ‫املستضيف باتت حارضة مع حضور تجار الالجئني‪،‬‬ ‫من تهريب وبيع الوهم (نصب واحتيال)‪ ،‬وبيع‬ ‫األوراق‪.‬‬ ‫عدد كبري من املطاعم السورية استغل عادات‬ ‫السوريني وعدم تأقلمهم مع األطعمة الرتكية‪،‬‬ ‫مام يؤثر عىل خياراتهم يف اللجوء إىل املطاعم‬ ‫السورية‪ ،‬وهنا يأيت االستغالل لدى البعض بصورة‬ ‫سيئة عندما يقدم العديد من هذه املطاعم‬ ‫مأكوالتهم املصنعة بطريقة رديئة جداً دون أن‬ ‫يشعروا بالقلق من رأي الزبون كونه مضطر لعدم‬ ‫توفر البديل‪ ،‬وهذا املثال ليس تعمي ًام عىل كافة‬ ‫املطاعم‪ ،‬إال أنني صادفت العديد منها وواجهت‬ ‫مواقف سيئة من بعض أصحاب املطاعم والعاملني‬ ‫فيها عند السؤال عن سبب رداءة منتجاتهم‪ .‬كام‬ ‫أن بعض أفران الخبز تستخدم أكياساً غري صحية‬ ‫وسيئة الجودة لزيادة الربح عىل حساب الالجئ‬ ‫السوري‪ ،‬فهو مضطر أوالً وآخراً أن يشرتي الخبز‬ ‫الذي اعتاد عليه‪.‬‬ ‫االستغالل مل يقترص عىل الحاجات الغذائية فقط‪،‬‬ ‫حيث يعترب تأمني السكن من أهم األساسيات‬

‫لدى الالجئ كام هو أصعب جزء يف حياته ضمن‬ ‫مرحلة اللجوء؛ حيث يضطر كل الالجئني يف‬ ‫املدن بعيداً عن املخيامت لتحمل أجور السكن‪،‬‬ ‫وبحسب طبيعة األسواق فإن أي سلعة يزداد‬ ‫الطلب عليها تزداد قيمتها‪ ،‬إال أن سوق تأجري‬ ‫العقارات يف تركيا دخلته أيدي تجار سوريني‬ ‫واستغلوا من خالله إخوتهم السوريني بطريقة‬ ‫بشعة يعتربونها هم تجارة وشطارة‪ ،‬حيث يتعاقد‬ ‫أحد التجار مع صاحب املنزل الرتيك ويقدم له‬ ‫إغراءاً بأن يدفع عن سنة أو سنتني مقدماً‪ ،‬وهنا‬ ‫يصبح يف متناول يده أن يقدم املنزل آلخرين‬ ‫وفق أسعار مختلفة إضافة إىل ضامنات ويدعي‬ ‫أنه مجرد وسيط ليحصل عىل مبلغ وساطة‬ ‫إضايف ألجرة املنزل‪ ،‬والعديد من هؤالء التجار‬ ‫يستغلون غالباً الالجئني حديثاً لعدم معرفتهم‬ ‫باألوضاع يف البلد وحاجتهم امللحة إليجاد سكن‬ ‫برسعة‪ .‬وبعض هؤالء التجار يقوم باستئجار منزل‬ ‫ليقوم بتحويله لسكن شبايب‪ ،‬وبذلك يتمكن من‬ ‫تأجري غرفة أو رسير ضمن غرفة فيحصل عىل‬ ‫أضعاف أجرة املنزل‪ ،‬وهذا النوع من تجارة‬ ‫سكن الالجئني يحصد أرباحاً تفوق أرباح كربى‬ ‫الرشكات العقارية‪ ،‬فنسبة الربح مقابل رأس املال‬ ‫تتجاوز ‪ 35%‬شهرياً وقد تصل يف بعض الحاالت‬ ‫إىل ‪.100%‬‬ ‫سمعنا كثرياً عن استغالل أصحاب املنازل األتراك‬ ‫ورفعهم ألجور املنازل لترتاوح ما بني ‪ 500‬إىل‬ ‫‪ 1500‬لرية تركية‪ ،‬إال أنها بحسب طبيعة السوق‬ ‫تعترب أمراً طبيعياً‪ ،‬أما أن يأيت سوري الجئ ويعمل‬ ‫عىل رفع مستوى األجور أكرث مام هو طبيعي‬

‫فهذا أمر بات محط استغراب أصحاب املنازل‬ ‫األتراك أنفسهم حيث يتم تأجري املنازل بداية من‬ ‫‪ 800‬وصوالً إىل ‪ 3000‬لرية يف الشهر!‬ ‫يف الخدمات أيضاً وجد البعض مجاالت متنوعة‬ ‫يعملون بها‪ ،‬مثل الحصول عىل موعد لدى سفارة‬ ‫ما‪ ،‬حيث يتم استغالل جهل الالجئني باللغة‬ ‫وعدم معرفته بالقوانني واإلجراءات املطلوبة‪..‬‬ ‫أحد األشخاص اضطر لرتجمة ورقة كلفته ‪150‬‬ ‫لرية‪ ،‬ليفاجئ الحقاً أن ترجمة ورقة تكلف حوايل‬ ‫‪ 25‬لرية تركية فقط‪ ،‬ومن أغرب أنواع املتاجرة يف‬ ‫الخدمات هو تحصيل هوية اللجوء‪ ،‬حيث تصدر‬ ‫بطاقة اللجوء مجاناً من دوائر األمنيات املوجودة‬ ‫يف كل املناطق‪ ،‬بعض من يعترب نفسه شاطراً جعل‬ ‫من نفسه تاجر أزمة وبدأ برتويج دعايات عىل‬ ‫أنه قادر عىل إصدار هذه البطاقة املجانية مقابل‬ ‫‪ 200‬لرية تركية‪ ،‬وهنا تحديداً تنقسم هذه التجارة‬ ‫إىل قسمني‪ ،‬حيث منهم من يقدم ورقة مزورة‬ ‫ال بيانات لها لدى الحكومة الرتكية‪ ،‬ومنهم من‬ ‫يستغل معرفته باللغة الرتكية ليطلب من الدائرة‬ ‫إصدارها برسعة نتيجة حاجة ملحة مدعياً أنه‬ ‫مجرد مرتجم ويقول للزبون أنه مجرد وسيط‬ ‫ويحصل عىل ‪ 10‬لريات فقط والباقي يذهب إىل‬ ‫جيوب عنارص األمن يف الدائرة‪.‬‬ ‫كل ما ذكرته سابقاً هو مجرد مناذج بسيطة لتجارة‬ ‫اعتيادية وضمن حدود املقبول‪ ،‬أما التجارات‬ ‫غري املرشوعة فهي باإلضافة إىل أنها عمل غري‬ ‫قانوين‪ ،‬إال أنها باتت تكرس ثقافة جديدة مليئة‬ ‫باالنحطاط والفساد وقلة الضمري‪ .‬وسنخصص لها‬ ‫مقالة يف العدد القادم‪.‬‬

‫مصدر الصورة ‪ -‬إنرتنت‬


‫نشرة اقتصادية‬

‫طلعنا عالحرية ‪ -‬القسم االقتصادي‬

‫اهم املستجدات التي تهم السوريني يف الشتات والداخل‬

‫أوهام الحكومة السورية ووزير تجارتها‬ ‫الداخلية عن الليرة السورية‬

‫ولبنانية تقلص‬ ‫واردات الحكومة‬ ‫السورية‬

‫الدوالر األمرييك الواحد‪ ،‬ما يعني أن العملة‬ ‫فقدت ما يزيد عن ‪ 850%‬من قيمتها قبل بداية‬ ‫الثورة‪ ،‬رغم استمرار الحرب وتدفق طبعات‬ ‫جديدة من النقود ال قيمة لها‪ .‬وللتذكري فقط‪،‬‬ ‫فإن العملة اللبنانية مل تفقد قيمتها بشكل‬ ‫كبري إال بعد نهاية الحرب بعامني تقريباً‪ ،‬كام‬ ‫أن العملة العراقية مل تشهد تحوالً ضخ ًام يف‬ ‫أرقامها إال بعد انتهاء نظام صدام حسني‪ ،‬ومن‬ ‫الطبيعي جداً أن تشهد العملة السورية تحوالً‬ ‫ضخ ًام بعد انتهاء النظام السوري‪.‬‬

‫سوريا البلد‬ ‫الزراعية‬ ‫بات تجارها‬ ‫يطالبون‬ ‫باستيراد‬ ‫الخضار‬

‫اقتصاد‬

‫أثناء الحرب تبدلت حال الحدود السورية التي‬ ‫كانت تعج بسيارات شحن الخضار والفاكهة باتجاه‬ ‫العراق ودول الخليج‪ ،‬وباتت تعج بحركة تصدير‬ ‫الالجئني الهاربني من املوت‪ ،‬مل يقترص الحال عىل‬ ‫وقف التصدير‪ ،‬فاإلنتاج الزراعي أصابه شلل عام‬ ‫نتيجة الحصار عىل املناطق املنتجة للخرضاوات‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل شلل الحركة الداخلية يف سوريا‪،‬‬ ‫والعديد من العوامل من قصف وقنص وارتفاع يف‬ ‫أسعار املحروقات إضافة النقطاع الكهرباء واملاء‪.‬‬ ‫يستمر تكرب النظام يف تجاهل الواقع‪ ،‬حيث رصح‬ ‫معاون وزير االقتصاد والتجارة الخارجية (عبد‬ ‫السالم عيل)‪ ،‬أن الوزارة مل متنح إجازة استرياد‬

‫للخضار طاملا أن اإلنتاج املحيل متوفر يف األسواق‪.‬‬ ‫ومن خالل التعرف عىل أسعار الخضار يف أسواق‬ ‫دمشق وجدنا أن كيلو الكوسا ب ‪ 1000‬لرية‪،‬‬ ‫البندورة والخيار ‪ 400-500‬لرية‪ ،‬ليمون ‪ 300‬لرية‪،‬‬ ‫فاصولية خرضا ‪ ،800-1000‬بطاطا وبصل ‪200-‬‬ ‫‪.300‬‬ ‫وضحنا يف خرب سابق عن “أوهام الحكومة السورية‬ ‫ووزير تجارتها الداخلية عن اللرية السورية”‬ ‫بأن العملة السورية فقدت ما يزيد عن ‪850%‬‬ ‫من قيمتها‪ ،‬وباملقارنة مع مستوى ارتفاع أسعار‬ ‫الخضار نجد أن نسبة الزيادة هي نفسها نسبة‬ ‫انخفاض قيمة العملة املحلية‪.‬‬

‫تعد لبنان يف السنوات املاضية من أهم‬ ‫املحطات النتقال السوريني إىل تركيا بشكل‬ ‫رسمي‪ ،‬والتي تعترب املمر األسايس لوصول‬ ‫السوريني إىل أوروبا عرب وسائل التهريب‬ ‫الخطرية واملكلفة‪ ،‬وبعد أن صدر مؤخراً‬ ‫قرار تريك يفرض عىل السوريني الراغبني‬ ‫يف الدخول إىل األرايض الرتكية أن يحصلوا‬ ‫عىل تأشرية عرب سفاراتها‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫رشوط لبنانية لدخول السوريني‪ ،‬باتت‬ ‫عملية االنتقال معقدة‪.‬‬ ‫ازداد عدد املغادرين عرب الحدود الربية‬ ‫مع لبنان يف السنوات املاضية ووصلت يف‬ ‫بعض األوقات إىل ‪ 15000‬شخص يومياً‪،‬‬ ‫إال أن رشوط لبنانية تهدف إىل الحد من‬ ‫تدفق الالجئني نجحت يف مطلع العام‬ ‫املايض يف تقليص العدد‪ ،‬حيث يسمح‬ ‫بدخول حاميل تذاكر السفر والتي غالباً‬ ‫ما تكون إىل تركيا‪ ،‬وهي أكرث األسباب‬ ‫التي باتت متاحة لدخول لبنان بسهولة‬ ‫بعد الرشوط اللبنانية‪.‬‬ ‫تفرض القوانني السورية عىل املغادرين‬ ‫دفع رسم مغادرة ‪ 1100‬لرية سورية عن‬ ‫كل شخص‪ ،‬ورغم عدم توفر احصائيات‬ ‫واضحة لحركة املغادرين للتوجه نحو‬ ‫تركيا‪ ،‬إال أن رسوم الخروج تعترب مصدراً‬ ‫مه ًام يدر عىل الحكومة السورية مبالغ‬ ‫كبرية‪ ،‬وقد تقلصت هذه الواردات بعد‬ ‫القرار الرتيك‪.‬‬ ‫أما املهربني يف تركيا فسوف يقترص‬ ‫نشاطهم عىل السوريني املتواجدين يف‬ ‫تركيا فقط وهذا ما ميكن أن يقلص الكثري‬ ‫من وارداتهم أيضاً‪.‬‬

‫العدد ‪- 64 -‬‬

‫والمهربين‬

‫‪2016 /2 / 1‬‬

‫يف منتصف الشهر األول‬ ‫من العام الجديد أكد وزير‬ ‫التجارة الداخلية وحامية‬ ‫املستهلك لدى النظام جامل‬ ‫شاهني‪ ،‬أن لدى الحكومة‬ ‫ومجلس النقد والتسليف‬ ‫واملرصف املركزي خطة‬ ‫لكرس سعر رصف الدوالر‪.‬‬ ‫وقال شاهني “إن صمود املرصف املركزي من‬ ‫صمود الدولة‪ ،‬ولوال اإلجراءات التي متت يف‬ ‫املجال النقدي‪ ،‬وقوة الدولة لوصل سعر‬ ‫الدوالر ألكرث من ألف لرية‪ ،‬وميكن لكل من‬ ‫يشكك معرفة ما جرى للعملة العراقية وقبلها‬ ‫اللبنانية بسبب الحرب التي حصلت يف كل‬ ‫دولة منهام ليتأكد من ذلك“‪.‬‬ ‫يتجاهل شاهني وحكومته أن سعر اللرية‬ ‫السورية قد وصل إىل حدود الـ ‪ 400‬مقابل‬

‫شروط تركية‬

‫‪11‬‬


‫الجرابيع‬

‫‪12‬‬ ‫لينة عطفة‪.‬‬

‫العدد ‪- 64 -‬‬ ‫‪2016 / 2 / 1‬‬

‫صباحا ومن بني غاللة الدموع التي‬ ‫يف العارشة‬ ‫ً‬ ‫سببتها أبخرة معجون الحالقة‪ ،‬كانت العينان‬ ‫تتجهان صوب جهة القرقعة‪ ،‬غطاء الب ّلوعة يتحرك‬ ‫ويخرج كائن رماديّ ‪ ،‬مسح أبو سامي دموعه بعجلة‬ ‫وفتحهام عن آخرهام‪“ ،‬جربوع!” رصخ أبو سامي‬ ‫“يا امرأة‪ ..‬جربوع”‪.‬‬ ‫ركضت كتلة القذارة الرمادية الجربوعية بالقرب‬ ‫من شحاطة أبوسامي‪ ،‬طاردها بقصبة ممسحة املاء‪،‬‬ ‫صعد األطفال إىل التخت وبدؤوا الرصاخ املحموم‪،‬‬ ‫أم سامي رمت كل ما ميكن رميه صوب كتلة الوسخ‬ ‫الراكضة لكن مل تصبها‪ ،‬اختبأ الجربوع تحت الغسالة‬ ‫اليدو ّية‪ ،‬اقرتب الزوجان من الغسالة بهدوء‪ ،‬همس‬ ‫أبو سامي لزوجته‪“ :‬برسعة أحرضي ور ًقا مب ّل ًال‬ ‫بالكاز مع عيدان ثقاب” انسحبت أم سامي تكتيك ًّيا‬ ‫وعادت مك ّللة مبا طلب‪ ،‬بدأ الزوج بإشعال الورق‬ ‫ورميه تحت الغسالة‪ ،‬تصاعد الدخان والسعال ومن‬ ‫بني النريان وغامم الرائحة ويف غفلة من املختنقني‬ ‫ركض الجربوع هار ًبا وطارده الزوجان بال فائدة‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫العرق يقطر من جبهتي الزوجني املسكينني‪ ،‬األطفال‬ ‫هلعون‪ ،‬ج ٌّو فريدٌ من النكد ميأل املكان‪ ،‬رمت الزوجة‬ ‫كل الطعام الذي كان يف البيت‪ ،‬تداعيات الخوف‬ ‫من التيفوس والكولريا و‪ ..‬مألت البيت‪ ،‬فقط الطفلة‬ ‫الصغرية مل تكن خائفة من أيٍّ من تلك األمراض‪،‬‬ ‫(الج ْر َب َعة) فبالنسبة لها؛ كل من‬ ‫كانت خائفة من َ‬ ‫يظفر الجربوع بلمسه يصبح جربوعًا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫متقطع‪ ،‬تح ّف ٌز كامل‪ ،‬بعقة مدو ّية من أم‬ ‫لهاث‬ ‫سامي‪“ :‬تحت التخت!!” ركض الزوج بعتاده املك ّون‬ ‫من قصبة املمسحة وأسطوانة نيون مكسورة والورق‬ ‫املب ّلل بالكاز مع عيدان الثقاب‪ ،‬مل تفده الحركشة‬ ‫بقصبة املمسحة وال جلبة األصوات‪ ،‬أشعل الورق‬ ‫ورماه تحت التخت ليخرج الجربوع من اللهب‬ ‫والدخان‪ ،‬لكن األمر الذي فات املسكني أبو سامي‬ ‫هو القامش املهرتئ املتديل من أخشاب التخت‬ ‫والذي اشتعل لتشتعل معه فرشة االسفنج‪ ،‬وقبل‬ ‫أن ميت ّد الحريق ليبتلع كل يشء‪ ،‬أطفأت أم سامي‬ ‫وأوالدها النريان بأسطل املاء‪ُ ،‬أطفئ الحريق وال جثة‬ ‫للجربوع وال أثر‪ ،‬لقد احرتق التخت هبا ًء والجربوع‬ ‫يعيث قذار ًة يف مكان ما يف البيت أو يف مجارير‬ ‫البيت‪ ،‬فقد أبو سامي عقله‪ ،‬جحظت عيناه‪ ،‬تي ّبس‬

‫الدمع فيهام كمعجون الحالقة املتي ّبس عىل وجهه‪،‬‬ ‫غي ترتيب أثاث البيت‪ ،‬شحط‬ ‫شطف وجهه باملاء‪ّ ،‬‬ ‫الطاولة وألصقها بالحائط‪ ،‬ج ّر خزانة األحذية إىل‬ ‫وسط الغرفة‪ ،‬وضع الكرايس فوق بعضها أمام الباب‬ ‫وترصد‬ ‫رفع كل األغطية إىل ظهر خزانة املالبس ّ‬ ‫مجيء الجربوع‪.‬‬ ‫وضع كرس ًيا أمام باب الحامم‪ ،‬وقف عليه بشموخ‪،‬‬ ‫ورفع يده املمسكة بأسطوانة النيون املكسور‬ ‫عال ًيا‪ ،‬قميصه الداخ ّ‬ ‫يل‪ ،‬بنطاله الفضفاض‪ ،‬شحاطته‬ ‫الفريدة‪ ،‬شعره املشعث‪ ،‬أسنانه البائسة‪ ،‬كريس‬ ‫البالستيك ويده املرفوعة بالسالح البدايئ‪ ،‬مشهد‬ ‫يذكرك بأن قالعًا صمدت قرو ًنا يف وجه التاريخ‬ ‫واألعداء‪ ،‬يدخلها املرء اآلن بعدة قطع نقدية‪ ،‬أو‬ ‫رمبا يدخلها دون أية رسوم‪ ،‬أبو سامي يخترص بؤس‬ ‫البرشية مبشهد تحديه للجربوع‪.‬‬ ‫وبكامل املشهدية يرصخ وهو يرفع سالحه عال ًيا‪:‬‬ ‫“أيها الجربوع العاهر القذر‪ ،‬يا ابن املجارير العفنة‪،‬‬ ‫لن أسمح لقذارة مثلك أن تستمر برسقة طعامي‪ ،‬لن‬ ‫أسمح لكتلة وسخ أن تل ّوث عاملي وتش ّوه بيتي‪ ،‬لن‬ ‫أسمح لك أن تحكمني بعد اليوم!”‪ .‬وعند نهاية هذه‬ ‫الجملة رصخ األطفال ووقفوا ص ًفا واحدًا وبدؤوا‬ ‫التصفيق والصفري وأم سامي أمسكت خارصتها بي ٍد‪،‬‬ ‫ووضعت األخرى عىل فمها وزغردت ب َن َف ٍس وطبقة‬ ‫صوتية منقطعي النظري‪.‬‬ ‫وبدأت معركة انتظار‪ ،‬انتظار ظهور الجربوع‬ ‫لتصفيته وتحرير البيت من سطوة قذارته‪ .‬ويف‬ ‫صباحا كان مثة قرقعة يف املطبخ‪ ،‬مىش أبو‬ ‫الثانية ً‬ ‫سامي عىل رؤوس أصابعه وأمام باب املطبخ ظهر‬ ‫رأس رمادي صغري وشاربان المعان يتحركان بفضول‬ ‫وبلمح البرص خبط أبو سامي شحاطته عىل الرأس‬ ‫الرمادي لكن دون تحقيق إصابة‪ ،‬ركض الجربوع‪،‬‬ ‫ركض وراءه أبو سامي‪ّ ،‬‬ ‫نط الجربوع عن الطاولة‬ ‫ّ‬ ‫تعث أبو سامي بالطاولة ووقع بدويٍّ أيقظ كل أهل‬ ‫البيت‪ ،‬وقف حان ًقا بأنفه الراعف وحالته املزرية‬ ‫ورصخ‪“ :‬أيها الجربوع‪ ،‬يا جربوع النحس‪ ،‬يا سافل‪،‬‬ ‫أنا قاتل الجرابيع أنا املنترص!” وأجهش أبو سامي‬ ‫بنوبة ضحك هستريي‪ ،‬وعائلته ذاهلة أمام ما حدث‪.‬‬ ‫مل ينم أبو سامي ليلتها‪ ،‬ومل تنم زوجته‪ ،‬األطفال كانوا‬ ‫يستيقظون عىل نوبات ذعر وقد نزحوا إىل غرفة‬

‫والديهم‪ ،‬يف اليوم التايل كان البيت متا ًما يف حالة‬ ‫عصيان مدين‪ ،‬مل يذهب أبو سامي إىل عمله‪ ،‬مل تطبخ‬ ‫أم سامي‪ ،‬مل يذهب األطفال إىل مدارسهم‪ ،‬ال حراك‬ ‫وجوم مط ِبق مرتافق مع قرقعة تصدر‬ ‫وال يشء‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫من بالليع الرصف الصحي‪ .‬يف ظهرية ذلك اليوم‬ ‫ويف غمرة القيظ خرج الجربوع من بالوعة ّ‬ ‫الحمم‬ ‫وتابع صوب الغرفة‪ ،‬ملحه الجميع‪ ،‬مل ينبس أحدهم‬ ‫بكلمة أو حركة‪ ،‬أبو سامي املمسك بأسطوانة النيون‬ ‫املكسور بقفزة واحدة طار يف الهواء وهوى طاعنًا‬ ‫الجربوع ليقتله عىل الفور ويتدفق الدم الننت ساخنًا‬ ‫ويتصاعد منه بخا ٌر أخري لحياة آمثة‪ ،‬تراجع األطفال‬ ‫بقرف‪ ،‬قفز الزوجان بفخر‪ ،‬اختلطت دموع الفرح‬ ‫بدموع القرف‪ ،‬نظر أبو سامي إىل زوجته ثم إىل‬ ‫أطفاله وقال بنربة املنترص‪“ :‬ها قد حررنا البيت من‬ ‫ذلك القذر‪ ،‬بيتنا اآلن حر‪ ،‬سنع ّقم البيت‪ ،‬سنعيد‬ ‫ترتيب األثاث وننظم كل يشء‪ ،‬سرنتب أمورنا بأفضل‬ ‫ّ‬ ‫مم كانت عليه‪ ،‬بيتنا حر‪ ،‬حر متا ًما” ولكن‪ ،‬رصخت‬ ‫أم سامي‪“ :‬الجربوع النافق عليه بقعة سوداء‪،‬‬ ‫جربوعنا مل يكن ميلك بق ًعا وذيله ورقبته كانتا‬ ‫أطول”‪.‬‬ ‫ارتجفت عظام أيب سامي‪ ،‬ماذا تقولني ؟! اقرتب‬ ‫محمل ًقا‪“ ،‬يا وييل هذا فع ًال غريه‪ ،‬كم جربوعًا يرتع‬ ‫يف البيت؟!”‬ ‫انهار أبو سامي وتك ّوم عىل البالط‪ ،‬نظر بأىس إىل‬ ‫زوجته وأطفاله‪ ،‬متتم برعب‪“ :‬جيش من الجرابيع‪،‬‬ ‫جربوعي ضخم يحاربنا‪ ،‬يرسق طعامنا‪،‬‬ ‫مافيا‪ ،‬تنظيم‬ ‫ٌّ‬ ‫يقرض الثياب واألثاث‪ ،‬الجرابيع تأتينا من بيوت‬ ‫الجريان وتذهب من عندنا إىل الجريان‪ ،‬تنتقل بني‬ ‫املجارير والخزائن والغرف‪ ،‬تعيث قذار ًة يف كل يشء‪،‬‬ ‫تقطع األسالك وتق ّوض كل يشء‪ ،‬تخ ّرب كل ما ال‬ ‫تستطيع التهامه الجرابيع رفعت شعارها الذي ال‬ ‫ّ‬ ‫يقل قذارة عنها‪( :‬إما نحن الجرابيع أو نق ّوض البيت‬ ‫عىل رؤوس ساكنيه) الجرابيع يا أم سامي‪ ،‬تنهبنا‪،‬‬ ‫تريد أن تحكمنا‪ ،‬تريد تهجرينا وسحقنا”‪ ،‬انتفض أبو‬ ‫سامي‪ ،‬نهض‪ ،‬وبجنون أغلق كل األبواب والنوافذ‪،‬‬ ‫س ّد كل املنافذ والثقوب‪ ،‬عانق أطفاله وزوجته‪،‬‬ ‫همس لهم‪“ :‬لقد حارصت الجرابيع وحارصت نفيس‬ ‫حرب‬ ‫وحارصتكم‪ ،‬نحن اآلن يف حصار‪ ،‬يف حرب‪ٍ ،‬‬ ‫مغلقة مفتوحة عىل الرعب لكن لن‪ ،‬ولن يحكمنا‪..‬‬ ‫جربوع”‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫من مخيم حمص إلى محكمة العدل الدولية‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫‪13‬‬

‫سوريا رصخة وطن يف أملانيا‬

‫جول‬

‫رس الغريب ألول مرة‬ ‫ي يا‬ ‫يشارك الفنان السور أعلن أنه سيشارك‬ ‫ق دويل وعاملي‪ ،‬إذ‬ ‫سبا‬ ‫نيويورك لألنتيك‬ ‫يف ض الشتوي ملعرض‬ ‫ر‬ ‫الع‬ ‫ملتحدة األمريكية‪،‬‬ ‫يف عاملي‪ ،‬يف الواليات ا‬ ‫والفن ال‬ ‫عن مشاركته يف‬ ‫ن يف السياق ذاته‬ ‫كام أعل‬ ‫األملانية برلني يف‬ ‫آخر يف العاصمة‬ ‫رض‬ ‫”‪ ،‬ثم بعدها يف‬ ‫مع “‪art and antik‬‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫رتدام يف معرض‬ ‫مع ة الهولندية أمس‬ ‫العاصم‬ ‫‪ ”kun‬ويذكر أن‬ ‫‪sten‬‬ ‫“‪ antiek weekend‬عربية السعودية مل‬ ‫كة ال‬ ‫الغريب املقيم يف اململ ن قبل ولكنه اآلن‬ ‫يف معارض فردية م‬ ‫يشارك‬ ‫يف السعودية أي ًضا‪.‬‬ ‫يف ورشة عمل فنية‬ ‫يشارك‬

‫للمرة الرابعة‪ ،‬عامر شنايت يف محكمة العدل الدولية‬

‫عزف الفنان الفلسطيني السوري‬ ‫عامر شنايت للمرة الرابعة خالل‬ ‫أربعة أِشهر يف محكمة العدل‬ ‫الدولية‪ ،‬ضمن فعاليات األمم‬ ‫املتحدة التي تسعى لنرش السالم‬ ‫يف العام الجديد‪ ،‬ويعترب شنايت‬ ‫أن “وجود املوسيقى الرشقية‬ ‫وخصوصا آلة العود يف هذا املكان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يساهم يف نرش املحبة والسالم بني‬ ‫الناس‪ ،‬هذا هو دور املوسيقى” ّإل‬ ‫أن األمر مل يتو ّقف هنا‪ ،‬حيث يقول الخامسة ضمن الفعاليات ذاتها‪ ،‬لتكون املرة الخامسة‬ ‫عامر شنايت لطلعنا عالحرية‪“ :‬يف خالل خمسة أشهر التي أقوم بها بحفل موسيقي‬ ‫أيضا وللمرة رشقي يف أحد أهم األماكن يف العامل”‪.‬‬ ‫الشهر القادم‪ ،‬سأشارك ً‬

‫ثقافة‬

‫فاز املخرج السوري أنيس حمدون بجائزة أفضل‬ ‫عمل مرسحي يف أملانيا لعام ‪ ،2015‬وتنافس عىل‬ ‫الجائزة ‪ً 47‬‬ ‫عرضا مرسح ًيا عرضوا يف العام املنرصم‪.‬‬ ‫الرحلة‪ ،‬عرض حمدون الفائز والذي يروي قصة‬ ‫السوري “رامي” الذي وصل إىل بر األمان ولكن‬ ‫ذاكرته وذكرياته ما زالت يف سوريا‪ ،‬ويص ّور العرض‬ ‫تطور الرصاع يف سوريا‪ ،‬العرض الذي أنتجه مرسح‬ ‫مدينة أوسنابروك كتبه وأخرجه أنيس حمدون‪،‬‬ ‫وهو كاتب ومخرج‬ ‫مرسحي سوري‬ ‫شارك يف الثورة يف‬ ‫حمص‪ ،‬وتعرض‬ ‫عام ‪ 2012‬إىل‬ ‫أصابة أفقدته عينه‬ ‫اليرسى أثناء إنقاذه‬ ‫لعائلة تعرض منزلها‬ ‫للقصف‪.‬‬

‫العدد ‪- 64 -‬‬

‫أنيس حمدون يفوز بجائزة أفضل عمل‬ ‫مرسحي يف أملانيا‬

‫عاملية ليارس الغريب‬ ‫ة‬

‫‪2016 / 2 / 1‬‬

‫أقيم مهرجان “سوريا رصخة وطن” يف مدينة‬ ‫إيسن األملانية بتاريخ ‪ ،2016\1\24‬بتنظيم‬ ‫من مجموعة “السوريون يف إيسن” ومبشاركة‬ ‫األخوين ملص وفرقة شام املوسيقية‪ .‬وتضمن‬ ‫املهرجان الذيي انطلق يف الساعة السادسة‬ ‫مسا ًء‪ :‬عرض فيديو عن سوريا وحضارتها‪،‬‬ ‫وآخر عن سبب لجوء السوريني إىل أوروبا‬ ‫–بحسب ما كتب عىل ملصقات املهرجان‪،-‬‬ ‫فقرة شعرية‪ ،‬مشهد مرسحي باللغة األملانية‪،‬‬ ‫مشهد مرسحي باللغة العربية‪ ،‬عرض‬ ‫موسيقي غنايئ فلكلوري لفرقة شام‪ ،‬معرض‬ ‫صور لسوريا قبل “الحرب” وبعدها‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إىل الطعام السوري‪.‬‬


‫غرفتي‬

‫‪14‬‬

‫فادي جومر‬

‫العدد ‪- 64 -‬‬ ‫‪2016 / 2 / 1‬‬

‫مفتوح شباك الوقت‬ ‫وجه الصبح‬ ‫ينسم النسيان‬ ‫عم‬ ‫وع مهل ّ ّ‬ ‫ِكتف الصرب مكشوف‪..‬‬ ‫عم يرتعش‪ ..‬بردان‬ ‫ووجوه‬ ‫متل الـ ّكأنا نجوم‪..‬‬ ‫رح تحرقا شمس الغياب الطالعة‬ ‫ع بيت حيطانو وجع‬ ‫وسقفو تعب‪ ..‬عتبان‪..‬‬ ‫**‬ ‫مني الـ حملنا ع مراكب والبحر صحرا؟‬ ‫مني قتلنا بامللح‪ ..‬غامر عسل بكرا؟‬ ‫مني اليل خالنا نعادي حلمنا‬ ‫منحي أسامينا من قلوب بنحبا‬ ‫مني الـ عملنا ناس من نسيان؟‬ ‫**‬ ‫كل ما الوقت ق ّرب عىل بايل‬ ‫بحركش دفاتر من ورق ضحكات‬ ‫مغية‬ ‫شو ّ‬ ‫شو مكدّرة‬ ‫وشو ناسية‪ ..‬وشو قاسية‪..‬‬ ‫وخطي‬ ‫كيف معرتة‪..‬‬ ‫ضحكات ما عمرا انطفت‬

‫ال أع ِرف‪..‬‬ ‫عالء عودة‬

‫ع البعد صارت مقربة‬ ‫حتى الضحك بيموت ‪ ..‬ع الهجران‪..‬‬ ‫**‬ ‫بعدك ببايل بالد ناطر تنكرس فيها الحدود‬ ‫بعدك ببايل بالد‪ ..‬ارجعال‬ ‫مللم مالمحها‬ ‫من حفة السكني‬ ‫من غربة البارود‬ ‫بعدك ببايل يا بنت‬ ‫أخدت معا بسفرتا ‪ ..‬صويت‬ ‫والبال واملوال‬ ‫والتني والعنقود‪..‬‬ ‫بعدك ببايل متل أول آخ‬ ‫من لسعة الكرباج ع حلمي‬ ‫تاري غيابك ع ّلم الجالد‬ ‫وحضورك الباقي ‪ :‬أنا املجلود‬ ‫اسمك خناجر غارقة بقلبي‬ ‫وعم تكربي‬ ‫وتكرب خناجر غيبتك حتى تصري رماح‪..‬‬ ‫والسجان‬ ‫تاريك انت الحبس‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫**‬ ‫رديت شباك الوقت‬ ‫ق ّوت نار الوهم‬ ‫بريك بتدفا غرفتي‪..‬‬ ‫وطلعت من بردك ع جهنم الشارع‬ ‫متل الطفل‪ ...‬هربان‪.‬‬

‫اآلن إىل ّ‬ ‫بطبيع ِة الحال‪ ،‬أنتمي َ‬ ‫الطاول ِة ا ّلتي نج ِل ُس إليها‬ ‫ّ‬ ‫باملحطات‬ ‫بوضوح حيا ًة مليئ ًة‬ ‫أك َرث من أيِّ يش ٍء آخر‪ .‬أرى‬ ‫ٍ‬ ‫اآلن –إزا َء هذ ِه ّ‬ ‫أمامي‪ ،‬لكن َ‬ ‫الطاولة‪ّ -‬مث َة من الحميم ّي ِة ما‬ ‫ّ‬ ‫أقرب ألن َ‬ ‫تكون وطنًا‪ ،‬ال محطة‪.‬‬ ‫يج َعلها َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫الصمت‪ ،‬وترتكينني غارقا وسط لغ ٍة‬ ‫ُك ِ‬ ‫نت ْمل تزايل تؤثرينَ ّ‬ ‫من االحتامالت ا ُملم ِكنة‪.‬‬ ‫الشعو ُر َّ‬ ‫نوات األخرية‪ ،‬مل ُيفارقني ّ‬ ‫َ‬ ‫الوقت‬ ‫بأن‬ ‫الس ِ‬ ‫يف ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫لك‬ ‫أصبح‬ ‫ومؤخ ًرا؛‬ ‫يداهمني‪.‬‬ ‫املكان يداهمني كذلك‪ِ .‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫لك أن تتخ ّييل‬ ‫الجزع‬ ‫أن تتخ ّييل مقدا َر‬ ‫وعدم االستقرار‪ِ .‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫خرجت من فمي –بعد ليالٍ مؤ َّرق ٍة‬ ‫تي‬ ‫ل‬ ‫الكلامت ا‬ ‫مقدا َر‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫من التّفكري‪ -‬عىل شكلِ صمت‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫يف ِّ‬ ‫كل موع ٍد‪ ،‬حالَام ُ‬ ‫إليك‪،‬‬ ‫كنت أستج ِم ُع كل يش ٍء وأنظ ُر ِ‬ ‫الس َف ُر من مرآ ٍة خل َف ِك بوج ٍه شاحب‪ ،‬و ُيش ُري إىل‬ ‫يغم ُز َيل ّ‬ ‫الساع ِة يف رس ِغه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫موضع ّ‬ ‫وتفص ُلنا‬ ‫تجمع بينَنا الكث ُري من‬ ‫كانت‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫إرهاصات ال ُق َبل‪ِ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫الكلامت ا ّلتي ْمل ُت َق ْل‪.‬‬ ‫جحافل من‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫تركيب خاطئٌ لغو ًّيا حتّى‪ْ ،‬إن‬ ‫آه‪..‬‬ ‫“الكلامت ا ّلتي مل ُت َقل”‪ٌ ..‬‬ ‫مل ُت َقل َ‬ ‫فكيف ُ‬ ‫تكون كلامت؟!‬ ‫ُ‬ ‫أصبحت أشع ُر باالنتام ِء‬ ‫القصة أ ّنني يف اآلون ِة األخرية‬ ‫ّ‬ ‫ليس األماكن مبفهو ِمها العام‪ ،‬بل مك ّوناتها‪.‬‬ ‫لألماكن‪ .‬و َ‬ ‫ّ‬ ‫شئت ال ِّدقة‪.‬‬ ‫األثاث إن ِ‬ ‫أنتمي إىل ِ‬ ‫الطاولة‪ .‬هذه ّ‬ ‫بقي أمامي أن ُأت ِقنَ لغ َة هذ ِه ّ‬ ‫الطاولة ا ّلتي‬ ‫َ‬ ‫كلامت َ‬ ‫كان بوس ِعها‬ ‫ني الك ِلامت ا ّلتي مل ُت َقل‪،‬‬ ‫مبالي‬ ‫تنضح‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ني كانت شجرة‪َ ،‬‬ ‫أن تقولَها ك ّلها ح َ‬ ‫السف ُر‬ ‫قبل أن يغم َز لها ّ‬ ‫بوجه ِه ّ‬ ‫الساع ِة يف رسغه‪.‬‬ ‫الشاحب‪ ،‬ويشري إىل‬ ‫موضع ّ‬ ‫ِ‬

‫ثقافة‬ ‫عمل للفنانة مروى النجار‬


‫ثالثة أسرار لكتابة تدوينات تحظى باالنتشار الواسع‬

‫‪15‬‬

‫باسل مطر‬ ‫مرشوع سالمتك‬ ‫‪www.salamatech.org‬‬

‫‪ - 1‬مجال الكتابة‬

‫عىل املدون أن يختار لنفسه مجاال معينا يعالج‬ ‫قضاياه يف تدويناته‪ .‬إن تعدد املوضوعات التي‬ ‫يكتب عنها املدون سيجعل القراء ينفضون من‬ ‫حوله‪ ,‬فيام أن اختيار مجال يحظى باهتامم‬ ‫رشيحة من القراء سيجعل له جمهوره الخاص‬ ‫الذي يتابعه‪ ,‬وينتظر كتاباته‪ .‬ولهذا عليه أن يتعمق‬

‫‪ - 2‬الجمهور‬

‫عىل املدون أن يبحث عن جمهوره عىل اإلنرتنت‪,‬‬ ‫ويتم ذلك من خالل البحث عن املدونات التي‬ ‫تهتم باملجال ذاته‪ ,‬وزيارتها باستمرار والتفاعل‬ ‫معها من خالل التعليق‪ .‬ال ينبغي للمدون أن يذكر‬ ‫مدونته أبدا يف هذه النقاشات‪ ,‬بل عليه أن يديل‬ ‫بدلوه فيها ويربز معرفته العميقة باملوضوع‪ ,‬وهذا‬ ‫سيحفز املتابعني اآلخرين للنقر عىل اسمه ملعرفة‬ ‫املزيد عنه‪ ,‬وسيقودهم هذا إىل مدونته التي من‬ ‫املفرتض أن يجدوا فيها ضالتهم‪.‬‬ ‫ميكن أيضا استخدام شبكات التواصل االجتامعي‬ ‫بنفس الطريقة‪ .‬وعىل املدون أال يستغل صفحات‬ ‫هذه الشبكات للدعاية ملدونته‪ ,‬بل عليه أن يتبع‬ ‫االسرتاتيجيه نفسها‪ ,‬وعندها سيعرث مستخدمو‬ ‫هذه الشبكات عىل حسابه‪ ,‬وبالتايل عىل مدونته‪.‬‬ ‫إن املشاركة املستمرة بالنقاشات ال تقود فقط إىل‬

‫‪ - 3‬الرؤية الخاصة‬

‫لكل إنسان رؤيته الخاصة حول القضايا الكثرية‬ ‫التي تهمه‪ ,‬وهي تضعه يف مكانة مميزة عن‬ ‫كل من يتناول هذه القضايا‪ .‬إن هذه الرؤية هي‬ ‫الخاتم الخاص باملدون والتي تجمع حوله من‬ ‫يشاركه وجهات النظر ذاتها‪ .‬إنها أيضا تعطي‬ ‫املدونة قيمة خاصة من حيث العمق والجدية‬ ‫وفرادتها‪ ,‬ومتسكها مبا تسعى لقوله‪ .‬إن االبتذال‬ ‫وتكرار ما يقوله اآلخرون وترديد ما يعرفه الناس‬ ‫أصال سيجعل القراء يفقدون االهتامم باملدونة‪.‬‬

‫العدد ‪2016 / 2 / 1 - 64 -‬‬

‫يعترب التدوين من الوسائل الهامة جدا للتعبري عن‬ ‫األفكار‪ ,‬واإلدالء بدلونا يف الشأن العام‪ ,‬ويف قضايا‬ ‫علمية أو تقنية أو فكرية‪ ,‬وهو أيضا وسيلة لنرش‬ ‫نتاجنا األديب أو وجهات نظرنا حول ما يحدث أو‬ ‫ما يقوم به اآلخرون‪.‬‬ ‫يف عام ‪ 2015‬تم إنشاء ما يزيد عن ‪ 18‬ألف‬ ‫مدونة عىل ووردبرس وحدها‪ ,‬وقام املدونون‬ ‫بنرش ما يقارب مليوين تدوينة عىل مدوناتهم عىل‬ ‫اإلنرتنت‪ .‬إن هذا االزدحام باملدونني والتدوينات‬ ‫يعني أن فرص الوصول إىل القراء باتت قليلة‬ ‫جدا‪ ,‬وأنه عىل املدون أن يبذل الكثري من الجهد‬ ‫للوصول إىل القراء‪ .‬هناك ثالث أمور عىل املدون‬ ‫أن يركز عليها ليحقق االنتشار ويبني قاعدة من‬ ‫القراء ويستمر يف جذب املزيد ‪.‬‬

‫يف مجال كتابته ويصبح خبريا فيه‪ ,‬وعليه أن يبقى‬ ‫عىل اطالع دائم بأحدث املستجدات واألخبار‬ ‫فيه‪ ,‬وهو أمر سيميزه عن البقية‪ ,‬ويكسبه املزيد‬ ‫من املتابعني والقراء‪ .‬إن تعمق املدون يف مجاله‬ ‫ومتابعته للتطورات فيه سيمكنه من كتابة مقاالت‬ ‫تحمل شيئا جديدا‪ ,‬وتحظى باهتامم متزايد من‬ ‫قبل القراء‪.‬‬

‫تعريف اآلخرين مبدونته‪ ,‬بل إنها تغني معرفته‬ ‫حول املوضوعات التي تثري اهتاممهم‪ ,‬ووجهات‬ ‫نظرهم حولها‪ ,‬وما يبحثون عنه من معارف‬ ‫ومعلومات‪ ,‬وعليه هنا أن يعمق معرفته بهذه‬ ‫املوضوعات ويقدم لهم ما يبحثون عنه من خالل‬ ‫مدونته‪.‬‬ ‫عىل املدون أيضا أن يعرف ما هي التدوينات التي‬ ‫يشاركها القراء‪ .‬إن املشاركة هي أحد أهم أسباب‬ ‫االنتشار‪ .‬عىل املدون مراقبة هذا األمر‪ ,‬واستخالص‬ ‫املوضوعات والقضايا التي تحظى باملشاركة‬ ‫ومعرفة السبب‪ ,‬وبالتايل توجيه تدويناته القادمة‬ ‫بهذا االتجاه‪ .‬غالبا ما يشارك القراء تدوينات متس‬ ‫حياتهم‪ ,‬أو حياة أفراد يحظون مبكانة هامة لديهم‪.‬‬

‫‪Rising for Freedom‬‬ ‫‪NOW in English‬‬ ‫‪A True Voice From Syria‬‬ ‫‪Syrian stories by Syrians‬‬

‫تكنولوجيا المعلومات‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.