طلعنا عالحرية / العدد 63

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪63‬‬ ‫‪2016 / 1 / 19‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع‬ ‫داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعات السورية يف الخارج‬


‫صدام الهمجيات في سوريا‬

‫‪2‬‬

‫افتتاحية بقلم ماهر مسعود‬

‫العدد ‪2016 / 1 / 19 - 63 -‬‬

‫تلتقي يف سوريا اليوم عدة همجيات دولية‬ ‫ومحلية من “أصدقاء” الشعب السوري‪ ،‬وأصدقاء‬ ‫النظام‪ ،‬وأعداء الحضارة وأصدقائها الطيبني‪.‬‬ ‫يلتقون ضمن حالة تاريخية نادرة تجمع كل‬ ‫أشكال الصدام الحضاري والتاريخي يف حلبة‬ ‫واحدة‪ ،‬ومبا يتجاوز صدام الحضارات الهنتغتوين‬ ‫وآلياته‪ ،‬نحو صدام الهمجيات املاقبل تاريخية وما‬ ‫بعد حداثية يف آن‪.‬‬ ‫فالرصاع القائم عىل أرض سوريا‪ ،‬هو يف الوقت‬ ‫ذاته رصاع ثقايف وسيايس‪ ،‬ديني وأيديولوجي‪،‬‬ ‫امرباطوري وقومي وأهيل‪ ،‬تجتمع فيه اإلمربيالية‬ ‫واالشرتاكية وحركات التحرر الوطني دون تناقض‪..‬‬ ‫وأحياناً دون متايز‪ ،‬وتجتمع فيه العنرصية ِّ‬ ‫بأحط‬ ‫صورها مع الدميقراطيات املدافعة عن حقوق‬ ‫اإلنسان دون تنابذ‪ ،‬وتتجانس فيه األقطاب‬ ‫املتعددة مع القطب الواحد‪ ،‬واملراكز مع‬ ‫وحدة مع الفوىض‪ ..‬الخالقة‪.‬‬ ‫األطراف‪ ،‬والعوملة ا ُمل ِّ‬ ‫هذه الحرب العاملية املك ّثفة مكانياً‪ ،‬واملمتدة‬ ‫زمانياً يف سوريا‪ ،‬والتي يتحالف مجمل أطرافها‬ ‫موضوعياً‪ ،‬رغم تنابذهم الذايت واختالفهم‬ ‫(الفعيل أحياناً والكالمي أحياناً أخرى)‪ ،‬ميارس‬ ‫فيها الجميع تقريباً دور الالعب الذي يلعب بقوة‪،‬‬ ‫لكن يتم اللعب به وعليه ومن خالله يف الوقت‬ ‫ذاته‪ ،‬ليبقى الخارس األكرب هو الشعب السوري‪،‬‬ ‫وشعوب املنطقة العربية و”الربيع العريب” يف‬ ‫املحصلة وعىل املديني القريب واملتوسط‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فبشار األسد الذي يع ّد الالعب األساس‪ ،‬وا ُملسبب‬ ‫األبرز لكل الخراب السوري الحاصل‪ ،‬يستخدم‬

‫امليليشيات املحلية والجيش السوري وامليليشيات‬ ‫الطائفية العابرة للدول‪ ،‬مثلام يستخدم إيران‬ ‫وروسيا يف حربه ض ّد السوريني‪ .‬لكن ّ‬ ‫كل من‬ ‫سبق ذكرهم يستخدمونه أيضاً ويلعبون به‬ ‫وعليه لتحقيق مصالح مل يكن لهم تحقيقها‬ ‫دونه‪ .‬والالعبون الدوليون بخاصة‪ ،‬يستخدمونه‬ ‫بخ ّفة واستخفاف ع َّز نظريهام؛ فقيرص منفوخ‬ ‫مثل بوتني قالها بالحرف الواحد منذ عامني‪“ :‬هذا‬ ‫الولد أىت بالعامل ك ّله إ ّْيل”!‬ ‫أما النظري األبرز لألسد يف القوة ويف تحطيم سوريا‬ ‫وثورتها‪ ،‬واملستجلب األهم للتدخل الدويل ض ّد‬ ‫الثورة السورية‪ ،‬أبو بكر البغدادي‪ ،‬فال نحتاج‬ ‫لكبري عناء يك نقول إنه ثاين العب همجي بعد‬ ‫األسد‪ ،‬ممن يستفيدون من املظلمة السورية‬ ‫والتدخل الدويل ليستقطب املسلمني من أربع‬ ‫جهات األرض وميدد دولته املتخ ّيلة‪ ،‬مقابل اللعب‬

‫كلمة‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬

‫به واالستفادة منه التي يحققها باقي الهمج من‬ ‫املتدخلني الدوليني يف سوريا؛ فالجميع يحاربه‬ ‫ليك يحارب به‪ ،‬ويعلنون الحرب عليه ليك يقصفوا‬ ‫املدارس واألفران واألطفال‪ ،‬ويحارصوا املدن‬ ‫املنكوبة ويحت ّلوا األرايض ويهجروا البرش‪.‬‬ ‫وما يحصل مع روسيا يف ترابطها العضوي لكن‬ ‫الرباغاميت مع النظام واستخدام داعش‪ ،‬يتكرر‬ ‫مع األمريكان ‪-‬وإن بصيغة أخرى‪ -‬مع األكراد‬ ‫يف الشامل السوري؛ فاألمريكان الذين يلعبون‬ ‫بالجميع ليخرس الجميع ما عداهم‪ ،‬يدعمون‬ ‫ويستخدمون األكراد يف حربهم ال ّربية املط ّولة‬ ‫ض ّد داعش‪ ،‬ليعاود األكراد استخدامهم واملحاولة‬ ‫عربهم ومن خالل دعمهم والثقة األمريكية‬ ‫العالية بهم‪ ،‬تحقيق حلمهم القومي املستحيل‪،‬‬ ‫بكردستان الكربى‪ ،‬أو حلمهم القابل للتحقق‬ ‫‪ ...‬تتمة يف الصفحة ‪8‬‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫ليىل الصفدي‬

‫معاون رئيس التحرير‬ ‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫املحرر الثقايف‬ ‫رامي العاشق‬

‫املحرر االقتصادي‬ ‫وائل موىس‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫دعم المناطق المحاصرة‬ ‫استراتيجية الرمق األخير‬

‫‪3‬‬

‫وائل موسى‬

‫العدد ‪- 63 -‬‬ ‫‪2016 / 1 / 19‬‬

‫اقتصاد‬

‫“مضايا”‪ ،‬اسم بلدة سورية باتت معروفة عىل وعىل اعتبار أنه من الطبيعي أن يتفاعل عامة‬ ‫مستوى العامل بعد الحمالت اإلعالمية األخرية‪ .‬الناس يف املجتمعات بشكل أو بآخر يف اللحظات‬ ‫الحصار الذي استمر لشهور عديدة مل يحرك التي تيل الكارثة كونه رد فعل ناتج عن مشاعر‬ ‫العامل إال بعد وقوع كارثة إنسانية قىض فيها عدد لحظية‪ ،‬إال أنه من املعيب استخدام هذه‬ ‫من سكان البلدة نتيجة للجوع ونقص التغذية‪ ،‬االسرتاتيجية من قبل مؤسسات املعارضة السورية‬ ‫لتنطلق بعدها العديد من الحمالت‪ ،‬منها إعالمية ومنظامت املجتمع املدين املستحدثة بعد اندالع‬ ‫ومنها لجمع التربعات‪ ،‬وأعلن البعض عن حجم الثورة السورية؛ فالعديد منها يفتقد إىل التخطيط‬ ‫املبالغ التي تم جمعها بينام تحفظ آخرون‪ ،‬كام االسرتاتيجي‪ ،‬فال نسمع عن حمالت التربع إال بعد‬ ‫تم سابقاً ‪-‬بعد كارثة مجازر‬ ‫تم توجيه العديد من الرسائل والتقارير من قبل وقوع الحدث‪ ،‬كام ّ‬ ‫ناشطني ومعارضني ومؤسسات إنسانية والتي الكياموي يف الغوطة الرشقية‪ -‬عدد كبري من‬ ‫شكلت ضغطاً عىل العديد من الحكومات مام الحمالت التي حصدت مبالغ مالية كبرية لتمويل‬ ‫دفع كل من نيوزلندا وإسبانيا وفرنسا للدعوة إىل مواد طبية وأقنعة واقية من الغازات السامة‬ ‫جلسة خاصة يف مجلس األمن‪ ،‬كام تحركت األمم ملساعدة املناطق املترضرة من الرضبات الكياموية‪.‬‬ ‫املتحدة واللجنة الدولية للصليب األحمر ليتم ويف مثل هذا الحدث‪ ،‬قد يجد البعض مربرات‬ ‫الحقاً الحصول عىل موافقة من النظام السوري لتحركهم بعد الحدث يتذرعون بها بصعوبة التنبؤ‬ ‫إلدخال املواد اإلغاثية‪ .‬ورغم أن هذا التحرك هو باستخدام مثل هذا النوع من السالح‪ ..‬رغم أنه‬ ‫من طبيعة عملهم والتي ال تحتاج إىل حمالت من املعروف عن النظام السوري امتالكه ألسلحة‬ ‫إعالمية ومطالبة وضغط من قبل أي جهة‪ ،‬إال كياموية‪ ،‬وأن من املمكن أن يستخدم كل يشء يف‬ ‫أنه بات من الواضح أن العملية اإلغاثية متت عىل حربه حتى وإن كان محرم دولياً‪.‬‬ ‫غرار نتيجة التفاوض األخري بني حزب الله وجبهة وقد يتوضح أكرث أن (اسرتاتيجية الرمق األخري)‬ ‫النرصة‪ ،‬يف الوقت الذي تم تجاهل بقية املناطق ليست حكراً عىل مناطق محارصة أو مناطق‬ ‫املحارصة يف الغوطة الرشقية والغوطة الغربية تعاين من ويالت الحرب فقط‪ ،‬وأكرب دليل عىل‬ ‫ودير الزور وغريها‪ ،‬مام يثري الكثري من الشكوك ذلك هو التجربة السابقة التي عاشتها مخيامت‬ ‫الالجئني السوريني يف‬ ‫لبنان جراء العاصفة‬ ‫الثلجية؛ فهذه املخيامت‬ ‫ال تخضع لحصار مطبق‪،‬‬ ‫ومن املمكن الوصول إليها‬ ‫بسهولة‪ ،‬ويوجد يف لبنان‬ ‫عدد كبري من املنظامت‬ ‫والجمعيات‬ ‫الدولية‬ ‫الخريية‪ ..‬ورغم توفر كل‬ ‫املعلومات الكافية‪ ،‬بداية‬ ‫من التنبؤ بالعاصفة‪،‬‬ ‫الكاريكاتري من صفحة الفنان حسام السعدي‬ ‫وصوالً إىل توفر كافة‬ ‫حول التحركات األخرية الخالية من أي مساع لفك املعلومات عن االحتياجات الرضورية لالجئني يف‬ ‫الحصار‪ ،‬واالكتفاء بإدخال بعض الشحنات من املخيامت‪ ،‬إال أن حمالت جمع التربعات والتحرك‬ ‫تتم إال بعد وقوع الكارثة‬ ‫املساعدات الغذائية والطبية وبعض املستلزمات‪ .‬إلغاثة املحتاجني مل ّ‬ ‫الحراك األخري رغم رضورته القصوى‪ ،‬إال أنه بات ووفاة عدد من األشخاص!‬ ‫ً‬ ‫يك ّرس اسرتاتيجية الرمق األخري‪ ،‬حيث ال نالحظ وبعد أن استعرضنا قدراً بسيطا من األمثلة عن‬ ‫أي تركيز إعالمي أو ضغط إال بعد وقوع الكارثة‪ .‬حالة الشلل املطبق يف التخطيط للتعامل مع هذه‬

‫الكوارث‪ ،‬بات من املرشوع التفكري بجدوى وجود‬ ‫هذه املؤسسات وعملها؛ بداية من املنظامت‬ ‫اإلغاثية التي يرصف عليها ماليني الدوالرات سنوياً‬ ‫تحت عنوان “إغاثة الشعب السوري”‪ ،‬وصوالً إىل‬ ‫األمم املتحدة التي تظهر منذ بداية الثورة السورية‬ ‫وكأنها عاجزة يف بعض األحيان‪ ..‬ومساهمة يف‬ ‫الكارثة يف أحيان أخرى‪ ،‬حيث ال توجد مؤرشات‬ ‫واضحة لتطبيق ميثاق األمم املتحدة‪ ،‬الذي لن‬ ‫أقتبس نص الديباجة الخاص به‪ ،‬ألنه سيبدو مثل‬ ‫نكتة مثرية للسخرية أمام معاناة الشعب السوري‪.‬‬ ‫ورغم أن جميع املؤرشات تنذر بعدم وجود‬ ‫نوايا إليقاف سياسة الحصار والتجويع‪ ،‬وال توجد‬ ‫مؤرشات واضحة لدى األمم املتحدة إللزام النظام‬ ‫السوري بوقف حصار املدنيني‪ ،‬إال أنه بات من‬ ‫الرضوري عىل املعارضة السورية ومؤسساتها‬ ‫ومنظامت املجتمع املدين إيجاد خطط اسرتاتيجية‬ ‫تتناسب مع أهداف مواجهة الكوارث وحل‬ ‫املشكالت عىل املدى املتوسط والطويل األمد‪ .‬ليس‬ ‫ذلك فحسب‪ ،‬بل أنه بات عليهم توحيد جهودهم‬ ‫املشتتة ضمن مشاريع مشرتكة‪ ،‬سواء عىل مستوى‬ ‫الحمالت اإلعالمية املوجهة أو عىل جبهات اإلغاثة‪،‬‬ ‫امللحة لتشكيل ضغط كبري عىل‬ ‫إضافة إىل الرضورة ّ‬ ‫املجتمع الدويل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عىل صعيد اإلغاثة تحديدا‪ ،‬مل يعد من املجدي‬ ‫االكتفاء بجمع التربعات وتجهيز صناديق غذائية‬ ‫لتوزيعها‪ ،‬فهذه العمليات تعترب إسعافية وال طائل‬ ‫منها عىل املدى املتوسط عىل أقل تقدير‪ .‬ومن‬ ‫األجدر البدء بالتحضري ألعامل ومشاريع صغرية‬ ‫مستدامة كدعم الزراعة وتربية الحيوانات‪ .‬ورغم‬ ‫وجود بعض املبادرات الخجولة هنا أو هناك‪ ،‬إال‬ ‫أنها تبدو غري مدروسة وال تشكل فارقاً ذا أهمية‬ ‫اسرتاتيجية‪.‬‬ ‫أما عىل الصعيد اإلعالمي‪ ،‬فكل يعمل وفق منظور‬ ‫مختلف كلياً عن اآلخر دون تعاون‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫أن الحمالت اإلعالمية ما زالت مرتبطة مبا بعد‬ ‫الحدث‪ ،‬ومن األجدر أن يتم استباق الحدث‬ ‫من خالل املعطيات املتوفرة للحؤول دون وقوع‬ ‫الكارثة‪.‬‬ ‫مىض خمس سنوات عىل انطالق الثورة السورية‬ ‫وآن األوان للتخيل عن اسرتاتيجية الرمق األخري‬ ‫واستبدالها بالتخطيط املستدام‪.‬‬


‫‪44‬‬

‫التفاوض والعقبات االستباقية‬ ‫شوكت غرزالدين‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2015 // 18 // 19‬‬ ‫‪2 - 63‬‬

‫مقاالت‬ ‫لقاءات‬

‫ستلجأ بعض األطراف املتصارعة يف سور ّية للتفاوض‬ ‫لعدم قدرتها عىل إخضاع بعضها البعض وكرس‬ ‫اإلرادات فيام بينها أساساً‪ .‬فالتفاوض وجه آخ َر‬ ‫النعدام القدرة عىل الحسم العسكريّ ‪ .‬وبالرغم‬ ‫من استناد التفاوض إىل مكتسبات الق ّوة‪ّ ،‬إل أ َّنه‬ ‫ال يظهر ّإل استناداً إىل إفالس الحسم العسكريّ‬ ‫يف اإلخضاع‪ ،‬ويغيب باستمرار الحسم العسكريّ‬ ‫حصلته‬ ‫ويكون عقي ًام وصفر ّياً ال رابح فيه‪ .‬وما ّ‬ ‫ستحصله‬ ‫األطراف املتصارعة بالق ّوة يكافئ ما‬ ‫ّ‬ ‫بالتفاوض‪.‬‬ ‫وتعرتض هذا التفاوض‪ ،‬املزمع انطالقه يف ‪25‬‬ ‫الشهر الحايل استناداً لقرار مجلس األمن رقم‬ ‫‪ 2254‬عدة عقبات؛ منها ما يتعلق بالقرار نفسه‬ ‫وأخرى تتعلق برشوط القوى املتصارعة ومطالبها‪،‬‬ ‫وثالثة تتعلق بالوضع امليداين ومحاوالت تغيريه‬ ‫قبل التفاوض‪ .‬وهو القرار الداعي للتفاوض بني‬ ‫املعارضة والنظام للبدء بعمل ّية سياسية يف سور ّية؛‬ ‫سيايس” بعد تشكيل “هيئة‬ ‫للوصول “النتقال‬ ‫ّ‬ ‫حكم انتقايل كاملة الصالح َية”‪ ،‬مبوافقة الطرفني‪،‬‬ ‫تعمل عىل صياغة دستور جديد ِّ‬ ‫وتحض النتخابات‬ ‫ُمراقبة دولياً يشارك الالجئون خارج سور ّية فيها‬ ‫والنازحون ضمنها‪ ،‬بهدف ْأن يتحقق “وقف شامل‬ ‫إلطالق النار”‪.‬‬ ‫وبالرغم من التشديد الرويس‪/‬األمرييك عىل بدء‬ ‫املفاوضات بدون رشوط مسبقة‪ ،‬نجد الروس‬ ‫ودميستورا يضعون الرشوط قبل االنطالق‪ ،‬كعقبة‬ ‫فصل املسار اإلنساين عن املسار السيايس التي‬ ‫تسكت عن الهدف السيايس املرجو من الحصار‬ ‫وتسكت عن املجرم الذي قرر ونفذ الحصار‪.‬‬ ‫وعقبة تحديد التنظيامت اإلرهابية التي ستويص‬ ‫األردن بها حسب قرار مجلس األمن‪ ،‬والضغط‬ ‫الرويس لضم حركة أحرار الشام وجيش اإلسالم‬ ‫إىل القامئة‪ ،‬واستثناء التنظيامت الكرد ّية والشيع ّية‬ ‫منها‪ .‬وعقبة تشكيل الوفد املفاوض إزاء النظام؛‬ ‫إما بضم عنارص إليه أو بتشكيل وفد ثان يشارك‬ ‫بعملية التفاوض بالتوازي مع الهيئة العليا‬ ‫للتفاوض املنبثقة عن مؤمتر الرياض‪ ،‬حسب الطرح‬ ‫الرويس الذي حدد قامئة من ‪ 15‬شخصاً‪.‬‬ ‫ويحمل قرار مجلس األمن هذا مفارقات عديدة‬

‫بالنسبة للوضع امليداين وللوقائع الراهنة يجب‬ ‫وميكن‪ -‬البحث فيها حتى تتضح مثل هذه‬‫املفارقات للرأي العام السوريّ فيأخذ موقفاً منها‪:‬‬ ‫ تأجيل البدء بعملية التفاوض حتى أواخر كانون‬‫ثاين‪ /‬يناير رغم تأكيد القرار عىل بدئها يف أوائل‬ ‫كانون ثاين‪ /‬يناير يؤرش إىل إعطاء فرصة لعرقلة‬ ‫القرار مبسألة تحديد قامئة التنظيامت اإلرهابية‪،‬‬ ‫واختيار الوفد املفاوض‪ ،‬والسعي لفصل املسار‬ ‫اإلنساين عن املسار السيايس‪ ،‬من جهة‪ ،‬ومن جهة‬ ‫أخرى تغيري املعطيات عىل األرض من قبل النظام‬ ‫الذي يسابق الزمن لفرض وقائع جديدة قبل بدء‬ ‫التفاوض‪ ،‬ضارباً بإجراءات بناء الثقة الواردة يف‬ ‫القرار عرض الحائط‪.‬‬ ‫ بالرغم من تكرار التأكيد يف القرار عىل أنه ما‬‫من حل دائم لألزمة الراهنة يف سورية إال من‬ ‫خالل عملية سياسية جامعة بقيادة سورية تل ّبي‬ ‫التطلعات املرشوعة للشعب السوري‪ ،‬وبالرغم‬ ‫من تسليم القرار بالصلة الوثيقة بني وقف إطالق‬ ‫النار وانطالق عملية سياسية موازية نجده ُيحدِّد‬ ‫اإلرهابيني الذين ال يشملهم وقف إطالق النار‬ ‫بداعش والنرصة أساساً وما ستويص األردن به‬ ‫“للفريق الدو ّيل إلنهاء النزاع يف سور ّية” مبراجعة‬ ‫“مجلس األمن” للقضاء عىل املالذ اآلمن الذي‬ ‫أقامته تلك الجامعات عىل أجزاء كبرية من سورية‪.‬‬ ‫ويالحظ أن وقف إطالق النار املذكور أعاله لن‬ ‫يطبق عىل األعامل الهجومية أو الدفاعية التي‬ ‫تنفذ ض ّد هؤالء األفراد والجامعات واملؤسسات‬ ‫والكيانات‪ .‬ولكن االتفاق األخري بني داعش‬ ‫والنظام برعاية األمم املتحدة الذي قىض بخروج‬ ‫قرابة ‪ 3000‬مقاتل من داعش من مخيم الريموك‬ ‫والحجر األسود بسالحهم الفردي وعىل مرأى‬ ‫الجميع يثري التساؤالت والشكوك حوله‪ ،‬عىل‬ ‫اعتبار أن الجميع سيقاتل داعش وال يفاوضها‪.‬‬ ‫وقبله اتفاق “الزبداين‪/‬الفوعة وكفريا” الذي تم‬ ‫البند الثاين منه بخروج الجرحى إىل بريوت وتركيا‪،‬‬ ‫وهو اتفاق مع “حركة أحرار الشام” التي يجهد‬ ‫الروس لتصنيفها إرهاب ّية‪.‬‬ ‫ ّ‬‫غض النظر عن إجراءات بناء الثقة ‪-‬املرتبطة‬ ‫بروسيا والنظام وإيران‪ -‬رغم رضورتها بالقرار ومبا‬

‫يحث عىل رضورة‬ ‫يخالف البند العارش منه؛ والذي ّ‬ ‫إجراءات بناء الثقة‪ .‬وما حدث يف األيام القليلة‬ ‫املاضية يف الوعر واملعضم ّية والشيخ مسكني‬ ‫والغوطة الرشقية‪ ،‬واغتيال قيادات متثلت يف مؤمتر‬ ‫الرياض كـ”زهران علوش” ُيدلِّل عىل فرض الوقائع‬ ‫ال عىل إجراءات الثقة وذلك بدون حتى قلق‬ ‫وشجب من “مجلس األمن” أو “الفريق الدو ّيل”!‬ ‫وهذا تأمني ملحيط دمشق كورقة تفاوضية ميكن‬ ‫ْأن يطبق فيها وقف إطالق النار‪.‬‬ ‫ ضغط رويس لقولبة توصية األردن الهادفة‬‫لتصنيف األفراد والجامعات والتنظيامت يف قامئة‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬وللتدخل يف الوفد املفاوض‪.‬‬ ‫ من الواضح إقصاء تنظيم الدولة وجبهة النرصة‬‫وغريهام من املفاوضات‪ ،‬واالستمرار بالحسم‬ ‫العسكريّ إزاءهم‪ ،‬رغم تأكيدات الجميع عىل‬ ‫السيايس‪ ،‬اليشء الذي ال يؤدي ّإل ملزيد من‬ ‫الحل‬ ‫ّ‬ ‫استنزاف السور ّيني‪.‬‬ ‫ نسمع منذ بداية الثورة َّأن الحسم العسكريّ‬‫غري مج ٍد وأن ال بديل عن الحل السيايس‪ .‬منذ ما‬ ‫يقارب الخمس سنوات يومياً يف سور ّية محاوالت‬ ‫الحسم العسكريّ العديدة واملتنوعة التي يقوم‬ ‫بها كل من النظام وإيران وروسيا ومليشياتهم‬ ‫اإلرهاب ّية‪ .‬فمنذ تدخل الروس يف ‪ 30‬أيلول‪/‬سبتمرب‬ ‫يتم العمل عىل تالزم الحسم العسكري والحل‬ ‫التفاويض يف آن مبا يتناسب مع الروس‪ .‬وتدرجت‬ ‫حربهم لتطال الجميع مدنيني وجيش حر‪ .‬بينام‬ ‫يؤكد القرار وقف إطالق نار شامل يستثني مناطق‬ ‫اإلرهابيني َّ‬ ‫وأن سور ّية “دولة غري طائفية” وذات‬ ‫سيادة!‪.‬‬ ‫َّإن السور ّيني عىل موعد مع تفاوض عقيم يف‬ ‫حال استمرت محاوالت الحسم العسكري‪ ،‬وميكن‬ ‫ْأن يتحول إىل تفاوض مثمر جزئياً باالبتعاد عن‬ ‫محاوالت الحسم العسكري‪ ،‬ولكنه باملآل األخري‬ ‫تفاوض ناقص إلقصاء أطراف صنفت إرهاب ّية‬ ‫واستثنيت مواقع سيطرتها من وقف إطالق النار‪.‬‬ ‫َّإن السور ّيني إزاء خيارين ال ثالث لهام‪ :‬إما بقاء‬ ‫الوضع عىل حاله والتعايش والتكيف والتأقلم مع‬ ‫الحالة الراهنة ألمد بعيد‪ ،‬أو الدخول يف التفاوض‬ ‫عىل قاعدة الجميع رابحني‬


‫عن انحدار الثورة السورية نحو األسلمة!‬ ‫‪5‬‬

‫أنور عباس‬

‫العدد ‪2016 / 1 / 19 - 63 -‬‬

‫الحكم يف دمشق ضد إرادة الجامهري‪ ,‬أن جعل‬ ‫من التصدي لهذه الثورة‪ ,‬بالنسبة للبعض عم ًال ذا‬ ‫طابع مذهبي‪ ,‬يقمع من خالله النظام “العلوي”‬ ‫وحلفاؤه “الشيعة” األكرثية “السنية” التي‬ ‫خرجت مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة التي‬ ‫غابت عنها لنصف قرن‪.‬‬ ‫عىل الطرف اآلخر‪ ,‬رأى كثريون ممن ساند السوريني‬ ‫يف الدول العربية ذات النفوذ االقتصادي والسيايس‬ ‫أن هذا القمع للثورة ذا بع ٍد ديني‪ ,‬وبدأت هذه‬ ‫الرؤيا تصقل شكل الدعم الذي بدأ يغدقه هؤالء‬ ‫عىل السوريني للوقوف يف وجه الطاغية وآلة القتل‬ ‫بدعم من حلفائه الذين ذكرنا‪ ,‬وبدأ يؤثر إىل‬ ‫حد كبري عىل حاملها الفكري‪ ,‬الذي بدأ بالتحول‬ ‫من املطالبة بالحرية إىل املطالبة بحكم الرشع‪,‬‬ ‫كبديل عن النظام العلامين املستبد والكافر الذي‬ ‫يستهدفهم يف عقديتهم‪ .‬إن اإلحساس بهذا النوع‬ ‫من الخطر ال يوقظ ّإل املشاعر الدينية‪ ,‬وال يتطلب‬ ‫األمر أن يكون اإلنسان متدينا ليهب للدفاع عن‬ ‫املجموعة املذهبية التي ينتمي إليها‪ ,‬بل يكفي‬ ‫أن يشعر بأي نوع من االنتامء إليها‪ ,‬ويكفي أن‬ ‫يشعر بالخطر!‬ ‫كانت هذه العوامل مجتمعة سبباً حاس ًام يف‬ ‫تشكيل وعي سني يف صفوف الثورة‪ ,‬حيث‬ ‫شعرت األغلبية السنية والتي شكلت عامد الحراك‬ ‫السلمي ثم العسكري الحقا (رمبا ألن السنة هم‬ ‫األغلبية العددية وحسب)‪ ,‬بخطر محدق يتهدد‬ ‫عقيدتها‪ ,‬ووجودها كمجموعة دينية‪ ,‬واستيقظ‬ ‫لديها إحساس عارم برضورة حامية هذا الوجود‬ ‫بالوسائل املتاحة أياً كانت‪ ,‬ودعم هذا اإلحساس‬ ‫تسلل مجموعات ترتبط بالقاعدة‪ ,‬رائدة هذا‬

‫الفكر‪ ,‬إىل سوريا وإعالنها الوقوف إىل جانب‬ ‫األخوة “السنة” يف وجه النظام “النصريي” واملد‬ ‫“الشيعي “ اإليراين‪ .‬وزاد األمر تعقيداً تدخل‬ ‫حزب الله‪ ,‬ثم إيران وامليليشيات العراقية الشيعية‬ ‫املتورطة أصال بجرائم حرب ضد السنة يف بالدها‪,‬‬ ‫يف الرصاع وقتالها إىل جانب األسد ورفعها لشعارات‬ ‫طائفية موجهة ضد السوريني “السنة” بوصفهم‬ ‫“قتلة الحسني” و “أحفاد معاوية بن أيب سفيان”‪.‬‬ ‫ال أستطيع الجزم بأن النظام قد خطط لهذا األمر‪,‬‬ ‫لكنه كان يدرك منذ اليوم األول أن إيقاظ سنية‬ ‫السوريني من خالل وضعها يف دائرة الخطر املبارش‬ ‫سينهي ثورتهم‪ ,‬ويفض العامل الذي تعاطف معهم‬ ‫من حولهم‪ ,‬ويجعلهم فريسة للفكر املتطرف‬ ‫املحيط بهم أصال‪ .‬من املرجح أنه أراد استخدام‬ ‫هذا السالح يف حدود ما لبثت أن أصبحت خارج‬ ‫دائرة قراره مع سيطرة إيران عىل مقدرات الرصاع‪,‬‬ ‫ودخول حزب الله ودوره يف تأمني مناطق القلمون‬ ‫ومناطق أخرى يف محيط دمشق والحؤول دون‬ ‫وصول الثوار إىل العاصمة‪ ,‬معقل النظام األسايس‪,‬‬ ‫ومع توافد امليلشيات الشيعية من أفغانستان‬ ‫والعراق وغريها‪ .‬أفلت النظام مارداً من قمقم‬ ‫هو أشبه بجهنم‪ ,‬ومل يعد بوسعه التحكم فيه أو‬ ‫توجيهه‪ .‬لقد فشل النظام باستخدام هذا السالح‬ ‫كام فشل يف استخدام سالح القمع‪ .‬كالهام سالح‬ ‫يحتاج إىل الكثري من الحنكة املفتقدة لدى كل‬ ‫من نظام األسد‪ ،‬والنظام اإليراين الذي نصح األسد‬ ‫باستخدام هذا السالح يف األيام األوىل للثورة‪,‬‬ ‫وأطلق مارد العنف والطائفية وأصبح عاجزا‬ ‫عن احتواءه عىل أيً من طريف هذه الرصاع‬ ‫امليلءباملوت والدمار واألمل‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫متيزت حركات التحرر من االستعامر األوريب خالل‬ ‫القرن العرشين بطابعها الوطني البحت‪ ,‬وكان‬ ‫ذلك نتيحة لعاملني هامني‪ .‬أما األول فهو رواج‬ ‫الفكر القومي يف العامل والذي بدأ يف أوربا وانترش‬ ‫إىل بلدان الشعوب املستَع َمرة‪ .‬أما العامل الثاين‬ ‫فهو أن تلك الشعوب شعرت بخطر داهم يحيق‬ ‫بهويتها الوطنية‪ ,‬الناشئة غالبا‪ ,‬جراء هذا االستعامر‬ ‫الذي كان عىل يد دول تقوم عىل القومية‪ .‬مل يشعر‬ ‫الجزائريون مثال بأن هويتهم املسلمة يف خطر‪ ,‬بل‬ ‫كان الشعور بأن فرنسا تسعى إىل فرنسة الجزائر‪,‬‬ ‫ومحو جزائريتها‪ ,‬ومل تكن تسعى إىل “تنصريها”‬ ‫أبدا‪ ,‬رغم وجود جهد تبشريي رافق االستعامر‬ ‫األوريب يف غري مكان من العامل وآىت مثاره‪.‬‬ ‫انطلفت الثورة السورية يف شهر آذار ‪ 2011‬بعد‬ ‫أن أطلقت ثورة تونس العنان لربيع عريب مالبث‬ ‫أن تحول إىل خريف إسالمي دموي‪ .‬تجلت الثورة‬ ‫السورية هذه يف خروج مظاهرات عارمة يف معظم‬ ‫أنحاء البالد ذات األغلبية السنية (مبا يف ذلك‬ ‫املناطق الكردية)‪ ,‬وكانت دوافع هذه املظاهرات‬ ‫املطالبة بالحرية‪ ,‬دون تحديد دقيق لهذه الحرية‬ ‫التي يسعى إليها الشعب الذي رزخ تحت استبداد‬ ‫العسكر والعائلة الحاكمة لنصف قرن كامل‪ ,‬ورأى‬ ‫حك ًام “جمهوريا” يورث إىل ابن طاغية قارص‪ ,‬يف‬ ‫السياسة عىل األقل‪ .‬متيزت املظاهرات بحس وطني‬ ‫واضح يف األشهر األوىل‪ ,‬وكانت شعاراتها جلية‬ ‫املعامل‪ ,‬وعىل الرغم من قول البعض بأن بعض‬ ‫الشعارات كانت طائفية‪ ,‬وقد يكون هذا صحيحا‬ ‫أومجرد افرتاء أو من تدبري مخابرات النظام‪ ,‬إال أن‬ ‫السواد األعظم من هذه املظاهرات ‪ ,‬ومارافقها‬ ‫من نشاط مدين وإعالمي وحقوقي‪ ,‬تسامى عن‬ ‫النزعات الدينية واملذهبية‪ ,‬بل وسعى إىل جذب‬ ‫كل املكونات األخرى إىل هذا الحراك التاريخي‪,‬‬ ‫مبا يف ذلك العلويني املحسوبون عىل النظام‪ .‬لكن‬ ‫النظام الذي رأى يف الثورة خطرا شديداً عليه‪,‬‬ ‫مالبث أن بدأ بتوجيه أصابع االتهام إىل الثورة عىل‬ ‫أنها ثورة مذهبية‪ ,‬سنية رجعية عىل حكم علامين‬ ‫(أو “علوي”)‪ .‬هذا ما ظهر عىل املأل غالبا باستثناء‬ ‫ماقالته بثينة شعبان عن ذبح عىل الهوية يف بعض‬ ‫املناطق يف أسابيع املظاهرات األوىل والكل يعرف‬ ‫أنه افرتاء ال غري‪ .‬يف الكواليس الخاصة بالنظام ويف‬ ‫أحاديث مؤيديه الجانبية كانت االتهامات أكرث‬ ‫وضوحا للثورة بأنها ثورة “وهابية سنية “عىل نظام‬ ‫“علوي”‪ ,‬ومالبث تأييد النظام الشيعي يف إيران‪,‬‬ ‫وحزب الله الشيعي اللبناين‪ ,‬والحكومة العراقية‬ ‫املوالية إليران والتي يسيطر عليها الشيعة‪ ,‬لنظام‬


‫‪6‬‬

‫اإلعالم الثوري‪..‬‬ ‫بين الهواية واالحتراف‬ ‫هبة معماري – محمد الثائر – بيان ريحان – هيثم بكار*‬

‫العدد ‪2016 / 1 / 19 - 63 -‬‬

‫تقارير‬

‫“مل يتوقف القصف بعد‪ ..‬الطائرة مازالت تحوم يف‬ ‫السامء‪ ..‬اقرتبت الساعة من الحادية عرش صباحاً‬ ‫‪...‬لن أدع املحارضة تفوتني بعد كل هذا االنتظار”‬ ‫يف قبو مجهز باالنرتنت وجهاز إسقاط‪ ،‬يف إحدى‬ ‫بلدات الغوطة الرشقية املحارصة‪ ،‬هناك طاولة‬ ‫التف حولها خمسة وعرشون متدرباً ومتدربة‬ ‫لورشة التدريب عىل الكتابة الصحفية‪.‬‬ ‫أسامة نائب رئيس تحرير مجلة طلعنا عالحرية‬ ‫ّ‬ ‫يحض االتصال باملدربة عن طريق النت‪ ،‬ويساعده‬ ‫باسل املسؤول الفني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫شادي ذو االثنني والعرشين عاما بدأ عمله اإلعالمي‬ ‫يف ظل الثورة‪ ،‬قام بإعداد التقارير املصورة وشارك‬ ‫يف مداخالت تلفزيونية‪.‬‬ ‫كان يسعى للحصول عىل التدريب الالزم ليطور‬ ‫من قدرته عىل الكتابة وفق منهج صحفي‪ ،‬هذا‬ ‫األمر الذي كان يف غاية الصعوبة عىل مدار‬ ‫السنوات السابقة‪ ،‬دفع به للبحث عن تدريبات‬ ‫عن طريق االنرتنت واالستعانة بالكتّاب املوجودين‬ ‫خارج الغوطة‪ ،‬واآلن يف هذا املكان تحقق حلمه‬ ‫عندما أطلت عبارة “أسس الكتابة الصحفية” عىل‬ ‫تلك الشاشة وصوت املدربة زينة ارحيم يسود‬ ‫القاعة عن طريق جهاز الصوت‪.‬‬ ‫عند سؤالنا السيد محمد الثائر أحد املشاركني يف‬ ‫الورشة‪ ،‬وهو ناشط يف التوثيق ومسؤول سابق‬ ‫يف املكتب اإلعالمي يف تنسيقية مدينة دوما‪ ،‬عن‬ ‫أسباب ق ّلة التدريب اإلعالمي يف الغوطة الرشقية‬ ‫تشجع عىل‬ ‫أجابنا‪“ :‬طبيعة أهل املنطقة أساساً ال ّ‬ ‫العمل يف اإلعالم‪ ..‬هذا األمر أدى إىل ق ّلة عدد‬ ‫االختصاصني‪ .‬وبسبب الحصار الذي فرض عىل‬ ‫الغوطة مل نستطع استقدام اختصاصني للمنطقة‪.‬‬ ‫إضافة إىل الصعوبات التكنولوجية التي منعتنا من‬ ‫إقامة تدريبات عن بعد”‪.‬‬ ‫كام أشار الثائر إىل الفوىض التي تسود الواقع‬ ‫اإلعالمي والعبثية يف العمل‪ ،‬بسبب ضعف الخربة‪،‬‬ ‫األمر الذي أدى إىل نتائج عكسية يف التوثيق‬ ‫امليداين للشهداء والجرحى‪ ،‬إضافة إىل أخطاء‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫وأضاف الثائر‪“ :‬أقمنا عدة دورات تدريبية يف‬ ‫مجال إعداد التقارير املكتوبة واملصورة نظرا‬

‫دورة تدريبية يف أسس الكتابة الصحفية ضمت أكرث من ‪ 30‬متدرباً‪ ،‬بادرت‬ ‫بها مجلة طلعنا عالحرية ونظمها مكتب املجلة يف الغوطة الرشقية بالتعاون‬ ‫مع منظمة البيت الشامي واتحاد منظامت املجتمع املدين السوري‪.‬‬

‫للحاجة امللحة لها‪ ،‬ولألسف مل ينجح العمل‬ ‫بسبب ضعف اإلمكانيات وعدم اهتامم املنظامت‬ ‫املوجودة باإلعالم وتوجهها لرصد ظواهر معينة‬ ‫كاإلغاثة”‪.‬‬ ‫من هنا تكمن أهمية الدورة التي أطلقتها مجلة‬ ‫طلعنا عالحرية تحت عنوان “أسس الكتابة‬ ‫الصحفية” والتي بدأت بتاريخ ‪2015\12\24‬‬ ‫لغاية ‪ 2016\1\14‬مبعدل ثالث جلسات أسبوعية‪،‬‬ ‫وأرشف عليها مجموعة من الصحفيني ذوي الخربة‪،‬‬ ‫وذلك عن طريق االنرتنت‪ ،‬بتسهيالت قدمتها‬ ‫منظمة البيت الشامي واتحاد منظامت املجتمع‬ ‫املدين السوري‪.‬‬ ‫وعن صعوبات التواصل مع املتدربني‪ ،‬كون هذا‬ ‫التدريب يقام عن طريق االنرتنت‪ ،‬قالت املدربة‬ ‫الصحفية زينة ارحيم وهي منس ّقة املرشوع‬ ‫السوري مع منظمة معهد صحافة الحرب والسالم‪:‬‬ ‫“هذا أول تدريب أعمله عىل االنرتنت‪ ،‬وكنت‬ ‫متوترة فع ًال ألنني لن أمتكن من الرؤية والتفاعل‬ ‫مع املتدربني‪ ..‬ومؤكد أن هذا أنقص من قدريت‬ ‫عىل التدريب بسبب عدم وجودي شخصياً معهم‪.‬‬ ‫إضافة للمشاكل التقنية التي ال بد أن تكون‬ ‫موجودة يف مثل هذه الظروف”‪.‬‬ ‫نصار معاون مدير تحرير املج ّلة‪ ،‬هو‬ ‫وكان أسامة ّ‬ ‫املنسق امليداين للدورة التي استهدفت ‪ 35‬شاباً‬ ‫وشابة التزم منهم ‪ ،25‬وذلك بسبب الظروف‬

‫الصعبة التي تعيشها الغوطة الرشقية من تصعيد‬ ‫عسكري وحصار‪.‬‬ ‫مجلة طلعنا عالحرية هي مجلة سورية مستقلة‬ ‫تأسست يف عام ‪“ ،2012‬وجدت بذرة طيبة يف‬ ‫املجهود الذي يبذله الناشطون‪ ،‬ورأت من واجبها‬ ‫تقديم العون لهم من خالل التحضري لهذه الورشة‬ ‫والتي تهدف إىل زيادة قدرتهم عىل إنتاج مواد‬ ‫صحفية مكتوبة‪ ،‬مبنية عىل الحد األدىن من معايري‬ ‫نصار‪.‬‬ ‫العمل الصحفي املهني” وذلك بحسب ّ‬ ‫“توجه الصحافة الحديثة يهدف‬ ‫ويضيف نصار‪ّ :‬‬ ‫إىل إيصال صوت الناس وعرض آرائهم ومعاناتهم‬ ‫وتطلعاتهم‪ .‬وقد ملسنا الحاجة إىل تأهيل ومتكني‬ ‫النشطاء الراغبني بكتابة مواد صحفية احرتافية‪،‬‬ ‫وهذا ما دفعنا إىل تنظيم هذا التدريب”‪.‬‬ ‫وعن أسباب التأخر يف تنظيم هذا التدريب أضاف‬ ‫نصار‪“ :‬الفكرة مطروحة منذ مدة لكن العوائق‬ ‫اللوجستية أخرت هذا املوضوع‪ ،‬ويف بداية افتتاح‬ ‫مكتب املجلة يف الغوطة‪ ،‬مل تكن لدينا فكرة عن‬ ‫األشخاص الراغبني مبثل هذه التدريبات”‪.‬‬ ‫وعلقت بيان وهي إحدى املتدربات‪“ :‬استفدت‬ ‫من الدورة كثرياً‪ ،‬فمنذ بداية الثورة وأنا أكتب‬ ‫مقاالت عن ما يحدث يف مدينتي‪ ،‬ولكن كانت‬ ‫كتابايت عبارة عن هواية وال ترقى ملستوى التقارير‬ ‫االحرتافية التي أقرؤها‪ .‬ومن هنا تكمن أهمية‬ ‫الدورة بالنسبة يل‪ ،‬والتي أرجو أن تكون ضمن‬


‫سوريا تحت المجهر‬ ‫مجموعة تدريبات من املمكن أن تقوم بها املجلة”‪.‬‬

‫تضمنت تطبيقات مخصصة ملجلة طلعنا عالحرية‬

‫شاركت بها ليىل الصفدي مديرة تحرير املجلة‪.‬‬

‫طلعنا عالحرية‪ -‬موقع مرقاب‬ ‫يقوم موقع مرقاب بجمع وتلخيص ما تكتبه مراكز‬ ‫األبحاث العاملية والعربية عن سوريا‪ ،‬انطالقاً من‬ ‫قناعته من أن متابعة هذه املراكز تتيح فه ًام أعمق‬ ‫ملواقف القوى الدولية واإلقليمية املؤثرة يف سوريا‬ ‫وما يجري يف كواليس السياسة‪.‬‬ ‫يقدم مرقاب هذه املادة بالتعاون مع جريدة‬ ‫طلعنا عالحرية مع كل عدد جديد‪ ،‬مستعرضاً فيها‬ ‫أبرز ما تناولته مراكز األبحاث عن الشأن السوري‪.‬‬ ‫أوجد أوباما فراغاً يف الرشق األوسط عرب امتناعه‬ ‫عن التدخل يف الثورة السورية عدة مرات‪ ،‬وبسبب‬ ‫هذا الفراغ فقد تحركت السعودية لوضعها‬ ‫خطوطها الخاصة كام يقول دينيس روس من‬ ‫معهد واشنطن لسياسات الرشق األدىن‪.‬‬ ‫التصعيد اإليراين السعودي عىل خلفية إعدام‬ ‫الشيخ منر النمر ينذر بتصعيد عسكري عىل‬ ‫املرشق العريب كام ًال؛ فالدولتان متوالن حروباً‬ ‫عيص‬ ‫بالوكالة يف عدة دول‪ ،‬ولكن الرشق األوسط ّ‬ ‫عىل التنبؤ كام يقول الباحث كينيث بوالك يف‬ ‫مركز بروكينجز‪ ،‬وإن كان التحليل املنطقي يقول‬ ‫إن إيران والسعودية لن تتورطا يف حرب مبارشة‬ ‫بينهام‪ ،‬ولكن يف مرحلة ما خالل األعوام املقبلة‪،‬‬ ‫قد يخطئ أحد الطرفني يف حساباته ويطلق العنان‬ ‫لقوة عسكرية وجيزة وحادة للغاية ض ّد اآلخر‪،‬‬ ‫ولذلك يجب عىل هذين البلدين تفادي النزاع‬ ‫املبارش وحرص نزاعهام باألرايض التابعة لألطراف‬ ‫الثالثة ذات الحظ اليسء كام يقول مايكل نايتس‬ ‫من معهد واشنطن‪.‬‬ ‫تطغى مشكلة الالجئني وتهديد تنظيم الدولة عىل‬ ‫ما سواها حني يتم تداول القضية السورية؛ فنجد‬ ‫يف دراسة مط ّولة نرشها مركز الجزيرة للدراسات‬ ‫تحلي ًال للخطاب اإلعالمي األورويب بخصوص‬ ‫قضية الالجئني‪ ،‬وتخلص الدراسة إىل أن اإلعالم‬ ‫األورويب اليميني قدّم صورة عنرصية لالجئني‬ ‫قامئة عىل التخويف من الالجئني وشيطنتهم‪ ،‬عىل‬ ‫عكس اإلعالم األورويب اليساري الذي قدّم صورة‬ ‫أكرث إنصافاً بحسب التقرير‪ .‬ويف نفس املوضوع‬ ‫يتساءل بيرت ساديرالند يف بروجيكت سانديكت إن‬ ‫كان العام الحايل سيكون عاماً أفضل للمهاجرين‪،‬‬ ‫داعياً الدول الكربى إىل قبول مليون الجئ سنوياً‬

‫عىل األقل‪ ،‬وهو ذات النداء املشرتك الذي أطلقته‬ ‫رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة مع فليبوا غراندي‬ ‫رئيس مفوضية الالجئني‪“ :‬ال ترتكوا أي الجئ‬ ‫خلفكم”‬ ‫يدعو فرانك شتاينامير وزير الخارجية األملاين إىل‬ ‫توحيد الجهود ض ّد تنظيم الدولة‪ ،‬ويتحقق ذلك‬ ‫بحسب شتاينامير عرب دعم البيشمركة الكردية‪،‬‬ ‫وتأمني املناطق املحررة من التنظيم وإعادة‬ ‫إعامرها وأخرياً ‪-‬وهو أصعب املراحل‪ -‬أن تنخرط‬ ‫كل فئات السكان يف سوريا والعراق يف عملية‬ ‫سياسية مشرتكة‪ ،‬وهو ما يراه ممكن التحقق إذا‬ ‫اتبعت القوى العاملية نفس الخطوات التي اتبعتها‬ ‫عندما أنجزت االتفاق النووي مع إيران‪.‬‬ ‫أما توين بلري فيدعو يف مقال نرشه يف بروجيكت‬ ‫سنديكت إىل اسرتاتيجية شاملة لهزمية التطرف‬ ‫اإلسالمي يف ‪ ،2016‬ويجب أن تشمل تلك‬ ‫االسرتاتيجية بحسب بلري عىل القوة والدبلوماسية‬ ‫والعمل التنموي‪ ،‬ويتطلب ذلك هزمية تنظيم‬ ‫الدولة يف ّ‬ ‫كل األماكن ومن ثم العمل عىل تسوية‬ ‫يف سوريا بدون بقاء بشار األسد يف السلطة‪.‬‬ ‫وألن األولوية اآلن هي الحرب عىل تنظيم الدولة‪،‬‬ ‫يرى السفري األمرييك السابق يف روسيا ميشيل‬ ‫ماكفول أنه ينبغي عىل الواليات املتحدة أن تسعى‬ ‫إىل التحالف مع روسيا إللحاق الهزمية بتنظيم‬ ‫الدولة‪ ،‬ولكن برشط أن تتوقف روسيا عن قصف‬ ‫حلفاء الواليات املتحدة يف سوريا‪.‬‬

‫يخص الحراك السيايس الذي شهدته الثورة‬ ‫وفيام‬ ‫ّ‬ ‫السورية ممث ًال باجتامع فيينا ومن ثم مؤمتر الرياض‪،‬‬ ‫يعترب حازم نهار الباحث يف املركز العريب يف الدوحة‬ ‫أن روسيا ستسعى لـ”تفخيخ” هيئة التفاوض العليا‬ ‫املنبثقة عن مؤمتر الرياض بأسامء من طرفها بغية‬ ‫السعي إىل متزيق املعارضة مرة أخرى‪ ،‬كام أنها ستسعى‬ ‫باالشرتاك مع إيران إىل تصنيف بعض الفصائل املشاركة‬ ‫يف املؤمتر كحركات إرهابية‪ ،‬خاصة منها جيش اإلسالم‬ ‫وحركة أحرار الشام‪ ،‬وهو ما يحتّم عىل املعارضة‬ ‫مرة أخرى توحيد جهدها العسكري‪ ،‬ومن ثم تغيري‬ ‫اسرتاتيجيتها العسكرية يف أوضاع القصف التدمريي‬ ‫واألرض املحروقة يف اتجاه حرب العصابات بحسب‬

‫تحليل آخر قدمه املركز العريب أيضاً‪.‬‬

‫تقارير‬

‫* وجب التنويه إىل أن معدي هذا التقرير‬ ‫هم متدربون يف الورشة آنفة الذكر‬

‫‪7‬‬

‫العدد ‪2016 / 1 / 19 - 63 -‬‬

‫وعن وضع اإلعالم يف الغوطة الرشقية‪ ،‬قالت‬ ‫اآلنسة رميا وهي مد ِّرسة يف إحدى مدارس‬ ‫الغوطة الرشقية‪“ :‬اإلعالم هنا يعاين من ضعف‬ ‫كبري‪ ،‬وال يرقى إىل مستوى املأساة التي تحصل‬ ‫عىل األرض‪ ،‬وهذا برأيي ينعكس سلباً عىل نقل‬ ‫الصورة إىل املجتمع الدويل عىل نحو صحيح”‪.‬‬ ‫أما الحاج أبو كاسم‪ ،‬وهو عامل يف سوق شعبي‬ ‫يف الغوطة‪ ،‬فأضاف‪“ :‬كل يوم بتصري مية مجزرة‬ ‫وبآخر النهار ملا منشوف األخبار ما بجيبوا سريتنا‬ ‫وال بيطلع واحد من عنا مراسل بيحيك وجعنا‬ ‫صح”‪.‬‬ ‫ومن الجدير بالذكر أن هناك عدة تقارير‬ ‫مغلوطة صدرت عن جهات إعالمية خارجية‪،‬‬ ‫كان السبب فيها أنها كتبت من قبل صحفيني‬ ‫مل يأتوا إىل الغوطة سابقاً‪ ،‬وال يدركون األحداث‬ ‫القامئة عىل األرض‪ ،‬معتمدين فقط عىل ما‬ ‫ينقل عىل صفحات التواصل االجتامعي‪ .‬وهذا‬ ‫ما أضعف من مصداقية اإلعالم الثوري غري‬ ‫االحرتايف‪.‬‬ ‫يذكر أن الورشة تخللتها جلسة للتدريب عىل‬ ‫املختصان مجد‬ ‫أمن املعلومات قدمها املدربان‬ ‫ّ‬ ‫وحسان من مرشوع سالمتك‪ ،‬وهو مرشوع غري‬ ‫ربحي يساعد الناشطني ومنظامت املجتمع‬ ‫املدين السوري عىل استخدام التكنلوجيا‬ ‫بشكل آمن‪ .‬كام شارك الصحفي عروة املقداد‬ ‫باستعراض تجربته يف الكتابة للصحافة‪ ،‬وبناء‬ ‫القصة اإلخبارية‪ .‬واختتمت الورشة بجلسة‬

‫سعي إقليمي لملء فراغ أوباما‬


‫‪8‬‬

‫اللجوء للتشهير كفعل‬ ‫للتعبير عن االختالف‬ ‫بسام األحمد‬

‫العدد ‪2016 / 1 / 19 - 63 -‬‬

‫مقاالت‬

‫سألتني إحدى الزميالت ممن يعملنَ يف املجال‬ ‫الصحفي قبل مدّة عن سبب معارضتي آللية حملة‬ ‫‪#‬إحكيها_صح املثرية للجدل‪ ،‬والتي أطلقها عدد من‬ ‫نشطاء الثورة السورية‪ ،‬ويدعون فيها إىل استخدام‬ ‫مصطلحات معينة عوضاً عن مصطلحات أخرى “أقل‬ ‫ثورية” من غريها‪.‬‬ ‫تبي الحقاً ّ‬ ‫بأن الحملة السورية كانت محاكاة‬ ‫حيث ّ‬ ‫لحملة أخرى شبيهة أطلقها نشطاء فلسطينيون‪،‬‬ ‫حاولوا من خاللها استبدال العديد من املصطلحات‬ ‫تعب متاماً عن قضيتهم بحسب‬ ‫الدارجة ‪ -‬والتي ال ّ‬ ‫رأيهم – مبصطلحات أقرب إىل املبادئ واألهداف التي‬ ‫يؤمنون بها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولعل امللفت يف الحملتني هو جنوح الحملة األصلية‬ ‫عكس ما‬ ‫إىل مصطلحات أكرث توافقية إىل ح ٍد ما‪،‬‬ ‫َ‬ ‫استخدمه النشطاء السوريون يف حملتهم‪ ،‬والتي‬ ‫كانت أقرب إىل حملة تصفية حسابات ومصادرة‬ ‫اآلراء املختلفة عنها‪ ،‬وكان مؤسفاً أن ترتافق الكثري‬ ‫من منشورات الحملة مع سيل هائل من الشتائم‬ ‫واالتهامات لكل من ال يتبنّى مصطلحات الحملة‪،‬‬ ‫والتي تحمل معاين مختلفة يف سياقات مختلفة‬ ‫وحسب اعتبارات عديدة‪.‬‬ ‫يف أحايني كثرية تكون املقدمات املشبعة بلغة‬ ‫االتهامات املبنية عىل قضية خالفية‪ ،‬هي البداية‬ ‫الحقيقية لحمالت تشهري مسعورة‪ ،‬قد تطال أشخاصاً‬ ‫أو فعاليات أو مجموعات عمل أو منظامت أو غريها‬ ‫من األجسام الثورية‪ ،‬وتنال هذه املقدمات عادة من‬ ‫قضايا إشكالية تحمل أوجه كثرية ومختلفة فيام بينها‪.‬‬ ‫ورغم ّأن العديد من الجهات واألشخاص يتمتعون‬ ‫مبهارات لطيفة يف إدارة الخالفات بحكم عرشات‬ ‫الورشات التدريبية التي أقيمت للسوريني منذ بداية‬ ‫الثورة‪ ،‬إ ّال ّأن الغالبية العظمى تنهج وبكل أسف‬ ‫النهج األرسع واألبشع يف التعبري عن وجهة نظر‬ ‫أخرى‪ ،‬قد ال تكون مختلفة كلياً عن الرؤية األساسية‪.‬‬ ‫خالل دراستي املرحلة االبتدائية يف إحدى املدارس‬ ‫عىل ضفاف مدينة القامشيل‪/‬قامشلو الواقعة عىل‬ ‫الحدود السورية – الرتكية‪ ،‬وقعت حادثة رسقة يف‬ ‫شعبتنا املدرسية‪ ،‬للوهلة األوىل ظنّ العديد من‬ ‫التالميذ –وكنت أحدهم‪ّ -‬أن األستاذة سوف تلجأ‬ ‫إىل األسلوب املعتاد املتبع يف املدرسة من قبل معظم‬ ‫املد ّرسني‪ ،‬والذي كان قامئاً عىل تفتيش جميع الطالب‬ ‫بشكل كامل مبساعدة “عريف الصف”‪ ،‬وعند العثور‬ ‫يتم توبيخه‬ ‫عىل اليشء املفقود لدى أحد التالميذ كان ّ‬ ‫بطريقة تهدف بشكل واضح إىل محاولة تدمريه‬ ‫نفسياً‪ ،‬يرافقه يف األغلب رضب مربح وعار يرافق‬ ‫التلميذ حتى أشهر عديدة‪ .‬لكننا تفاجئنا باألسلوب‬

‫الذي اتبعته األستاذة يف ذلك اليوم عند التعاطي مع‬ ‫ذلك األمر الطارئ عىل الصف‪ ،‬أ ّما الخطوة األوىل‬ ‫فتمثلت بقيام اآلنسة بإعطاء “فسحة للعودة عن‬ ‫الخطأ” عندما طلبت بكل لباقة منّا إعادة القلم الذي‬ ‫ميكن أن نكون قد عرثنا عليه مبحض الصدفة أو نكون‬ ‫قد تلقفناه بالخطأ عن األرض‪ ،‬والبدء بالدرس املقرر‪،‬‬ ‫وذلك أم ًال بعودة القلم إىل صاحبه األصيل‪ .‬ولكن مل‬ ‫يحدث ذلك‪ ،‬وم ّرت الطريقة األوىل من دون جدوى‬ ‫أو فاعلية‪ ،‬إ ّال ّأن األستاذة أعقبت تلك الخطوة بأخرى‬ ‫طريفة وكان مفادها “أن يقوم الذي عرث عىل القلم‬ ‫باالجتامع مع األستاذة يف أي مكان وزمان وإعطائها‬ ‫القلم مع مكافأة رمزية بسيطة من قبل اآلنسة”‪...‬‬ ‫لحسن الحظ وتحديداً يف تلك األيام كنّا جميعاً‬ ‫منهكني بالواجبات اليومية و”املذاكرات” ومل يكن‬ ‫هنالك بيننا أي تلميذ فضويل يف الصف كان ميكن أن‬ ‫يقرر مالحقة اآلنسة خطوة بخطوة حتى يتع ّرف عىل‬ ‫ذلك الشخص‪.‬‬ ‫ميكن الحديث‪ ،‬وبدون مبالغة‪ ،‬عن عرشات األساليب‬ ‫البنّاءة والطرق التي ميكن اتباعها من قبل األشخاص‬ ‫الذين ميلكون حسن النية يف تغيري أو انتقاد أو توجيه‬ ‫مالحظة إىل أي شخص أو فعالية حول أي موضوع‬ ‫إشكايل أو خاليف دون اللجوء إىل األساليب الشائعة‬ ‫حالياً يف األوساط الثورية السورية‪ ،‬والتي تقوم بشكل‬ ‫أسايس عىل عملية تشهري (تكون منظمة يف معظم‬ ‫األحيان) وذلك رغبة يف التعبري عن االختالف يف‬ ‫وجهات نظر معينة‪ ،‬وخاصة تلك املتعلقة باستعامل‬ ‫مصطلحات ذات دالالت مختلفة بحسب السياق‬ ‫يتم طرحها فيه‪ ،‬وليست أول هذه األساليب هي‬ ‫الذي ّ‬ ‫املنشورات عىل وسائل التواصل اإلجتامعي أو ضمن‬ ‫اإلجتامعات الخاصة املغلقة‪ ،‬أو خالل املؤمترات‪ ،‬أو‬ ‫حتى عىل شاكلة رسائل للحكومات واملمولني‪.‬‬ ‫ولو نظرنا إىل العديد من حمالت التشهري التي درجت‬ ‫وما تزال‪ ،‬وخاصة تلك التي تدور يف فلك أمور غري‬ ‫متفق عليها بشكل نهايئ‪ ،‬فسوف نالحظ إشارات‬ ‫ورسائل ُبنيت وانطلقت عىل سبب جوهري ومبدأ‬ ‫أسايس وهو “ملاذا ال تشبهنا أو ال تكون مثلنا أو من‬ ‫جامعتنا”‪ .‬وكأننا بتنا نتعامل مع أوصياء عىل مناطق‬ ‫أو محافظات بعينها‪ ،‬أو عىل أوصياء عىل ثورة شعب‬ ‫خرج لنيل كرامته وحر ّيته‪ ،‬وإلحداث تغيري حقيقي‬ ‫يف بنية الدولة واملجتمع‪ ،‬ويبدو واضحاً من خالل‬ ‫متابعة متأنية ودقيقة لهذه األساليب يف التعبري أنها‬ ‫أكرث تجسيداً ومحاكاة لسياسة اإلقصاء والتخوين‬ ‫والتهميش التي اتبعها حزب البعث العريب اإلشرتايك‬ ‫تجاه املواطنني السوريني خالل العقود املنرصمة‪،‬‬ ‫والتي أدت يف النهائية إىل ثورة شعبية سحقت تلك‬ ‫األساليب واألفكار البالية‪.‬‬

‫‪ ...‬البقية من صفحة ‪2‬‬

‫صدام الهمجيات‬ ‫في سوريا‬ ‫باالستقالل والحكم الذايت وتكريد بعض املناطق‬ ‫العربية بالقوة‪ ،‬بعد أن كان النظام سابقاً يع ّرب‬ ‫املناطق الكردية بذات الطريقة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫السوريون ليسوا مغرمني بالحرب بكل تأكيد‪ ،‬ولو‬ ‫ق ّيض للموالني‪ ،‬من غري املستفيدين املبارشين من‬ ‫الحرب‪ ،‬أن يختاروا اليوم‪ ،‬ملا اختاروا األسد‪ ،‬لكنّ‬ ‫األسد الذي اختار املعركة بالسالح منذ خطابه‬ ‫األول أمام مجلس الشعب‪ ،‬مل يرتك خيارات‬ ‫سياسية بديلة ال ألنصاره وال ملعارضيه‪ ،‬حيث أن‬ ‫فكرة البديل التي شغلت حلفاءه وأعداءه حتى‬ ‫اللحظة‪ ،‬مل تكن لتحتمل أكرث من خيارين اثنني‪:‬‬ ‫إما أن يختار األسد السياسة‪ ،‬وعليه يصبح أي‬ ‫رجل مبتدئ يف ألف باء السياسة قادراً وقاب ًال‬ ‫ألن يكون البديل؛ حيث أن السياسة هي و ّالدة‬ ‫للبدائل يف طبيعتها وتاريخها‪ ،‬أو يختار الحرب‪،‬‬ ‫وعليه تصبح البدائل خاضعة ملوازين القوة‬ ‫الرصفة‪ ،‬بحيث ال بديل جدّي إال بتحطيم األسد‬ ‫ونظامه ودولته املركبة أمنياً‪ .‬وهذا ما كان خياره‬ ‫بالفعل‪ ،‬وهو الخيار الذي دفع مثنه موالوه مثل‬ ‫غريهم باملعنى النسبي‪ ،‬وقاد املجتمع السوري‬ ‫إىل التمزق واالنشقاق الحاصل‪.‬‬ ‫إن الحرب التي تصنع السياسة وتقودها واقعياً يف‬ ‫سوريا‪ ،‬ترسم أيضاً حدوداً هزيلة للسياسة عينها‪،‬‬ ‫وللحلول السياسية أياً كان طريقها‪ .‬والحشود‬ ‫ّ‬ ‫املتكثة يف سوريا‪ ،‬تنج ُّر تدريجياً نحو‬ ‫الدولية‬ ‫التخيل عن قرشة العقل الهزيلة يف الحضارة‪،‬‬ ‫لصالح الهمجية الكامنة يف الحضارة ذاتها‪.‬‬ ‫واملخاوف الدولية حول األمن والسلم الذايت لكل‬ ‫دولة‪ ،‬تندفع نحو مكافحة اإلرهاب باإلرهاب‪ ،‬يف‬ ‫حفلة جامعية لر ّد املخاوف بالتخويف والتورط‬ ‫بالقتل والهمجية‪.‬‬ ‫وإذا أخذنا يف اعتبارنا أن الحرب يف سوريا تتخذ‬ ‫صفة عاملية تبعاً لعدد دول العامل املشاركة فيها‪،‬‬ ‫وتبعاً لشعوب العامل املتأثرة بها؛ إن كان باإلرهاب‬ ‫الذي يرتد صداه من جاكرتا إىل كاليفورنيا‪ ،‬أو‬ ‫بالهجرة ومشاكلها الدميوغرافية واالقتصادية‬ ‫واالجتامعية‪ ،‬سنجد أن صدام الحضارات القائم‬ ‫عىل خطوط التامس الثقافية والدينية مل يعد‬ ‫ممكناً يف عرص العوملة‪ ،‬دون التحول الجمعي نحو‬ ‫الهمجية وصدام الهمجيات‪ ،‬وإن كان السوريون‬ ‫اليوم هم املحرقة وهم الرماد الذي يعرب من خالله‬ ‫وفوقه التاريخ‪ ،‬فإن النار التي تحرقهم لن تبقى يف‬ ‫ديارهم‪ ،‬يف قرية صغرية‪ ..‬هي العامل‪.‬‬


‫يوميات ياسمين (‪)1‬‬

‫‪9‬‬

‫سالم الغوطاني‬

‫العدد ‪- 63 -‬‬

‫قرسي عن بعضهم البعض‪.‬‬ ‫انفصال‬ ‫ٍ‬ ‫حدثتني طوي ًال عن تلك اللحظات التي م َّر عليها‬ ‫قرابة ثالث سنوات‪ ،‬وتركت يل الكثري من أوراقها؛‬ ‫أوراق مبعرثة‪ ،‬هي ممر رصاخها للعامل‪ ،‬أودعتهم‬ ‫عندي واعتمدت ع َّ‬ ‫يل من أجل ترتيبهم‪ .‬فيهم‬ ‫شهادتها عىل األحداث‪ ،‬رسائلها لـ”جمعة”‪ ،‬ويومياتها‬ ‫الخانقة بلون البرش الرمادي‪...‬‬ ‫قالت يل ‪“ :‬ذلك الخروج من الغوطة بداية الربكان‪،‬‬

‫‪2016 / 1 / 19‬‬

‫لوحة للفنان ديالور عمر بعنوان “قصة الجئة”‬

‫مقاالت‬

‫“ياسمني” امرأة سور ّية من “الغوطة الرشق ّية”‪،‬‬ ‫ُأك ِرهت عىل النزوح بعد مهاجمة “قوى األمن”‬ ‫بلدتها واعتقال رجالها‪ .‬تروي قصتها مام انغرس‬ ‫بذاكرتها ووجدانها‪ ،‬ومن بعض القصاصات التي‬ ‫كتبتها عىل عجل بالدمع والحزن‪ .‬فتسرتجع‬ ‫بإحساسها األحداث بالكتابة ع َّلها ُتح ِدث فرقاً‪.‬‬ ‫مل يكن معها سوى بطانية متنح بعض الدفء‬ ‫ألطفالها‪ ،‬اختارتها بعد نظرة وداع رسيعة بإحدى‬ ‫ويعج باألشياء‪.‬‬ ‫عينيها لبيت كان ينبض بالحياة‬ ‫ّ‬ ‫وبعينها األخرى ودعت زوجها “جمعة” وأخيها‬ ‫“رائد” ا ُملنقا َد ْين إىل باصات االعتقال‪ ،‬مع كل‬ ‫جبن‬ ‫الحي‪ .‬بينام هي والنساء األخريات ُأ ِ‬ ‫رجال ّ‬ ‫عىل الصعود اىل باصات ستق ِّلهنَّ اىل مراكز اإليواء‬ ‫يف مدينة “عدرا العاملية”‪ .‬حملت البطانية فقط‬ ‫مع أطفالها وحزنها وخوفها وغاصت يف املجهول‪.‬‬ ‫كان عنرص األمن الواقف عىل باب الباص يتطاير‬ ‫من فمه رذاذاً تفوح منه رائحة الكحول‪ ،‬وينظر اىل‬ ‫النساء بشهوانية مفضوحة‪ ،‬وقد اعرتض “ياسمني”‬ ‫قائ ًال‪“ :‬آبتطلعي عالباص ومعك البطانية”‪.‬‬ ‫“الله يخليك هاي منشان ديف فيها والدي‪ ،‬والله‬ ‫الصغريي مريضة”‪“ .‬آبتفهمي وليه شو عمقلك‪،‬‬ ‫خليها بنتك تصري فطيسة‪ ،‬هاي منشان الحرية”‪.‬‬ ‫نادت “ياسمني” أطفالها املرتعشني بني املقاعد‬ ‫بتمرد‪“ :‬انزلوا حبوبايت‪ ،‬انزلوا ما عاد بدنا نروح‬ ‫عمحل‪ ،‬خلينا قاعدين هون بالشارع”‪“ .‬ليك‬ ‫البهيمة ليك‪ ،‬رح تطلعي غصنب عنك عالباص‬ ‫والبطانية وأواعيك رح أحرقلك هني”‪“ .‬ما عاد يف‬ ‫يش اخرسو‪ ،‬وماين طالعة”‪.‬‬ ‫اقرتب شخص آخر من رجال األمن‪ ،‬محدثا زميله‪:‬‬ ‫“اتركها بحالها يا زملي‪ ،‬ال تحط راسك براسها‪،‬‬ ‫اطلعي عيني اطلعي‪ ،‬بس هذا لسانك بدو قص”‪.‬‬ ‫وجدوا مراكز اإليواء عبارة عن مدارس‪ ،‬وضعوا يف‬ ‫كل غرفة منها قرابة اربعني امرأة مع أطفالهم‪.‬‬ ‫كان رصاخ الصغار وبكاء النساء‪ ،‬الذي ال ينقطع‪،‬‬ ‫الهوا َء الوحيد الذي تنفسه الجميع‪ .‬وكان النوم‬ ‫جلوساً لالزدحام وفوق هذا يرافق نوم “ياسمني”‬ ‫ني “جمعة” التي ما برحت تغادر كيانها‬ ‫ذكرى ع ْي ْ‬ ‫وهو يوصيها‪“ :‬ياسمني‪ ...‬ياسمني‪ ،‬ديري بالك‬ ‫عالوالد‪ ،‬إصحك الصغريي تجوع‪.”...‬‬ ‫وما لبثت ْأن وجدت نفسها يف إحدى املشايف‬ ‫عصبي‪ .‬بقيت فيه قرابة الشهر بني‬ ‫إثر انهيار‬ ‫ّ‬ ‫الغيبوبة والصحو‪ ،‬وأبناؤها مبركز اإليواء يف أول‬

‫بداية املتاهة التي ما زلنا فيها”‪ .‬أبناؤها “أحمد”‬ ‫و”غيداء” تركا املدرسة؛ “أحمد” يعمل للمساعدة‬ ‫باملصاريف‪ ،‬و”غيداء” تزوجت بعمر الخمسة‬ ‫عرش عاماً‪“ .‬راغد” والصغرية “ليان” بخري‪ ،‬أ َّما‬ ‫“جمعة” فتتضارب األخبار حول مصريه؛ أحيانا‬ ‫حي يف‬ ‫يقولون بأنه مات‪ُ ،‬وأخرى يقولون إ َّنه ُّ‬ ‫“سجن صيدنايا”‪ .‬وتسرتسل‪“ :‬خيي “رائد” تأكد‬ ‫أمي‬ ‫نبأ استشهاده تحت التعذيب‪ ،‬ما تحملت ّ‬ ‫الخرب فأصابتها جلطة دماغية‪ ،‬وهيي ّإسا نص‬ ‫مشلولة‪ ،‬جامعتنا غرفة صغريي‪ ،‬وأين عبشتغل‬ ‫بالبيوت‪...‬وصدى صوت “جمعة” يالحقني (إيايك‬ ‫الصغريي تجوع)”‪.‬‬ ‫عىل إحدى األوراق قرأت‪“ :‬ليتك تعرف يا جمعة‬ ‫َّأن الصغريي (زعالنة منك)؛ بعد أن ش َّد شعرها‬ ‫من اعتقلك وأنت تحملها‪ .‬تقول‪ :‬بابا هوي ييل‬ ‫تركني و َف ْل‪ ،‬ليش ِق ْ‬ ‫بل يعملوا فيي هيك‪ ،‬كان‬ ‫عمرها سنتان واآلن خمسة‪ .‬وجميع محاواليت‬ ‫تغيري الصورة عندها تصطدم بجدار صمتها‪...‬‬ ‫صمتها عامل كبري‪ ،‬ال يشبه أبداً صمت العامل‪ ،‬وال‬ ‫يشبه صمت عاملي الصغري الذي تقوقع حتى‬ ‫أصبح “غاز السفري” القابع أمام عيني اآلن‪ ،‬هو‬ ‫أجمل ما لديّ ؛ فال أستطيع إزاحة نظري عنه يك‬ ‫ال يرتطم بتأوهات أمي‪ .‬مالبسنا وأغطيتنا املهرتأة‬ ‫متناثرة يف أرجاء الغرفة‪ ،‬التي تحوي ثالثة صحون‬ ‫وكأسني وإبريق؛ معادن يحاول الصدأ ابتالعها‪...‬‬ ‫وابتالعي”‪.‬‬ ‫‪ ...................................‬يتبع يف العدد القادم‬


‫في دوما‪ ..‬حياة من رحم الموت‬ ‫‪10‬‬

‫قصي األحمد‬

‫العدد ‪2016 / 1 / 19 - 63 -‬‬

‫تقارير‬

‫عرشات الجرحى داخل نقطة اإلسعاف يف مدينة‬ ‫دوما‪ ،‬بعضهم افرتش األرض‪ ،‬وآخرون مل يجدوا‬ ‫مكاناً غري الدرج‪ ،‬ومن حالفه الحظ جلس عىل‬ ‫الرسير ينئ بجانب جريح آخر‪..‬‬ ‫بعض الجرحى يصيح من األمل‪ ،‬وبعضهم ال يقوى‬ ‫عىل الصياح! ومنهم من أرخى يديه وشخص‬ ‫بعينيه إىل السامء‪ ،‬فقد خرج من هذه النقطة‬ ‫وحدها مثانية شهداء‪..‬‬ ‫تعم حالة من الفوىض والدماء قد مألت أرض‬ ‫ّ‬ ‫املشفى‪ ،‬وال زال املزيد من الجرحى يتوافدون إىل‬ ‫نقطة اإلسعاف‪.‬‬ ‫األطباء واملمرضون يف حالة هلع لكرثة املصابني‪،‬‬ ‫فهي نقطة مجهزة الستقبال ‪ 20‬جريحاً كح ّد‬ ‫أقىص‪ ،‬وقد زاد العدد عن الخمسني‪ .‬وطبيبان‬ ‫وخمسة ممرضني غري قادرين عىل احتواء كل‬ ‫هؤالء‪.‬‬ ‫تسود لحظة من الصمت‪ ،‬يتوقف الجرحى عن‬ ‫األنني‪ ،‬واملمرضون ينشغلون مبا حدث‪ ..‬الجميع‬ ‫يحدّق بذهول إىل الزاوية اليرسى من املشفى‪،‬‬ ‫وهم يشاهدون الحياة تخرج من رحم املوت!‬ ‫إنها لحظة إخراج الطفل إياد الشواك من رحم‬ ‫أ ّمه‪ ..‬امليتة!‬ ‫يقول محمد العطار ‪-‬الطبيب الذي أجرى‬ ‫العملية‪“ :-‬وصلت إلينا أم زياد وقد فارقت‬ ‫الحياة نتيجة إصابتها بشظية اخرتقت ظهرها‬ ‫واستقرت يف قلبها‪ .‬واكتشفنا أنها حامل‪ .‬فوضع‬ ‫أحد املمرضني يده عىل بطنها ليشعر أن أحداً من‬ ‫الداخل يطرق بعنف‪ ،‬وكأنه يقول‪“ :‬أخرجوين‪..‬‬ ‫أنقذوين‪ ..‬أنا ال زلت عىل قيد الحياة‪!”..‬‬ ‫ويتابع د‪ .‬عطار‪“ :‬خطر يف بايل حينها‪ :‬هل يجب‬ ‫أن أع ّقم بطن األم قبل العملية؟! هل يجب أن‬ ‫ألبس القفازات؟! مل يعد هناك وقت‪ّ ..‬‬ ‫تخطيت‬ ‫كل هذه األمور واألعراف الطبية‪ ،‬وتناولت املرشط‬ ‫وفتحت البطن‪ ،‬وأخرجت إياد يف اللحظات‬ ‫األخرية‪ ،‬فشفتاه كانتا زرقاوين وقد شارف عىل‬ ‫االختناق”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بىك البعض فرحا بإنقاذ إياد‪ ،‬والبعض حزنا عليه؛‬ ‫فقد ولد يتي ًام‪ ..‬وإياد هو الجنني األول الذي ينجو‬ ‫من أصل خمس حاالت أسعفها د‪ .‬عطار خالل‬ ‫العام املايض لنساء أصنب وهن بفرتة الحمل‪.‬‬

‫آخر حاالت والدة األمهات املتوفيات جرت قبل‬ ‫أيام يف ‪ ،10-12-2015‬حيث أصيبت إحدى‬ ‫األمهات خالل القصف عىل مدينة دوما‪ ،‬وهي يف‬ ‫الشهر السادس من حملها وفارقت الحياة‪ ،‬وقام‬ ‫الطبيب محمد بإجراء عملية لها وأخرج الطفل‬ ‫حياً من بطنها‪ ،‬غري أن الطفل لحق بأمه بعد بضع‬ ‫ساعات‪.‬‬ ‫عن استشهاد األم يروي والد إياد‪ ،‬يوسف الشواك‪:‬‬ ‫“ذهبت زوجتي وابني زياد البالغ من العمر ‪6‬‬

‫فيها‪ ،‬والذي غالباً ما يكون مكتظاً بالناس‪ .‬وهي‬ ‫ليست املرة األوىل التي يستهدف فيها هذا‬ ‫السوق‪ ،‬ولكنه املكان الوحيد الذي يلجأ إليه‬ ‫العديد من الناس للبيع والرشاء والعمل لكسب‬ ‫قوتهم وقوت أرسهم‪ ،‬عىل الرغم من خطورة‬ ‫العمل أو حتى املرور فيه‪.‬‬ ‫صدم أبو زياد عندما أحرضت سيارة اإلسعاف ابنه‬ ‫ورآه مصاباً‪ ،‬وما زال “غري مصدق” لوفاة زوجته‬ ‫رغم أنه دفنها بيديه‪ ،‬ومل تكتمل فرحته بنجاة‬

‫سنوات‪ ،‬يوم األحد ‪ 6-12-2015‬إىل سوق مدينة‬ ‫دوما إلحضار بعض الحاجيات واملالبس البننا‬ ‫القادم‪ ،‬فقد بقي لها سبعة أيام فقط للوالدة‪.‬‬ ‫فاستهدفت قوات النظام السوق بقذائف الهاون‪،‬‬ ‫وأصابت إحداها زوجتي”‪.‬‬ ‫ويكمل الطفل زياد ابن الشهيدة‪“ :‬كنا منيش يف‬ ‫الطريق بجانب املح ّالت‪ ،‬فسقطت قذيفة وراءنا‬ ‫فأصبت أنا يف يدي‪ ،‬وأصيبت أمي يف ظهرها‪،‬‬ ‫ولكنها مل تقع مبارشة عىل األرض‪ ،‬بل ركضت قلي ًال‬ ‫ثم وقعت”‪.‬‬ ‫كان آخر ما قالته األم لزياد كام يذكر‪“ :‬ماما زياد‬ ‫ال تخاف وال تزعل‪ ..‬أنا لح موت‪ ..‬دير بالك عىل‬ ‫حالك” قبل أن تصمت‪ ،‬وترخي جسدها عىل‬ ‫الرصيف‪.‬‬ ‫كان هذا اليوم عنيفاً عىل مدينة دوما‪ ،‬حيث‬ ‫ركزت قوات النظام قصفها عىل السوق الشعبي‬

‫ابنه إياد‪ ،‬الذي متنى أن يشاهده بعد سبعة أيام‬ ‫مع أمه‪ ،‬وتكون هي من يعتني به‪ ،‬ولكن نجاته‬ ‫“خففت عنه املصيبة” بحسب تعبريه‪.‬‬ ‫يقول أبو زياد‪“ :‬ال أدري كيف ستكون حياتنا‬ ‫بدونها‪ ،‬وكيف بإمكاين أن أعتني بطفيل؛ فمن‬ ‫املمكن أن أقدم لهام حنان األب‪ ،‬ولكن من‬ ‫املستحيل أن أقدم لهام حنان األم خصوصاً وأن‬ ‫لدينا اآلن طف ًال رضيعاً‪ ،‬وهو بحاجة إىل عناية‬ ‫خاصة “‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إياد بلغ من العمر اليوم شهرا وعرشة أيام‪ ،‬ويبدو‬ ‫بصحة جيدة وستتوىل خالته رعايته مؤقتاً رغم‬ ‫ظروفها الصعبة؛ فهي أم لطفلني صغريين وبالكاد‬ ‫تقوى عىل تأمني احتياجاتهام‪ ،‬ولكنها ستحاول ما‬ ‫بوسعها لتعويض إياد عن فقد أمه‪ ،‬وملء الفراغ‬ ‫الذي سيحدثه غيابها‪ ،‬وتتمنى أن ال يكون لفقدها‬ ‫أثر سلبي عليه وهي التي وهبته حياته من موتها!‬


‫نشرة اقتصادية‬

‫طلعنا عالحرية ‪ -‬القسم االقتصادي‬

‫اهم املستجدات التي تهم السوريني يف الشتات والداخل‬

‫الحدود اللبنانية كلفت السوريين الكثير في رأس السنة‬

‫قبل موعد رحلته ب ‪ 10‬ساعات‪ ،‬أما يف رأس‬ ‫السنة فقد تعمدوا تأخري املسافرين بحجة‬ ‫عدم وصول قوائم بأسامء املسافرين من‬ ‫املطار‪ ،‬وقد تسببت هذه اإلشكاليات املفتعلة‬ ‫يف تأخري العديد من السوريني عىل رحالتهم‬ ‫مام وضعهم يف موقف صعب‪ ،‬فإما العودة‬ ‫إىل سوريا أو حجز تذكرة جديدة لتتضاعف‬ ‫بذلك تكاليف سفرهم‪ ،‬وإضافة إىل تأخري‬ ‫املسافرين عن رحالتهم متت مطالبة البعض‬ ‫منهم بحجز فندقي ووجود مبلغ ألف دوالر‬ ‫ليدخلوا بصفة سائحني رغم وجود تذاكر سفر‬ ‫يف حوزتهم ‪.‬‬

‫الهيئة العامة للضرائب والرسوم السورية‬ ‫تعلن عن تخفيضات‬

‫“‪.”Internal Server Error 500‬‬ ‫املصدر‪/http://www.syriantax.gov.sy :‬‬

‫اقتصاد‬

‫استفد من حسم مقداره ‪ 4%‬إذا سددت‬ ‫الرضائب املحققة عليك يف عام ‪ 2016‬خالل‬ ‫الشهرين األول والثاين‪.‬‬ ‫استفد من حسم مقداره ‪ 3%‬إذا سددت‬ ‫الرضائب املحققة عليك يف عام ‪ 2016‬خالل‬ ‫الشهر الثالث والرابع‪.‬‬ ‫ليس إعالن محل ألبسة أو أدوات منزلية‪ ،‬إنه‬ ‫إعالن من وزارة املالية السورية‪ ،‬ال يخفى عىل‬ ‫أحد من السوريني حجم الفساد يف الدولة‬ ‫السورية كام أن جميع الرشكات واملصانع‬ ‫والورشات كانت وما تزال تتهرب من دفع‬ ‫الرضائب بشتى الوسائل املرشوعة وغري‬ ‫املرشوعة‪ ،‬ويأيت هذا اإلعالن عىل موقع الهيئة‬

‫كنوع من التشجيع للمكلفني لدفع الرضيبة‪.‬‬ ‫الهيئة مل تتجاهل أبداً واقع الحرب يف سوريا‬ ‫حيث فرضت رضيبة إلعادة اإلعامر كام أنها‬ ‫طرحت طابع “مجهود حريب” لكل إيصال‬ ‫يتجاوز مبلغ ثالثة آالف لرية سورية‪ ،‬جدير‬ ‫بالذكر أن موقع الهيئة يحتوي عىل قسم‬ ‫بعنوان “خدمات الحكومة االلكرتونية يف‬ ‫الهيئة العامة للرضائب والرسوم ووزارة املالية‬ ‫انقر هنا‪ ”.‬وبعد النقر عىل الرابط ستفتح‬ ‫صفحة تحتوي عىل رسالة خطأ‬

‫عام جديد يحمل معه كام املعتاد للحكومات‬ ‫واملؤسسات والرشكات واملنظامت سنة مالية‬ ‫جديدة‪ ،‬ومع نهاية كل عام تعمل كافة املنشآت‬ ‫عىل تحضري املوازنة الختامية للعام املايض سواء‬ ‫كانت هذه املنشأة تهدف للربح أم ال‪ ،‬وتفيد‬ ‫تقارير السنة املالية يف تقييم نتائج أعامل‬ ‫املنشأة ووضع نقاط القوة والضعف‪ ،‬ثالثة أعوام‬ ‫مضت عىل تشكيل الحكومة السورية املؤقتة‬ ‫وحتى اآلن ال يصدر عنها أي تقارير مالية توضح‬ ‫ميزانيتها باستثناء ملف واحد تم نرشه عىل‬ ‫موقعهم ملدة قصرية ليتم حذفه الحقاً‪ ،‬التقرير‬ ‫خاص بالربع األول من عام ‪ ،2014‬واحتوى عىل‬ ‫العديد من األخطاء املثرية للجدل‪ ،‬وبالرغم من‬ ‫عدم كفاية التقرير لإلشارة إىل أي عملية فساد‬ ‫مايل إال أن األخطاء داخل التقرير مثل الخطأ يف‬ ‫جمع أرقام أمر مثري للشك حول إن كان قد صدر‬ ‫عن خرباء ماليني فع ًال‪.‬‬ ‫أما عن واقع املنظامت السورية فهو أشبه‬ ‫ببحر الظلامت‪ ،‬حيث ال يقترص األمر فقط عىل‬ ‫عدم وجود تقارير مالية‪ ،‬والحديث عن الواقع‬ ‫املايل للمنظامت املستحدثة بعد اندالع الثورة‬ ‫السورية يحتاج إىل الكثري من التدقيق والبحث‬ ‫قد نورده يف تحقيق خاص الحقاً‪ ،‬إال أنه ويف‬ ‫ظل هذه املشاهد من الفوىض التي باتت سبي ًال‬ ‫جديداً للفساد وصلت األمور إىل حد يستدعي‬ ‫الثورة عىل كل من ركب موجة الثورة‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫العدد ‪2016 / 1 / 19 - 63 -‬‬

‫يف رأس السنة يزداد الطلب‬ ‫بشكل كبري عىل تذاكر‬ ‫الطريان مام يؤدي يف الحالة‬ ‫الطبيعية إىل ارتفاع أسعار‬ ‫التذاكر لتصل إىل أرقام‬ ‫قياسية‪ ،‬مؤخرا أضيف‬ ‫عبء جديد أثقل كاهل‬ ‫السوريني متثل يف قرار‬ ‫فرض الحصول عىل تأشرية‪ ،‬عىل من يرغب يف‬ ‫الدخول اىل األرايض الرتكية عرب الحدود غري‬ ‫الربية السورية الرتكية املغلقة بوابتها‪ ،‬موعد‬ ‫تنفيذ القرار بتاريخه املحدد بـ ‪8/1/2016‬‬ ‫دفع العديد من الراغبني يف الخروج من سوريا‬ ‫إىل تدارك الوقت واملسارعة للحصول عىل‬ ‫تذكرة سفر والتي وصلت يف ذروة سعرها إىل‬ ‫‪ 562‬دوالر أمرييك‪ ،‬وعىل الحدود السورية‬ ‫اللبنانية كانت املعاناة غري متوقعة‪ ،‬رغم أن‬ ‫لبنان فرض سمة خاصة للراغبني يف السفر عرب‬ ‫املطار تحدد مبدة ‪ 48‬ساعة إال أنهم فعلياً ال‬ ‫يسمحون بدخول املسافر عرب مطار بريوت إال‬

‫سنة مالية جديدة مع غياب‬ ‫الشفافية والتقارير المالية‬ ‫عن المنظمات السورية‬


‫‪12‬‬

‫أي من تطبيقات االتصال‬ ‫أكثر أمانا؟‬ ‫باسل مطر‬

‫العدد ‪2016 / 1 / 19 - 63 -‬‬

‫مقاالت‬

‫من املستغرب جداً أن ترى السوريني الذين‬ ‫يستخدمون تقنيات االتصاالت واملعلومات يف‬ ‫نشاطات حساسة جدا يلتصقون باستخدام تقنيات‬ ‫يعرف الجميع أنها غري آمنة‪ .‬فعىل الرغم من‬ ‫التحذيرات الكثرية التي ظهرت من برامج االتصال‬ ‫عرب اإلنرتنت التي ال تقدم مزايا األمان املطلوبة‪,‬‬ ‫اليزال الكثري مغرقا باسخدامها‪ .‬أخربين أحد األصدقاء‬ ‫أن الشامل السوري بالكامل جعل من برنامج‬ ‫واتس آب قناة رئيسية للتواصل‪ ,‬وأن غرفا إعالمية‬ ‫وعسكرية بالكامل تدور نقاشاتها‪ ,‬وتضع خططها‬ ‫باستخدام هذا الربنامج‪ .‬قد يقول البعض أن هذه‬ ‫املجموعات ال تستخدم اإلنرتنت اآليت من مناطق‬ ‫النظام وتعتمد عىل اإلنرتنت عرب األقامر الصناعية‪,‬‬ ‫وهذا يعني أن عدوها األول ال يستطيع التجسس‬ ‫عليها‪ ,‬لكن السؤال الذي يشغل بايل “من هم أعداء‬ ‫السوريني فعال؟” هل هو النظام وحسب؟‬ ‫عند استخدام تطبيقات التواصل (صوتاً أو كتابة أول‬ ‫بالفيديو) ال بد من النظر إىل مجموعة من األمور‪.‬‬ ‫ليست قدرة السلطات عىل التجسس عىل هذه‬ ‫الربامج هو األمر الوحيد الذي علينا النظر إليه‪ .‬فهذه‬ ‫الربامج تديرها رشكات‪ ,‬يعمل فيها أشخاص‪ ,‬تستخدم‬ ‫مخدمات وبروتوكوالت معينة‪ ,‬متر عرب أقنية معينه‪,‬‬ ‫وتخضع لقوانني الدول التي تعمل عىل أراضيها‪ ,‬وقد‬ ‫تحتقظ بسجالت اتصاالتك كاملة‪ ,‬وقد تسلمها إىل‬ ‫جهات أخرى‪.‬‬ ‫ماهي األمور التي علينا إذن أن ننظر إليها عند اختيار‬ ‫التطبيق الذي نستخدمه؟‬ ‫هل يتم تشفري البيانات خالل نقلها؟‬ ‫من األسايس أن تكون اتصاالت املستخدمني جميعها‬ ‫مشفرة خالل انتقالها يف جميع القنوات أي بني‬ ‫املستخدم ومخدمات الرشكة ثم إىل الطرف اآلخر‪,‬‬ ‫تشفريها عىل مخدمات الرشكة نفسها‪.‬‬ ‫هل يتم تشفري البيانات مبفتاح تشفري ال يستطيع‬ ‫مزود الخدمة الوصول إليه؟‬ ‫يجب أن تكون جميع اتصاالت املستخدم مشفرة‬ ‫بني الطرفني‪ .‬هذا يعني أن املفاتيح املطلوبة لفك‬ ‫تشفري البيانات يجب أن يتم إنشاؤها وتخزينها يف‬ ‫النقطة النهائية لالتصال (جهاز املستخدم وليس‬

‫مرشوع سالمتك‬ ‫‪www.salamatech.org‬‬

‫املخدّم الخاص مبز ّود الخدمة)‪ .‬هذا املفتاح ال يجب‬ ‫أبدا أن يتواجد خارج النقطة النهائية إال يف حال‬ ‫قيام املستخدم بذلك (مثل إجراء نسخة احتياطية‬ ‫للمفتاح أو مزامنة املفتاح يف جهازين مختلفني)‪ .‬ومبا‬ ‫يتعلق باملفاتيح العامة‪ ،‬فال بأس إن تم تبادلها من‬ ‫خالل مخدم مركزي للرشكة املقدمة للخدمة‪.‬‬ ‫هل ميكنكم التحقق من هوية جهات االتصال؟‬ ‫عىل التطبيق أن يوفر طريقة تتيح للمستخدمني‬ ‫التحقق من هوية األطراف التي يتواصلون معهم‬ ‫والتحقق من أن القناة التي يتواصلون من خاللها‬ ‫مؤمنة‪ ،‬لضامن أمان بياناتهم يف حال اخرتاق أو‬ ‫ترسيب املعلومات من مزود الخدمة وهو ما يكون‬ ‫عادة عىل شكل آلية لتبادل مفاتيح التشفري بني طريف‬ ‫االتصال وبروتوكول آمن لهذا األمر‪.‬‬ ‫هل يتم تأمني املحادثات السابقة يف حال متت رسقة‬ ‫مفاتيحالتشفري؟‬ ‫يجب عىل التطبيق أن يوفر إمكانية حذف جميع‬ ‫املحادثات السابقة من أي مكان تم تخزينها عليه‬ ‫إذا ما رغب املستخدم بذلك لداعي الخصوصية أو‬ ‫األمان‪.‬‬ ‫هل هي مفتوحة املصدر؟‬ ‫هذا املعيار يتطلب نرش قدر كاف من الرمز املصدر‬ ‫للتطبيق أو الخدمة (‪ )Source Code‬حيث ميكن‬ ‫ألي أحد أن يقوم بإعادة بنائه يدوياً‪.‬‬ ‫هل التصميم األمني موثق بشكل صحيح؟‬ ‫ً‬ ‫هذا املعيار يتطلب رشحاً مفصال وواضحا عن آلية‬ ‫التشفري املستخدمة يف التطبيق‪ .‬ويفضل أن يكون‬ ‫هذا الرشح عىل شكل تقرير موسع متت كتابته‬ ‫بغرض املراجعة من قبل مجموعة من خرباء التشفري‪.‬‬ ‫بنظرة رسيعة عىل التطبيقات التي تنترش بني‬ ‫السوريني نجد أن جلها ال يوفر جميع بل ومعظم‬ ‫هذه املزايا‪ .‬وطبقا ملراجعة قام بها مركز الحدود‬ ‫اإللكرتونية فإن أربعة تطبيقات تحقق املعايري‬ ‫الواردة إعاله هي بيدجني‪ ,‬كربتوكات‪ ,‬سيغنال (سابقا‬ ‫تسكت سكيور و ريدفون) وسايلنت سريكل فيام‬ ‫تغيب بعذها أوكلها عن البقية‪ .‬وامللفت أن واتس‬ ‫آب وفايرب وسكايب املنترشان بكرثة يأتيان يف قعر‬ ‫السلم من حيث تحقيق معايري اآلمان!‬

‫ال أريد الخبز‪..‬‬ ‫أريد أبي!‬ ‫عبد اهلل الخطيب‬ ‫مخيم اليرموك‬

‫وقف عىل باب املنزل وقال بصوت مرتفع‪:‬‬ ‫ “اسمعي يا مرة‪ ،‬رايح عىل الشام جيب خبز‬‫وأرجع‪ ..‬ما بطول”‬ ‫ “اتكل عىل الله بس خود ابنك معك”‬‫انطلق األب يف رحلة البحث عن الخبز‪ ،‬ووضع‬ ‫خطة محكمة للخروج والعودة وعبور الحاجز‪.‬‬ ‫حاول استجامع كل قواه النفسية ليحافظ عىل‬ ‫رباطة جأشه أمام الضابط املناوب عىل الحاجز‪،‬‬ ‫وصل إىل نقطة التفتيش‪ ..‬سأله العسكري‪:‬‬ ‫“لوين رايح ؟” بصوت ال يخلو من قلة االحرتام‬ ‫التي تعودوا استخدامها مع سكان املخيم منذ‬ ‫رضبة امليغ الشهرية‪.‬‬ ‫أجابه‪“ :‬رايح جيب خبز وارجع عىل املخيم”‪.‬‬ ‫ضحك الضباط والعسكري وقال له‪ “ :‬قول‬ ‫الله !‬ ‫مل يفهم الرجل مغزى تلك الضحكة إال يف اليوم‬ ‫التايل حني انترش الخرب كالنار يف الهشيم باغالق‬ ‫حاجز املخيم‪ ،‬وحينها مل يتوقع أحد أن يستمر‬ ‫هذا اإلغالق إىل أجل غري مسمى‪ ،‬لكن الرجل‬ ‫استمر بالحضور يومياً إىل الحاجز‪ ،‬وربطة الخبز‬ ‫بيده اليمنى وميسك ابنه بيده اليرسى‪ ،‬ويقف‬ ‫عىل مشارف املخيم مثل عرشات آخرين عىل‬ ‫أمل السامح لهم بالدخول‪ .‬ويف كل مرة يعود‬ ‫أدراجه والخبز يزداد يباساً والولد يكرب رويداً‬ ‫رويداً‪ ..‬والرجل يزادد هرماً‪ ،‬لكن اليأس ال‬ ‫يعرف طريقه إىل قلبه‪ ،‬ويكرر املحاولة املرة تلو‬ ‫املرة‪ ..‬والنتيجة ذاتها‪.‬‬ ‫الضغط والسكري وبعض األمراض الجانبية‬ ‫باتت أكرث حضوراً يف جسد الرجل املنهك‪.‬‬ ‫الطفل أعلن استسالمه وقال ألبيه يف رحلة‬ ‫العودة‪“ :‬يابا أنا بكرة ما بدي أجي معك‪..‬‬ ‫تعبت من الوقفة وامليش”‪.‬‬ ‫يتسلل الجوع إىل بطون أطفال املخيم‪ ،‬واملوت‬ ‫إىل حناياه‪ّ ،‬‬ ‫وترشع املقربة أبوابها ألفواج املوىت‬ ‫املصلوبني عىل عظام القفص الصدري‪.‬‬ ‫الرجل مستمر برحلته األوديسية التي تعيده‬ ‫إىل أوله‪ .‬الطفل ال يصدق أن صديقه باملدرسة‬ ‫مات بشظية جوع! واألب تلقى بصدمة خرب‬


‫نشرة ثقافية‬

‫جائزة البوكر‪ ،‬أصوات الدوحة‪،‬‬ ‫بورتريه بيروت‪ ،‬وقيامة المشرق العربي‬

‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫ابراهيم الجبني يصدر كتابه “قيامة املرشق العريب”‬

‫عرش شهرا املاضية وتم اختيارها من بني ‪ 159‬رواية ينتمي كتابها إىل ‪ 18‬دولة عربية‪ ،‬كان بني املرشحني‪:‬‬ ‫محمود حسن الجاسم عن روايته “نزوح مريم” الصادرة عن دار التنوير يف مرص‪ ،‬وشهال العجييل عن‬ ‫روايتها “سامء قريبة من بيتنا” الصادرة عن منشورات ضفاف‪ .‬يذكر أن اللجنة التي اختارت الروايات‬ ‫كانت مكونة من خمسة مح ّكمني‪.‬‬

‫أصوات ريم يسوف وعمران يونس يف الدوحة‬

‫‪2016 / 1 / 19‬‬

‫أعلنت الفنانة التشكيلية السورية ريم يسوف عن بدء معرضها املشرتك مع الفنان عمران يونس‬ ‫يف العاصمة القطرية الدوحة يف غالريي املرخية‪ ،‬ابتدا ًء من ‪ 2016\1\19‬ولغاية ‪ ،2016\2\26‬يسوف‬ ‫النشيطة يف معارضها حول العامل‪ ،‬تعرب يف لوحاتها عن رؤيتها للعامل وباألخص ما يجري يف بلدها سوريا‬ ‫من خالل لوحاتها التي تحمل هوية واضحة متيزها عن غريها‪ ،‬تشارك بعد يومني يف هذا املعرض الذي‬ ‫يحمل اسم أصوات‪ ،‬حيث ميكن للوحة أن تحمل صو ًتا مغاي ًرا وفريدًا‪.‬‬

‫العدد ‪- 63 -‬‬

‫أصدر الكاتب السوري إبراهيم الجبني كتابه “قيامة املرشق‬ ‫العريب” عن دار ومكتبة توتيل‪ ،‬اسطنبول – تركيا‪ ،‬الكتاب‬ ‫قراءة يف تحويالت الخرائط االسرتاتيجية والرصاعات يف املرشق‬ ‫العريب ومصائر الشعوب يف زمن الربيع العريب‪ ،‬وجاء عىل غالف‬ ‫الكتاب‪“ :‬الشك أنها قيامة‪ ،‬نهضت فيها شعوب املرشق العريب‪،‬‬ ‫من ميتة طويلة‪ ،‬كانت قد تكدّست آناءها‪ ،‬فوق أجداثهم‪،‬‬ ‫طبقات من جهل وتخ ّلف وتط ّرف وانحالل وفساد ورداءة‪،‬‬ ‫وع ّرش عىل تلك القبور ٌ‬ ‫نبت شيطاين صلب الخاليا‪ ،‬ملا ترك له‬ ‫من زمن وحرية يك ينمو ويعيش ما شاء له االستبداد”‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫بورتريه رياض نعمة يف بريوت‬

‫سوريان يف القامئة الطويلة للجائزة العاملية للرواية العربية‬

‫أعلنت القامئة الطويلة للروايات املرشحة لنيل الجائزة العاملية‬ ‫للرواية العربية ‪ ،2016‬وشملت ‪ 16‬رواية صدرت خالل االثني‬

‫ويف هذه املرة مل تكن تكذب‪ .‬فطريق السامء كان‬ ‫مرشعاً للمحارصين دون قيود ودون إبراز هوية!‬ ‫املقربة وشذاذ األفاق واللصوص وحدهم كانوا‬ ‫ينامون متخمني من لحم البرش‪.‬‬ ‫األعداد باتت هستريية‪ ،‬والصالة عىل امليت أصبحت‬ ‫فرضاً سادساً يف حياة املخيم‪.‬‬ ‫يستجمع السكان قواهم ويتجهون نحو الحاجز‪،‬‬ ‫وعلم فلسطني يف يد أحمد‪ ،‬ال يطلبون الخبز‪ ،‬بل‬ ‫يطلبون املوت الرسيع!‬ ‫مات أحمد وسقط علم فلسطني عىل أبواب املخيم‬

‫برضبة قناص‪.‬‬ ‫عامان ونصف وربطة الخبز بيد الرجل‪ ،‬استوقفه‬ ‫حاجز األمن‪ ،‬أمسك الضابط الخبز ونرث فتاته يف كل‬ ‫مكان‪ .‬ورضب الطفل وطرحه جانباً‪ ،‬واعتقل الرجل‪.‬‬ ‫ينتظر الطفل غياب األمن ويجمع بعض بقايا الخبز‪.‬‬ ‫يغيب األب لخمسني يوماً يف املعتقل‪ ،‬الطفل يدخل‬ ‫إىل املخيم حيث بقيت أمه يف االنتظار‪ ،‬تحتضنه‬ ‫بشغف‪ ..‬تتفقد جسده النحيل‪ ،‬تفتح يده الصغرية‪،‬‬ ‫تجد فتات الخبز‪ ..‬وتبيك بحرقة‪“ ..‬أمي نريد أيب‪ ..‬مل‬ ‫نعد نريد الخبز‪.”..‬‬

‫ثقافة‬

‫موت الحاج أبو خالد جاره املعروف بكرمه بسبب‬ ‫نقص الدواء‪.‬‬ ‫ربطة الخبز ما زالت يف يده‪ ،‬الطريق ما زال مغلقاً‪،‬‬ ‫املوت باملخيم مستمر‪.‬‬ ‫دموع األمهات واألطفال الجوعى مصدر امللح‬ ‫الوحيد‪ .‬والدم املسفوك عىل جدران املخيم ل ّون‬ ‫املشهد األسود‪.‬‬ ‫العجز سيد املوقف‪ ،‬والرصاخ طريقة الجوعى‬ ‫الوحيدة إلثارة الضجيج عىل موتهم‪.‬‬ ‫األم ما زالت تقول البنها‪“ :‬غداً سيفتح الطريق”‪،‬‬

‫أعلن الفنان رياض نعمة عن افتتاح معرضه “بورتريه لرياض نعمة” الجمعة ‪ 2016\1\15‬يف بريوت‪،‬‬ ‫ويستمر املعرض حتى نهاية الشهر الجاري يف صالة “‪ ”Art on 56th‬وجاء يف تقديم ضياء العزاوي‬ ‫للمعرض‪ “ :‬بحذر يراقب رياض أبطاله‪ ،‬بعضهم هامشيون غري معنني مبا يدور حولهم‪ ،‬وبعضهم االخر‬ ‫يعبون عن يقضتهم الحذرة عرب نظراتهم املواربة‪ ،‬هذا الحشد من االبطال هم عنارص رياض يف بناء‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫عوامله‪ ،‬إنه ق ّوال منحاز إلنسانيته‪ ،‬يخلق منهم مهرجان ألوان بفعل تدخالته الرسيعة‪ ،‬فرشاة ال يأخذها‬ ‫الحرص عىل التزين مبقدار الحرص عىل خلق عالقات لونية حساسة تنتمي ألبطاله وهم يطل ّون من‬ ‫قامشاته بسعادة خاصة بهم‪ .‬تنوعت متابعات رياض عرب السنوات مل تبدله قساوة ما يحيط به ومل‬ ‫تأخذ من إنسانيته إغراءات هامشية طاملا عرف حدودها سياسيا واجتامعيا”‪.‬‬


‫أصل الحكاية‪ ...‬حصص الموت والسعادة‬ ‫‪14‬‬

‫خولة دنيا‬

‫العدد ‪2016 / 1 / 19 - 63 -‬‬

‫تحولنا إىل أرقام‪ ،‬كام تحولت وجباتنا إىل حصص!‬ ‫ويف عاملٍ يهتم بالحصص الغذائية ومقدار ما يجب‬ ‫أن يتناوله املرء يك يبقى سعيداً‪ ،‬رشيقاً‪ ،‬حيوياً‪..‬‬ ‫تصبح تجارة الحصص ناظ ًام لش ّقي الكرة األرضية‬ ‫(أسودها وأبيضها)؛ فبني سعادة األبيض يف تقليص‬ ‫حصصه ليكون سعيداً‪ ،‬هناك من يشقى ليتناول‬ ‫القليل من حصته يك يصبح حياً وسعيداً‪.‬‬ ‫ليست معادلة من الله‪ ،‬بل هي من صلب عمل‬ ‫األمم املتحدة‪ ،‬وحامة البيئة‪ ،‬وتجار الرشكات العابرة‬ ‫للقارات‪ .‬هي من لب الصناعة والرأساملية املتمددة‬ ‫عىل طول الكرة وما بعد بعد كرتنا األرضية هذه‪.‬‬ ‫هي معادلة األرقام التي تقيض باالحتكار والحرمان‬ ‫يك يبقى السعر مرتفعاً هنا‪ ،‬ناقصاً هناك‪..‬‬ ‫هي نفسها معادلة (النافل) التي تعني إطعام‬ ‫الفقراء من بقايا ما قد يتم رميه يف حاويات‬ ‫القاممة بسبب انتهاء املدّة‪ ،‬وعدم القدرة عىل بيعه‬ ‫يف املوالت الضخمة‪ ،‬فيتم توزيعه عىل العائالت‬ ‫السعيدة يف البالد السعيدة‪ ،‬تلك التي ال تستطيع‬ ‫أن تكفي نفسها من مال اإلعانات‪ ،‬فتكسب القليل‬ ‫َ‬ ‫لتسكت جوعها وصوتها‪.‬‬ ‫هناك والقليل هناك‬

‫ثقافة‬

‫هي نفس املعادلة‪ :‬إنتاج ربحي ضخم هنا‪ ،‬يعلن‬ ‫حامة البيئة والغطاء النبايت انتامءهم ضدّه‪ ،‬يك مي َّد‬ ‫الله بعمر هذه األرض التي مل يخرتها ُ‬ ‫موت نيزيك‬ ‫عشوا ُيئ بعد‪ ..‬وحرمان هناك يف مجاهيل األرض‬ ‫البكر وصحاري الشمس‪ ،‬وبياض الثلج‪ ،‬تلك نفسها‬ ‫التي وجد الالجئون السوريون طريقهم عربها‬ ‫كاألشباح يك يصلوا إىل أرض السعادة املوعودة‪.‬‬ ‫خطان منحنيان من الالجئني أحدهام يوصلهم إىل‬ ‫الرنويج عرب مجاهيل القطب الشاميل الذي كان‬ ‫يوم منفى‪ ،‬وما زال منفى‪ .‬وخط آخر ميتد من‬ ‫ذات ٍ‬ ‫ّ‬ ‫موريتانيا إىل صحراء مايل إىل الجزائر‪ ،‬عله يوصل إىل‬ ‫أوروبا عرب البحر‪.‬‬ ‫هي األرض نفسها التي تتسع ملناطق الحصار يف‬ ‫ريف دمشق‪ ،‬وشامل ورشق سوريا‪ ،‬حيث يحتاج‬ ‫إدخال حصة واحدة ال تكفي ألسبوعني إىل حمالت‬ ‫ضغط إعالمي وأممي وإنساين‪ ،‬ويتم التشكيك‬ ‫بعدها بأن من أراد الطعام ال يحتاجه‪ ،‬وأن موته قد‬ ‫متت فربكته‪ ،‬وأن هناك ما يكفي من الحشائش يك‬ ‫تطبخ األمهات ألطفالها طعام الجوع!‬ ‫حرب التجار يف وجه املحرومني والفقراء‪ ،‬تعكس‬

‫نخب تتحكم بالعامل‪ ،‬فتحتكره أرضاً وماءاً‬ ‫عنرصية ٍ‬ ‫وجواً‪ ،‬كام الجيش السوري يف الثامنينات‪ ،‬ووعود‬ ‫الحرب املنسية ض ّد العدو االفرتايض‪ ،‬وما نتج عنه‬ ‫من تحويل األرض والجو واملاء إىل منطقة احتكار‬ ‫بيد من يحتكر حامية الوطن‪ .‬ليتحول ذاك الوطن‬ ‫عسكري تعيش يف كنفه عائلة الوطن‪ ،‬ق ّواد‬ ‫إىل بوطٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الوطن‪ ،‬جامهري العائلة السعيدة يف ِّ‬ ‫ظل الوطن‬ ‫التعيس!‬ ‫اليوم ذاك الوطن الثامنيني ذاته‪ ،‬يغلق عىل نفسه‬ ‫أبواباً قد ال ُتفتح قبل أن يف ّرخ أوطاناً تعيسة‪.‬‬ ‫زناة أوطانٍ جد ٍد يدخلون بكامل أحذيتهم باحثني‬ ‫عن العقي أبواط جدد‪ ،‬فيفرخوا عوائل جديدة‪،‬‬ ‫وجامهري تعيسة‪ ،‬وأحجيات ال تجرس الجدات عىل‬ ‫حكايتها ذات مسا ٍء مقبلٍ ‪ .‬فيف ّر الوطن ‪-‬مبن حمل‪-‬‬ ‫بحثاً عن حبل نجاة جليدي أو صحراوي أو بحري ال‬ ‫ناج وآخر‪.‬‬ ‫فرق هنا‪ ،‬بني ٍ‬ ‫حصص أخرى من‬ ‫يف زحمة توزيع الحصص‪ ،‬لدينا‬ ‫ٌ‬ ‫حصة من الحرية‪ ،‬حصة من الكرامة‪ ،‬حصة‬ ‫كل يشء؛ ّ‬ ‫من إبداء الرأي‪ ،‬حصة من العدالة‪ ،‬حصة من املعرفة‬ ‫وحصة من الحياة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫حصة قد ال تتجاوز الخمس من مال زكاة‬ ‫لدينا‬ ‫يتم منحها لنا بالقطارة العادلة‪.‬‬ ‫دول العامل الغنية‪ّ ،‬‬ ‫يتم تلقيمها لنا بني الشفاه متاماً‪ ،‬عنقود حرصم يف‬ ‫صحراء‪ ..‬وال ماء حولنا‪.‬‬ ‫مل نكن نعلم مبا يكفي أن حصتنا صغرية لهذا الحد‪،‬‬ ‫فطالبنا بحصة تليق بالكبار‪ .‬وهاهم يحرموننا من‬ ‫قطارة الحرصم اللعينة‪ ،‬ليتم قتل طموحنا الهاوي‬

‫بي ٍد من حديد‪.‬‬ ‫يف املقابل‪ ،‬مل نتخل عن حصتنا من الكراهية‪ ،‬ولعنة‬ ‫من نريد‪ .‬تفجري أنفسنا ساعة نريد‪ ،‬استباحة وحول‬ ‫البحر حني نشاء لنصل حيثام نشاء‪.‬‬ ‫هانحن نحاربهم يف ديارهم الكئيبة‪ ،‬ال الج ّو ج ّونا‬ ‫وال الوجوه وجوهنا‪ .‬حتى نساؤهم لسن كالنساء‪،‬‬ ‫فاحرتنا يف استحالة تقبلنا لهم وتقبلهم لنا‪ .‬ولكن‬ ‫مازلنا نحفظ الدرس األول ومنيش (الحيط الحيط)‬ ‫وال نطلب السرتة!‬ ‫يف حصة الكراهية نتفوق ونتعلم يوماً بعد اليوم‪..‬‬ ‫هذا الجار مل يعد جاري‪ ،‬وذاك البيت تهدم مع‬ ‫القرية‪ ،‬ومل يعد من حاجز بيني وبني كراهية من‬ ‫أريد سوى هذا الجدار الناري الجديد‪ ،‬وما يطلقون‬ ‫عليه اسم الحصار‪ ،‬واملناطق املنكوبة‪ .‬وعويَ أسلحة‬ ‫مل نكن نعلم عنها شيئاً أيام املقاومة ودروس النضال‬ ‫الوطني ض ّد املحتل األزيل!‬ ‫يف درس العنرصية‪ ،‬ظننا أننا شعب الله األخري‪،‬‬ ‫الناجي الوحيد‪ ،‬القادر عىل ِّمل شمل ثورات التاريخ‬ ‫يف ثورة واحدة‪ ،‬فرضبنا العامل باألحذية‪ .‬نسينا أن لغة‬ ‫هم أنفسهم صانعي األرقام‬ ‫األرقام لن تسعفنا‪ ،‬وأن ّ‬ ‫واالحتكارات مايزالون ميسكون بياقاتنا ويستعدون‬ ‫لرمينا عىل منحدر الكرة األرضية االهليليجي‪.‬‬ ‫كيف لنا أن ُنفهم هذا العامل املسكني أصل حكايتنا؟‬ ‫هذا ما نلهج به كل يوم عىل صفحات حوائطنا‬ ‫الواطئة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قبلها مل يعطونا ال َنفس الكايف لنفهم نحن أنفسنا‬ ‫أصل تلك الحكاية‪.‬‬


‫سجن بعشرين مليون سجان‬ ‫فادي جومر‬

‫“إجهاض على الورق”‬

‫عالء عودة‬ ‫ميلك ّ‬ ‫جز ًءا ال ُ‬ ‫خط ًة واضح ًة للعودة‬ ‫***‬ ‫األسايس‬ ‫تشب ُه مح ّر َضها‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تعاب ُري وج ِه الفتا ِة‪ ..‬ح َ‬ ‫كم تشا ُب ِهكام‬ ‫ني أدهشكام ُّ‬ ‫تشب ُه لقاءا ِت ُكام التّالية‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫لقاءا ِتكام ا ّلتي َ‬ ‫تحتفظ منها‬ ‫تحاول أن‬ ‫كنت‬ ‫بأكرب قد ٍر من التّفاصيل‬ ‫ِو ْسع َ‬ ‫رئتيك من رائحتها و رائح ِة املكان‬ ‫َ‬ ‫وسع ذاكر ِتك البرص ّي ِة من تعاب ِري وج ِهها‬ ‫الشعر ّي ِة من ِّ‬ ‫وسع ذاكر ِت َك ّ‬ ‫كل ما تقو ُله‬ ‫ِّ‬ ‫السمع ّي ِة من نرب ِة كل ما تقوله‬ ‫وسع ذاكر ِتك ّ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫عىل رس ِلك يا “أبا كل ذلك”‬ ‫اليحدث ّإل يف ّ‬ ‫ُ‬ ‫“كل َ‬ ‫ُّ‬ ‫روف املؤاتية‬ ‫ذلك”‬ ‫الظ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ال يحدث إل ضمنَ بيئت ِه الطبيع ّية‬ ‫“كل َ‬ ‫ُّ‬ ‫ذلك” أجزا ٌء منك‬ ‫أجزا ٌء مضمونة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫للسف ِر نح َو‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫حقائبك‬ ‫لها‬ ‫ّسع‬ ‫ّ‬ ‫لن تت َ‬ ‫ّ‬ ‫احتامالت‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫ألن حقائبك ستكون مملوء ًة بأجزائك املتب ّقية‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أجزائك التي لن متلك خطة واضحة للعودة‬ ‫و ذكريا ِت َك‬ ‫ً‬ ‫ا ّلتي أجهضتَها أخريا عىل الورق…‬

‫ثقافة‬

‫(‪)1‬‬ ‫ها !!؟‬ ‫ماذا؟!‬ ‫ً‬ ‫هل أجهضتَها أخريا عىل الورق؟!‬ ‫هم َد القرعُ ال ّلي ُّ‬ ‫رأس َك من‬ ‫ر‬ ‫يل عىل جد انِ ِ‬ ‫الدّاخل؟!!‬ ‫تحسنَت أعر ُ‬ ‫اض األرَقِ لديك؟‬ ‫ّ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ْ‬ ‫أجهض َت القصيد َة‬ ‫ا ّلتي ‪-‬ق ْب َل أن تولدَ‪-‬‬ ‫كانت تجع ُل َك تظنُّ َّأن ما ُتك ُّن ُه َ‬ ‫لتلك الفتا ِة‬ ‫حب متاماً‪..‬‬ ‫صف‪ٌّ ..‬‬ ‫هو ٌّ‬ ‫حب َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تذهب‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫جانب‬ ‫حقائبك‬ ‫ترتك‬ ‫أن‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫بإمكا‬ ‫اآلن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إليها‪..‬‬ ‫تحد ّْث إليها عن ِّ‬ ‫كل يش ٍء بشك ِل ِه الخام‬ ‫ات أو صور شعر ّية‬ ‫دومنا استعار ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حبوب مس ّكن ٍة‬ ‫ظرف‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫جي‬ ‫و اصطحب يف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كـ ُ‬ ‫“خ ّطة ب”‬ ‫(‪)3‬‬ ‫مهال‪ً..‬‬ ‫مه ًال يا أبا “ال يشء”!!‬ ‫يبدو أ ّنها تتن ّفس‪..‬‬ ‫ّمث َة ما يشب ُه النّبض‬ ‫…‪.‬‬

‫يااااااااه‬ ‫َ‬ ‫تشبهك كثرياً‬ ‫إ ّنها‬ ‫‪ ..‬ماذا ستس ّميها؟‬ ‫(‪)4‬‬ ‫انتظر‪..‬‬ ‫ال ُتس ِّمها بعد‪..‬‬ ‫َ‬ ‫تشبهك وحدك‬ ‫إ ّنها ال‬ ‫***‬ ‫َ‬ ‫املغضوب عليهم‬ ‫أصدقائك‬ ‫تشب ُه وجو َه‬ ‫ِ‬ ‫أصابك ما يشب ُه دغدغةَ‬ ‫َ‬ ‫أنت تذك ُر متاماً ح َ‬ ‫ني‬ ‫النّشوة‬ ‫ّابوهات”‬ ‫لدى أ ّولِ غمز ٍة يف “الت‬ ‫ِ‬ ‫تغامزتم بها بينكم بشكلٍ عفوي‬ ‫***‬ ‫تشب ُه كثرياً رائح َة صدي ِق َك‬ ‫تنشقتها مل َء َ‬ ‫ا ّلتي ّ‬ ‫رئتيك‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عندما عانق َته بع َد خروج ِه من تلك األقبية‬ ‫ا ّلتي مل يعد يستطيع تحدي َد مكانها الجغرا ّيف‬ ‫و مل يعد يريدُ تحدي َد مكانها عىل جس ِده‬ ‫***‬ ‫َ‬ ‫سيصبح ذكريات‪..‬‬ ‫أنفاسك املض ّمخ َة مبا‬ ‫تشب ُه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أنفاسك ا ّلتي زفرتها عىل حز ِام الحقيب ِة فوق‬ ‫كت ِفه‬ ‫عندما عانق َت ُه مودِّعاً جزءاً َ‬ ‫منك فيه‬

‫العدد ‪2016 / 1 / 19 - 63 -‬‬

‫لع ّله شوكة يف القلب‪ ..‬توجعنا ونعبدها‪ .‬هذا‬ ‫الرتاب‪ ،‬اإلنسان‪ ،‬الوجع‪ ،‬املمزق‪ ،‬الظامل‪ ،‬الجاحد‬ ‫املفحم اسمه‪ :‬الوطن‪.‬‬ ‫الذي لقنتنا الحياة بكذبها ّ‬ ‫هو العبء الثقيل عىل كتف الغربة‪ ،‬فلواله‪ ،‬ولوال‬ ‫أوهامنا عنه‪ ،‬ملا شىك مساف ٌر غرب ًة‪ ،‬وملا أوجع حنني‬ ‫مشتا ًقا‪..‬‬ ‫يف الغربة – وهي الوجه اآلخر لكذبة الوطن –‬ ‫لتغص بكل‬ ‫يالحقك شبح الجوع والدم والقهر‬ ‫ّ‬ ‫لقمة‪ ،‬لتخجل من عافيتك‪ ،‬لتهرب من ضحكاتك‪،‬‬ ‫وال تجرؤ حتى يف أحالمك عىل استعادة يشء مام‬ ‫فعله الوطن لك‪ :‬فيه ُقتل أهلك‪ ،‬واعتُقل رفاقك‪،‬‬ ‫وسحق طموحك‪ ،‬وضاع عشقك‪،‬‬ ‫وخابت أحالمك‪ُ ،‬‬ ‫وحتى بعد أن خرجت منه ظ ّلت وثيقة سفرك‬ ‫ومالمحك املمهورة بختمه‪ :‬لعن ًة تالحقك حتى يف‬ ‫الخيام‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫كيف استطاعت أمهاتنا إقناعنا بأن هذا الوطن وال‬ ‫وطن لنا سواه؟ كيف تراكمت األوهام يف خيباتنا‬ ‫لتنتزع منّا كل غالٍ كرمى لحفنة من الرتاب‪ ،‬مهام‬ ‫ثم آمنّا‪ ،‬بأننا ننتمي‬ ‫كان ِك َ ُبها؟ كيف صدقنا‪ّ ،‬‬

‫لشعب ما‪ّ ،‬‬ ‫بغض النظر عن احتامل أننا‬ ‫لبقعة ما‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ال نريد هذا! أننا ال نشبههم!‬ ‫يف بالد تحمل كل ما تريده من الوطن إال اسمه‪،‬‬ ‫تتفتح أمامك طرق مل تكن تخطر ببالك للنجاح‬ ‫واإلنجاز‪ ،‬لتحقيق الذات‪ ،‬وللعيش بكرامة‪ ،‬بل‬ ‫ودون هموم إىل ح ٍّد ما‪ ،‬ويبقى ذلك ال ِثقل‬ ‫الحديدي يشدّك إىل قاع القلق‪:‬‬ ‫“أنا سوريّ ‪ /‬أنا من يعترب العامل أهيل أرقا ًما قابلة‬ ‫للتدوير إىل أقرب رقم صحيح‪ /‬أنا من يراين العامل‬ ‫مرشوع ارهايب‪ ،‬أو متط ّرف‪ ،‬أو عدواين‪ /‬أنا من‬ ‫يجوع أهله حتى املوت”‬ ‫يشدّين ثقل اإلنتامء إىل الغرق‪ ،‬وأقىس ما يف غرقي‬ ‫أ ّين ال أحاول السباحة حتى‪ ،‬متش ّب ٌث بكل ما لدي‬ ‫من قوة بهذا اإلنتامء‪ ،‬أنا ضحية أمي التي علمتني‬ ‫ّأن هذا الرتاب هو املدى واملنتهى واللحظة واألزل‪.‬‬ ‫أنا ضحية أغنيات الضيعة‪ ،‬واللون األسمر عىل‬ ‫وجنات امرأة ما زلت أنتظر قدومها يو ًما‪ .‬أنا‬ ‫ضحية ماء دمشق العذب البارد طوال الصيف‪.‬‬ ‫أريد التحرر من كل هذه القيود التي تغتال الفرح‬

‫يف ضحكايت‪ .‬أريد الهرب من مالمحي التي أراها‬ ‫ُتقتل يف ّ‬ ‫كل نرشة أخبار‪ .‬هناك ألف حياة أخرى‬ ‫عىل هذه األرض‪ ،‬أراها‪ ،‬وهي يف متناويل‪ ،‬ولكن‬ ‫لوثة الوطن ترتفع عال ًيا بيني وبينها كجدار فصل‬ ‫عنرصي‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يبقَ‬ ‫منذ عرفت األوطان الحقيق ّية مل الوطن يف‬ ‫ذهني‪ :‬مرتع الطفولة وهدوء الروح‪ ،‬مل يعد ذاك‬ ‫َ‬ ‫املفتوح لألغنيات‪ ،‬أغنيات عن‬ ‫األخرض‬ ‫السهل‬ ‫َ‬ ‫عشاق مل أرهم يو ًما‪ ،‬وطني‪ :‬أغنية عشاق يف بالد‬ ‫تقتل العشق‪ ،‬ورغم معرفتي بكل هذا‪ :‬فأنا ال‬ ‫أدندن سواها‪.‬‬ ‫كنت سأشفى يو ًما‪ ،‬بل إين ال أعرفُ‬ ‫ال أعرف إن ُ‬ ‫إن ُ‬ ‫كنت أملك إرادة الشفاء أص ًال‪ ،‬ما أعرفه هو‬ ‫أين حبيس تلك األرض‪ ،‬ويل فيها عرشون مليون‬ ‫سجان‪ ،‬هم أهيل الذين جار عليهم الزمان حتى‬ ‫كاد يفنيهم‪ ،‬وهم يحاولون التشبث بأطراف‬ ‫الحياة‪ .‬إنه الوطن القايس‪ ،‬اللئيم‪ ،‬البخيل‪ ،‬إنه‬ ‫ٌ‬ ‫األغىل ً‬ ‫رصاصة يف‬ ‫أيضا‪ .‬هكذا‪ ،‬بكل باله ٍة‪ ،‬إنه‪:‬‬ ‫القلب‪ ..‬توجعنا ونعبدها!‪.‬‬

‫‪15‬‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.