طلعنا عالحرية / العدد 53

Page 1

‫حرية كرامة مواطنة‬

‫العدد ‪53‬‬

‫محور العدد‬ ‫لقاءات‬ ‫حول مشروع القيادة العامة‬ ‫في الغوطة الشرقية‬

‫‪2015 / 8 / 2‬‬

‫مقاالت‬ ‫في شأن االستعصاء السوري‬ ‫الفاشية و”االغتراب” في سوريا‬ ‫الثواراإلرهابيون‬ ‫اإلسالميين من الغرب‬ ‫حول موقف‬ ‫ّ‬ ‫أوباما وشوايا الرقة‬

‫الثورة ومعركة الشرعية‬

‫تقارير‬ ‫الدفاع المدني السوري‬ ‫في درعا‪ ،‬معارك ضد الموت!‬


‫الثورة ومعركة الشرعية‬

‫‪2‬‬

‫افتتاحية‬

‫العدد ‪- 53 -‬‬ ‫‪2015 / 8 / 2‬‬

‫افتتاحية العدد‬

‫مثلام انترصت “إرسائيل” وأسست دولتها فوق أشالء‬ ‫الشعب الفلسطيني ّ‬ ‫املرشد يحاول النظام السوري‬ ‫االنتصار بترشيده السوريني يف بقاع األرض ليعلن‬ ‫أن الوطن “ليس ملن يسكن فيه بل ملن يدافع عنه‬ ‫ويحميه”‪.‬‬ ‫ومثلام حولت الحركة الصهيونية مقولتها األسطورة‬ ‫“أرض بال شعب لشعب بال أرض” وجعلتها واقعاً‬ ‫“رشعياً” مفروضاً‪ ،‬يحقق النظام أسطورته الجديدة‬ ‫ويجعل من سوريا وطناً لشذاذ اآلفاق‪.‬‬ ‫ال تنفع التمنيات والرغبات يف كرس هذه املعادلة‬ ‫وال تكفي دعوة الناس للثقة بالتاريخ وعدالة غيبية‪.‬‬ ‫إمنا ما يفيد حقاً هو الفعل الحقيقي للناس ومدى‬ ‫مطابقته لحاجات واقعهم‪ ،‬فالناس كام قيل يوماً‪:‬‬ ‫“هم الذين يصنعون تاريخهم ولكنهم ال يصنعونه‬ ‫عىل هواهم”‪.‬‬ ‫والسؤال الذي ُيطرح اليوم ملاذا مل تستطع الثورة‬ ‫السورية كسب معركة الرشعية حتى اآلن داخلياً أو‬ ‫خارجياً رغم كل الثمن املبذول من أجل ذلك؟! وملاذا‬ ‫مل تستطع قيادات هذه الثورة استقطاب التأييد لهذا‬ ‫الشعب املظلوم دولياً أو حتى كسب فئات شعبية‬ ‫واسعة داخلياً‪.‬‬ ‫يف هذا العدد يحاول العديد من كتابنا التطرق لهذا‬ ‫السؤال نظرياً وعملياً‪ ،‬ومن دون أن نغفل العامل‬ ‫الدويل املتآمر عىل أحالمنا نحاول الرتكيز هنا عىل‬ ‫العوامل الذاتية لهذا الفشل‪.‬‬ ‫يحاول الكاتب ماجد كيايل أن يعرض أسباب‬ ‫االستعصاء يف مسار الثورة السورية ناقداً ترشذم‬ ‫القوى الثورية والسياسية وافتقادها للتنظيم‪ ،‬بينام‬ ‫يعرض مراسلنا أبو القاسم السوري من الداخل‬ ‫السوري املحاوالت األخرية لتشكيل قيادة عامة‬ ‫مدنية وعسكرية وسياسية يف الغوطة الرشقية‬ ‫املحارصة والتي من املفرتض أن تظهر للنور يف أقرب‬ ‫وقت‪.‬‬ ‫ويف مقال حمل عنوان “الثوار اإلرهابيون” يكتب‬ ‫شوكت غرزالدين عن تناقضات الثورة وتداخل‬ ‫الثورية مع اإلرهاب يف تنظيامت فرضت نفسها‬ ‫عىل األرض والناس “فهم ثوار ألنهم يعملون عىل‬ ‫تغيري الواقع القائم يف سوريا‪ ،‬ويجاهدون إلسقاط‬ ‫النظام فيها‪ .‬ولكنهم إرهابيون ألنهم يديرون املناطق‬ ‫التوحش”‪ ،‬ويؤسسون لبديلٍ‬ ‫التي قضموها “بإدارة ّ‬ ‫إسالمي أممي”‪.‬‬ ‫ويكتب ماهر مسعود تحت عنوان “الفاشية‬

‫واالغرتاب يف سوريا” عن هروب السوريني‬ ‫من الحرية سواء تحت قبضة النظام أو تحت‬ ‫قبضة التنظيامت املتطرفة “بات الجميع‬ ‫يقايضون حريتهم بأمنهم‪ ،‬فهل هناك ما‬ ‫هو أصعب وأقىس‪ ،‬وما هو أكرث اغرتاباً وال‬ ‫إنسانية‪ ،‬من مقايضة الحرية باألمن؟”‬ ‫ويف مقاله “الحامل السيايس للثورة واالحرتام‬ ‫املفقود” ينقد فادي محمد االنفصال التام‬ ‫بني الثورة وحاملها السيايس الخارجي‪ ،‬تلك‬ ‫الظاهرة التي مل تعرفها ثورات أخرى نالت‬ ‫قياداتها (االحرتام) ألنها كانت بني الناس‪،‬‬ ‫“كانت منهم وأمامهم بجدارة‪ ،‬ممتزجة معهم‬

‫بقلم ليلى الصفدي‬ ‫بدفع الثمن املطلوب للتغيري”‪ ..‬بينام افتقد‬ ‫الحامل السيايس للثورة السورية ذلك االحرتام‬ ‫النفصاله عن الناس “الفصام كان حاداً بني‬ ‫عذابات الناس وبني رغد العيش الذي ينعم‬ ‫به “الحامل السيايس”‪ .‬مضيفاً أن “الحامل‬ ‫السيايس للثورة عندما يستحق االحرتام قادر‬ ‫أن يكون نداً‪ ،‬أن يكون هامة‪ ،‬يحسب لها ألف‬ ‫حساب”‪.‬‬ ‫يف عددنا الثالث والخمسون أيضاً باقة متنوعة‬ ‫من الصور ورسوم الكاريكاتري واملقاالت‬ ‫والتقارير الهامة مل نذكرها هنا لضيق املجال‪..‬‬ ‫قراءة مفيدة نتمناها لكل قرائنا‪.‬‬


‫في شأن االستعصاء السوري‬ ‫ماجد كيالي‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫رئيس التحرير ‪ :‬ليىل الصفدي‬ ‫هيئة تحرير‬ ‫عالحرية‬ ‫طلعنا‬ ‫نصار‬ ‫معاون رئيس التحرير ‪ :‬أسامة ّ‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫محررون‬ ‫أوس املبارك ‪ -‬أبو القاسم السوري‬

‫محرر القسم الكوردي‬ ‫مريال بريوردا‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬

‫مقاالت‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫العدد ‪- 53 -‬‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬

‫‪2015 / 8 /2‬‬

‫مثة استعصاء كبري يف مسار الثورة السورية‪ ،‬بيد‬ ‫ان هذا االستعصاء ال ينبع من التفوق العسكري‬ ‫للنظام‪ ،‬أو من قدرته عىل السيطرة‪ ،‬وال من‬ ‫استناده إىل شبكة سلطوية واجتامعية متامسكة‪،‬‬ ‫أو إىل تحالف إقليمي ودويل‪ ،‬فقط‪ ،‬فإىل جانب‬ ‫كل ذلك‪ ،‬فإن هذا االستعصاء يستمد وجوده‬ ‫من مصادر اخرى متنوعة ومختلفة‪ .‬هكذا‪ ،‬إىل‬ ‫العوامل الخارجية املتمثلة يف الخذالن الدويل‬ ‫لثورة السوريني‪ ،‬واملداخالت غري املناسبة‪ ،‬أو‬ ‫املرضة‪ ،‬لألطراف الدولية واإلقليمية والعربية‪،‬‬ ‫التي تالعبت بهذه الثورة‪ ،‬مثة فوق ذلك‪ ،‬أيضاً‪،‬‬ ‫املشكالت الذاتية التي أعاقت تطورها‪ ،‬وحدّت من‬ ‫قدرتها عىل جذب مزيد من القطاعات الشعبية‬ ‫إليها‪ ،‬وس ّهلت صعود الجامعات العسكرية‬ ‫املتطرفة التي تتغطى باإلسالم‪ ،‬وبالطائفية‪ ،‬مثل‬ ‫جامعات داعش والنرصة واخواتهام‪.‬‬ ‫يأيت يف مقدمة هذه املشكالت عدم قدرة هذه‬ ‫الثورة عىل االنتظام‪ ،‬بدليل ضعف كياناتها‬ ‫السياسية او العسكرية او املدنية‪ ،‬وعدم‬ ‫استطاعتها فرض ذاتها يف املجال املجتمعي رغم‬ ‫كل السنوات التي مرت‪ ،‬والتضحيات التي بذلت‪.‬‬ ‫حتى يف مواجهة النظام فإن هذه الكيانات‬ ‫مل تستطع تقديم نفسها كبديل له‪ ،‬ال يف إدارة‬ ‫احوالها‪ ،‬يف هيكلية سياسية وعسكرية ومدنية‬ ‫وإغاثية‪ ،‬وال يف قدرتها عىل إدارة املناطق املحررة‪،‬‬ ‫علام أننا نتحدث عن مدى زمني قدره أربعة‬ ‫أعوام‪.‬‬ ‫هكذا فإن العفوية والتجريبية التي كانت اتسمت‬ ‫بها ثورة السوريني‪ ،‬يف بداية انطالقها‪ ،‬والتي كانت‬ ‫مبثابة نتاج طبيعي لواقع حرمان املجتمع السوري‬ ‫من السياسة‪ ،‬وافتقاده للتجربة السياسية‪،‬‬ ‫وللتشكيالت الحزبية باتت‪ ،‬فيام بعد‪ ،‬مبثابة‬ ‫عامل اضعاف وتأخري وفوىض واستنزاف للثورة‪.‬‬ ‫فمن غري املفهوم وال املقبول استمرار ضعف‬

‫املبنى التنظيمي للثورة‪ ،‬يف إطاراتها السياسية‬ ‫والعسكرية واملدنية‪ ،‬السيام مع تعرث “االئتالف‬ ‫الوطني”‪ ،‬وكل التشكيالت املنضوية يف إطاره‪ ،‬أو‬ ‫املتفرعة عنه (حكومة مؤقتة‪ ،‬مجلس عسكري‪،‬‬ ‫لجنة اإلغاثة‪ ،‬املجالس املحلية)‪.‬‬ ‫يف جانب أخر فإن مشكلة الثورة السورية تكمن‪،‬‬ ‫أيضاً‪ ،‬يف التحول نحو العسكرة دون أن تسبق ذلك‬ ‫أية محاولة لرتتيب مرجعية أو إطارات سياسية‬ ‫وتنـظيـمية لها‪ ،‬ودون التبرص يف كيفية إدارة‬ ‫الرصاع يف امليدان العسكري‪ ،‬مع مالحظة التفوق‬ ‫العسكري للنظام‪ ،‬واستناده إىل قـوى عسكرية‬ ‫إقليمية ودولية‪ ،‬يف ظل افتقار الـثورة لإلمكانيات‬ ‫العسكرية املناسبة‪ .‬ولعل مشكلة الثورة السورية‬ ‫يف هذا املجال بالذات تكمن يف التحول اىل الرصاع‬ ‫العسكري من دون ان تنضج األحوال الذاتية لهذه‬ ‫النقلة الكبرية والخطرية يف التجربة السياسية‬ ‫للسوريني‪ ،‬سيام ان هذه اول تجربة سياسية لهم‪.‬‬ ‫مثة هنا أسئلة تطرح نفـسها‪ ،‬مع التـسـليم جدال‬ ‫مبـرشوعيـة التحول نحو العسكرة‪ ،‬بسبب من‬ ‫انتهاج النظام للعنف كإطار وحيد لعالقته مع‬ ‫املجتمع‪ ،‬وكطريق وحيد للتعامل مع الحراكات‬ ‫الشعبية‪ ،‬السيام مع مبادرته اىل اقحام الجيش‬ ‫يف الرصاع الدائر‪ ،‬وتحويله اىل مجرد اداة لحامية‬ ‫النظام‪.‬‬ ‫هكذا ومع متييزنا لظاهرة العسكرة الناجمة‬ ‫عن االنشقاق من الجيش‪ ،‬ومعها نشوء ظاهرة‬ ‫الدفاع املحيل عن املتظاهرين‪ ،‬يف بعض احياء‬ ‫املدن والقرى‪ ،‬وبني ظاهرة العسكرة الناجمة‬ ‫عن املداخالت الخارجية‪ ،‬واملرتهنة لها‪ ،‬فال بد‬ ‫من طرح مجموع من األسئلة‪ .‬فمثال‪ :‬هل كان‬ ‫من الرضوري او الحتمي أن تـسري األمور عىل‬ ‫النحو الذي سارت عليه عسكريا؟ ومبعنى أكرث‬ ‫تحديدا‪ ،‬هل كانت السيطرة عىل أجزاء من بعض‬ ‫املدن عمال رضوريا إلضعاف النظام‪ ،‬أمل يكن مثة‬

‫خيارات عسكرية أخرى رمبا أنسب وأجدى؟ ثم‬ ‫هل خدمت هذه االسرتاتيجية الثورة ومجتمعها‬ ‫أم أرضت يف حني أنها أفادت النظام وسهلت له؟‬ ‫زجت السيطرة عىل هذه املناطق كت ًال‬ ‫أيضا‪ ،‬هل ّ‬ ‫شعبية أكرب يف الرصاع ضد النظام أم أخرجتها من‬ ‫هذه الدائرة؟ وأخريا‪ ،‬هل ساهم ذلك يف تشتيت‬ ‫القوى العسكرية للنظام أم س ّهل تحشيدها‬ ‫وتحسني إدارتها‪ ،‬السيام مع فرض الحصار عىل كثري‬ ‫من املناطق “املحررة” يف حمص وحلب ودمشق؟‬ ‫املشكلة الثالثة تتعلق بخطابات هذه الثورة التي‬ ‫انطلقت‪ ،‬أص ًال‪ ،‬إلسقاط نظام االستبداد والفساد‪،‬‬ ‫ومن أجل الحرية والكرامة واملساواة واملواطنة‬ ‫والدميقراطية‪ ،‬والتي باتت اليوم وكأنها تعرض‬ ‫خطابات أخرى تتعارض بل وتتناقض مع الخطابات‬ ‫األصلية‪ .‬ومع التأكيد بأن هذه “االنحرافات”‬ ‫هي نتاج انتهاج النظام سياسة األرض املحروقة‪،‬‬ ‫ونتاج تعمده تدمري البيئات الشعبية التي يعتربها‬ ‫معادية له‪ ،‬ما تسبب يف إزاحة املجتمع السوري من‬ ‫املشهد‪ ،‬فإنها أيضا مبثابة انعكاس لحال االنفالت‬ ‫يف الثورة‪ ،‬ولواقع تصدر الجامعات املتطرفة‪ ،‬التي‬ ‫استبدلت الخطابات السياسية بالخطابات الدينية‪،‬‬ ‫األمر الذي أرض بصدقية ثورة السوريني وشوش‬ ‫عىل مقاصدها‪ ،‬وأضعف قدرتها عىل خلخلة‬ ‫القطاعات املجتمعية املرتبطة بالنظام‪ ،‬أو القلقة‬ ‫عىل مستقبلها‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬يبدو الوضع السوري اليوم يف حال‬ ‫استعصاء‪ ،‬فالنظام مل يعد يستطيع االستمرار‪،‬‬ ‫والثورة مل تثبت ذاتها بعد كبديل رشعي ومناسب‪،‬‬ ‫يف حني أن القوى املتطرفة غري مقبولة ال سوريا‬ ‫وال إقليميا وال دوليا‪ ،‬أما الفاعلون الدوليون فام‬ ‫زالوا يف موقع املتفرج عىل الكارثة السورية‪ ،‬عل ًام‬ ‫أن أزمة النظام تتعلق بكيفية نهايته أو رحيله‪ ،‬يف‬ ‫حني أن أزمة الثورة تتعلق بكيفية إثبات ذاتها إزاء‬ ‫السوريني وإزاء العامل‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫حول مشروع القيادة العامة‬ ‫في الغوطة الشرقية‬ ‫أجرى اللقاء ابو القاسم السوري‬

‫العدد ‪- 53 -‬‬ ‫‪2015 / 8 / 2‬‬

‫غياب القيادة القادرة عىل متثيل الثورة وقيادتها‬ ‫نحو أهدافها‪ ،‬هو أحد أهم األسباب التي ما تزال‬ ‫ترتدد عند تقديم توصيف لتأخر انتصار الثورة‬ ‫السورية‪ ،‬وألجل ذلك فقد طرحت عرشات بل‬ ‫مئات املشاريع الهادفة إىل تشكيل أجسام قيادية‬ ‫للثورة سواء عىل مستوى املعارضة السياسية أو‬ ‫عىل املستوى العسكري أو عىل مستوى املؤسسات‬ ‫والفعاليات املدنية يف الداخل السوري‪ ،‬وكان مصري‬ ‫غالبية إن مل نقل كل هذه املشاريع هو الفشل يف‬ ‫تحقيق ما كانت تهدف إليه‪ ،‬ويف اآلونة األخرية‬ ‫طرح يف الغوطة الرشقية مرشوع لتشكيل جسم‬ ‫يضم املدنيني والعسكرين ليناط بهذا‬ ‫ثوري جديد ّ‬ ‫الجسم إدارة الغوطة وقيادتها‪.‬‬ ‫للتعرف عىل تفاصيل هذا املرشوع أجرت طلعنا‬ ‫عالحرية هذا اللقاء مع السيد (أبو رامز) عضو‬ ‫اللجنة اإلدارية ملرشوع القيادة العامة وهو من‬ ‫األشخاص الذين كان لهم دوراً كبرياً يف املساهمة يف‬ ‫تشكيل عدد من املؤسسات املدنية العاملة اليوم‬ ‫يف الغوطة من خالل مكتب التواصل والتنسيق‬ ‫الثوري الذي يديره‪ .‬رشح لنا أبو رامز ماهية هذا‬ ‫املرشوع وأهدافه والصعوبات التي تواجهه‪.‬‬

‫ال بد من مراعاة أن املؤسسات سواء اإلغاثية أو‬ ‫الخدمية أو الطبية وغريها التي تم إنشاؤها قد‬ ‫حققت أهدافها بشكل جزيئ وليس بشكل كامل‬ ‫وذلك يعود لعدة عقبات تقف يف طريق تقدمها‪:‬‬ ‫‪ - 1‬ضعف اإلمكانيات‬ ‫‪ - 2‬الظروف األمنية من حصار وقصف‬ ‫‪ - 3‬وقلة الكوادر والتخصصيني‬

‫يبدو أن النظرة العامة للمواطن العادي‬ ‫تجاه املؤسسات العاملة هي نظرة سلبية‪،‬‬ ‫فهل يدرك املواطن هذه األسباب التي‬ ‫ذكرت؟‬

‫أكيد يوجد فجوة بني العمل الثوري املدين‬ ‫والعسكري وبني املواطن العادي الذي يدفع‬ ‫الفاتورة األكرب‪ ،‬واملفروض أن كل أعامل هذه‬ ‫املؤسسات (خدمية‪ ،‬إغاثة‪ ،‬دفاع مدين) هي‬ ‫لخدمة املواطن‪ .‬ويبدو يل أن ما يعمق هذه‬ ‫الفجوة هو الضعف اإلعالمي‪ ،‬فنحن نفتقد ألدىن‬ ‫مقومات التواصل واإلعالم املحيل حتى نرشح‬ ‫للمواطن الواقع‪ ،‬ومعظم اإلعالم الذي نعتمد عليه‬ ‫هو حكر عىل االنرتنت وهو غري متوفر عند معظم‬ ‫الناس يف الغوطة ‪.‬‬

‫هل تخربنا ما هو دافعك للمساهمة يف‬ ‫ماذا عن مرشوع القيادة العامة للغوطة‪،‬‬ ‫تشكيل هذه املؤسسات؟‬ ‫هناك قناعة موجودة دامئا لدي أن ما يؤخر سقوط ماهيته وأهدافه؟‬

‫النظام حتى اآلن ليس ما ميلكه من قوة عسكرية‬ ‫إمنا تنظيمه‪ ،‬ونحن يف املناطق التي تسيطر عليها‬ ‫املعارضة إن مل يكن لدينا عمل منظم نعتمد عليه‬ ‫فلن نستطيع تحقيق أهداف ثورتنا التي دفعنا‬ ‫وال زلنا ندفع فيها كل هذه التضحيات‪ .‬الهدف‬ ‫من مرشوع القيادة العامة هو الوصول إىل عمل‬ ‫مؤسسايت منظم يف الغوطة الرشقية‪.‬‬

‫لقاءات‬

‫قبل التطرق إىل موضوع القيادة العامة‬ ‫هناك سؤال ال بد من ذكره‪ ،‬فالعديد من‬ ‫املؤسسات املوجودة يف الغوطة الرشقية‬ ‫مىض عىل إنشائها أكرث من ثالث سنوات‪،‬‬ ‫فهل استطاعت هذه املؤسسات تحقيق‬ ‫الغايات املرجوة منها؟‬

‫بعد تشكيل معظم املؤسسات املدنية بالغوطة‬ ‫كان ال بد من التوجه لتوحيد العمل وتأطريه‬ ‫بشكل كامل ضمن إطار واحد يضم العسكريني‬ ‫أيضاً تحت مسمى القيادة العامة للغوطة الرشقية‪،‬‬ ‫وعىل فكرة هذا التوجه ليس جديداً فقد سبقه‬ ‫عدة محاوالت سابقة خالل السنتني األخريتني‬ ‫وكلها باءت بالفشل ألسباب أتحفظ عن ذكرها‪.‬‬ ‫املحاولة األخرية بدأت منذ حوايل السنة وقد نتج‬ ‫عنها القيادة العسكرية املوحدة للغوطة‪ ،‬وتابع‬ ‫الناشطون املدنيون العمل لتوحيد القطاع املدين‬ ‫أيضاً‪ ،‬وتم التوصل لرؤية مشرتكة لهذا املرشوع‪.‬‬ ‫املرشوع هو عبارة عن بناء هرمي مؤلف من ثالثة‬ ‫مستويات‪ :‬الهيئة العامة وهي القاعدة املؤلفة من‬ ‫‪ 234‬شخصاً‪ ،‬ثم تليها األمانة العامة‪ ،‬ثم مجلس‬

‫أبو رامز عضو اللجنة اإلدارية‬ ‫للمرشوع‪:‬‬ ‫“تغيري الوضع يف مناطق‬ ‫املعارضة هو الذي سيغري‬ ‫املعادالت اإلقليمية والدولية”‬ ‫“أعضاء الهيئة العامة ‪234‬‬ ‫عضواً وعدد املؤسسات املشاركة‬ ‫‪ 85‬مؤسسة”‬ ‫“سيعالج املرشوع موضوع‬ ‫املعابر والقضاء ووضع ضوابط‬ ‫لهذه األمور”‬ ‫“رغم اختالف توجهات أعضاء‬ ‫الهيئة العامة إال أنهم يجلسون‬ ‫عىل طاولة واحدة معاً للبحث”‬ ‫القيادة‪ ،‬وقد تم التوافق عىل معايري الختيار عضو‬ ‫الهيئة العامة ومنها املعيار املؤسسايت أي أن يكون‬ ‫عضو الهيئة العامة عضواً ضمن مؤسسة عاملة يف‬ ‫الغوطة‪ ،‬وبعد اختيار عضو الهيئة العامة ال يعترب‬ ‫عضو الهيئة ممث ًال ملؤسسته بل ممث ًال عن الغوطة‬ ‫وال يتكلم باسم املؤسسة‪ .‬املعيار الثاين هو املعيار‬ ‫الجغرايف لتمثيل املجالس املحلية‪.‬‬

‫هل ميكن القول إنه بعد وضوح تشكيل‬ ‫املؤسسات املدنية ووجود القيادة‬ ‫العسكرية املوحدة أصبحت هناك حاجة‬ ‫لجسم قيادي عسكري مدين لقيادة الغوطة‬ ‫الرشقية؟‬

‫متاماً‪ ،‬جسم واحد يربط املدين والعسكري وحتى‬ ‫الجانب السيايس إلدارة الغوطة الرشقية‪.‬‬

‫هل هدف املرشوع الرئييس إدارة الغوطة‬ ‫الرشقية فقط؟‬

‫إدارة الغوطة مبدئياً ضمن الواقع الحايل‪ ،‬لكن هذا‬ ‫املرشوع ال ينفصل بشكل من األشكال عن مجمل‬ ‫الرتاب السوري فهو منفتح عىل كامل املناطق وقد‬ ‫انطلق من الغوطة بسبب اتصالها الجغرايف‪ ،‬ولكن‬ ‫إذا حدث تطورات ميدانية فسنحاول أن يصل‬ ‫املرشوع لكل املناطق إن شاء الله‪.‬‬

‫الهيئة العامة هي القاعدة لهذا املرشوع‬ ‫وهي مبنية عىل متثيل املؤسسات واملجالس‬


‫‪5‬‬

‫املحلية‪ ،‬ملاذا مل يكن بناء الهيئة العامة عىل‬ ‫أساس التمثيل الشعبي املبارش؟‬

‫جانب من الحضور يف احد اجتامعات الهيئة العامة‬

‫لحظة بلحظة‪ ،‬وهم يعولون عىل نجاحه‪ ،‬وما‬ ‫سيجعل الناس مع املرشوع أو ضده هو نتائج‬ ‫املرشوع‪ ،‬إذا مل يستطع املرشوع تحقيق النتائج‬ ‫املطلوبة منه فالشارع سيأخذ منه موقفاً سلبياً‪.‬‬

‫امليدانية والتقلبات بداخل الغوطة وخارجها أدت‬ ‫إىل انشغال العسكريني وتأخري ردهم‪ ،‬وقد وصل‬ ‫الرد منذ حوايل الشهر وحالياً تقوم األمانة العامة‬ ‫بتجهيز النظام الداخيل لعرضه عىل الهيئة العامة‪.‬‬

‫يُتهم املرشوع بأنه عبارة عن بحث من هل سيمتلك املرشوع أدوات تنفيذية‬ ‫العسكريني عن رشعية بغطاء مدين‪ ،‬ماذا تسمح له بإدارة الغوطة أم سيبقى ضمن‬ ‫أطر التنسيق والتشاور؟‬ ‫تقول يف ذلك؟‬

‫طبعاً ال‪ ،‬العسكريون هم بالسوية العليا مشاركون‬ ‫مبجلس القيادة حسب مقرتح النظام الداخيل بثالثة‬ ‫مقاعد من أصل تسعة‪ ،‬وباقي املقاعد للقطاع‬ ‫املدين‪ .‬واألمر الذي أريد التأكيد عليه أن هذا‬ ‫املرشوع ليس غطاءاً للعسكريني وليس مرشوعاً‬ ‫بدي ًال عن القيادة العسكرية املوحدة‪ ،‬بل هو‬ ‫مرشوع مشرتك مع اإلخوة يف القيادة العسكرية‪،‬‬ ‫ويجب التأكيد عىل أن العنارص العسكرية هم‬ ‫أبناؤنا وإخوتنا ومن نسيجنا االجتامعي‪.‬‬

‫أكيد‪ .‬النظام الداخيل يتكلم عن كل األمور املفصلية‬ ‫سواء عىل املستوى اإلداري املدين أو العسكري أو‬ ‫عىل املستوى السيايس‪ .‬فاملرشوع سيعالج موضوع‬ ‫املعابر والقضاء ووضع ضوابط لهذه األمور‪ ،‬إضافة‬ ‫إىل األمور االجتامعية والسياسية واالقتصادية‪،‬‬ ‫وبالتايل فاملرشوع ليس شكلياً وإمنا مرشوع عميل‪،‬‬ ‫والهيئة العامة تعترب سلطة ترشيعية ومجلس‬ ‫القيادة هو السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫متاماً‪ ،‬والنظام الداخيل يراعي هذا األمر خاصة‬ ‫يف القضايا املفصلية فتعود هذه القرارات للهيئة‬ ‫العامة‪ ،‬أما القرارات العادية اليومية فتتخذ يف‬ ‫مجلس القيادة‪.‬‬

‫املرشوع بدأ العمل عليه منذ أكرث من‬ ‫ستة أشهر‪ ،‬ملاذا مل ي َر النور حتى اآلن رغم‬

‫لألسف نحن دامئاً نعيد سبب أي فشل للعامل‬ ‫الخارجي‪ ،‬واألصح أن تغري الوضع يف مناطق‬ ‫املعارضة هو الذي سيغري املعادالت اإلقليمية‬ ‫والدولية‪ ،‬والخارج مل يأخذ أي قرار تجاه الوضع‬ ‫السوري إال من خالل قراءته لهذا الواقع‪ ،‬ونحن إذا‬ ‫استطعنا تغيري الواقع من خالل تطوير إدارة تدير‬ ‫املنطقة يف حال سقوط النظام بشكل مفاجئ فإننا‬

‫أكرب حجة دامئاً تساق مبا يخص عدم دعم‬ ‫املعارضة السورية بشكل جدي يف إسقاط‬ ‫النظام هي حجة أن املعارضة السورية‬ ‫مرشذمة ومنقسمة عىل نفسها إىل تيارات‬ ‫وتوجهات عديدة‪ ،‬وهذا واقع ال ينكر‪ .‬هل‬ ‫ميكن لهذا املرشوع أن يكون مظلة تجمع‬ ‫الجميع أم سنبقى يف نفس خانة التحزبات‬ ‫السابقة؟‬ ‫سؤال جيد‪ ،‬يالحظ يف تركيبة الهيئة العامة أنه مل‬ ‫يغفل أي من التيارات املوجودة يف الغوطة‪ ،‬ونحن‬ ‫نعمل عىل إيجاد توافقات بني هذه التيارات‪،‬‬ ‫وإن شاء الله البشائر خري؛ فالهيئة رغم اختالف‬ ‫توجهات أعضائها إال أنهم يجلسون عىل طاولة‬ ‫واحدة معا للبحث عام فيه صالح الغوطة‪.‬‬

‫هل أنت متأمل خرياً يف هذا املرشوع؟‬

‫أنا متأمل خرياً يف املرشوع ويجب أن نعمل جميعاً‬ ‫إلنجاحه ألنه مل يعد لدينا بديل وال نريد تكرار‬ ‫تجربة الفشل مجدداً‪.‬‬

‫لقاءات‬

‫هناك من يقول إن هذا املرشوع هو عبارة‬ ‫هل قرار الغوطة سيصبح قراراً تشاركياً بني عن ترف زائد يف الوقت بدل الضائع ريثام‬ ‫القطاعني املدين والعسكري ولن يبقى حكراً يصبح هناك توافق إقليمي ودويل لحل‬ ‫األزمة السورية‪ ..‬ماذا ترد؟‬ ‫عىل أحد بعينه؟‬

‫يجب التفرقة بني مؤسسات الدولة وبني النظام‬ ‫كمؤسسة أمنية عسكرية‪ ،‬فالثورة مل تقم ضد‬ ‫مؤسسات أو ضد دولة ألن مؤسسات الدولة هي‬ ‫ملك للشعب ويجب الحفاظ عليها‪ ،‬أهمية هذا‬ ‫املرشوع هي يف كون الغوطة الرشقية مالصقة‬ ‫للعاصمة ويعول عليها يف عملية إسقاط النظام‬ ‫والحفاظ عىل مؤسسات الدولة يف دمشق وإدارة‬ ‫دمشق يف مرحلة ما بعد سقوط النظام‪.‬‬

‫‪2015 / 8 / 2‬‬

‫عند سؤال أكرث من شخص يف الشارع ملست‬ ‫حالة من عدم االهتامم بهذا املرشوع‪ ،‬أال أهميته كام تقول‪ .‬ما هي أسباب التأخري؟ سنؤثر يف تغيري املعادلة الخارجية‪.‬‬ ‫برصاحة ُحددت مهمة األمانة العامة بإنجاز النظام هل تعتقد ان هذا املرشوع قادر عىل أن‬ ‫يعد هذا األمر مشكلة للمرشوع؟‬ ‫ً‬ ‫أختلف معك بهذا الوصف‪ ،‬فأنا عىل احتكاك دائم الداخيل وقد تم ذلك بتاريخ ‪ 1‬نيسان‪ 2015‬ووضع يكون بديال للنظام وأن يدير مؤسسات‬ ‫مع الشارع وهناك الكثري من املتابعني للمرشوع عىل طاولة اإلخوة العسكريني‪ ،‬إال أن الظروف الدولة؟‬

‫العدد ‪- 53 -‬‬

‫طبعا إذا أردنا أن نحيك باملثاليات فيجب أن تكون‬ ‫الهيئة مبنية عىل أساس انتخابات شعبية‪ ،‬ولكن‬ ‫الوضع األمني ال يسمح بحدوث هكذا انتخابات‬ ‫بسبب ظروف القصف‪ ،‬وللتنويه فإن عدد أعضاء‬ ‫الهيئة العامة ‪ 234‬عضواً وعدد املؤسسات املشاركة‬ ‫‪ 85‬مؤسسة‪.‬‬


‫الفاشية و”االغتراب” في سوريا‬ ‫‪6‬‬

‫ماهر مسعود‬

‫العدد ‪- 53 -‬‬ ‫‪2015 / 8 / 2‬‬

‫مقاالت‬

‫مل يعش السوريون تحت سلطة نظام اقتصادي‬ ‫رأساميل كالسييك‪ ،‬والذي ُيع ِّرفه الفالسفة؛ من‬ ‫ماركس إىل فروم‪ ،‬بوصفه نظاماً منتجاً للتشيؤ‬ ‫واغرتاب االنسان عن ذاته وعن عامله‪ ،‬ويحوله‬ ‫إىل سلعة وإىل “يشء” فاقد لجوهره اإلنساين‪..‬‬ ‫بل عاشوا تحت سلطة نظام سيايس‪/‬اقتصادي‬ ‫ميكن تسميته بـ “رأساملية السلطة” متييزاً له عن‬ ‫“رأساملية الدولة” الذي ساد الدول الشيوعية‪،‬‬ ‫صاحبة األنظمة االشرتاكية الشمولية املعروفة‬ ‫واملع َّرفة بفاشيتها‪.‬‬ ‫إذا كان من مظاهر االقتصاد الرأساميل‪ ،‬احتكار‬ ‫الرثوة وتراكم املال بيد الق ّلة القليلة من الناس‪ ،‬ومن‬ ‫مؤدياتها تحول البرش إىل آالت يف عجلة االنتاج‪،‬‬ ‫واغرتابهم عن منتجاتهم‪ ،‬وانسياقهم نحو التسليع‬ ‫واالستهالك الذي يحول أعاملهم‪ ،‬وحتى أفكارهم‬ ‫وعواطفهم إىل سلع يف سوق العرض والطلب‪ .‬فإن‬ ‫من مظاهر “رأساملية السلطة” احتكار السياسة‬ ‫وتراكم القوة بيد العصبة السلطوية وحدها‪ ،‬بل‬ ‫َتح ُّول فائض القيمة السيايس إىل أجهزة أمنية‬ ‫مرتاكمة تب ُّز الجامعات يف فروعها‪ ،‬وتب ُّز املدارس‬ ‫يف تعليم الخوف والخنوع‪ .‬ومن مؤدياتها تحول‬ ‫البرش إىل آالت يف مصنع االستبداد‪ ،‬وانسياقهم‬ ‫كالعبيد يف مسريات مليونية تعيد انتاج السلطة‬ ‫ذاتها التي تبتزهم وتستعبدهم‪.‬‬ ‫إن اإلفقار االقتصادي للمجتمع السوري‪ ،‬الذي‬ ‫نتج عن تراكم رأس املال بيد العصبة السلطوية‬ ‫وأزالمها‪ ،‬كان متزامناً مع حالة افقار سيايس‬ ‫عام‪ ،‬نتج بدوره عن تراكم “الرأسامل السيايس”‬ ‫بيد السلطة ذاتها‪ .‬ومثلام أدى احتكار االقتصاد‬ ‫سلطوياً إىل حالة اغرتاب عامة لدى السوريني تجاه‬ ‫مؤسسات الدولة العامة‪ ،‬وبقاء تلك املؤسسات‬ ‫مكاناً للعطالة والنهب والفساد وضعف االنتاج‪،‬‬ ‫كذلك أدى احتكار السياسة يف سلطة الحزب‬ ‫الواحد‪ ،‬إىل حالة فقر سيايس مدقع يف املجتمع‬ ‫السوري‪ ،‬برزت أهم تجلياته يف اغرتاب السوريني‬ ‫عن سياسة دولتهم‪ ،‬وعزوفهم عن العمل والفاعلية‬ ‫السياسية‪ ،‬وتحولهم إىل “أشياء” وإىل “أدوات‬ ‫سياسية” بيد السلطة‪ ،‬بعد أن كانوا “ذوات”‬ ‫سياسية فاعلة يف عهد االستقالل األول‪.‬‬ ‫أسست الفاشية األسدية ألعىل مراحل االغرتاب‬ ‫يف املجتمع السوري‪ ،‬فبقي السوريون غرباء عن‬ ‫بعضهم‪ ،‬يتقاسمون الخوف والذل مع الخبز‪،‬‬ ‫ويعيشون يف منافيهم الخاصة وضمن املنفى‬

‫الجامعي ا ُملسمى “وطناً”‪ ،‬ال أحد منهم يشبه‬ ‫نفسه أو يشبه ما يراه أو يحلم به‪ ،‬رغم كونهم‬ ‫جميعاً متشابهني‪ .‬ال أحد منهم ميلك نفسه أو‬ ‫قراره أو رأيه الحر‪ ،‬ألنهم جميعاً مملوكني من‬ ‫سلطة تقرر عنهم‪ ،‬وترى عنهم‪ ،‬وتحاسب من يرى‬ ‫غري ما ترى بالسجن أو القرب‪.‬‬ ‫شقي”‬ ‫لقد تكون لدى مجمل السوريني‬ ‫“وعي ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫إن اعتمدنا املصطلح الهيغيل‪ ،‬وهو وعي مشطور‬ ‫ومنقسم ضد نفسه‪ ،‬جعل االنسان السوري يقول‬ ‫مبا ال يفكر به‪ ،‬ويفكر مبا ال يقوله‪ ،‬جعله شخصاً‬ ‫ثنائياً وفصامياً‪ ،‬فشخصيته يف البيت غريها يف‬ ‫العمل‪ ،‬وما تظهره مغاير ملا تبطنه‪ ،‬وأمام اآلخرين‬ ‫غريها أمام الذات‪ .‬وذلك و ّلد نظاماً أخالقياً قوامه‬ ‫الكذب والتكاذب‪ ،‬ونظاماً اجتامعياً قوامه الدجل‬ ‫واملراعاة‪ ،‬ونظاماً اقتصادياً قوامه الفساد والرشوة‪،‬‬ ‫ونظاماً قضائياً قوامه الوساطة ونقص العدالة‪،‬‬ ‫ونظاماً تعليمياً قوامه التلقني والغش والتسلق‬ ‫وانعدام الكفاءة‪ ،‬ونظاماً أمنياً قوامه املخربين‬ ‫والوشاة وانعدام األمن‪ ،‬فهل هناك وصفة للخراب‬ ‫أكرث من ذلك؟‪.‬‬ ‫مل يبدأ السوريون بالتعرف عىل بعضهم وعىل‬ ‫أنفسهم إال مع الثورة السورية‪ ،‬ومل يبدؤوا يف‬ ‫االندماج الوطني والتحرر من مخاوفهم ومن‬ ‫اغرتابهم إال مع الثورة‪ ،‬إال أن تراكم رأسامل القوة‬ ‫لدى السلطة كان أقوى من اجتامعهم السلمي‪،‬‬ ‫وتحللها من أي مسؤولية أخالقية أو رادع سيايس‪،‬‬ ‫أطلق يدها يف قتل الناس دون محاسبة‪ .‬كام أن‬ ‫اندماج السلطة يف نظام عاملي يقوم عىل سلطة‬ ‫األقوياء‪ ،‬وتحالفها الوطيد مع أنظمة فاشية‬

‫اقليمية ودولية ال يخيفها أكرث من الدميقراطية‬ ‫وحرية الشعوب‪ ،‬أديا ملا نسميه مجازاً “بالعوملة‬ ‫ضد الثورة”‪ ،‬أي تحول الثورة من مواجهة النظام‬ ‫وحده إىل مواجهة العامل املتحالف ضدها‪.‬‬ ‫لكن خذالن العامل وتركه السوريني وحيدين يف‬ ‫مواجهة القتل بكل صنوفه‪ ،‬أديا لخوف السوريني‬ ‫مناف خارجية‪ ،‬أو‬ ‫من الحرية وهروبهم نحو‬ ‫ٍ‬ ‫نحو االستبداد املزدوج الذي ميثله النظام من‬ ‫جهة وميثله داعش وأشباهه يف الجهة املقابلة‪،‬‬ ‫فمن بقي منهم يف مناطق النظام أصبح مأسوراً‬ ‫يف معركة النظام الوجودية‪ ،‬ومن بقي منهم‬ ‫يف مناطق املعارضة أصبح مأسوراً عند حركات‬ ‫اسالمية حاربت الجيش الحر أكرث من محاربتها‬ ‫للنظام‪ .‬ومثلام يلوم الكثريون السوريني يف مناطق‬ ‫النظام عىل صمتهم وسكوتهم واحتضانهم نظاماً‬ ‫قات ًال‪ ،‬يلوم الكثريون أيضاً‪ ،‬السوريني يف مناطق‬ ‫السيطرة اإلسالمية عىل صمتهم واحتضانهم‬ ‫لداعش وأشباهها‪ ،‬ويعدّونهم حاضنة لإلرهاب‪ .‬مع‬ ‫أن ما يحصل هو أن الناس مل يتسن لها أن تتنفس‬ ‫هواء الحرية جيداً ال هنا وال هناك‪ ،‬ولذلك بات‬ ‫الجميع يقايضون حريتهم بأمنهم‪ ،‬فهل هناك ما‬ ‫هو أصعب وأقىس‪ ،‬وما هو أكرث اغرتاباً وال إنسانية‪،‬‬ ‫من مقايضة الحرية باألمن؟ وهل من سبب خلف‬ ‫األشكال املروعة لإلجرام التي نشهدها سوى املوت‬ ‫الروحي للسوريني واحساسهم بانتفاء املعنى بعد‬ ‫كل التضحيات التي قدموها عىل مذبح الحرية؟‪،‬‬ ‫وهل يحق ألحد أن يلوم السوريني اليوم عىل تلك‬ ‫النزعة التدمريية الكارهة للحياة واملضادة لها التي‬ ‫منت بينهم؟!‪.‬‬


‫الثوار اإلرهابيون‬ ‫شوكت غرزالدين‬

‫العدد ‪- 53 -‬‬ ‫‪2015 / 8 / 2‬‬

‫مقاالت‬

‫الثوار اإلرهابيون واقعة تتعايش فيها التناقضات‬ ‫معاً‪ ،‬وتتداخل تجاهها آراء قوى الثورة‪ .‬فهم ثوار‬ ‫ألنهم يعملون عىل تغيري الواقع القائم يف سوريا‪،‬‬ ‫ويجاهدون إلسقاط النظام فيها‪ .‬ولكنهم إرهابيون‬ ‫ألنهم يديرون املناطق التي قضموها “بإدارة‬ ‫التوحش”‪ ،‬ويؤسسون لبديلٍ إسالمي أممي‪ .‬ولهم‬ ‫ّ‬ ‫طريقتهم وزمنهم وتوقيتهم الخاص يف إسقاط‬ ‫النظام‪ ،‬وعندهم إدارتهم الخاصة للمناطق التي‬ ‫سيطروا عليها‪ ،‬ويؤسسون البديل الخاص بهم‬ ‫أيضاً‪ .‬إننا أمام استبداد الخاص عند الثوار عىل‬ ‫الشعبي‪ ،‬وهذا االستبداد هو ا ُملم ِّثل للجذر‬ ‫العام‬ ‫ّ‬ ‫الفلسفي لإلرهاب‪.‬‬ ‫تتعايش التناقضات مع بعضها البعض واقعياً وآنياً‬ ‫كمومي‪ ،‬رغ ًام عن أنف إرادة‬ ‫اكب”‬ ‫ٍّ‬ ‫يف حالة “تر ٍ‬ ‫وريي الهادفة إىل إنتاج تركيب مناسب من‬ ‫الس ّ‬ ‫ّ‬ ‫املتناقضات‪ .‬وهذا ما يس ِّوغ لنا استخدام مفردة‬ ‫الثوار‪ ،‬كموصوف محبب إىل النفوس عموماً‪ ،‬مع‬ ‫مفردة اإلرهابيني كصفة مكروهة‪.‬‬ ‫السور ّية‪ ،‬املرتبطة‬ ‫مثة تداخل معقد يف الحالة ّ‬ ‫بالحالة الدولية والحالة اإلقليمية‪ ،‬ينتج عنه‬ ‫مفهومي جديد‪ .‬ولكنّه ميكن لنا فرز‬ ‫جمع‬ ‫ّ‬ ‫التّداخل والتشابك واالختالط استناداً إىل هدف‬ ‫إسقاط النظام وبالنسبة له‪ ،‬عىل قاعدة أن َّمن‬ ‫يريد إسقاط النظام هم الثوار‪ ،‬ولكن اختالفهم‬ ‫بالتوقيت واإلدارة والبديل يجعل منهم إرهاب ّيني‪.‬‬ ‫تنجح املحاوالت الرامية للفصل يف واقعة‬ ‫مل‬ ‫ْ‬ ‫التعايش هذه بني صفة الثوريّ وبني صفة اإلرها ّيب‬ ‫يف سوريا‪ .‬وما زال التّداخل والتّشابك قامئاً بني‬ ‫املفردتني بشكل كبري‪ .‬بل قل‪َّ ،‬إن املحاوالت املحل ّية‬ ‫واإلقليم ّية والدول ّية الرامية للربط بني املفردتني‪،‬‬ ‫وتوظيف هذا الربط واستثامره يف الرصاع ووجهته‪،‬‬ ‫هي التي تالقي حظوظاً من النجاح أكرب بكثري من‬ ‫تلك التي عىل النقيض‪.‬‬ ‫ويعود عدم النجاح بعملية الفصل للكثري من‬ ‫العوامل التي ال مجال لنقاشها هنا‪ .‬ولكن نذكر‬ ‫كمن‬ ‫منها ما يتعلق باالختالط واالختزال الذي َي ُ‬ ‫يف خطاب قوى الثورة‪ .‬الخطاب الذي يقوم عىل‬ ‫إرجاء النقد للثوار اإلرهابيني‪ ،‬وإرجاء مواجهتهم‬ ‫ومعارضتهم حتى يسقط النظام‪ .‬وهو خطاب‬ ‫ُيض ِمر إمكانية توظيفهم واستثامرهم يف مرحلة‬ ‫ما بعد السقوط‪ .‬فيتم الخلط ومسح الفروق‪ ،‬بني‬ ‫ثالثة أفعال أساسية تقوم بها القوى اإلسالم ّية‪،‬‬ ‫يصب يف سريورة‬ ‫لتقدميها يف فعل واحد‪ُ ،‬يعتقد أ َّنه ّ‬ ‫إسقاط النظام‪.‬‬ ‫الفعل األول عسكريّ تقوم به عدة قوى إسالم ّية‪،‬‬ ‫وتحتاجه قوى الثورة لعجزها عن تغطيته‪ ،‬وتكون‬ ‫نتيجته خروج بعض املواقع واملناطق من سيطرة‬

‫يصب يف‬ ‫النظام عليها‪ .‬فقضم املواقع واملناطق ّ‬ ‫خانة إسقاط النظام وميكن النظر إليه بوصفه فعالً‬ ‫ثورياً‪ .‬وبهذه الحالة ال اهتامم بلون القط طاملا‬ ‫أ َّنه يأكل الفرئان‪ .‬أما الثاين فهو ما يرتبط بإدارة‬ ‫املناطق الخارجة عن سيطرة النظام‪ ،‬إدارة عىل‬ ‫التوحش”‪،‬‬ ‫طريقة “أيب بكر ناجي” يف كتابه “إدارة ّ‬ ‫والتي يغلفها مبدأ “األمر باملعروف والنهي عن‬ ‫املنكر” رشعاً‪ ،‬و”نظام الحسبة” والهيئات الرشعية‬ ‫بالقصاص والقتل مامرسة‪ .‬وهي حالة غريبة عن‬ ‫السوريني وال مت ِّثل طموحهم أبداً‪ .‬وأخرياً الفعل‬ ‫الثالث الذي يرتبط بتأسيس البديل عن النظام‬ ‫يف حال سقوطه‪ ،‬وغالباً ما يكون هذا البديل هو‬ ‫الدولة اإلسالم ّية األمم ّية متعدية الحدود‪ .‬وهذان‬ ‫الفعالن األخريان‪ ،‬فعل اإلدارة وفعل البديل‪ ،‬هام‬ ‫اللذان يتصفان باإلرهاب غالباً عند قوى الثورة‬ ‫الذاهبة باتجاه دولة وطن ّية ذات نظام دميقراطي‬ ‫وإدارة مدن ّية وعرص ّية للمناطق‪.‬‬ ‫وبفضل التداخل بني هذه األفعال الثالثة كان‬ ‫التداخل عىل مستوى املفهوم‪ .‬ومن هنا يأيت‬ ‫التالزم بني الثوار وبني اإلرهابيني؛ هاتان املفردتان‬ ‫املتناقضتان يف الوعي الشعبي السوري‪ .‬فيحتار‬ ‫السوريّ أمام أفعال جبهة النرصة مث ًال؛ فمن جهة‬ ‫ّ‬ ‫أخرجت إدلب من سيطرة النظام‪ ،‬وهذا فعل‬ ‫ثوريّ ‪ .‬ومن جهة ثانية تدير إدلب بنظام الحسبة‬ ‫والهيئة الرشعية واألمر باملعروف والنهي عن املنكر‬ ‫وتعتقل ناشطي الثورة وتستتيب شبيحتها‪ ،‬وهذا‬ ‫فعل غري ثوريّ (إرهايب)؛ ألنه يقوم عىل اإلخضاع‬ ‫ويناقض هدف الحر ّية والكرامة املنشود‪ .‬ومن‬ ‫جهة ثالثة تؤسس لدولة إسالمية عابرة للحدود‬ ‫وتهدِّد أنظمة أخرى يف املنطقة‪ ،‬وهذا فعل يناقض‬ ‫سعي الثورة لتحقيق دولة وطنية ذات نظام‬ ‫دميقراطي تساهم يف أمن واستقرار املنطقة بدل‬ ‫تهديدها‪.‬‬ ‫وتظهر بوضوح شديد لنا مسألة التوقيت يف سريورة‬ ‫إسقاط النظام ومواجهته وقضم مناطق سيطرته؛‬ ‫فالبغدادي وتنظيم الدولة ليس يف عجلة من‬

‫أمره‪ ،‬وعلوش وجيش اإلسالم كذلك؛ فكلام طالت‬ ‫سريورة اإلسقاط واملواجهة وقضم املناطق‪ ،‬كلام‬ ‫تحو ّلوا إىل سلطة األمر الواقع‪ ،‬ومت ّكنوا من اإلدارة‬ ‫الخاصة بهم‪ ،‬ومأسسة البديل الخاص ملرشوعهم‪.‬‬ ‫ولكن نرى هؤالء يف عجلة من أمرهم لتطبيق‬ ‫نظام الحسبة وبسط النفوذ والقبض عىل املعابر‬ ‫الحدودية ومواقع النفط والغاز والفوسفات‬ ‫واآلثار‪.‬‬ ‫هذا التّمييز يضعنا إزاء إشكالية املقياس الذي‬ ‫نقيس بالنسبة إليه ونصنِّف القوى عىل أنها‬ ‫إرهاب ّية وثور ّية يف آنٍ ‪ .‬فقد ارتبطت ثورة الحر ّية‬ ‫والكرامة يف سوريا بهدف إسقاط النظام‪ .‬ومبرور‬ ‫الزمن تبلور الهدف وتحول إىل اسرتاتيجية للقوى‬ ‫الثور ّية‪ .‬وبقدر ما تعتمد هذه االسرتاتيجية عىل‬ ‫السوريّ املتعلق‬ ‫الجانب الذايت عند الشعب ّ‬ ‫بوحدته وتخطيطه وتنظيمه‪ ،‬تعتمد كذلك عىل‬ ‫الجانب املوضوعي املتعلق بالعريض واملصادفة‬ ‫والعشوائية وغري املتوقع‪ .‬ثم تح ّول تدريجياً شعار‬ ‫إسقاط النظام إىل معيار ورائز نقيس عليه لنُحدِّد‬ ‫من هو الثوري ومن هو غري الثوري‪ .‬وبات لدينا‬ ‫من يكتفي بإسقاط النظام‪ ،‬وإنتاج بديل وطني‬ ‫دميقراطي له‪ ،‬وإدارة املناطق مدنياً وعرصياً‪.‬‬ ‫ومنهم من ال يكتفي بإسقاط النظام‪ ،‬ويسعى‬ ‫الستخدام سوريا محطة إلسقاط أنظمة أخرى‪،‬‬ ‫وإنتاج بديل أممي إسالمي يهدد األمن والسلم‬ ‫العامليي‪ ،‬وإدارة املناطق عسكرياً وأمنياً وعقائدياً‬ ‫ّ‬ ‫ضمن نظام الحسبة‪ .‬ومنهم من يريد بقاءه‬ ‫واستمراره‪.‬‬ ‫وباملحصلة‪ ،‬هل يريد كل من تنظيم الدولة وجبهة‬ ‫النرصة وجيش اإلسالم إسقاط النظام فع ًال؟! وهل‬ ‫ميكن للمراهنني عىل الثوار اإلرهابيني توظيف‬ ‫واستثامر أفعالهم ملصلحة عامة؟! والسؤال‬ ‫األسايس اآلن هو عىل من نراهن؟ ويجب وميكن‬ ‫لقوى الثورة أن تجيب عن هذا السؤال يف ظل‬ ‫إشكالية التوقيت واإلدارة والبديل إجابة تسهم يف‬ ‫إعادة ألق الثورة‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫الدفاع المدني السوري‬ ‫في درعا‪ ،‬معارك ضد الموت!‬

‫‪8‬‬

‫رامي العاشق*‬

‫العدد ‪- 53 -‬‬ ‫‪2015 / 8 / 2‬‬

‫عمل النظام السوري منذ بداية الثورة السور ّية‬ ‫عىل رضب العمل املدين والسيايس يف سوريا‪،‬‬ ‫وإفراغ الثورة السور ّية ومدن ّيتها وأهدافها من‬ ‫واضحا يف شعاراتها األوىل‬ ‫مضمونها الذي بدا‬ ‫ً‬ ‫وأصوات من خرجوا يف الشوارع قاصدين نيل‬ ‫ِ‬ ‫األصوات املدن ّية‬ ‫وأرص عىل اغتيال‬ ‫الحرية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫وتغييبها أو تهجريها وج ّر الثورة إىل لعب ٍة يتقنها‬ ‫ويحب أن يلعبها‪ ،‬وسعى ّ‬ ‫بكل ما ميلك من ق ّوة‬ ‫ّ‬ ‫إىل تحويل الثورة إىل حرب تفتك بالسور ّيني‬ ‫وحياتهم وأحالمهم‪ُ ،‬‬ ‫بعض الناشطني السياس ّيني‬ ‫تح ّولوا إىل ناشطي إغاثة بحكم عدم القدرة عىل‬ ‫حقيقي وسط هذا املوت‪ُ ،‬‬ ‫بعضهم‬ ‫عمل سيايس‬ ‫ّ‬ ‫اعتقاالت وحاول العمل‬ ‫ترك سوريا بعد عدّة‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وبعضهم حاول مللم َة ما ميكن‬ ‫من الخارج‪،‬‬ ‫ليصلح ما أفسده املوت‪ ،‬وآخرينَ أخذهم ُ‬ ‫املوت‬ ‫َ‬ ‫أو السجنُ ومل يعودوا!‬

‫عائد من املوت لتأسيس الدفاع املدين‬

‫تقارير‬

‫خارج‬ ‫م ّؤسسات املجتمع املدين وإن ُكثت‬ ‫َ‬ ‫سوريا وق ّلت داخلها‪ ،‬تحمل عىل عاتقها مه ّمة‬ ‫إنقاذ هو ّية الشعب السوري املدن ّية‪ ،‬وإحدى‬ ‫املؤسسات هي الدفاع املدين السوري‬ ‫ّ‬ ‫أهم هذه ّ‬ ‫ُ‬ ‫نعرف‬ ‫أو ما بات يعرف بالق ّبعات البيض‪ ،‬ال‬ ‫أسامءهم‪ ،‬ومل يظهروا عىل القنوات الفضائية‪،‬‬ ‫ومل يدخلوا يف أ ّية محاصصة سياس ّية‪ ،‬هدفهم‬ ‫“إنقاذ أكرب عدد ممكن من الناس بأقرص وقت‬ ‫ممكن” بحسب ترصيح مم ّثل الدفاع املدين يف‬ ‫وخرج‬ ‫درعا د‪ .‬جهاد محاميد الذي اعتقل مل ّرتني‬ ‫َ‬ ‫يف الثانية عن طريق مبادلة بني النظام والجيش‬ ‫الحر بعد أن ُأن ِق ًذ من قرار التصفية الجسدية‪،‬‬ ‫يع ّرف د‪ .‬جهاد عن نفسه‪“ :‬جهاد محاميد‬ ‫مم ّثل الدفاع املدين السوري يف درعا‪ ،‬أحمل‬ ‫ُ‬ ‫عملت عىل‬ ‫شهادة دكتوراه يف اإلدارة املال ّية‪،‬‬ ‫تأسيس الدفاع املدين يف املناطق املح ّررة التي‬ ‫ْ‬ ‫فقدت جميع الخدمات من جهه النظام ليكون‬ ‫البديل يف هذه املناطق‪ ،‬كانت مبادرة فردية‬ ‫وبدعم من منظامت املجتمع املدين لغاية‬ ‫الشهر العارش من عام ‪ 2014‬تاريخ االجتامع‬ ‫االسرتتيجي لكافة قادة الدفاع املدين يف جميع‬ ‫املحافظات السور ّية‪ ،‬وتم تأسيس (الدفاع املدين‬ ‫السوري)”‪.‬‬

‫صعوبات وتحدّيات‬

‫يف الشهر الخامس من عام ‪ 2015‬قام أعضاء‬ ‫هيئة الدفاع املدين باإلرضاب عن العمل نتيجة‬ ‫اعتداء الفصائل املس ّلحة عىل مبنى الدفاع‬ ‫وإصابة أحد أعضاء الهيئة بعيار ناري‪ ،‬ومحاولة‬

‫بعض الفصائل االعتداء عىل‬ ‫أمالك الهيئة من اآلليات‪ّ ،‬إل أن‬ ‫هيئة الدفاع املدين نجحت يف‬ ‫الحفاظ عىل استقالل ّيتها ومنع‬ ‫أي اعتداء آخر‪ ،‬يتابع د‪ .‬جهاد‪:‬‬ ‫“ مل يتو ّقف عمل الدفاع املدين‬ ‫يف أصعب الظروف ورغم ق ّلة‬ ‫اإلمكان ّيات وسيستم ّر حتى بعد‬ ‫سقوط النظام‪ ،‬املصاعب املال ّية‬ ‫موجودة بسبب ارتفاع أسعار‬ ‫الوقود واملواد الالزمة‪ ،‬ونقص اآلل ّيات وارتفاع‬ ‫أسعارها وأسعار قطع الغيار الخاصة بها‪ ،‬الهدف‬ ‫الرئييس للدفاع املدين هو إنقاذ أكرب عدد من‬ ‫السوريني‪ ،‬لذلك نحن نعمل مع الجميع ونكسب‬ ‫ثقة الجميع نظ ًرا لحياد ّية ّ‬ ‫املنظمة وعملها اإلنساين‬ ‫البعيد عن السياسة والتح ّيز أليّ طرف كان‪،‬‬ ‫فهدفنا األ ّول هو اإلنسان دون النظر إىل خلف ّيته‬ ‫وانتامئه بأيّ شكل كان‪ ،‬عمل الدفاع املدين ليس‬ ‫ً‬ ‫سهل خاصة يف الحروب واستخدام األسلحة الثقيلة‪،‬‬ ‫ولكنّنا مستم ّرون يف عملنا طاملا أن هناك أشخاص‬ ‫يحتاجون لعملنا مهام ك ّلفنا الثمن”‪.‬‬

‫املرأة السورية يف الدفاع املدين‬

‫ُيحسب لدرعا غياب حالة التطرف بشكل شبه‬ ‫كامل كام يحسب لها غياب عمليات االنتقام‬ ‫الطائفي التي حصلت يف مناطق أخرى‪ ،‬كام ّأن‬ ‫للمرأة السور ّية هناك دور أسايس يف العمل الثوري‬ ‫والسيايس واملدين‪ ،‬وس ّيدات الدفاع املدين يف درعا‬ ‫لهن فضل كبري يف نجاح هذا العمل‪ ،‬يضيف د‪.‬‬ ‫محاميد‪ “ :‬ال فرق بني نساء ورجال الدفاع املدين‬ ‫فاالهتامم بالدرجة األوىل يرتكز نحو االختصاصات‬ ‫والخربات الالزمة للقيام بالعمل عىل أكمل وجه‪،‬‬ ‫نحن نغطي كافة املناطق الخاضعة لقوات املعارضة‬ ‫مقس ًم إىل ‪3‬‬ ‫السورية من خالل ‪ 13‬مركزًا رئيس ًيا ّ‬ ‫قطاعات وهي‪ ( :‬درعا املدينة‪ ،‬ريف درعا الرشقي‪،‬‬ ‫والريف الغريب)‪ ،‬جميع املراكز يتواجد فيها العنرص‬ ‫خاصة بالنساء‬ ‫النسايئ دون استثناء من خالل غرف ّ‬ ‫يف ّ‬ ‫كل مركز وهنّ مؤهّ الت حسب احتياجات‬ ‫املراكز‪ ،‬لقينا ترحي ًبا كب ًريا من األهايل لتواجدنا يف‬ ‫الدفاع املدين السوري‪ ،‬وخاصة ّأن النساء يف املجتمع‬ ‫يرتحنَ لوجود عنارص نسائ ّية قادرة عىل تقديم‬ ‫املساعدة لهنّ دون حواجز‪ ،‬م ّكننا هذا من الوصول‬ ‫إىل رشيحة واسعة من النساء واألطفال والتعامل‬ ‫معهم بشكل مريح دون عوائق اجتامعية‪ ،‬كذلك‬ ‫لقينا تشجي ًعا من الرجال حيث شعروا بارتياح‬ ‫لوجودنا ومساعدة أرسهم وخاصة النساء واألطفال‬ ‫وتقديم االحتياجات لهم دون إحراج‪ ،‬وحتى‬

‫اللحظة مل نواجه مشاكل يف عملنا”‬

‫خسارة العمل السيايس مقابل االنساين‬

‫َ‬ ‫كان د‪ .‬محاميد من أوائل الذين خرجوا يف‬ ‫مظاهرات درعا‪ ،‬وكام حدث مع معظم الناشطني‪،‬‬ ‫اضطر ّ‬ ‫للتخل عن نشاطه السيايس ليعمل يف املجال‬ ‫اإلنساين‪ ،‬ويرى أ ّنهم بحاجة للحفاظ عىل أرواح‬ ‫السوريني ليستطيعوا إكامل العمل السيايس واملدين‪،‬‬ ‫لذلك يرى ّأن األفضل ّية اليوم للعمل اإلنساين ولو‬ ‫“خرسنا عملنا السيايس مقابل العمل اإلنساين أل ّنه‬ ‫أهم يف هذه املرحلة” بحسب تعبريه‪ ،‬ويكمل‪“ :‬‬ ‫ّ‬ ‫ليس من السهل العمل يف ظروف الحرب وخاصة‬ ‫مع القصف بالرباميل املتفجرة والصواريخ الفراغية‬ ‫من قبل املقاتالت الحربية‪ ،‬باإلضافة إىل األسلحة‬ ‫الثقيلة والتي غالبا ما تستهدف املناطق التي نعيش‬ ‫فيها بشكل يومي‪ ،‬وقد تعرض عدد من عنارص‬ ‫الدفاع املدين إلصابات وقد تم استهداف عدد من‬ ‫مراكز الدفاع املدين بالرباميل املتفجرة والصواريخ‬ ‫الفراغية أسفرت عن إصابة عدد من العاملني يف‬ ‫املراكز باإلضافة إىل دمار كبري يف األبنية واآلليات‬ ‫واملعدات التي تم تأمينها بصعوبة بالغة”‪.‬‬

‫ماذا عن رشوط التمويل؟‬

‫تم ضخ املال السيايس بشكل كبري يف سوريا‪،‬‬ ‫لقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أفرز هذا مجموعات مسلحة ومنظامت موالي ٍة‬ ‫ألجندات إقليم ّية ودول ّية ليست يف مصلحة‬ ‫السور ّيني‪ ،‬ونعلم ّأن األمر بدون متويل يعني املوت‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مرشوطا؟ وهل‬ ‫واملوت فقط‪ ،‬فهل كان التمويل‬ ‫فرضت عليكم أ ّية طلبات؟ يجيب د‪ .‬محاميد “ال‬ ‫تفرض علينا أ ّية رشوط من الدول الداعمة وليس لنا‬ ‫ننسق‬ ‫عالقة بالحكومة املؤقتة وال باملجالس‪ ،‬ولكن ّ‬ ‫مع الجميع وال ننضوي تحت أي منهم‪ ،‬وال توجد‬ ‫أ ّية جهة يف درعا تعارض عمل الدفاع املدين‪ ،‬نحن‬ ‫نقف عىل مسافة واحدة من ّ‬ ‫كل االطراف‪ ،‬نسعى‬ ‫إىل وقف القتل من كل االطراف ونطمح إىل رؤية‬ ‫سوريا دولة مزدهرة‪ ،‬وسوف يكون لنا دور يف إعاده‬ ‫االعامر”‪.‬‬ ‫*شاعر وكاتب صحايف فلسطيني سوري‪.‬‬


‫الحامل السياسي للثورة‬ ‫واالحترام المفقود‬ ‫فادي محمد‬

‫االحرتام من الصفة اىل املفهمة‬

‫‪9‬‬

‫فراس العلي‬ ‫العدد ‪- 53 -‬‬

‫البقية في الصفحة ‪10‬‬

‫‪2015 / 8 / 2‬‬

‫يتابع النظام حياته الطبيعية التي يتغنى‬ ‫بها عىل قنواته الفضائية مطمئناً مؤيديه‬ ‫ّأن األزمة قاربت عىل اإلنتهاء وأنهم قتلوا‬ ‫معظم املجموعات اإلرهاب ّية واعتقلوا‬ ‫الكثري الكثري منهم‪ ،‬ومع ذلك مل يهمل‬ ‫قطاع السياحة حيث بدأ يطرح املشاريع‬ ‫السياح ّية شامالً وجنوباً‪.‬‬ ‫كان أ ّول مرشوع سياحي قد أق ّرته‬ ‫حكومة النظام يف حلب منذ أ ّيام والثاين‬ ‫جاء قبله يف مدينة السويداء‪ ،‬يف وقت‬ ‫يقول عنه متابعون ّأن النظام انهار‬ ‫بكافة املجاالت دون استطاعته أن يدخل‬ ‫حتّى يف مشاركة ّ‬ ‫القطاع الخاص بإقامة‬ ‫املشاريع االقتصاد ّية‪.‬‬ ‫إشغال حكومة النظام نفسها يف املشاريع‬ ‫السياح ّية موهمة املواطنني ّأن األزمة‬ ‫كام تصفها قد شارفت عىل االنتهاء ّ‬ ‫وأن‬ ‫ّ‬ ‫قطاع السياحة الب ّد من دعمه من أجل‬ ‫ضامن مستقبل جيد للبلد وغري ذلك‬ ‫من املصطلحات التجار ّية‪ ،‬ليس ّإل لعبا‬ ‫عىل الحبال يك يبقى التمثيل الصوري‬ ‫يخص‬ ‫للحكومة أمام مواطنيها فيام‬ ‫ّ‬ ‫تنفيذ الواجبات والتق ّيد بصنع مستقبل‬ ‫البالد وما إىل ذلك من مبادئ كتبت عىل‬ ‫الورق ال أكرث‪.‬‬ ‫ففي حلب صادقت وزارة السياحة‬ ‫التابعة للنظام عىل عقد استثامري يف‬ ‫املجال السياحي بكلفة وصلت إىل ثالثة‬ ‫مليارات لرية سورية مؤ ّكدة ّأن املرشوع‬ ‫سيتكون من فندق برجي من مستوى‬ ‫أربع نجوم سيستوعب أربعامئة رسير‬ ‫وفندق آخر سيستوعب ‪ 110‬أرسة‪.‬‬ ‫أتو ّقع ّأن السائحني سيقصدون حلب‬ ‫خاصة ّأن الفنادق اآلن‬ ‫بشكل كثيف ّ‬ ‫أصبحت أجرتها تفوق الـ ‪ 3‬آالف لرية‬ ‫سورية لليلة الواحدة مع حرص إدارة‬ ‫الفنادق عىل قطع املياه والكهرباء حتّى‬

‫مقاالت‬

‫مبراجعة الئحة طويلة لثورات البرش تاريخيا يتضح‬ ‫أن الحامل السيايس للثورة مل يكن مفصوال عنها‬ ‫كام هو الحال يف الثورة السورية‪ ،‬الئحة ال تنتهي‬ ‫للثورات يف املايض البعيد والحارض القريب‪ ،‬رشقا‬ ‫وغربا‪ ،‬شامال وجنوبا‪ ،‬ثورات العبيد‪ ،‬الفالحون ضد‬ ‫االقطاع‪ ،‬الثورات الربجوازية‪ ،‬انتفاضات العامل‪،‬‬ ‫ثورات تحرر العامل الثالث‪ ،‬ظهور األديان العظيمة‬ ‫ومآسيها‪ ،‬ثورات ضد االستبداد‪ ،‬األرجنتني وتشييل‬ ‫‪ ...‬الخ‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن نجاحها أو فشلها (مجموع هذه‬ ‫الثورات)‪ ،‬مل تعرف بأغلبيتها ما شهدته الثورة‬ ‫السورية ‪ 2011‬من انفصال حاد بني الناس املنتفضة‬ ‫وحاملها السيايس‪ ،‬بل أن األخري يف العام من تجربة‬ ‫البرش التاريخية بفعلها التغيريي كان ابن الناس‪ ،‬كان‬ ‫منهم وأمامهم بجدارة‪ ،‬ممتزجا معهم بدفع الثمن‬ ‫املطلوب للتغيري‪( ..‬سبارتكوس ورفاقه علقوا عىل‬ ‫صلبان أليام‪ ،‬غاندي واعتقاالته واغتياله يف النهاية‪،‬‬ ‫رموز كبرية للثورة الفرنسية‪ ،‬مثقفني كبار اعتقلوا‬ ‫وقتلوا‪ ،‬كرومويل الذي علقت جثته بعد نكش قربه‪،‬‬ ‫عمر املختار‪ ،‬ثائر اسكتلندا‪ ،‬صلب السيد املسيح‪،‬‬ ‫مثاين سنوات يف مكة للرسول وأصحابه من تنكيل‬ ‫وتعذيب)‪ ،‬وميكن إضافة صفحات عديدة‪ ،‬ثورات‬ ‫حاملها السيايس داخلها‪ ،‬رموزها أساطري دخلوا‬ ‫التاريخ من أوسع أبوابه‪ ،‬سياسيون نالوا واستحقوا‬ ‫االحرتام بكل جدارة‪.‬‬ ‫االحرتام (‪ ،)Respect‬هذه املفردة التي من الواجب‬ ‫أن تدخل القاموس الداليل التاريخي ملا لها من فعل‬ ‫وأثر أكرث منها صفة يستحق صاحبها التزين بها‪.‬‬ ‫فعل وتأثري عىل الناس املنتفضة الثائرة بالحفاظ‬ ‫عىل املبادئ التي ثاروا من أجلها‪ ،‬صامم األمان‬ ‫بأن ال انحراف عن املنظومة األخالقية للثورة نواة‬ ‫املستقبل‪ ،‬نخب قادرة عىل القيادة وتحصيل القرار‬ ‫السيايس الرضوري لنجاح التغيري‪ ،‬ليس املفتاح سوى‬ ‫أنها نالت االحرتام بدفع الثمن كام الناس أجمعني‪،‬‬ ‫وفعل وتأثري عىل الخارج‪ - ،‬صحيح أن املصالح هي‬ ‫اللغة األهم يف السياسات الدولية– لكن وكام يقول‬ ‫هيجل أن تكن كيانا جديرا باالحرتام فذلك له أثر‬ ‫ال يستهان به‪ ،‬أي أن الحامل السيايس للثورة عندما‬ ‫يستحق االحرتام قادر أن يكون ندا‪ ،‬أن يكون هامة‪،‬‬ ‫يحسب لها ألف حساب‪.‬‬ ‫يف سوريا وثورتها الكبرية وتضحياتها الجسيمة‪:‬‬ ‫‪ - 1‬أسس املجلس الوطني بعد ‪ 5000‬شهيد‬ ‫و‪ 30000‬مفقود‪ ،‬بعد نداءات استغاثة من الثورة‬ ‫للمعارضة بأن تتوحد وتنجز التمثيل السيايس‬ ‫للثورة‪ ،‬ثم االئتالف بعد أكرث من ‪ 30000‬شهيد‬

‫وأضعاف هذا العدد من املفقودين‪.‬‬ ‫‪ - 2‬كان الفصام حادا بني عذابات الناس (الجئو‬ ‫الزعرتي وعرسال‪ ،‬محارصو الغوطة والريموك‪،‬‬ ‫عرشات األالف من املعتقلني) وبني رغد العيش‬ ‫الذي ينعم به (الحامل السيايس)‪.‬‬ ‫‪ - 3‬شعورا منه بنقص فادح برشعيته يف متثيل الثورة‬ ‫(تلك الرشعية التي تنال كام نالها أساطري التاريخ‬ ‫عرب امتزاجهم بالناس)‪ ،‬بحث الحامل السيايس عن‬ ‫رشعية التمثيل بصناعة املخلوطة محاكياً النظام‬ ‫بذلك (عرشة سنة‪ ،‬و‪ 3‬علوية و‪ 6‬مسيحية و‪ 4‬دروز‬ ‫وكم حزب كردي وعشائر الجزيرة ووجهاء وووو‬ ‫وتيارات سياسية‪ ..‬الخ)‪ ،‬مخلوطة تحاول أن تسرت‬ ‫عدم األحقية‪ ،‬ثورة من أجل الكرامة تستحق متثيال‬ ‫جديرا باالحرتام‪.‬‬ ‫انتظرت الثورة السورية متثيلها السيايس بفارغ‬ ‫الصرب ووضعت الكثري من اآلمال عليه‪ ،‬كانت‬ ‫حمص الثائرة بكل أحيائها املنتفضة تقول “املجلس‬ ‫الوطني ميثلنا”‪ ،‬كذلك حوران والغوطة وريف‬ ‫حلب‪ ..‬الجميع اعتربها لحظة فاصلة وهي كذلك‪.‬‬ ‫سنسمح ألنفسنا بوضع سيناريو متخيل عىل‬ ‫مستوى التضحيات‪ ،‬أن يأيت املجلس الوطني‬ ‫بقياداته اىل باب عمرو أو إىل املناطق املحررة‬ ‫واملحارصة‪ ،‬يعيش مع الناس ويتأمل معهم (كام هي‬ ‫كل الثورات تاريخياً)‪ ،‬يشاركهم تظاهراتهم‪ ،‬وتشييع‬ ‫شهدائهم‪ ،‬ويسقط منه شهداء كام هو حال الثوار‬ ‫أنفسهم (املؤمتر الوطني االفريقي برئاسة نيلسون‬ ‫مانديال كان عىل استعداد ملواجهة أحكام االعدام‪،‬‬ ‫مانديال الذي حاز عىل احرتام شعبه والعامل بأرسه‬ ‫خرج من السجن اىل الرئاسة)‪ ،‬لكان نال املجلس‬ ‫الوطني احرتام شعبه واستحق ليس فقط التمثيل‬ ‫السيايس بل القيادة نفسها‪.‬‬ ‫ان وضعنا للمتخيل هو فقط لكشف فضيحة الواقع‪،‬‬ ‫فالذي حدث أن من يقدم التضحيات مل يستطع أن‬ ‫يقبل مجموعات فندقية تعرب عنه‪ ،‬العامل الخارجي‬ ‫الذي يراقب مأساة القرن الواحد والعرشين‪ ،‬اوروبا‬ ‫عىل االخص التي تعرف الثورات ومأساة التقدم‪،‬‬ ‫والتي دفعت أفظع االمثان ليك تصل اىل ما هي‬ ‫عليه‪ ،‬اوروبا التي تدرك جيداً ماذا يعني الزعيم‬ ‫السيايس يف عهد الثورة‪ ،‬اعتقد انها لن تنظر بعني‬ ‫االرتياح اىل مجلس مرتاح وشعبه يذبح (مع العلم‬ ‫ان لها شهداء صحفيني قدموا أرواحاً ودما ًء عىل‬ ‫األرض السورية)‪.‬‬ ‫االحرتام من الصفة اىل املفهمة‪ ،‬من التوصيف اىل‬ ‫معنى من معاين العقل‪ ،‬هكذا هو التاريخ‪ ،‬ال رشعية‬ ‫اال ملن هم جديرين باالحرتام‪.‬‬

‫مشاريع النظام‬ ‫السياحية على وقع‬ ‫المعارك!‬


‫اإلسالميين من الغرب‬ ‫حول موقف‬ ‫ّ‬ ‫‪10‬‬

‫)‪(2‬‬

‫د‪ .‬عماد العبار‬

‫العدد ‪2015 / 8 / 2 - 53 -‬‬

‫يف مادّة سابقة يل ُنرشت يف العدد األخري من مج ّلة‬ ‫“طلعنا عالحر ّية” بعنوان “املوقف من الغرب بني‬ ‫اإلسالميني والعلامنيني”‪ ،‬قمت بتصنيف املوقف‬ ‫من الغرب ضمن ثالثة محاور‪ :‬موقف العلامن ّيني‪،‬‬ ‫واملوقف اإلسالمي املتشدّد‪ ،‬واملوقف اإلسالمي‬ ‫املعتدل‪ ..‬وقد ُأخذ عىل املقال الوقوع يف التعميم‬ ‫من جهة‪ ،‬وتزكية املوقف املتشدّد من جهة‬ ‫أخرى‪..‬‬ ‫أ ّما تزكية املوقف املتشدّد فهذا مل يحدث‪،‬‬ ‫فاملقصود من الكالم كان اإلشادة بوضوح عموم‬ ‫الت ّيار املتشدّد وانسجامه مع نسقه الفكري يف‬ ‫موقفه املتشنّج من الغرب‪ .‬وهذا ما يجعل عمل ّية‬ ‫نقده وتبيان العيوب يف مواقفه وتص ّوراته أسهل‬ ‫تبي مشاكل خصومه‪ ..‬ولألمانة‪،‬‬ ‫بكثري من مه ّمة ّ‬ ‫ّ‬ ‫فإن هذا الت ّيار حصل عىل النصيب األكرب من‬ ‫النقد ومن جميع األطراف‪ ،‬وجرى تحميله‬ ‫مسؤولية الفشل الحضاري‪ ،‬وهو يتح ّمل مسؤولية‬ ‫كبرية فيه بطبيعة الحال‪ ،‬بينام مل ينل خصومه‬ ‫معشار النقد الذي طاله يف العقود األخرية‪ ،‬وهم‬ ‫يتح ّملون مسؤول ّية كبرية أيضاً عىل صعيد الفشل‬ ‫الذي نعاين منه جميعاً‪..‬‬ ‫أ ّما املأخذ اآلخر عىل املقال‪ ،‬والخاص بتعميم‬ ‫االنتقائ ّية يف اختيار النصوص متاشياً مع الذائقة‬ ‫ٌ‬ ‫مأخذ‬ ‫الحضارية للغرب عند ت ّيار االعتدال فهو‬ ‫محقٌّ متاماً‪ .‬وعىل سبيل الد ّقة‪ ،‬علينا أن نق ّر بدايةً‬ ‫بأنه ال وجود ملا يس ّمى ت ّيار اعتدال أو ت ّيار تشدّد‪،‬‬ ‫وإمنا املوجود عىل الساحة الفكرية مدارس فكر ّية‬ ‫متداخلة فيام بينها‪ ،‬فهناك مدرستان عىل طريف‬ ‫نقيض هام‪ :‬مدرسة السلفية الجهادية ومدرسة‬ ‫الال عنف‪ ،‬وبينهام مدارس متن ّوعة تتقاطع‬ ‫معهام‪ ،‬كالسلفية التقليد ّية واإلخوان املسلمون‬ ‫واملدارس الصوف ّية‪ ..‬وت ّيار التد ّين الشعبي العام‬ ‫الذي يتداخل بدوره مع ما سبق ذكره من مدارس‬

‫‪ ...‬تتمة من الصفحة ‪9‬‬

‫وتيارات‪ ..‬وال ّ‬ ‫شك أن من بني أصحاب الفكر‬ ‫النص‬ ‫املعتدل من ال ميارس االنتقائ ّية (يف قراءة ّ‬ ‫يتقصد هذه االنتقائ ّية عىل أقل‬ ‫والتاريخ) أو ال ّ‬ ‫تقدير‪ .‬ومن بني املحسوبني عىل التشدّد الديني‬ ‫من ال يعاين تشنّجاً مطلقاً تجاه كل ما يصدر عن‬ ‫الغرب‪..‬‬ ‫إذاً ال يوجد ت ّيار اعتدال بحدود واضحة ومجمع‬ ‫عليها بني من يصنّفون أنفسهم باملعتدلني‪.‬‬ ‫يخص جزئ ّية املوقف من الغرب‬ ‫لكنّني‪ ،‬وفيام ّ‬ ‫تحديداً‪ ،‬وجدت ّأن أصحاب االنتقائ ّية يف قراءة‬ ‫تاريخ الغرب‪ ،‬والداعني إىل الرتكيز عىل الجوانب‬ ‫اإليجاب ّية يف هذا التاريخ‪ ،‬ينسبون أنفسهم إىل‬ ‫ت ّيار االعتدال الديني الداعي إىل مواكبة العرص‬ ‫ونبذ التط ّرف وإعادة قراءة اإلسالم قراءة عرص ّية‪.‬‬ ‫واملالحظ أيضاً ّأن غالب ّية طروحات هذه الفئة‬ ‫تنضوي عىل جلد الذات وعدم الرتكيز عىل‬ ‫الجوانب اإليجاب ّية التي ميكن البناء عليها يف‬ ‫ثقافتنا‪ ،‬وابتعادهم عن املفاهيم الدين ّية التي‬ ‫تتصادم مع بعض قيم الغرب والتقليل من‬ ‫أهم ّيتها‪ ،‬واالنسياق مع وجهات النظر الغرب ّية‬ ‫وتص ّوراته للحياة والتاريخ‪ ..‬ليس املقصود إذاً‬ ‫باالنتقائيني عموم املعتدلني‪ ،‬بل فئة منهم‪،‬‬ ‫والهدف األول من هذه املقاربة هو الحث عىل‬ ‫إعادة التفكري ببعض الثغرات التي يعاين منها‬ ‫فكر االعتدال‪ ،‬أو بعض النواحي التي مل يتم‬ ‫االشتغال عليها ثقاف ّياً‪ّ ،‬‬ ‫مم يفسح املجال لنشوء‬ ‫هذه النظريات الشا ّذة من رحم االعتدال نفسه‪..‬‬ ‫ُيفرتض تطبيق املنهج ّية ذاتها عىل الفكر السلفي‬ ‫لتحديد الثغرات التي يبني عليها فكر التط ّرف‬ ‫أساس ّياته النظرية‪ ..‬فمنهج التطرف الفكري واحد‬ ‫يف كال الحالتني‪ ،‬مع االختالف يف النتائج‪..‬‬ ‫تجمعني بأصحاب الفكر املعتدل قرابة فكر ّية‬ ‫قامئة عىل الكثري من األسس املشرتكة‪ ،‬بعكس‬

‫مقاالت‬

‫يعايش النزالء يف الفندق أجواء التخييم‪ ،‬فقد ّ‬ ‫مل أبناء حلب من الرتف‬ ‫ّ‬ ‫الحاصل يف مناطقهم ويحتاجون لفنادق توقظهم كل صباح عىل أصوات‬ ‫القصف واألعرية النار ّية‪.‬‬ ‫وال نستبعد عىل سبيل الفكاهة أن تكون الفنادق يف حلب هي األوىل من‬ ‫نوعها يف العامل التي تقدّم خدمة جل ّية للنزالء وهي معايشة أفالم األكشن‬ ‫بشكل يومي‪.‬‬ ‫بتقدير أيّ متابع للواقع السوري وباألخص ما يجري يف حلب مؤخراً سريى‬ ‫تغي من الحال وال تؤ ّثر فيه سوى‬ ‫السخافة واضحة يف هذه القرارات التي ال ّ‬ ‫التأ ّكد من ّأن النظام يف وا ٍد يشارك مؤ ّيديه املشاريع الوهم ّية والواقع يف وا ٍد‬ ‫آخر ينقل التطورات امليدان ّية الحاصلة ّ‬ ‫كل يوم‪.‬‬ ‫ففي الوقت الذي تنشغل فيه حكومة األسد بإقرار املشاريع السياح ّية‬

‫أصحاب الخطابات املغلقة التي يكاد ال يجمعني‬ ‫معها يشء‪ ،‬لذلك أجد نفيس معن ّياً بالحديث عن‬ ‫اختاليف مع كثري من املعتدلني حول املوقف من‬ ‫الغرب‪ ،‬فبعض الطروحات‪ ،‬كام سبق وذكرت‪،‬‬ ‫أصبحت أقرب إىل جعل القيمة الغرب ّية سقفاً‬ ‫أخالق ّياً‪ ،‬ومعياراً يقاس عليه الجميل والقبيح‪،‬‬ ‫والسلبي واإليجايب‪ ،‬والتقدّم والتقهقر‪ ..‬وبعض‬ ‫قراءاتهم للنص القرآين وللتاريخ اإلسالمي باتت‪،‬‬ ‫من حيث ال يدري أصحابها‪ ،‬جزءاً من تص ّورات‬ ‫الغرب عنّا‪ ،‬وعن عاملنا‪..‬‬ ‫تتح ّمل النخب واملرجع ّيات املعتدلة جزءاً كبرياً‬ ‫من املسؤول ّية يف هذه الحالة من الشطط وضياع‬ ‫الهو ّية الفكر ّية عند بعض الذين ينسبون أنفسهم‬ ‫إىل ت ّيار االعتدال‪ ،‬رمبا بنفس درجة املسؤول ّية التي‬ ‫يتح ّملها مراجع السلف ّية العلم ّية والتقليد ّية تجاه‬ ‫الذين ذهبوا با ّتجاه السلف ّية الجهاد ّية املتشدّدة‬ ‫وخاص جداً لتجربة‬ ‫فهم ض ّيق‬ ‫ٍّ‬ ‫انطالقاً من ٍ‬ ‫السلف‪ ..‬املسؤول ّية هنا تكمن يف عدم االنتباه إىل‬ ‫رضورة متابعة النامذج الفكر ّية الناشئة عن كل‬ ‫موسع‬ ‫مدرسة‪ ،‬أو رضورة فتح نقاش مقاصدي ّ‬ ‫ومتجدّد مع أصحاب الطروحات الجديدة التي‬ ‫تنسب نفسها إىل كل مدرسة‪ّ ،‬‬ ‫مم جعل كثرياً من‬ ‫األفكار تخرج عن الخطوط القرآن ّية الرئيس ّية التي‬ ‫يقوم عليها هذا الفكر‪..‬‬ ‫ّإن ظهور األفكار والتص ّورات الغريبة هو نتيجة‬ ‫حتم ّية للتالقح ما بني األفكار العا ّمة لكل مدرسة‬ ‫فكر ّية مع الواقع‪ ،‬وال ّ‬ ‫أشك ّ‬ ‫بأن مسؤول ّية التفاعل‬ ‫مع هذه التص ّورات ومواجهتها فكرياً تقع عىل‬ ‫عاتق النخب الفكر ّية لكل مدرسة‪ ،‬وهو نوع من‬ ‫أشك أيضاً‬ ‫مواجهة التحديات الفكر ّية املعارصة‪ ..‬وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫بأن التقصري والسلب ّية يف التعاطي مع األمر سيأيت‬ ‫بعواقب غري إيجاب ّية‪ ،‬ليس أخطرها أن ُتحسب التصورات‬ ‫الشا ّذة عىل األفكار األصل ّية واألصيلة ّ‬ ‫لكل مدرسة‪..‬‬

‫يتقدّم أبطال حلب ويسيطرون عىل مبنى البحوث العلم ّية وقبلها عىل‬ ‫حي الراشدين ليصبحوا يف حي جمعية الزهراء‪ ،‬هذا الدليل القاطع‬ ‫عىل ّأن النظام مل يبق له ق ّوة عىل األرض لذا يشغل متابعيه بالقرارات‬ ‫الوهم ّية التي تعطيهم عىل األقل قدراً من االهتامم من قبل املؤيدين له‪.‬‬ ‫وليك نتأ ّكد أكرث من ن ّية حكومة النظام يف إعامر البلد نراها توافق عىل‬ ‫مشاريع استثامرية يف السويداء‪ ،‬ففي بدايات الشهر املنرصم قام منتدى‬ ‫رابطة املحاربني القدماء بالسويداء بافتتاح مرشوع استثامري تصل كلفته‬ ‫إىل ‪ 180‬مليون ل‪.‬س وسيؤ ّمن خمسني فرصة عمل قد تنجي السويداء‬ ‫من كارثة البطالة!‬ ‫والله أعلم ماذا تخبئ أيضاً وزارة السياحة يف الفرتات القادمة فقد يكون‬ ‫لديها مرشوع لبناء املنتجعات السياح ّية لتناسب املقاتلني الوافدين من‬ ‫إيران ولبنان وقت راحتهم سيام ّأن إقامتهم تبدو طويلة األمد‪.‬‬


‫أوباما‬ ‫وشوايا الرقة‬ ‫عدي الزعبي‬

‫د‪ .‬أوس المبارك‬

‫العدد ‪- 53 -‬‬ ‫‪2015 / 8 / 2‬‬

‫يف وقت تشهد فيه املجتمعات السورية تحوالت كبرية يف سياساتها‬ ‫وعالقاتها وتفاعلها فيام بينها‪ ،‬وينخرط فيه السوريون ألول مرة‬ ‫يف شأنهم العام‪ ،‬ويشكلون كت ًال وجهات سياسية ومنظامت‬ ‫مجتمع مدين‪ ،‬ويعيدون تنظيم أنفسهم مبا يجدونه مالمئاً لهم‪،‬‬ ‫داخل سوريا وخارجها‪ ،‬تندر الدراسات واألبحاث التي تستقيص‬ ‫تلك التحوالت والتجارب وتقوم بتحليلها ومقاربتها معرفياً‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫وجل تلك األبحاث القليلة يتم خارج سوريا‪ .‬ولذلك أسباب‬ ‫ومربرات أهمها وطأة الحرب الدائرة التي تجعل أي عمل بحثي‬ ‫ومعريف تتم محاولة إنجازه يف الداخل محض ترف بني القصف‬ ‫والجوع واملوت املحيط‪ ،‬والخوف من اعتبار مثل هكذا أعامل‪،‬‬ ‫ضمن الحرب‪ ،‬لها أهداف استخباراتية‪ ،‬سواء يف مناطق سيطرة‬ ‫النظام أو الخارجة عن سيطرته‪.‬‬ ‫ففي املناطق األخرية‪ ،‬تشكل دراسة التشكيالت العسكرية‬ ‫املقاتلة ضد نظام األسد من حيث تكويناتها االجتامعية وعالقاتها‬ ‫السياسية وإيديولوجياتها وسريوراتها‪ ،‬أخطر ما ميكن أن يتم من‬ ‫أبحاث من ناحية األمان الشخيص لفريق الباحثني‪ .‬رغم أنها قد ال‬ ‫تكون أهم ما ميكن إنجازه‪ .‬وتكاد جميع األبحاث املكتوبة حول‬ ‫الشق العسكري قد تم إنجازها عىل بعد ومعتمدة بشكل أسايس‬ ‫عىل ما يتم نرشه إعالمياً من وثائق أو بيانات أو ترصيحات أو‬ ‫أخبار‪ .‬وتكاد تغيب األبعاد االجتامعية واملعلومات غري املنشورة‬ ‫عن تلك األبحاث‪.‬‬ ‫لكن ال يقترص الخطر والخوف عىل الشق العسكري فحسب‪ ،‬فال‬ ‫ميكن إجراء بحوث تخص الجوانب املدنية والسياسية بسهولة‪.‬‬ ‫فالتوجس أوالً من أذرع النظام وثانياً من استخبارات الدول‬ ‫العظمى التي يكنُّ لها السكان العداء بعد أن أيقنوا أنها ال تهتم‬ ‫بإنهاء مأساتهم‪ ،‬يطغى عىل أي تفهم لرضورة هكذا أبحاث من‬ ‫أجل السوريني أنفسهم‪ .‬واملثري للسخرية من هذا الجانب أن تلك‬ ‫االستخبارات تعرف عن السوريني أكرث مام يعرفونه عن أنفسهم‪.‬‬ ‫وتقوم بإجراء الدراسات غري املعلنة عرب وسائل بحث وتجسس‪،‬‬ ‫مبارشة وغري مبارشة‪ ،‬تجعلهم َيخلصون عرب أدواتهم الثقافية‬ ‫واملعرفية إىل تحليالت ونتائج ومقاربات يبنون عليها سياساتهم‪.‬‬ ‫مرة قال يل صديقي‪ :‬يف وقت تنترش فيه مراكز األبحاث يف الدول‬ ‫الغربية لتدرس كل يشء‪ ،‬لدرجة أنني ال أستغرب أن أجد مث ًال‬ ‫بحثاً عن طرائق زرع البطاطا يف أملانيا يف القرن السادس عرش‪،‬‬ ‫نخاف نحن من إحصاء عدد كباسات (آبار) املياه املحفورة حديثاً‬ ‫يف غوطة دمشق الرشقية وخريطة توزعها‪.‬‬ ‫إن األبحاث والدراسات هي حاجة للسوريني أوالً‪ .‬ويجب أن يتم‬ ‫إنجاز الكثري منها بتواجد الباحثني ضمن أماكن تواجد موادها‪،‬‬ ‫وتدريب الناشطني املهتمني عىل القيام بها‪ ،‬بالتعاون مع باحثني‬ ‫متخصصني يعيشون خارج سوريا إن لزم األمر‪ .‬وتحضري أنفسهم‬ ‫إلقناع الفئات املستهدفة بأهمية ما يقومون به‪ .‬ليك يكون لدى‬ ‫السوريني ما يعرفونه عن أنفسهم وما يساعدهم عىل إدارة‬ ‫شؤونهم وامتالكهم أمرهم‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫مقاالت‬

‫تنترش بني املعارضني السوريني عادة االستهزاء بأوباما‪ ،‬من نعته بالضعيف‪،‬‬ ‫إىل األخرق‪ ،‬وحتى يف صفاقة ال حدود لها‪ ،‬يش ّهرون بكونه أسود‪ ،‬وأن ضعفه‬ ‫املفرتض نابع من لون برشته‪ .‬سخر هؤالء املعارضون أنفسهم من األخبار القائلة‬ ‫ووجهوا أقذع الشتائم للزمن‬ ‫بأن الصومال ستفرض فيزة دخول عىل السوريني‪ّ ،‬‬ ‫الذي جعل بائعي املوز يتطاولون علينا فيه‪ .‬العنرصية املوجهة ضد السود يف‬ ‫القارة السمراء كانت وما زالت واضحة بشكل ال لبس فيه‪ .‬يف دمشق‪ ،‬حيث‬ ‫انترشت عادة استقدام الخادمات األجنبيات قبل الثورة‪ ،‬أصبحت الطبقات العليا‬ ‫والوسطى متارس العنرصية مبقدار يكاد يقرتب من املقدار املوجود يف الخليج‬ ‫العريب ولبنان الشقيق‪.‬‬ ‫العنرصية تنترش أيضاً ضد أبناء الخليج العريب‪ ،‬خصوصاً بني أتباع النظام‪ .‬مفردة‬ ‫“عربان” التي يستخدمها النظام بشكل تحقريي تعكس حقداً عىل أبناء الخليج‬ ‫مجتمعني‪ .‬يغ ّذي النظام النزعات االستعالئية املوجودة سلفاً عند السوريني‪،‬‬ ‫ويستثمر فيها لتربير موقفه املتصدي لغزو “الربابرة” القادمني من جهات األرض‬ ‫األربع للنيل من سوريا “املامنعة والصمود”‪ .‬بعض مريدي التيار الثالث وهيئة‬ ‫التنسيق‪ ،‬وحتى بعض املعارضني الراديكاليني لنظام األسد‪ ،‬يستخدمون نفس‬ ‫املصطلحات التحقريية بحق شعوب الخليج العريب‪ ،‬وبأسلوب ممتلئ بالعجرفة‪.‬‬ ‫أسوأ أنواع العنرصية‪ ،‬بالطبع‪ ،‬هي تلك التي تنترش بني السوريني أنفسهم‪ .‬طبقات‬ ‫وأنواع مختلفة ومتعددة من العنرصية تتزاحم يف أذهان السوريني ويف مامرساتهم‬ ‫اليومية‪ ،‬ابتدا ًء من عنجهية املدن الكربى كدمشق وحلب وحمص‪ ،‬إىل عجرفة‬ ‫العائالت العريقة والعشائر الكبرية‪ ،‬وانتها ًء باملفاضلة بني الطوائف املختلفة‬ ‫واملناطق املتعددة‪ .‬ضحية العنرصية األكرب هم الشوايا‪ .‬يف دمشق‪ ،‬يستخدم لفظ‬ ‫“شاوي” بصيغة تحقريية تشري إىل كل من هو متخلف وفقري وقذر‪ .‬أضف إىل كل‬ ‫ذلك‪ ،‬مفهوم “البيئة الحاضنة”‪ ،‬الذي يربر للنظام تدمري كافة املناطق التي تخرج‬ ‫عن سيطرته‪ .‬يستطيع املرء ترجمة “البيئة الحاضنة” إىل األرياف السنية الفقرية‪.‬‬ ‫ومبا أن داعش استولت عىل الرقة‪ ،‬أصبحت الرقة هي “البيئة الحاضنة” بامتياز‪.‬‬ ‫عادت العنرصية لالنتشار بقوة مع دخول القوات الكردية إىل تل أبيض وما حولها‪،‬‬ ‫وتبادل العرب واألكراد أبشع أنواع االتهامات العنرصية املقززة‪ .‬ردّد بعض األكراد‬ ‫مقولة البيئة الحاضنة التي أرساها النظام‪ .‬عاىن أهل الرقة من رضبات النظام‬ ‫وقوى التحالف الدويل واحتالل قوات داعش ملدينتهم‪ ،‬ويف النهاية من تجاوزات‬ ‫القوات الكردية املتكررة‪ .‬يف حني ردد بعض العرب التشنيع والتخوين بحق األكراد‬ ‫جميعاً‪.‬‬ ‫الكثري من السوريني‪ ،‬ضحايا املأساة اإلنسانية األكرب يف القرن الحادي والعرشين‪،‬‬ ‫عنرصيون حتى النخاع‪ .‬باإلضافة إىل ما سبق‪ ،‬هناك أشكال أخرى من العنرصية‪:‬‬ ‫منها تلك التي تنترش بني السوريني يف الخليج ضد العامل اآلسيويني واألفارقة؛‬ ‫والعنرصية ضد العرب واملسلمني واملهاجرين اآلخرين التي تنترش بني السوريني يف‬ ‫أوروبا‪ ،‬يف محاولة لتمييز أنفسهم عن املهاجرين األفقر واألكرث تعرضاً لالضطهاد‪.‬‬ ‫الحرية تقتيض أن يتحرر اإلنسان من أوهام التفوق العرقي والديني والطائفي‬ ‫بكافة أشكاله‪ .‬فقط عندما نرى يف كل فرد مثاالً إلنسانية مكتملة‪ ،‬ال يتميز يف‬ ‫الجوهر اإلنساين سلباً أو إيجاباً عن أي فرد يف أي جامعة برشية أخرى‪ ،‬سنتحرر‬ ‫من صور متخيلة عن عامل تتقاسمه جامعات برشية تتفاضل بالجوهر يف خصائص‬ ‫أخالقية ثابتة ونهائية‪.‬‬ ‫هذه هي الثورة التي مل تنترص بعد‪ ،‬أيضاً‪.‬‬

‫الدراسات لنا!‬


‫جديدة عرطوز ‪ -‬فلسفة المجزرة‬ ‫‪12‬‬

‫زياد ابراهيم‬

‫العدد ‪- 53 -‬‬ ‫‪2015 / 8 / 2‬‬

‫تقارير‬

‫ال زال ذلك اليوم ينسج يف املخيلة تفاصي ًال مرعبة‬ ‫ليحيك منها ذكرى يزيد أساها كلام مر عام عىل‬ ‫مجزرة من أبشع املجازر التي اقرتفها النظام‬ ‫السوري بحق االنسان واإلنسانية‪.‬‬ ‫يبدو تعبري “من ابشع املجازر” تعبريا ال منطقيا‬ ‫فهو يحيل اىل مقارنة بني مجزرة بشعة وأخرى‬ ‫جميلة أو أقل بشاعة‪ ,‬لكنه يف الحقيقة تعبري‬ ‫يعتمد بوصف البشاعة عىل أضافة خسائر املجزرة‬ ‫املوصوفة اىل خسائر سابقة حدثت يف مجازر‬ ‫أخرى فعندما تخرس “ابراهيم” يف مجزرة فهي‬ ‫ستكون من أبشع املجازر ألنك سبق وأن خرست‬ ‫“جهاد” يف مجزرة سابقة والحال االن وكأنك‬ ‫خرست “إبراهيم وجهاد” يف مجزرة واحدة‪ ,‬اذا‬ ‫فهي من أبشع املجازر‪ ,‬ولذلك ميكن أن نوصف‬ ‫كل مجزرة حدثت يف األعوام السابقة بأنها أبشع‬ ‫من التي قبلها ألننا يف كل مجزرة يجب أن نعد‬ ‫كم “إبراهيم وجهاد وعامر ومحمود و ‪ ”...‬خرسنا‬ ‫قبل تلك املجزرة‪.‬‬ ‫نعم حدثت املجزرة يف األول من أب ‪ 2012‬يف‬ ‫تلك البلدة الثائرة الغافية عىل طريق القنيطرة‬ ‫واملجاورة لبلدات أعلنت موقفها بكل وضوح‬ ‫من ثورة السوريني منذ البداية (داريا – معضمية‬ ‫الشام – جديدة الفضل) وار ُتكبت فيها املجازر‬ ‫فيام بعد كتتمة لتجربة املجزرة التي حدثت يف‬ ‫جديدة عرطوز وراح ضحيتها أربعة وخمسون‬ ‫شهيدا بطرق مختلفة من القتل (سحل يف‬ ‫الطرقات – اعدام ميداين جامعي ‪.)...‬‬ ‫واالن يف الذكرى السنوية الثالثة للمجزرة باتت‬ ‫فلسفة النظام واضحة يف استخدام هذا السالح‬ ‫املخيف مبكرا عىل هذه البلدة خاصة وأنه ميكننا‬ ‫اعتبار هذه املجزرة ملخصاً لفلسفته يف القضاء‬ ‫عىل الثورة يف كل سوريا إذا ما اعتربنا هذه البلدة‬ ‫الصغرية صورة مختزلة عن سوريا الكبرية‪.‬‬ ‫ليست مصادفة أن يرتكب النظام مجزرته يف‬ ‫األول من أب وهو التاريخ املعتمد لعيد “الجيش‬ ‫العريب السوري” ومراده من ذلك أن يقحم‬ ‫الجيش يف وجه الثوار ليفشل كل ما فعلوه من‬ ‫محاوالت الجتذاب عنارص الجيش وتحريضهم‬ ‫عىل االنشقاق الذي وصل يف تلك الفرتة اىل مرحلة‬ ‫مقلقة لرأس النظام بعدما بدأت تأثرياته تلقي‬ ‫بثقلها عىل عديد الجيش فكان ال بد من توجيه‬

‫رسالة حازمة اىل الثوار والجيش يف آن معاً‪.‬‬ ‫سبق املجزرة عمليات اغتيال واسعة من قبل‬ ‫عنارص الجيش الحر لعدد كبري من ضباط وعنارص‬ ‫االمن والشبيحة املتورطني بشكل مبارش يف دماء‬ ‫السوريني خاصة وان هذه البلدة ُتعد بنك أهداف‬ ‫كبري ألنها تأوي عدداً كبرياً جداً من ضباط النظام‬ ‫وعنارص أمنه وشبيحته حيث كانت اخر عملية‬ ‫اغتيال جرت يف البلدة قبل املجزرة بسبعة أيام‬

‫األمر الذي أزعج النظام الذي يعترب النشاط املدين‬ ‫واألهيل هو العدو األول له فكانت املجزرة هي‬ ‫أحد حلوله للقضاء عىل أي رشعية جمعية تتحقق‬ ‫بني الناس بعيدا عن سلطته‪.‬‬ ‫تنظيم املظاهرات يف البلدة ورفع الشعارات‬ ‫الوطنية وصل آنذاك اىل أكرب زخم له فكانت‬ ‫البلدة تسهر يف كل ليلة عىل هتافات أبنائها‬ ‫التي تردد صدى هتافات درعا وحمص وحامة‬

‫بحق ضابط برتبة عميد‪ ,‬حدث ذلك بالقرب‬ ‫من مسجد أيب ذر الغفاري وبقيت جثة الضابط‬ ‫ومرافقيه لساعات يف الشارع دخلت بعدها قوات‬ ‫النظام اىل البلدة بدبابتني وعرشات العنارص‬ ‫من الجيش باإلضافة اىل حوامة بدأت بالتحليق‬ ‫يف سامء البلدة ثم قاموا بسحب جثة الضابط‬ ‫“املهم” بعد ان تركوا مرافقيه القتىل لساعات‬ ‫أخرى يف وسط الشارع تحت أنظار مؤيدي النظام‪.‬‬ ‫هذه الحادثة شكلت سببا مبارشاً الرتكاب املجزرة‬ ‫بحق أهايل البلدة بعد أن عجز النظام عن معرفة‬ ‫ومالحقة عنارص الجيش الحر الذين كبدوه‬ ‫الخسائر الفادحة‪ ،‬فعمل عىل معاقبة حاضنتهم‬ ‫الشعبية كام فعل يف كل بقاع سوريا معربا عن‬ ‫عجزه برضب املدنيني بإيهام مؤيديه بأنه قىض‬ ‫عىل “االرهابيني”‪.‬‬ ‫قدمت البلدة أيضا قبل املجزرة منوذجا رائعا يف‬ ‫استقبال العائالت املهجرة من املناطق املدمرة‬ ‫وباألخص مدينة حمص حيث استقبل أهايل‬ ‫البلدة املئات من العائالت املهجرة واستضافوهم‬ ‫يف املنازل وقدموا لهم الخدمات بكافة أشكالها‬

‫إضافة اىل الخدمات الطبية التي كان يقدمها‬ ‫الكادر الطبي يف البلدة والذي وصلت خدماته اىل‬ ‫املناطق املجاورة لتأمني صمود الثوار يف وجه الة‬ ‫القمع‪ .‬هذا الزخم الثوري كان ال بد للنظام أن‬ ‫يتلقفه بحذر شديد ومل يكن لديه سوى املجزرة‬

‫فهي الحل الوحيد برأيه للقضاء عىل كل من يقول ال‪.‬‬

‫عدا عن شهداء البلدة استشهد يف املجزرة أيضا‬ ‫شهداء من جديدة الفضل ومعضمية الشام‬ ‫وحمص وحامة ودرعا لتكون هذه البلدة وبحق‬ ‫صورة مصغرة عن سوريا النازفة التي امتزجت‬ ‫دماء أبناءها برتابها يف كل بقعة من بقاع جغرافيتها‬ ‫بعد ان امتزجت امالهم يف صناعة تاريخها‪.‬‬ ‫بني التاريخ والجغرافية ستبقى مجزرة جديدة‬ ‫عرطوز رمزا من رموز العزة لثورة الحرية والكرامة‬ ‫ورمزا من رموز العار للطاغية ونظامه‪ .‬وحني يذكر‬ ‫السوريون اليوم تشييع شهدائهم يف هذه املجزرة‬ ‫فان تلك الوجوه الغاضبة وان مر عليها التاريخ‬ ‫الطويل ستعود اىل جغرافيتها لتبني الحلم فيها‬ ‫وت ّكرم كل قطرة دم سالت من شهيد عىل هذا‬ ‫الرتاب‪.‬‬


‫عن األقليات والتطييف والثورة‬ ‫علي العبد اهلل‬

‫العدد ‪- 53 -‬‬ ‫‪2015 / 8 / 2‬‬

‫مقاالت‬

‫ما فتئت قضية األقليات يف سوريا تثري جدالً واس ًعا‬ ‫بني القوى السياسية واالجتامعية يف ضوء الثورة‬ ‫الشعبية والتغيري القادم‪ ،‬وهل سيكون يف صالح‬ ‫تعميق التعايش االجتامعي واالندماج الوطني أم‬ ‫سيكون بوابة ألزمات ورصاعات دينية ومذهبية‬ ‫وقومية‪ ،‬وانعكاسه عىل هذه األقليات وعىل‬ ‫مستقبلها‪ ،‬خاصة أن هناك من ينفخ يف الرماد‪ ،‬كام‬ ‫يقال‪ ،‬مثل جبهة السلطة االستبدادية التي تسعى‬ ‫إىل تضخيم الهواجس واملخاوف وتصب الزيت عىل‬ ‫النار بإثارة التوترات بني مكونات الشعب السوري‬ ‫عىل أمل التشكيك باملستقبل الذي تبرش به‬ ‫الثورة‪ ،‬والتأثري عىل موقف األقليات والقوى التي‬ ‫تدعي حاميتها من الثورة‪ ،‬أو جبهة بعض القوى‬ ‫الدولية التي تبحث عن موضع قدم يف سوريا ما‬ ‫بعد نظام األسد عرب بوابة حامية األقليات من‬ ‫األكرثية الصاعدة عىل خلفية الهواجس واملخاوف‬ ‫التي أطلقتها بعض الظواهر السلبية التي نبتت‬ ‫عىل سطح الثورة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تاريخا وأبعادًا مركبة‬ ‫واقع الحال أن للقضية‬ ‫ومتشابكة ومعقدة؛ فالعامل اإلسالمي الذي تكونت‬ ‫فيه الشخصية السورية كان وما زال محكو ًما‬ ‫بالثقافة اإلسالمية مبكوناتها الثالثة‪ :‬العقيدة‬ ‫الدينية‪ ،‬الفقه اإلسالمي‪ ،‬التجربة التاريخية‪،‬‬ ‫ومع أن هذه املكونات تتطابق يف مرحلة‬ ‫وتتاميز وتتباين إىل حد التناقض يف أخرى‪ ،‬فقد‬ ‫ظلت تتمتع لدى غالبية العرب املسلمني السنَّة‬ ‫بالقداسة باعتبارها اإلسالم‪ ،‬إنها بالنسبة لهم ٌّ‬ ‫كل‬ ‫موحد ومتجانس ومتسق‪ ،‬وهذا ك َّرسها فكرة‬ ‫مقياسا ثابتًا لسلوكهم‬ ‫حافزة الستجاباتهم وجعلها‬ ‫ً‬ ‫ورد فعلهم عىل األحداث واملتغريات‪ ،‬أو بتعبري‬ ‫“مقياسا للعدالة واإلنسانية والحكم‬ ‫غراهام فولر‬ ‫ً‬ ‫الصالح ومحاربة الفساد” (الرشق األوسط‪/24/9 :‬‬ ‫‪.)2001‬‬ ‫يف هذا الفضاء وتحت هذا السقف ُط ِرحت‬ ‫اجتهادات‪ ،‬ونشأت مذاهب فقهية تحولت‪ ،‬مع‬ ‫مرور الوقت‪ ،‬إىل طوائف دينية‪ ،‬طائفة كبرية‪،‬‬ ‫أهل السنّة والجامعة أو السنّة‪ ،‬وطوائف أصغر‪،‬‬ ‫ليست متساوية يف الحجم‪ :‬شيعة‪ ،‬علويني‪ ،‬دروز‪،‬‬ ‫إسامعيليني‪ ....‬إلخ‪ ،‬ترتب عىل مواقفها من بعضها‪،‬‬ ‫ومن األحداث‪ ،‬قيام أحزاب سياسية‪ ،‬باملعنى الذي‬ ‫أخذته الكلمة يف الحضارة اإلسالمية أي الوالء‬ ‫لشخص أو فكرة‪ ،‬وانفجار رصاعات عنيفة ودامية‪،‬‬ ‫عمقت الخالفات الفقهية‪/‬الطائفية‪ ،‬وكرست‬ ‫َّ‬

‫انقسامات أفقية وعمودية يف االجتامع اإلسالمي‪،‬‬ ‫كل هذا أفرز قراءات مختلفة ومتناقضة ألحداث‬ ‫التاريخ وتداعياتها‪ :‬روايات‪ ،‬وأحكام دينية‬ ‫وأخالقية‪ ،‬مشاعر وعواطف متضاربة وأحقاد‬ ‫وعداوات‪ ،‬بقيت سارية يف ثنايا التاريخ اإلسالمي‪،‬‬ ‫يضاف إليها يف كل جيل تفصيل جديد أو رواية‬ ‫جديدة مشوهة لحدث قديم‪ .‬تراكامت متواترة‬ ‫بحيث غدا لدى كل منها رواية خاصة بها عن‬ ‫املذاهب والطوائف األخرى ُتشيطنها‪ ،‬وتجعلها يف‬ ‫موقع الخارج عىل العقيدة‪ ،‬وأس الفساد والسبب‬ ‫املبارش لكل املشكالت والرصاعات واألخطاء التي‬ ‫شهدها التاريخ اإلسالمي‪ ،‬وأصبح كل مذهب‬ ‫شخصا اعتبار ًّيا‬ ‫منها أو طائفة أو جامعة صغرية‬ ‫ً‬ ‫معبا عن اإلسالم مع أنه نشأ بعد‬ ‫يرى يف ذاته ِّ ً‬ ‫وفاة الرسول (عليه الصالة والسالم) بعقود‪ ،‬وأن‬ ‫التمذهب به ليس من أصول الدين أو العقيدة‪،‬‬ ‫ونال املذهب السنّي غلب ًة كونه ظل املذهب‬ ‫الرسمي لإلمرباطورية اإلسالمية يف الخالفتني‬ ‫األموية والعباسية وغدا األكرثية العددية ما جعله‬ ‫يعترب نفسه املمثل الرشعي لإلسالم‪ ،‬واملذاهب‪/‬‬ ‫الطوائف األخرى خوارج عليه مع أنها مل تخرج‬ ‫عىل أصول العقيدة اإلسالمية التي حددت بثالثة‬ ‫أسس‪ :‬اإللوهية‪ ،‬الرسالة‪ ،‬امليعاد‪/‬يوم الحساب أو‬ ‫القيامة‪ ،‬وان االختالفات األخرى اجتهادات قد‬ ‫تكون صحيحة أو خاطئة لكنها مرشوعة‪.‬‬ ‫مع انقطاع الفعل اإلسالمي يف التاريخ‪ ،‬وجمود‬ ‫الحضارة اإلسالمية‪ ،‬ورسوخ قدم التخلف‬ ‫واالنحطاط العقيل والثقايف والسيايس‪ ،‬بانتصار‬ ‫الحنابلة واألشاعرة واملتصوفة وسيادة رؤاهام‬ ‫الفكرية والسلوكية‪ ،‬وتآكل اإلنجازات املادية‬ ‫والفكرية‪ ،‬وانكامش التطور الحرضي‪ ،‬وعودة‬ ‫املجتمعات اإلسالمية إىل حالة من البداوة والرتيف‪،‬‬ ‫ناهيك عن الحروب الداخلية والخارجية وما‬ ‫نجم عنها من مظامل وخسائر وكوارث اجتامعية‪،‬‬ ‫وهزائم عسكرية‪ ،‬وغياب مرشع سيايس إسالمي‪،‬‬ ‫انتقلت الخالفات إىل عمق االجتامع اإلسالمي‪،‬‬ ‫وترسبت املواجهات واملناكفات حتى بلغت القاع‬ ‫االجتامعي عرب تداول روايات تنطوي عىل اتهامات‬ ‫وتكفري وتخوين يتم تداولها تعكس حالة خصومة‬ ‫شديدة إن مل تكن عداوة‪ ،‬وزاد يف تعقيد القضية‬ ‫تبني الخلفاء والسالطني ملواقف بعض الفقهاء‬ ‫املتزمتني واستخدام قوة السلطة يف البطش بأبناء‬ ‫املذاهب الصغرية ومالحقتهم وهذا دفعهم إىل‬

‫التكتل للدفاع والهرب إىل الجبال والصحارى‬ ‫البعيدة‪ ،‬وقد ح ّولتهم املظامل واملالحقة والعزلة إىل‬ ‫كتل صامء متقوقعة تتلبس عقلية الحصار‪ ،‬متسرتة‬ ‫ومتكتمة ومجهولة املواقف والطقوس‪ ،‬وهذا‬ ‫غذى الرسديات املعادية بالروايات والتوهامت‬ ‫عن انحرافهم وجنوحهم وخروجهم عىل اإلسالم‬ ‫واإلفتاء باستتابتهم أو إقامة الحد عليهم‪ ،‬وهذا‬ ‫غذى مظلوميتهم وزاد يف تقوقعهم وانعزالهم عن‬ ‫املجتمعات األخرى‪.‬‬ ‫مل تكن العالقة بني أبناء األديان املختلفة يف العامل‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬كام يف بقية دول العامل‪ ،‬بأحسن حاالً‬ ‫من العالقة بني أبناء املذاهب والطوائف اإلسالمية‬ ‫فقد نيس أبناء هذه األديان األصل الساموي‬ ‫املشرتك ودخلوا يف حالة إنكار وتشكيك متبادلة‪،‬‬ ‫وتاهت تعاليم العقائد السمحة يف ثنايا اجتهادات‬ ‫الفقه اإلسالمي‪ ،‬وتعاليم الكنائس‪ ،‬واألحبار‪،‬‬ ‫وتالشت محددات ثابتة لتنظيم العالقة وضبط‬ ‫االختالف لصالح اعتبارات مصلحية‪ ،‬وانخرط أتباع‬ ‫األديان الساموية يف رصاعات عقائدية وسياسية‬ ‫وحروب قاسية ومدمرة ترتب عليها عداء رصيح‬ ‫تارة ومضمر أخرى‪ ،‬كرسه يف املرشق العريب ما‬ ‫نجم عن اختالل التوازن السكاين الذي نجم عن‬ ‫انتشار اإلسالم ودخول معظم سكانه فيه بعد أن‬ ‫كان يدين يف معظمه بالديانة املسيحية‪.‬‬ ‫مع ظهور الفكرة القومية وانتشارها‪ ،‬ونشوء‬ ‫الدول الوطنية‪ ،‬وبروز األفكار الحديثة‪ :‬العلامنية‬ ‫واالشرتاكية وتبني أسس حديثة للدولة‪ ،‬أسس‬ ‫دستورية وقانونية‪ ،‬زادت األمور تعقيدًا‪،‬‬ ‫حيث تحمس املسيحيون للقومية كمدخل‬ ‫للمساواة مع األغلبية اإلسالمية‪ ،‬وتحمس أبناء‬ ‫املذاهب اإلسالمية الصغرية للقومية‪ ،‬والعلامنية‪،‬‬ ‫والدميقراطية‪ ،‬واالشرتاكية‪ ،‬والشيوعية كمدخل‬ ‫للتساوي يف الحقوق والواجبات مع األكرثية‬ ‫السنية‪ ،‬بينام مل تنظر األكرثية السنية‪ ،‬العتبارات‬ ‫ثقافية ومصلحية‪ ،‬إىل هذه التحوالت والتطورات‬ ‫بعني الرضا فقد رأت يف تبنيها ًّ‬ ‫حطا من قدر اإلسالم‬ ‫ً‬ ‫وخفضا يف مكانته‪ ،‬فاإلسالم يف نظرها متفوق ثقاف ًّيا‬ ‫وسياس ًّيا‪ ،‬وهو أكرب من القوميات‪ ،‬واالنتامء إليه‬ ‫يتجاوز األوطان‪ ،‬فاألمة اإلسالمية واحدة موحدة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تجل هذا املوقف بوضوح مبوقف السنة من‬ ‫قيام دولة لبنان الكبري‪ ،‬ناهيك عن شكها الفكري‬ ‫واالجتامعي بـالعلامنية والدميقراطية والشيوعية‬ ‫ورفضها لها‪.‬‬ ‫يتبع يف العدد القادم‪...‬‬

‫‪13‬‬


‫في ذكرى مجازر شنكال اإليزيدية‬ ‫‪14‬‬

‫‪ 3‬آب ‪2014‬‬ ‫كاوا شيخي‬

‫العدد ‪- 53 -‬‬ ‫‪2015 /78 / 2‬‬

‫تقارير‬

‫متر يف آب الذكرى السنوية األوىل عىل مأساة‬ ‫األيزيديني الذين تعرضوا ألبشع أنواع حمالت‬ ‫القتل الجامعي عىل يد داعش يف شنكال‬ ‫العراق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫من هم األزيديون وملاذا هم تحديدا الذين‬ ‫تعرضوا ملا تعرضوا له عىل يد تنظيم داعش‬ ‫اإلرهايب؟‬ ‫ُيفاجأ كثري من الناس إذا سمع بوجود أناس‬ ‫يسكنون يف نفس الدولة التي يسكن فيها‬ ‫ويتكلمون لغة مختلفة عن لغته أو يؤمنون‬ ‫بدين مختلف وال يعزون ذلك إىل جهلهم أو‬ ‫قلة معلوماتهم إمنا يعتقدون بأن ما سمع‬ ‫به هو يشء جديد أو ملة جديدة ظهرت إىل‬ ‫الوجود يف اليوم الذي سمع به عن وجودها‪..‬‬ ‫هذه السطور هي ما قبل املقدمة ملوضوعي‬ ‫حيث أريد هنا أن أع ّرف القارئ العريب الذي‬ ‫ال يعرف اإليزيديني أو يخلط بينهم وبني‬ ‫الشعوب األخرى بهذا الشعب أو هذه الطائفة‬ ‫الدينية‪.‬‬ ‫ككل شعوب األرض يظن اإليزيديون أنفسهم‬ ‫األقدم‪ ،‬وككل األديان يظنون دينهم األقرب‬ ‫اىل مرضاة الله ولكن مييزهم عن باقي األقوام‬ ‫واألديان شيئان مهامن األول هو أن دينهم‬ ‫توحيدي أي يؤمن بخالق واحد هو الله ولكن‬ ‫ال نبي لهم‪ ،‬وهذا ما يجعل اإليزيديني يعتقدون‬ ‫أنفسهم األقدم‪ ،‬إذ يرجعون بعقيدتهم إىل أيب‬ ‫البرش آدم والذي دعا أبناءه إىل عبادة الله‬ ‫الواحد‪ ،‬دون أن يكون من داع لنبي إذ أن‬ ‫آدم كان أقرب إنسان إىل الله‪ ،‬واليشء الثاين‬ ‫هو عدم وجود كتاب للديانة اإليزيدية لهذا‬ ‫تعرضت هذه الديانة الفطرية لكثري من‬ ‫التحريف واقرتبت يف كثري من تفاصيلها من‬ ‫أديان املنطقة والجريان وتقاطعت معها يف‬ ‫أمور مختلفة‪ ،‬ولكنها بقيت أقرب إىل الديانة‬ ‫اإلسالمية حتى اتهمها البعض بأنها نسخة‬ ‫محرفة من اإلسالم‪.‬‬ ‫بالرغم من الغموض الذي يكتنف هؤالء القوم‬ ‫إال أنه قد اتفق الباحثون عىل أن اليزيديني‬ ‫أو اإليزيديني هم مجموعة دينية تتمركز يف‬ ‫العراق وسور ّية‪ .‬يعيش أغلبهم قرب املوصل‬ ‫ومنطقة جبال شنكال يف العراق‪ ،‬وتعيش‬

‫مجموعات أصغر منهم يف تركيا‪ ،‬أملانيا‪ ،‬جورجيا‬ ‫وأرمينيا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كردي ذي جذور‬ ‫أصل‬ ‫إىل‬ ‫ا‬ ‫عرقي‬ ‫ينتمون‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هندو‪-‬أوروبية مع أنهم متأثرون بثقافات‬ ‫عربية ورسيانية‪ ،‬فأزياؤهم الرجالية قريبة من‬ ‫الزي العريب أما أزياؤهم النسائية فتشبه الزي‬ ‫الرسياين‪.‬‬ ‫عىل الرغم من أن اإليزيديني يرون أن شعبهم‬ ‫ودينهم قد ُوجدا منذ وجود آدم وحواء عىل‬ ‫األرض إال أن باحثيهم يرون أن ديانتهم قد‬ ‫انبثقت عن الديانة البابلية القدمية يف بالد ما‬ ‫بني النهرين (ميزوبوتاميا) ويرى بعض الباحثني‬ ‫اإلسالميني وغريهم أن الديانة اإليزيدية هي‬ ‫ديانة منشقة ومنحرفة عن اإلسالم‪ ،‬ويرى‬ ‫آخرون أن الديانة هي خليط من عدة ديانات‬ ‫قدمية مثل الزرادشتية واملانوية أو امتدادٌ‬ ‫للديانة امليرثائية‪.‬‬

‫الشخصيات األساسية يف الديانة اإليزيدية هي‬ ‫عدي بن مسافر والذي ُبني معبد اللش عىل‬ ‫قربه‪ ،‬ويحج إليه اإليزيديون كل عام بطقوس‬ ‫مشابهة لطقوس الحج اإلسالمي وطاووس ملك‬ ‫والذي هو كبري املالئكة‪.‬‬ ‫الديانة اإليزيدية هي ديانة غري تبشريية ال‬ ‫ميكن الدخول فيها ّإل بالوالدة من والدين‬ ‫قسم املجتمع اإليزيدي إىل ثالث‬ ‫إيزيديني‪ .‬و ُي ّ‬ ‫طبقات هي‪ :‬الشيخ‪ ،‬والبري‪ ،‬واملريد‪ ،‬ويح ّرم‬ ‫ٍ‬ ‫الزواج بني الطبقات‪.‬‬ ‫هل يعبد اليزديون الشيطان؟‬ ‫يعتقد الكثريون أن اليزيديني يعبدون الشيطان‬ ‫وقد تسبب هذا االعتقاد بكراهية الجوار لهم‬ ‫بل وحتى تسبب يف قتلهم يف أماكن وأزمان‬ ‫مختلفة ولكن الحقيقة هي أن األمر ليس‬ ‫هكذا‪ ،‬ولكن انغالق هذه الطائفة عىل نفسها‬ ‫وكتامن عقائدها وشعائرها سمح للعامة‬


‫‪ ..‬تتمة من الصفحة السابقة‬

‫‪15‬‬

‫العدد ‪- 53 -‬‬ ‫‪2015 / 8 / 2‬‬

‫تقارير‬

‫بإطالق الشائعات ونرشها حولهم‪.‬‬ ‫الشيطان نقطة خالف بني الديانات‬ ‫الساموية والديانة اإليزيدية؛ ففي معتقد‬ ‫اإليزيدية‪ :‬عندما أمر الله املالئكة أن‬ ‫تسجد آلدم سجد الجميع إال واحد يدعونه‬ ‫(طاووس ملك) وهو مالك خلقه الله من‬ ‫نور وليس من نار كام خلق إبليس وب ّرر‬ ‫(طاووس ملك) موقفه هذا بأنه ال يستطيع‬ ‫السجود سوى لخالقه الذي هو الله عند‬ ‫ذلك مثن الله (طاووس ملك) عالياً ورفع‬ ‫شأنه وجعله رئيساً لجميع مالئكته‪.‬‬ ‫وبالتايل ال وجود ملالك ملعون من األصل‬ ‫ومن أساس عقيدتهم هو رفض السجود‬ ‫آلدم وما حدث ما هو إال دليل عىل وجود‬ ‫االختيار بني الخري والرش ويف هذا ميزة‬ ‫العقل‪.‬‬ ‫اإليزيديون هم موحدون يواجهون الشمس‬ ‫يف صلواتهم ويؤمنون بتناسخ األرواح‬ ‫وبسبعة مالئكة‪ ،‬وتعترب عني زمزم من‬ ‫األماكن املقدسة لديهم‪ .‬يصوم اليزيديون‬ ‫أربعني يوماً يف السنة بداي ًة من شهر كانون‬ ‫الثاين‪.‬‬ ‫حيث ال يستطيع األشخاص من الديانات‬ ‫األخرى االنتامء إىل الديانة اإليزيدية‪،‬‬ ‫يعدها العديد قومي ًة مستقلة وديان ًة‪ ،‬يف‬ ‫حني يرى الكثري من اإليزيديني أنفسهم‬ ‫كرداً يف القومية‪ ،‬وقسم ثالث من اإليزيديني‬ ‫يرون أنفسهم كعرب القومية كإيزيدية‬ ‫بعشيقهوبحزاين‪.‬‬ ‫تعرض اإليزيديون عرب التاريخ إىل ‪ 72‬حملة‬ ‫ألسباب دينية وعرقية‪،‬‬ ‫إباد ٍة ُشنت ضدهم‬ ‫ٍ‬ ‫تسببت هذه الحروب واملذابح بالويالت‬ ‫واملآيس لهذا الشعب املسكني كان آخرها‬ ‫استهدافهم من قبل القاعدة وداعش‪.‬‬ ‫القاعدة استهدفتهم يف‪ 2007‬يف مجمعي‬ ‫سيبا شيخ خدر وتل عزير بصهاريج مفخخة‬ ‫قتلت أكرث من‪ 500‬شخصاً وجرحت‬ ‫وأعاقت الكثريين‪.‬‬ ‫أما الهجوم األعنف واألكرث دموية كان‬ ‫يف ‪ 3‬أب من عام ‪ 2014‬حيث توجهت‬ ‫جحافل داعش بعد السيطرة عىل املوصل‬ ‫إىل منطقة شنكال وعاثوا فيها قت ًال وسبياً‬

‫وترويعاً للسكان املدنيني‪.‬‬ ‫أدّت سيطرة تنطيم داعش عىل مناطق شاسع ٍة‬ ‫من شامل العراق وسقوط مدينة سنجار‬ ‫اإليزيدية بيد املسلحني إىل قتل املئات‬ ‫وهجرة اآلالف منهم من مدنهم وقراهم فراراً‬ ‫من بطش أعدائهم‪.‬‬ ‫يف ليلة الثالث من آب ومع دخول داعش إىل‬ ‫شنكال (سنجار) أحرقت املزارات ورهبانها‬ ‫و ُقتل الرجال واألطفال ودفن الكثري منهم‬ ‫أحياء‪ ،‬أما النساء والبنات فقد ُسب َ‬ ‫ني ووزعن‬ ‫عىل رجال داعش‪ ،‬وما زالت األخبار تتوارد‬ ‫حول بيعهن يف مزادات داعش يف الرقة‬ ‫واملوصل! ويف الفرتة األخري انترشت وثيقة‬

‫داعشية كانت عبارة عن مسابقة لحفظ القرآن‬ ‫الكريم وكانت الجائزة فيها سبي ًة أيزيدية!!‬ ‫كانت املأساة أكرب من أن يحتملها عقل‪ ،‬رواها‬ ‫الناجون الذين لجؤوا مبساعدة القوات الكردية‬ ‫إىل جبل شنكال‪.‬‬ ‫وبالرغم من هذا الواقع املرير لاليزديني يف‬ ‫هذه البقعة من األرض إال أنه ‪-‬والحق يقال‪-‬‬ ‫فمشهود لأليزيديني بالصدق واألمانة واإلخالص‬ ‫رب العمل‬ ‫يف العمل لدرجة استدعت أن يفضل ّ‬ ‫املسيحي أو املسلم أن يعتمد عليهم اعتامداً‬ ‫كبرياً يف عمله‪ ،‬ويأمتنهم عىل أمواله أكرث مام‬ ‫يفعل مع أبناء دينه أو طائفته‪ ،‬فهم ‪-‬وبإجامع‬ ‫من تعامل معهم‪ -‬أناس يستحقون الثقة‪.‬‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.