طلعنا عالحرية / العدد 51

Page 1

‫حرية كرامة مواطنة‬

‫العدد ‪51‬‬ ‫‪2014 / 12 / 26‬‬

‫مقاالت‬ ‫فقدان الثقة بين المواطنين‬ ‫والمجالس المحلية في الغوطة‬

‫الفنان سميح شقير‬ ‫في لقاء مع طلعنا عالحرية‬

‫وردة األنظمة‬ ‫الثورات المنبوذة ّ‬ ‫شبحالتقسيم‬ ‫ال رجم في االسالم‬ ‫دقائقمحذوفة‬ ‫من اليوم األسود لليرموك‬

‫تقارير‬ ‫عماد أبو صالح شهيد الجوالن‬ ‫في سجون النظام «الممانع»‬ ‫اكراد سورية‪ :‬أعلنوا الحرب على‬ ‫التنظيماتالجهادية‬


‫‪2‬‬

‫افتتاحية‬

‫العدد ‪2014 / 12 / 26 - 51 -‬‬

‫ها قد مىض عام ‪ 2014‬بكل ما حمله‬ ‫للسوريني من عنف ودماء ومصائب‪،‬‬ ‫وال يبدو حتى اآلن أن العام القادم‬ ‫قد يحمل لنا أي أمل أو بشائر‪.‬‬ ‫ويبدو أن السنوات املنقضية يف عمر‬ ‫الثورة السورية مل ترسخ إال اقتصاد‬ ‫الحرب وعقلية العنف وثقافة‬ ‫التطرف ورفض اآلخر‪.‬‬ ‫وبينام يبدو جلياً للقريب والبعيد‬ ‫أن العنف الذي بلغ أقصاه أو أكرث مل‬ ‫ولن يوفر أي حل يف املدى املنظور‪،‬‬ ‫فال تلوح يف املقابل أية مبادرات‬ ‫سياسية جدية لنزع فتيل األزمة‪.‬‬ ‫ورغم أن السوريني قد فهموا جميعاً‬ ‫أن املجتمع الدويل غري معني إال‬ ‫باستمرار الحرب والقتل والتدمري‪،‬‬ ‫إال أنهم وبكافة أطيافهم وأطرافهم‬ ‫ال يبدون سعياً جاداً الجرتاح الحلول‬ ‫من الواقع الذي ُيكتب بالدم عىل‬ ‫جلودهم‪ ..‬ويبدو وكأن غالبية‬ ‫األطراف القائدة قد انغمست يف‬ ‫واقع الحرب وأوجدت لها طرق‬ ‫عجيبة لالستمرار ومحاولة االستفادة‬ ‫بأي شكل من مصائب البلد الذي‬ ‫أفرغ من نصف سكانه بينام يجلس‬ ‫نصفه اآلخر عىل كف عفريت‪.‬‬ ‫ويبدو أن شعبنا املسكني قد اعتاد‬ ‫األمر ويأس من الحلول‪ ،‬وتشري بعض‬

‫اإلحصاءات إىل أن الناس ال تتوقع بداية نهاية‬ ‫لألزمة يف غضون عرش سنوات‪.‬‬ ‫كل هذا صاحبه ارتداد كبري لغالبية ثورات‬ ‫الربيع العريب‪ ،‬مام جعل الكثريين يعيدون‬ ‫حسابات مواقفهم إىل جانب هذه الثورات‬ ‫أو ضدها‪ !..‬ومع محاوالت التهميش‬ ‫املستمر إلرادات الشعوب يجري منهجياً‬ ‫حرص الخيارات بني أنظمة فاسدة ومستبدة‬ ‫وتيارات تكفريية متطرفة‪.‬‬ ‫لكن ورغم كل السواد املسيطر‪ ،‬ال يبدو أن‬ ‫خيار التفضيل بني الثورات وما قبلها جاداً‬

‫افتتاحية العدد‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬ ‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬

‫أو عقالنياً‪ ..‬فالثورات انطلقت ومل تكن ايضاً‬ ‫خياراً مرتفاً‪ ..‬بل هي طرق التاريخ اإلجبارية‬ ‫يف إعادة الروح إىل الواقع‪ ،‬هي النفق املظلم‬ ‫الذي ال بد من عبوره للوصول إىل ساحة‬ ‫الضوء‪ ،‬هي إعالن استحالة العيش يف ظل‬ ‫األنظمة البائدة‪ ،‬ومهام كان الثمن الذين‬ ‫عىل الشعوب أن تدفعه فال خيار أمامها إال‬ ‫االستمرار‪ ،‬حتى لو ابتليت بقيادات ال تسعى‬ ‫إىل تقصري أمد عذاباتها‪.‬‬ ‫ال بد من صباح ترشق به الشمس‪ ،‬تطهر‬ ‫عفن املايض وتدواي الجراح‪.‬‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬ ‫‪twitter.com/freedomraise‬‬


‫‪2014‬‬

‫‪3‬‬ ‫وما حمل للسوريين‬

‫العدد ‪- 51 -‬‬

‫‪2014 / 12 /26‬‬

‫صور‬


‫سميح شقير‪:‬‬ ‫«هجرت عودي بعد شعور عميق بعبثية التعبير عما أراه‪»..‬‬ ‫"ال بد أن تستعيد احلياة توازنها‪ ..‬علينا أن نتمسك باألمل"‬

‫‪4‬‬ ‫ليلى الصفدي‬

‫العدد ‪2014 / 12 / 26 - 51 -‬‬

‫من ينحت يف قلب الصخر روحاً ويعزف من‬ ‫صدى اآلالم واملعاناة لحنا البد له أن ينحاز لثورة‬ ‫شعبه‪ .‬مل تكن اغنية “يا حيف” أوىل اغنيات‬ ‫الفنان امللتزم سميح شقري‪ ،‬والتي المست وجدان‬ ‫كل سوري ثائر بداية الثورة‪ ،‬والتي غناها الثوار‬ ‫يف كل أنحاء سوريا حتى يف املساجد‪ ،‬وامنا كانت‬ ‫تتويجاً ملسرية طويلة من األغاين امللتزمة بقضايا‬ ‫الناس والوطن‪.‬‬ ‫كام أنها مل تكن األخرية‪ ،‬حيث تبعها العديد من‬ ‫األغنيات النازفة من جروح الناس‪“ :‬هي يا بنات”‬ ‫و أغنية “قربنا يا الحرية”‪“ ..‬اشتقنا للشام” ‪“ ،‬يا‬ ‫حمص”‪ ..‬وغريها من األغاين التي واكبت الثورة‬ ‫السورية العظيمة يف مراحلها املختلفة‪.‬‬ ‫سميح شقري ابن بلدة القريا يف محافظة‬ ‫السويداء‪ ،‬مواليد الجوالن السوري املحتل قرية‬ ‫واسط‪ ،‬عرف بأغانيه الوطنية الثورية امللتزمة‬ ‫التي كتب معظم كلامتها وقام بتلحينها جميعا‪.‬‬ ‫كام قدّم سميح شقري العديد من الفنانني‪ ،‬من‬ ‫أبرزهم الفنانة سهري شقري صاحبة الصوت‬ ‫االوبرايل املميز‪ .‬ولحن املوسيقى التصويرية‬ ‫للعديد من املسلسالت واملرسحيات‪ ،‬ابرزها‬ ‫مرسحية “خارج الرسب” للمرحوم الشاعر‬ ‫والكاتب الكبري محمد املاغوط‪ ،‬كام لحن وغنى‬ ‫للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش‪.‬‬ ‫كان ملجلة طلعنا عالحرية هذا اللقاء مع‬ ‫الفنّان سميح شقري والذي حدثنا بشجن وأمل‬ ‫عن تجربته الفنية‪ ،‬وعن تشكل ذائقته ووعيه‪..‬‬ ‫عن انحيازه لهموم الناس البسطاء والفقراء‪ ..‬عن‬ ‫الثورة املقتلة‪ ،‬عن اليأس‪ ،‬وعن األمل‪ ،‬واألمل الذي‬ ‫يستطيع أن يورق األغنيات‪..‬‬

‫لقاءات‬

‫منذ البدايات انطلق سميح شقري بأغان‬ ‫مختلفة‪ ..‬ذائقة جديدة عىل صعيد اللحن‬ ‫والكلمة‪ ..‬من أين استقيت ثقافتك‬ ‫املوسيقية والشعرية؟‬ ‫اعتقد أن كثري من العوامل تلعب دوراً يف تشكل‬ ‫الذات واالهتاممات والذائقة‪ ،‬وبالنسبة يل رمبا‬ ‫كانت طفولتي املتقشفة باأللعاب والهدايا‬ ‫ورغد العيش ذات أثر بالغ يف تنامي وجموح‬ ‫املخيلة واالحساس املبكر بغياب العدالة‪،‬‬ ‫كام كان لطبيعة املجتمع املحافظ حويل دوره‬

‫بجعيل اتنبه اىل جاملية الخروج من عباءة النمط‬ ‫اىل رحاب التفرد وامتالك جرأة الرفض لكل ما‬ ‫يجعلني ال أشبه ذايت‪ ،‬وبسبب نهمي بقراءة‬ ‫الروايات واألشعار وفيام بعد الكتب الفلسفية‬ ‫والفكرية وانفتاحي املبكر عىل املجتمع‬ ‫والصداقات والحوار والحب‪ ،‬الحب الذي المس‬ ‫قلبي فزودين بالحاسة السابعة!‬ ‫كل هذا شكل رصيداً معرفياً وخلفية لخيارايت‬ ‫الفنية والجاملية والسياسية‪ ،‬وهو بالتأكيد‬ ‫بتفاصيله ومخزونه ش َّكل مروحة الذائقة وتعدد‬ ‫ألوانها التي كنت أنهل منها قصيديت ولحني‪.‬‬

‫كيف تنظر إىل الفن ودوره يف تشكل‬ ‫الوعي الخاص والعام؟ وكيف تق ّيم‬ ‫تجربتك يف هذا الصدد؟‬

‫ألن الفن هو مفتاح الدخول اىل عامل املشاعر‬ ‫واألحاسيس فهو استثنايئ بقدرته عىل التأثري نظراً‬ ‫لتعدد وسائله وتوأمته مع متعة التلقي‪ ،‬وكونه‬ ‫حامالً لرساالت قيمية وفكرية وجاملية ولذلك‬ ‫يعترب الفن مقياساً حضارياً بني الشعوب كام هو‬ ‫معروف‪ ،‬ولكن ايضاً بامللموس لطاملا تأكد يل من‬ ‫خالل الكثري من الشواهد كيف استطاعت أغنية‬ ‫أو موسيقا او لوحة عىل سبيل املثال أن تغري من‬ ‫قناعات أو سلوك كثري من الناس مبا فيها أغنيات‬ ‫يل كان أثرها استثنايئ ودرجة تأثريها فاجأت‬ ‫الكثريين وفاجأتني أيضاً‪.‬‬

‫منذ اللحظة األوىل حسم الفنان سميح‬

‫شقري موقفه مع الشعب الثائر‪ ..‬بينام آثر‬ ‫آخرون إما الوقوف مع النظام القاتل أو‬ ‫“الحياد”‪ ..‬هل يستطيع الفنّان فع ًال أن‬ ‫يبقى محايداً؟‬ ‫السؤال ليس إن كان يستطيع‪ ..‬ألنه يستطيع‬ ‫بالفعل وهذا ما فعله كثري من الفنانني‪ ،‬ولكن‬ ‫السؤال هل هذا أخالقي؟ وهل هذا مقبول؟‬ ‫من وجهة نظري هذا غري مقبول بل وغري أخالقي‬ ‫آلن الحياد يف زمن كالذي نعربه اآلن‪ ،‬بقسوته‬ ‫املفرطة ومبستوى املامرسات اإلجرامية والوحشية‪،‬‬ ‫يساعد عىل توغل وامتداد هذا العنف‪ ،‬خاصة إن‬ ‫كان ضحاياه هم أبناء بلد هذا الفنان‪ ،‬إن الدفاع‬ ‫عن مجتمع ننتمي اليه مبواجهة ارهاب وبطش‬ ‫السلطة أم أي إرهاب دخيل هو قضية جوهرية‬ ‫نعزز بها قيمنا اإلنسانية‪ ،‬وبتخلينا عن هذا الدفاع‬ ‫فإننا نتحول اىل مشاركني بتثبيت الطغاة ومسؤولني‬ ‫عن استمرار االستبداد بأشكاله األمنية أم الدينية‪.‬‬

‫ضمن متاهات العسكرة والتطرف والحرب‬ ‫الدائرة يف سوريا‪ ..‬ماذا بقي للنشاط املدين‬ ‫وملن حملوا راية السلمية ليفعلوا؟‬

‫بالطبع بعد اشهر من الثورة السلمية التي مل نقرأ‬ ‫يف التاريخ عن يشء يشبهها بصمودها السلمي‬ ‫اشهراً تحت الرصاص تم دفعها تحت وطأة العنف‬ ‫والوحشية باتجاه العسكرة‪ ،‬وهذا ما ظهر الحقاً‬ ‫أنه نقطة تقاطع مصالح النظام مع مصالح عدد‬


‫"احلياد ال أخالقي ألنه يساعد على توغل وامتداد العنف"‬

‫بعد كل هذا االمل الذي عشناه‪ ..‬وكل هذه‬ ‫املجازر والدماء‪ ،‬ما الذي يثري او يستفز‬ ‫الفنّان‪ ..‬وهل ينضب االبداع‪ ..‬؟‬

‫ما اريد قوله أن النظام استطاع بعد جهد عدة‬ ‫سنوات أن يوصل الكثريين ليطرحوا هذا السؤال‬ ‫وبشكله املض ِلل ‪ ..‬ماذا تختار؟‬ ‫النظام أم التطرف اإلسالمي ؟‬ ‫وكأن قدرنا إما السيئ وإما األسوأ‪ ،‬وبرأيي أن‬ ‫عموم شعبنا يرفض طريف هذه املعادلة ‪ ،‬إن ما‬ ‫طالب به وانتفض من أجله معلوم ايضاً‪ ،‬وهو‬ ‫حقوقه األولية البسيطة والتي حرم منها دهراً‬ ‫ولخصها بالحرية والكرامة‪ ،‬ووثقها بتفصيل عرب‬ ‫وثيقة القاهرة التي أجمعت عليها كل األطياف‬ ‫السياسية السورية الثورية واملعارضة‪ ،‬ومن ناحية‬ ‫ثانية فمن الراسخ مبعرفتنا بشعبنا أنه بعمومه‬ ‫بعيد متاماً عن التطرف‪.‬‬ ‫لكن من منغصات هذه الثورة انها بعد األشهر‬ ‫األوىل فقدت صوتها الحقيقي وتم تشويه ممنهج‬ ‫لصورتها‪ ،‬فالقيادة انتقلت من التنسيقيات اىل‬

‫ستعلمني يا فتاتي‬

‫من ألبوم ملن أغني‬ ‫مهداة إىل معتقيل الرأي يف صحاري الفكر‬

‫ستعلمني يا فتايت‬ ‫أنني‪ُ ..‬ض ُ‬ ‫بت حتى املوت‬ ‫حتى ازرقت عظامي‬ ‫حتى بكت جدران زنزانتي‬ ‫من أملي‪ ..‬وما فتحت فمي‬ ‫إال ليك َ‬ ‫أقول لهم ‪:‬‬ ‫سيحاكمكم ‪ -‬أيها الجالدون ‪ -‬دمي‬ ‫يف أقبية االستجواب هجم الفاشيون َ ّ‬ ‫عل‬ ‫كنت وكان الوطنُ‬ ‫ِ‬

‫وكنت أخبئكم َ‬ ‫ُ‬ ‫داخل عينَي‬ ‫لوتنطق هذي األصفاد‬ ‫لشكت من عصيان يدَي‬ ‫ولنا تحت ظالل القيد وتحت حصار‬ ‫العسكر‬ ‫ٌ‬ ‫أغنيات‬ ‫للحقول‬ ‫للصبايا‬ ‫والفراشات‬ ‫والوطن األخرض‬ ‫نتحدى جدر َان السجن ونكتب بأظافرنا‬ ‫شعراً‬ ‫اب حامم‬ ‫نرسم أرس َ‬

‫لقاءات‬

‫سؤال كهذا ال بد أنه أستوقف الكثريين وأنا‬ ‫منهم‪ ،‬وتأكيداً لهذا فأنا منذ مدة قصرية فقط‬ ‫عدت ألمسك عودي بعد أن هجرته ألكرث من ستة‬ ‫اشهر‪ ،‬وتبني يل وانا احاول فهم أسباب ذلك أن‬ ‫كمية الدماء وصور البطش والذبح واإلذالل التي‬ ‫كنت اتابعها قد عاثت خراباً يف روحي واخذتني‬ ‫عبثية الكثري مام يجري اىل شعور عميق بعبثية‬ ‫التعبري عام أراه‪ ..‬بل واستحالة ذلك‪ ،‬فأي لغة وأي‬ ‫موسيقا ميكنها مقاربة هذا الجحيم ؟؟؟؟‬ ‫ثم أن ارتفاع منسوب األمل عند الناس يصبح‬ ‫عائقاً امام التلقي‪ ،‬فتنحرس قدرة الفنون يف التأثري‬ ‫والوصول للمشاعر‪ ،‬فام يرونه بأبصارهم ويحسوه‬ ‫بأجسادهم يتجاوز بهوله ومداه ما ميكن أن‬ ‫يطرحه أي عمل فني‪ ،‬رمبا بتنا نحتاج قلي ًال او‬ ‫كثرياً من الوقت ‪ -‬لست ادري ‪ -‬يك نستوعب حجم‬ ‫الكارثة ومدى هذه املقتلة التي يتعرض لها شعبنا‪،‬‬ ‫وبعد ذلك ال بد أن تستعيد الحياة توازنها‪ ،‬علينا‬ ‫أن نتمسك باألمل بأننا ذاهبون بعد هذا كله اىل‬ ‫سوريا األجمل مام مىض‪ ،‬واىل ما يستحقه شعب‬

‫بدأت تربز مؤخراً مواقف ملعارضني‬ ‫معروفني من السويداء واألقليات عموماً‬ ‫والتي تعلن إن رصاحة او بشكل مبطن‬ ‫عن قلقها إزاء انتصارات جبهة النرصة او‬ ‫داعش عىل النظام يف بعض املناطق‪ ..‬حتى‬ ‫أن بعضها مل يرتدد إزاء الخيار املفروض‬ ‫(النظام أم التطرف اإلسالمي) أن يختار‬ ‫النظام‪ ..‬ماذا يقول سميح شقري يف هذا‬ ‫الصدد ؟‬

‫‪5‬‬

‫العدد ‪2014 /12 / 26 - 51 -‬‬

‫من الدول اإلقليمية لتحويل الثورة اىل حرب ذات‬ ‫طابع ديني ولتبتعد عن مسارها الحقيقي كثورة‬ ‫شعب ضد االستبداد والديكتاتورية ‪ ،‬فاستهدف‬ ‫النظام الناشطني املدنيني بالقتل والزج يف السجون‬ ‫وتم توريط الجيش مبواجهة الشعب‪ ..‬هذا من‬ ‫ناحية ‪ ..‬ومن ناحية ثانية تم دعم الكتائب‬ ‫املسلحة والجهاديني بالسالح من قبل دول إقليمية‬ ‫ظاهر سلوكها هو دعم الثورة وجوهره هو تقويض‬ ‫الثورة التي تتخوف تلك الدول من وصول رشارتها‬ ‫اليها‪ ،‬لذا تقاطعت املصالح جميعها ضد الثورة‬ ‫الحقيقية فترشد الناشطون املدنيون او تم سجنهم‬ ‫او قتلهم‪ ،‬فتوقف معظمهم عن النشاط خاصة أن‬ ‫الدعم قد طال املسلحني من األطراف املتحاربة‪،‬‬ ‫بينام بقي املدنيون تحت رحمة انعدام املوارد‪..‬‬ ‫وتحت القصف وانهدام املرافق والبيوت‪ ..‬مع‬ ‫عودة الرعب األمني الذي تم كرسه بداية الثورة‬ ‫لكنه عاد‪ ،‬حتى أن النظام مل يعد يقبل بأي صوت‬ ‫يعارضه ولو من معارضني محسوبني عىل النظام‬ ‫نفسه أو من املتهمني بأنهم صنيعته‪ ،‬فإذا كانت‬ ‫هذه هي الصورة فلنا أن نقدر صعوبة العمل‬ ‫املدين والسلمي الذي ال ميكن ألحد أن يجزم‬ ‫بتوقفه‪ ،‬لكنه اصبح ضعيفاً ومن الصعب متييز‬ ‫مظاهر واضحة له‪.‬‬

‫قدم كل هذه التضحيات‪ ..‬هذا هو األمل‪ ..‬وإذا‬ ‫كان من الصعب إثباته اليوم فمن الخطري ايضاً أن‬ ‫نشعر باليأس من إمكانية حدوثه‪.‬‬

‫الجيش الحر الذي بدأ ثورياً لكن رسعان ما تحكم‬ ‫مبعظمه الداعمون اإلقليميون ليحولوا معظم‬ ‫فصائله اىل مجموعات جهادية وبعقيدة دينية‬ ‫متشددة وذات اهداف مغايرة ألهداف الثورة‪،‬‬ ‫وكأن الشعب قام عىل هذا النظام ألنه يضطهده‬ ‫دينياً‪ ..‬وهذا غري صحيح‪ ،..‬فأختفى علم الثورة‬ ‫او كاد‪ ،‬وارتفعت االعالم الدينية‪ ،‬وبات الحديث‬ ‫عن الخالفة رائجاً ومتوازياً مع تكفري للوطنيني‬ ‫والثوريني املنادين بالدولة املدنية والدميقراطية‬ ‫والتعددية والعدالة االجتامعية‪.‬‬ ‫إذن فقد طغت صورة الجهادي املتطرف وغابت‬ ‫صورة الثائر‪ .‬ثم قدمت الكتائب املسلحة منوذجاً‬ ‫رديئا يف إدارة املناطق التي تخضع لنفوذها‪ .‬كام‬ ‫اين ال ارغب بالحديث اص ًال عن فشل املعارضات‬ ‫التي هي أشبه بهياكل ال روح فيها‪ .‬لذلك ليس‬ ‫مبستغرب أن تحرض مقارنة السيئ باألسوأ‪ ،‬لكن‬ ‫املستغرب أن يطرح البعض أن علينا أن نختار‬ ‫احدهام‪ !..‬وهذا بالضبط ما عمل النظام من‬ ‫اجله حني حرص عىل التجييش الطائفي منذ‬ ‫بداية االنتفاضة‪ ،‬ثم جرها بعد أن اصبحت ثورة‬ ‫اىل العسكرة‪ ،‬ثم أفرج من سجونه عن معظم‬ ‫الذين يقودون التنظيامت املسلحة حالياً وسهل‬ ‫سيطرتهم عىل مناطق بعينها وهو يدرك أي منوذج‬ ‫سيقدمون ليكون مبقدوره وبالرغم من كل جرامئه‬ ‫بحق مواطنيه أن يدعي ويطرح نفسه كخيار‬ ‫أفضل من بني خيارين سيئني‪..‬‬ ‫برأيي‪ ..‬علينا أن نكون أغبياء مبا يزيد عن الحد‬ ‫لنختار احد طريف هذه املعادلة‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫فقدان الثقة بين المواطنين‬ ‫والمجالس المحلية في‬ ‫الغوطة الشرقية‬ ‫أوس المبارك‬

‫العدد ‪2014 / 12 / 26 - 51 -‬‬

‫مقاالت‬

‫تواجه غوطة دمشق الرشقية حصاراً شديداً ما يغيب بشكل الفت يف غالبية املدن‬ ‫عليها منذ أكرث من عام‪ ،‬ويتواجد فيها الكثري والبلدات‪.‬‬ ‫من القوى الثورية املدنية التي تقدم نفسها إن الصوت الغالب عىل كل تلك القطاعات‬ ‫عىل أنها تعمل عىل مساعدة الثوار لتحقيق البعيدة عن أعامل وكالئهم‪ ،‬هو أن‬ ‫انتصار الثورة من جهة‪ ،‬ومساعدة األهايل هؤالء الوكالء “يرسقون األموال التي تأيت‬ ‫لتأمني سبل عيشهم وصمودهم من جهة ملساعدتنا”‪ ،‬و”من حطهم أص ًال قامئني‬ ‫علينا؟!”‪ ،‬ويندر أن يغيب عن كالم أي أحد‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫ومتثل املجالس املحلية إىل جانب املكاتب منهم املطالبة بحقهم يف اإلغاثة الغذائية‬ ‫املوحدة (الطبي املوحد‪ ،‬اإلغايث املوحد‪ ،‬التي تأيت لتخفف عنهم ثقل الحصار‬ ‫الخدمي املوحد) أهم القوى الثورية والجوع‪ ،‬لكنّ “القامئني عىل اإلغاثة يؤثرونها‬ ‫الفاعلة يف الغوطة الرشقية‪ ،‬وبعيداً عن ملقربيهم وذويهم” عىل حد تعبريهم‪.‬‬ ‫مدى التوافقات والتجاذبات بني هذه ال يندر إذن أن ال توجد أي قناة منظمة‬ ‫املكاتب وبني املجالس املحلية‪ ،‬فإن للتواصل بني السكان املحليني وممثليهم يف‬ ‫مبدأ فكرة املجلس املحيل بوصفه الهيئة املجالس املحلية – بغض النظر عن مدى‬ ‫التمثيلية ملدينة أو بلدة ما‪ ،‬يجعل االهتامم رشعية هؤالء املم ِّثلني من عدمها – وهو ما‬ ‫بانسجامه مع فكرته وأهدافه وسعيه يجعل أحد أهداف الثورة غري موجود ضمن‬ ‫لتحقيقها‪ ،‬أكرث مسألية للبحث واالستقصاء‪ .‬عمل املجالس املحلية التي من واجبها أن‬ ‫تتشكل املجالس املحلية من مجموعة تكون صوت السكان املحليني‪.‬‬ ‫مكاتب‪ ،‬يحدث أحياناً أن يتم انتخابها من ورغم إمكانية التذرع بعدم وجود القدرة‬ ‫رشيحة من القوى الثورية والوجهاء يف تلك املادية للقيام بإنشاء أقنية للتواصل مع‬ ‫املدينة أو البلدة‪ ،‬ويحدث حيناً آخر أن يتم السكان املحليني‪ ،‬إال أنه من السهل‪ ،‬وبالنزر‬ ‫تعيينهم عىل أسس توازنات القوى أو غلبة اليسري من املال‪ ،‬أن يتم العمل عىل تشكيل‬ ‫لجان أحياء ضمن الوحدة اإلدارية التي‬ ‫إحداها عىل البقية‪.‬‬ ‫وقد تتقاطع املجالس املحلية مع املكاتب ميثلها املجلس املحيل‪ ،‬وأن يتم االجتامع‬ ‫املوحدة‪ ،‬فيحدث كثرياً أن يكون فرع أحد بهم دورياً‪ .‬كذلك من املمكن أن يتم نرش‬ ‫املكاتب املوحدة هو املكتب ذاته ضمن ملصقات يف الشوارع‪ ،‬أو طباعة نرشة‬ ‫املجلس املحيل‪ ،‬ما يجعل الجدل الدائم بني دورية‪ ،‬أو فتح مكتب للشكاوى ضمن‬ ‫املكاتب املوحدة واملجالس املحلية يتمحور املجلس املحيل‪ .‬إضافة ملا ميكن أن يتم‬ ‫حول أيهام جزء من كل‪ ،‬وأيهام “صاحب نرشه عىل مواقع اإلنرتنت ومناقشته فيها‪،‬‬ ‫الرشعية”‪ ،‬وال يخفى أن يكون دامئاً هناك رغم توقع قلة املتفاعلني املحليني بسبب‬ ‫نزاع بني أعضاء املجلس املحيل غري التابعني ظروف الحصار وعدم توفر اإلنرتنت إال‬ ‫ملكاتب موحدة وبني زمالئهم التابعني لتلك للقليلني‪.‬‬ ‫املكاتب‪ ،‬حول مرجعية العمل ومركز أخذ إن العمل عىل إيجاد أقنية تواصل وتفاعل‬ ‫بني املجالس املحلية والسكان املحليني‬ ‫القرارات ضمن املدينة والبلدة الواحدة‪.‬‬ ‫لكن ما يهمنا من أمر‪ ،‬هو مدى اقرتاب رضورة إليجاد الشفافية‪ ،‬ومنح الثقة‬ ‫قطاعات املجتمع ضمن املدينة أو البلدة أو نزعها‪ ،‬وتنمية العمل‪ ،‬وإيجاد أفكار‬ ‫الواحدة من فاعلية تلك القوى الثورية جديدة‪ ،‬وحتى تربير املجالس املحلية ملا ال‬ ‫املدنية التي تتنازع “الرشعية”‪ ،‬واطالعها تستطيع أن تقوم به ضمن ظروفها وتوضيح‬ ‫وتفاعلها مع ما يعترب شأنها العام‪ ،‬وهو أسباب عجزها‪.‬‬

‫عماد أبو صالح‬ ‫شهيد الجوالن‬ ‫في سجون النظام‬ ‫«الممانع»‬

‫ليلى الصفدي‬ ‫عامد أبو صالح اول شهداء الجوالن تعذيبا يف سجون األسد‪..‬‬ ‫تهمته فائض من املحبة والعطاء ألبناء بلده الذين التجأوا‬ ‫اىل مدينته جرمانا‪.‬‬ ‫عامد ذو القلب الطيب واملعطاء كان يرفض ان مينح املحتاج‬ ‫ما بيل من مالبس اوالده‪ ..‬بل كان يرص ان يعطيهم الجديد‬ ‫والالئق بكل طفل عىل وجه هذه االرض‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لعامد زوجة وثالثة أطفال‪ ..‬كان رابعهم طفال الجئا من دير‬ ‫الزور‪ ..‬أىب عامد إال ان ينام بجانب أطفاله‪..‬‬ ‫بعد استدعائه يف املرة األوىل لفرع األمن العسكري بسبب‬ ‫نشاطه ورأيه الحر عىل صفحات الفيسبوك‪ ،‬حاول عامد‬ ‫أن ميارس مثل الكثريين الحياد والصمت عن الجرائم التي‬ ‫يرتكبها النظام ضد أبناء شعبه‪ ..‬فتح صفحة جديدة عىل‬ ‫فيسبوك وبدا ينرش صوراً جميلة ألطفاله ووصفات لتحضري‬ ‫األطعمة الشهية‪ ..‬مل تدم هذه املحاوالت أكرث من يوم واحد‬ ‫لتعود صفحته لسابق عهدها مليئة بوصفات حقيقية‬ ‫للحرية والكرامة وملقاومة االجرام والقتل‪ ،‬وليستأنف‬ ‫نشاطه اإلغايث واالنساين وحلمه يف وطن حر جميل يتسع‬ ‫لكل السوريني‪.‬‬ ‫اعتقل بعدها بتاريخ ‪ 2013 / 6 / 29‬ثم أقدمت قوات األمن‬ ‫التابعة لـ «فرع فلسطني» عىل اعتقال زوجته وهددته‬ ‫باستمرار اعتقالها كنوع من الضغط النتزاع املعلومات‪ ،‬إال‬ ‫أن الفرع أطلق رساحها فيام بعد‪.‬‬ ‫انقطعت أخبار عامد ملدة عام ونصف‪ ،‬ليتم تسليم أهله‬ ‫قبل أيام شهادة وفاته مع بعض املتعلقات الشخصية‪ ،‬كان‬ ‫عزا ًء مؤملاً لذويه ومحبيه أنه مل يتعذب طوي ًال‪ ..‬وذلك وفق‬ ‫ترسيبات تؤكد استشهاده املبكر تحت التعذيب بعد أربعة‬ ‫وعرشين يوماً من االعتقال‪.‬‬ ‫ومبعزل عن الحزن العميق الذي خيم عىل قرى الجوالن‬


‫وردة األنظمة‬ ‫الثورات المنبوذة ّ‬ ‫ماهر مسعود‬

‫لكن ما املعنى املستخلص من ذلك‪ ،‬هل فشلت‬ ‫الثورات؟‬ ‫باملعنى املعياري الذي يقوم عىل ما يجب أن‬ ‫تكونه الثورة‪ ،‬فإن الثورات قد فشلت نعم‪ ،‬أما‬ ‫باملعنى الواقعي؛ والواقع هو الذي يح ّد كل املعايري‬ ‫ويحددها‪ ،‬وعىل صخرته تتكرس كل الرؤوس‬ ‫الحامية‪ ،‬فإن الثورات مل تفشل وغالباً ال ميكنها‬ ‫الفشل‪ ،‬فللتاريخ والزمن اتجاه واحد (أحياناً نقول‬ ‫مع األسف) والواقع الذي تغري لن يعود‪ ،‬حتى لو‬ ‫أراد إرجاعه كل الذين خرجوا يف الثورة ذاتهم عوضاً‬ ‫عمن هم ضدها‪ ،‬وأما باملعنى املوضوعي املجرد‬ ‫واملستقل عن رغباتنا‪ ،‬فإن الثورات تصنع تاريخنا‬ ‫ولكن بالتأكيد ال تصنعه عىل هوانا‪ ،‬وبالتأكيد أكرث‬ ‫ال تصنعه عىل هوى حكامنا أو حكامهم‪.‬‬

‫الرشيط‪.‬‬ ‫الحقيقة الصادمة فرضت نفسها عىل الجوالنيني‪ ..‬ورغم أن الجبناء حاولوا‬ ‫متويه حادثة القتل املتعمد إلنسان أعزل باإلعالن عن األمر كنبأ وفاة عادية‬ ‫إال أن املوقف العام أثناء العزاء فرض عىل الجميع الخشوع أمام عظمة‬ ‫الشهادة‪ ...‬وقد كتب عىل صورة عامد الحارضة دون الجسد "الشهيد البطل‬ ‫عامد أبو صالح" ‪ ،‬وكلمة التأبني التي أصغى إليها الجميع بخشوع واضح‬ ‫عكست سقوط الوهم رغم ترددها بتوجيه إصبع االتهام‪.‬‬ ‫رمبا يكون الستشهاد عامد‪ ،‬الشاب الجميل واملحبوب‪ ،‬بهذه الطريقة‬ ‫القاسية واملفجعة تداعيات خاصة لدى الجوالنيني عموماً‪ ..‬فقد ملسنا‬ ‫صدمة لدى كثري من املوالني قد تغري من اتجاهات تفكريهم وقد تجعل‬ ‫نظرتهم أكرث قرباً من الواقع‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫مع ورود نبأ استشهاد أحد أبنائه يف فرع فلسطني‪ ،‬إال أنه شكل نوعاً من‬ ‫الصدمة املفاجئة‪ ،‬وأيقظ الخوف الكامن لدى الجميع من املوت املخيم‬ ‫عىل أرجاء الوطن‪ ،‬والذي ظنوه لوهلة بعيداً عنهم أو توهموا أن النظام قد‬ ‫يكون أكرث تساه ًال مع "املخطئني" من أبناء الجوالن‪ ..‬فبني مصدق لكذبة‬ ‫حامية األقليات‪ ،‬وبني متوهم ملكانة خاصة يحوزها الجوالن املحتل لدى‬ ‫النظام "املقاوم" تضيع البوصلة اإلنسانية ويسقط الضمري يف فخ النجاة‬ ‫الشخصية من املحنة العامة‪ .‬استشهاد عامد بهذه الطريقة البشعة أسقط‬ ‫هذه األوهام وأيقظ الخوف النائم‪ ..‬فأهايل الجوالن وإن كانوا مبنأى عن‬ ‫ظلم النظام خلف رشيط شائك إال أن اقربائهم وأحبابهم منترشون يف‬ ‫سوريا‪ ،‬والعائالت مشتتة بفعل االحتالل‪ ،‬ويكاد ال يوجد بيت يف الجوالن‬ ‫املحتل إال ولديه ابن أو أخ أو أخت أو خال أو عم عىل الجانب اآلخر من‬

‫العدد ‪2014 / 12 / 26 - 51 -‬‬

‫إذا أخذنا يف االعتبار أن أوىل األوليات الكالسيكية‬ ‫األمريكية يف املنطقة هي البرتول وحامية أمن‬ ‫إرسائيل‪ ،‬وإن أوىل أوليات األنظمة ودول اإلقليم‬ ‫باملجمل‪ ،‬منذ بداية “الربيع العريب”‪ ،‬تتمثل يف منع‬ ‫نجاح الثورات يف البلدان التي قامت فيها‪ ،‬ومن مثة‬ ‫منع تقدمها نحو بلدانها وشعوبها‪ ،‬سنجد أن كل‬ ‫من مرص وإيران والسعودية وتركيا وإرسائيل؛ وإن‬ ‫اختلفوا يف الكثري‪ ،‬فإنهم متفقون متاماً بهدف إفشال‬ ‫الثورات ونبذها‪ ،‬وباملقابل فإن أمريكا؛ التي هي‬ ‫باألصل ضد املبدأ الثوري يف العامل‪ ،‬تشجع اتفاقهم‬ ‫“املختلف” طاملا أن تالقي األولويات االقليمي‬ ‫يتقاطع مع األولويات األمريكية وال يتعارض مع‬ ‫مصالحها االسرتاتيجية‪ ،‬والسيام إذا أضفنا إىل جانب‬ ‫البرتول وحامية إرسائيل‪ ،‬االتفاق النووي مع إيران‬ ‫كأولوية أمريكية ثالثة مستحدثة منذ احتالل‬ ‫العراق و ُمعززة منذ تحول الثورة السورية إىل‬ ‫حرب دولية بالوكالة‪ ،‬ال يعني أمريكا منها سوى‬ ‫نزع أنياب إيران النووية مقابل م ّد أنيابها اإلقليمية‬ ‫وحاميتها‪.‬‬ ‫رمبا كان واضحاً يف وقت سابق أن إحدى األسباب‬ ‫الهامة لوقوف روسيا ضد الثورات ومواقفها الصلبة‬ ‫مع النظام السوري بوجه خاص هو؛ باإلضافة‬ ‫إىل معاندة الغرب وابتزازه‪ ،‬خوف روسيا بزعامة‬ ‫بوتني من امتداد موجة الثورات إليها وعدائها‬ ‫التاريخي للثورات الدميقراطية‪ ،‬بينام كانت أمريكا‬ ‫أقرب للتأقلم مع التغريات التي أحدثتنها الثورتان‬ ‫التونسية واملرصية األوىل‪ ،‬أما اليوم فقد تغري‬ ‫املشهد بعد احتالل اإلسالم السيايس والعسكري‬ ‫واجهة الحدث‪ ،‬حيث إن روسيا مل تعد تخىش‬ ‫ارتداد املد الثوري نحوها بقدر خشيتها ارتدادات‬ ‫أخرى‪ ،‬ومن ضمنها ارتداد اإلرهاب الذي شاركت يف‬ ‫صناعته‪ ،‬نحو أراضيها‪.‬‬ ‫يبدو أن إيران يف طور مقايضة النووي مبد إقليمي‬

‫يعزز مرشوعها اإلمرباطوري عوضاً عن النووي‪،‬‬ ‫لكن املد اإلقليمي هو الثمن املبارش‪ ،‬أما الثمن‬ ‫األهم‪ ،‬وغري املبارش‪ ،‬هو أن تخليها عن النووي‪،‬‬ ‫قد مينع قيام ثورة إيرانية يحتضنها وينتظرها‬ ‫الشعب اإليراين‪ ،‬كون االتفاق مع الغرب يعني‬ ‫انتصار مرشوع النظام السيايس‪/‬الديني القائم‪،‬‬ ‫ويرفع العقوبات ويقوي االقتصاد االيراين‪ ،‬ما يقطع‬ ‫الطريق عىل منتظري فشل املرشوع وفشل تطرفه‬ ‫الحاصل ضد الخارج والداخل اإليراين معاً‪ ،‬بينام‬ ‫تضطر كل من مرص والسعودية‪ ،‬ودول الخليج‬ ‫واألردن خلفها‪ ،‬باإلقرار باألمر الواقع وذلك خوفاً‬ ‫من نجاح الوجه الدميقراطي للثورات‪ ،‬وتعزيز‬ ‫بقائها ضمن املد اإلسالمي املوصوف بالتطرف‪ ،‬ما‬ ‫يسهل نبذها وقمعها بعد اختزالها باإلرهاب‪ ،‬وذلك‬ ‫أمر يعززه الحضور اإليراين الشيعي املتزايد يف‬ ‫املشهد االقليمي والتقارب الغريب مع إيران‪ ،‬حيث‬ ‫إنه يدفع الثورات باتجاه التقاتل السني الشيعي‬ ‫وفروعه‪ ،‬ويبعدها عن وجهها الدميقراطي األسايس‬ ‫الذي قامت ألجله تحت شعارات الحرية والكرامة‪.‬‬ ‫مل تعد الثورات منبوذة من األنظمة املحلية‬ ‫وحلفائها اإلقليميني والدوليني وحسب‪ ،‬بل أصبحت‬ ‫كذلك من الشعوب العربية التي تنوس يف الحرية‬ ‫واليأس بني قاتلني‪ ،‬عسكري وإسالمي‪ ،‬وداعمني‬ ‫دوليني للقتل املجاين‪ ،‬بينام هي منبوذة؛ مع خليط‬ ‫من الشعور بالذنب والخوف من النتائج‪ ،‬من قبل‬ ‫املجتمع املدين حول العامل‪ ،‬ذلك الذي ُّ‬ ‫يأن تحت‬ ‫وطأة اإلسالموفوبيا من جهة‪ ،‬واالبتذال اإلعالمي‬ ‫الذي يصور الثورات بوصفها حرب أهلية يف أحسن‬ ‫الحاالت‪ ،‬أو يختزلها يف التفسري الجيوسيايس للعبة‬ ‫األمم مع اإلشارة األكرث اختزاالً إىل أنها مترد اإلسالم‬ ‫املتطرف ضد األنظمة العلامنية من جهة أخرى‪.‬‬ ‫بعد أن كانت الثورات العربية متثل األكرثية‬ ‫الوطنية املستفيدة من التغيري (خارج الطوائف‬

‫واملذاهب)‪ ،‬عادت؛ مع النتائج الكارثية الحاصلة‪،‬‬ ‫لتمثل العدد األقل من الناس املتمسكني بروح‬ ‫الحرية والعدالة والكرامة التي انطلقت ألجلها‬ ‫الثورات‪ ،‬ذلك أن الشعب العريب البسيط؛ وكأي‬ ‫شعب يف العامل‪ ،‬يفضل الحياة‪ ،‬بأقل تقدير‪ ،‬ويفضل‬ ‫االستقرار والسالم‪ ،‬عىل الثمن الباهظ الذي يدفعه‬ ‫مقابل أبسط حقوقه يف الحياة والحرية والعيش‬ ‫الكريم‪ ،‬وما رآه من تحالف أصحاب الرثوة واالمتياز‬ ‫والسلطة محلياً إقليمياً ودولياً‪ ،‬ومن متاجرة‬ ‫رخيصة بدمائه من قبل األقوياء وأصحاب السياسة‪،‬‬ ‫وما خربه من تطرف وعنف عسكري أوالً وإسالمي‬ ‫ثانياً‪ ،‬وما عاينه من تهجري وترشد وإبادة جامعية‬ ‫بتواطؤ عاملي ضد الضحايا‪ ..‬كل ذلك يكفيه ألن‬ ‫ينبذ الثورات ويكره الساعة التي فكر فيها أن‬ ‫يخرج ضد الطغيان أمام الخيارات السيئة التي يجد‬ ‫نفسه أمامها‪ ،‬والتي دفعته يوماً لتفضيل مريس عىل‬ ‫شفيق‪ ،‬ثم تفضيل السييس عىل مريس‪ ،‬كام يف حالة‬ ‫الشعب املرصي‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫شبح التقسيم‬ ‫‪8‬‬

‫شوكت غرز الدين‬

‫العدد ‪2014 / 12 / 26 - 51 -‬‬

‫مقاالت‬

‫يطارد “شبح التقسيم” غالبية افراد الشعب‬ ‫السوري وقواه السياسية‪ .‬ويحرض يف “الشعورهم‬ ‫السيايس”‪ ،‬حضوراً فاع ًال‪ ،‬يتسم بخليط من مشاعر‬ ‫الحرسة عىل وحدة مزعومة ماضية ُف ِقدت من جهة‬ ‫أوىل‪ ،‬ومشاعر القلق من احتامل وقوع التقسيم‬ ‫مستقب ًال من جهة ثانية‪ .‬واملصيبة الكربى هي غياب‬ ‫العمل عىل إرادة السوريني واستناداً إليها؛ إلبعاد‬ ‫هذا الشبح بتحقيق الحرية والكرامة للسوريني فرداً‬ ‫فردا‪ ،‬واإلعالء من شأنهم كبرش بالدرجة األوىل‪.‬‬ ‫يتجسد‬ ‫فنلقى‪ ،‬عىل الطالع والنازل‪ ،‬سلوكاً سياسياً‪َّ ،‬‬ ‫بالتحليالت واملواقف واالصطفافات‪ ،‬سلوكاً “ ُيص ِّعد”‬ ‫من قلق التقسيم والتحرس عىل املايض وندْب‬ ‫كانفالت “لرغبة مكبوتة” بالحرية‪/‬الكرامة‪.‬‬ ‫الحظ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫للدرجة التي بات السوري ِّ‬ ‫يفاضل فيها‪ ،‬بني اإلبقاء‬ ‫عىل الوحدة الجغرافية لسوريا ما بعد االستقالل‪،‬‬ ‫وبني حياة السوريني ووجودهم العبثي؛ إنه يضحي‬ ‫بالحياة لصالح الوحدة فأية مصيبة هذه! أو ِّ‬ ‫يفضل‬ ‫التقسيم استسهاالً‪ ،‬ال للحفاظ عىل حياة السوريني‬ ‫فهذا ليس بالحسبان؛ بل مبعنى انعدام الخيارات‬ ‫والحلول املرشوطة بنسبة موازين القوى‪.‬‬ ‫كان ملأزق عدم تطابق الح ِّد الجغرايف مع املك ِّون‬ ‫االجتامعي‪/‬السيايس‪ ،‬وهو عدم تطابق أنتجه‬ ‫التاريخ يف ُمتّح ِدنا السوري‪ ،‬الدور األساس يف تكوين‬ ‫وتهيئة األرض البكر لنمو شبح التقسيم‪ .‬وأصبحنا‬ ‫كسوريني يف حالة عدم االندماج وعدم االنقسام‪.‬‬ ‫وساهم احتكار الدولة‪ ،‬القامئة بالفعل‪ ،‬للقوة‬ ‫والرثوة واملعرفة‪ ،‬وعدم حيادها تجاه املكونات‬ ‫االجتامعية‪/‬السياسية يف إنتاج حالة “التساكن‬ ‫الوطني” وتراجع “االندماج الوطني” بني مختلف‬ ‫املكونات االجتامعية‪/‬السياسية غري املتطابقة‬ ‫مع حدها الجغرايف‪ .‬ناهيك عن األطروحات‬ ‫البديلة لواقع “التقسيم” القائم والكامن يف البنى‬ ‫االجتامعية‪ .‬وهذه مسائل ميكن توصيفها بالعوامل‬ ‫والعالقات الداخلية املتعلقة بشبح التقسيم‪.‬‬ ‫حفظ السوريون جيداً وعانوا من مقولة قوى‬ ‫االستعامر األورويب “ َفرق َت ُسد”؛ التي اشتغلت عىل‬ ‫تقسيم اآلخر‪/‬العدو‪ ،‬واعتربت تقسيمه قوة وسيادة‬ ‫لهذه القوى‪ .‬ودفع السوريون مثناً باهظاً من أمنهم‬ ‫واستقرارهم وحياتهم حتى ارتبط التقدم عندهم‬ ‫بالوحدة نقيض التقسيم‪ .‬وهذه مسألة ثانية‬ ‫مجدولة عىل املسألة األوىل؛ فالسوريون ال يعيشون‬ ‫يف الفراغ بل بعالقات دولية وإقليمية ومحلية‬ ‫تفرض موازين القوى فيها رشوط ما نكون عليه‬ ‫حارضاً‪ ،‬وما ميكن أن نكون عليه مستقب ًال بالرغم‬

‫من مبادرة السوريني وإرادتهم‪.‬‬ ‫كشبح مخيف‬ ‫من هاتني املسألتني استق َّر التقسيم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫نخاف منه أكرث من خوفنا عىل حياة السوريني‪،‬‬ ‫ومتدد كمس َّلمة بدهي ٍة ال تحتاج إىل برهان‪ ،‬بل‬ ‫ينطلق “العقل السيايس” السوري منها ليربهن‬ ‫ويستنتج ويحاكم واقعه وتاريخه ومستقبله استناداً‬ ‫إليها‪ .‬وهكذا تتكثف حدود ما بعد االستقالل‬ ‫ويتكثف الشعور بالذنب عىل انزياحها‪ .‬فمتى يتم‬ ‫االنعتاق من مس َّلمة التقسيم هذه عند السوريني‬ ‫والخالص من شبحها؟‪.‬‬ ‫وتوجهها‬ ‫هذه‬ ‫الشبح‬ ‫التقسيم‬ ‫تحكم مس َّلمة‬ ‫ٍّ‬ ‫مفارقات ثالث (‪ :)paradoxes‬تتمثل األوىل يف‬ ‫“املفارقة الظاهرة” بحالِ ومتوضع السوريني‬ ‫اليوم بكونهم مل يشكلوا انسجاماً ووحدة فيام‬ ‫بينهم منذ ما بعد االستقالل‪ .‬و تتمثل الثانية يف‬ ‫“املفارقة املمكنة”؛ أي ما ميكن أن تكون عليه‬ ‫سوريا والسوريني مستقبال من خالل قدرتهم عىل‬ ‫بسط وإمناء املمكنات الواقعية التي تفيد الحرية‬ ‫والكرامة‪ .‬وأخرياً تحكمها “املفارقة الواجبة” مبعنى‬ ‫ما يجب أن تكون عليه سوريا والسوريني من وحدة‬ ‫وتنمية وتقدم‪...‬الخ؛ إنها اإلرادوية بأبسط صورها‬ ‫الطفلية‪َّ .‬إن “املفارقة الواجبة” تجثم فوق املفارقتني‬ ‫اآلخرتني وتخ ِّيم عليهام كعقبة نفسية اجتامعية‬ ‫سياسية معرفية ال ترىض بالحال القائم من جهة‪ ،‬وال‬ ‫املرجح من جهة أخرى‪ .‬فال يرضيها‬ ‫ترىض باملمكن َّ‬ ‫إال معايريها وأصنامها األخالقية والجاملية والوطنية‬ ‫واإلسالمية والقومية‪ .‬وتتقدم هذه املفارقة بوصفها‬ ‫“ذات رسالة خالدة” و”خري أمة أخرجت للناس”‪،‬‬ ‫وكأنها “ساعي بريد” مهمته توصيل رسالة للبرشية‬

‫جمعاء لتستفيد وتنعم من فحوى هذه الرسالة‬ ‫الخالدة عىل حساب حياة السوريني‪.‬‬ ‫حاول االستعامر الفرنيس تطبيق “حل التقسيم”‬ ‫مع بداية القرن العرشين يف سوريا وأفشله‬ ‫قسم االستعامر الفرنيس “اململكة‬ ‫السوريون‪ .‬فقد ّ‬ ‫السورية” عام ‪ 1920‬إىل أربع دول هي‪ :‬دولة‬ ‫دمشق ودولة حلب ودولة العلويني يف الساحل‬ ‫ودولة الدروز يف السويداء (جبل العرب)‪ .‬وذلك‬ ‫انطالقاً من مصلحته ومن فكرة تطابق الحد‬ ‫الجغرايف مع مكونات األغلبية الدينية واملذهبية‪.‬‬ ‫ثم ُد ِمجت دولتي حلب ودمشق بعد سنتني فقط‪.‬‬ ‫وبعد سنتني أخريني‪ ،‬أي سنة ‪ُ ،1924‬ضمت دولة‬ ‫العلويني إىل هذا االندماج وبقيت دولة الدروز‬ ‫حتى عام ‪ .1936‬وتحت وطأة املشاعر الوطنية عند‬ ‫غالبية السوريني ا ُملريدة للوحدة قرر الفرنسيون‬ ‫دمج الدول األربع يف دولة واحدة مع استقالل‬ ‫مايل وإداري لدولة العلويني ودولة الدروز‪ .‬وبقى‬ ‫األمر كذلك حتى االستقالل وتم الدمج بني “الدول‬ ‫األربع” عىل أساس حدود سايكس بيكو‪.‬‬ ‫واستقر الوضع عىل أعقاب االستقالل السوري‬ ‫عام ‪1946‬؛ فالدولة السورية بحدودها الحالية‬ ‫تتعلق بإرادة السوريني املعاندة لإلرادات الدولية‬ ‫واإلقليمية والداخلية‪ .‬وها هو اآلن يعود شبح‬ ‫التقسيم ليلوح باألفق مع بداية القرن الواحد‬ ‫والعرشين وما زال الرهان قامئاً عىل إرادة السوريني‬ ‫يف إفشاله‪ .‬فام علينا إال الثقة بالشعب السوري‬ ‫رشد عملنا‬ ‫وعدم التعايل عليه واتخاذه بوصلة ُت ِ‬ ‫وتهديه‪.‬‬


‫ال رجم في االسالم‬ ‫‪9‬‬

‫علي العبداهلل‬

‫العدد ‪- 51 -‬‬ ‫‪2014 / 12 / 26‬‬

‫مقاالت‬

‫أثار تنفيذ تنظيم الدولة االسالمية يف العراق والشام‬ ‫(داعش) رجم نساء ورجال بتهمة الزنا من جديد‬ ‫أسئلة حول مصادر االحكام ومدى رشعية هذه‬ ‫املامرسات من وجهة نظر الرشع االسالمي‪.‬‬ ‫فهل لرجم الزاين اساس يف االسالم؟‪.‬‬ ‫اعتمد دعاة الرجم عىل واقعتني حصلتنا ايام‬ ‫الرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬وهام رجم ماعز بن‬ ‫مالك االسلمي والغامدية االزدية‪ .‬وهام واقعتان‬ ‫مشهورتان وال ميكن انكار حصولهام غري ان النص‬ ‫الديني املؤسس‪ :‬القرآن الكريم خال من ذكر عقوبة‬ ‫الرجم وتحدث عن جلد الزاين والزانية قال تعاىل‪”:‬‬ ‫والزانية والزاين فاجلدوا كل منهام مئة جلدة وال‬ ‫تأخذكم بهام رأفة يف دين الله ان كنتم تؤمنون‬ ‫بالله واليوم اآلخر وليشهد عذابهام طائفة من‬ ‫املؤمنني”(النور‪ )2:‬وهذا دفع الفقهاء اىل البحث‬ ‫عن السبب وراء هذا التعارض بني مضمون اآلية‬ ‫ومامرسة النبي الكريم فطرحوا احتامل ان تكون‬ ‫واقعتا رجم ماعز والغامدية قد حصلتا قبل نزول‬ ‫سورة النور وان النبي قد نفذ بحقهام الحكم‬ ‫الوارد يف التوراة عىل قاعدة “رشع من قبلنا رشع‬ ‫لنا”‪ ،‬وان الرجم مل يقع بعدهام ال ايام الرسول‬ ‫وال ايام الخلفاء الراشدين‪ ،‬ما يعني ان نزول‬ ‫سورة النور قد حسم املوقف وحدّد العقوبة كام‬ ‫وردت يف اآلية ‪ 2‬السابقة الذكر فلم يتكرر الرجم‬ ‫بعدها‪ ،‬وقد ذهب اتباع مذهب الخوارج‪ ،‬وهم‬ ‫من املتشددين يف تطبيق الحدود‪ ،‬هذا املذهب‬ ‫وقالوا ‪”:‬انه ال رجم يف االسالم”‪ ،‬كام استند بعضهم‬ ‫اىل الحكم عىل ارتكاب الفاحشة من قبل النساء‬ ‫املحصنات‪ ،‬حرائر واماء‪ ،‬الوارد يف سورة النساء‬ ‫حيث قالت اآلية يف الحرائر‪ ”:‬والاليت يأتني الفاحشة‬ ‫من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعة منكم فان‬ ‫شهدوا فامسكوهن يف البيوت حتى يتوفاهن‬ ‫الله أو يجعل لهن سبيال”(النساء‪ )15 :‬وقالت‬ ‫يف االماء‪ ”:‬فاذا احصن فان أتني بفاحشة فعليهن‬ ‫نصف ما عىل املحصنات”(النساء‪ )25 :‬وتساءلوا‬ ‫لو كان عقاب املحصنة الحرة الرجم حتى املوت‬ ‫فكيف يفعل يف االماء املحصنات‪ ،‬وعليهن نصف‬ ‫ما عىل الحرائر‪ ،‬وهل ينصف الرجم حتى املوت؟‪.‬‬ ‫واشاروا اىل رشوط اقامة حد الزنا‪ :‬التلبس وشهادة‬ ‫اربعة شهود عدول يشهدون عىل حصول الواقعة‬

‫كاملة ما يعني حصول الجامع وااليالج وواقعة‬ ‫املغرية بن شعبة حالة منوذجية لهذا الرشط فقد‬ ‫واله عمر عىل البرصة‪ ،‬وكان يرتدد عىل امرأة اسمها‬ ‫ام جميل وقد ترصده ابو بكرة وإخوته ألمه (نافع‬ ‫وشبل وزياد) وملا دخل املغرية عند ام جميل دخلوا‬ ‫اىل غرفة مجاورة وحصل ان فتحت الريح باب‬ ‫غرفة ام جميل فإذا باملغرية وأم جميل عىل هيئة‬ ‫جامع فكتبوا اىل عمر فاستدعى املغرية والشهود‪،‬‬ ‫سأل عمر املغرية فأنكر حصول الجامع‪ ،‬فسأل ابا‬ ‫بكرة فشهد بحصوله‪ ،‬ثم سأل نافع فشهد بحصوله‪،‬‬ ‫وسأل شبل فشهد بحصوله‪ .‬وكان زياد غائبا فلام‬ ‫حرض زياد اىل الخليفة سأله عمر فقال‪ ”:‬كان‬ ‫مستبطنها” فسأله عمر‪“ :‬هل رأيته يدخله كامليل‬ ‫يف املكحلة” فقال‪ :‬ال‪ ،‬فأمر عمر املغرية بجلد ابا‬ ‫بكرة مثانني جلدة ألنه رمى محصنا‪.‬‬ ‫كام أشار الفقهاء اىل محاولة الرسول درأ الحد عن‬ ‫ماعز اربع مرات وفق رواية مسلم يف صحيحه‬ ‫للواقعة قال‪ ”:‬جاء ماعز اىل النبي صىل الله عليه‬ ‫وسلم فقال يا رسول الله ط ّهرين فقال ويحك ارجع‬ ‫فاستغفر الله وتب قال فرجع غري بعيد ثم جاء‬ ‫فقال يا رسول الله ط ّهرين فقال الرسول ويحك‬ ‫ارجع فاستغفر الله وتب قال فرجع غري بعيد ثم‬ ‫جاء فقال يا رسول الله ط ّهرين فقال النبي مثل‬ ‫ذلك حتى اذا كانت الرابعة قال له الرسول فيم‬ ‫اط ّهرك فقال من الزنا فسأل الرسول أبه جنون؟‬ ‫فأخرب انه ليس مبجنون‪ ،‬فقال أرشب خمرا؟ فقام‬ ‫رجل فاستنكهه‪ ،‬فلم يجد ريح خمر‪ ،‬فقال الرسول‬ ‫أزنيت فال نعم فأمر به فرجم”‪ ،‬وقد فعل ذلك‬ ‫مع الغامدية فقد ّاجلها حتى تلد ثم حتى تفطم‬

‫مولودها وملا جاءت تحمل املولود وهو يأكل كرسة‬ ‫وارصت عىل ان يط ّهرها‪ ،‬أمر برجمها ثم‬ ‫من الخرب ّ‬ ‫صىل عليها وقال فيها‪ ”:‬جادت بنفسها لله تعاىل”‪.‬‬ ‫وقد جاء يف الخرب ان رجال اسمه هَ زَّال هو الذي‬ ‫أشار عىل ماعز أن يأيت النبي ويخربه انه زىن‪ ،‬فقال‬ ‫له عليه الصالة والسالم‪ ”:‬يا هَ زَّال‪ ،‬لو سرتته بردائك‪،‬‬ ‫لكان خريا لك”‪ ،‬فالسرت والتوبة مخرج وبديل عن‬ ‫العقوبة‪.‬‬ ‫وقد نقل الشيخ عبدالله العالييل عن املربد مالحظته‬ ‫يف كتابيه الكامل واملقتضب حول استخدام القرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬ان يف الرسقة او يف الزنا‪ ،‬صيغة اسم الفاعل‬ ‫(السارق والسارقة) و (الزانية والزاين) وقوله‪“ :‬ان‬ ‫التحلية بأداة التعريف يف هذا املورد تجعله اقرب‬ ‫اىل النسبة منه اىل مجرد التلبس بالحال الفعلية‬ ‫فكثريا ما دلت صيغة اسم الفاعل عليه مثل طالق‬ ‫وفارك‪...‬الخ” وعليه فالتبادر الذي هو عالمة‬ ‫الحقيقة فيهام يحمل عىل انه من باب النسبة اىل‬ ‫الرسقة والزنا أي من غدا هذا وهذا ديدنه‪ .‬ويقوي‬ ‫الفهم املذكور اآلية الالحقة ألية الرسقة‪ “ :‬فمن‬ ‫تاب من بعد ظلمه وأصلح فان الله يتوب عليه‬ ‫(املائدة‪ )5:‬أي ترتك له فرصة لالستتابة واصالح‬ ‫السلوك” (عبدالله العالييل كتاب اين الخطأ ص‬ ‫‪ )75‬وقد كان ذا داللة ان الرسول عليه الصالة‬ ‫والسالم مل يسأل ماعزا والغامدية عن رشيكيهام يف‬ ‫الزنا ليقيم عليهام الحد‪ ،‬فطاملا تحصنا بالسرت فقد‬ ‫منحا فرصة للتوبة‪.‬‬ ‫وعليه ميكن الجزم بان ال رجم يف االسالم وان حد‬ ‫الزنا الجلد مائة جلدة للزاين والزانية يف حال ثبوت‬ ‫الفعل كام جاء يف رشوط اقامة الحد‪.‬‬


‫هل نحن قادمون على عصر من الحروب الدينية؟‬ ‫‪10‬‬

‫أنور عباس‬

‫العدد ‪2014 / 12 / 26 - 51 -‬‬

‫مقاالت‬

‫تثري القاعدة ومخلفاتها الجهادية ذعر الغرب‬ ‫بأكمله‪ ,‬وتتخذها الحكومات ذريعة للتدخل يف‬ ‫شؤون الدول التي تكتسب فيها هذه التنظيامت‬ ‫نفوذا وحاضنة شعبية‪ ,‬كام يحدث يف سوريا‬ ‫والعراق‪ .‬والقاعدة ومخلفاتها هي مجموعات‬ ‫جهادية إرهابية توصف غالبا يف اإلعالم الغريب‬ ‫باملجموعات السنية املتطرفة‪ ,‬دون التممري بأن‬ ‫املذهب السني هو مذهب عريض يتسع لعدد‬ ‫من التأويالت واألطياف بحد ذاته‪.‬‬ ‫اليرى العامل غضاضة يف التحالف مع اململكة‬ ‫العربية السعودية‪ ,‬حيث ميارس اإلسالم السني‬ ‫السلفي الذي متارسه داعش منقوصا منه الجهاد‪,‬‬ ‫الذي هو‪ ,‬يف حقيقة األمر‪ ,‬مصدر الذعر الذي‬ ‫ذكرناه‪ .‬ويتحالف العامل أيضا مع إيران‪ ,‬النسخة‬ ‫الشيعية للملكة العربية السعوديه‪ ,‬حيث يفرض‬ ‫الحجاب وتسري دوريات األمر باملعروف والنهي‬ ‫عن املنكر‪ ,‬وبفارق وضوح الرؤيا واالسرتاتيجيه‬ ‫الذي تتفوق فيه مؤسسة والية الفقيه عىل ملوك‬ ‫آل سعود الذين ال يعنيهم سوى صيانة عرشهم‬ ‫املوروث‪ .‬وتشن الحرب عىل “دولة الخالفة‬ ‫السنية” التي ولدت من رحم قاعدة بن الدن‪,‬‬ ‫مدبر الهجوم عىل برجي التجارة العاملي‪ ,‬والداعي‬ ‫ملهاجمة الكفار يف عقر دارهم وتنخرط فيها‬ ‫إيران بثقلها أو مبن ينوب عنها مثل حزب الله‬ ‫اللبناين‪ ,‬وإيران‪ ,‬هي الدولة الوحيدة التي الزال‬ ‫قادتها ينادون مبحو إرسائيل‪ ,‬طفل الغرب املدلل‪,‬‬ ‫من الوجود ورميها يف البحر‪ ,‬تيمنا بزعيم القومية‬ ‫العربية جامل عبد النارص‪ ,‬الذي خرس كل حروبه‬ ‫مع إرسائيل‪ ,‬عدوته اللدود التي توسعت يف عهده‬ ‫عىل أراض فاقت مساحتها قبل عام ‪ 1967‬خالل‬ ‫أيام قليلة‪ ,‬محققة نرصا كان هو النكسة األكرب يف‬ ‫تاريخ العرب الحديث حتى احتل صدام حسني‬ ‫الكويت‪ ,‬وجلب جيوش العامل لتخرجه منها‪,‬‬ ‫وماتبع ذلك من انهيارات الحقة يف العراق والعامل‬ ‫العريب‪.‬‬ ‫يستعني كذلك النظام السوري‪ ,‬الذي أعلن العامل‬ ‫فقدانه لرشعيته يسبب قتل رئيسه ملواطنيه‪,‬‬ ‫مبيليشيات شيعية عراقية‪ ,‬متطرفة‪ ,‬وإرهابية‪,‬‬ ‫مارست جميعها اإلرهاب والقتل الطائفي‬ ‫يف العراق لسنوات‪ ,‬ضد السنة وضد القوات‬ ‫األمريكية‪ ,‬ومتارسه اليوم يف سوريا‪ ,‬تحت عني‬

‫العامل املتمدن‪ ,‬وبطلب من النظام العلامين حامي‬ ‫األقليات‪ ,‬وذلك لقتال التطرف السني القاعدي‬ ‫الجهادي الداعيش النرصوي‪ ,‬فيجتمع يف صف‬ ‫واحد طيارو قطر والسعودية‪ ,‬وأمريكا وكندا‬ ‫وفرنسا‪ ,‬ومرتزقة حزب الله‪ ,‬وضباط الحرس‬ ‫الثوري اإليراين‪ ,‬والحوثييون‪ ,‬وسفاحو لواء أبو‬ ‫الفضل العبايس واملقاتلون األفعان الشيعة وحامة‬ ‫الديار الذين تنتهك ديارهم إرسائيل محتفظني‬

‫النسبية عىل قرارها السيايس‪ ,‬حني استبدل النظام‬ ‫الصدامي القمعي بنظام ال يقل طغيانا يقوم عىل‬ ‫تقاسم السطلة بني العرب السنة والكرد والشيعية‪,‬‬ ‫بتفوق واضح للمجموعة األخرية‪ ,‬وحني توغلت‬ ‫القاعدة التي هبت لنجدة “األخوة السنة” من‬ ‫براثن الشيعة التي بدأت فعال تفتك بهم‪ ,‬بدعم‬ ‫من إيران‪ .‬ومتتد اليوم هذه الحرب إىل سوريا‬ ‫واليمني وتنتظر لبنان والبحرين والسعودية أن‬ ‫تصل إليها‪ ,‬وال تبدو إيران‬ ‫نفسها يف معزل عنها‪ ,‬وال‬ ‫تركيا السنية التي يحكمها‬ ‫اإلسالميون‪.‬‬ ‫هذه الخلطة املعقدة تنذر‬ ‫بتشعب الحرب أكرث وأكرث‪,‬‬ ‫وال يبدو أن العامل قاد ُر‪ ,‬وقد‬ ‫ال يكون مهتام أصال ولديه‬ ‫الحق‪ ,‬عىل السيطرة عليها‪.‬‬

‫بحق الرد دوما‪ ,‬دون أي رد‪.‬‬ ‫تشتعل اليوم يف العامل العريب‪ ,‬عىل حدود تركيا‬ ‫وإيران وقريبا من أوربا وعىل مرمى حجر من‬ ‫منابع النفط الكربى‪ ,‬حرب دينية بالوكالة‪ .‬ليس‬ ‫لهذه الحرب أهدافا دينية أبدا‪ ،‬بل هي حرب‬ ‫يسخر فيها الدين‪ ,‬وجموع املتدينني‪ ,‬من سنة‬ ‫وشيعة‪ ,‬وهي حروب بالوكالة ألن من يقاتل فيها‬ ‫ليست الدول التي تتقاتل فعال‪ ,‬بل مجموعات‬ ‫أو شعوب تنوب عنها‪ ,‬كالسوريني الذين يقاتلون‬ ‫نيابة عن السعودية ودول أخرى يف الخليج العريب‬ ‫تحاول يائسة الحد من النفوذ اإليراين الذي يهدد‬ ‫عروشها‪ ,‬ويتلقون دعام منها بوصفهم‪ ,‬حسب‬ ‫ما يقال لهم‪ ,‬األخوة السنة‪ ,‬الذي يقتلون عىل‬ ‫يد “الروافض”‪ ,‬فيام يخلو الخطاب الرسمي‬ ‫السعودي‪ ,‬ومثله اإليراين‪ ,‬الطرف اآلخر للرصاع‪,‬‬ ‫من أية إشارات طائفية أو دينية‪ ,‬لكن أرض‬ ‫املعارك تعج بخطابات دينية وطائفية مقيتة‪ ,‬ال‬ ‫تخفى عىل أحد‪ ,‬من التنظيامت السنية التي تريد‬ ‫محو الروافض إىل تلك الشيعية‪ ,‬التي لن تسمح‬ ‫ألهل الشام بسبي زينب مرتني‪.‬‬ ‫شكل سقوط نظام صدام حسني فرصة ذهبية‬ ‫بالنبسة إليران للتغلغل يف العراق‪ ,‬ودعم‬ ‫ميليشاتها الشيعية املتطرقة والطائفية‪ ,‬والسيطرة‬

‫شهد العامل الكثري من الحروب الدينية التي طال‬ ‫أمدها‪ ,‬فاستمرت يف أوربا مايزيد عن قرن وربع‬ ‫القرن‪ ,‬لكنها متخضت عن تشكيالت جديدة‪ ,‬أدت‬ ‫بنى مستقر ًة يف املجتمعات التي عصفت بها‪,‬‬ ‫إىل ً‬ ‫وقد يكون العامل اإلسالمي‪ ,‬املنقسم عىل نفسه بني‬ ‫شيعي وسني‪ ,‬واملنقسم داخل هذين التصنيفني‬ ‫إىل مذاهب ال تنتهي‪ ,‬ال يقبل بعضها بعضاً‪,‬‬ ‫وترتبص باآلخر للفتك به‪ ,‬وتعترب نفسها الصورة‬ ‫الحق لإلسالم الحق‪ ,‬قد يكون هذا العامل اإلسالمي‬ ‫عىل شفا عرص جديد من إعادة التشكل‪ ,‬وقد‬ ‫تعصف هذه الحروب بكثري من أنحاءه‪ ,‬سيام أن‬ ‫الشحن الديني عىل أشده اليوم‪.‬‬ ‫أوكل العامل اليوم محاربة اإلرهاب السني إىل‬ ‫اإلرهاب الشيعي‪ .‬وهام وجهان لعملة واحدة‪.‬‬ ‫وإذ يشتد الرصاع‪ ,‬تنتظر هذه الحروب املزيد من‬ ‫الوقود من أجساد الناس الذين يخوضونها طمعاً‬ ‫بالحياة اآلخرة وخلودها‪ ,‬ويقضون‪ ,‬وهم يصبون‬ ‫إىل نعيمها األبدي‪ ,‬كل ما بناه آباؤهم‪ ,‬ويهدمون‬ ‫حياتهم‪ ,‬وحياة أبناءهم‪ ,‬واليخلفون سوى الدمار‬ ‫يف عامل خلقنا الله فيه لنبنيه‪ .‬فأي رسالة تلك أيها‬ ‫املسلمون؟‬


‫الطائرات تطير‬ ‫علي فاروق‬

‫العدد ‪2014 / 12 / 26 - 51 -‬‬

‫واملساواة‪ ،‬والتوازن يف توزيع املوارد والرثوات‪،‬‬ ‫وغريها‪ ،‬ومبوجب نظام يحدد السلطة ويضبط‬ ‫عالقاتها‪ ،‬ويقنن استخدامها للعنف والقوة‪ ،‬ويف‬ ‫غياب هذه لن تنفع النظريات‪ ،‬والحكايات‪،‬‬ ‫واألشعار‪ ،‬واألغنيات ‘‘الوطنية’’‪ ،‬وال يجوز محاسبة‬ ‫أحد عىل فقده ملا يسمى بـ ‘‘االنتامء الوطني’’‪.‬‬ ‫قبل الغارات اإلرسائيلية األخرية عىل مطاري‬ ‫دمشق‪ ،‬والدمياس‪ ،‬ذرعت طائرات العدو سامء‬ ‫الوطن أليام‪ ،‬دخانها األبيض بقي ساعات معلقاً يف‬ ‫الجو‪ ،‬ويف صباح اليوم التايل للغارات‪ ،‬كان جيش‬ ‫‘‘الوطن’’ مستمراً بقصف املدن‪ ،‬فيام استبدلت‬ ‫إذاعات ‘‘الوطن’’ الرسمية والخاصة فقرات‬ ‫األبراج‪ ،‬ونقاشات املذيعات الصباحي التافه‪،‬‬ ‫باألغاين الوطنية العظيمة‪ ،‬كأغنية ‘‘حامك الله يا‬ ‫أسدُ ’’ (بعد نزع صوت املطربة “أصالة” منها)‪،‬‬ ‫كنوع من الرد عىل العدوان‪ ،‬رمبا‪ ،‬أو عىل سبيل‬ ‫ٍ‬ ‫إظهار شعور شعبنا بـ ‘‘التالحم الوطني’’‪.‬‬ ‫وبعد أيام عادت الطائرات اإلرسائيلية للتحليق‬ ‫‘‘فوق سقف الوطن’’‪ ،‬يف الوقت الذي كان أبناؤه‬ ‫املؤيدون‪ ،‬واملعارضون‪ ،‬و‘‘املحايدون’’ يشتبكون‬ ‫عىل صفحات التواصل االجتامعي بسبب ‘‘العلم‬ ‫الوطني’’ الذي مل ُيرفع يف برنامج “أراب أيدول”‪،‬‬ ‫قال بعضهم كان يجب رفع العلم األحمر ذي‬ ‫النجمتني‪ ،‬وقال آخرون ال بل األخرض ذي الثالث‪،‬‬ ‫ورمبا فكر غريهم بالعلم ‘‘األسود’’ عديم النجوم‪..‬‬ ‫وكأن لل َع َلم قيمة عندما يغيب الوطن‪ ،‬وميوت‬ ‫أبنائه‪ ،‬و ُيعتقلون‪ ،‬ويرشدون‪.‬‬ ‫الطائرات اإلرسائيلية تواصل التحليق فوقنا‪،‬‬ ‫وطائرات النظام ال تزال تقصف‪ ،‬ويف رأيس تسقط‬ ‫كلامت “ محمود درويش” محورة‪ :‬الطائرات تطري‬ ‫والرباميل تسقط‬ ‫والبنايات تخبز السكان‬ ‫فال تخايف املوت يا ابنتي‪..‬‬ ‫ويف أعامقي تتفجر معانٍ ‪:‬‬ ‫كم كنت وحدك يا ابن أمي‬ ‫أب‬ ‫يا ابن أكرث من ٍ‬ ‫كم كنت وحدك‪..‬‬

‫مقاالت‬

‫الطائرات تطري من الغرف املجاورة إىل الحامم‪..‬‬ ‫الطائرات تطري‬ ‫واألشجار تسقط‬ ‫واملباين تخبز السكان‬ ‫فاختبئي بأغنيتي األخرية‬ ‫أو بطلقتي األخرية يا ابنتي‪..‬‬ ‫قد تصلح األبيات السابقة من قصيدة “مديح الظل‬ ‫العايل” للشاعر “محمود درويش” كمدخلٍ يصلح‬ ‫لرشح جز ٍء من صورة الحياة يف الداخل السوري‪.‬‬ ‫ال تكف الطائرات مبختلف أنواعها‪ ،‬وجنسياتها عن‬ ‫التحليق‪ ،‬وإلقاء حممها وقنابلها عىل السكان‪.‬‬ ‫صباحات تغري مشهد السامء‪ ،‬دخانٌ‬ ‫قبل عدة‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫متعرج ارتسم يف األعىل‪ ،‬هي‬ ‫‪،‬‬ ‫أبيض‬ ‫دائريٌ‬ ‫ٌ‬ ‫نفس الخطوط التي اعتدنا مشاهداتها أيام‬ ‫الصبا يف سامء ريف دمشق الغريب‪ ،‬كانت بال‬ ‫شك للطائرات اإلرسائيلية التي عرفناها جيداً‪،‬‬ ‫والتي اعتادت القيام بنزهاتها الصباحية يف أجواء‬ ‫املامنعة السورية ــ اللبنانية‪.‬‬ ‫الطائرات اإلرسائيلية عادت ألجوائنا من جديد‪،‬‬ ‫لكن هذه املرة مل تكن وحيد ًة‪ ،‬فطائرات‬ ‫النظام التي مل تكد ترتك مكاناً مل تزره برباميلها‪،‬‬ ‫وصواريخها‪ ،‬تالزمها أيضاً‪ ،‬وإن كانت ال تستطيع‬ ‫التحليق مبحاذاتها وعىل نفس علوها‪ ،‬كام تصحب‬ ‫تلك الطائرات‪ ،‬طائرات أخرى للتحالف الدويل‪،‬‬ ‫والتي تلقي بدورها أطنان القذائف واملتفجرات‬ ‫عىل مناطق شامل‪ ،‬وشامل رشق البالد‪ ،‬وكان أن‬ ‫أصابت ‘‘صواريخها الذكية’’ عديد املرات مدنيني‪،‬‬ ‫وأطفاالً سوريني‪.‬‬ ‫قد تتمثل املفارقة الكربى اليوم بأن الطائرات‬ ‫اإلرسائيلية هي األقل خطراً عىل السوريني‪،‬‬ ‫فوجودها يف األجواء ال يدفعهم للشعور بالخوف‪،‬‬ ‫ويبدو أن بعض انطباعاتهم وأفكارهم السابقة‬ ‫عنها قد تبدلت‪ ،‬هذا ال يعني أن إرسائيل مل‬ ‫تعد تشكل تهديداً أو خطراً‪ ،‬أو أنها مل تعد دول ًة‬ ‫معادي ًة‪ ،‬فهي ال زالت‪ ،‬ورمبا ستبقى كذلك‪ ،‬كل‬ ‫ما يعنيه ذلك ببساطة‪ ،‬أن الخطر املبارش عىل‬ ‫حياة السوريني وأرواحهم ليس مصدره إرسائيل‪،‬‬ ‫فطائراتها ــ اآلن عىل األقل ــ ال تستهدفهم‪،‬‬ ‫وال تقتلهم‪ ،‬ذلك أن طائرات ‘‘نظامهم’’ تتكفل‬ ‫مبوتهم‪ ،‬وكانت طائرات النظام قد نالت شهرة‬ ‫سابقة من سقوطها يف معارك لبنان‪ ،‬يف ما عُ رف‬ ‫بيوم مجزرة الطائرات‪ ،‬حينها مل يتبق من األسطول‬ ‫الجوي السوري إال عرشات الطائرات القدمية التي‬ ‫يسخرها النظام اليوم إللقاء براميله‪ ،‬وكم يتمنى‬ ‫كثريون ــ وأنا منهم ــ لو خرس النظام آنذاك‬

‫أسطوله الحريب كله‪.‬‬ ‫هل شعور كهذا يعد نوعاً من الخيانة؟ هل فقد‬ ‫السوريون غريتهم الوطنية؟‬ ‫الحقيقة‪ ،‬إن اإلجابة عىل هذا السؤال ليست‬ ‫هين ًة‪ ،‬فاإلشكالية التي يطرحها تحمل تعقيدات‬ ‫مركبة‪ ،‬خصوصاً يف ظل الظروف الراهنة‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يجعل طرحه‪ ،‬بهذا الشكل البسيط‪ ،‬ومحاولة‬ ‫اإلجابة عليه بصورة قاطعة‪ ،‬أمراً يحمل نوعاً من‬ ‫االستسهال غري املقبول وال املربر‪ ،‬فال ميكن مسائلة‬ ‫“مواطنني” يواجهون املوت‪ ،‬والترشيد‪ ،‬والجوع‪،‬‬ ‫حرب‬ ‫والربد منذ أكرث من ثالث سنوات‪ ،‬بسبب ٍ‬ ‫عدواني ٍة إجرامي ٍة يخوضها ضدهم “جيشهم‬ ‫الوطني”‪ ،‬ويستعني عليهم باملرتزقة واملليشيات‬ ‫األجنبية‪ ،‬بعدما فتح “نظامهم الوطني” البالد‬ ‫وأجواءها أمام كل أنواع التدخالت الدولية‬ ‫واإلقليمية لتربير مجازره‪ ،‬وفوق ذلك رهن ما تبقى‬ ‫من اقتصاد مقابل االقرتاض لتمويل حربه‪ ،‬عن‬ ‫عدم خوفهم من طائرات إرسائيلية ال تقصفهم‪،‬‬ ‫وال عن ضعف شعورهم بـ “االنتامء”‪ ،‬وال عن‬ ‫برودة مشاعرهم “الوطنية”‪ ،‬والتي قد ال يوجد‬ ‫مربر لها باألساس‪ ،‬فلطاملا كان معنى “الوطن” يف‬ ‫ظل النظام الشمويل مخترصاً يف شخص ‘‘الرئيس’’‬ ‫وعائلته‪ ،‬ولطاملا اختُزل مفهومه بباقة من الكلامت‬ ‫املرسلة الخالية من أية قيمة أو مضمون‪ ،‬كاألرض‪،‬‬ ‫وال َع َلم‪ ،‬والجيش‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫يوم من األيام أي‬ ‫مل يكن للوطن عند السوريني يف ٍ‬ ‫مفهوم حقيقي باملعنى السيايس‪ ،‬أو االجتامعي‪،‬‬ ‫ذلك أن الوطن قبل أن يكون أرضاً‪ ،‬ودول ًة‪ ،‬هو‬ ‫مجموعة برشية (شعب)‪ ،‬مجتمع من أناس‬ ‫يعيشون معاً ويتمتعون بالسيادة‪ ،‬تجمعهم‬ ‫عالقات‪ ،‬وروابط‪ ،‬وآمال‪ ،‬وأحالم‪ ،‬وتوحدهم‬ ‫تطلعات‪ ،‬ورؤى‪ ،‬وأهداف مشرتكة‪ ،‬يحكمهم ‘‘عق ٍد‬ ‫اجتامعي’’ ينظم شؤون حياتهم‪ ،‬ويؤطر عالقاتهم‬ ‫ٍ‬ ‫يف ضوء القانون‪ ،‬وعىل أسس الحق والواجب‬ ‫واملسؤولية‪ ،‬فيختارون به شكل الحكم‪ ،‬والنظام‬ ‫الذي يناسبهم‪ ،‬ويحددون األدوار والوظائف‬ ‫التي ينبغي عىل سلطاتهم تحقيقها‪ ،‬ويقررون‬ ‫االلتزامات والضامنات والجزاءات التي تضمن‬ ‫الوصول لتلك الغايات‪ ،‬لكن السوريني مل يتحصلوا‬ ‫عىل يش ٍء من ذلك سابقاً‪.‬‬ ‫العواطف‪ ،‬واملشاعر ال تكفي إلنشاء ‘‘العالقات‬ ‫الوطنية’’‪ ،‬وتأسيس الدول‪ ،‬فالوطن ــ الدولة‬ ‫ال يقوم بالدرجة األوىل إال عىل أساس املصالح‬ ‫املشرتكة ملجموع ‘‘املواطنني’’‪ ،‬ويف إطار القانون‬ ‫واملؤسسات‪ ،‬وعىل مبادئ كالحرية‪ ،‬والعدل‪،‬‬

‫‪11‬‬


‫في أحد سجون الدكتاتور‬ ‫‪12‬‬

‫كاوا شيخي‬

‫العدد ‪2014 / 12 / 26 - 51 -‬‬

‫مقاالت‬

‫يف أحد السجون تحت األرض ويف إحدى الغرف‬ ‫ا ُمله َمل ِة متاماً عاش سبعة مساجني اتهموا بأخطر‬ ‫تهم ٍة يتهم بها اإلنسان يف زمن الدكتاتور أال وهي‬ ‫عدم محبتهم له‪ ،‬وكان القرار برميهم يف تلك الغرفة‬ ‫من السجن تحت األرض حيث ال ضوء ال صوت‪.‬‬ ‫فقط باب حديدي كبري فيه فتحة كان يقدّم من‬ ‫خاللها الطعام واملاء وهكذا مرت السنون‪.‬‬ ‫املصباح الكهربايئ الصغري هو األمل الوحيد الذي‬ ‫تتعلق به عيون الجميع حتى املساء‪.‬‬ ‫الحارس الذي كان يتبادل املناوبة مع آخر عىل نفس‬ ‫أخالقه‪ ,‬كان يكره األصوات العالية ولهذا فقد ع ّلم‬ ‫السجناء الصمت وع ّلمهم عدم التنفس عند مروره‪,‬‬ ‫وتع ّلم السجناء كتم أنفاسهم‪ ,‬وراح كل واحد منهم‬ ‫يتعلم محبة الدكتاتور حتى يتمكن يوماً ما من‬ ‫الخروج‪.‬‬ ‫م ّرت السنون وحدث ما مل يكن بالحسبان‪ ,‬لقد‬ ‫سقط الدكتاتور بل أسقط وقتل الحارس الواقف‬ ‫عىل باب السجن عىل اعتبار أنه كان من الحرس‬ ‫القديم ودخل الحرس الجديد السجن‪ ,‬اقتحموا‬ ‫أبوابه وأطلقوا السجناء إال نزالء الغرفة املهملة فلم‬ ‫يعرثوا عىل مفتاحها رمبا ألنها مل يتم استعاملها منذ‬ ‫زمن بعيد‪ ،‬وقف الحرس الجديد عىل باب الغرفة‬ ‫ورضبوا الباب بأقدامهم و رصخوا‪:‬‬ ‫هل يوجد أحد هنا؟‬ ‫لكن املساجني الذين أتقنوا الصمت كانوا أذىك من‬ ‫أن يغضبوا حارسهم القديم والذي ظنوا بأنه يغري‬ ‫صوته يك يدفعهم للخطأ فيدخل إليهم كام كان‬ ‫يفعل من سنني‪ ،‬ولن يعطوه الفرصة من جديد‬ ‫يك يعيد فتح جروحهم التي مل تندمل بعد‪ ,‬فكان‬ ‫الجواب أن وضعوا أصابعهم عىل أفواههم ونظروا‬ ‫إىل بعضهم البعض عىل أن‪ :‬اسكتوا إنها مكيدة‪.‬‬ ‫انرصف الحرس الجديد عىل أن ال أحد هنا بينام‬ ‫كانت أصوات أقدامهم وهي تبتعد تعيد الطأمنينة‬ ‫إىل قلوب املساجني السبعة بينام قفز أحدهم بعد‬ ‫أن ابتعد الخطر وراح ميثل دور الحارس القديم وهو‬ ‫يقول‪ :‬أما قلت لكم حتى لو خربت الدنيا ال أريد أن‬ ‫أسمع أصواتكم‪ ,‬هل اشتقتم إىل سوطي؟ هو أيضا‬ ‫اشتاق لكم‪ ،‬فمنذ زمن طويل مل يرتو من دمائكم‬ ‫الحلوة!‬ ‫ثم راح السجني يضحك وهو يدعى رضب الجميع‪:‬‬ ‫واآلن اخلعوا رساويلكم!‬ ‫فضحك الجميع وهم يعلنون أن صمتهم قد نجح يف‬ ‫ردعه من حيث جاء!‬

‫مىض اليوم التايل ومل يحرض الطعام ولكنهم اعتادوا‬ ‫عىل ذلك‪ ,‬فالحارس كلام غضب من زوجته أو‬ ‫عو ِق َب من قبلها كان يفرض عقوبة عىل املساجني‬ ‫ويحرمهم من الطعام ولهذا فقد اعتادوا أن يخبئوا‬ ‫ما يدرؤوا به غضب زوجة الحارس عنه وغضب‬ ‫الحارس عنهم فكانوا يرتكون من طعامهم قليال‬ ‫يكفيهم حتى يهدأ الحارس من جديد‪ ,‬وقد ح ّذرهم‬ ‫عدة مرات “إياكم أن تطالبوين بالطعام فإن العقوبة‬ ‫تبدأ من جديد‪ ,‬فإذا حرمتكم من الطعام فالتزموا‬ ‫الصمت واهدأوا فأنني عندما اهدأ فسأفك الحصار‬ ‫عنكم وأطعمكم”‬ ‫دام الحصار ثالثة أيام‪ ,‬أربعة وقد نفذ املخزون‬ ‫االحتياطي ويف اليوم الخامس راح الجوع يشهر‬ ‫أنيابه عليهم‪ ,‬لقد طال الحصار هذه املرة‪ ,‬ما العمل؟‬ ‫تساءل أحدهم‪ :‬إن أي كلمة أو اعرتاض سيجعل‬ ‫العقوبة تبدأ من جديد‪ ,‬وهذا يعني أسبوعا آخر‬ ‫جديداً وسنموت فيه بال شك!‬ ‫الغرف األخرى التي كانت خالية راحت متتلئ من‬ ‫جديد شيئاً فشيئاً وكان الطعام يأيت إليها ّإل هذه‬ ‫الغرفة والتي ظن الحرس الجديد انه ال يوجد فيها‬ ‫أحد‪.‬‬ ‫سقط عبد الجبار من طوله مغشيا عليه من الجوع‪,‬‬ ‫فام كان من رفاقه إال أن أعادوه إىل مكانه وتجرأوا‬ ‫وملرة واحدة أن يتمتموا بصوت مسموع‪:‬‬ ‫رحمتك يا رب !!‬ ‫وكان صوت خطوات الحارس ميأل املمر‪ ,‬وصوت‬ ‫الصحون واألطباق يف وقت الطعام‪ ,‬ولكن ال أحد‬ ‫يقرتب من غرفتهم‪.‬‬ ‫يف اليوم السابع فقدوا كل أمل وكان عبد الجبار‬ ‫يتنفس بصعوبة بالغة‪ ,‬ذهب أحدهم إىل الباب‬ ‫ورضبه بيده بكل أدب فام كان من رفاقه إال أن‬ ‫جلسوا يف أماكنهم بكل أدب منتظرين أن يفتح‬ ‫الباب ليعلنوا للحارس أنهم مل يفعلوا شيئاً وليد ّلوه‬ ‫عىل الذي طرق الباب ‪,‬فلم يسمعوا جوابا‪ ,‬فراحت‬ ‫رضبات السجني تشتد شيئاً فشيئاً‪ ,‬ثم فجأة انتبه‬ ‫أحد ما من الحرس الجديد إىل الصوت فوقف عىل‬ ‫الباب ثم نادى آخرين‪ ,‬و راح أحدهم يرصخ‪:‬‬ ‫ هل من احد هنا؟‬‫ نعم‪ ,‬نحن هنا آسف لإلزعاج ولكن عبد الجبار‬‫سيموت إن مل يأكل‪ ,‬أما نحن فال بأس‪.‬‬ ‫راحوا يبحثون عن أسامئهم ومن وضعهم هنا‪,‬‬ ‫فأعلن املوظف إنه ال سجني يف سجالته باسم عبد‬ ‫الجبار‪ ,‬فأعلن رئيس السجن أنهم رمبا يكونون‬

‫خطرين جداً ومقربني من الدكتاتور السابق‪ ,‬ولهذا‬ ‫فقد سجنوا هنا من قبل القيادة‪ ,‬فحتى أنا مل يخربين‬ ‫أحد عنهم‪ ,‬افتحوا الباب وأحرضوهم إىل هنا!‬ ‫بحثوا عن املفتاح فلم يجدوه‪ ،‬فاضطروا إىل كرس‬ ‫قفل الباب الصدئ و أخرجوا املساجني الذين هالهم‬ ‫عدم وجود الحارس القديم بني الحرس وحتى‬ ‫مالبس الحرس الجديد قد تغريت‪ ,‬لكن الصمت كان‬ ‫سالحهم وهم يجرون عبد الجبار وراءهم كخرقة‬ ‫بالية ويدخلون إىل غرفة رئيس السجن‪.‬‬ ‫أعلن أحدهم‪ :‬والله العظيم يا سيدي‪ ,‬مهام حصل‬ ‫فإن حب السيد الرئيس القائد يجري يف دمائنا‪ ,‬لقد‬ ‫رضعنا ح ّبه مع حليب أمهاتنا‪ ,‬لقد أورثناه ألوالدنا‬ ‫وأخواتنا وزوجاتنا أيضاً‪ ،‬فكيف ميكن أن ننىس حبه‪.‬‬ ‫قال رئيس السجن‪ :‬أما قلت لكم أنهم أخطر من‬ ‫كل اآلخرين‪ ،‬أعيدوهم إىل مكانهم‪ ,‬و انتظروا أوامر‬ ‫من القيادة بشأنهم!‬ ‫ ولكننا يا سيدي جائعون ‪ ,‬ويف بالد السيد الرئيس‬‫القائد حفظه الله ال يجوز أن نبقى يف هذا الجوع!‬ ‫ حسنا سنطعمكم كام نطعم كل السجناء وهكذا‬‫كان‪.‬‬ ‫عاد السجناء السبعة إىل زنزانتهم وهم يحملون‬ ‫معهم طعاماً كافياً ولسانهم يلهج بالشكر للدكتاتور‪،‬‬ ‫وراحت وجبات الطعام كالعادة تدخل من باب‬ ‫زنزانتهم وعادوا هم إىل صمتهم الذي اعتادوا عليه‪,‬‬ ‫بينام راحت قلوبهم تعتاد عىل حب الدكتاتور!!!‬


‫رامي العاشق*‬

‫دقائق محذوفة‬ ‫من اليوم األسود لليرموك‬

‫العدد ‪2014 / 12 / 26 - 51 -‬‬

‫رسقتها عىل الحاجز‪ ،‬ذهبت مع الغسالة بالجملة‪،‬‬ ‫واآللة املوسيق ّية عبث بها الجنود وتشاجروا عليها‬ ‫حتى ّ‬ ‫حطموها عىل رؤوس بعضهم‪ ،‬وكأن علينا أن‬ ‫نفرتض غري ذلك من العسكر! خرجوا ومل يعرفوا ما‬ ‫الذي حصل بعد خروجهم‪ّ ،‬ربا‪ ..‬ال يجب أن يعرفوا‬ ‫اآلن‪ ،‬كيال يختلف شعور العودة يف دواخلهم!‬ ‫عام من خروجهم من املخ ّيم‪ ،‬أىت خرب استشهاد‬ ‫بعد ٍ‬ ‫حسان تحت التعذيب‪ ،‬حسان هذا‪ ..‬أو باألحرى‬ ‫ّ‬ ‫“ذاك” مل يكن يريد مغادرة املخيم‪ ،‬كان يريد فقط‬ ‫أن يؤ ّلف ع ًمال مرسح ًيا واحدًا كل عام‪ ،‬ويعرضه‬ ‫يف املخ ّيم‪ ..‬فقط يف املخيم‪ ،‬مل يكن يريد أن يصبح‬ ‫مشهو ًرا‪ ،‬كان يريد أن يكون طبيع ًّيا فقط‪ ..‬عاد ًّيا‬ ‫كأيّ وجه من وجوه املخ ّيم‪ ،‬إال أن القاتل أدرك‬ ‫خطورة حسان‪ ،‬فقتله!‪.‬‬

‫نحب‪ ،‬الخرابة املد ّمرة فوق‬ ‫يا أيتها الخرابة التي ّ‬ ‫رؤوس مح ّبيها‪ ،‬ماذا تريدين أكرث من أن نج ّمل قبح‬ ‫فيك؟ ماذا تريدين أكرث من أ ّننا نتباهى بانتامئنا‬ ‫ما ِ‬ ‫لخرابة!؟ نحن أبنا ُء الخرابة والخراب‪ ،‬مخ ِّربون‬ ‫مخ َّربون‪ ،‬جوعى ‪ ..‬مشاريع قتلة‪ ،‬مشاريع قتىل‪،‬‬ ‫ومشاريع أحياء‪ ،‬ال يش مينحنا ً‬ ‫اسم‪ ،‬سوى أسقف‬ ‫لكائن “مخ ّيمجي”‪ ..‬يا أ ّيها‬ ‫الزينكو‪ ،‬وصورة منط ّية‬ ‫ٍ‬ ‫املالحقُ‬ ‫املنفي الشهيد!! ملاذا‬ ‫الالجئ‬ ‫ُ‬ ‫النازح ا ُملقت َلع َ‬ ‫ّ‬ ‫س ّميت مقربتني بذات االسم؟!!‬ ‫حسان الكوميديان ألنهم يخافون من‬ ‫قتلوا ّ‬ ‫االبتسامة‪ ،‬قتلوه يف الظالم‪ ،‬وأطلقوا يد الظالم لتُكمل‬ ‫عىل ج ّثتنا جمي ًعا‪ ،‬ها هم مجرمو الليل يقتلون يف‬ ‫حسان وذكرى‬ ‫وضح النهار باسم الله يف ذكرى ّ‬ ‫“أحب‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫حسان‬ ‫ّ‬ ‫اجتثاث أهل املخيم منه‪ ،‬كان ّ‬ ‫أن أع ّرف نفيس عىل أنني فلسطيني سوري” هو ابن‬ ‫املوتني إذن‪ ،‬قتلته سور ّيته حني قتلته فلسطين ّيته‬ ‫ومن مل ُيقتل باالثنتني ُقتل بواحدة ّ‬ ‫وظل جسدًا ح ًيا‬ ‫وروحا ميتة ّ‬ ‫مرشدة ال شاهدة لها‪ ،‬آخر ما‬ ‫باألخرى ً‬ ‫حسان‪“ :‬بتخيل أيام كيف شكل الشام‬ ‫سمعناه من ّ‬ ‫حسان‪.‬‬ ‫بحس إين ما رح أرجع أشوفا” صدق ّ‬ ‫كان ‪ّ ..‬‬ ‫ُ‬ ‫خرجوا كام خرجوا أ ّول م ّرة‪ ،‬مل يختلف يشء‪ ،‬لفظوا‬ ‫حسان بروحه‪ ،‬هكذا فعل بهم‬ ‫كام فعل جسد ّ‬ ‫طريان امليغ السوريّ ‪ ،‬وهكذا فعل فرع فلسطني‬ ‫بحسان‪ ،‬وهكذا يفعل املتطرفون‬ ‫األمني السوري ّ‬ ‫مبن بقي تحت الحصار‪.‬‬ ‫*شاعر وكاتب صحايف فلسطيني سوري‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫خرجوا كام خرجوا منذ ستّني عا ًما‪ ،‬مل يختلف يشء‪،‬‬ ‫ما تركوه هو ذات ما تركوه أ ّول م ّرة‪ ،‬وما حملوه‬ ‫هو ذات ما حملوه أ ّول مرة‪ ،‬مل يختلف يشء‪ ،‬مل‬ ‫يرتكوا سوى ما مل يستطيعوا حمله‪ ،‬تركوا بيو ًتا ثقيلة‬ ‫الذكريات‪ ،‬شوارعَ أكلت أقدامهم يوم ًّيا‪ ،‬ثيا ًبا تحمل‬ ‫روائحهم وتحفظها تحت الرماد‪ ،‬تركوا األسام َء ذاتها‪:‬‬ ‫حيفا‪ ،‬القدس‪ ،‬الكرمل‪ ،‬القسطل‪ ،‬الطرية‪ ،‬لوبية‪،‬‬ ‫وصفد‪ ،‬تركوا مقربة الشهداء القدمية‪ ،‬والجديدة‬ ‫أيضا‪ّ ،‬ربا مل ينتبه أحدٌ ليذكر أن أحدهم َ‬ ‫ً‬ ‫غسالة‬ ‫ترك ّ‬ ‫أوتوماتيك ّية وفيها كل ما جمعه من مال لزفاف‬ ‫ابنه‪ ،‬ومل يذكر أحدٌ أن أحدهم َ‬ ‫ترك آلته املوسيق ّية‬ ‫َ‬ ‫تحت طاولته‪ ،‬وأن مراه ًقا خرج دون صور عشيقاته‬ ‫ودون دفاتر أشعاره السخيفة‪ ،‬مل يذكر أحدٌ ّأن‬ ‫شاشة البالزما الجديدة مازالت يف كرتونتها ومل‬ ‫يستطع أصحابها أن يج ّربوها ويلت ّفوا حولها كام‬ ‫يلت ّفون حول النار يف الربد‪ ،‬نيس الجميع أن يقولوا‪:‬‬ ‫إن أولئك األطفال خرجوا دون ألعابهم‪ّ ،‬‬ ‫وإن أمهاتهم‬ ‫املرضعات خرجنَ وقد ّ‬ ‫تخث ما يف أثدائهنَّ ‪ ..‬خرجوا‬ ‫كام خرجوا أ ّول م ّرة‪ ..‬بال مالمح‪.‬‬ ‫مل يختلف يشء‪ ،‬أسامءهم ذاتها أحالمهم املد ّمرة‬ ‫غي اسمه‪ ،‬الجثث ذاتها وإن‬ ‫ذاتها‪ ،‬القاتل ذاته وإن ّ‬ ‫كانت بعد كل هذا الوقت‪ ،‬الجثث تركوها خلفهم‬ ‫وخرجوا‪ ،‬مل يستطيعوا حملها معهم يف هجرتهم‬ ‫الثانية!‬ ‫يسأل أحدٌ اآلخر‪ :‬أهو اللجوء الثاين؟‬ ‫ ال‪ ،‬تع ّلمنا من األمس ّأل نتش ّبث بالخيمة‪ّ ،‬إل أن‬‫املخيم مل يكن خيمة‪ ،‬أنا سأبقى‪ ،‬سأنزح إىل منطقة‬ ‫ثم أعود‪ ،‬لن أكون الجئًا للمرة الثانية‪.‬‬ ‫قريبة أل ّيام ّ‬ ‫ُ‬ ‫ ابقَ إذن‪ ،‬أنا كفرت بهذه األوطانِ سأذهب بعيدًا‬‫من أجل أبنايئ‪ ،‬وتش ّبث كام شئت ‪ .....‬باملوت!‬ ‫ من اخت َرب أن يكون الجئًا يعرف متا ًما أنه ال يريد‬‫أرض ال يعرفها‪ ،‬ولغة ال‬ ‫أن يكون الجئًا من جديد يف ٍ‬ ‫يعرفها‪ ،‬وشعب غريب باملطلق‪ ،‬مل يعد هناك وقت‬ ‫يكفي لنج ّرب من جديد‪ ،‬إذهب أنت ‪ ..‬أنا سأتش ّبث‬ ‫بهذا املوت حتى أحيا‪ ..‬أنا أعرف هذا املوت‪ ،‬واملوت‬ ‫الذي تعرفه خري من الذي ال تعرفه!‪.‬‬ ‫خرجوا كام خرجوا من فلسطني‪ ،‬تركوا ما تركوه‬ ‫ذكريات لبيوت مهدّمة‪ ،‬حملوا ندبات عىل‬ ‫وحملوا‬ ‫ٍ‬ ‫مالبس تكفي ليومني ال أكرث‪،‬‬ ‫عدد سكان املخيم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بعض أوراقهم الثبوتية‪ ،‬ومفاتيح بيوتهم إال أن‬ ‫حجم‪ ،‬املقربة مكتظةّ‬ ‫املفاتيح هذه املرة كانت أصغر ً‬ ‫أكرث باملوىت والرخام أقل‪ ،‬مل يعرف أحدٌ ّأن مدّخرات‬ ‫الزفاف التي تركها الوالد يف الغسالة خو ًفا من‬

‫‪13‬‬


‫اكراد ســورية‪ :‬أعلنوا الحرب على التنظيمات الجهادية‬

‫‪14‬‬

‫كمال شيخو‬

‫العدد ‪2014 / 12 / 26 - 51 -‬‬

‫يروي سكان مدينة رسي كانيه (أو راس العني)‬ ‫قصصاً وحكايات عن االنتهاكات والفظائع التي‬ ‫ارتكبتها التنظيامت املتطرفة‪ ،‬عندما قررت نهاية‬ ‫العام ‪ ،2012‬تحرير املدينة من بقايا القوات‬ ‫املوالية للنظام السوري‪.‬‬ ‫رسي كانيه تقع يف أقىص الشامل السوري تتبع‬ ‫ادارياً ملحافظة الحسكة‪ ،‬التزال شوارعها ينترش‬ ‫فيها رائحة البارود والرصاص‪ ,‬و ُتسمع فيها اصوات‬ ‫الرصاص هنا وهناك‪.‬‬ ‫أما مدينة كوباين (أو عني العرب) التابعة لريف‬ ‫حلب‪ ،‬يستميت األكراد يف الدفاع عنها بعد أن‬ ‫شن تنظيم الدولة (داعش) معركة عليها منذ ثالثة‬ ‫أشهر‪ ،‬وسيطر عىل ريفها وأجزاء منها وتسبب يف‬ ‫فرار أغلبية سكانها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وباتت املدينة محورا للرصاع يف سوريا مع مشاركة‬ ‫طائرات التحالف الدويل الذي تشكل لقتال‬ ‫التنظيم يف مناطق أنتشاره يف سوريا والعراق‪.‬‬

‫"جاؤوا ليحتلوها"‬

‫تقارير‬

‫بعد معارك استمرت لثالثة أيام‪ ،‬أعلنت التنظيامت‬ ‫الجهادية سيطرتها عىل مدينة رسي كانيه‪ ،‬وأذاعوا‬ ‫من عىل منابر الجوامع‪ ،‬عبارات متشددة أشهرها‪:‬‬ ‫"س ّلم نفسك تسلم"‪ ،‬بينام كان شعار‪" :‬مالكم مالنا‬ ‫وحاللكم حاللنا"‪ ،‬األكرث تطرفاً‪.‬‬ ‫وبرز (الزعيم) وهو رجل يف عقده السادس من‬ ‫مواليد رسي كانيه‪ ،‬كأول كردي يحمل السالح‬ ‫يف وجه تلك التنظيامت‪ ،‬روى أنه "يف عرص ‪11‬‬ ‫ترشين الثاين‪/‬نوفمرب ‪ ،2012‬شكلنا أول مجوعة‬ ‫كردية مسلحة مؤلفة من ‪ 12‬متطوعاً من أبناء‬ ‫الحي ملحاربة الكتائب املتطرفة"‪ ،‬وعن سالحه قال‬ ‫"منذ ثالثني عاماً مل أطلق رصاصة واحدة به‪ ,‬ولكن‬ ‫عندما دخلت تلك الكتائب قررنا الدفاع عن اهلنا‬ ‫ورشفنا‪ ،‬هم جاؤوا للسيطرة عىل هذه املدينة‬ ‫الكردية‪ ،‬ونحن دافعنا عن وجودنا وتاريخنا‬ ‫وإرثنا"‪ ,‬وعن شعارات الجهاديني نقل الزعيم‬ ‫"قالوا‪ :‬ناموسكم حاللنا ومالكم مالنا"‪ ،‬إال أنه رد‬ ‫عليهم قائ ًال‪" :‬خسئتم والزعيم ما بريكع إال لله"‪.‬‬ ‫وأشار الناشط يف مجال حقوق االنسان محي‬ ‫الدين عيسو ّإن هدف تلك التنظيامت "جاؤوا‬ ‫ليحتلوها ولتفريغها من سكانها بحجة تحريرها‬ ‫من النظام السوري"‪ ،‬ويجزم عيسو "قيام املقاتلني‬ ‫بنهب ورسقة ممتلكات سكانها واعتدوا عىل‬ ‫كرامات الناس"‪ ،‬مضيفاً "ال حاضنة اجتامعية‬ ‫ملثل تلك التنظيامت يف املناطق الكردية‪ ،‬ومل‬ ‫تتم ّكن من اخرتاق مناطقنا"‪ ،‬لوجود قوة سياسية‬

‫وعسكرية واجتامعية متامسكة لألكراد من ناحية‪،‬‬ ‫ولالختالف الجذري بني قيم وعادات املجتمع‬ ‫الكردي عن قيم وفكر التنظيامت الجهادية من‬ ‫ناحية أخرى‪ ،‬بحسب محي الدين عيسو‪.‬‬ ‫ويخىش مسؤويل االدارة الذاتية الدميقراطية‬ ‫وتوسع‬ ‫املشرتكة‪ ،‬أن تؤدي التطورات األخرية‬ ‫ّ‬ ‫حروب (داعش) يف سورية والعراق؛ اىل تهديد‬ ‫النسيج االجتامعي والسلم االهيل واالستقرار‬ ‫االقليمي والدويل للمنطقة برمتها‪.‬‬ ‫بدوره‪ ،‬أكد الدكتور عبد الكريم عمر منسق‬ ‫العالقات الخارجية لحركة (املجتمع الدميقراطي)‪،‬‬ ‫وأحد مسؤويل االدارة الذاتية‪ ،‬أن "أكراد سورية‬ ‫يتعرضون للهجامت منذ نحو عامني من التنظيامت‬ ‫املتطرفة‪ ،‬بدعم ومساندة من دول إقليمية‬ ‫تتصدّرها تركيا"‪ ،‬وأعرب أن "األكراد خاضوا معارك‬ ‫رشسة ضد داعش‪ ،‬واستشهد املئات من املدنيني‬ ‫العزّل‪ ،‬وأرسلوا لنا سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة‬ ‫ُ‬ ‫وارتكبوا مجازر بحق املدنيني"‪.‬‬ ‫وعرب أنه "من حق مسؤويل اإلدارة الخشية ممّ‬ ‫يجري‪ ،‬كونهم يعتربون أن االتفاق بني األطراف‬ ‫قسمت مناطق‬ ‫الكردية والعربية والرسيانية‪ ،‬التي ّ‬ ‫شامل وشامل رشق سورية اىل ثالث كانتونات‪:‬‬ ‫مقاطعة الجزيرة‪ ،‬مقاطعة كوباين‪ ،‬مقاطعة‬ ‫عفرين"‪ ،‬والتي تشكل منوذج ّ‬ ‫حل لسورية‬ ‫املستقبلية‪ ،‬وتعكس صورة الدولة الدميقراطية‬ ‫التعددية الالمركزية‪.‬‬

‫حرب كوباين‬

‫مىض ثالثة أشهر من املعارك الدائرة يف مدينة‬ ‫كوباين بني وحدات حامية الشعب الكردية‬ ‫وتشكيالت من الجيش الحر‪ ،‬مبساندة قوات‬ ‫البشمركه من جهة‪ ،‬وتنظيم الدولة اإلسالمية‬ ‫(داعش) من جهة ثانية‪ .‬إال أن البلدة ال تزال‬ ‫منقسمة السيطرة بني الطرفني‪.‬‬ ‫من جانبه‪ ،‬أخرب محي الدين الشيخ آيل سكرتري‬ ‫عام حزب الوحدة الدميقراطي الكردي يف سوريا (‬ ‫يكيتي) ان "مدينة كوباين وريفها‪ ،‬شهدت والتزال‬ ‫حصاراً خانقاً ومحاوالت اقتحام عديدة من قبل‬ ‫داعش‪ ،‬مبؤازرة من تنظيامت مسلحة أخرى ملا‬ ‫يقارب أكرث من عام"‪.‬‬ ‫ويصف الشيخ آيل معركة التنظيم األخرية بـ‬ ‫"الغزو"‪ ،‬ويضيف "بعد استيالئه عىل أسلحة‬ ‫متطورة من الجيشني العراقي والسوري‪ -‬وإعالنه‬ ‫الخالفة اإلسالمية‪ -‬وامتالكه أموال كبرية‪ ،‬ينوي‬ ‫التمدد أكرث يف سوريا والعراق"‪ ،‬وقال‪" :‬كان واليزال‬

‫لوحدات حامية الشعب الكردي ‪ YPG‬الدور‬ ‫األبرز واألسايس يف الدفاع عن املدينة‪ ،‬مدعومة‬ ‫بحاضنة شعبية كردية واسعة"‪.‬‬ ‫وبعد صمود دام ألكرث من ‪ 40‬يوم‪ ،‬أرسلت حكومة‬ ‫إقليم كردستان قوة مؤازرة من حوايل ‪ 150‬من‬ ‫عنارص البيشمركه ولقى ذلك ترحيباً كبرياً من قبل‬ ‫الكرد يف كل مكان‪.‬‬ ‫ويعترب الشيخ آيل أن "أكراد سوريا يف منطقة‬ ‫كوباين وغريها يف موقع الدفاع عن النفس"‪ ،‬أما‬ ‫(داعش) وصفها بالقوة "االحتاللية" ولفت أنها‬ ‫"تسعى السيطرة عىل أكرب مساحة من األرايض‬ ‫وإعالن خالفته عرب الغزو والنهب والقتل والتحكم‬ ‫مبوارد البرتول واملنافذ الحدودية"‪ ،‬وأكد ّإن‬ ‫"الوسط الكردي يف كل من العراق وسوريا يشكل‬ ‫عقبة أساسية أمام تنفيذ مخططها التوسعي"‪.‬‬ ‫وبحسب قيادات كردية ميدانية تخضع نصف‬ ‫املدينة لسيطرتهم‪ ،‬بدءا من سوق الهال‪ ،‬وجامع‬ ‫حاج شكري وصوال إىل تخوم حي الصناعة رشقا‪،‬‬ ‫والجهة الشاملية تخضع كاملة لهم‪ ،‬ثانوية عني‬ ‫العرب‪ ،‬ومدرسة الوحدة والجامع الكبري‪ .‬ويف‬ ‫الجهة الجنوبية‪ ،‬وصلت القوات الكردية إىل‬ ‫دوار البلدية‪ ،‬وتدور اشتباكات عنيفة للسيطرة‬ ‫عىل األخرية‪ ،‬كام ال تزال ساحة الحرية منقسمة‬ ‫السيطرة‪ ،‬وتدور اشتباكات عند طريق حلب‬ ‫الدويل وكازية حاج شكري‪ .‬أما غربا‪ ،‬فلم يحقق‬ ‫تنظيم (داعش) أي تقدم يذكر‪.‬‬ ‫وترى الرئيس املشرتك لحزب االتحاد الدميقراطي‬ ‫الكردي آسيا عبد الله أن "الهدف األول من حرب‬ ‫تنظيم داعش هو إفراغ كوباين من سكانها األكراد‬ ‫والسيطرة عليها"‪ ،‬وأردفت "املدينة محارصة‬ ‫منذ حوايل عامني من جهاتها األربع‪ ،‬ثالث مع‬ ‫سوريا والجهة الرابعة مع تركيا التي أغلقت‬ ‫املنفذ الحدودي الوحيد املتبقي بني املدينة‬ ‫والعامل الخارجي"‪ .‬وطالبت آسيا عبد الله "كل‬ ‫ما نحتاج إليه حالياً وبشكل رسيع هو فتح ممر‬ ‫إنساين لتسهيل دخول املساعدات اإلغاثية لألهايل‬ ‫واملدنيني املتبقني‪ ،‬ويجب أن يكون تحت إرشاف‬ ‫وحامية األمم املتحدة"‪.‬‬


‫قاب زرين أو أدنى‬ ‫باسل مطر‬ ‫مشروع سالمتك‬

‫سيندثر وستبقى رواية اآلخر فقط إن مل يستثمر‬ ‫وتتم املحافظة عليه‪ ,‬وهو ما يجب أن نعيه‬ ‫جيدا‪.‬‬

‫املوىس‪ .‬عرب نافذتني يف بال ٍد غريبة تحدثنا بصمت‪.‬‬ ‫نزحت‬ ‫عيني سألتها ‪ :‬ــ ما اسم مدينتك السور ّية التي‬ ‫ِ‬ ‫عنها ؟‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫جسدها العاري أجاب‪ :‬ــ نسيت أسامء املدن السور ّية‪..‬‬ ‫أحتاج أللف سيجارة ٍوسيجارة حتى يستوعب عقيل‬ ‫جيداً جسدها العاري‪.‬‬ ‫مثة أحمقٌ رصخ داخيل لحظة ملل‪ :‬ــ الله غري موجود‪..‬‬ ‫أحمقٌ آخر يعيش داخيل أيضاً‪ ،‬أجابه غاضباً‪ :‬ــ الله‬ ‫موجود‪..‬‬ ‫مجموعة من الحمقى تعيش داخيل‪ ،‬تنقسم بني مؤي ٍد‬ ‫ومعارض لألولَ ّي‪ ،‬ثم تنشب بينهم معركة ٌعظيمة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫جلست أمام نافذيت ألراقب جاريت عرب نافذتها وهي‬ ‫تغيري ثيابها‪ ،‬ثيابها التي ال تغريها إال عندما تنتبه‬ ‫لوجودي خلف نافذيت‪.‬‬ ‫كل أولئك الحمقى داخيل شهقوا وصمتوا‪.‬‬ ‫الذين كانوا يرصخون داخيل ( الله غري موجود ) متتموا‬ ‫بذهول ( سبحان الله(‪.‬‬ ‫الذين كانوا يرصخون داخيل ( الله موجود) همسوا‬ ‫بشتيمة طالت كل اآللهة‪.‬‬ ‫شفتي زمناً طويال‪ً.‬‬ ‫ْ‬ ‫ظلت سيجاريت معلقة ً بني‬ ‫ّ‬ ‫كنّا عدة شبان من عدة مدن سور ّية‪ ..‬صعدنا مع حقائبنا‬ ‫الصغرية قارباً متواضعاً وأبحرنا مبتعدين عن الشاطئ‪،‬‬ ‫ال أحد منا لوح مودعاً تركيا‪ ..‬وكأنها مجرد كابوس‪.‬‬ ‫نارص ــ وبسبب زوربا ــ كان يريد أن نصل للشواطئ‬ ‫اليونان ّية‪.‬‬ ‫عباس ــ وبسبب فلليني ــ كان يريد أن نصل للشواطئ‬ ‫اإليطال ّية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أنا ــ وبسبب عيل عقلة عرسان ــ خفت أن يأخذنا‬ ‫القارب ــ صدفة ً ــ إىل الشواطئ السور ّية‪.‬‬ ‫لكن القارب أراد شيئاً آخر‪ ..‬تحطم بنا لنغرق وتتناثر‬ ‫جثثنا يف قاع البحر األبيض املتوسط‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫تاهت روحي طوي ًال فوق البحر قبل أن تصل لرتكيا‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫فطارت فوق شوارعها حتى بيت جاريت الجميلة‪..‬‬ ‫لتدخل غرفتها بهدوء‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫اقرتبت منها روحي‬ ‫كان الوقت لي ًال وجاريت كانت نامئة‪،‬‬ ‫لتغطيها‪ ،‬و خوفاً عليها من برد املساء‪ْ ،‬‬ ‫مشت إىل النافذة‬ ‫تنوي إغالقها‪.‬‬ ‫عندئ ِذ‪ ..‬روحي شاهدته‪ ..‬رذاذ سيجارته كان ييضء ربع‬ ‫وجهه‪.‬‬ ‫كشبح ٍ كان زعيم الحمقى ال يزال خلف نافذته يف عتمة‬ ‫غرفته‪ ،‬ينتظر مبلل أن يغري الكون ثيابه‪...‬‬

‫العدد ‪2014 / 12 / 26 - 51 -‬‬

‫متاح للجميع‪ ,‬ينتظر من يلتقطه‪ ,‬ويجمعه‬ ‫ويبني منه شهادة عىل عرص كامل‪ .‬مل يعد‬ ‫اإلعالم التقليدي يحتكر نقل الخرب‪ ,‬ومل تعد‬ ‫السلطات تحتكره أيضا‪ ,‬بل أصبح بإمكان‬ ‫املواطن العادي أن يسهم يف التقاطه ونرشه‬ ‫وإيصاله إىل الناس‪ .‬مل يعد بإمكان املنترص‬ ‫أو القوي االنفراد يف رواية التاريخ من وجهة‬ ‫نظره‪ ,‬بل أصبح هناك روايات مختلفة لذات‬ ‫القصة‪ ,‬مل تكن متاحة يف الغالب من قبل‪.‬‬ ‫كانت الثورة السورية والزالت حتى اللحظة‬ ‫واحد ًة من األحداث التي اتسمت بتغطية‬ ‫كبرية جداً من قبل مستخدمي التكنولوجيا‬ ‫العاديني من أبناءها الذين انخرطوا فيها‬ ‫من جميع مشارب الحياة‪ ,‬وقد يجوز القول‬ ‫بأن جل ما تم تناقله ويتم تناقله اليوم عن‬ ‫األحداث يف سوريا ُمولدٌ من قبل هؤالء‪.‬‬ ‫هناك بعض املنصات التي أنشأت خصيصاً‬ ‫لجمع بعض هذ املحتوى‪ ,‬وتحليل بعضها‬ ‫لهدف صحفي أو بحثي‪ .‬رمبا أن حجم‬ ‫املحتوى أكرب من أن يحيط به جهد وحيد‬ ‫ويتطلب الكثري من التعاون‪.‬‬ ‫ما يشوب هذا النوع من املحتوى هو‬ ‫الفوىض العارمة التي تعرتي بعضه أو جله‪,‬‬ ‫واالنحياز غري املهني الذي يرافق نرشه‪,‬‬ ‫واملبالغة أو التضليل أحيانا‪ .‬إن االستفادة‬ ‫منه بعد أن تراكم بكميات هائلة تصبح أكرث‬ ‫صعوبة وتعقيدا‪ ,‬لكن االستفادة اآلنية التي‬ ‫متكن من التدقيق والتحري حني مشاركة‬ ‫املحتوى أمرأ أكرث سهولة‪.‬‬ ‫بالرغم من كل ما تقدم‪ ,‬فإن هذا املحتوى‬

‫قصة قصيرة لــ ‪:‬‬ ‫مصطفى تاج الدين‬

‫‪15‬‬

‫مقاالت ‪ /‬أدب‬

‫يف عام ‪ ,2006‬ويف حدث سنوي هام عامليا‬ ‫بدأ عام ‪ ,1927‬قامت مجلة تايم األمريكية‬ ‫باختيار شخصية العام لتكون “أنت”‪ .‬نعم‬ ‫“أنت”‪ ,‬مستخدم اإلنرتنت الذي يساهم‬ ‫يف إنشاء أو توليد محتوى اإلنرتنت‪ ,‬وذلك‬ ‫بعد عام واحد فقط من الطفرة الكبرية‬ ‫التي طرأت عىل هذا املجال من جمع‬ ‫ونرش األخبار واملعلومات‪ ,‬بعد حادثة‬ ‫تفجري قطارات األنفاق يف لندن واحرتاق‬ ‫مستودع هارتفوردشري للنفط يف إنكلرتا‪ ,‬وما‬ ‫تبع ذلك من مساهمة شهود عيان كرث يف‬ ‫توثيق ونقل تطورات هذين الحدثني من‬ ‫خالل الصور والفيديو ونقل األخبار بطريقة‬ ‫دفعت مؤسسة اإلرسال الربيطانية ‪BBC‬‬ ‫بعيد ذلك إىل إنشاء قسم خاص ملا اصطلح‬ ‫عىل تسميته ‪User Generated Content‬‬ ‫أي املحتوى الذي يولده املستخدم وعينت‬ ‫ثالثة أشخاص فيه‪ ,‬توسع القسم بعدها‪ ,‬وما‬ ‫لبثت أن أطلقت ‪ CNN‬منصتها الخاصة‬ ‫‪)/Ireport (http://ireport.cnn.com‬‬ ‫تبعتها منصة مشابهة لفوكس نيوز أسمتها‬ ‫‪Youreport (http://ureport.foxnews.‬‬ ‫‪ .)/com‬أقرت مؤسسات اإلعالم التقليدية‬ ‫التي تهيمن عىل فضاء اإلعالم بقيمة‬ ‫األخبار التي تأيت من مستهلكيها‪ ,‬مستفيدة‬ ‫من عرص املعلومات واإلنرتنت‪ ,‬وواضعة‬ ‫املستخدم يف موقع متقدم مل يكن متاحاً له‬ ‫يف السابق‪.‬‬ ‫أصبح املحتوى الذي يولده املستخدم‬ ‫مصدراً لألخبار واملعلومات‪ ,‬وبدأ حجمه‬ ‫بالنمو مع تطور اإلنرتنت وظهور منصات‬ ‫التواصل االجتامعي ومنصات تحميل‬ ‫ونرش الفيديو وتطور منصات التدوين‪,‬‬ ‫حتى أصبح هناك فائض يربك املستفيدين‬ ‫منه من مستخدمني عاديني أو مؤسسات‬ ‫إعالمية أو بحثية أو أكادميية أو تجارية‪,‬‬ ‫وبدأت معايري التدقيق بالظهور‪ ,‬وبدأت‬ ‫أدوات تدقيق هذا املحتوى بالتطور أيضا‪,‬‬ ‫وهو أمر طبيعي يف ظل الكم الهائل منه‪.‬‬ ‫لعل أهم سامت هذه الطفرة يف توليد‬ ‫املحتوى هي أنها مكنت شاهد العيان‪ ,‬أياً‬ ‫كان من توثيق شهادته‪ .‬فبعد أن كانت‬ ‫روايات الناس عن األحداث التي عاشوها‬ ‫وشهدوها تذهب أدراج الرياح بعد موتهم‬ ‫أو موت أبناءهم‪ ,‬أصبح هناك فيض منها‬ ‫سيتاح له البقاء أمداً طوي ًال‪ ,‬يعوم يف بحر‬

‫زعيم احلمقى‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.