طلعنا عالحرية / العدد 48

Page 1

‫حرية كرامة مواطنة‬

‫العدد ‪48‬‬

‫تحقيقات‬

‫‪2014 / 11 / 11‬‬

‫قضية مخطوفي دوما‬ ‫القفز فوق القرائن‬

‫مقاالت‬ ‫المجالس المحلية‬ ‫بلديات أم منظمات مجتمع مدني؟‬ ‫بين القتال والقتل‬ ‫دولة الثقب األسود‬ ‫ترويض الدولة‬ ‫عصر األكراد‬


‫العمل في ساحة الممكن‬

‫‪2‬‬

‫افتتاحية‬

‫بقلم ليلى الصفدي‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 11 - 48 -‬‬

‫ال جديد يف القول إن الوقائع وسياسات الدول الكربى‬ ‫تثبت يوماً بعد يوم ازدواجيتها وكيلها مبكيالني مبا يتوافق‬ ‫مع مخططاتها ومصالحها‪ ،‬كام ال جديد يف القول إن‬ ‫تلك الدول ال تقيم اعتباراً لحياة الشعوب ومصائرها‪..‬‬ ‫وال لحقوق املظلومني أينام كانوا‪ ..‬ويف هذا السياق يأيت‬ ‫صمت العامل عىل مرتكبي املذبحة السورية املستمرة‬ ‫منذ أعوام أربعة‪.‬‬ ‫وعىل األرجح ال يختلف اثنان اليوم عىل أن هناك قرار‬ ‫دويل متوافق عليه بحامية النظام السوري وإطالق‬ ‫يده يف القتل والتدمري‪ ،‬ويبدو أن هذا القرار يأيت ممن‬ ‫يسمون «أصدقاء الشعب السوري» قبل أعدائه! وتلك‬ ‫حقيقة ظلت لوقت طويل مدار أخذ ورد بني السوريني‬ ‫والذين ّ‬ ‫ظل قسم ال يستهان به منهم غري مصدق لها‬ ‫ألمد قريب‪.‬‬ ‫اآلن وبعد دخول قوات التحالف الدويل يف حرب‪ ،‬يبدو‬ ‫أنها شكلية‪ ،‬ضد «اإلسالم املتطرف» دون النظام‪ ،‬تبدو‬ ‫هذه الحقيقة أكرث إقناعاً للجميع‪ ،‬لكن السؤال الذي يثار‬ ‫اآلن هو حول جدوى هذه الحرب‪ ،‬وهل ميكن أن تكون‬ ‫مفيدة للسوريني بأي شكل من األشكال؟‬ ‫شعبنا الذي يالقي أشكاالً شتى من القتل والقمع‬ ‫واإلرهاب‪ ..‬هل من املمكن أن يستفيد من االنتقائية‬ ‫األمريكية يف الحرب؟‬

‫ال يبدو أن هناك جواب مفيد اآلن عىل هذا السؤال‪،‬‬ ‫ويبدو مرشحاً أن تبقى سوريا أرضاً خصبة لقتال طويل‬ ‫األمد بني مصالح شتى ال يجمعها إال الالمباالة تجاه سفك‬ ‫دمائنا وتدمري مدننا ومقدراتنا‪..‬‬ ‫لكن هل باإلمكان محاولة العمل وسط هذا الواقع‬ ‫الصعب عىل الحد من اإلجرام فقط؟! هل باإلمكان‬ ‫مسايرة االزدواجية األمريكية بالعمل االنتقايئ عىل‬ ‫محاسبة املجرمني والحد من اإلرهاب والقتل واالعتقال‬ ‫والخطف التعسفي الذي متارسه شتى الفصائل املقاتلة‬ ‫من داعش إىل غريها من الكتائب والعصابات املسلحة‪...‬‬ ‫وال نقول النظام الذي تبدو محاسبته من املحرمات‬ ‫اليوم‪!..‬‬ ‫وبعبارة أوضح‪ ..‬هل تستطيع املراكز الحقوقية السورية‬ ‫ومراكز التوثيق املختلفة وغريها من الجهات املعنية‬ ‫بجرائم الحرب وحقوق اإلنسان‪ ..‬هل تستطيع الحد‬ ‫من إجرام داعش ومثيالتها عرب محاكامت دولية بعد أن‬ ‫عجزت طوال الفرتة املاضية عن محاكمة ممثيل النظام‬ ‫ورموزه؟؟‬ ‫ال نعرف ما هي اإلجابات املمكنة عىل هذا السؤال‪..‬‬ ‫والذي يبدو بدوره انتقائيا وال منطقياً‪ ..‬فإذا كان ال بد‬ ‫من املوت فقد يقول قائل‪ ..‬لنكن عادلني مع القتلة‬ ‫أيضاً‪ ..‬ولنسمح لهم بقتلنا عىل قدم املساواة‪! ..‬‬ ‫لكن من جانب آخر يبدو أنه ال مفر من الدخول يف‬ ‫الجزئيات واالنتقائية‪ ..‬ألن ح ًال سحرياً شام ًال يبدو بعيد‬ ‫املنال‪ ..‬وال بد من العمل يف ساحة املمكن‪.‬‬

‫افتتاحية العدد‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬ ‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬ ‫‪twitter.com/freedomraise‬‬


‫قضية مخطوفي دوما‬ ‫القفز فوق القرائن‬ ‫أسامة نصّار‬

‫يقرتب مخطوفو دوما األربعة؛ السيدة سمرية القرينة األوىل‪ :‬مخالفة املقال لواقع الحال‬

‫العدد ‪- 48 -‬‬ ‫‪2014 / 11 / 11‬‬

‫الخليل الناشطة واملعتقلة السابقة‪ ،‬واملحامية‬ ‫الحقوقية رزان زيتونة وزوجها املهندس والناشط‬ ‫وائل حامدة واملحامي الشاعر ناظم حامدي‪،‬‬ ‫من طي عام كامل يف الظالم‪ .‬معلوم أن النشطاء‬ ‫األربعة هم من املعارضني املخرضمني للنظام‪ .‬ولكن‬ ‫املسؤول عن تغييبهم حتى اآلن ليس النظام ع ّراب‬ ‫الجرمية األكرب يف البلد‪ ،‬وإمنا كانت الجرمية هذه‬ ‫املرة بأيد “صديقة”! ومع كل التناقضات التي‬ ‫تحملها عبارة “املجرم الصديق”‪ ،‬إال أنها معربة يف‬ ‫وصف حال املخطوفني األربعة الذين لجؤوا إىل‬ ‫الغوطة “املحررة” بعد أن غدو جميعاً مطلوبني‬ ‫ألفرع النظام األمنية بسبب نشاطهم ودعمهم‬ ‫للثورة والثائرين‪.‬‬ ‫حتى اآلن مل يتم الكشف عن مصري األربعة وال عن‬ ‫هوية الخاطف‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫شك أن القضية معقدة وصعبة‪ ،‬وأن الخاطف‬ ‫عمل عىل اقتناص فرصة درسها جيداً لينفذ فعلته‬ ‫ويخفي األدلة‪..‬‬ ‫ومع ذلك فقد وصل من يعملون عىل كشف‬ ‫مالبسات وحقائق هذه الحادثة ألدلة وقرائن‬ ‫عديدة‪ ،‬نستعرض هنا ثالثاً من هذه القرائن‪:‬‬

‫يتم اكتشاف حادثة االختطاف التي وقعت يف ليل‬ ‫مل ّ‬ ‫الثالثاء ‪ 9‬كانون الثاين حتى الصباح التايل‪ .‬ويف يوم ‪15‬‬ ‫كانون الثاين اجتمع ممثلون عن التشكيالت العاملة‬ ‫يف الغوطة الرشقية يف مق ّر مجلس املجاهدين‪ّ .‬متت‬ ‫خالل االجتامع صياغة بيان مشفوع بقسم‪ ،‬يتع ّهد‬ ‫املوقعون عليه برباءتهم من ثالثة حوادث وبـ ”عدم‬ ‫معرفتهم أو اطالعهم عىل أي منها واستعدادهم‬ ‫للتعاون بالبحث وتقديم املساعدة عىل أكمل‬ ‫وجه”‪.‬‬ ‫الحوادث الثالثة هي‪ :‬اختطاف الدكتور أحمد‬ ‫البقاعي من قبل مجهولني‪ ،‬والثاين هو اختطاف‬ ‫الناشطني األربعة (السيدة رزان زيتونة ورفاقها)‬ ‫نص البيان‪ ،‬والحادث الثالث هو مقتل أبو عبد‬ ‫كام ّ‬ ‫الرحمن الخطيب ‪-‬وهو أحد عنارص داعش‪ -‬من‬ ‫قبل مجهولني أيضاً‪.‬‬ ‫والبند األول من هذا البيان هو ما يه ّمنا هنا؛ حيث‬ ‫تم إطالق رساح الدكتور البقاعي الحقاً بعد هذا‬ ‫البيان بحوايل شهر من سجن يتبع لجبهة النرصة‪،‬‬ ‫وهي أحد املوقعني عىل هذا البيان‪ .‬وعلمنا أيضاً‬ ‫أن جزءاً كبرياً من التحقيق الذي أجري مع الدكتور‬ ‫البقاعي أثناء اعتقاله كان عن رزان وزوجها وعالقته‬

‫بهام‪ ،‬وإن كان يتعاون معهام بأي شكل‪...‬‬ ‫والسؤال هنا‪ :‬هل كان هناك (كذب) بخصوص‬ ‫بيان الرباءة املشار إليه؟ عل ًام أن البيان ‪-‬الذي ُكتب‬ ‫بخط اليد‪ -‬اخ ُت ِتم بعبارة تقول‪“ :‬تعترب هذه الوثيقة‬ ‫حجة عىل كل املوقعني عليها إذا ما ثبت عدم صحة‬ ‫ّ‬ ‫أي توقيع‪ ،‬وستكون املحاسبة أكرب‪ .‬ويبقى البحث‬ ‫جارياً حتى عند التشكيالت املو ّقعة‪ .‬والله خري‬ ‫الشاهدين”‪.‬‬ ‫رمبا هناك فتاوى يقتنع بها أصحابها بجواز (اليمني‬ ‫الغموس) يف حاالت مشابهة‪ ،‬أو بجواز ما ال يجوز‬ ‫تم‬ ‫عادة بحسب الحاجة و(الرضورة)‪ .‬ولكن هل ّ‬ ‫تربير هذه املغالطات أمام جمع الرجال املوقعني‬ ‫عىل البيان؟ وأال يعني اإلخالل أو االستخفاف بأحد‬ ‫بنود البيان الثالثة أن ذلك ممكن بخصوص باقي‬ ‫البنود وخامتة البيان؟‬

‫‪3‬‬

‫القرينة الثانية‪ :‬شاهدة عيان‬

‫أفادت سيدة ال تزال موجودة حاليا يف مكان ما‬ ‫يف الغوطة الرشقية بأنها رأت رزان ‪-‬عرضاً‪ -‬داخل‬ ‫سجن يتبع ألحد التشكيالت العسكرية حددته‪،‬‬ ‫وحددت السجن ‪-‬الذي كانت محتجزة فيه عىل‬ ‫خلفية جنائية‪ -‬مع مكانه‪..‬‬

‫تحقيقات‬


‫‪4‬‬

‫تتمة‪..‬‬

‫قضية مخطوفي دوما‬ ‫القفز فوق القرائن‬

‫قد تكون املرأة واهمة أو أنها تشهد زوراً‪ .‬أو‬ ‫حتى قد تكون مدفوعة لتأجيج الفنت‪ .‬ولكن‬ ‫املفرتض أن أي من تلك االحتامالت وغريها‬ ‫يتم ذلك؟‬ ‫تم أو ّ‬ ‫يقتيض التحقيق واملتابعة‪ .‬فهل ّ‬

‫القرينة الثالثة‪ :‬التقنية تحدد موقع ًا‬ ‫جغرافي ًا‬ ‫العدد ‪2014 / 11 / 11 - 48 -‬‬

‫تحقيقات‬

‫سنتوسع بهذه القرينة أكرث نظراً ألهميتها‪ ،‬وألن‬ ‫يتم القفز فوقها وتجاوزها كام سابقتيها‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫ذكر األستاذ ياسني الحاج صالح ‪ -‬وهو زوج‬ ‫سمرية الخليل أحد املخطوفني األربعة وصديق‬ ‫قريب من الباقني‪ -‬يف مقال له بعنوان (تسعة‬ ‫أشهر) ُن ِش عىل موقع “الجمهورية” أن عنده‬ ‫“معلومات قطعية وليست تخمينات”‪ ،‬تشري إىل‬ ‫“الجهة الخاطفة أو ّ‬ ‫منظمة الخطف”‪ .‬سألناه ما‬ ‫هي هذه املعلومات‪ ،‬ومن هي الجهة؟ فأجاب‪:‬‬ ‫“لدي معلومات موثوقة قطعاً أن شخصاً معلوم‬ ‫االسم دخل عىل كمبيوترات املخطوفني التي‬ ‫صودرت أثناء عملية الخطف‪ ،‬وأن هذا الشخص‬ ‫تم‬ ‫من التشكيل املس ّمى (جيش اإلسالم)‪ ،‬وأنه ّ‬ ‫من املكان نفسه إنشاء حسابات عىل فيسبوك‬ ‫لعنارص من (جيش اإلسالم)‪ .‬وحني ُأبلغ قيادي‬ ‫تم عىل الفور إلغاء‬ ‫من جيش اإلسالم باألمر‪َّ ،‬‬ ‫هذه الحسابات‪ ،‬دون أي إجراء آخر”‪.‬‬ ‫ورداً عىل نفس االستفسار قال أحد أصدقاء‬ ‫املخطوفني والذي تعاون مع األستاذ ياسني يف‬ ‫الحصول عىل هذه املعلومات‪“ :‬عملنا ‪-‬بعد‬ ‫أن تأكدنا من الخطف مبارشة‪ -‬عىل إغالق‬ ‫حسابات فيسبوك ‪ Facebook‬وسكايب ‪Skype‬‬ ‫وحتى الربيد اإللكرتوين للمخطوفني‪ ،‬وذلك أسوة‬ ‫باإلجراءات املعتادة عند اعتقال أحد النشطاء‬ ‫يتم فتح حسابه غصباً مام‬ ‫من قبل النظام‪ ،‬ألن ال ّ‬ ‫قد يؤدي ملزيد من اإليذاء له وآلخرين‪ .‬لكننا‬ ‫انتبهنا بعد ثالثة أيام من الخطف أن حساب‬ ‫سكايب الخاص برزان بدا مفتوحاً وبعده بقليل‬ ‫ُفتح حساب وائل‪ .‬وكذلك أعطى حسابا فايرب‬ ‫‪ Viber‬لكل من وائل ورزان إشارة إىل الدخول‬ ‫إليهام بعد يوم الخطف بأربعة أيام‪.‬‬ ‫أبلغنا أصدقاءنا التقنيني بهذا‪ ،‬وهم بدورهم‬ ‫راجعوا رشكة مايكروسوفت ‪ Microsoft‬مالكة‬ ‫سكايب فأكدت ذلك‪ ،‬وأكدت تأمني حسابات‬ ‫املخطوفني”‪.‬‬ ‫قبل إحالة هذه املعلومات لخبري تقني حاولنا‬ ‫أن نحصل عىل املعلومات (الخام) من مصدرها‬

‫املبارش‪ ،‬فأفادت إحدى الرشكات التي متلك‬ ‫تم رصد‬ ‫مخدمات ‪ Servers‬عىل االنرتنت أنه ّ‬ ‫حركة لحسابات سكايب الخاصة بكل من رزان‬ ‫ووائل من قبل عنوان آي يب ‪IP Address‬‬ ‫محدّد‪ .‬وبتتبع هذا اآلي يب اتضح أن حسابات‬ ‫عىل فيسبوك قد أنشئت منه تعود كلها لعنارص‬ ‫من (جيش اإلسالم)‪ ،‬وبعضهم معروف وموجود‬ ‫بالغوطة الرشقية‪ .‬وزيادة عىل ذلك فإن حسايب‬ ‫تم‬ ‫الفايرب الخاصني بكل من وائل ورزان قد ّ‬ ‫تسجيل الدخول لكل منهام من هذا اآلي يب‬ ‫(العنوان) نفسه‪.‬‬ ‫طلبنا من األستاذ باسل مطر الخبري يف مجال‬ ‫الحواسب وأمن املعلومات أن يرشح لنا ما‬ ‫يعنيه هذا الكالم‪ ،‬وكيف ميكن أن يحصل‪ .‬أجاب‪:‬‬ ‫“عندما يتصل جهاز كمبيوتر بشبكة محلية يأخذ‬ ‫‪( IP‬عنواناً فريداً) عىل هذه الشبكة‪ ،‬وعندما‬ ‫يتصل الجهاز بشبكة االنرتنت العاملية يأخذ ‪IP‬‬ ‫(مبعنى عنواناً آخر أكرث تعقيداً وفريداً أيضاً عىل‬ ‫ّ‬ ‫ويدل القسم الجديد فيه عىل املوقع‬ ‫الشبكة)‬ ‫الجغرايف لهذا الكمبيوتر‪ .‬فكل العناوين املوجودة‬ ‫يف دولة معينة تشرتك بجزء من عنوان اآلي يب‪.‬‬ ‫كام يف النداء الدويل الخاص بالهاتف الذي يحوي‬ ‫مفتاحاً خاصاً وفريداً لكل دولة ولكل مدينة‬ ‫فيها‪ ...‬وهكذا وصوالً إىل أن يكون لكل بيت‬ ‫أو محل رقم طويل خاص به مييزه عن أي رقم‬ ‫هاتف يف أي مكان يف العامل‪.‬‬ ‫ويف سوريا ال يوجد ما نسميه ‪ ،Real IP‬أي عنواناً‬ ‫حقيقياً بالنسبة لإلنرتنت العادي‪ ،‬ولكن من‬ ‫املعروف أن كافة االتصاالت مقطوعة يف الغوطة‬ ‫الرشقية‪ ،‬مام جعل مستخدمي االنرتنت يلجؤون‬ ‫ألجهزة االنرتنت الفضايئ لتسيري أعاملهم‪.‬‬ ‫وبالتايل فإن ما ذكرتم يعني أن حسابات سكايب‬ ‫وفيسبوك وفايرب املذكورة قد أمكن تحديد‬ ‫اآلي يب ‪-‬ورمبا املواقع الجغرافية‪ -‬لألجهزة التي‬ ‫استخدمت لفتحها‪ .‬وطبعاً من الناحية الفنية‬ ‫ميكن رصد الحسابات التي تم إنشاؤها من هذا‬ ‫العنوان االفرتايض الذي يقابله عنوان جغرايف‬ ‫بالتأكيد‪ ،‬بل إنه من املمكن للرشكات صاحبة‬ ‫ا ُملخدّمات املزودة لإلنرتنت رصد جميع حركات‬ ‫هذا الجهاز عىل الشبكة‪.‬‬ ‫قمنا بإحالة خربة األستاذ باسل للدكتور قيص‬ ‫مسلامين املحامي األستاذ يف القانون الدويل ومدير‬ ‫املركز السوري األوريب لحقوق اإلنسان‪ .‬مع سؤال‪:‬‬ ‫ما هو موقف القانون والقضاء مام يس ّمى “األدلة‬

‫املعلوماتية والتكنولوجية الجيوفضائية”؟‬

‫فكانت إجابة الدكتور قيص‪:‬‬

‫“من حيث قبول األدلة املعلوماتية والجيوفضائية‪:‬‬ ‫أجمعت الترشيعات العربية واألجنبية الناظمة‬ ‫ألصول املحاكامت واملرافعات الجزائية عىل‬ ‫مبدأ جوهري وهو حرية اإلثبات يف املسائل‬ ‫ّ‬ ‫ويتلخص هذا املبدأ بأ ّنه “تقام الب ّينة‬ ‫الجزائية؛‬ ‫يف الجنايات والجنح واملخالفات بجميع طرق‬ ‫اإلثبات”‪ ،‬من شهادة الشهود إىل االعرتاف‪ ،‬مروراً‬ ‫بالخربة واملعاينة والقرائن‪ ،‬األمر الذي يجعل األدلة‬ ‫املعلوماتية والجيوفضائية مقبولة من حيث املبدأ‬ ‫يف إثبات التهمة أو الرباءة منها‪ ،‬شأنها يف ذلك شأن‬ ‫جميع وسائل اإلثبات التقليدية املتعارف عليها‪.‬‬ ‫وأما من حيث حج ّية األدلة املعلوماتية‬ ‫والجيوفضائية‪ُ :‬تش ِّكل األدلة املعلوماتية‬ ‫والجيوفضائية املستقاة من مصادرها ‪-‬وفقاً ألصول‬ ‫العلوم الرقمية والتكنولوجية من قِبلِ خبري قانوين‬ ‫مك ّل ٍف بشكل رسمي من القايض‪ -‬ب ِّينات ميكن‬ ‫لألخري االستناد إليها يف تكوين قناعته الشخص ّية‬ ‫وعقيدته للحكم باإلدانة أو بالرباءة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫تتوان مؤسسات القضاء‬ ‫و يف هذا اإلطار‪ ،‬مل‬ ‫الجنايئ الدويل عن األخذ بهذا النوع من األدلةّ‬ ‫للتحقق من ارتكاب جرائم حرب وجرائم ض ّد‬ ‫تم بالفعل مث ًال يف عام ‪،2006‬‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وهذا ما ّ‬ ‫حيث اشتملت الئحة االتهام يف املحكمة الجنائية‬ ‫الدول ّية بحق الرئيس السوداين عمر البشري‪ ،‬ته ًام‬ ‫بارتكاب جرائم حرب وجرائم ض ّد اإلنسانية‪ ،‬كان‬ ‫من بينها التهجري القرسي وقد ُأدرجت بصدد هذا‬ ‫الجرم صو ٌر لألقامر االصطناعية تحدّد مواقع بعض‬ ‫تم تدمريها حرقاً‪.‬‬ ‫القرى يف دارفور التي ّ‬ ‫وبنا ًء عليه‪ ،‬فإنه فيام لو ثبت بنتيجة الخربة‬ ‫الفنية التي سيجريها القضاء بأن من قام بتحريك‬ ‫حسابات األربعة املختفني قرس ّياً هم عنارص من‬ ‫“جيش اإلسالم”‪ ،‬فهذا يعترب دلي ًال عىل هوية الجاين‬ ‫وانتامئه‪ ،‬وهذا ما يستلزم البحث يف مسؤولية‬ ‫قادة الفصيل العسكري الذي يتبع إليه هؤالء‪.‬‬ ‫وعن مسؤولية القيادة العسكرية‪ :‬يتفق الرشع‬ ‫واالتفاقيات الدولية الخاصة بالقانون الدويل‬ ‫اإلنساين والقانون الجنايئ الدويل عىل مسؤولية‬ ‫القائد العسكري عن انتهاكات قواعد القانون‬ ‫نصت‬ ‫الدويل اإلنساين التي يرتكبها مرؤوسيه‪ .‬فقد ّ‬ ‫املادة ‪ 86‬من الربوتوكول اإلضايف األول الصادر عام‬ ‫‪ ،1977‬امللحق باتفاقيات جنيف لعام ‪:1949‬‬ ‫‪ 1-‬تعمل األطراف السامية املتعاقدة وأطراف‬


‫قضية مخطوفي دوما‬ ‫القفز فوق القرائن‬

‫نستنتج مام سبق ّأن ثبوت مسؤولية‬ ‫القائد العسكري تستلزم توافر ثالثة عنارص‬ ‫رئيسية‪:‬‬

‫‪ - 1‬وجود عالقة رئيس مبرؤوس‪ :‬أي أن تكون‬ ‫مامرسة القيادة أو السيطرة محسومة ومحددة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أن يعلم القائد األعىل رتب ًة‪ ،‬أو كان بوسعه‬ ‫أن يعلم‪ ،‬بأن واحداً أو أكرث من مرؤوسيه اقرتفوا‬ ‫أفعاالً إجرامية‪ ،‬أو كانوا يهمون باقرتافها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أن يتهاون القائد األعىل رتب ًة يف اتخاذ التدابري‬ ‫الرضورية واملعقولة ملنع اقرتاف األعامل املذكورة‬ ‫املج ّرمة‪”.‬‬

‫وبالتأكيد ال يقصد ياسني بـ (الرضر الكبري الذي‬ ‫نعمل عىل إلحاقه) أننا سنشكل ميليشيا مس ّلحة‬ ‫لشنّ حرب مضادة عىل امليليشيا الخاطفة‪ ،‬وال‬ ‫نلم عصابة مل ّثمني لنخطف أقارب وأحباب‬ ‫أن ّ‬ ‫املتورطني بهذه الجرمية ونلوعهم كام لوعونا‪.‬‬ ‫لكننا ‪-‬ووفا ًء للنبالء املخطوفني بالتحديد‪ -‬ولكل‬ ‫من ناضل إلحقاق الحقّ وإقامة العدل‪ ،‬ال نعمل‬ ‫إال بطرق قانونية وأخالقية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يضيف األستاذ ياسني‪“ :‬نريد األربعة أحرارا اآلن‪.‬‬ ‫وطاملا هم ليسوا بيننا‪ ،‬فسنعمل‪ ،‬ونستطيع أن‬ ‫نعمل بطرق كثرية‪ ،‬من أجل أن تبقى قضية‬ ‫األربعة حية ال تتقادم‪ ،‬ومن أجل محارصة‬ ‫خاطفيهم وجعلهم موضع مالحقة يف كل مكان”‪.‬‬ ‫ويختم‪“ :‬ال ينبغي أن ميتحن أحد صربنا وقدرتنا‬ ‫عىل الدفاع عن أحبابنا وأنفسنا‪ .‬نحن مجربون‪،‬‬ ‫ومن ال يعرف‪ ،‬فليسأل النظام األسدي الذي‬ ‫يعرفنا جيدا”‪.‬‬

‫العدد ‪2014 /11 / 11 - 48 -‬‬

‫النزاع عىل قمع االنتهاكات الجسيمة واتخاذ‬ ‫اإلجراءات الالزمة ملنع كافة االنتهاكات األخرى‬ ‫لالتفاقيات ولهذا امللحق “الربوتوكول” التي تنجم‬ ‫عن التقصري يف أداء عمل واجب األداء‪.‬‬ ‫‪ 2‬ال يعفي قيام أي مر ٔووس بانتهاك االتفاقيات أو‬‫هذا امللحق “الربوتوكول” ر ٔوساءه من املس ٔوولية‬ ‫الجنائية أو التأديبية‪ ،‬حسب األحوال‪ ،‬إذا علموا‪ ،‬أو‬ ‫كانت لديهم معلومات تتيح لهم يف تلك الظروف‪،‬‬ ‫أن يخلصوا إىل أنه كان يرتكب‪ ،‬أو أنه يف سبيله‬ ‫الرتكاب مثل هذا االنتهاك‪ ،‬ومل يتخذوا كل ما يف‬ ‫وسعهم من إجراءات مستطاعة ملنع أو قمع هذا‬ ‫نصت املادة ‪ 28‬من نظام‬ ‫االنتهاك‪ .‬وكذلك فقد ّ‬ ‫روما األسايس املنشئ للمحكمة الجنائية الدولية‬ ‫عىل ما يفيد نفس هذا املعنى‪.‬‬

‫بالعودة لألستاذ ياسني‪ ،‬وسؤاله عن اإلجراءات‬ ‫التي تم اتخاذها بعد هذه املعلومة أجاب‪:‬‬ ‫“حني ُأبلغ زهران علوش شخصياً باألمر مل يكن‬ ‫لديه ما يقوله غري إنه‪“ :‬رمبا هناك خطأ معني قد‬ ‫حصل”!! وهذا كالم غري مسؤول يذكر مبا كان‬ ‫يقوله مسؤولو النظام السوري حني يواجهون مبا‬ ‫يحرجهم”‪.‬‬ ‫ويتابع األستاذ ياسني املفجوع باختفاء زوجته‬ ‫سمرية وباقي أحبابه‪“ :‬مصري أربعة أشخاص‪،‬‬ ‫امرأتني ورجلني من أنبل السوريني وأشجعهم‪،‬‬ ‫منهم زوجتي التي كانت معتقلة سياسية عند‬ ‫النظام ويف سجن دوما للنساء تحديداً‪ ،‬وجاءت‬ ‫إىل الغوطة هرباً من النظام الذي صار يالحقها‪،‬‬ ‫هذا املصري ليس شيئاً ميكن القفز فوقه بهذه‬ ‫الخفة‪.‬‬ ‫أطالب مبساءلة علوش أمام هيئة تحقيق‬ ‫مستقلة ومبشاركتي الشخصية‪ ،‬ومستعد ملناظرة‬ ‫علنية معه يف وسيلة إعالم مستقلة‪ .‬وهو يف‬ ‫نظري املتهم األول والوحيد‪ ،‬إىل أن يقدم هو‪،‬‬ ‫وليس غريه‪ ،‬ما يرشد إىل األربعة‪ ،‬وما يربئه من‬ ‫الجرمية”‪.‬‬ ‫يختم األستاذ ياسني مقالته (تسعة أشهر) مبا‬ ‫أسامه (نصيحة للخاطفني)‪“ :‬ال تستهينوا بنا‪،‬‬ ‫لسنا ممن يسكتون عىل حقّ هو حقهم الخاص‬ ‫وحق مواطنيهم ووطنهم‪ .‬وال تستهينوا بدأبنا‬

‫وصربنا وطول بالنا‪ ،‬وبفاعلية أدواتنا يف العمل‪.‬‬ ‫وال تظنوا أننا ميكن أن نخضع لالبتزاز‪ ،‬أو أنكم‬ ‫تستطيعون إسكاتنا‪ .‬وحده تحرير األربعة‪ ،‬اآلن‪،‬‬ ‫يوقف الرضر الكبري الذي ألحقتموه بنا‪ ،‬والرضر‬ ‫الكبري الذي ألحقتموه بقضيتنا العامة‪ ،‬ويح ّد من‬ ‫الرضر الكبري الذي نعمل عىل إلحاقه بكم‪ ،‬ولن‬ ‫نتوقف”‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫تحقيقات‬


‫‪6‬‬

‫المجالس المحلية‬ ‫بلديات أم منظمات مجتمع مدني؟‬ ‫أوس المبارك‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 11 - 48 -‬‬

‫مقاالت‬

‫مع خروج كثري من املناطق السورية الثائرة عن سيطرة نظام األسد‬ ‫وانعدام وجود سلطات مت ِّثل سكان تلك املناطق‪ ،‬برزت الحاجة‬ ‫إىل تأسيس تجمعات متثيلية لهم (بعضها بدأ قبل الخروج عن‬ ‫سيطرة النظام) لتنظيم إدارة شؤونهم املحلية االجتامعية والخدمية‬ ‫والثورية‪ ،‬ولتاليف التجاوزات القانونية البدهية كالرسقة والقتل‬ ‫وغريها‪.‬‬ ‫وبعد مرور املراحل األوىل من العمل بتشكيل (هيئات رشعية)‬ ‫تس َّود فيها املشايخ كل يشء‪ ،‬بدأت القوى الثورية املدنية بتأسيس‬ ‫تجمعات يف كل منطقة‪ ،‬أخذت بعدها اسم (املجلس املحيل)‪.‬‬ ‫وأخذت عىل عاتقها متثيل صوت السكان املحليني ثورياً وتقديم‬ ‫الخدمات الالزمة لهم‪ .‬وكانت هذه املجالس هي الباب األهم الذي‬ ‫بدأ منه السوريون تداول شؤونهم العامة وإدارتها والنقاش فيها‪.‬‬ ‫ولإليجاز‪ ،‬فإن كل الشهور التي مرت عىل وجود تلك املجالس‬ ‫كانت تشهد دوماً نقاشات ونزاعات حول صالحيات املجلس املحيل‬ ‫وسلطاته ومهامه مع الهيئات الرشعية والفصائل العسكرية وبعض‬ ‫القوى الثورية املدنية األخرى‪ .‬إال أن تشكيل مجالس املحافظات‬ ‫التابعة للحكومة املؤقتة املشكلة من قبل االئتالف الوطني السوري‬ ‫كان أهم ما وضع املجالس املحلية يف إشكالية حول ماه َّيتها ودورها‪.‬‬ ‫سعى االئتالف الوطني السوري عن طريق مجالس املحافظات إىل‬ ‫احتواء الكوادر الثورية املدنية العاملة يف املجالس املحلية‪ ،‬كام‬ ‫كان يسعى دوماً إىل محاولة احتواء الثورة كلها باعتباره يرى نفسه‬ ‫“ممث ًال عن الشعب السوري”‪ ،‬رغم أنه مشكل بأغلبيته الساحقة من‬ ‫قوى معارضة سياسية متارس نشاطها يف الخارج وال متتلك تفويضاً‬ ‫من القوى الثورية امليدانية يف الداخل السوري‪.‬‬ ‫وأصبح كثري من كوادر املجالس املحلية أعضاء يف مجالس املحافظات‬ ‫ومكاتبها التنفيذية‪ .‬وهو ما رآه كثري من أولئك الكوادر خطوة إىل‬ ‫األمام يف اعرتاف املعارضة الخارجية برضورة اشرتاكهم مع القوى‬ ‫الثورية املحلية يف نظم قيادة الثورة السياسية واإلدارية ضمن جسم‬ ‫واحد يستطيع جعل هموم الناس وطموحاتهم املح ِّر َك األسايس لكل‬ ‫عملهم السيايس واإلداري‪ ،‬وحتى يف دقائق األمور‪.‬‬ ‫ومنذ ذلك الحني‪ ،‬بدأ مسؤولو الحكومة املؤقتة يف الخارج بالتعامل‬ ‫مع أعضاء مجالس املحافظات ومكاتبها التنفيذية كموظفني لديهم‬ ‫يتبعون يف قراراتهم للحكومة املؤقتة‪ ،‬دون رضورة الرجوع إىل‬ ‫مجالسهم املحلية للتشاور يف القرارات واإلجراءات‪ .‬وأصبح الحديث‬ ‫عن املجالس املحلية عىل أنها مجالس خدمية فقط‪ ،‬أي أقرب إىل‬ ‫“البلدية” يف طبيعتها املعروفة لدى إدارة نظام األسد‪ .‬وحتى أن‬ ‫أرصت عىل إلغاء (إدارة املجالس املحلية) التي‬ ‫الحكومة املؤقتة َّ‬ ‫كانت موجودة يف غوطة دمشق الرشقية‪ ،‬باعتبار أن مجلس‬ ‫املحافظة أصبح ينوب عنها‪.‬‬ ‫ال ميكن النظر إىل تلك الخطوة األخرية بعني الرباءة‪ ،‬فرغم وجود‬ ‫مكتب الخدمات املوحد يف نفس منطقة وجود إدارة املجالس‬

‫املحلية‪ ،‬إال أن الحكومة املؤقتة مل تهتم بض ِّمه إىل إداراتها‪ ،‬وإمنا التفتت إىل استتباع من‬ ‫يشكلون القوى الثورية السياسية يف املجالس املحلية وتهميش األخرية بالذات‪ ،‬بعد أن‬ ‫ارتقت بنفسها – بنسب متفاوتة – يف مأسستها وإدارتها وانتخابها‪ .‬وأصبحت أقرب إىل‬ ‫ما تتم تسميته بـ (منظامت مجتمع مدين)‪.‬‬ ‫وإن كانت فكرة منظامت املجتمع املدين أنها مؤسسات تسعى لتكون أقنية بني املجتمع‬ ‫الدولة‪ ،‬تنقل صوت الناس وتحمي حقوقهم وتساندهم يف واجباتهم‪ ،‬وتشارك يف فتح‬ ‫فضاء الشأن العام أمام مشاركة جميع الناس وتفاعلهم فيه‪ ،‬إال أن سلوك الحكومة‬ ‫املؤقتة ينحو باتجاه إغالق تلك األقنية‪ ،‬ويوحي بالسري عىل خطى سلوك النظام الذي‬ ‫أغلق فضاء الشأن العام أمام جمهور السوريني ومنعهم من مشاركته يف اتخاذ القرارات‬ ‫وإدارة شؤون هي يف األساس شؤونهم هم‪.‬‬ ‫وإن كانت أفضل إدارات الدول هي اإلدارة التي تتدخل بأقل ما ميكن يف حياة املواطنني‪،‬‬ ‫وتوكل كثرياً من شؤون اإلدارة املحلية إىل منظامت املجتمع املدين‪ ،‬فإن سلوك الحكومة‬ ‫املؤقتة يوحي مرة أخرى بأنها تنوي التدخل بأكرب قدر يف حياة املواطنني وشؤونهم من‬ ‫موقع متعالٍ عليهم‪.‬‬ ‫يف الصني دولة قوية‪ ،‬ومجتمع مسحوق‪ .‬وال فائدة يجنيها الناس من دولة قوية ليسوا‬ ‫هم هدفها‪ ،‬بل السلطة‪ .‬وال يهنأ أحد بدولة قوية ال تسمع صوتهم أو تشاركهم يف اتخاذ‬ ‫القرارات السياسية واالقتصادية واالجتامعية‪.‬‬ ‫وإن مل تتم املحافظة عىل املجالس املحلية كمنظامت مجتمع مدين‪ ،‬ال كـ “بلديات”‪،‬‬ ‫فإن أهم األقنية املرتقبة بني “الدولة الجديدة” واملجتمعات املحلية سيغيب عن املشهد‬ ‫السوري الداخيل‪ ،‬دون وجود بديل واضح مع استمرار الحكومة املؤقتة يف سياستها‬ ‫الحالية – املدعومة من دول تبحث عن مصالحها أوالً – التي تسري عىل خطى االستبداد‬ ‫بحلة جديدة‪.‬‬


‫بين القتال والقتل‬ ‫‪7‬‬

‫علي العبداهلل‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 11 - 48 -‬‬

‫مقاالت‬

‫قاد اعتامد حركات االسالم السيايس‪ ،‬التي تتبنى‬ ‫ما تسميه “الجهاد” العاملي‪ ،‬اساليب وحشية من‬ ‫تفجري السيارات اىل العمليات االنتحارية وقتل‬ ‫املدنيني دون متييز‪ ،‬باستخدام فتوى الترتس التي‬ ‫قال بها الفقهاء دون التزام برشوطها وضوابطها‪،‬‬ ‫وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث وسبي النساء‬ ‫واالطفال وبيعهم يف سوق نخاسة يف عرص الحريات‬ ‫وحقوق االنسان‪ ،‬اىل طرح أسئلة عن رشعية هذه‬ ‫املامرسات ومدى ارتباطها بتعاليم الدين االسالمي‬ ‫وقيمه وتوجيهاته‪ .‬وهذا استدعى طرح موقف‬ ‫االسالم الحقيقي يف الحروب والقيم التي الزم بها‬ ‫اتباعه يف تعاملهم مع االعداء يف ساحة املعركة‬ ‫وبعد انتهائها‪.‬‬ ‫ما موقف االسالم من القتال وبأي معايري خاضه؟‬ ‫انطلق االسالم يف تعاطيه مع القتال‪/‬الحرب‬ ‫بواقعية فهو‪ ،‬كفعل وحدث‪ ،‬ممكن الوقوع يف‬ ‫املجتمعات يف ضوء الخالفات وتضارب املصالح‬ ‫واألنفس‪ .‬اال انه ّ‬ ‫رشعه العتبارات دفاعية يف االغلب‬ ‫واالعم‪ ،‬قال تعاىل‪“ :‬أذن للذين يقاتلون بأنهم‬ ‫ظلموا وأن الله عىل نرصهم لقدير”(الحج‪.)39:‬‬ ‫وأمر بالتوقف عن القتال عندما يتحقق هدفه‪:‬‬ ‫ارغام املعتدي عىل وقف عدوانه‪ ،‬وقال عز وجل‪”:‬‬ ‫فقاتل يف سبيل الله ال تكلف اال نفسك وحرض‬ ‫املؤمنني عىل القتال عىس الله ان يكف بأس الذين‬ ‫كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيال” (النساء‪.)84:‬‬ ‫وحدد سلوك املسلم مع غري املسلم املسامل قال‬ ‫السلم فام‬ ‫جل وعال‪“ :‬فان اعتزلوكم وألقوا اليكم ّ‬ ‫جعل الله لكم عليهم سبيال” (النساء‪ ،)90:‬وذهب‬ ‫عميقا يف هذا التوجه السلمي التهادين قال‪“ :‬عىس‬ ‫الله ان يجعل بينكم وبني من عاديتم منهم مودة‬ ‫والله قدير والله غفور رحيم‪ .‬ال ينهاكم الله عن‬ ‫الذين مل يقاتلوكم يف الدين ومل يخرجوكم من‬ ‫دياركم ان تربوهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب‬ ‫املقسطني‪ .‬امنا ينهاكم عن الذين قاتلوكم يف الدين‬ ‫وأخرجوكم من دياركم وظاهروا عىل اخراجكم‬ ‫ان تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظاملون”‬ ‫(املمتحنة‪ .)7-9:‬ونهى عن العدوان قال جل شأنه‪:‬‬ ‫“وقاتلوا يف سبيل الله الذين يقاتلونكم وال تعتدوا‬ ‫ان الله ال يحب املعتدين” (البقرة‪.)191:‬‬ ‫ولقد وضع للقتال ضوابط تخفف من وحشيته‬ ‫وال انسانيته بتحريم قتل املدنيني غري املقاتلني‬

‫وتحريم قتل الشيوخ والنساء واالطفال‪ ،‬واالعتداء‬ ‫عىل املمتلكات‪ .‬فقد حدّد الرسول (عليه الصالة‬ ‫والسالم) لقادة جنده الحالل والحرام يف القتال‬ ‫فنهى عن قتل النساء واالطفال‪ ،‬وعن املساس‬ ‫بالكنائس واالديرة‪ ،‬وعن حرق النخيل او قلع‬ ‫االشجار او تهديم البيوت او أخذ شيئا اال بثمنه‪،‬‬ ‫وح ّرم النهب وقال موضحا مدى حرمته‪“ :‬ان‬ ‫النهبة ليست بأحل من امليتة وامليتة ليست بأحل‬ ‫من النهبة”‪ ،‬وح ّرم ذبح االنسان كاملاشية والتمثيل‬ ‫بالجثث‪ ،‬وحدد قتل القاتل واملفسد يف االرض‬ ‫بالسيف (االداة الحربية لذلك الزمان)‪ .‬وملا عرب‬ ‫أسيد بن خضري عن استغرابه تحريم قتل االطفال‬ ‫بالقول‪“ :‬يا رسول الله امنا هم اوالد املرشكني ذ ّكره‬ ‫النبي قائال‪ :‬اوليس خياركم اوالد املرشكني”‪.‬‬ ‫ووفق هذا املنطق ترصف الخلفاء الراشدون ابو‬ ‫بكر وعمر وعيل فقد أوىص ابو بكر قادة الجند‬ ‫قائال‪“ :‬ال تخونوا وال تغلوا وال تغدروا وال متثلوا‬ ‫وال تقتلوا طفال صغريا وال شيخا كبريا وال امرأة‬ ‫وال تقلعوا نخال وال تحرقوه وال تقطعوا شجرة وال‬ ‫تذبحوا شاة وال بقرة وال بعريا اال ملأكلة‪ ،‬وسوف‬ ‫مترون بأقوام قد فرغوا أنفسهم يف الصوامع‬ ‫فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له”‪.‬‬ ‫وكان موقف عمر بن الخطاب مام فعله خالد بن‬ ‫الوليد مع مالك بن نويرة قائد املرتدين يف البطاح‬ ‫(قتله بعد استسالمه) ومطالبته الخليفة ايب بكر‬ ‫بإقامة الحد عىل خالد قرينة حاسمة عىل موقف‬ ‫االسالم يف القتال وتوسله االساليب الرشيفة‬ ‫واملرشوعة يف الترصف مع االعداء‪.‬‬ ‫وكان سلوك عيل بن ايب طالب مع الخوارج‬ ‫تجسيدا لتعاليم القرآن الكريم وتوجيهات الرسول‬ ‫يف عدم االعتداء والرد عىل العدوان عند وقوعه‬ ‫والتوقف عن القتال عندما يتحقق ذلك حيث مل‬ ‫يبادر اىل قتال الخوارج حتى بدأوه بالقتال رغم‬ ‫انه كان يعلم انهم يستعدون لقتاله‪.‬‬ ‫وبي‬ ‫وقد م ّيز القرآن الكريم بني القتال والقتل‪ّ ،‬‬ ‫االختالف الجوهري بني الظاهرتني‪ ،‬فالقتال فعل‬ ‫فيه طرفان بينام القتل فعل من جهة واحدة‪،‬‬ ‫طرف يقتل آخر‪ .‬وقد نظر اىل األول نظرة واقعية‬ ‫واعرتف به كام مر اعاله‪ ،‬وح ّرم الثاين جاء يف‬ ‫محكم التنزيل‪“ :‬من قتل نفسا بغري نفس أو فساد‬ ‫يف االرض فكأمنا قتل الناس جميعا ومن أحياها‬

‫فكأمنا أحيا الناس جميعا” (املائدة‪ .)32:‬وعليه‬ ‫فقد قنن القتل يف ترشيعه الجنايئ يف الحالتني‬ ‫الواردتني يف اآلية‪ :‬قتل نفس او فساد يف االرض‪،‬‬ ‫بهدف حامية املجتمع من تفيش العدوان عىل‬ ‫االنفس واالستهتار بحياة اآلخرين‪.‬‬ ‫يف ضوء ما عرضناه حول املوقف املبديئ لإلسالم‬ ‫من القتال والقتل والتطبيق العميل ايام الرسول‬ ‫الكريم والخلفاء الراشدين تتكشف ال رشعية‬ ‫مامرسات حركات االسالم السيايس‪ ،‬صاحبة عقيدة‬ ‫“الجهاد” العاملي‪ ،‬وتصنف اعاملها (قتل املدنيني‬ ‫اآلمنني‪ ،‬االعتداء عىل الذميني‪ ،‬التمثيل بالجثث‪،‬‬ ‫الذبح بالسكني‪ ،‬سبي النساء واالطفال‪ ،‬نهب‬ ‫املمتلكات العامة والخاصة) يف خانة االجرام بحق‬ ‫الدين والناس يف آن‪ ،‬ألنها تفتئت عىل الدين وتربر‬ ‫اعاملها االجرامية باستخدام اسمه‪ ،‬وتدمر حياة‬ ‫الناس بالقتل والترشيد وتدمري مصادر املعيشة‬ ‫ونهبها تحت دعوى الكفر واالرتداد‪.‬‬ ‫يف حديث مع عدد من اعضاء احدى هذه‬ ‫الجامعات‪ ،‬وبعد حديث طويل عن اعاملهم‬ ‫واساليبهم‪ ،‬قلت له ان رفع راية “الجهاد” ال تغري‬ ‫من طبيعة اعاملكم االجرامية فالجهاد محكوم‬ ‫مبحددات القتال السابق ذكرها‪ ،‬ثم ما ذنب املارة‬ ‫الذين يقتلون بسياراتكم املفخخة وانتحارييكم‬ ‫وفيهم مسلمون واطفال ونساء وشيوخ ورجال‬ ‫لهم ُارس وعليهم مسؤوليات يقومون بها لرتبية‬ ‫اطفالهم ناهيك عن عملهم لصالح املجتمع‪ ،‬فرد‬ ‫قائال‪“ :‬هؤالء شهادة الصدفة‪ ،‬وسيدخلون الجنة‬ ‫بفضل اعاملنا”‪ .‬قلت له‪“ :‬اوال رمبا هو ال يريد‬ ‫املوت اآلن وبهذه الطريقة‪ .‬ثانيا رمبا يكون من‬ ‫اهل الجنة بعمله وال يحتاج ملكرمتكم‪ .‬ثالثا‬ ‫وهو االهم هذه ليست افكارا اسالمية‪ ،‬بل انها‬ ‫متناقضة مع تعاليم الدين االسالمي‪ ،‬انت تنتمي‪،‬‬ ‫تدري أو ال تدري‪ ،‬اىل جامعة املورمون‪ ،‬الكنيسة‬ ‫التي اسسها جوزيف سميث يف امريكا يف القرن‬ ‫التاسع عرش‪ ،‬فقد كانت تتبنى فكرا يقوم عىل قتل‬ ‫اتباع املذاهب االخرى باعتبارهم كفارا‪ ،‬ويعتربون‬ ‫قتلهم تحريرا لهم من كفرهم وتطهريا لهم من‬ ‫ذنوبهم وارسالهم اىل الجنة مضمخني بدمائهم‪.‬‬ ‫جحضت عيناه وتهدج صوته وهم بالرصاخ ألنني‬ ‫شككت يف عقيدته واميانه‪.‬‬ ‫*‪ -‬كاتب سوري‪.‬‬


‫دولة الثقب األسود‬ ‫ماهر مسعود‬

‫‪8‬‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 11 - 48 -‬‬

‫مقاالت‬

‫حدد جون لوك يف انكلرتا ومونتسكيو يف فرنسا منذ القرن السابع‬ ‫عرش “ثوابت الدولة” بالسلطات الثالث املعروفة‪ ،‬الترشيعية‬ ‫والتنفيذية والقضائية‪ ،‬التي يجب أن تنفصل‪ ،‬ومن ثم تتكامل‬ ‫مع بعضها‪ ،‬بغض النظر عن طبيعة النظام السيايس ونوعه‪ .‬ثم‬ ‫جاء هيغل فيام بعد ليجعل من الدولة الكيان العقالين الذي‬ ‫يحقق روح الحرية وأرفع تجليات الفكرة املطلقة‪ ،‬ومن ثم أق َّر‬ ‫ماكس فيرب نقدياً بأن الدولة هي الكيان املحتكر لرشعية العنف‬ ‫واإلكراه‪ ،‬حيث إن احتكار رشعية العنف يتيح لألفراد تجاوز ما‬ ‫أسامه هوبز “حرب كل إنسان ضد كل إنسان آخر”‪.‬‬ ‫كان ذلك أثناء نشوء وبناء الدولة األمة يف أوروبا‪ ،‬لكن بعد‬ ‫“غربلة” الثورات اإلنكليزية واألمريكية والفرنسية وصوالً إىل‬ ‫مؤسساً يف‬ ‫الحرب العاملية الثانية‪ ،‬أصبحت الدميقراطية جزءاً ِّ‬ ‫أنظمة الدول الحديثة من حيث هي نظام إلدارة التنازع يسمح‬ ‫بالتنافس الحر عىل القيم واألهداف التي يحرص عليها مواطنو‬ ‫الدولة كام أكد توكفيل منذ ما يقارب املئة والسبعني عاماً‪.‬‬ ‫نظرياً واجرائياً ميكننا تقسيم الدولة إىل ثالثة مكونات رئيسة‬ ‫هي‪ :‬املجتمع السيايس‪ ،‬واملجتمع املدين‪ ،‬واملجتمع األهيل‪ ،‬ال بد‬ ‫أن تخضع جميعها للقانون ذي املرجعية الدستورية إذا أردنا أن‬ ‫نتحدث عن رشط الدولة مبعناها الحديث‪.‬‬ ‫املجتمع السيايس‪ :‬متثله السلطة السياسية املتغرية لكن القامئة‬ ‫عىل ثوابت الدولة‪ ،‬وهي الجيش والرشطة أو الدفاع والداخلية‪،‬‬ ‫ثم القضاء‪ ،‬ثم الربملان مع ملحقاته الوزارية‪ ..‬ممثيل السلطات‬ ‫التنفيذية والقضائية والترشيعية عىل التوايل‪ .‬إضافة لألحزاب‬ ‫السياسية التي ميثل وجودها وتنافسها عىل التداول السلمي‬ ‫للسلطة حيوية املجتمع السيايس‪.‬‬ ‫املجتمع املدين‪ :‬متثله املؤسسات؛ الحكومية وغري الحكومية‪،‬‬ ‫املنظمة لكن غري السياسية‪ ،‬مبعنى انفصال حقلها عن حقل‬ ‫السياسة املبارش‪ .‬ومؤسسات املجتمع املدين‪ ،‬مبا تعنيه من نقابات‬ ‫وهيئات ومنظامت حقوقية وجامعات وصحافة وإعالم ودور‬ ‫عبادة‪ ..‬هي مناهضة مبعنى ما‪ ،‬أو منافسة ملؤسسات املجتمع‬ ‫السيايس‪ ،‬حيث إن مهمتها األساسية هي الح ّد من سلطة الدولة‪،‬‬ ‫ومراقبة تدخلها وتجاوزاتها بحق املجتمع املدين واملجتمع األهيل‪،‬‬ ‫وكلام كانت مؤسسات املجتمع املدين أقوى وأكرث استقاللية‪ ،‬كلام‬ ‫كان الوضع السيايس أكرث صحة والنظام السيايس أكرث دميقراطية‪.‬‬ ‫املجتمع األهيل‪ :‬وهو مجمل مكونات الدولة يف حالته “الطبيعية”‬ ‫غري املؤسسة وغري املنظمة‪ ،‬مبا يشمل ذلك من مكونات دينية أو‬ ‫مذهبية أو طوائفية أو عرقية أو قومية يف حالتها غري السياسية‪،‬‬ ‫حيث يكفي أن تصبح تلك املكونات سياسية أو ُترفع إىل حيز‬ ‫السياسة والتنظيم السيايس‪ ،‬يك تتحول الدولة ذاتها إىل دولة‬ ‫طائفية أهلية محكومة بالرصاع الطائفي واألهيل؛ الواضح أو‬ ‫املخبوء‪ .‬كام يكفي للنظام السيايس يف أي دولة أن يعمل عىل‬ ‫التمييز والتاميز الطائفي يك يرفع الطوائف من حالتها األهلية‬ ‫إىل حيز السياسة‪ ،‬ويتحول إىل نظام طائفي أقلوي حتى لو كان‬

‫الحاكم من األكرثية الثقافية‪ ،‬فاألقلية واألكرثية؛ التي تعني أقلية وأغلبية سياسية يف‬ ‫املجتمع السيايس‪ ،‬تصبح أكرثية وأقلية اجتامعية ُمس َّيسة‪ ،‬وتصبح سياسة الدولة ذات‬ ‫طابع أهيل بطريقة مضادة للشعب‪ ،‬ومناقضة ملفهوم الشعب‪ ،‬املؤسس للدولة مبعناها‬ ‫الحديث‪.‬‬ ‫“دولنا” التي مل تفلح يف النشوء إال بعد الحرب العاملية الثانية وتصفية االستعامر‪ ،‬مل تأخذ‬ ‫من عنارص الدولة الحديثة إال االسم والشكل والصفة؛ مضافاً إليها احتكار رشعية العنف‬ ‫واالكراه‪ .‬ولكن أيضاً بعد سحب قانونية العنف ليصبح عنفاً سلطوياً محضاً‪ ،‬وإكراهاً ال‬ ‫عقالنياً للمجتمع وأفراده ضد كل عقد اجتامعي أو دستور سيايس محتمل يف الدولة‬ ‫العقالنية الحديثة‪ .‬كام تجسد الدولة العربية الراهنة إىل حد كبري‪ ،‬التجيل السيايس‬ ‫لظاهرة “الثقب األسود” الفلكية‪ ،‬حيث تشكل السلطة التنفيذية ثقباً أسود‪ ،‬يح ّول‬ ‫املجال االجتامعي املحيط به إىل ساحة ال يتحرك فيها يشء وال يفلت من إسارها يشء‪،‬‬ ‫فاملركزية املتزايدة يف الجهاز التنفيذي وا ُملض ّمنة يف النصوص الدستورية للدولة‪ ،‬متنح‬ ‫رأس الدولة صالحيات شبه مطلقة‪ ،‬باعتباره الرئيس األعىل للجهاز التنفيذي وملجلس‬ ‫الوزراء‪ ،‬وللقوات املسلحة‪ ،‬وللقضاء‪ ،‬والخدمة العامة‪...‬الخ‪.‬‬ ‫ولذلك فإن أنظمتنا السياسية التي توارثت السلطة منذ االستقالل‪ ،‬استطاعت أن تجعل‬ ‫من الدولة عدو املجتمع وعدو األفراد‪ ،‬عندما جعلت من الدولة هي “دولة السلطة”‪،‬‬ ‫وق ّلصتها يف الجهاز التنفيذي القابع تحت سيطرتها‪ ،‬بل إن هيكل الدولة؛ الذي يفرتض أن‬ ‫يكون الثابت أمام تبدالت وتحوالت النظام السيايس املتغري‪ ،‬بات هو املتغري أمام ثبات‬ ‫النظام السيايس املتوارث وغري القابل للتغيري‪ .‬ولذلك نرى اليوم وبالعني املجردة‪ ،‬كيف أن‬ ‫انهيار النظام السيايس يؤدي بشكل دراماتييك إىل انهيار الدولة‪ .‬ذلك ما رأيناه يف العراق‬ ‫سابقاً ونراه اليوم بطريقة مأساوية يف سوريا وليبيا واليمن‪ ،‬كام أن استعصاء األنظمة‬ ‫السياسية عىل النحو الحاصل ال ينبئ بحال أفضل للدول التي مل تطالها رياح التغيري بعد‪،‬‬ ‫فاختصار الدولة بنظامها السيايس‪ ،‬واختزال النظام السيايس بشخص الحاكم‪ ،‬ليس أكرث‬ ‫من وصفة مثالية للخراب‪ ،‬خراب الدولة وخراب املجتمع وخراب السياسة‪ ،‬وليس أكرث‬ ‫من صناعة قهرية لالنحطاط وطريق معبد بالوضاعة نحو الجحيم واملوت والفوىض‪ ،‬هو‬ ‫كذلك حال انحطاط األنظمة وحال وضاعتها‪ .‬ولذلك ال ميكن لشعوبنا أن تتنفس هواء‬ ‫الحرية‪ ،‬أو تصنع دولها القابلة للحياة‪ ،‬أو تجعل من حريتها ممكنة ضمن إطار الدولة‪،‬‬ ‫إن مل تغري أنظمتها وترميها يف مزابل التاريخ‪ ،‬حيث إن ما فعلته تلك األنظمة يف شعوبها‪،‬‬ ‫ال ميكن إدراجه إال يف خانة الجرائم املوصوفة ضد اإلنسانية‪ ،‬وضد الدولة وضد التاريخ‪..‬‬ ‫وضد حياة البرش يف بالدنا‪.‬‬


‫ترويض الدولة‬ ‫شوكت غرز الدين‬

‫‪9‬‬

‫العدد ‪- 48 -‬‬ ‫‪2014 / 11 / 11‬‬

‫مقاالت‬

‫قامت الدولة القامئة بالفعل يف سوريا عىل احتكار‬ ‫القوة والرثوة واملعرفة‪ ،‬وعىل عدم الحياد تجاه‬ ‫املجتمع السوري؛ فهي الويص عىل املجتمع واملريب‬ ‫له‪ .‬فإما الوالء والطاعة للدولة وإما الحرب والقتل‬ ‫والسجن والنفي واملالحقة‪ .‬مثة مشكلة قابعة‬ ‫يف الدولة رسختها التنظريات والتاريخ‪ ،‬قبل ْأن‬ ‫تتصف الدولة بصفات القطرية والقومية والوطنية‬ ‫والعلامنية واإلسالمية‪ ...‬الدولة ا ُمل َّ‬ ‫نظر لها جيداً‬ ‫بواسطة “هوبز ومكيافييل وابن خلدون” هي بنت‬ ‫التاريخ واملعرفة ال بنت الطبيعة‪.‬‬ ‫ما تتحدّد به “الدولة السورية” بوصفه سلط ًة‬ ‫ُتارس يف املجتمع السوري‪ ،‬وتجلياته النظرية‬ ‫والتطبيقية‪ ،‬السياسية الطابع‪ُ ،‬تش ِكل مبجموعها‬ ‫قوام ما ندعوه هنا “الدولة الوطنية”‪ .‬هي “دولة”‬ ‫ألنها تحتكر القوة والرثوة واملعرفة‪ ،‬احتكاراً منهجياً‬ ‫قوامه “مبادئ” وآليات قابلة للوصف والتحليل‪.‬‬ ‫وهي “وطنية” ألنها تستخدم هذه األدوات بالذات‬ ‫إلخضاع الشعب السوري تحت سيادتها‪ُ .‬منتجة‬ ‫بهذا اإلخضاع ما ميكن تسميته “التساكن الوطني”‬ ‫بني أفراد وجامعات ومذاهب وطوائف‪ ...‬ضمن‬ ‫متحد جغرايف‪ .‬ولكل من هذه املرتاصفات تاريخه؛‬ ‫تاريخ االختالف والتباين‪ .‬وغري منتجة ملا درج‬ ‫عىل تسميته “االندماج الوطني” بني مواطنني لهم‬ ‫تاريخ منسجم ومتآلف‪ ،‬فرتبطهم السيادة يف وحدة‬ ‫كوحدة “الدولة الوطنية السورية”‪.‬‬ ‫وتقويض حالتي االحتكار وعدم الحياد‪ ،‬القامئتني‬ ‫يف الدولة القامئة‪ ،‬بواسطة قوى الثورة السورية‬ ‫وكنتيجة لثورة “االتصال والتواصل” العاملية هو ما‬ ‫نسميه “ترويض الدولة”‪.‬‬ ‫لزمن طويل نكون نحن السوريني قد تحملنا الدولة‬ ‫التي تحتكر القوة والرثوة واملعرفة‪ .‬و ُيقدم لنا هذا‬ ‫االحتكار عىل أنه من طبيعة الدول وليس خاصاً‬ ‫بحالتنا السورية‪ ،‬والرباهني كثرية من التاريخ أو‬ ‫الواقع عىل مثل هذا االحتكار؛ اليشء الذي كان‬ ‫يضفي عىل الدولة مرشوعيتها يف قناعاتنا ويسوغ‬ ‫لها يف نقاشاتنا وتنظرياتنا‪.‬‬ ‫وقد ال نزال‪ ،‬نحن السوريني‪ ،‬نخضع لهذا الفهم‬ ‫الخاص بالدولة حتى يومنا هذا‪ ،‬ومن املرجح‬ ‫أننا سنخضع له يف املستقبل؛ ألنه فهم كامن يف‬ ‫أطروحات املعارضة عموماً‪.‬‬ ‫قامت “الدولة الوطنية”‪ ،‬القامئة بالفعل يف سوريا‪،‬‬

‫باحتكار وزارات ُت ِّثل القوة والسيادة؛ كـالدفاع‬ ‫والداخلية والعدل‪ ،‬مضافاً إليها الدبلوماسية‪.‬‬ ‫واحتكرت أيضاً وزارات ُت ِّثل الرثوة؛ كـاالقتصاد‬ ‫والتجارة والزراعة والصناعة‪ ،‬واملرصف املركزي وما‬ ‫يتبعهام من مواد أولية واسترياد وتصدير وأعامل‪.‬‬ ‫واحتكرت كذلك الوزارات التي ُت ِّثل املعرفة‬ ‫وصناعة الحقيقة؛ كـالبحث العلمي والتعليم العايل‬ ‫والرتبية والتعليم واإلعالم‪ ،‬مضافاً إليها املعلومات‬ ‫ومصادرها واإلحصاءات ونتائجها‪.‬‬ ‫ومل تكن “الدولة الوطنية” القامئة يف سوريا محايدة‬ ‫تجاه شعبها؛ أي أفرادها ومواطنيها ومكوناتها‬ ‫االجتامعية والسياسية‪ .‬بل عىل العكس من ذلك‬ ‫كانت منحازة ومتييزية بني أفرادها‪ ،‬وكانت طرفاً‬ ‫مهيمناً هيمنة تا ّمة عىل قوة الشعب السوري‬ ‫وثروته وقدرته عىل إنتاج املعرفة والحقيقة‪،‬‬ ‫واألنىك من ذلك أنها استخدمت هذه القوى‬ ‫ضده أوالً‪ ،‬ومن أجل بقاءها واستمرارها كمحتكر ٍة‬ ‫وحيد ٍة وكعدم محايد ٍة ومنحاز ٍة ثانياً‪ .‬وأصبح الفرد‬ ‫السوري ال يعرف الحرية إال بالخروج من “دولته‬ ‫الوطنية” أو بالخروج عليها‪.‬‬ ‫ويتعلق هذا النوع من احتكار الدولة وعدم‬ ‫حيادها تعلقاً شديداً بقيام ثورة الشعب السوري؛‬ ‫ألنها‪ ،‬ببساطة‪ ،‬دولة االحتكار واإلخضاع وحرية‬ ‫الترصف باملرصف املركزي‪ .‬إنها العالقة الكامنة من‬ ‫حيث الرشوط االبتدائية لحظة قيام الثورة من‬ ‫جهة‪ ،‬وبالنتائج املرتتبة عليها؛ َّ‬ ‫ألن مثة عالقة تناسب‬ ‫طردي بني واقع “الدولة الوطنية” وبني صريورتها‬ ‫من حيث سريورة إنتاج البديل من جهة أخرى‪.‬‬ ‫فقد درج الخطاب املعارض عىل املطالبة “بالدولة‬ ‫الوطنية” دون سؤال هذا الشعار وفحصه‪ .‬ودون‬ ‫تخليصه من الحالتني املالزمتني له؛ أي حالتي‬ ‫االحتكار وعدم الحياد‪ .‬هذا بالرغم من إمكانية‬ ‫النظر ملا يحدث يف سوريا اآلن بوصفه تقويضاً‬ ‫الحتكار الدولة وعدم حيادها؛ أي بكالم آخر‪ ،‬إنتاج‬ ‫بديل يتجاوز هاتني الحالتني وال يك ِّرسهام‪.‬‬ ‫ساهم تقدم قوى الثورة بتقويض حالة االحتكار‬ ‫املرتبطة “بالدولة الوطنية” ومل يسهم يف تقويض‬ ‫حالة عدم الحياد‪ .‬وساعدت ثورة “االتصال‬ ‫والتواصل” قوى الثورة بذلك التقويض‪ .‬اليشء الذي‬ ‫يعني فيام يعنيه تقويض “الحقيقة الوطنية والدفاع‬ ‫الوطني والرثوة الوطنية” وانفراط “التساكن‬

‫الوطني”‪.‬‬ ‫ُيفرتض َّأن املعارضة تجاهد إلعادة بناء “الدولة‬ ‫الوطنية” يف سوريا‪ .‬وكأنها تحاول اآلن أن تبدأ‬ ‫مرشوعاً انتهى مفعوله يف سوريا وعاملياً‪ .‬فلقد ارتبط‬ ‫مرشوع “الدولة الوطنية” بوضع سيايس واجتامعي‬ ‫ومنط من التطور التقني‪/‬املادي‪ ،‬تجاوزته الظروف‬ ‫الراهنة‪ .‬فإحدى أفضل أدوات بناء الوطنية خالل‬ ‫القرن العرشين كانت التلفزيون الحكومي‪ ،‬وقدرة‬ ‫الحكومة عىل احتكار السيطرة عىل اإلعالم والتعليم‬ ‫ووسائل التثقيف الجامهريي األخرى‪ ،‬وبالتايل بناء‬ ‫املجتمع الجامهريي الذي يرتبط ذهنيا مبجتمع‬ ‫وطني موحد‪ .‬لكن حتى هذه الوسيلة ما عادت‬ ‫ممكنة مع تطور الفضائيات واإلعالم اإللكرتوين‪،‬‬ ‫وتحديدا اإلنرتنت‪ ،‬والحرية التي بات ميتلكها‬ ‫املتلقي يف اختيار أخباره ومعلوماته‪.‬‬ ‫فقدت “الدولة الوطنية” ببساطة قوتها وقدرتها‬ ‫عىل التحصني إزاء الخارج؛ فصالبة أية دولة ومحكها‬ ‫الحقيقي يكمن يف عالقاتها مع الخارج‪ .‬وتبددت‬ ‫ثروتها الوطنية بالفساد واإلفساد‪ .‬وتالشت قدرتها‬ ‫عىل السيطرة عىل اإلعالم واملعلومات‪ ،‬وبالتايل‬ ‫عىل التحكم يف املعرفة أحد أهم عنارص السلطة؛‬ ‫فالقدرة عىل إنتاج املعرفة هي قدرة عىل إنتاج‬ ‫السلطة‪.‬‬ ‫يطالب خطاب البديل املعارض‪ ،‬لالحتكار وعدم‬ ‫الحياد‪“ ،‬بدولة وطنية”‪ ،‬معتقداً َّأن املشكلة أخالقية‬ ‫تكمن يف “الوطنية” صفة الدولة‪ ،‬وليس بالدولة‬ ‫بالذات‪ .‬وينىس أو يتناىس دوره‪ ،‬يف تقويض حالة‬ ‫عدم الحياد املالزمة “للدولة الوطنية”‪ ،‬ومرشوعه‪،‬‬ ‫الذي َيفرتض إنتاج “الدولة املحايدة” تجاه شعب‬ ‫هذه الدولة ومكوناتها االجتامعية والسياسية‪.‬‬ ‫ال ميكن تقويض احتكار الدولة الحا ّيل لصالح‬ ‫احتكا ٍر يكون بأيا ٍد مختلفة؛ َّ‬ ‫ألن تقويض االحتكار‬ ‫بات واقعاً معززاً بثورة “االتصال والتواصل” وبثورة‬ ‫الشعب السوري‪ .‬ولكن “الحياد” مازال مرشوعاً‬ ‫يحتاج إرادة السوريني لتحويله إىل واقع‪.‬‬ ‫رضوري‬ ‫كممكن‬ ‫يحتاج الشعب السوري اليوم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وواجب‪ ،‬االنتقال من “الدولة الوطنية”‪ ،‬دولة‬ ‫ٍ‬ ‫االحتكار واإلخضاع‪ ،‬إىل “الدولة املحايدة”‪ ،‬دولة‬ ‫التفويض ال التسلط‪ .‬واالنتقال من “التساكن‬ ‫الوطني” إىل “االندماج الوطني”‪ .‬وبهذا ميكن‬ ‫تجاوز االحتكار وعدم الحياد؛ أي ترويض الدولة‪.‬‬


‫عرض لكتاب‪:‬‬

‫الدين والعلمانية في سياق تاريخي‬

‫‪10‬‬

‫عرض‪ :‬د‪ .‬محمد رشدي شربجي‬

‫الكتاب‪ :‬الدين والعلمانية في سياق تاريخي‪.‬‬ ‫الكاتب‪ :‬عزمي بشارة‪.‬‬ ‫الناشر‪ :‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪.‬‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 11 - 48 -‬‬

‫كتب‬

‫يدرس الجزء األول من الكتاب والذي يحمل عنواناً فرعياً هو (الدين والتدين)‪ ,‬العالقة بني أمناط‬ ‫التدين والدميقراطية‪ ،‬مبتعداً عن الثنائية الرائجة التي تدرس العالقة بني اإلسالم والدميقراطية؛‬ ‫حيث يقول الكاتب يف مقدمة كتابه إن “اإلشكالية بني اإلسالم والدميقراطية هي إشكالية‬ ‫وهمية‪ ,‬وليس هنالك ما يستحق دراسته يف هذا املجال‪ ,‬وال يف اإلشكالية بني الدميقراطية‬ ‫واملسيحية أو اليهودية” وإمنا يخلص الكاتب إىل نتيجة مفادها أنه لفهم منط التدين يف مجتمع‬ ‫من املجتمعات فعلينا أن نفهم سريورة العلمنة التي تعرض لها هذا املجتمع‪ ,‬وبالعكس ليك‬ ‫نفهم منط العلمنة يف هذا املجتمع علينا أن ندرس منط التدين املوجود يف هذا املجتمع‪ ,‬وهكذا‬ ‫يربط الكاتب بني دراسة كال املوضوعني معترباً أن فهم أحدهام يشكل مدخ ًال لفهم اآلخر‪.‬‬ ‫يقع الكتاب يف فصول خمسة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫يف الفصل األول يحاول الكاتب متييز الدين عن املقدس واألسطورة واألخالق‪ ,‬قائال بأن الدين‬ ‫يحتوي كل هذا ولكن ال ميكن اختزاله بهذه العنارص‪ ,‬فيقول “إن الدين ال يقوم بدون الشعور‬ ‫باملقدس‪ ,‬ولكنه ال ميكن اختزاله بهذه الناحية‪ ,‬فام مييز التجربة الدينية من تجربة املقدس‬ ‫عموماً أنها تجربة إميانية تقوم عىل اإلميان بالغيب أو تؤدي إليه” ص‪“ 19‬حيث أن ملكة‬ ‫االنفعال باملقدس هي امللكة ذاتها التي تجعل اإلنسان ينفعل بالجامل أو بالسامي والنبيل‪,‬‬ ‫ولكن ما مييز الدين أنه يضيف لها بعدا إميانياً ومؤسساتياً تنظيميا” ص‪. 21‬‬ ‫ويقول “إن األسطورة هي التعبري املعريف األول عن املقدس‪ ,‬وأن العقيدة هي التعبري الثاين‪ ,‬ويف‬ ‫أن الحدود بينهام ليست واضحة‪ ,‬ويف أن العلم ينفي األسطورة‪ ,‬أما العلمنة يف حد ذاتها فال‬ ‫تنفيها بالرضورة” ص‪. 57‬‬ ‫وال يقصد الكاتب هنا باألسطورة املعنى الشائع من كونها خرافة أو خزعبالت‪ ,‬وإمنا يراها‬ ‫مكوناً حضارياً يف ألي مجتمع من املجتمعات‪ ,‬وهي حكاية ورسدية‪ ,‬وغالباً لها بداية ونهاية‪,‬‬ ‫مثل أسطورة الخلق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫“فغالباً ما يعترب العلامنيون الدين مجموعة أساطري (مبعنى خرافات)‪ ,‬متاما كام يعترب املؤمنون‬ ‫روايات الديانات األخرى ورسدياتها أباطيل وأساطري‪ .‬لكن الدين ال يقترص عىل األسطورة‪ ,‬وال‬ ‫ّ‬ ‫يحتل القصص الديني األسطوري الحيز نفسه الذي احتله عند املتدين يف املايض” ص‪. 95‬‬ ‫ويف عالقة األخالق بالدين وهي العالقة األكرث تعقيداً‪“ :‬يصعب فصل الدين عن طاعة ما ميليه‪،‬‬ ‫ولكن ال ب ّد من التعامل معه (الدين) كظاهرة باتت مختلفة عن األخالق”‬ ‫يف الفصل الثاين يناقش الكاتب التدين حيث يعترب أنه ال إمكانية إلقامة دين من دون تدين‬ ‫فيقول‪ :‬إن “التجربة الدينية هي أساس الدين إذا تجاوزت تجربة املقدس إىل التجربة الدينية”‬ ‫ص‪. 173‬‬ ‫“‪...‬فلوال هذا التحول الجديل من عاصفة التجربة الدينية إىل عادة السكينة الدينية ومنواليتها‪,‬‬ ‫ملا قامت للدين قامئة” ص‪.186‬‬ ‫ّ‬ ‫كام مييز الكاتب بني اإلميان املعريف وهو االعتقاد وعكسه الشك‪ ,‬وبني اإلميان املطلق (العرفان)‬ ‫وعكسه الكفر‪ ,‬والجمل اإلميانية االعتقادية ال تدحض بالعلم بل تتزعزع بتغري البيئة املعرفية‪.‬‬ ‫ص‪.189‬‬ ‫ويخصص بشارة الفصل الثالث يف كتابه لدحض نظريات نقد الدين التي يعدها بعض املنظرين‬ ‫العرب جهداً تنويرياً تقدمياً‪ ,‬فيقول “إن الدين ليس خرافات أو أفكار مغلوطة شائعة‪ ,‬واإللحاد‬ ‫ليس نظرية علمية” ص‪ .245‬ثم يناقش آراء الفالسفة وعلامء االجتامع يف هذا املوضوع وينتهي‬ ‫لخالصة فيقول‪“ :‬ال شك يف أن آباء علم االجتامع عموماً مل ينظروا إىل الدين باعتباره خرافات أو‬ ‫موضوعاً هامشياً‪ ,‬إذ رؤوا أن الدين عنرص اجتامعي دمجي أسايس يف التحوالت الرسيعة الجارية‬ ‫يف أوروبا‪ ,‬أي أنه يساهم يف بلورة الجامعات البرشية ومتاسكها‪ ,‬لكنهم جميعاً اشرتكوا يف رؤية‬ ‫انحساره‪ ,‬إذ توقعوا انحساره مع عملية التحديث والتصنيع وعقلنة العالقات اإلنسانية‪ ,‬وال‬ ‫أعتقد أنهم كانوا يتوقعون نشوء مجتمعات حديثة ومتدينة يف الوقت ذاته ومل يتوقعوا عودة‬ ‫الدين إىل السياسة بهذه القوة” ص‪.289‬‬ ‫يف الفصل الرابع (تعريفات)‪ ،‬يتناول الباحث املحاوالت املختلفة لفهم الدين‪ ،‬وتحديدات الدين‬ ‫والتد ّين نظر ًّيا‪ ،‬ليصل إىل اعتبار جهد تعريف الدين وتحديده جهداً علامن ّياً حتّى لو قام‬

‫به باحثون غري علامن ّيني‪ ،‬وإىل النتيجة التي تقول ّ‬ ‫“إن فهمنا‬ ‫يتغي بحسب العلمنة ّ‬ ‫مجتمع من‬ ‫وأن أمناط التد ّين يف‬ ‫للدين ّ‬ ‫ٍ‬ ‫املجتمعات تتأ ّثر بأمناط العلمنة التي مت ّر بها‪.‬‬ ‫الفصل الخامس وعنوانه “انتقال من مبحث الدين والتد ّين‬ ‫إىل مبحث العلامن ّية” هو الجرس الواصل ما بني الجزء األ ّول‬ ‫والجزء الثاين من مرشوع الدكتور عزمي بشارة‪ .‬وعنوان الجزء‬ ‫الثاين من الكتاب هو “العلامن ّية ونظر ّية العلمنة”‪ .‬وبهذا يكون‬ ‫الفصل الخامس من الكتاب نتيج ًة وبداي ًة يف الوقت نفسه‪،‬‬ ‫متغية وقابلة‬ ‫ومضمونه‪ :‬قناعة ّأن الدين ظاهرة اجتامع ّية ّ‬ ‫ونسبي ومتن ّوع”؛‬ ‫واجتامعي‬ ‫للدرس‪ ،‬وأ ّنه “إنسا ّين وإرادوي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والعلامنية ليست نظر ّية علم ّية‪ ،‬وال تعني العقالنية بالرضورة‪،‬‬ ‫بل هي ثقافة وأيديولوجية تط ّورت تاريخ ّياً‪ّ ،‬‬ ‫ومتخض عنها‬ ‫نظر ّية سوسيولوجية يف فهم تط ّور املجتمعات كصريورة من‬ ‫العلمنة”‪.‬‬ ‫“فنحن نتعامل مع العلامنية يف هذا الكتاب ال باعتبارها‬ ‫وصفة أو معادلة للتطبيق املبارش من املنتج إىل املستهلك‪ ,‬بل‬ ‫هي نتاج عملية متايز اجتامعي بنيوي وتغري يف أمناط الوعي‬ ‫كصريورة تاريخية‪ ,‬وهي صريورة متر بها املجتمعات كافة ونحن‬ ‫نعتقد أن طبيعة صريورة العلمنة التي بها املجتمعات هي التي‬ ‫تحدد ‪-‬ليس طبيعة العلامنية التي تنتج فيها‪ ,‬وموقعها ومدى‬ ‫هيمنتها كإيديولوجية فحسب‪ -‬بل طبيعة أمناط التدين أيضاً”‬ ‫ص‪. 407‬‬ ‫ينهي بشارة كتابه مبا بدأه سابقاً عن هدف كتابه حني‬ ‫أكد أنه ليس رضورياً أن يتفق أي قارئ مع تحليلنا للدين‬ ‫ظاهرة ومصطلحاً‪ ,‬لكن “هذا الكتاب يكون قد أدى مهمته‬ ‫إذا توصل القارئ النقدي سواء كان متديناً أو غري متدين‪ ,‬إىل‬ ‫قناعة مفادها‪ :‬أن الدين ليس مجرد مجموعة من األباطيل‬ ‫والنظريات الخاطئة يف فهم العامل‪ ,‬وأن العلامنية ليست عبارة‬ ‫عن نظرية علمية‪ ...‬وأن الدين ظاهرة اجتامعية متغرية وقابلة‬ ‫للدرس‪ ,‬واملعارف التي يقوم عليها متغرية كذلك” ص‪.15‬‬


‫عصر األكراد‬ ‫كاوا شيخي‬

‫‪ -‬انتفاضة سمكو تم قتله مع الكثري من أفراد عشريته‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 11 - 48 -‬‬

‫داعش مبا حملته من أسلحة ثقيلة توجهت أيضا‬ ‫نحو كوباين املحارصة وبدأت عملية هجوم واسعة‬ ‫عىل قرى وبلدات كوباين ومن ثم مركز املدينة‬ ‫أيضا‪ ..‬هنا أتوقف ألذكر بأن االيزيديه وقرى‬ ‫املوصل وكوباين وقراها‪ ،‬كلهم أكراد‪ ،‬ولكن هل‬ ‫حقا كانت هذه الهجامت هي السبب يف تسمية‬ ‫العرص بعرص األكراد؟؟‬ ‫هنا ال بد من العودة قليال إىل التاريخ‪ ..‬التاريخ‬ ‫الغريب والذي بدأ منذ مائة عام يف ترسيم خارطة‬ ‫جديدة للمنطقة (الرشق األوسط وشامل افريقيا)‬ ‫طبعا مل يكن هناك دولة اسمها سوريا برئاسة‬ ‫وعاصمة واقتصاد‪.‬‬ ‫وكذلك مل يكن هناك دولة اسمها العراق‪ ،‬فاملعروف‬ ‫للجميع أن الدولة اإلسالمية والتي توسعت عىل‬ ‫حساب اإلمارة والعشائر يف هذه املنطقة تحولت‬ ‫فيام بعد إىل الدولة أو اإلمرباطورية العثامنية‪،‬‬ ‫والتي أخذت فيام بعد شكل الدولة الرتكية‪ ،‬ثم‬ ‫كانت سايكس بيكو التي حرمت األكراد من‬ ‫دولتهم القومية‪ .‬طبعا األكراد انخرطوا يف البداية‬ ‫يف النضال ضد االحتالل الفرنيس واإلنكليزي‪ ،‬ومع‬ ‫التخلص من هذه الدول وانشاء الدولة السورية‬ ‫والعراقية وظهور الجانب القومي وطغيانه عىل‬ ‫الجانب الديني ويقظة الشعوب ومنها الشعب‬ ‫الكردي‪ ،‬هنا بدأت محاوالت تأسيس حركات‬ ‫سياسية تحررية ولكنها بالطبع قمعت‪ ،‬وتعرض‬ ‫األكراد لكافة أنواع االضطهاد‪.‬‬ ‫طبعا االضطهاد مل يكن موضوعا جديدا عىل‬ ‫الشعب الكردي‪ ،‬إمنا كان لهم معه تاريخ طويل‪..‬‬ ‫هنا سأذكر بعض الحوادث‪:‬‬ ‫ يف انتفاضة الشيخ سعيد بريان قتل ما يقارب‬‫‪/20000/‬كردي‪.‬‬

‫ يف ديرسم قصفت املدينة‪ ،‬وقتل ما ال يقل عن‬‫مليون كردي‬ ‫ يف حلبجه استخدمت األسلحة الكياموية ضد‬‫األكراد‪ ،‬يف غضون ساعات قليلة قتل ما ال يقل‬ ‫عن ‪ 5000‬كردي‬ ‫ يف حمالت األنفال قتل من البارزانيني حوايل ‪180‬‬‫الف كردي‪.‬‬ ‫ يف الهجوم عىل مهاباد الكردية‪ ،‬قتل القايض‬‫محمد والكثري من البارزانيني ماتوا وهم يفرون‬ ‫إىل االتحاد السوفيتي السابق‪.‬‬ ‫ يف االنقالب العسكري الطوراين يف تركيا وما تلتها‬‫من هجامت عىل األكراد ‪ ،‬قتل حوايل املئة الف‬ ‫شخص‪ .‬طبعا كل هذه املجازر هي ليست سوى ما‬ ‫يعادل الخمسة يف املئة مام حدث لالكراد‪.‬‬ ‫ اآلن نعود إىل سؤال ما إذا كان هذا العرص‬‫هو عرص األكراد؟ الجواب هو طبعاً ال‪ .‬فاألكراد‬ ‫ليس لديهم ما يوعدون به القوى التي ذاع عنها‬ ‫حاميتها لالكراد‪ .‬إذا كان كل املاليني التي تحدثنا‬ ‫عنها مل تستطع أن تجعل العرص عرص الكرد فإن‬ ‫ما تغري اآلن هو اإلعالم‪ .‬إن العرص الحديث هو‬ ‫عرص اإلعالم‪ ،‬حيث استطاع الكرد يف الهجامت‬ ‫األخرية التي تعرضوا لها أن يضعوا الرأي العام‬ ‫العاملي يف صورة ما يحدث‪ .‬طبعا العامل اآلن يعيش‬ ‫فوبيا اإلرهاب‪ ،‬وكان إظهار الصورة الحقيقية‬ ‫لداعش ومن ثم إظهار الكرد كمقاومني ضد‬ ‫داعش‪ ،‬والسبب الرئييس هنا هو أن األكراد هم‬ ‫الطرف القوي الوحيد الذي يحارب داعش‪ .‬هنا‬ ‫أدرك العامل بأن الكرد يحاربون داعش بدال عنه‪.‬‬ ‫تحركت دول العامل‪ ،‬بعد ان أدركت الشعوب هذه‬ ‫الحقيقة‪ ،‬فكان لإلعالم الدور األهم يف كل هذه‬ ‫الحرب‪ ،‬ولهذا استحق هذا العرص أن يكون زمن‬ ‫اإلعالم‪.‬‬

‫القسم الكوردي‬

‫تدور يف اآلونة األخرية تعبريات مثل “عرص األكراد”‬ ‫أو زمنهم‪ ،‬والذي يأيت كنتيجة للتعاطف العاملي‬ ‫الذي حصل عليه األكراد يف اآلونة األخرية بعد‬ ‫تزايد الهجامت الوحشية عليهم وخاصة يف مناطق‬ ‫سوريا والعراق وتحديدا يف مدن كوباين وشنكال‪.‬‬ ‫هل هذا حقاً عرص األكراد؟‬ ‫سنرتك اإلجابة عن السؤال الحقا‪ً.‬‬ ‫أما حول حقيقة ما حدث يف املدن السورية فهو‬ ‫كالتايل‪:‬‬ ‫تحولت الثورة السورية من ثورة سلمية إىل حرب‬ ‫أهلية رسعان ما منا فيها الجانب املتطرف مستفيداً‬ ‫من ضعف وترشذم الطرف الثوري الحقيقي‬ ‫وتعرضه للمالحقة ومن ثم تركه لساحة النضال‬ ‫واللجوء إىل دول الجوار‪.‬‬ ‫منا الجانب املتطرف مستندا عىل الرابط الحساس‬ ‫أو الديني ومتوه ًام إنه فع ًال ميثل نهج السلف‬ ‫الصالح‪.‬‬ ‫دخلت “الدولة االسالمية يف العراق والشام” إىل‬ ‫سوريا وأصبحت داعش التي اشتهرت ومنت يف‬ ‫فرتة قصرية مستفيدة من جموع الشيشان والذين‬ ‫خربوا فنون الحرب واألسلحة الحديثة‪ ،‬كذلك‬ ‫انضامم املطرودين من الجيش العراقي السابق‬ ‫أو ما يسمى بجيش صدام حسني وأصبح لهذه‬ ‫القوة شأناً‪ ،‬وتحديداً بعد سيطرتها عىل آبار النفط‬ ‫وقدرتها عىل متويل السالح واملرتزقة والذين أعلنوا‬ ‫انضاممهم إليها مام دفع هذا الغول إىل التوسع‬ ‫أكرث فأكرث ليعود إىل العراق‪.‬‬ ‫بعودة التنظيم إىل العراق وهو الذي غادره ضعيفاً‬ ‫فتحت له أبوابا جديدة‪ ،‬فكان تسليم املوصل‬ ‫واملخطط الذي سار كام خطط له‪.‬‬ ‫داعش يف املوصل استوىل عىل األسلحة الثقيلة‬ ‫وحكم مدينة كبرية‪ ،‬وكان لها فتح باب سجن‬ ‫املوصل الذي كان يضم ثالثة آالف من محكومي‬ ‫القاعدة‪ ،‬الذين انضموا إىل التنظيم الذي حررهم‬ ‫ودفع لهم مستفيدا من خدمات تجنيدهم‪.‬‬ ‫نعود اىل األكراد‪ ..‬يف العراق فتح الغول فمه ودخل‬ ‫إىل املناطق التي يسكنها االيزيديه‪ ،‬وطبعا املرتزقة‬ ‫التي قتلت ألف وسبعامئة شاب عراقي من شباب‬ ‫األكادميية الحربية‪ ،‬وسبعمئة من شعيطات دير‬ ‫الزور السنه مل توفر اليزيدين الذين هم ليسوا من‬ ‫أهل الكتاب‪.‬‬ ‫بدأت العصابات املسلحة يف قرى وبلدات‬ ‫االيزيديه نهبا وقتال وسلبا‪ ،‬حتى أفرغت املنطقة‬ ‫من أهلها‪ ..‬إال من اضطر أن يختار اإلسالم عىل‬ ‫سكني داعش‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫األنظمة الشمولية والفضاء العام‬ ‫‪12‬‬

‫ابن الوادي‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 11 - 48 -‬‬

‫مقاالت‬

‫يعرف الفضاء العام بأنه املساحة التي يحتفظ بها املجتمع‬ ‫لنفسه بعيدا عن مؤسسات الدولة الرسمية ملناقشة شؤونه‬ ‫وتدبر أموره وسرب قدرات أبناءه وخلق اآلليات لصقلها‪.‬‬ ‫وتحتل مؤسسات املجتمع املدين هذا الفضاء‪ ,‬وتعمل عىل‬ ‫استثامره‪ ,‬وتخلق اآلليات والربامج الستثامره بشكل يدعم منو‬ ‫املجتمع األم واملجتمعات املحلية الصغرية‪ .‬ويف هذا الفضاء‬ ‫يجد الشباب‪ ,‬والناشطون والنساء واألطفال املجال لالنخراط‬ ‫يف الحياة العامة والشأن العام‪ .‬ويلعب اإلعالم دورا يف تطوير‬ ‫بنية هذا الفضاء‪ ,‬ويساهم فيه أيضا‪ ,‬وللمؤسسات الدينية دورا‬ ‫بارزا فيه أيضا‪ .‬ويشكل هذا الفضاء وتشكيالته قوة معتربة يف‬ ‫وجه السياسة‪ .‬يزدهر الفضاء العام يف املجتمعات الليربالية‬ ‫والدميقراطية ويختنق يف مجتمعات التسلط واالستبداد‪.‬‬ ‫والفضاء العام هو املساحة التي يخترب املجتمع فيها قدراته‬ ‫عىل الحوار‪ ,‬والجدل البناء‪ ,‬وتنظيم نفسه يف تشكيالت فعالة‪,‬‬ ‫واختبار هويته‪ ,‬والحديث عنها‪ ,‬والتمعن يف مشاكله ومزاياه‪,‬‬ ‫ويصيغ حلوال تجد طريقها للمؤسسات الرسمية التي تستطيع‬ ‫تبنيها‪ ,‬او االستفادة منها يف عملها‪.‬‬ ‫تضع األنظمة الشمولية سياسيات مدروسة للسيطرة عىل‬ ‫الفضاء العام‪ ,‬وتسعى لوضعه أوالً تحت سيطرة أجهزتها‬ ‫لرصد ما يدور فيه‪ ,‬ثم تقننه لتضمن حضورها فيه‪ ,‬وبالتايل‬ ‫تأثريها عليه‪ ,‬ثم تبني القوالب التي تفرض من خاللها‬ ‫هيمنتها املطلقة عليه‪ .‬ويؤدي ذلك مع الوقت إىل أمرين‬ ‫أساسيني‪ .‬األول هو إفراغ هذا الفضاء من معناه من خالل‬ ‫تجريده من أي نقاش جدي وشله عن القيام بدوره املنوط‬ ‫به أصال‪ ,‬مام يؤدي يف النهاية إىل فقدان إميان الناس بجدواه‬ ‫وجديته وقدرته عىل استيعابهم‪ ,‬وجدوى تداول الشأن العام‪,‬‬ ‫وفائدة االنخراط يف تشكيالته‪ ,‬ملا يحمل من مضيعة للوقت‬ ‫وملا ينطوي عليه من أخطار التي تنجم عن املشاركة خارج‬ ‫األطر التي فرضها النظام الشمويل وهو ما نالحظه يف سورية ما‬ ‫قبل الثورة من قبل الكثري من السورين‪ .‬األمر الثاين هو تطويع‬ ‫هذا الفضاء لخدمة فكر النظام وبالتايل تعزيز سيطرته عىل‬ ‫املجتمع فيصبح الفضاء العام أداة للسيطرة والهيمنة بدل أن‬ ‫يكون املساحة التي يحتفظ بها املجتمع لنفسه لتناول السياسة‬ ‫والعمل العام بعيدا عن التسييس الحزيب واألدلجة الفكرية‪.‬‬ ‫ومن املخاطر الكبرية التي ينطوي عليها هذا النهج‪ ,‬انخراط‬ ‫الوصوليني والسطحيني يف العمل العام غري الرسمي سواء كان‬ ‫مدنيا أو سياسيا‪ ,‬وتنامي طبقة ضخمة من املنفعيني‪ ,‬تصبح‬ ‫جزءاً هاما من آلة القمع الفكري والقولبة وغسل األدمغة‬ ‫والخداع املستمر‪.‬‬ ‫ملجتمع ما من توفر مقومات معينة ليضمن لنفسه‬ ‫ال بد‬ ‫ٍ‬ ‫االستمرار‪ .‬بعض من هذه املقومات اقتصادي‪ ,‬وبعضها ثقايف‪,‬‬ ‫ومنها ما هو داخيل ومنها ما هو خارجي‪ .‬لكن يجدر بنا أيضا‬ ‫أن ننظر إىل املجتمع عىل أنه كائن حي‪ ,‬ينمو‪ ,‬يتطور‪ ,‬يتعلم‪,‬‬ ‫مير بتجارب عديدة‪ ,‬وهو يف هذه الحالة يحتاج‪ ,‬كام الفرد‪,‬‬

‫إىل مساحات أو فضاءات معينة ال توفرها‬ ‫األنظمة الشمولية‪ ,‬وهذا يف الحقيقة أحد‬ ‫األسباب األساسية النهيار هذه األنظمة‬ ‫ولتصدع املجتمعات التي تخضع لها‪,‬‬ ‫وهو ما رأيناه يف العراق بعد سقوط نظام‬ ‫صدام حسني الشمويل‪ ,‬وروسيا بعد االنهيار‬ ‫املفاجئ لالتحاد السوفيايت وحروبها األهلية‬ ‫يف الشيشان وغريها‪ ,‬واليمن عرب تاريخه‬ ‫منذ الوحدة وحتى اليوم‪ ,‬وبعض دول‬ ‫أوربا الرشقية بعد انهيار األنظمة الشيوعية‬ ‫الشمولية التي حكمتها‪ ,‬ونراه اليوم يف‬ ‫سوريا‪ ,‬بشكل ال ميكن إنكاره أبدا‪.‬‬ ‫إن توفري وصيانة وتعزيز الفضاء العام هو‬ ‫مبثابة تحصني للمجتمع من االنقسام املسترت‬ ‫املتخفي تحت غطاء الدولة التي تلعب‬ ‫دور األم والويص وال تسمح باالختالف او‬ ‫بالحديث عنه‪ ,‬وهو حامية من الخمول‬ ‫والسقوط يف هاوية الجمود ثم التحلل‪.‬‬ ‫ال شك أن استخدام مفردات هذا الفضاء‬

‫وأدواته والتي منها اإلعالم ومؤسسات‬ ‫املجتمع املدين والنقابات والتجمعات‬ ‫املختلفة‪ ,‬وحتى املؤسسات الدينية‪ ,‬هو‬ ‫ثقافة يبنيها املجتمع لنفسه وألفراده يف ظل‬ ‫توفر اإلمكانية لذلك مبا يف ذلك الحريات‬ ‫والبنى القانونية واملحفزات الثقافية‬ ‫واالجتامعية‪ .‬كذلك فإن هيمنة األنظمة‬ ‫الشمولية عىل الفضاء العام تفرض أدوات‬ ‫ومفردات مشوهة‪ ,‬ويف اللحظة التي ترتاجع‬ ‫فيها سيطرة هذه األنظمة عليه‪ ,‬وهو ما‬ ‫نراه أيضا يف سوريا اليوم‪ ,‬حيث يقبل الناس‬ ‫عىل الفضاء العام وهو أمر حتمي‪ ,‬لكنهم‬ ‫يتجهون الستخدامه وفق اآلليات واملفردات‬ ‫املشوهة ذاتها التي ورثوها عن النظام‬ ‫الشمويل دون إدراك أهمية استبدالها‪ .‬ال شك‬ ‫أن املجتمع سيخضع هنا لعملية تعلم قاسية‬ ‫ومكلفة ورضورية لتطوره‪ ,‬لكن األخطار‬ ‫التي تحف بهذا العملية جمة ومعقدة وقد‬ ‫بدأت مفاعليها تظهر جلياً‪.‬‬


‫استعجال النتائج‬ ‫محمد حجو‬

‫‪13‬‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 11 - 48 -‬‬

‫هذه الثورة املجيدة ستحمل يف رأيي التغيري‬ ‫الجذري لسوريا وستساهم يف تخليصها من حزب‬ ‫مجرم عاث بأرضها وشعبها فساداً حتى أحال قسام‬ ‫كبرياً منهم إىل مجرمني يوازونه فتكاً و رعباً‪.‬‬ ‫أنا وغريي من املثقفني والكتاب نعلم يقيناً أن‬ ‫الشعب السوري املحارص والجائع واملتعطش للامء‬ ‫والحرية قد ضاق ذرعاً بالتنظري السيايس واملعارك‬ ‫الكالمية املتبادلة‪ ،‬لكن هذا هو قدر الشعوب‬ ‫الراغبة يف التغيري واﻹصالح يف العامل أجمع؛ تعاين‬ ‫هي حتى يكتب لألجيال القادمة أن تعيش يف‬ ‫حرية وسالم‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫أينام وجهت أنظارك أو أصخت سمعك إن كان يف‬ ‫العامل العريب أو الغريب فإنك ستواجه بسيل جارف‬ ‫من اليأس من الثورة السورية ومفرزاتها‪ ،‬كام أن‬ ‫الكثريين أصبحوا يتندمون عىل انخراطهم يف هذه‬ ‫الثورة متمرغني يف ذكريات ما قبل (اﻷزمة) والتي‬ ‫باتوا يرونها أفضل أيام حياتهم إذا ما قورنت‬ ‫باﻷوضاع الحالية‪.‬‬ ‫هذا اﻹحباط هو أمر متفهم من قبل الناس و ذلك‬ ‫ﻷننا جبلنا عىل استعجال التغيري من جهة وﻷن‬ ‫الوضع اﻹنساين يف سوريا مأساوي لدرجة كبرية‬ ‫ال توصف؛ فاملجاعات واﻷمراض وغريها أصبحت‬ ‫مشاهد معتادة يف مسلسل املعاناة السورية الذي‬ ‫يتابعه العامل بصمت مخ ٍز‪ ،‬كام ًّأن تح ّول الثورة عن‬ ‫سلميتها وتسلل عنارص ال ّ‬ ‫متت للثورة بصلة إليها‪،‬‬ ‫عمل عىل تشويهها ونفور الناس من تقبلها‪ ،‬لكن‬ ‫ذلك ال ُيعد عذراً مقبوالً لليأس منها‪.‬‬ ‫وحتى ال أكون غامضاً يف طرحي‪ ،‬فإنني سأستسقي‬ ‫من الثورات اﻷخرى يف العامل العريب أمثلة من شأنها‬ ‫رسم معامل الطريق الصعبة التي ال بد لكل ثورة أن‬ ‫تخوضها‪ ...‬هذه الطريق التي وصفها الشاعر الكبري‬ ‫أحمد شوقي بكلامت نورانية فقال‪:‬‬ ‫باب ِّ‬ ‫مرضج ٍة ُي ُّ‬ ‫بكل ي ٍد ّ‬ ‫دق‬ ‫و للحرية الحمراء ٌ‬ ‫سأبدأ أوالً بالثورة التونسية؛ باكورة الثورات العربية‬ ‫والتي اصطلح عىل تسميتها بثورة الياسمني‪ ،‬و هي‬ ‫اآلن تعيش وضعاً سياسياً متخبطاً ومرتافقاً باستمرار‬ ‫االعتقاالت لكل من سولت له نفسه بالتغيري‪.‬‬ ‫أنتقل بعدها إىل مرص والتي كانت ثورتها مثاالً‬ ‫يرضبه الكثريون من العامة واملثقفني عىل أهمية‬ ‫السلمية‪ ،‬وأنها كانت درساً ثورياً يف رأيهم يتوجب‬ ‫تعليمه للشعوب العربية حتى يفقهوا معاين‬ ‫السلمية‪.‬‬ ‫واﻵن وبعد انقضاء أكرث من ثالث سنوات عىل‬ ‫الثورة املرصية‪ ،‬أتوجه بالسؤال أنا وغريي من‬ ‫الذين حذروا من مغبة التفاؤل املفرط للذين هللوا‬ ‫ومجدوا لهذه الثورة ونظروا بدونية إىل الثورات‬ ‫اﻷخرى يف ليبيا وسوريا واليمن وغريها‪ ،‬أتوجه‬ ‫إليهم بسؤال عتايب‪ :‬ما الذي حققته الثورة املرصية‬ ‫فعال؟! وأين هي الثامر املنتظرة للثورة املجيدة؟!‬ ‫حكم العسكر عاد أكرث قباح ًة وأشد قسوة ممثال‬ ‫بـ (عبد الفتاح السييس) الذي كان قربان حكمه‬

‫مئات املعتصمني السلميني يف رابعة العدوية والذي‬ ‫ظهر تخاذله أمام دماء املئات من الفلسطينيني يف‬ ‫غزة وإغالقه السافر ملعرب رفح‪ ،‬وهو بهذا قد دشن‬ ‫انحطاط الوضع يف مرص داخلياً و عربياً‪.‬‬ ‫منحى‬ ‫و باالنتقال إىل البحرين والتي نحت ثورتها‬ ‫ً‬ ‫طائفياً مل يعد ال عىل الشعب وال الحكومة إال مبزيد‬ ‫من الرتاجع و ضعف املنتج أو حتى انعدامه‪.‬‬ ‫لن أسهب يف رسد ال يفيد‪ ،‬فالجدول الزمني لكل‬ ‫ثورة ونتائجها معروف ومتوفر لكل من أراد‬ ‫االطالع‪ ،‬لكنني إمنا أردت اإلشارة إىل نقطتني‬ ‫هامتني للغاية يف رأيي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬إن ما يحدث يف سوريا اليوم من انتشار‬ ‫لجامعات إرهابية متطرفة دينياً وعسكرياً وتحول‬ ‫الثورة عن أهدافها ليس ذنب من خرجوا يطالبون‬ ‫بالحرية‪ ،‬بل وعىل العكس فإن التظاهرات السلمية‬ ‫لو أتيح لها املجال لساهمت يف الحد من انتشار‬ ‫هكذا جامعات و ذلك لوجود فرصة التعبري عن‬ ‫الرأي واالحتجاج‪ .‬ظهور هذه السلبيات وغريها هو‬ ‫نتيجة مبارشة لقمع النظام الوحيش والالإنساين‬ ‫للمتظاهرين السلميني من جهة‪ ،‬وتخاذل وانقسام‬ ‫املعارضة يف الداخل والخارج من جهة أخرى‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الثورة يف مفهومها اﻷسايس هي تغيري للواقع‬ ‫املعاش‪ ،‬و هو تغيري شديد الصعوبة‪ ،‬ووعرة طريقه‬

‫كام أن مثاره تتأخر يف النضوج‪ ،‬ونحن إن استعجلنا‬ ‫قطافها كان لزاماً علينا أن نأكلها حامضة أو حتى‬ ‫مرة الطعم‪ .‬خمسون عاماً من حكم البعث املجرم‬ ‫(‪ )1963‬ال ميكن تغيريها بأربع أو حتى خمس‬ ‫سنوات‪ ،‬خاصة وأن السوريني يقفون وحدهم يف‬ ‫مواجهة كل ما يحدث‪ ،‬واملجتمع الدويل مازال‬ ‫يحسب ويعيد الحساب حتى يعلم يقيناً أين‬ ‫ستكون مصالحه فينارص من يحققها له‪ ،‬غري عابئ‬ ‫بدماء الشعب املسفوحة عىل أرض سوريا وترابها‬ ‫الذي غدا مكوناً يف معظمه من رفات أبنائها الذين‬ ‫قضوا دفاعاً عن حقهم يف حياة كرمية‪.‬‬


‫الر ّمان!!!!‬ ‫حلب يا حبة ّ‬ ‫‪14‬‬

‫سامان ح حسن‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 11 - 48 -‬‬

‫َمنْ ذا الذي رأى‬ ‫ح ّبة ال ّرمان‬ ‫تغني لل َوطن ؟‬ ‫تبكيه‬ ‫فتزدا ُد حمر ًة و غواية !ً‬ ‫من ذا الذي يس ّمي الشوارع ؟‬ ‫مل قد ال نس ّمي شارعاً باسم َح َلب ؟‬ ‫أو شارعني ؟‬ ‫أو مئة ؟‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ملَ ال نس ّمي كل الوجوه َحلب ؟‬ ‫ملَ ال نضيع يف كرثة االسم ؟‬ ‫وملَ يصيبنا بالدهش ِة‬ ‫ك ّلام م َّر كفصول متكاملة ؟‬ ‫الحب‬ ‫كأنه دامئاً أ ّول ّ‬ ‫من ذا الذي رأى‬ ‫ح ّبة الزيتون يف طريقها للمعرصة ؟!‬ ‫من رآها تتحدث بنشو ٍة‬ ‫ني تبادال الحنني‬ ‫عن عاشق ِ‬ ‫يف ِّ‬ ‫ظل أرستها الكبرية‬ ‫من سمعها تشهق‬ ‫ال تعرصوين!‬

‫لئال تصاب عيونهم بالقحط‬ ‫لئال يكتب أحفادهم‬ ‫عن صويت‬ ‫وال ُيكت َ​َب عليهم ألَم املعرصة!‬ ‫يتكس‬ ‫من منكم رأى الس ّلم‬ ‫املوسيقي َّ‬ ‫َّ‬ ‫قدمي ؟‬ ‫تحت‬ ‫ّ‬ ‫من رأى ظهر القصيدة أحدباً إذ اتكأ شوقي‬ ‫عليه ؟‬ ‫ً‬ ‫من رأى قلبي هاربا من بني السطور‬ ‫“باب الفرج “‬ ‫قاصداً َ‬ ‫ُ‬ ‫الحزن خلخاله إ ْذ‬ ‫هل رأيتم كيف يشهر‬ ‫أكتب حلب؟‬ ‫ُ‬ ‫هل ترون ‪-‬مثيل ‪ -‬تفاحات هاهنا بني الحاء‬ ‫و الباء؟‬ ‫طف ‪ ,‬ال ّلغ ِة و الالهوت‬ ‫الم ال ّل ِ‬ ‫دغ ‪ ,‬اللجو ِء و الليمون !‬ ‫سع ‪ ,‬ال ّل ِ‬ ‫الم ال ّل ِ‬ ‫اللمس و اللوعة ‪..‬‬ ‫ال ُم الالجدوى ال ُم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ألف ج ّن ٍة‬ ‫أال يستحقّ األم ُر أن أنزل من ِ‬ ‫ألتذ ّوق خطايا الالم يف حلب ؟‬ ‫‪!.......‬‬ ‫ُ‬ ‫هكذا أشهر ضحكتي‬

‫َ‬ ‫وسط القصيدة أصيح ‪ :‬وجدتني !‬ ‫أعرث ع َّ‬ ‫يل‬ ‫أحتضنني‬ ‫أحاول لو أناديني يضيع النداء!‬ ‫أضيع !‬ ‫ُ‬ ‫تضيع الحروف تاليش ‪ ,‬تاليش‬ ‫وكل هذا ٌ‬ ‫بعض شوقي لحلب! ‪,,,,‬‬ ‫بعض من ِ‬ ‫من يسقي الغيم أحالماً ؟‬ ‫من يخمدُ حرس َة املوت ؟‬ ‫رس القنوط‬ ‫من يدرك َّأن َّ‬ ‫االسم‬ ‫غياب ِ‬ ‫عن أوالده العرشة‬ ‫فقط لو َ‬ ‫قلت َح َل ْب‬ ‫ال ينا ُم صغار العصافري‬ ‫عىل طوى‬ ‫ُ‬ ‫وحدها ُ‬ ‫تعرف َ‬ ‫كيف متأل االسم باأل َّمهات‬ ‫كيف متلؤه قمحاً‬ ‫كيف متلؤه ملحاً‬ ‫َ‬ ‫كيف متأل منقار الدّوريّ لحناً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وكيف تجعل من وجهي الصغري‬ ‫مالحم البكا ِء لبكا ِء ح ّبة الرمان البعيدة !‬ ‫َ‬

‫أظافر‬ ‫رامي العاشق‬

‫أدب‬

‫ال نسا َء يف هذه املدينة‪ ،‬جميعهنَّ أكلتْهنَّ‬ ‫ْ‬ ‫رصوحا تذكار ّي ًة‪،‬‬ ‫الحرب‬ ‫وبصقت أظافرهُ نَّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫يف كل شارع أرى إظف ًرا واق ًفا يتأ ّمل ُه املا ّرة‬ ‫ويتص ّورون معه‪ ،‬يرتكون تذكاراتهم عليه‬ ‫ويكتبون أسامءهم وأسامء من يح ّبون ويل ّونونه‬ ‫بألوانٍ مختلفة‪ ،‬وحدي ‪ ..‬أم ّر قربه وال أفعل‬ ‫شيئًا‪ّ ،‬‬ ‫أهتم به‪،‬‬ ‫وكل م ّرة أم ّر َ‬ ‫قرب إظف ٍر دون أن ّ‬ ‫ُ‬ ‫تصيبني لعنته‪ ،‬أسقط أو أرتطم بعمود كهرباء‬ ‫أو تدهسني د ّراجة هوائ ّية عابرة برسعة قطار‬ ‫ّ‬ ‫متأخر عن موعده!‬ ‫كانت جدّيت تح ّذرين دامئًا من لعنة األظافر‪،‬‬ ‫وتوصيني أن أدفن إظفري املقصوص يف الرتاب‪،‬‬ ‫إال أنني ُ‬ ‫كنت أخىش أن ينمو وتصبح لدينا‬ ‫شجرة أظافر يف بيتنا العريبّ! كنت أستغرب أن‬ ‫ّ‬ ‫تحل عيل لعنة األظافر عندما ال ُأبدي اهتام ًما‬ ‫بها‪ُ ،‬‬ ‫األصل ‪ ..‬أن ّ‬ ‫تحل عىل من يش ّوهها ويزعجها‬

‫ات سخيفة‪ ،‬حتّى ُ‬ ‫سألت أحد‬ ‫ويكتب عليها عبار ٍ‬ ‫ّ‬ ‫علامء الحضارة عن هذه اللعنة‪ ،‬فأجابني‪« :‬ليس‬ ‫لألظافر لعنة‪ ،‬إ ّنها حرمة املوىت يا صديقي‪ّ ،‬‬ ‫كل‬ ‫رصح فتا ٍة أكلتها الحرب‪ ،‬نسا ُء هذه‬ ‫إظف ٍر هو ُ‬ ‫َ‬ ‫ويردن منّا أن نحرتم أرضحتهنّ ‪،‬‬ ‫املدينة يراقبننا‬ ‫ليس لألظافر لعنة‪ ،‬وإن كان هنالك لعنة‪ ،‬فهي‬ ‫لعنة النّساء ال األظافر!»‪.‬‬ ‫منذ ذلك اليوم‪ ،‬وأنا أهتم بهذه األظافر‪ُ ،‬‬ ‫بحثت‬ ‫ُ‬ ‫كث ًريا حتّى‬ ‫وجدت إظف ًرا بعيدًا مل ميسسه أحدٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ألنحت‬ ‫ورحت أعتني به‪ ،‬أب ُرد ُه باستمرار‬ ‫بعد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فتس َعدُ صاحبته أل ّنها‬ ‫للباص‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫موق‬ ‫منه‬ ‫ْ‬ ‫لساعات تحته ألقرأ‬ ‫أجلس‬ ‫ٍ‬ ‫تحميني من املطر‪ُ ،‬‬ ‫كتب عنها‬ ‫لها عن الحرب التي أكلتها‪ ،‬وكيف َ‬ ‫املؤ ّرخون‪ ،‬أذك ُر أ ّنني ُ‬ ‫كتبت لها قصيدة أتغزّل‬ ‫فيها بجامل أنوث ِتها‪ ،‬هو هكذا ِّ‬ ‫الشعر دامئًا ‪..‬‬ ‫وهم عىل وهم‪ ،‬أخربها دامئًا عن الناس هنا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كيف ميضون أوقاتهم‪ ،‬ماذا يأكلون‪ ،‬أخربها كم‬

‫لوحة للفنان السوري ديالور عمر‬

‫ٌ‬ ‫موحشة هذه املدينة الخالية من النّساء‪ ،‬ال‬ ‫هي‬ ‫عط َر لها‪ّ ،‬‬ ‫تسحب العطر من املدائن‬ ‫الحروب‬ ‫كأن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪ ..‬تخ ّل ُ‬ ‫صت من لعنة األظافر والنّساء نعم‪ ،‬لكنّني‬ ‫ُ‬ ‫أصبحت أف ّكر كث ًريا يف أسئلتي الوجود ّية‪ ،‬ملاذا‬ ‫تخىش الحرب من العطر‪ ،‬وملاذا تخىش من النّساء‬ ‫؟ ‪ ..‬وملاذا تأكلهنَّ وتبصقُ أظافرهنَّ فقط؟ ّربا ‪..‬‬ ‫الحرب ‪ ..‬ال حاجة لها باألظافر!!‬ ‫ألن‬ ‫َ‬


‫التدوين بين األمس واليوم‬ ‫باسل مطر‬ ‫مشروع سالمتك‬

‫تفاعــل معنــا‬ ‫عبــر صفحاتنــا‬ ‫علــى اإلنترنــت‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬ ‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 11 - 48 -‬‬

‫املدونون هذا الترصيح باعتباره مي ًال لسياسات‬ ‫الفصل العنرصي والذي تجاهلته وسائل اإلعالم‪,‬‬ ‫وأثاروا حوله ضجيجا دفع بالسيناتور املذكور الحقا‬ ‫لالستقالة من منصبه‪.‬‬ ‫منحى جديدا‪,‬‬ ‫بحلول عام ‪ ,2004‬بدأ التدوين يأخذ‬ ‫ً‬ ‫فقد أصبح مرشحو الرئاسة والربملانات‪ ,‬ومؤسسات‬ ‫األخبار‪ ,‬واالختصاصيون ينشؤون مدوناتهم‬ ‫الخاصة‪ ,‬بهدف التأثري عىل الرأي العام‪ ,‬أو سربه‬ ‫وفهمه‪.‬‬ ‫أصبحت املدونات الحقا وسيلة تستخدمها‬ ‫الصحف ووكاالت األنباء لتجنب الرقابة‪ ,‬ولتمرير‬ ‫رسائل هامة ال تستطيع متريرها من خالل الصحافة‬ ‫االحرتافية‪ .‬وأصبحت الحكومات متتلك مدونات‬ ‫أيضا‪ ,‬وأصبح الصحفيون املحرتفون ميتلكون‬ ‫مدونات لهم‪ ,‬لكن هذا مل يغري من كون التدوين‬ ‫هو أدارة للتعبري الفردي بشكل أسايس‪ ,‬وأن مدونني‬ ‫كرث يكتفون بالتدوين تركوا ويرتكون أثرا كبريا يف‬ ‫حياتنا كل يوم‪.‬‬ ‫تعترب املدونات فضاءات تفاعلية هامة بطبيعتها‬ ‫حيث يتاح للقاريء التعليق عىل مضمونها‪ ,‬أو‬ ‫حتى إرسال رسائل لصاحبها‪ ,‬وهو ما جعلها‬

‫تحظى بشعبية كبرية قبل ظهور شبكات التواصل‬ ‫االجتامعي وبعدها‪.‬‬ ‫تختلف املدونات عن شبكات التواصل االجتامعي‬ ‫بأن القوانني التي تحكم عملها أقل حدة‪ ,‬وأن‬ ‫مضمونها هو يف الحقيقة ملك لصاحبها‪ .‬تستطيع‬ ‫الرشكات التي تقدم هذه الخدمات إزالة‬ ‫املنشورات التي تخالف أحكام االستخدام‪ ,‬لكن‬ ‫التجربة تظهر بأن هذه الحاالت أقل بكثري مام‬ ‫نشاهده عىل شبكات التواصل االجتامعي مثل‬ ‫فيسبوك أو مواقع مشاركة الفيديو مثل يوتيوب‪.‬‬ ‫فمثال متنع وورد برس وهي أحد أهم مقدمي‬ ‫خدمات التدوين املجانية املنشورات اإلباحية أو‬ ‫التي تحرض عىل العنف أو تنتهك حقوق امللكية‪,‬‬ ‫وهذا كل ما تورده بهذا الخصوص‪ ,‬فيام تتشعب‬ ‫هذه األحكام كثريا بالنسبة لفيسبوك‪.‬‬ ‫ال يستطع أحد أن ينكر أو يتجاهل أثر التدوين‬ ‫عىل السياسة واالقتصاد والتكنولوجيا منذ نهاية‬ ‫التسعينات حتى اليوم‪ ,‬وأن التدوين قد لعب‬ ‫دورا يف صياغة مجريات األحداث يف العقدين‬ ‫املاضيني‪ ,‬وهو أمر عىل السوريني االلتفات إليه‬ ‫دون ريب‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫دأب السوريون عىل توثيق ثورتهم ونقل أخبارها‬ ‫من خالل شبكات التواصل االجتامعي‪ ,‬وتعرض‬ ‫أرشيفهم خالل أعوام الثورة األربعة إىل الكثري‬ ‫من النكسات‪ ,‬فقد أغلقت صفحات‪ ,‬وضاعت‬ ‫فيديوهات كثرية مام خلق الكثري من اإلحباط‬ ‫نتيجة هذه الخسائر الكثرية‪.‬‬ ‫نشأ أيضا عىل هامش هذا النشاط تيار أخر‬ ‫سعى الستخدام التدوين كوسيلة للنرش والتوثيق‪,‬‬ ‫وظهرت مدونات هامة مثل املندسة السورية‪,‬‬ ‫وكربيت وميثاق سوريا وغريها تركت أثرا هاما‬ ‫ولعبت دورا يف صياغة أرشيف هذه املرحلة‬ ‫الهامة من تاريخ الوطن السوري‪.‬‬ ‫لكن التدوين‪ ,‬رغم ازدهاره يف املجتمعات‬ ‫األخرى‪ ,‬مل يلق االهتامم املتوقع بني السوريني‪,‬‬ ‫واحتل فيسبوك‪ ,‬بأخطاره الكثرية‪ ,‬مكان الصدارة‬ ‫كمنصة للنرش والتوثيق‪.‬‬ ‫والتدوين (‪)Blogging‬هو نرش منشورات قصرية‬ ‫أو طويلة ترتب تنازليا وفقاً لزمن نرشها‪ ,‬ومنها‬ ‫ما هو فردي‪ ,‬وهو األكرث شيوعا‪ ,‬ومنها ما هو‬ ‫جامعي‪ ,‬وهو منط ظهر الحقا‪.‬‬ ‫كان املدون األمرييك جون بارغر هو أول من‬ ‫ابتكر مصطلح ‪ Web Blogging‬يف عام ‪ ,1997‬ثم‬ ‫أىت املدون الشهري بيرت ملهورز واخترص املصطلح‬ ‫ليصبح ‪ Blog‬فقط بعد عامني عىل ظهوره‪ ,‬وكان‬ ‫املصطلح إسام فقط إىل أن بدأ إيفان ويليام‬ ‫باستخدامه عىل مدونته الخاصة كفعل (‪To‬‬ ‫‪.)blog‬‬ ‫يعود ازدهار التدوين إىل تسعينيات القرن املايض‬ ‫حني بدأت اإلنرتنت باالنتشار‪ ,‬وأصبح النرش‬ ‫عليها ال يتطلب مهارات تقنية عالية ومعرفة‬ ‫وإتقان للغات ‪ HTML‬وبروتوكول ‪ .FTP‬ففي‬ ‫عام ‪ 1997‬أنشأ بورس أبليسون منصته التدوينية‬ ‫‪ Open Diary‬التي تعني املفكرة املفتوحة‪ ,‬والتي‬ ‫ما لبثت أن أصبحت ألوفا من املفكرات املفتوحة‪,‬‬ ‫تالها العديد من املنصات املشابهة‪.‬‬ ‫أصبح للتدوين أثرا سياسيا واضحا منذ بداية‬ ‫ازدهاره وخاصة يف الواليات املتحدة األمريكية‪,‬‬ ‫موطن التدوين األول‪ .‬ففي عام ‪ 2002‬صدر‬ ‫تعليق مثري للجدل عن زعيم األغلبية الدميقراطية‬ ‫يف الكونغرس ترينت لوت مفاده أن الواليات‬ ‫املتحدة ستكون أفضل حاالً لو تم انتخاب سرتوم‬ ‫ثندر‪ ,‬السيناتور السابق رئيساً‪ ,‬وهو الذي عرف‬ ‫بدفاعه عن سياسات التمييز العنرصي‪ .‬التقط‬

‫‪15‬‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.