Voices #1, 2015

Page 1

‫أصوات‬ ‫السنة الخامسة‬

‫العدد السادس‬ ‫تصوير‪ :‬نضال جوابرة‬


‫احملتويات‬ ‫مفهوم املقاومة الشعبية‬ ‫لكن ال مكان للجبناء بني أهل القرية‬ ‫أخبار مسرح احلرية‬ ‫ابنتي تدعى صمود‬ ‫طموح‬ ‫املقاومة الشعبية في توانة‬ ‫هنا األغوار‬ ‫اجتياح‬ ‫طعم آخر للنجاح‬ ‫أريد أمي‬ ‫طفولة ثم إصرار‬ ‫األغوار توانه النبي صالح وبالعكس‬ ‫أشجار وذكريات‬ ‫التحدي‬ ‫املرابطات هن اجلبارات‬ ‫طابون أم اخلير‬ ‫صدى األماكن‬ ‫أمهات ثائرات‬

‫سعاد شواهنة‬ ‫منال فزع‬ ‫منال فزع‬ ‫سعاد شواهنة‬ ‫منال فزع‬ ‫سعاد شواهنة‬ ‫سعاد شواهنة‬ ‫سعاد شواهنة‬ ‫منال فزع‬ ‫منال فزع‬ ‫منال فزع‬ ‫سعاد شواهنة‬ ‫سعاد شواهنة‬ ‫منال فزع‬ ‫منال فزع‬ ‫سعاد شواهنة‬ ‫منال فزع‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪20‬‬

‫مفهوم املقاومة الشعبية‬ ‫الوقوف ضد االعتداء والمعتدي لمقاومته عن طريق عدم التعاون واإلضراب والمقاطعة‪ ،‬والمقاومة الشعبية بمعناها اإلجرائي تجعل‬ ‫من كل فرد مقاوما تبعا لموقعه‪ ،‬إذ يشارك جميع شرائح المجتمع في هذا النوع من المقاومة من خالل االحتجاجات الجماعية ‪،‬المواكب‪،‬‬ ‫التجمعات الشعبية‪ ،‬المسرح والموسيقى‪ ،‬واألعمال الرمزية‪ ،‬والمقاطعة االقتصادية‪ ،‬والتصريحات الرسمية‪ ،‬و تكريم الشهداء‪.‬‬

‫شخصيات عالمية استخدمت المقاومة الشعبية سبيال للتحرر‬

‫مارتن لوثر كينج‬

‫زعيم أمريكي من أصول إفريقية وناشط سياسي إنساني‪ ،‬وأحد المطالبين بإنهاء التمييز العنصري ضد السود‪ ،‬وفي عام ‪1964‬‬ ‫حصل على جائزة نوبل للسالم‪ ،‬وكان أصغر من يحوز عليها‪ .‬اغتيل في الرابع من أبريل عام ‪ ،1968‬واعتبر مارتن لوثر كينج‬ ‫من أهم الشخصيات التي ناضلت في سبيل الحرية وحقوق اإلنسان‪.‬حيث حارب مظاهر التمييز ضد الزنوج كمنعهم من الجلوس في‬ ‫الحافالت إال في الخلف و إجبارهم على ترك المكان في حال دخول رجل أبيض‪ .‬واتخذ كنج هذا األمر وسيلة للكفاح الالعنيف عن‬ ‫طريق مقاطعة السود للحافالت‪ ،‬وقد استمرت هذه المقاطعة ما يزيد عن سنة اعتمد فيها الزنوج على أساليب سلمية عديدة‪.‬‬ ‫مهاتما غاندي‬

‫تحرير‪ :‬منال فزع و سعاد شواهنة‬ ‫إشراف و تصميم المجلة‪ :‬محمد معاوية‬

‫بدعم من‬

‫هو الزعيم الروحي للهند‪ ،‬والزعيم الروحي للثورة السلمية التي أدت إلى استقالل الهند عن بريطانيا‪ .‬وهو رائد الساتياغراها وتعني‬ ‫العصيان المدني‪ .‬وقد استخدم ذلك في جنوب إفريقيا ثم عاد واستخدمها في الهند عام‪ 1915 .‬قام بتنظيم مجموعة من االحتجاجات‬ ‫من قبل الفالحين والمزارعين اعتراضا ً على الضرائب المفرطة والتمييز في المعاملة‪ ،‬كما بدأ حملة لتحقيق الوئام الديني وتدعيم‬ ‫حقوق المرأة ونبذ الفقر‪ .‬بعد تجربة غاندي في جنوب أفريقيا ضد التمييز العنصري‪ ،‬عاد إلى الهند وهو يفكر بطريقة للخالص من‬ ‫االحتالل البريطاني وتبني الطرق السلمية التي تضمنت أشكاال من حركات التمرد والعصيان المدني والمقاطعة للنسيج اإلنجليزي‬ ‫و كسر قانون الملح ‪ -‬وهو القانون الذي كان يقضي بفرض ضرائب على الملح الذي تنتجه الشركات البريطانية فقط ‪ -‬وتوجه إلى‬ ‫البحر ليستخلص الملح منه ودعا الشعب الهندي للمشاركة في هذا األمر وفي عام ‪ 1930‬كانت مسيرة الملح وامتدت ‪ 26‬يوماً‪.‬‬

‫‪1‬‬


‫لكن‬ ‫ال مكان للجبناء بني أهل القرية‬ ‫منال فزع‬

‫على مدخل القرية جاءت الشاحنة التي ترمي المياه العادمة في كل مكان‪ ،‬على األسطح واآلبار واألشجار حتى أنا لم أسلم منهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تصديت لهم مع الشباب هاجمنا جنديٌ اختبأ خلف الشاحنة‪ ،‬وبدأ بإطالق النار باتجاهنا‪ ،‬فخانتني اإلصابة في قدمي ولم أستطع‬ ‫حينما‬ ‫ُ‬ ‫عجزت عن الركض‪ ،‬والصراع أكل تفكيري‪ ،‬أريد أن أتجاوز عن الظلم وأكسر الوجع‪ ،‬و لكن لم أستطع‪ ،‬فغسلتني الشاحنة‬ ‫الهروب‪،‬‬ ‫بالمياه المخضرّ ة التي ال وصف لبشاع ِة رائحتها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أقوى على وجعي وإصابتي ِبحُب النبي صالح‪ ،‬ال أريد أن أخسر قدمي‪ ،‬لكن ال مكان للجبناء بين أهل القرية‪ ،‬أصبت ست مرات وفي‬ ‫ت في ُغرفة اإلنعاش‪ ،‬وهناك رصاصة ال تزال في قدمي‪ ،‬صِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الموت عدة مرا ٍ‬ ‫رت لما أراهم‬ ‫رأيت‬ ‫أول مرة كان عمري ‪ 11‬سنة‪،‬‬ ‫يُهاجموننا أرتجف‪ ،‬وعليَّ أن أتقدم وأتصدى لهم‪.‬‬ ‫عال حُرقة الوطن‪ ،‬أو حتى‬ ‫أنا وهو وهي وكل سكان النبي صالح مستهدفين‪ ،‬إن كنت على الجبل أو في المدرسة أو ُتغني بصوت ٍ‬ ‫تذهب لزيارة أقاربك سيهاجمونك‪ ،‬ويعكرون صفو يومك‪ ،‬ألن غايتهم إيذاءنا حتى عيوننا ال يجوز لها أن تلمع فرحا ً بأي شيء‪.‬‬ ‫حينما يكون الوجع كبيراً ال يمكننا أن نحبسه بداخل قارورة زجاجية أو حتى بالستيكية مرنة‪ ،‬فاالحتالل نقم ُة حريتنا التي نحلم بها‬ ‫الخروج واللعِب دون الغازات الخانقة‪ ،‬لكننا رجال‬ ‫كل يوم جمعة على الجبل أو البوابة‪ ،‬وروح األطفال المُشاكسة تصارعنا تري ُد‬ ‫َ‬ ‫حجر موجود على األرض ونضربه‬ ‫نتحدى الظلم والقتل واالعتداءات التي ال تترك لنا شبراً وال نفسا ً بيننا إال وتقتحمه‪ ،‬نستغ ُل آخر‬ ‫ٍ‬ ‫نهز أجسادهم ّ‬ ‫أنا وصديقي في النضال‪ ،‬علّنا ُّ‬ ‫الرثة‪ ،‬ومهما كثرت اإلصابات والوجع كبير‪ ،‬الضربة التي ال تقتلك‪ ،‬بالطبع ستقويك‪.‬‬

‫تصوير‪ :‬أسيل أبو بكر‬

‫‪2‬‬

‫أخبار مسرح احلرية‬ ‫معرض “حرية” ‪:‬‬ ‫نطم مسرح الحرية معرضا للفن التشكيلي بعنوان “حرية” وجاء افتتاح المعرض بعد دورة تدريبية شارك فيها عدد من الفنانات‬ ‫الشابات‪ ،‬إذ خضعن لتدريب ممنهج علمي حول الرسم واستخدام األلوان الزيتية والرصاص‪.‬‬

‫مخيم صيفي لألطفال‪:‬‬ ‫أقام مسرح الحرية مخيما صيفيا لألطفال‪ ،‬استمر عشرة أيام في الفترة بين ‪ 2015/7/26‬وحتى ‪ 2015/8/5‬وتضمن المخيم‬ ‫تدريبات حول الدراما والمسرح واستخدام اللعب في التعليم‪.‬‬

‫مسرحية الحصار‪:‬‬ ‫افتتح مسرح الحرية في الرابع من نيسان مسرحية الحصار‪ ،‬بالتزامن مع الذكرى الرابعة الغتيال جوليانو مير خميس ‪ -‬مؤسس‬ ‫مسرح الحرية ومديره في العام ‪ ،2011‬كما تزامن افتتاح المسرحية أيضا مع ذكرى اجتياح السلطات اإلسرائيلية لمخيم جنين في‬ ‫العام ‪ ،2002‬وحصار كنيسة المهد في بيت لحم‪.‬‬ ‫مسرحية الحصار تعرض مجموعة من القصص الحقيقية لمقاتلين مستوحاة من تجارب المقاتلين الذين حوصروا في كنيسة المهد‬ ‫خالل االنتفاضة الثانية عام ‪ ،2002‬حيث التقى مخرج المسرحية نبيل الراعي بعدد من المقاتلين الذين تم نفيهم إلى أوروبا‪ ،‬واستمع‬ ‫إلى قصصهم ونقل جزءا من صمودهم خالل هذا الحصار في عمله المسرحي حصار بمشاركة المخرجة البريطانية زوي الفرتي‪.‬‬ ‫مثل هذه المسرحية ممثلو مسرح الحرية الذين كبروا خالل االنتفاضة الثانية‪ ،‬وعاشوا حياتهم تحت االحتالل‪ ،‬كما شارك في التمثيل‬ ‫عدد من الممثلين من الضفة الغربية واألراضي المحتلة عام ‪ .1948‬عرضت مسرحية الحصار في مناطق مختلفة في الضفة‬ ‫الغربية‪ ،‬والقت صدى واسعا في وسائل اإلعالم المحلية‪ ،‬كما عرضت المسرحية خالل جولة مسرح الحرية في المملكة المتحدة‬ ‫وهذا حقق انتشارا عالميا للمسرحية‪ ،‬وترك أثرا مميزا وردود فعل عالمية مثيرة‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫ابنتي تدعى صمود‬ ‫منال فزع‬

‫ال تغرك اإلرادة المشدودة كمسمار صدأ في الجدار وانثنى‪،‬‬ ‫فالوج ُه تملؤه التجاعيد‪ ،‬والعيون ال تزال تحتفظ بشكل العنف‬ ‫واندفاع الدبابات هناك‪ ،‬الشمس قاسية في الخيمة وال ترحم‪،‬‬ ‫وصورة أبي وأمي في المكان الذي نتنقل حتى نجمع دفأنا وقوتنا‬ ‫والوطن‪ ،‬هنا الحديدية ٌ‬ ‫جنة منحني إياها ربي على أرضه‪ ،‬لكنها‬ ‫الجنة القاسية الموحشة كما االستيطان‪.‬‬ ‫الرقم القياسي في عملية الهدم‪،‬‬ ‫أبو صقر بشارات صاحب‬ ‫ِ‬ ‫يهدمولي وأرجع أبني أقرب على المستوطنة أكثر‪ ،‬حاليا ً بيننا‬ ‫‪ 400‬متر‪ ،‬وتكررت العملية ست مرات وإرادتي ما ضعفت‪،‬‬ ‫إذا أن رح أضعف وأرحل غيري رح يضعف متلي‪ ،‬أنا إبن‬ ‫الحديدية وفش قوة بتطلعني منها‪.‬‬ ‫في أول هدمة صادرلي الضابط صهريج المي ألنها من بين‬ ‫األشياء الي بتحيينا‪ ،‬وفاوضني على ورقة تنازل عنه إذا طلعت‬ ‫من الحديدية‪ ،‬حكالي ارحل من هون ورح تأخذ حقك بالكامل‪،‬‬ ‫قلت له مبروك عليك‪ ،‬سألني شو يعني ‪ ،‬قلت له من الحديدية مش‬

‫يف ‪ 2005‬كانت رابع هدمة‪،‬‬ ‫�أجى جيب التنظيم بالليل‬ ‫علي اجلندي‪� :‬أبو �صقر‬ ‫نادى ّ‬ ‫معك ‪� 24‬ساعة‪ ،‬اخلي‬ ‫‪4‬‬

‫طالع‪ ،‬الرزاق هو هللا والمي من السماء‪ ،‬لو قطعت عني المي‬ ‫مش رح أموت من العطش خير هللا كثير‪ ،‬المستوطنين دائما ً‬ ‫بحطوا حشيش مسمم للغنمات أو بوخذوهن بحجة إنهم قراب‬ ‫عالمستوطنة‪ ،‬حتى إذا سمموهم بقني غيرهم‪ ،‬أنا زرعت شجرة‬ ‫الزيتون بالحديدية وبسقيها على حسابي‪ ،‬إحنا منمكن األرض‬ ‫وحق وجودنا بشجرة الزيتون‪.‬‬ ‫في ‪ 2002‬ثاني هدمة كانت الدنيا شتاء أجى مسؤول اإلدارة‬ ‫المدنية وبجانبه مسؤول عسكري‪ ،‬سألته لما ت��روح عبيتك‬ ‫ويشوفوك أوالدك مغبّر رح يسألوك وين كنت‪ ،‬رح تقلهم كنت‬ ‫بهدم ببيوت فلسطينية ورح يطيروا من الفرح‪ ،‬وبنفس الوقت‬ ‫رح يسألوني أوالدي مين هدملنا بيتنا رح أقلهم اإلسرائيليين ولما‬ ‫يعرفوا قديش حاولوا يشردونا رح يضلهم يقاوموكم للموت‪.‬‬ ‫وفي ثالث هدمة‪ ،‬عرض عليّ أنور الضابط الدرزي انتقل على‬ ‫عاطوف أو عالمالح بس رفضت‪ ،‬كنت وقتها محضر خيمة من‬ ‫الخيش‪ ،‬بعد ما هدموا نصبته وعاودوا رجعوا عليّ وتفاجئوا‬ ‫كيف نصبته بالسرعة هاي‪ ،‬قلت له لو تهدم مئة مرة رح أرجع‬ ‫أنصب الخيمة‪.‬‬ ‫في ‪ 2005‬كانت رابع هدمة‪ ،‬أجى جيب التنظيم بالليل نادى عليّ‬ ‫الجندي‪ :‬أبو صقر معك ‪ 24‬ساعة‪ ،‬اخلي‪.‬‬ ‫وقتها احترت زوجتي صابها مخاض الحمل‪ ،‬أروح معهم وال‬ ‫أبقى أتصدى للهدم‪ ،‬وقررت أروح مع زوجتي على المستشفى‬ ‫عشان أكبر بأذن بنتي صمود إلي كبرت قلوبنا بجيتها‪ ،‬ومن‬ ‫وقتها وإحنا صامدين أكثر‪ ،‬وفرحتنا كبرت بصمود وصمدت‬ ‫الخيمة معنا أكثر‪ ،‬فش مكان بوسعنا بالعالم قد خيمتنا‪ ،‬بكفي إنها‬ ‫على أرضي وأرض أبوي وجدودي‪.‬‬ ‫في الهدمة الخامسة كان إرادتي أقوى مش رح أبين إني ضعيف‬ ‫ومغتاظ ومعصب‪ ،‬قلت لزوجتي تعمل كاسة ش��اي‪ ،‬قعدت‬ ‫وشربتها والدبابات مقابلتني جاي تهدم‪ ،‬بس ابتسامتي بوجه‬ ‫قهرهم بتهز كل وجود اليهود‪.‬‬ ‫آخر هدمة قربت عالمستوطنة أكثر مش رح أتراجع عن مكاني‬ ‫وحقي باألرض هاي‪ ،‬فش أرض بتوسعني أكثر منها‪ ،‬ال‪400‬‬ ‫متر أكيد رح ينقصوا بالهدمة إلي وراه��ا‪ ،‬هدفنا نقهرهم‬ ‫بوجودنا وصمودنا‪.‬‬ ‫الحياة الكريمة إنك تعيش بحرية‪ ،‬شح المي والكهرباء والخدمات‬ ‫الصحية وكل شيء ما بساوي إنك تقاوم وتبقى بأرضك‪،‬‬ ‫صحيح ما عايشت التقدم الموجود‪ ،‬لكن إذا بدنا ننصاع للسياسة‬ ‫اإلسرائيلية فلسطين كلها ممنوع نضل فيها‪ ،‬بحسب قرارات‬ ‫محكمة العدل في ‪ 2006‬سكان الحديدية كلهم غير شرعيين‪،‬‬ ‫وممنوع عنا كل شيء‪ ،‬بس وال قوة بتزحزحنا عن بلدنا وخيمتنا‪.‬‬

‫تصوير‪ :‬براء شرقاوي‬

‫‪5‬‬


‫طموح‬ ‫سعاد شواهنة‬

‫كان لألسماء وقعا مختلفا في روحها‪ ،‬عاشت أيامها تسمع صوتا‬ ‫يناديها‪ ،‬قضت اللحظات تعد لزفافها من أحد أبناء الجوار في‬ ‫خلة المية‪ ،‬ثوبها األبيض‪ ،‬أحمر الشفاه الكرزي‪ ،‬وابتسامة مختلفة‬ ‫رسمها على شفتيه كانت كافية الكتشاف روح أخرى‪ ،‬ومكان آخر‪.‬‬ ‫دفعها القدر إلى تلك األسئلة عن قرية في الجوار‪ ،‬كانت تسمع‬ ‫جدتها تدعوها” توانة”‪ ،‬سعادة لم يترجمها إال العناق بدت على‬ ‫وجهها حين عرفت أن لزوجها وعائلته بيتا قديما هناك‪ ،‬كأن‬ ‫لروحها عمراً آخر‪ ،‬دفعت نفسها إليه إذ قررت السكن في بيت‬ ‫العائلة العتيق‪ ،‬أعدت نفسها‪ ،‬رتبت أروقتها‪ ،‬أوانيها‪ ،‬وعلقت‬ ‫بعض اللوحات‪ ،‬والصور‪ ،‬وأوشحة مطرزة‪ ،‬وتركت شباكها‬ ‫الخشبي مواربا على فناء ترابي واسع ال زالت تفكر بزرعه‪ ،‬أي‬ ‫ورد يناسب طوب البيت القديم‪ ،‬حجارته العتيقة‪ ،‬وشبابيكه الخشبية‪.‬‬ ‫يوحي المكان بهذا الدفء الذي تصنعه مساحة ضيقة‪ ،‬ببسمة‬ ‫وكثير من الكلمات طوت انتصار إحساس غربة تتركه مسافة‬ ‫بضع كيلو مترات بين قريتها ومنزلها الجديد‪ .‬تكتشف في األيام‬ ‫روحا أخرى‪ ،‬كانت تنتظر مولد ابنتها فرح‪ ،‬تسمع ارتداد صوت‬ ‫الوقت في روحها‪ ،‬إذ تنتظر حضور الطبيب إلى العيادة في‬ ‫زيارته األسبوعية‪ ،‬فال يوجد عيادة دائمة وطبيب يتواجد يوميا‬ ‫في البلدة‪ ،‬تجتاز انتصار تلك المسافة القصيرة الطويلة في آن‬ ‫إلى يطا حين يدفعها القلق لالطمئنان على جنينها” فرح”‪ ،‬و‬ ‫تستعين بأحد الجيران ليقلها بسيارته‪ ،‬إذ ال يوجد مجمع للسيارات‬ ‫العامة‪ ،‬وال سيارات عامة في مكان بهذا الصغر والهدوء‪.‬‬ ‫كان مكانها مساحة للحلم‪ ،‬للتأمل‪ ،‬للولوج إلى الروح‪ ،‬غنت لفرح‪،‬‬ ‫فكرت بها‪ ،‬حلمت لها بلحظات أفضل‪ ،‬هكذا بدأ حلم انتصار‬

‫بتأسيس روضة لألطفال‪ ،‬ستكبر فرح‪ ،‬سيكبر أبناء القرية‪،‬‬ ‫سكنها هذا الهاجس تسعة شهور‪ ،‬ووضعته اقتراحا بين كفي‬ ‫رئيس المجلس القروي ورجال البلدة‪ ،‬فهي تؤمن أن األحالم ال‬ ‫تنتظر‪ ،‬األحالم تصنع بإرادة الروح‪ .‬رممت وأبناء القرية كهفا‬ ‫صغيرا‪ ،‬لونته‪ ،‬رتبت أرجاءه‪ ،‬زينته بالرسوم‪ ،‬باألضواء القليلة‬ ‫التي تصل إلى البلدة متسللة من بلدة مجاورة‪ ،‬وجهزته ببعض‬ ‫الماء‪ ،‬البدايات البسيطة ترسم في النفس صورة لوجود‬ ‫آخر‪ ،‬لحلم أكبر‪.‬‬ ‫بإرادة أم كانت معلمة وملهمة لطالبها بدأ مشوارهم في كهف‬ ‫صغير‪ ،‬قلق هو حلمها دوما‪ ،‬تعيش قلقا على طالبها الصغار‪،‬‬ ‫وتحيا قلقا وترقبا إذ تخشى أن يتعثر حلمها وتتوقف الروضة عن‬ ‫العلم‪ ،‬تخشى انتصار متابعة التربية والتعليم‪ ،‬إذ ال يصلح الكهف‬ ‫مكانا للطالب‪ ،‬بهذا القلق وهذا الحب بدأت القرية تبني روضة‬ ‫لألطفال‪ ،‬لم يكن الحصول على تمويل لبناء الروضة سهال‪ ،‬لكن‬ ‫مؤسسات دولية ساندت الفكرة‪ ،‬هكذا بدأ البناء ليكون جسرا للبقاء‬ ‫والتحدي‪ ،‬وعنوانا للمقاومة‪ ،‬هكذا صار لألطفال عمر أجمل‬ ‫يحيونه‪ ،‬ومستقبل أكثر جماال يفتشون عنه‪.‬‬ ‫حين تنظر انتصار إلى روضة األطفال في طريق عودتها إلى‬ ‫المنزل‪ ،‬ال تستطيع أن تنسى ذلك اليوم الذي قضته ليال مرابطة‬ ‫تفترش جسدها فوق قطع الحديد‪ ،‬وبين أكوام الطوب لترد عن‬ ‫المكان خطرا بالهدم يهدد روضتها‪ ،‬إذ تتربص آلة عسكرية‬ ‫اسرائيلية في المكان‪ .‬كبر الحلم بأبناء القرية ‪ ،‬صار روضة يقف‬ ‫أبناؤها يبنون أحالمهم بروح طفل يكبر حلما‪.‬‬

‫تصوير‪ :‬أسيل أبو بكر‬

‫املقاومة الشعبية في توانه‬ ‫منال فزع‬

‫حدّ ثنا عن وجودك هنا؟‬ ‫ُ‬ ‫سكنت في توانة بعد جدي وأبي‪ ،‬بلدنا بالتركية تعني “استنى”‪،‬‬ ‫وبالطبع هي بوابة لمنطقة الجنوب ل‪ 25‬قرية‪ ،‬أنا ولدت في‬ ‫ُ‬ ‫ورثت غرفتين‬ ‫مغارة وحتى اآلن أحافظ عليها منذ زمن جدي‪،‬‬ ‫قديمتين عن جدتي‪ ،‬فحميتهما بتراث األجداد وفلسطين‪ ،‬وهدفي‬ ‫أن أُعلم أبنائي أن يبقوا هنا ويتمسكوا بهذه األرض‪ ،‬نحن نعيش‬ ‫هنا عن ج ِد جدنا‪ ،‬ولن نغادر‪ ،‬من الصعب أن تترك مكانا ً عشت‬ ‫فيه ونشأ قلبك على حبه‪.‬‬

‫ما سبب تواجد األجانب في القرية؟‬ ‫ال يوجد مراكز تعليمية سوى في قرية توانة‪ ،‬فتضطر القرى‬ ‫القريبة إلى إرسال أبنائها إلى قري ِة المدرسة في توانة‪ ،‬رغم‬ ‫تعدي المستوطنين المستمر لهم‪ ،‬في عام ‪ 2004‬عندما تعرض‬ ‫أحد األمريكان الذين جاؤوا لمرافقة الطالب من قرية طوبة التي‬ ‫تقع بين مستوطنتين‪ ،‬كسر المستوطنون رجل أحدهم بالعصاة‪،‬‬ ‫واآلخر أُصيب في وجهه فما كان من مؤسسة “سي بي تي” أن‬ ‫تبعث أفراد مهمتهم توصيل األطفال لمدارسهم كل صباح‪.‬‬

‫ما هي أبرز مواجهة لك مع المستوطنين؟‬ ‫في منطقتنا يوجد خمس مستوطنات كبيرة‪ ،‬ومِثلُها صغيرة أو‬ ‫عشوائية تدعى ”كرفانات”‪ ،‬التي تسبب لنا مشاكل دائمة ؛ كتسميم‬ ‫اآلبار‪ ،‬وتخريب المزروعات‪ ،‬والسيطرة على األراضي‪.‬‬ ‫في ‪ 2005‬قمنا بتشكيل نواة حتى نقاومهم بعدما رأينا سيطرة‬ ‫المستمر لهم‪ ،‬توجهنا لألرض في‬ ‫المستوطنين ودعم الجيش‬ ‫ِ‬ ‫منطقة الخروبة التي تقع بعد توانة في شهر أيار للحصاد‪،‬‬ ‫واألرض بحسب الخرائط هي من حقنا لكن قربها من مزرعة‬ ‫مستوطنة “ماعون” كانت تسبب لنا المواجهات المستمرة‪،‬‬ ‫ذهب بعضنا للحصاد والبعض اآلخر لرعي األغنام وآخرون‬ ‫يحرسوننا من هجوم المستوطنين المفاجئ‪ ،‬وكالمعتاد هجموا‬ ‫علينا وأبلغونا بأن علينا أن نغادر المكان‪ ،‬فتغلبنا عليهم بالكثرة‬ ‫والكاميرات التي توثق األحداث‪ ،‬وجاء جيش االحتالل بعد وق ٍ‬ ‫ت‬ ‫قصير فتوجه للناس ولم يجيبوه‪ ،‬فحدثني حتى ُنغادر المكان‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أراض تابعة لنا‬ ‫أحتفظ بخارط ٍة ُتثبت أننا في‬ ‫كنت‬ ‫وألجل الحظ‬ ‫ٍ‬ ‫ليس من حقهم إخراجنا‪ ،‬فلم يستجب وهددنا باالنسحاب خالل‬ ‫‪ 10‬دقائق‪ ،‬ولكثرتنا تأخرنا باالنسحاب فاستخدموا العنف ضدّنا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومزق الضابط الخارطة واعتقلوني لمدة يومين ودفعت غرامة‬

‫ما دوركم كلجان شعبية في حماية حقوق المواطنين؟‬ ‫نحن كلجان شعبية نعمل على متابع ِة األوضاع بالتناوب‪ ،‬ففي‬ ‫شبان تقريبا ً في أوقات فراغهم لمتابعة‬ ‫كل تجمع يتفرغ ثالث ُة‬ ‫ٍ‬ ‫األوضاع‪ ،‬باإلضافة إلى استخدام الضغط والمناصرة للحصول‬ ‫على حقوقنا‪ ،‬ونوصل مشاكلنا للمؤسسات الدولية وللسلطة عن‬ ‫طريق المحاميين‪ ،‬ونشكل خيمات اعتصام مثلما يحدث في قرية‬ ‫سوسيا المهددة بالترحيل بحجة قربها من المستوطنة‪ ،‬واإلدارة‬ ‫المدنية ومؤسسة “راجافيم” لحقوق المستوطنين جمعت قواها في‬ ‫تصديها لنا لكننا نجحنا في عدم تنفيذ قرارهم حالياً‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ 1995‬رحّ لوا خمسة تجمعات فاستقبلتهم قريتي توانة‬ ‫والكرمل لمدة سنة‪ ،‬وألن من حقهم أن يعودوا توصلنا للكنيست‬ ‫اإلسرائيلي في تل أبيب وقمنا بالمفاوضة‪ ،‬وتمكنا بعد التعرض‬ ‫لمحكمة العدل “الظلم” اإلسرائيلية بأن ُنعيد أهالي القرى‬ ‫المرحلة‪ ،‬وناشدنا مؤسسات عالمية ومؤسسة التعايش السلمي‬ ‫“برشن دوف” لحماية المواطنين‪.‬‬ ‫نحن نناشد من يريد أن يعرف معاناتنا أن يأتي لزيارتنا‪“ ،‬الحكي‬ ‫مش متل الشوف”‪.‬‬

‫بحُجة التعدي على المنطقة‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫‪7‬‬


‫هنا األغوار‬ ‫سعاد شواهنة‬

‫تبدو المفاهيم مختلفة هذا النهار‪ ،‬عهد ترمي حقيبتها بعد مشقة مشي طويلة‬ ‫من مدرستها في تياسير إلى الجفتلك‪ ،‬لم تستطع اليوم أن تستقل الباص‬ ‫الصغير المزدحم في طريق العودة‪ ،‬فقد كبرت عهد‪ ،‬كثرت عدد الحصص‬ ‫الصفية التي عليها تلقيها‪ ،‬هكذا أصبح يفوتها موعد الباص في طريق العودة‪،‬‬ ‫فتجتمع مع صديقاتها ويعدن معا سيرا على األقدام‪.‬‬ ‫بعد عصر هذا اليوم جلست مع صديقاتها في خيمة أعدت لعرض مسرحي‬ ‫بعنوان”محكمة”‪ ،‬اتخذت زاوية منفصلة بعيدة عن األوالد وشغبهم كما يفعلن‬ ‫في الصف‪ ،‬إذ يجلسن معا في الجهة اليمنى‪ ،‬بينما يجلس األوالد في الجهة‬ ‫اليسرى من الصف‪ ،‬وقلما يتبادلون األحاديث‪ .‬تعد مشاعل نفسها للبدء‬ ‫بالحديث قبل العرض‪ ،‬وجهها القمحي يشي بابتسامة دافئة‪ ،‬عهد تنظر إليها‬ ‫بإعجاب‪ ،‬أحبت حديثها عن نفسها‪ ،‬لقد تحملت مشاعل تلك المسافة صيفا ً‬ ‫وشتا ًء لتصل المدرسة‪ ،‬تابعت دراستها في تياسير و في طوباس حيث‬ ‫درست المرحلة الثانوية‪ ،‬وهي تدرس في الجامعة اليوم وتقطع تلك المسافة‬ ‫بين األغوار وبيت لحم أسبوعيا لتدرس الفنون‪ ،‬وتصوغ الفن لغة تحكي بها‬ ‫عن األغوار في مسرحية وفي ألوان لوحة لم تكتمل بعد‪.‬‬ ‫لم تكن التقنيات الصوتية عالية الجودة‪ ،‬ال منصة للعرض‪ ،‬ما من بروتوكوالت‬ ‫مسرحية‪ ،‬بهذه البساطة تحدثت المسرحية عن األغوار‪ ،‬العمل‪ ،‬الدراسة‪،‬‬ ‫األطفال‪ ،‬الحلم‪ ،‬المكان الضيق الواسع في آن‪ ،‬كانت أصوات الماعز تتداخل‬ ‫مع أصوات الممثلين‪ ،‬وتمر بعض النساء يلقين التحية في طريقهن إلى نبع‬ ‫يمألن الماء منه‪ ،‬انتهت المسرحية بال ستار يسدل في نهايتها‪ .‬كانت ابتسامة‬ ‫مشاعل الستار األجمل لختام المسرحية وسط الكثير من التصفيق‪.‬‬ ‫اقتربت عهد من مشاعل‪“ :‬أنا بحلم أصير مثلك‪ ،‬بدي أكمل دراستي‪ ،‬بس‬ ‫طريق العودة صار أصعب وفيه قلق لما كبرت”‪ .‬ربتت مشاعل على كتفها‬ ‫وتابعت عهد‪“ :‬من لما وقفنا مستوطن أنا وصاحباتي وإحنا مروحات من‬ ‫المدرسة وقلنا تعالن أوصلكن‪ ،‬وأمي بتقولي بيكفي مدرسة‪ ،‬خلص أحسن‬ ‫ضلي ساعديني بالبيت حتى تتزوجي‪ ،‬المستوطن ما كانش بدو يوصلنا أكيد‪،‬‬ ‫هو بهموش نوصل‪ ،‬يومها ركضنا كتير‪ ،‬هربنا أنا وصاحباتي‪ ،‬حملت بوتي‬ ‫وركضت بسرعة‪ ،‬ما بعرف ليش حسيت إني ممكن أكون أسرع بدون بوت‪.‬‬ ‫ابتسمت مشاعل‪“ :‬حاولي عزيزتي حاولي‪ ،‬ليس أحلى من أن تصبح أحالمنا‬ ‫حقيقة”‪ .‬كانت مشاعل تقول هذا وهي ترى مسرحيتها القادمة‪ ،‬قصتها‪،‬‬ ‫وموضوعها الذي ال يبرح األغوار‪ “ :‬هنا األغوار مرة أخرى‪”.‬‬

‫اجتياح‬ ‫سعاد شواهنة‬ ‫ال ندرك كيف ترسم تلك األحداث القاسية لنفسها مكانا في يوم‬ ‫عادي‪ ،‬تعلم رشدي من والده أن يشد وتد خيمته لتقف صامدة‬ ‫شامخة بقماشها الرث وأعمدتها المتهالكة لتبقى شوكة عالقة في‬ ‫عنق المستوطنة في الحديدية‪ ،‬تعلم كيف يكون مستعدا لنصبها‬ ‫في كل مرة تطال فيها آليات االحتالل اإلسرائيلي من الخيمة‪.‬‬ ‫يحتفظ والده بأرض صغيرة يناضل كل يوم بحدة‪ ،‬بكبرياء ليبقى‬ ‫محتفظا ً بأرضه بعيداً عن شبح مصادرة االحتالل لها‪ ،‬يبذرها‪،‬‬ ‫ويزرعها‪ ،‬يعتني رشدي باألرض في عطلته المدرسية‪ ،‬ركب‬ ‫رشدي الجرار الزراعي كعادته‪ ،‬وراح يحرث ويرتب أرض‬ ‫والده‪ ،‬يقول والده دوما أن الغور جنته التي ال يستطيع العيش بعيدا‬ ‫عنها للحظة واحدة‪ ،‬فلسطين تحتدم‪ ،‬المكان مشحون بالقسوة‪ ،‬غزة‬ ‫مكان صاخب‪ ،‬يرتد صخبه على األغوار‪.‬‬ ‫كان يوما قاسيا‪ ،‬وقع رشدي فيه عن الجرار الزراعي‪ ،‬والجيش‬ ‫يرتعد خوفا ويمنع سيارة اإلسعاف من اجتياز الحاجز‪ ،‬رشدي‬ ‫يحارب الموت تحيطه لهفة والدته‪ ،‬وقلق أبيه‪ ،‬وهو ينزف‪ ،‬ووالده‬ ‫يسابق الموت إليه‪ ،‬رشدي ينزف والمكان قاس‪ ،‬ال طبيب في‬ ‫الجوار‪ ،‬وسيارة اإلسعاف ال يسعفها القلق‪ ،‬تحاصرها اآلالت‬ ‫العسكرية وفوهات أسلحتهم‪ ،‬ينزف رشدي بين ذراعي والدته‪،‬‬ ‫ينزف حتى يخطفه الموت‪ .‬تبكي أمه بحرقه‪ ،‬تتألم بقلق‪ ،‬يخفي‬ ‫والده دموعه ويطلق صرخة عالية كأنه يريد لرشدي أن يسمعها‬ ‫في سكونه‪ “ :‬أنا من األغوار‪ ،‬هنا سأبقى‪ ،‬في خيمتي المهددة‬ ‫بالهدم‪ ،‬وأرضي المهددة بالمصادرة‪ ،‬خسرتك رشدي‪ ،‬رحلت‬ ‫رشدي أنا أمك إخوتك سنبقى وفاء لألرض لروحك للتراب حبيبي” ‪.‬‬

‫تصوير‪ :‬براء شرقاوي‬

‫‪8‬‬

‫‪9‬‬


‫طعم آخر للنجاح‬

‫سعاد شواهنة‬

‫في قلق المكان وألمه يجد رشيد دراغمة لنفسه روحا مختلفة في األغوار المكان الذي ولد وكبر فيه‪ ،‬وعاش قسوته‪ ،‬وتعلم فيه كيف‬ ‫يصنع من بقائه لغة للمقاومة‪ ،‬يزرعها في أذهان األطفال والشباب‪.‬‬ ‫يروي دراغمة كيف وقفت مؤسسة التضامن الدولي ومركز معا التنموي ومن خالل حمالت عديدة أطلقوها مثل حملة انقذوا األغوار‬ ‫في مواجهة سيل من محاوالت التهجير وطمس الهوية‪ ،‬وقتل اإلرادة في عيون األطفال‪ .‬وإذ كنت أحدثه شعرت أن لديه القدرة على‬ ‫السير معصوب العينين في األغوار دون أن يتوه لحظة‪ ،‬أو يتعثر بحجر‪.‬‬ ‫في عتمة الليل بنى رشيد وأيد فلسطينية ساهرة مئتي بيت‪ .‬يتذكر هذا بفخر يشوبه القلق‪“ :‬استطعنا بناء مئتي بيت‪ ،‬في المكان الذي‬ ‫يمنع البناء فيه”‪ .‬وبتنهيدة تابع‪“ :‬مئتي بيت مهدد بالهدم من قوات االحتالل اإلسرائيلي في أي لحظة لكنها صامدة”‪.‬‬ ‫للطوب في األغوار حكاية أخرى‪ ،‬ففي المكان الذي يمنع فيه البناء وال تتوفر فيه مدارس قريبة للسبب ذاته يقول رشيد‪“ :‬يسير‬ ‫األطفال مسافات طويلة للوصول إلى مدارسهم‪ ،‬يمنع بناء مدرسة هنا‪ ،‬وال نستطيع تعليم األوالد في في الخيام فالصيف حار‪ ،‬والشتاء‬ ‫قاس متقلب”‪.‬‬ ‫يروي رشيد الناس والمكان واألغوار‪ ،‬وال تخونه الذاكرة‪ ،‬فال يسقط اسما ألي طفل أرقه الطريق إلى المدرسة‪ ،‬فتسلل منها إلى حقل‬ ‫نخيل‪ ،‬أو كروم عنب يعمل فيها‪ ،‬ال ينسى شيخا آلمه ظهره وهو يرعى أغنامه‪ ،‬وال يغفل عن سيدة كسر مستوطن يدها إذ تمأل الماء‬ ‫من عين ماء قريب من بيتها علها تعود وتطهو طعاما ألطفالها‪ .‬يتذكر رشيد حقول نخيل صادرها االحتالل اإلسرائيلي وفرش نفسه‬ ‫فيها‪ ،‬ومياه في جوف األرض يمنع التنقيب عنها‪ .‬محموما بكل هذا لكنه يتذكر بفخر انتصارا دوليا لفلسطين حين أوقف بمساندة‬ ‫كبيرة من األهالي والعاملين تصدير بضائع شركة كريسكو كراميل اإلسرائيلية العاملة داخل مستوطنة من المستوطنات إلى الدول‬ ‫األوروبية‪ ،‬يتذكر األمر كأنه حدث أمس‪” :‬كان األمر صعبا‪ ،‬في عيون العاملين الفلسطينيين من أبناء األغوار في هذه الشركة رأيت‬ ‫صورا للقلق لالرتباك‪ ،‬واالحتدام معا‪ ،‬وقف العمال بين صورة األرض التي يحبون‪ ،‬وبين صورة أطفالهم‪ ،‬فذاك يحتاج حذاء جديدا‪،‬‬ ‫وذاك له ابنة يثقل ليله التفكير بسعالها‪ ،‬واحتياجها المستمر للدواء‪ ،‬لكنها األغوار‪ ،‬المكان الذي يحبون‪ ،‬وقف العاملون بعد تجاوز‬ ‫عناء ذاك التناقض أمام المحكمة ليدلون بشهاداتهم‪ ،‬وبتلك األصوات نجحت مساعينا”‪ .‬بهذا الفرح يقول‪“ :‬كان هذا في العام ‪2010‬‬ ‫عملنا ثالث سنوات لنصل إلى هذا النجاح‪ ،‬ورائع أن نستطيع ذلك‪ ،‬نؤمن‪ ،‬نبقى‪ ،‬نحيا‪ ،‬ونقاوم بصمودنا‪ ،‬برسوخنا‪ ،‬األرض واالنسان‬ ‫هذا كل ما لدينا من سالح لكننا باقون”‪.‬‬

‫تصوير‪ :‬نضال جوابرة‬

‫‪10‬‬

‫‪11‬‬


‫أريد أمي‬ ‫منال فزع‬

‫ً‬ ‫وقبلة تزر ُع القوة وحب الحياة على جبينه وفي قلبه‪ ،‬أري ُد أمي‪ ،‬أعيدوا لي أمي‪،‬‬ ‫كيف يصحو الطفل من فراشه مبتسما ً دون لمسة أمه‪،‬‬ ‫أيام في حياتي‪.‬‬ ‫الدنيا تدور بي وأمي ال تربت على ُتوازن الثِقل في كتفي وتحملني‪ ،‬كانت أصعب عشرة ٍ‬ ‫آذان الظهر يدّوي في شوارع النبي صالح‪ ،‬أبي وأمي يعدّون أنفاسنا المرتجفة لنواجه بقوة أولئك الضعفاء وأسلحتهم‪ ،‬مشينا معاً‪ ،‬ثم‬ ‫وصلنا للجيل المقابل للعين‪ ،‬كانت قنابل الغاز ته ُل باستقبالنا ومعها القنابل الصوتية وكلها خانقة وتدفعنا لالنتقام ونتقدم‪ُ ،‬كلنا هناك‬ ‫أرض تضمنا وتحفظ تواريخنا‬ ‫ندافع عن حري ٍة لنا اغتصبها الجنود بالكراهية والقنابل التي ال إحصاء لها‪ ،‬وال جمال بعد الدفاع عن‬ ‫ٍ‬ ‫المهمة وأعيادنا وبقاءنا وماذا نحب‪ ،‬صرنا نحن الثائرات الصغيرات‪.‬‬ ‫ُبن أحدهم أن‬ ‫كان ابن عمي قريبا ً منهم‪ ،‬تعدو عليه بالضرب لم أحتمل فهرعت لمساندته وتخليصه من بين أيديهم‪ ،‬فما كان من ج ِ‬ ‫يرمي بي على جنديٍ آخر‪ ،‬ولشدة خوفه ضربني بالسالح على رأسي‪ ،‬ابتدأت الدنيا تدور بي وال أسمع سوى صدى صوت أمي‬ ‫تسألهم‪ “ :‬ليش ضربتوها ؟ “‪ ،‬وبالنهاية يعتقلونها‪ ،‬فضعفت كل إرادتي وقلبي بدأ يتلوى‪ ،‬ال أريد أن أكون سببا ً في اعتقال أمي‪ ،‬أري ُد‬ ‫أمي‪ ،‬أريد أن أعيدها لكنني عاجزة وأفقد وعيي تدريجياً‪ ،‬وبعدها صحوت وأنا في المستشفى دون أن أكترث للوجع فقلبي ذهب مع أمي‪.‬‬ ‫عندما تصحو من نومك في تمام الساعة الثالثة أو الرابعة صباحا ً على أنفاس كالب التفتيش وهم يعبثون في كل زوايا المنزل‪ ،‬يأخذون‬ ‫أوراقنا المهمة وكل شيء من الممكن أن نستفيد منه‪ ،‬ويكبلون أبي ويعتقلونه لمدة سنة بحجة أنه أحد المحرضين على مقاومتهم‬ ‫والخروج في المسيرات‪.‬‬ ‫عندما يمنعنا االحتالل من الفرح ويسرق تفكيرنا بهم الكثير من لحظات عمرنا‪ ،‬وحينما يوجد في كل بيت شهيد أو أسير أو جريح‪،‬‬ ‫لن أشعر بالخوف‪ ،‬أنا قوية‪ ،‬أبكي بحرقة على عمي الذي استشهد أمام أعيننا‪ ،‬ويتكور في داخلي الشعور الغريب الذي يدفعني فقط‬ ‫لالنتقام‪ ،‬ما بال القسوة ال تغادر البراءة التي تسكننا‪ ،‬واجبي أن أذهب ألثور وأرمي ثقل الوجع في وجوههم بالحجارة‪ ،‬أرف ُع هامتي‬ ‫بين أسلحتهم‪ ،‬الطفل الذي بداخلنا خرج في يوم ثورتنا على الظلم‪.‬‬

‫تصوير‪ :‬أسيل أبو بكر‬

‫‪12‬‬

‫طفولة ثم إصرار‬

‫منال فزع‬

‫في توانة تعجز أن تقف جنبا ً الى جنب وتسير متفاخراً‬ ‫متوازنا ً بثقلك كقو ِة الشباب الصغار هناك‪ ،‬كل شي ٍء بات‬ ‫محتل تعت ُل إنسانيته‪ ،‬ما عليك فقط‬ ‫عاديا ً ما دام يصد ُر من‬ ‫ٍ‬ ‫إال أن تسمع وتنسج في مخيلتك صور ًة لشباب فلسطين‬ ‫الباقين وحتى إن تفاوتت معاناتهم ف ُكلهم أبطال‪ ،‬يتصدون‬ ‫ب الوطن والمقاوم‪ ،‬وال‬ ‫ألفعال المستوطنين فتكب ُر قلوبهم ِب ُح ِ‬ ‫عوامل تزيحهم قيد أُنملة عن صف بلدهم األم الروحية لهم‪.‬‬ ‫سامح العدرا ‪ 15‬عاما ً والشجاعة تقد ُر بأضعاف‬ ‫ع��م��ره‪“ :‬أواج���ه اع��ت��داءات مستمرة من المستوطنين‬ ‫وخصوصا ً حينما أذهب لرعي األغنام”‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ومجموعة من‬ ‫وموقف تحديه ضمن المجموعة‪ :‬لوّ نا أنا‬ ‫مخيم‬ ‫أصدقائي في القرى المجاورة إطارات السيارات خالل‬ ‫ٍ‬ ‫صيفي على شكل علم فلسطين عند شارع خربة “المفجرة”‪،‬‬ ‫وهي إحدى التجمعات التي تعاني من مواجهات مستمرة مع‬ ‫المستوطنين‪ ،‬فما جاءنا به قهرهم من وطنية أهل مسافر‬ ‫يطا الزائدة أن سرق أحد المستوطنين اإلطارات وهرب‬ ‫به إلى المستوطنة‪ ،‬فتجمع حشدنا وذهبنا السترجاع العجل‬ ‫الذي أبيّنا أن يستبدلوه بغيره‪ ،‬وكانت إرادتنا أقوى‪ ،‬فأعادوه‪،‬‬ ‫سامح يقول‪“ :‬هاي أرضنا‪ ،‬ليش أطلع من البلد”‪.‬‬ ‫حسين الهريني ‪ 18‬عشر عاماً‪ “ :‬المشاكل شبه يومية وكل‬ ‫يوم يحمل قصة جديدة ألننا ببساطة نعيش بين مستوطنات‪،‬‬ ‫ويوجد احتكاك شبه يومي مع المستوطنين الذين يحتمون‬ ‫باستمرار بجيش االحتالل‪.‬‬ ‫في أحد المرات جاءنا نبأ ٌ بأنهم يعتقلون خالي ناصر العدرا‬ ‫خالل عودته من ّ‬ ‫يطا كونه ناشطا ً في اللجان الشعبية التي‬ ‫تشحذنا للتصدي لالستيطان‪ ،‬فهرعنا إلى الحاجز الذي‬ ‫أقامه اإلسرائيليون على بوابة القرية‪ ،‬فوجدنا خالي مكبل‬ ‫األيدي ويستعدون لنقله إلى الجيب‪ ،‬هجمنا لتخليصه فوقف‬ ‫في وجهنا جنديان من جيش االحتالل الذي يُقال بأنه يحتل‬ ‫المرتبة الرابعة من حيث القوة‪ ،‬فما كان م ّنا إال أن خلصنا‬ ‫ً‬ ‫رسالة لهم بأن قوتهم لن تكون أكبر من‬ ‫خالي ناصر لنوصل‬ ‫صمودنا وحقنا”‪.‬‬ ‫الجنود والضباط حتى القاضي في المحكمة كلهم ينصاعون‬ ‫ألوامر المستوطنين ولكذباتهم‪ ،‬ويتعدون على أطفال الطوبة‬ ‫القادمين للدراسة في توانة لكن نحن رجال نتصدى ألفعالهم‬ ‫بقوة حق بقائنا‪.‬‬ ‫العنف ألن المقاومة ليست إرهاباً‪ ،‬لكنهم دوما ً‬ ‫نحن ال نستخد ُم‬ ‫َ‬ ‫يتكاثرون علينا ويتعدون علينا بالضرب‪ ،‬ونحن ال نسكت‪،‬‬ ‫دوما ً نثبت تواجدنا باألماكن القريبة منهم وإن أبعدونا نعود‬ ‫مرة أخرى‪ ،‬وال تراجُع حتى لو تعرضنا لهجماتهم‪ ،‬عندما‬ ‫يكون الوطن غاليا ً علينا أن ندفع الثمن‪.‬‬

‫تصوير‪ :‬نضال جوابرة‬

‫‪13‬‬


‫األغوار‪ ،‬توانة‪،‬‬ ‫النبي صالح وبالعكس‬ ‫منال فزع‬ ‫كان المشوار طويالً وشاقا ً والشغف أكبر بكثير ألماكن تحتوي‬ ‫أولئك األبطال التي ال تسمع عنهم إال في قصص بالدنا المحتلة‪،‬‬ ‫أشعر باألنانية والسطحية‪ ،‬ال وصف للوجع حتى في تصدعات‬ ‫األرض هناك‪ ،‬كلك يبقى حزينا ً إالهم أولئك الجبارين‪.‬‬ ‫أنا لم أذق يوما ً رصاصة وجع في قلبي على حبي ٍ‬ ‫ب أو قريب‪،‬‬ ‫لم أشعر حتى بسخونة الرمال بداخل سيارة مكيفة أقلتنا لتوثيق‬ ‫المعاناة‪ ،‬ولم أخرج من بيتي قسراً وأحتا ُر في اختيار الدمية التي‬ ‫ترافقني بمشوار بعي ٍد ال أحفظ خارطته‪ ،‬وال أحب ُه كبلدي لكنه‬ ‫يحتويني ويلمل ُم الشتات الذي أذاقني إياه االحتالل‪ ،‬لم أجبّر يوما ً‬ ‫على إطفا ِء النور‪ ،‬أو أمُنع من شرب المياه المُثلجة‪ ،‬أنا أقوى‬ ‫على كل شيء برفاهيتي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عندما كنت طفلة كنت أحبُ‬ ‫التسوق كثيراً‪ ،‬فت َم ُل أمي من كثرة‬ ‫فراش‬ ‫ألعابي وأضجر إن لم أحصل على واحدة تمنيتها‪ ،‬أنام في‬ ‫ٍ‬ ‫اخترت ألوانه وطراوته أنا‪ ،‬وأغلقت الستار على ضوء القمر‬ ‫بكل هدوء دون أن يداهم أحالمي كلب التفتيش‪.‬‬ ‫إن قرصتك ناموسة ستتلوى في فراشك تتمل ُل ألمها‪ ،‬دون أن‬ ‫طفل بابُ خيمته ال يقاوم‬ ‫ترسم في بالك أفعى تتلوى على جس ِد‬ ‫ٍ‬ ‫الرياح وال حتى قوة دفع النمالت‪.‬‬ ‫ألبطال يُدافعون عن أرضك‬ ‫حان الوقت أن تنحني وقبعتك‬ ‫ٍ‬ ‫وكرامتك وحقك‪ ،‬أشخاصٌ لو ُزرتهم سيعلق في ذهنك صمودهم‪،‬‬ ‫وتتمنى أن تزورهم كل يوم‪ ،‬نحنُ بحاج ٍة لهم كي نتعل َم منهم كيف‬ ‫ُ‬ ‫نحفظ درسا ً‬ ‫نقوى على مشاق الحياة‪ ،‬وكيف ُنحبُّ بلدنا أكثر‪،‬‬ ‫صغيراً مضمونه خارطة فلسطين الكبيرة دون كل التقسيمات‪،‬‬ ‫الخارطة التي رسمناها في ُكراسات رسم الخرائط‪ ،‬وهم حفظوا‬ ‫حدودها وشكل التواء األرض والجبل والبحر هناك من رأس‬ ‫الناقورة حتى بئر السبع‪ ،‬سكنوا في نِقاطها الصعبة ورسموا‬ ‫علم فلسطين‪.‬‬ ‫وحتى ال تشعر بالغباء‪ ،‬إياك أن تسألهم هل تفضلون العيش‬ ‫في مكان آخر‪.‬‬

‫تصوير‪ :‬نضال جوابرة‬

‫‪14‬‬

‫أشجار وذكريات‬ ‫سعاد شواهنة‬ ‫كان له اسم موسيقي أحبه‪ ،‬ووجه أسمر ال يفارقه الشغب‪ ،‬كان‬ ‫يلقي كتبه ودفاتره ويركض إلينا‪ ،‬يلعب معنا‪ ،‬ويفض شجارا‬ ‫عالقا بيني وبين عهد‪ ،‬يطويه بهدوء‪ ،‬ويطوينا كلتينا بين ذراعيه‪،‬‬ ‫ونكون معا في لعبة أخرى نلون‪ ،‬نصرخ‪ ،‬نركض‪.‬‬ ‫مصطفى كان يسرح شعري ويقول‪“ :‬سأكون مصفف شعر‬ ‫محترف يوما ما يا جنى”‪ .‬األحالم أجمل ما حملنا أنا‪ ،‬هو‪ ،‬عهد‪،‬‬ ‫نريمان‪ ،‬حسين‪ ،‬سامر‪ ،‬مجد‪ ،‬سلمى‪ .‬األحالم وحدها تحملنا‬ ‫إلى الخروج كل جمعة لنسير في طريق آالم يقف بنا قريبا‬ ‫من مستوطنة تنتزع أرض جدي‪ ،‬ونبع ماء تغازله جدتي إذ‬ ‫تستحضر لقاءها األول بجدي في ظل نبع الماء‪ ،‬وعلى مسافة‬ ‫منا برج عسكري يطالعنا بعين ناقمة‪.‬‬ ‫الليلة الماضية كنا نجلس‪ :‬األصحاب‪ ،‬العائلة‪ ،‬الجيران‪ ،‬ونقلب‬ ‫الحكايات‪ ،‬نتذكر الغائبين‪ ،‬أطلق مصطفى نظره بعيدا باتجاه‬ ‫حقل زيتون يقف كئيبا منزويا منفيا في سور مستوطنة‪ ،‬نظر إليه‬ ‫وأطلق تنهيدة قال بعدها‪“ :‬يشتاق هذا الزيتون أهله‪ ،‬ليس أقسى‬ ‫من أن تكون قريبا وال تستطيع االقتراب ممن تحب‪ ،‬في المكان‬ ‫سياج ومستوطنة‪ ،‬وأشجار زيتون متعبة‪ ،‬لكنها ال زالت تقف‪،‬‬ ‫كما نقف نحن رغم التعب”‪.‬‬ ‫هي المرة األولى التي يتحدث فيها مصطفى عن الشوق بهذا‬ ‫الدفء‪ .‬للجمعة صوت مختلف في كل مرة‪ ،‬بدت روحي قلقة‬ ‫هذا الصباح‪ ،‬خوف غريب سكن مالمحي‪ ،‬بهذا الخوف خرجت‪،‬‬ ‫وقفت إلى جانب أمي في المسيرة‪ ،‬أمي ال زالت تعاني جراحا‬ ‫كانت قد أصيبت بها األسبوع الفائت‪ ،‬كنت أدعي حاجتي لظلها‬ ‫هذا النهار‪ ،‬ألظل قريبة منها إذا راودها األلم‪.‬‬ ‫طاف الموت بنا‪ ،‬قرأ وجوهنا جميعا‪ ،‬سكن في روح مصطفى‪،‬‬ ‫ال زال المكان صاخبا ال يتسع لوجعي‪ ،‬ال يكفي لدموعي‪ ،‬ال‬ ‫مرهم يخفي حرقته‪ ،‬غاب مصطفى‪ ،‬غاب حلمه‪ ،‬لن يصفف‬ ‫شعري‪ ،‬لن نلعب معا بعد اليوم‪ ،‬ولن نتشارك األحاديث مساء‪،‬‬ ‫ال زلت أتذكر كلماته‪ ،‬نظراته إلى حقل الزيتون‪ ،‬قسوة غيابه‬ ‫تصنع من طفلة مثلي روحا تعتنق التحدي‪ ،‬تحترف الصمود‬ ‫والبقاء‪ ،‬وتقف بين المعتصمين‪ ،‬بين األهل واألصدقاء‪ ،‬وتعرف‬ ‫أن المكان باق إذ سكن الروح والذكريات‪.‬‬ ‫تصوير‪ :‬أسيل أبو بكر‬

‫‪15‬‬


‫التحدي‬

‫املرابطات هن اجلبارات‬

‫سعاد شواهنة‬

‫ال أحترف الكثير من األشياء‪ ،‬لكن القلق علمني أن أكون يقظا كل‬ ‫الوقت‪ ،‬للمكان روح تعيش في عدسة التصوير‪ ،‬لتكون عمرا آخر‬ ‫لجدران النبي صالح‪ ،‬شوارعها‪ ،‬بيوتها‪ ،‬وجوهها‪ .‬كانت الكاميرا‬ ‫درعا أحتمي به من ضياع البوصلة‪ ،‬منذ اليوم األول الذي بدأت‬ ‫فيه مسيرات النبي صالح في مواجهة عبث المستوطنين‪ ،‬وأنا‬ ‫أصغي لروح المكان‪ ،‬وأتذكر أصوات شهداء عائلة التميمي في‬ ‫الثورة الفلسطينية‪ ،‬ومعركة القسطل‪ ،‬كانت النبي صالح مكانا‬ ‫صغيرا حافال بالتحدي دوما‪ ،‬فال زلت أتذكر حديث جدي عن‬ ‫ثورة العام ‪ 1939‬لم يكن في البلدة سوى بارودتين‪ ،‬لكنهما ردتا‬ ‫عن المكان الكثير من األذى‪ ،‬واليوم تحترف النبي صالح لغة‬ ‫أخرى حيث تتخذ المقاومة الشعبية لغة تدافع بها عن نفسها‪،‬‬ ‫وتدفع عنها األذى‪ ،‬وتؤكد فيها البقاء‪.‬‬ ‫يجتمع الكثير من الجيران و األصدقاء واألهل وبعض المتضامنين‬ ‫في منزلي الصغيركل جمعة‪ ،‬ونسير معا في طرق مختلفة كل‬ ‫مرة ونصل إلى أماكننا المسلوبة‪ ،‬قريبا من نبع ماء استولى‬ ‫عليه المستوطنون‪ ،‬وقريبا من حقل صادره االحتالل لصالح‬ ‫مستوطنة‪ ،‬وبمحاذاة حاجز عسكري‪ ،‬نسير معا بصمودنا نقف‬ ‫وبصمودنا نبقى فهذه األرض لنا‪ ،‬هذا المكان لنا‪ ،‬هذه السماء لنا‪.‬‬ ‫أحمل معي عدسة التصوير دوما‪ ،‬أسجل لحظاتنا‪ ،‬وأوثق الطريق‬ ‫والمسير‪ ،‬وكل صخب يدفع به االحتالل إلينا‪ ،‬صاخبا كان المكان‬ ‫حين دفعت بعدسة التصوير أرضا ألرد عن زوجتي ضربات‬ ‫جندي ال يرى من روحها مشوارا قضيناه معا أنا وهي في حياة‬ ‫عانقتنا ببسمة يوما‪ ،‬وأدارت لها وجهها بجفاء أليام‪.‬‬ ‫قالت زوجتي لي ذاك المساء بين رشفتي قهوة‪“ :‬بالل إن جنى‬ ‫بدأت تكبر‪ ،‬تنظر إلى المكان بوعي أكثر‪ ،‬بدأت تحسه‪ ،‬وتكتبه‬ ‫خبرا عاجال صاخبا‪ ،‬وصورة حية من الميدان”‪ .‬كنت سعيدا جدا‬ ‫بما تقول ابنة أخي الصغيرة تكبر‪ ،‬تتحدى وتفتش في اللغة عن‬ ‫طريقة تقاوم فيها من خالل الخبر‪ ،‬جنى بدأت تنقل أخبار النبي‬ ‫صالح المكان الصغير الذي ال يصل إليه الكثير من الصحفيين‬ ‫كل جمعة‪ ،‬ليواكبوا كل احتدام مع قوات االحتالل‪ ،‬نقلت جنى‬ ‫الكثير من األخبار‪ ،‬نقلت المكان الذي تحب في الصورة والكلمة‪،‬‬ ‫أما الصورة فال زال يشوبها االرتجاج‪ ،‬لكنها حية واعية قلقة‪.‬‬ ‫كنت سعيدا بجنى‪ ،‬روحي تربت على كتفها‪ ،‬تبتسم لعينيها‪،‬‬ ‫لعدستها الصغيرة‪ ،‬جنى أراها قلما سيكبر ليصنع من حروفه‬ ‫تعويذة تحمي ديار النبي صالح‪ .‬افتخر بها إذ تقف إلى جانبي‬ ‫متحمسة تخرج إلى مسيرة أسبوعية في النبي صالح وتقول هنا‬ ‫سنبقى هنا سنظل‪ ،‬فهذه فلسطين التي نحب‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫منال فزع‬

‫تصوير‪ :‬أسيل أبو بكر‬

‫ال نبالي إن انحنى الظه ُر تعبا ً ال جمال بعد هذا المكان يُذكر‪ ،‬و إن تكاسلت الشمس أو تزايد حرُّ ها لن يخف الثِقل‪ ،‬الحبُّ الذي زرعه‬ ‫هللا في قلوبنا أكبر بكثير‪ ،‬في القدس لن تضيق بك الطرقات حتى وإن حاصرتك أسلحتهم‪ ،‬الروحانية تأكل كل وجع قلبك‪.‬‬ ‫الزقاق تحشده فوهات أسلحتهم التي تخشانا ونحن في الطريق نتلمسُ حبا ً من المسجد األقصى بقدر ما نكن له‪ ،‬وأجراً عظيما ً من هللا‪،‬‬ ‫ت المستوطنين المتدينين‪ ،‬وغيرهم اليمنيين‪ ،‬يبعدوننا ونعود‪ ،‬يصادرون هوياتنا وال نيأس‪،‬‬ ‫أقسمنا على الرباطِ فيه وحمايته من هجما ِ‬ ‫نحن نخج ُل من الغياب في إبعادنا عن المكان الذي نحس بفرحه وحزنه‪ ،‬حجارته تستقبلنا بشغف‪ ،‬وأشجاره ُتلقي علينا التحية‪ ،‬في‬ ‫القدس رو ُح مسن ٍة رأت الكثير ولم تيأس‪ ،‬وال ألم في قدميها يوقفها عن الصمود‪ ،‬أنظر إليها إنها تبتسم‪.‬‬ ‫قاس ال يُطاق‪ ،‬ونحن نأكل الصبر بشوكه‪ ،‬ضربٌ‬ ‫المرابطات في المسجد األقصى هنَّ الجبارات‪ ،‬يتحملن الكثير من أذى محتل ٍ‬ ‫واعتقال ومحاكم وإبعاد وغرامات وشتائم وسخرية‪ ،‬كل هذا ونحن أصحاب المكان وملوك القدس‪.‬‬ ‫حينما يدق الظلم رأسه في جبينك يتحداك لن تيأس ستفتح عيونك جيداً وتتمتم بداخلك يا هللا انصرنا على القوم الكافرين‪ ،‬هللا يحميك‬ ‫ولن يخذل اإليمان الذي بداخلك‪ ،‬حينما يضر ُم الظلم نفسه حريقا ً في أرواحنا‪ ،‬ننام ونحتسبه عند هللا‪ ،‬نصحو ونفتح النافذة ونرى‬ ‫اللمعان الذي ال ينطفئ‪ ،‬هنا القدس وقبة الصخرة والمسجد األقصى وكل الجمال‪ ،‬هذا الجمال يساوي كل العمر‪.‬‬

‫تصوير‪ :‬نضال جوابرة‬

‫‪17‬‬


‫صدى األماكن‬ ‫سعاد شواهنة‬

‫طابون أم اخلير‬ ‫تصوير‪ :‬أسيل أبو بكر‬

‫منال فزع‬

‫‪18‬‬

‫بشرةٌ سمراء ذاقت المرَّ في التهجير؛ تهجيرا ّ وراءه تهجير‪ ،‬وكأن الحياة أبت أن تذوّ قنا طعم الهناء‪ ،‬ما يطلبه الفلسطيني منا فقط أن‬ ‫يعيش بكرامة‪ ،‬نحن أصحاب األرض‪ ،‬التهجير ال دين له‪ ،‬سنبقى هكذا طوال العُمر تهجرنا في ‪ 1948‬من بئر السبع‪ ،‬وال زالوا‬ ‫أرض بال شعب لشع ٍ‬ ‫ب بال أرض‪ ،‬وكيف هذا ونحن امتلكنا هذه األرض ِبح ُِر مالنا‪ ،‬بعدما تهجرنا جئنا للمكوث‬ ‫يالحقوننا بسياسة‬ ‫ٍ‬ ‫عند أصدقا ٍء لنا في أم الخير‪ ،‬وبعد أسبوعين قررنا أن نستبدل إبلنا واألغنام بتلك األراضي‪ ،‬حتى نعيش بكرامة لكننا لم نتخل عن‬ ‫بئر السبع حيث ولدنا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الخيم‪ ،‬فنحن‬ ‫نحن عربٌ رُحّ ل نعيش في الخيمة وال نحبُ بيوت الطين‪ ،‬لم يكن مكوثنا تنازال م ّنا عن بئر السبع حيث نشأنا وبقينا في‬ ‫ِ‬ ‫ُنصار ُع صعوبة العيش فيها على أمل أن نعود‪ ،‬وحينما جاء االحتالل في ‪ 1967‬الحقنا حتى على الخيمة‪ ،‬جاؤوا ضيوفا ً وبعدها‬ ‫بنوا مدينة صغيرة تدعى كرميئيل‪ ،‬وبسبب وجودنا ضمن المناطق الحدودية مُنعنا منعا ً باتا ً من البناء والماء والكهرباء وكل شيء‬

‫تترك التجارب وقعها الخاص في النفس‪ ،‬كانت هذه هي المسافة‬ ‫التي اختبرتها بين مفهوم جامد جاف بحثت عنه بين األوراق‬ ‫والكتب والمراجع‪ ،‬وبين واقع معاش رأيته ألعرف أكثر كيف‬ ‫تصنع المقاومة الشعبية في الميدان‪ ،‬ال كيف تصاغ بالكلمات‬ ‫حبراً على ورق‪.‬‬ ‫زرت ومجموعة من مسرح الحرية المفجرة‪ ،‬المالح‪ ،‬الحديدية‪،‬‬ ‫توانة‪ ،‬طوباس‪ ،‬أم الخير‪ ،‬النبي صالح‪ ،‬فصايل‪ ،‬الجفتلك‪،‬‬ ‫ومررت بأسماء أخرى استعدتها مع جنود المكان المرابطين‪،‬‬ ‫سكانه وأهله الفلسطينيون الذي يصوغون معنى آخر للصمود‬ ‫ببقائهم في ظروف قاسية‪.‬‬ ‫أفكار غريبة تعصف بنفسي إذ أرى وجه طفل أسمر عاثر يرمي‬ ‫حقيبته المدرسية‪ ،‬ويعتزل طريقها الصعب الطويل‪ ،‬ويهرول‬ ‫خلف قطيع من األغنام‪ ،‬هي كل ما يملك هو وعائلته‪ .‬تثقلني‬ ‫أعمار الصغار وأراهم في توانة يفترشون األرض ويلتحفون‬ ‫السماء لعبا إذ ال مكان يلعبون فيه‪ ،‬ويكبرون بمدرسة صغيرة‪،‬‬ ‫وروضة تجرعوا ألما حتى صارت حقيقة‪ ،‬وكبار يصمدون رغم‬ ‫كل قهر وعنف‪ ،‬وشيخ يمر كل يوم أمام حقل قمح زرعه ويتذكر‬ ‫كيف استيقظ فرأى النار تستعر فيه بيد مستوطن عابث‪.‬‬ ‫تثقلني أعمار الصغار‪ ،‬ويزيدني المكان كبرياء في النبي صالح‪،‬‬ ‫هناك حيث أجد معنى آخر للمقاومة‪ ،‬وشكال آخر للصمود‪ ،‬هناك‬ ‫حيث يقسمون على البقاء بين جدرانها في شوارعها رغم ما‬ ‫يجدوه من اقتحامات اسبوعية ينفذها جيش االحتالل لمنازلهم‬ ‫تحت ستار الليل‪ ،‬وحبا وأمال يخرجون كل أسبوع‪ ،‬كل جمعة‬ ‫يساند بعضهم بعضا‪ ،‬ويساندهم تضامن بعض المتطوعين‬ ‫الدوليين في مسيرة شعبية تقول نحن من هنا‪ ،‬نحن هنا‪ ،‬وهنا‬ ‫سنبقى‪ ،‬في النبي صالح أرى أطفاال رهنوا حياتهم لوطن يحلمون‬ ‫به‪ ،‬وأرض يقسمون على البقاء فيها‪ ،‬وافتخر أنني تعلمت الكثير‬ ‫من عيون صبايا صغيرات في عمر الوطن‪.‬‬

‫بحسب اتفاقية أوسلو‪ ،‬نحن محاصرون حتى الهواء الذي نتنفسه يحاسبوننا عليه‪.‬‬ ‫حتى الطابون هوية الوطن الذي نقتات منه ُخبزنا وطعامنا آذاهم‪ ،‬فتعدّوا عليه لكنه لم يم َّل منهم‪ ،‬في النهار ينهضُ بكل شموخ وما‬ ‫أن تأتي ساعات الفجر حتى يتسلل المستوطنون ويهدوه‪ ،‬لكنه أقوى من كيدهم‪ ،‬يلملم نفسه مجدداً ويقف صامداً‪ ،‬ويتكر ُر المشهد‬ ‫ال الطابون يم ُّل من انتقامهم‪ ،‬وال هم يملّون من صموده‪ ،‬آذتهم رائحة الطابون ونفسُ الفلسطيني البدوي‪ ،‬تمردوا على رمز بقاءنا‬ ‫وعيشنا‪ ،‬لم يتمكنوا خالل ‪ 67‬عاما ً من الصراع واالحتالل أن يتعلموا أننا شعبٌ ال يعرف الرضوخ وال التنازل‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫أمهات ثائرات‬ ‫منال فزع‬

‫لو أمسكت بيدي لوجدت آثار الحجارة والعلم الكبير‪ ،‬معادلة المقاومة ال تكتمل دون النساء‬ ‫واألطفال‪ ،‬المشي في المقدمة صعب لكن؛ نحن نتسابق على حب البلد‪ ،‬نحن نسا ٌء ثائرات‬ ‫ال نهتم إن أبقت الشمس عالمتها في احمرار وجهونا‪ ،‬نحن نقاوم من يحرقون القلب‪،‬‬ ‫وأحالم األطفال في النبي صالح‪ ،‬نحن أمهات نمسك أيدي أبنائنا ونهتف معهم ضد الموت‬ ‫تمض جمعة إال وثار كل أهل القرية ؛ إما باتجاه‬ ‫في كل جمعة ثائرة‪ ،‬منذ ستة سنوات لم ِ‬ ‫الجبل المقابل للعين‪ ،‬أو باتجاه البوابة بجانب البرج‪.‬‬ ‫في معظم األحيان سيكون الجبل قاسيا ً وال يرحمنا من رائحة الغاز والرصاص المطاطي‪،‬‬ ‫ويكون قاسيا ً أكثر حينما تجرح ابنتي التي أشت ُم منها الوطن والحب‪ ،‬أو تبكي بحرقة على‬ ‫ً‬ ‫شجاعة أكبر‪ ،‬أنا لم أكن أم جنى لوحدها كل أبناء النبي صالح هم‬ ‫وجع يغرس في جسدها‬ ‫أبنائي‪ ،‬نزرع القوة في قلوبهم حينما يهاجموننا في البرد القارص‪ ،‬ويجبروننا أن نغادر‬ ‫المنزل بحجة التفتيش‪ ،‬فنحتضن أطفالنا ونحس بنبضاتهم الخائفة لكننا نصمد‪ ،‬أطفالنا‬ ‫يصرخون في وجوههم‪“ :‬أنا مش خايف منك اطلع من بيتي”‪.‬‬ ‫منذ البداية كنا ُنبعد أطفالنا عن جو القرية يوم الجمعة لكن مع الوقت أدركنا أننا نعلمهم‬ ‫الهروب من مواجهة المشكالت والدفاع عن أنفسهم‪ ،‬إن الخطر يالحقهم في كل مكان‪ ،‬كنت‬ ‫أخرج أنا وجنى كل جمعة على مكان للترفيه ولكنني توقفت عن ذلك حتى أنها أصبحت‬ ‫ترافقني للمسيرة بعدما استهدفت قنابل الجنود منزالً يحتمي فيه األطفال‪ ،‬فأخرجناهم من‬ ‫الشبابيك حتى يستطيعون التنفس‪ ،‬كان يوما ً قاسيا ً علينا جميعاً‪ ،‬كل األطفال علموا أنهم‬ ‫مستهدفون في أي مكان‪.‬‬ ‫استخدم االحتالل كل وسائل العنف ضدنا‪ ،‬قنابل غاز وأخرى صوتية وغيرها مطاطية‪،‬‬ ‫والرصاص بأنواعه‪ ،‬وصواريخ محرمة دوليا ً يقال بأنها ذكية ألنها تالحق الشخص حتى‬ ‫تصيبه‪ ،‬غير المياه العادمة التي قتلت كل األشجار ومنعتنا من استخدام آبار المياه‪“ ،‬ما‬ ‫ضل غير إنهم يرموا علينا قنبلة نووية”‪.‬‬ ‫حينما أحرق المستوطنون عائلة الشهيد علي دوابشة ثار أهل القرية كأي جمعة عادية‪،‬‬ ‫ولما وصلنا للجبل بدأ الجنود بإطالق الرصاص الحي مباشرة على غير عادتهم بحيث‬ ‫يطلقون قنابل الغاز أو المطاط‪ ،‬فأصيب شابان في مقتبل العمر؛ أحدهم عالء وكان يخرج‬ ‫للمسيرة ألول مرة حيث جاء مع والديه لحضور زفاف عمه فأصيب بقدمه‪ ،‬وعندما‬ ‫ذهب صديقه ليساعده أصيب هو اآلخر وعاود الجنود إطالق النار على عالء فأصيب‬ ‫برصاصتين في بطنه‪ ،‬فاجتمعت وكل األمهات وتصدينا للجنود حتى نبعدهم ونحمي‬ ‫أطفالنا‪ ،‬أبعدناهم حتى تتمكن سيارة اإلسعاف التي دخلت بعد معاناة وحاولوا عرقلتنا‬ ‫وقت التوجه لرام هللا والحقونا ألنهم يريدون اعتقال المصابين‪ ،‬كان موقفا ً صعبا ً حينما‬ ‫اتصل علينا أهل المصابين وكذبنا حتى ال نخيفهم‪ ،‬في الوقت الذي نبكي بحرقة وندعو‬ ‫أال يصابوا بأذى‪.‬‬

‫تصوير‪ :‬نضال جوابرة‬

‫‪20‬‬

‫‪21‬‬


‫النبي صالح‬ ‫إحدى قرى فلسطين الواقعة قرب رام هللا‪ ،‬حيث تبعد عنها حوالي‬ ‫‪ 20‬إلى الشمال الغربي‪ ،‬وترتفع عن سطح البحر ‪ 570‬م‪.‬‬ ‫تنسب القرية إلى النبي صالح أحد أنبياء العرب الخمسة الذين‬ ‫ذكرهم القرآن الكريم‪ .‬وهناك العديد من األماكن في فلسطين‬ ‫تحمل نفس االسم‪ ،‬وجاء ذلك تخليداً لذكرى نزوح النبي صالح‬ ‫إلى فلسطين وموته فيها‪ ،‬ويقال أن قبره موجود في منطقة الرملة‬ ‫في مكان يحمل اسمه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تبلغ مساحة أراضيها ‪ 2846‬دونما‪ ،‬وتحيط بها أراضي قرى‬ ‫كفرعين‪ ،‬دير السودان‪ ،‬بيت ريما‪ ،‬دير نظام‪ ،‬وأم الصفا‪ .‬قدّر‬ ‫عدد سكانها عام ‪ 1922‬حوالي ‪ 105‬نسمة‪ .‬أما في عام ‪1945‬‬ ‫كان عددهم حوالي ‪ 170‬نسمة‪ ،‬وفي عام ‪ 1967‬حوالي ‪179‬‬ ‫نسمة‪ ،‬وفي عام ‪ 1996‬بلغ العدد ‪ 218‬نسمة‪ .‬يحيط بالقرية‬ ‫مجموعة من الخرب األثرية‪ ،‬وتحتوي على أنقاض أبنية وحجارة‬ ‫منحلة‪ .‬صادرت سلطات االحتالل جزءاً من أراضيها وأقامت‬

‫عليها عام ‪ 1977‬مستعمرة حالميش‪.‬‬ ‫المقاومة الشعبية في قرية النبي صالح‬ ‫بسبب استمرار االحتالل اإلسرائيلي في االستيالء على أراضي‬ ‫قرية النبي صالح والقرى المجاورة انطلق أبناء هذه القرية‬ ‫وأشقائهم في دير نظام بمسيرات أسبوعية وفعاليات مستمرة‬ ‫للمطالبة بإزالة المستوطنة وإعادة حقوقهم المسلوبة‪ ،‬وانفجر هذا‬ ‫الصراع بعد قيام مستوطنين صهاينة باالستيالء على عين الماء‬ ‫التابعة ألبناء القرية وعلى أراض أخرى بحجة أنها أراض دينية‬ ‫لليهود ما أثار حفيظة الفلسطينين‪ ،‬وتواصلت هذه الفعاليات‬ ‫منذ ‪ 2009/12/9‬حتى اآلن‪ ،‬فهاجمت قوات االحتالل المسيرة‬ ‫باستخدام أشكال القوة والتهديد فتسببت بحرق عشرات المنازل‬ ‫بقنابل الغاز وإصابة العشرات إصابات خطيرة ومتوسطة‬ ‫واستشهاد الشهيد مصطفى التميمي أواخ��ر العام ‪2011‬‬ ‫واعتقال العشرات والتهديد بهدم المنازل وفرض اغالقات‬ ‫مشددة ومداهمات ليلية الهدف منها وقف فعاليات النبي صالح‬ ‫التي اعتبرتها إسرائيل على لسان صحافتها أنها جرثومة يجب‬ ‫القضاء عليها في مهدها خصوصا مع رفع سقف المطالب التي‬ ‫أعلنتها قيادة المقاومة الشعبية في النبي صالح والتي نادت بزوال‬ ‫االحتالل بكافة أشكاله وتعبيراته على األرض ‪.‬‬ ‫األغوار‬ ‫تشكل األغوار الشمالية ما نسبته ‪ %70‬من مساحة طوباس‬ ‫كاملة‪ .‬تدخل ضمن حدودها اإلدارية مدينة طوباس‪ ،‬وتياسير‪،‬‬ ‫وبلدية عقابا‪ ،‬وبلدية طمون‪ ،‬ووادي الفارعة‪ ،‬وبردلة‪ ،‬وكردلة‪،‬‬ ‫والعقبة‪ ،‬وعين البيضاء‪ ،‬ومخيم الفارعة‪ ،‬وطلوزة‪ ،‬والعقبة‪.‬‬ ‫وتنتشر باألغوار الشمالية عدة تجمعات بدوية منها المالح‪،‬‬ ‫والحديدية‪ ،‬وسمرة‪ ،‬والفارسية‪ ،‬ومكحول‪ ،‬وعين الحلوة‪،‬‬ ‫وعاطوف‪ ،‬ويرزة‪ ،‬وإبزيق‪ ،‬وسلحب‪ ،‬البقيعة‪ .‬ما زالت المحافظة‬ ‫تفتقر إلى العديد من خدمات البنية التحتية‪ ،‬نتيجة لمنع السلطات‬ ‫اإلسرائيلية من إجراء أي إنشاءات في المنطقة‪ ،‬ال سيما منطقة‬ ‫األغوار الشمالية التي يُم َنع إيصال الكهرباء والماء والهاتف‬ ‫والطرق والمدارس لسكانها‪.‬‬ ‫محافظة طوباس منطقة استراتيجية هامة‪ ،‬تشكل مع منطقة‬ ‫أريحا‪ ،‬غور فلسطين‪ ،‬الذي يمتاز بجودة أرضه‪ ،‬ووفره مياهه‪،‬‬ ‫وصالحيته لزراعة الكثير من المزروعات‪ .‬وكانت المنطقة هدفا ً‬ ‫لالحتالل واالستيطان اإلسرائيلي منذ احتالل الضفة الغربية‪،‬‬ ‫فقد تم بناء مجموعة كبيرة من المستوطنات ومعسكرات تدريب‬ ‫الجيش‪ ،‬أتت على أكثر من نصف مساحة المحافظة‪ ،‬خاصة بعد‬ ‫القرار األخير بفصل وعزل منطقة األغوار‪.‬‬

‫تصوير‪ :‬نضال جوابرة‬

‫التوانة‬ ‫تقع قرية التوانة على مسافة حوالي ‪ 15‬كم إلى الجنوب من قرية‬ ‫الخليل ويعيش فيها حوالي ‪ 300‬مواطن‪.‬‬ ‫تحيط بها أربع مستوطنات صهيونية وهي “فتح سدرو وماعون‬ ‫وكرمئيل وأم العرايس”‪ ،‬وتقطنها عائالت “العمور وحمامدة‬ ‫والهريني” وبعض األفراد من عائالت أخرى‪ ،‬ويبلغ عدد سكانها‬ ‫حوالي ‪ 400‬نسمة‪ ،‬وتضم مدرسة مختلطة‪ ،‬وعيادة صحية‪،‬‬ ‫ومسجد هدمه االحتالل أكثر من مرة‪ ،‬ويعتمد سكان القرية على‬ ‫الزراعة وتربية المواشي‪.‬‬ ‫يستيقظ سكان القرية كل يوم على محاولة جديدة للمستوطنين‬ ‫لمصادرة األراضي القريبة من المستوطنات‪،‬‬ ‫المؤسسة الصهيونية تحاول بكافة الوسائل الترهيبية العنصرية‬ ‫طرد سكان القرية وتهجيرهم وإجبارهم على ترك ممتلكاتهم‪،‬‬ ‫وذلك سوف يستمر نظرا لغياب الدعم الحكومي من السلطة‪،‬‬ ‫ونتيجة للعدد السكاني القليل في القرية‪.‬‬ ‫عانت توانة منذ عام ‪ 1967‬نوعا ً خاصا ً من االحتالل ومحاولة‬ ‫التهويد لقربها من الحدود األردنية‪ ،‬قام االحتالل بفصلها عن‬ ‫مدينة يطا بخط التفافي‪ ،‬وأحاطها بالمستوطنات‪ ،‬سكان القرية‬ ‫باتوا اليوم يخشون من خطر الطرد والترحيل‪ ،‬ويعيش سكان‬ ‫القرية تحت اعتداءات المستوطنين الهمجية والقمعية الذين‬ ‫يشكلون معاناة كبيرة ألهل القرية‪ ،‬فالحياة في القرية ال تطاق‬ ‫جراء الحرب المستعرة بين المستوطنين وجنود االحتالل ضد‬ ‫سكان القرية المجردين من كل وسائل الدفاع عن أنفسهم‪ ،‬سوى‬ ‫إيمانهم بحقهم في أرضهم التي ورثوها عن أسالفهم‪.‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.