No.(360) - Sunday 4 November , 2012
العدد ( - )360االحد 4ت�شرين الثاين 2012
املقاالت التي تن�شر ال متثل ر�أي اجلريدة .بل تعرب عن �آراء كتابها
ر�أي
11
العدالة االنتقالية و"العدالة" االنتقامية يعترب مفهوم العدالة االنتقالية من املفاهيم التي ما زالت غام�ضة �أو ملتب�سة ،خ�صو�ص ًا ملا ي�شوبه من �إبهام فيما يتعلق باجلزء الثاين من امل�صطلح ونعني به "االنتقالية" فهل توجد عدالة انتقالية؟ وما الفرق بينها وبني العدالة التقليدية املرتبطة ب�أحكام الق�ضاء واللجوء �إىل املحاكم ب�أنواعها ودرجاتها؟
عبد احل�سني �شعبان و�إذا كانت العدالة قيمة مطلقة وال ميكن طم�سها �أو التنكّر لها �أو حتى ت�أجيلها حتت �أي �سبب كان �أو ذريعة �أو حجة ،ف�إن العدالة االنتقالية ت�شرتك مع العدالة التقليدية يف �إحقاق احل��ق و�إع��ادت��ه �إىل �أ�صحابه ويف ك�شف احلقيقة ويف جرب ال�ضرر وتعوي�ض ال�ضحايا ،خ�صو�ص ًا ملا له عالقة بالق�ضايا ال�سيا�سية وامل��دن �ي��ة ال �ع��ام��ة ،وك��ذل��ك يف ت� ّ �وخ��ي ��ص�لاح املجتمع م��ن خ�لال �إ�صالح قوانينه و�أج �ه��زت��ه الق�ضائية والأمنية، ال�سيما املعنية ب�إنفاذ القانون. لكن العدالة االنتقالية تختلف عن العدالة ال �ت �ق �ل �ي��دي��ة امل� �ت ��وات ��رة يف ك��ون �ه��ا ُتعنى بالفرتات االنتقالية مثل :االنتقال من حالة ن��زاع داخ�ل��ي م�سلح �إىل حالة ال�سلم� ،أو من حالة ح��رب �أهلية �إىل حالة ال�سلم �أو االنتقال من حالة �صراع �سيا�سي داخلي يرافقه عنف م�سلح �إىل حالة ال�سلم وولوج التحول الدميقراطي� ،أو االنتقال من �سبيل ّ حكم �سيا�سي ت�س ّلطي �إىل حالة االنفراج ال�سيا�سي واالن �ت �ق��ال ال��دمي �ق��راط��ي� ،أي االنتقال من حكم منغلق بان�سداد �آفاق� ،إىل حكم ي�شهد حالة انفتاح و�إقرار بالتعددية، وه�ن��اك ح��ال��ة �أخ ��رى وه��ي ف�ترة االنعتاق م��ن الكولونيالية �أو التحرر م��ن احتالل �أجنبي ب�إ�ستعادة �أو ت�أ�سي�س حكم حملي، وكل هذه املراحل تواكبها يف العادة بع�ض الإج��راءات الإ�صالحية ال�ضرورية و�سعي جلرب الأ�ضرار ل�ضحايا االنتهاكات اخلطرية وخ�صو�ص ًا ذات الأبعاد اجلماعية. ق��د ي�ت�ب��ادر �إىل ال��ذه��ن �أن اخ�ت�ي��ار طريق العدالة االنتقالية يتناق�ض مع طريق العدالة اجلنائية �سوا ًء على امل�ستوى الوطني �أو على امل�ستوى ال��دويل ،يف حني �أن اختيار الطريق الأول ال يعني ا�ستبعاد الطريق ال �ث��اين ،وخ�صو�ص ًا بالن�سبة لل�ضحايا، وال�سيما م�س�ألة �إفالت املرتكبني من العقاب!! وقد كان هذا الأمر ّ حمل نقا�ش جاد ،ال�سيما للتجربة التون�سية ،يف ندوة نظ ّمها مركز الدرا�سات الوطنية يف تون�س م�ؤخر ًا. ولعل مفهوم العدالة االنتقالية ودوافعها ال �� �س �ي��ا� �س �ي��ة وال��ق��ان��ون��ي��ة واحل �ق��وق �ي��ة والإن�سانية� ،أخ��ذ يتبلور و�إنْ ك��ان ببطئ يف العديد من التجارب الدولية ويف العديد من املناطق يف العامل ،وال�سيما يف اوروبا بعد احل��رب العاملية الثانية فيما يخ�ص �ضحايا النازية ،وانْ كان قد �شابه �شيء من الت�سيي�س ،وخ�صو�ص ًا بعد تق�سيم �أملانيا من جانب دول احللفاء ،كما اتخذ ُبعد ًا جديد ًا يف �أمريكا الالتينية وخا�صة بعد ما ح�صل يف ت�شيلي �إث��ر االنقالب الع�سكري يف 11
�أيلول (�سبتمرب) ،1973الذي قاده اجلرنال بينو�شيه. ومنذ �سبعينيات ال�ق��رن الع�شرين وحتى الآن �شهد العامل نحو ( )40جتربة للعدالة االنتقالية م��ن ب�ين �أه�م�ه��ا جت��رب��ة ت�شيلي والأرجنتني والبريو وال�سلفادور ورواندا و� �س�يرال �ي��ون وج �ن��وب اف��ري�ق�ي��ا وتيمور ال�شرقية و�صربيا واليونان ،وق��د �شهدت ال�برت�غ��ال و�إ�سبانيا وال ��دول اال�شرتاكية ال�سابقة �شك ًال من �أ�شكال العدالة االنتقالية وامل� ��� �ص ��احل��ة ال��وط��ن��ي��ة ات�����س��م بع�ضها باال�ستمرارية القانونية �أو ما �أطلقنا عليه فقه التوا�صل ،و�ساد بع�ضها فقه القطيعة كما هي جتربة �أملانيا الدميقراطية ،ال�سيما بعد احتادها مع �أملانيا االحتادية. ويعترب البع�ض جتربة لبنان ما بعد م�ؤمتر ال�ط��ائ��ف ب��أن�ه��ا ��ش�ه��دت ��ش�ك� ً لا م��ن �أ�شكال امل�صاحلة الوطنية كان ميكن �أن تف�ضي �إىل حتقيق العدالة االنتقالية ،لكنني �أعترب �أن ال�شروط العامة للعدالة االنتقالية ال تنطبق عليها ،وخ�صو�ص ًا ك�شف احلقيقة وجرب ال���ض��رر وت�ع��وي����ض ال�ضحايا واال�صالح
امل�ؤ�س�سي ،ا ّال �أن التجربة اللبنانية على الرغم مما عليها بحاجة �إىل ت�أمل ودرا�سة، وال�سيما يف ظروف لبنان الراهنة واملعارك ال�سيا�سية "املتكررة" ،لكي ال يعيد التاريخ نف�سه!! وعلى الرغم من �أن املقاربة اللبنانية للعدالة االنتقالية ناق�صة ومبتورة ،لكن التوافق القلق واله�ش دون �أدنى �شك �أف�ضل من االحرتاب واالقتتال ،الأمر الذي بحاجة �إىل بحث يف �إط��ار التوافق اللبناين دون نك�أ للجراح يف عدالة انتقالية مع تنازالت متبادلة واع�ت�راف جمتمعي على �أ�سا�س الت�سامح وعدم تكرار ما ح�صل. وال ب ّد من �إدراج جتربة املغرب ك�أحد �أهم ال�ت�ج��ارب العربية وال��دول�ي��ة يف �إمكانية االن�ت�ق��ال ال��دمي�ق��راط��ي ال�سلمي م��ن داخل ال�سلطة ،خ�صو�ص ًا ب�إ�شراك املعار�ضة التي كان يف مقدمتها عبد الرحمن اليو�سفي الذي مت تعيينه رئي�س ًا للوزراء ( الوزير الأول) وفتح ملفات االختفاء الق�سري والتعذيب وفيما بعد ت�شكيل هيئة الإن�صاف وامل�صاحلة وتعوي�ض ال�ضحايا والعمل على �إ�صالح وت�أهيل عدد غري قليل من امل�ؤ�س�سات.
وق��د ب��د�أت فكرة العدالة االنتقالية تدخل الأدب احل �ق��وق��ي وال���س�ي��ا��س��ي احلقوقي على امل�ستوى العربي ،اب�ت��دا ًء من املغرب العربي وم��رور ًا مب�صر وو�صو ًال �إىل دول امل�شرق العربي ،والأم��ر له عالقة بانت�شار الثقافة الدميقراطية ب�شكل ع��ام والثقافة احلقوقية ب�شكل خ��ا���ص ،ال�سيما ارتباط ذلك بانبثاق العديد من م�ؤ�س�سات املجتمع املدين ون�شاطها وفاعليتها ،وخ�صو�ص ًا بعد انتهاء عهد احلرب الباردة وموجة التغيري ال�ت��ي اج�ت��اح��ت �أوروب� ��ا ال�شرقية وق��ادت �إىل حت�� ّ�والت دمي�ق��راط�ي��ة �أن �ه��ت الأنظمة ال�شمولية وفتحت ال�ب��اب على م�صراعيه لإ� �ش��اع��ة احل��ري��ات وت�ع��زي��ز دور املجتمع امل��دين والإع�ل�اء من �ش�أن الفرد وتقلي�ص توجه الدولة التدخل بال�ش�ؤون االقت�صادية وغ�يره��ا م��ن ال�ت��وج�ه��ات االنفتاحية التي انتقلت �إىل العديد من دول امريكا الالتينية وبع�ض بلدان �آ�سيا و�أفريقيا ،حيث اعتربت ال��دمي�ق��راط�ي��ة واح �ت�رام ح �ق��وق االن�سان القيمة العليا ،التي يقا�س مبوجبها تقدم �أي جمتمع ،وهو الأمر الذي يفرت�ض عالقة
جديدة بني احلاكم واملحكوم على �أ�سا�س اختيار املحكومني للحكام ب�شكل دوري وف�صل ال�سلطات وت�أكيد ا�ستقالل الق�ضاء و�إع� �م ��ال م �ب��د�أ � �س �ي��ادة ال �ق��ان��ون ومبادئ امل�ساواة واملواطنة. التوجه يرتكز على قواعد و�إذا كان مثل هذا ّ عامة م�شرتكة مت ّثل امل�شرتك الإن�ساين، ف�إن لكل بلد خ�صو�صيته ،وال ت�شبه عملية انتقال دميقراطي غريها من العمليات نظر ًا الختالف التطور ال�سيا�سي واالجتماعي واالقت�صادي والثقايف والتاريخي ،على الرغم من امل�شرتكات بني الأمم وال�شعوب. ولعل هذه امل�س�ألة تنطبق �إىل حدود كبرية على م�س�ألة العدالة االنتقالية املطروحة اليوم ب�شدة بعد انتفا�ضات الربيع العربي الناجحة منها �أو تلك التي تنتظر �إجراء تغيريات من �ش�أنها �أن حتتاج �إىل الإفادة من املبادئ العامة للعدالة االنتقالية ،على الرغم من �أن لكل جتربة عربية نكهتها اخلا�صة وم��ذاق �ه��ا امل�خ�ت�ل��ف ،وذل ��ك بحكم التطور التاريخي وا�صطفافات القوى والطبقات وتنوع االجتماعية وال��دي�ن�ي��ة والأث �ن �ي��ة، ّ الفاعليات والأن�شطة ال�سيا�سية والفكرية، ف� ً ضال ع��ن طريقة االن�ت�ق��ال وحجم العنف وتراكم الف�ساد املايل واالداري وغريه من امل�شكالت. و�إذا ك��ان ه��دف ه��ذا البحث يف التجارب ال��دول �ي��ة مل�ق��ارب�ت�ه��ا م��ن زاوي �ت �ه��ا الفكرية وامل �ب��ادئ العامة وظ ��روف التطبيق ،ف�إن الغر�ض يرتكز على الإف��ادة من النجاحات التي حققتها ،وبالقدر نف�سه التوقف عند �أخطائها وثغراتها وعيوبها بهدف جتاوزها وجتنبها وع��دم ال��وق��وع فيها ،ذل��ك �أن �أي عملية تقليد �أو ت �ك��رار ل�ن�م��وذج م��ا دون الأخذ بنظر االعتبار خ�صو�صية كل جتربة �سيكون ت�شويه ًا للنموذج الأول ،و�إكراه ًا للنموذج الثاين ،فللأول �سياقاته وظروفه، ال�ن��اج�ح��ة وال�ف��ا��ش�ل��ة ،ول �ل �ث��اين �أو�ضاعه اخلا�صة وتركيباته املختلفة ،وال ميكن زرع بذرة يف بيئة غري مالئمة ،مما �سي�ؤدي �إىل منوها لأجل عدم منوها ،ولو متت ف�سيكون ّ ق�صري ،ومن بعد ذلك تذوي ومتوت .وكال احلالني ينذران باملخاطر ،مما ي ��ؤدي �إىل �ضياع الزمن واجلهد واملوارد دون طائل �أو جدوى تذكر . لكن حقيقة احلاجة �إىل جتارب دولية تبقى مهمة وق��ائ�م��ة ،ب�ه��دف ا�ستلهام الدرو�س والعِ رَب والإف��ادة منهما ب�شفافية وانفتاح، وهذه م�س�ألة �ضرورية ،لتح�صني التجارب اخل��ا� �ص��ة وج �ع �ل �ه��ا ب �ع �ي��دة ع��ن التقوقع واالن��غ�ل�اق م��ن ج �ه��ة ،ويف ال��وق��ت نف�سه مالحظة التمايز بني التجارب بحيث ال تقود التجربة العاملية �إىل ا�ستن�ساخ م�شوه �أو تقليد �أعمى ،الأمر الذي يحتاج �إىل معرفة ودراية بظروف كل بلد الجناز م�شروع عقد جديد لتنظيم عالقة احلاكم باملحكوم ،تلك التي ميكن �أن يندرج فيها مبادئ وقواعد ذات طابع قيمي ،حيث تتحول �إىل مبادئ د�ستورية عليا ،مب��ا فيها م��ا ينطبق على العدالة االنتقالية لأن ذل��ك مي�س جوهره التحول الدميقراطي وحم �ت��واه الالحق. وبقدر احرتام اخل�صو�صيات والتم�سك بها،
ف��الأم��ر يحتاج �إىل االط�لاع على التجارب ودرا�ستها ،ال�ستكمال �صورة التغيري على امل���س�ت��وى ال �ك��وين وال�ب�ح��ث يف امل�شرتك الإن�ساين. �إن جتربة تون�س ال ت�شبه جتربة م�صر، مثلما جتربة ليبيا ال ت�شبه جتربة اليمن وجت���رب���ة امل� �غ���رب خم �ت �ل �ف��ة ع���ن جتربة ال �ع��راق ،مثلما تختلف جتربة الأردن عن جتربة �سوريا ،حتى و�إن كانت الكثري من امل�شرتكات بينها. يعتقد البع�ض �أحيان ًا �أن جمرد انهيار نظام ت�سلطي وا�ستبدادي ،يعني االقت�صا�ص من جميع �أركانه وعنا�صره ،وقد ال يريد انتظار الإج��راءات القانونية والق�ضائية ،لبطئها وقد يكون لعدم جدواها يف �إن��زال العقاب باملتهمني ب��االرت �ك��اب ،ال�سيما بعد م�ضي التحوطات زمن لي�س بالق�صري ،ناهيكم عن ّ التي كانت ت�ضعها الأنظمة ال�سابقة للإفالت من العقاب ،وقد يندفع بع�ضهم الآخر لأخذ العقاب بنف�سه ،طاملا يعرف "اجلميع" �أن هناك ارتكابات ،ومثل هذا الأمر ال يجمعه جامع م��ع العدالة االنتقالية التي تتطلب حكم القانون يف ظرف ا�ستثنائي و�ضمن �أو� �ض��اع انتقالية� ،أم��ا العقاب ال�سيا�سي اجلماعي فلي�س ذلك �سوى عدالة انتقامية. �أم��ا العدالة االنتقائية فنق�صد بها معاقبة البع�ض و�إهمال البع�ض الآخ��ر العتبارات متييزية دينية �أو طائفية �أو اجتماعية �أو �سيا�سية �أو غري ذلك ،والعقوبة االنتقامية �أو االنتقائية ت���ؤدي �إىل �إث ��ارة الكراهية ّ وتعطل وتعرقل والبغ�ضاء والث�أر والأحقاد ع�م�ل�ي��ة االن �ت �ق��ال ال��دمي �ق��راط��ي الأ�سا�س والهدف للعدالة االنتقالية ،وهو ما �أخذت ب ��ه م� �ب ��ادئ ��ش�ي�ك��اغ��و ال �ت��ي ت�ت�ل�خ����ص يف حماكمة املرتكبني امل�شتبه بهم لالنتهاكات اجل���س�ي�م��ة حل �ق��وق الإن�����س��ان وال �ق��ان��ون الدويل الإن�ساين و�إبراز احلق يف احلقيقة وت�شجع التحقيقات الر�سمية يف االنتهاكات ّ تق�صي احلقائق �أو ال�سابقة عن طريق جلان ّ هيئات �أخرى ،واالعرتاف بالو�ضع اخلا�ص لل�ضحايا ،و�ضمان و�صولهم �إىل العدالة، كما تع ّد �سبل جرب ال�ضرر وحتقيق الإن�صاف وتنفيذ �سيا�سة ال�ع�ق��وب��ات والإج� ��راءات الإدارية ودعم الربامج الر�سمية واملبادرات ال�شعبية لتخليد ذك��رى ال�ضحايا وتثقيف املجتمع فيما يتعلق بالعنف ال�سيا�سي املا�ضي وتخليد الذاكرة التاريخية .كما �أن من واجب الدول �أن تدعم وحترتم الو�سائل التقليدية والأهلية والدينية يف التعاطي م��ع االن�ت�ه��اك��ات ال�سابقة ،وامل���ش��ارك��ة يف الإ��ص�لاح امل�ؤ�س�سي لدعم �سيادة القانون وا�ستعادة ثقة اجلمهور وتعزيز احلقوق الأ�سا�سية ودعم احلكم الر�شيد ،ولعل تلك احلزمة من الأ�سئلة �ستكون مو�ضوع بحث ون�ق��ا���ش وج ��دل لي�س للنخبة والباحثني واملتخ�ص�صني ،فح�سب ،ب��ل على �صعيد الفاعلني ال�سيا�سيني والفكريني ،من جهة، ويف ال���ش��ارع م��ن جهة �أخ ��رى ،خ�صو�ص ًا وه��ي تواجه جميع التجارب التي �شهدت الربيع العربي! باحث ومفكر عربي
ال�سلفيون وما يفعلون �أخ�شى �أن يتحول ال�سلفيون �إىل عبء لي�س فقط على الثورة امل�صرية ،ولكن على الإ�سالم ذاته �أي�ضا .ذلك �أن منهم املربع ،فقد �أ�صبح ما يفعله �أي �سلفي من�سوبا �إىل اجلميع .ب��ل من�سوبا �إىل الإ�سالميني �أنا�سا يزايدون على غريهم من امل�سلمني ويح�سبون �أنهم الفرقة الناجية الأكثـر تدينا وتطهرا .ويت�صورون �أن (عنوان ال�صفحة الأوىل بجريدة ال�شروق يوم الثالثاء 10/10كان كالتايل� :أمن املنيا ذلك ي�ؤهلهم لأن ي�صبحوا �أو�صياء على املجتمع .وهم بذلك ي�سحبون من ر�صيد الثورة التي رفعت عنهم الإ�صر يلغى حفال غنائيا ب�ضغوط من الإ�سالميني. لقد قيل ىل �إن الدكتور يا�سر برهامى نائب واحلظر ،وي�شوهون الإ�سالم الذي ين�سبون �أنف�سهم �إليه� ،إذ با�سمه يروجون للك�آبة وي�شيعون بني النا�س القلق رئي�س ال��دع��وة ال�سلفية ا�ستنكر ت�صرف واخلوف. ال�شباب يف املنيا ،وق��ال �إن�ه��م لي�سوا على دراي� ��ة ب��ال���ض��واب��ط ال���ش��رع�ي��ة ال �ت��ي حتكم الأمر باملعروف والنهي عن املنكر .ون�شرت ال�صحف �أن ال��دع��وة ال�سلفية ت�ب�ر�أت من فهمي هويدي جمموعة كفر ال�شيخ ال�ت��ي ن�صبت نف�سها راعية للأمر باملعروف والنهى عن املنكر. وق� ��ال �أح� ��د �أرك�� ��ان ال ��دع ��وة ال���س�ل�ف�ي��ة �إن ه��ذا الأ� �س �ب��وع ت��دخ��ل ن�ف��ر منهم مل�ن��ع حفل ال�شخ�ص امل�شتبك مع ال�سيدة �إلهام �شاهني غنائي يف حمافظة املنيا �أقامه فريق ي�ضم لي�س من ال�سلفيني ،و�أنهم يترب�أون مما جل�أ م�سلمني و�أقباطا .بدعوى �أنه حفل تب�شريي �إليه ويعتربون الأ�سلوب الذي اتبعه يفتقد يتو�سل بالغناء واملو�سيقى الذي يحرمونه. �إىل اللياقة ويخل ب�أب�سط مبادئ املوعظة حدث ذلك بعد يوم واحد من ظهور جمموعة احل�سنة والدعوة �إىل الله. للأمر باملعروف والنهى عن املنكر فى قرية بقيت عندي ثالث مالحظات هى: الزعفران مبحافظة كفر ال�شيخ ،وتوزيعها �إنني ا�ستغربت �أن تلج�أ �أجهزة الأم��ن فى من�شورا توجيهيا يتدخل يف �أزي��اء النا�س حمافظة املنيا �إىل �إلغاء احلفل الغنائي ملجرد وحياتهم اخلا�صة ويحذر من �أنهم �سيلج�أون اعرتا�ض بع�ض ال�سلفيني و�أع�ضاء اجلماعة �إىل تغيري املنكر باليد �إذا ا�ضطروا �إىل ذلك. الإ�سالمية عليه .ذلك �أن ما �أقدم عليه ه�ؤالء وهو ما تزامن مع دعوة بع�ض ال�سلفيني �إىل ي�ع��د ع��دوان��ا ع�ل��ى ح��ري��ات ال �ن��ا���س ،وتلك مليونية جديدة لتطبيق ال�شريعة بدعوى �أن «جناية» من الناحية القانونية ،ون�ص املادة اجلمعية الت�أ�سي�سية للد�ستور تخلت عنها. 56مكرر من قانون العقوبات يعاقب بال�سجن وقبل �إط�ل�اق ه��ذه ال��دع��وة ب ��أي��ام ك��ان لنفر كل من �أن�ش�أ جماعة �أو هيئة ا�ستخدمت منع منهم معركة مع املمثلة �إلهام �شاهني و�صلت م�ؤ�س�سات ال��دول��ة من ممار�سة �أعمالها �أو �إىل الق�ضاء ،وج��اء بع�ضهم �إىل املحكمة ق��ام��ت ب��االع �ت��داء على احل��ري��ة ال�شخ�صية ح��ام�لا � �ص��ورا لها م��ن فيلم «� �س��وق املتعة» للمواطن �أو غريها من احلريات واحلقوق تعزز اتهامهم لها بالرتويج للإباحية وقلة العامة التي كفلها الد�ستور والقانون .وهذا الأدب .ثم قر�أنا فى ال�صحف �أن �أحد رموزهم ال �ك�لام ينطبق �أي���ض��ا على ال��ذي��ن حاولوا (عرفنا �أنه مدير الأكادميية ال�سلفية مبدينة التحكم يف حريات النا�س و�سلوكياتهم يف املن�صورة) �ألقى خطابا �ضافيا يف التنديد كفر ال�شيخ بدعوى الأمر باملعروف والنهى بال�شيعة والطعن يف �أف�ك��اره��م وكتاباتهم ع��ن امل�ن�ك��ر� .إن �ن��ي مل �أف �ه��م مل ��اذا ا�ستجابت ال �ت��ي ت�ه�ين ال���ص�ح��اب��ة وت���ش�ين �أه ��ل م�صر ال��ق��ي��ادات الأم �ن �ي��ة ل���ض�غ��وط�ه��م ومل � ��اذا مل وحترم الطبخ يف الأواين الفخارية! حتا�سبهم مبقت�ضى القانون؟. �صحيح �أنهم ذهبوا �إىل �أبعد من ذلك و�أتع�س فى تون�س واجلزائر ،حيث جل�أوا �إىل العنف التعا�سة واحلمق ولي�س يف نوع �أي منهما .واحدة �أم �أنهم ميثلون تيارات متباينة داخل من ال�شيوخ �أو املراجع الذين ي�ستقطبون �إنه من ال�سذاجة �أن يفتعل ال�سلفيون �أزمة وا�ستخدموا ال���س�لاح �ضد ال�سلطة و�ضد من حق �أي واح��د �أن يت�ساءل عما �إذا كان املربع ال�سلفي ،الذي �أ�صبح ي�ضم �أكرث من الأن���ص��ار وامل��ري��دي��ن .ولأن�ن��ا ال نعرف على و�أن ي�ستنفروا �أن�صارهم لالحتجاج على عدم معار�ضيهم� .إال �أن ذلك يعد اختالفا فى درجة �أولئك املزايدون واحلمقى يف م�صر جماعة ح��زب و�أك�ث�ر م��ن جبهة وع ��ددا غ�ير معلوم وج��ه ال��دق��ة طبيعة �أو ح ��دود خ��رائ��ط ذلك ذكر �أحكام ال�شريعة والن�ص على مرجعية
املبادئ وحدها يف الد�ستور .وهى �سذاجة تعرب عن طفولة �سيا�سية ت�صور �أ�صحابها �أن ت�سجيل امل�صطلح ��ض��ام��ن ب�ح��د ذاته لتطبيق ال�شريعة .يف حني �أن اجلميع يرون دوال زايدت على غريها يف التم�سك بحرفية ون�صو�ص ال�شريعة حتى طبقت احلدود، لكنها غيبت و�أه��درت �أه��م مبادئها املتمثلة يف ال �ع��دل واحل��ري��ة وامل �� �س��اواة واحلفاظ على كرامة اخللق وغ�ير ذل��ك من املقا�صد. ولي�س خافيا على �أحد �أن �إثارة معركة حول امل�صطلح وح�شد مليونية لأجل تغيري الكلمة دون �أن يتم التوافق الوطني عليها ،يعطل امل���س�يرة وي�شتت املجتمع ويفتعل خالفا و�شقاقا ال لزوم له. �إنني �أخ�شى �أن يكون منطق اختزال التدين ف��ى اللحية واجل�ل�ب��اب الق�صري وامل�سواك والنقاب ،هو نف�سه الذي يكمن وراء اختزال تطبيق ال�شريعة يف كلمة �أو عبارة تو�ضع يف الد�ستور .ذل��ك �أن ال��ذي يختزل التدين يف مظهر ال ي�ستغرب من �أن يختزل تطبيق ال�شريعة يف ن�ص مكتوب. �إن �ن��ي �أح���ذر م��ن ه��و���س �أغ �ل��ب ال�سلفيني بال�صراع �ضد ال�شيعة .و�أذك��ر ب��أن الق�ضية لي�ست مثارة يف م�صر من الأ�سا�س ،رغم ما يقال عن انت�ساب ب�ضع ع�شرات �إىل املذهب اجلعفري .و�أذكر ب�أن �أعداء الأمة ي�ستهدفون اجلميع وال يفرقون بني ال�سنة وال�شيعة، و�أن معركة الأمة احلقيقية هي �ضد االحتالل الإ�سرائيلي والهيمنة الأمريكية ولي�ست �ضد ال�شيعة �أو �إيران� ،أيا كانت خالفاتنا معهما. �إن لدينا وطنا نريد �أن نداوى جراحه لكي يتعافى ويحقق حلمه يف التطلع �إىل م�ستقبل �أف�ضل ،ولدينا �أم��ة مزقت مبا فيه الكفاية، وع�ل��ى ال�ع�ق�لاء �أن يبحثوا ك�ي��ف يلملموا �أ�شتاتها ال �أن يعمقوا جراحها ويجه�ضوا �أحالمها .ومهام من ذلك القبيل حتتاج �إىل عقول واعية وقلوب كبرية ،و�أرجو �أن يظهر من بني ال�سلفيني من يكون قادرا على حمل الأمانة مع غريهم من الوطنيني املخل�صني، بحيث يغدو جهدهم �إ�ضافة �إىل ر�صيد الوطن والأمة ولي�س خ�صما منه.