alnaspaper no.360

Page 6

‫‪No.(360) - Sunday 4 November , 2012‬‬

‫العدد (‪ - )360‬االحد ‪ 4‬ت�شرين الثاين ‪2012‬‬

‫املقاالت التي تن�شر ال متثل ر�أي اجلريدة‪ .‬بل تعرب عن �آراء كتابها‬

‫ر�أي‬

‫‪11‬‬

‫العدالة االنتقالية و"العدالة" االنتقامية‬ ‫يعترب مفهوم العدالة االنتقالية من املفاهيم التي ما زالت غام�ضة �أو ملتب�سة‪ ،‬خ�صو�ص ًا ملا ي�شوبه من �إبهام فيما‬ ‫يتعلق باجلزء الثاين من امل�صطلح ونعني به "االنتقالية" فهل توجد عدالة انتقالية؟ وما الفرق بينها وبني‬ ‫العدالة التقليدية املرتبطة ب�أحكام الق�ضاء واللجوء �إىل املحاكم ب�أنواعها ودرجاتها؟‬

‫عبد احل�سني �شعبان‬ ‫و�إذا كانت العدالة قيمة مطلقة وال ميكن‬ ‫طم�سها �أو التنكّر لها �أو حتى ت�أجيلها حتت‬ ‫�أي �سبب كان �أو ذريعة �أو حجة‪ ،‬ف�إن العدالة‬ ‫االنتقالية ت�شرتك مع العدالة التقليدية يف‬ ‫�إحقاق احل��ق و�إع��ادت��ه �إىل �أ�صحابه ويف‬ ‫ك�شف احلقيقة ويف جرب ال�ضرر وتعوي�ض‬ ‫ال�ضحايا‪ ،‬خ�صو�ص ًا ملا له عالقة بالق�ضايا‬ ‫ال�سيا�سية وامل��دن �ي��ة ال �ع��ام��ة‪ ،‬وك��ذل��ك يف‬ ‫ت� ّ‬ ‫�وخ��ي ��ص�لاح املجتمع م��ن خ�لال �إ�صالح‬ ‫قوانينه و�أج �ه��زت��ه الق�ضائية والأمنية‪،‬‬ ‫ال�سيما املعنية ب�إنفاذ القانون‪.‬‬ ‫لكن العدالة االنتقالية تختلف عن العدالة‬ ‫ال �ت �ق �ل �ي��دي��ة امل� �ت ��وات ��رة يف ك��ون �ه��ا ُتعنى‬ ‫بالفرتات االنتقالية مثل‪ :‬االنتقال من حالة‬ ‫ن��زاع داخ�ل��ي م�سلح �إىل حالة ال�سلم‪� ،‬أو‬ ‫من حالة ح��رب �أهلية �إىل حالة ال�سلم �أو‬ ‫االنتقال من حالة �صراع �سيا�سي داخلي‬ ‫يرافقه عنف م�سلح �إىل حالة ال�سلم وولوج‬ ‫التحول الدميقراطي‪� ،‬أو االنتقال من‬ ‫�سبيل‬ ‫ّ‬ ‫حكم �سيا�سي ت�س ّلطي �إىل حالة االنفراج‬ ‫ال�سيا�سي واالن �ت �ق��ال ال��دمي �ق��راط��ي‪� ،‬أي‬ ‫االنتقال من حكم منغلق بان�سداد �آفاق‪� ،‬إىل‬ ‫حكم ي�شهد حالة انفتاح و�إقرار بالتعددية‪،‬‬ ‫وه�ن��اك ح��ال��ة �أخ ��رى وه��ي ف�ترة االنعتاق‬ ‫م��ن الكولونيالية �أو التحرر م��ن احتالل‬ ‫�أجنبي ب�إ�ستعادة �أو ت�أ�سي�س حكم حملي‪،‬‬ ‫وكل هذه املراحل تواكبها يف العادة بع�ض‬ ‫الإج��راءات الإ�صالحية ال�ضرورية و�سعي‬ ‫جلرب الأ�ضرار ل�ضحايا االنتهاكات اخلطرية‬ ‫وخ�صو�ص ًا ذات الأبعاد اجلماعية‪.‬‬ ‫ق��د ي�ت�ب��ادر �إىل ال��ذه��ن �أن اخ�ت�ي��ار طريق‬ ‫العدالة االنتقالية يتناق�ض مع طريق العدالة‬ ‫اجلنائية �سوا ًء على امل�ستوى الوطني �أو‬ ‫على امل�ستوى ال��دويل‪ ،‬يف حني �أن اختيار‬ ‫الطريق الأول ال يعني ا�ستبعاد الطريق‬ ‫ال �ث��اين‪ ،‬وخ�صو�ص ًا بالن�سبة لل�ضحايا‪،‬‬ ‫وال�سيما م�س�ألة �إفالت املرتكبني من العقاب!!‬ ‫وقد كان هذا الأمر ّ‬ ‫حمل نقا�ش جاد‪ ،‬ال�سيما‬ ‫للتجربة التون�سية‪ ،‬يف ندوة نظ ّمها مركز‬ ‫الدرا�سات الوطنية يف تون�س م�ؤخر ًا‪.‬‬ ‫ولعل مفهوم العدالة االنتقالية ودوافعها‬ ‫ال �� �س �ي��ا� �س �ي��ة وال��ق��ان��ون��ي��ة واحل �ق��وق �ي��ة‬ ‫والإن�سانية‪� ،‬أخ��ذ يتبلور و�إنْ ك��ان ببطئ‬ ‫يف العديد من التجارب الدولية ويف العديد‬ ‫من املناطق يف العامل‪ ،‬وال�سيما يف اوروبا‬ ‫بعد احل��رب العاملية الثانية فيما يخ�ص‬ ‫�ضحايا النازية‪ ،‬وانْ كان قد �شابه �شيء من‬ ‫الت�سيي�س‪ ،‬وخ�صو�ص ًا بعد تق�سيم �أملانيا من‬ ‫جانب دول احللفاء‪ ،‬كما اتخذ ُبعد ًا جديد ًا‬ ‫يف �أمريكا الالتينية وخا�صة بعد ما ح�صل‬ ‫يف ت�شيلي �إث��ر االنقالب الع�سكري يف ‪11‬‬

‫�أيلول (�سبتمرب) ‪ ،1973‬الذي قاده اجلرنال‬ ‫بينو�شيه‪.‬‬ ‫ومنذ �سبعينيات ال�ق��رن الع�شرين وحتى‬ ‫الآن �شهد العامل نحو (‪ )40‬جتربة للعدالة‬ ‫االنتقالية م��ن ب�ين �أه�م�ه��ا جت��رب��ة ت�شيلي‬ ‫والأرجنتني والبريو وال�سلفادور ورواندا‬ ‫و� �س�يرال �ي��ون وج �ن��وب اف��ري�ق�ي��ا وتيمور‬ ‫ال�شرقية و�صربيا واليونان‪ ،‬وق��د �شهدت‬ ‫ال�برت�غ��ال و�إ�سبانيا وال ��دول اال�شرتاكية‬ ‫ال�سابقة �شك ًال من �أ�شكال العدالة االنتقالية‬ ‫وامل� ��� �ص ��احل��ة ال��وط��ن��ي��ة ات�����س��م بع�ضها‬ ‫باال�ستمرارية القانونية �أو ما �أطلقنا عليه‬ ‫فقه التوا�صل‪ ،‬و�ساد بع�ضها فقه القطيعة‬ ‫كما هي جتربة �أملانيا الدميقراطية‪ ،‬ال�سيما‬ ‫بعد احتادها مع �أملانيا االحتادية‪.‬‬ ‫ويعترب البع�ض جتربة لبنان ما بعد م�ؤمتر‬ ‫ال�ط��ائ��ف ب��أن�ه��ا ��ش�ه��دت ��ش�ك� ً‬ ‫لا م��ن �أ�شكال‬ ‫امل�صاحلة الوطنية كان ميكن �أن تف�ضي �إىل‬ ‫حتقيق العدالة االنتقالية‪ ،‬لكنني �أعترب �أن‬ ‫ال�شروط العامة للعدالة االنتقالية ال تنطبق‬ ‫عليها‪ ،‬وخ�صو�ص ًا ك�شف احلقيقة وجرب‬ ‫ال���ض��رر وت�ع��وي����ض ال�ضحايا واال�صالح‬

‫امل�ؤ�س�سي‪ ،‬ا ّال �أن التجربة اللبنانية على‬ ‫الرغم مما عليها بحاجة �إىل ت�أمل ودرا�سة‪،‬‬ ‫وال�سيما يف ظروف لبنان الراهنة واملعارك‬ ‫ال�سيا�سية "املتكررة"‪ ،‬لكي ال يعيد التاريخ‬ ‫نف�سه!! وعلى الرغم من �أن املقاربة اللبنانية‬ ‫للعدالة االنتقالية ناق�صة ومبتورة‪ ،‬لكن‬ ‫التوافق القلق واله�ش دون �أدنى �شك �أف�ضل‬ ‫من االحرتاب واالقتتال‪ ،‬الأمر الذي بحاجة‬ ‫�إىل بحث يف �إط��ار التوافق اللبناين دون‬ ‫نك�أ للجراح يف عدالة انتقالية مع تنازالت‬ ‫متبادلة واع�ت�راف جمتمعي على �أ�سا�س‬ ‫الت�سامح وعدم تكرار ما ح�صل‪.‬‬ ‫وال ب ّد من �إدراج جتربة املغرب ك�أحد �أهم‬ ‫ال�ت�ج��ارب العربية وال��دول�ي��ة يف �إمكانية‬ ‫االن�ت�ق��ال ال��دمي�ق��راط��ي ال�سلمي م��ن داخل‬ ‫ال�سلطة‪ ،‬خ�صو�ص ًا ب�إ�شراك املعار�ضة التي‬ ‫كان يف مقدمتها عبد الرحمن اليو�سفي الذي‬ ‫مت تعيينه رئي�س ًا للوزراء ( الوزير الأول)‬ ‫وفتح ملفات االختفاء الق�سري والتعذيب‬ ‫وفيما بعد ت�شكيل هيئة الإن�صاف وامل�صاحلة‬ ‫وتعوي�ض ال�ضحايا والعمل على �إ�صالح‬ ‫وت�أهيل عدد غري قليل من امل�ؤ�س�سات‪.‬‬

‫وق��د ب��د�أت فكرة العدالة االنتقالية تدخل‬ ‫الأدب احل �ق��وق��ي وال���س�ي��ا��س��ي احلقوقي‬ ‫على امل�ستوى العربي‪ ،‬اب�ت��دا ًء من املغرب‬ ‫العربي وم��رور ًا مب�صر وو�صو ًال �إىل دول‬ ‫امل�شرق العربي‪ ،‬والأم��ر له عالقة بانت�شار‬ ‫الثقافة الدميقراطية ب�شكل ع��ام والثقافة‬ ‫احلقوقية ب�شكل خ��ا���ص‪ ،‬ال�سيما ارتباط‬ ‫ذلك بانبثاق العديد من م�ؤ�س�سات املجتمع‬ ‫املدين ون�شاطها وفاعليتها‪ ،‬وخ�صو�ص ًا بعد‬ ‫انتهاء عهد احلرب الباردة وموجة التغيري‬ ‫ال�ت��ي اج�ت��اح��ت �أوروب� ��ا ال�شرقية وق��ادت‬ ‫�إىل حت�� ّ�والت دمي�ق��راط�ي��ة �أن �ه��ت الأنظمة‬ ‫ال�شمولية وفتحت ال�ب��اب على م�صراعيه‬ ‫لإ� �ش��اع��ة احل��ري��ات وت�ع��زي��ز دور املجتمع‬ ‫امل��دين والإع�ل�اء من �ش�أن الفرد وتقلي�ص‬ ‫توجه الدولة التدخل بال�ش�ؤون االقت�صادية‬ ‫وغ�يره��ا م��ن ال�ت��وج�ه��ات االنفتاحية التي‬ ‫انتقلت �إىل العديد من دول امريكا الالتينية‬ ‫وبع�ض بلدان �آ�سيا و�أفريقيا‪ ،‬حيث اعتربت‬ ‫ال��دمي�ق��راط�ي��ة واح �ت�رام ح �ق��وق االن�سان‬ ‫القيمة العليا‪ ،‬التي يقا�س مبوجبها تقدم‬ ‫�أي جمتمع‪ ،‬وهو الأمر الذي يفرت�ض عالقة‬

‫جديدة بني احلاكم واملحكوم على �أ�سا�س‬ ‫اختيار املحكومني للحكام ب�شكل دوري‬ ‫وف�صل ال�سلطات وت�أكيد ا�ستقالل الق�ضاء‬ ‫و�إع� �م ��ال م �ب��د�أ � �س �ي��ادة ال �ق��ان��ون ومبادئ‬ ‫امل�ساواة واملواطنة‪.‬‬ ‫التوجه يرتكز على قواعد‬ ‫و�إذا كان مثل هذا‬ ‫ّ‬ ‫عامة م�شرتكة مت ّثل امل�شرتك الإن�ساين‪،‬‬ ‫ف�إن لكل بلد خ�صو�صيته‪ ،‬وال ت�شبه عملية‬ ‫انتقال دميقراطي غريها من العمليات نظر ًا‬ ‫الختالف التطور ال�سيا�سي واالجتماعي‬ ‫واالقت�صادي والثقايف والتاريخي‪ ،‬على‬ ‫الرغم من امل�شرتكات بني الأمم وال�شعوب‪.‬‬ ‫ولعل هذه امل�س�ألة تنطبق �إىل حدود كبرية‬ ‫على م�س�ألة العدالة االنتقالية املطروحة‬ ‫اليوم ب�شدة بعد انتفا�ضات الربيع العربي‬ ‫الناجحة منها �أو تلك التي تنتظر �إجراء‬ ‫تغيريات من �ش�أنها �أن حتتاج �إىل الإفادة من‬ ‫املبادئ العامة للعدالة االنتقالية‪ ،‬على الرغم‬ ‫من �أن لكل جتربة عربية نكهتها اخلا�صة‬ ‫وم��ذاق �ه��ا امل�خ�ت�ل��ف‪ ،‬وذل ��ك بحكم التطور‬ ‫التاريخي وا�صطفافات القوى والطبقات‬ ‫وتنوع‬ ‫االجتماعية وال��دي�ن�ي��ة والأث �ن �ي��ة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الفاعليات والأن�شطة ال�سيا�سية والفكرية‪،‬‬ ‫ف� ً‬ ‫ضال ع��ن طريقة االن�ت�ق��ال وحجم العنف‬ ‫وتراكم الف�ساد املايل واالداري وغريه من‬ ‫امل�شكالت‪.‬‬ ‫و�إذا ك��ان ه��دف ه��ذا البحث يف التجارب‬ ‫ال��دول �ي��ة مل�ق��ارب�ت�ه��ا م��ن زاوي �ت �ه��ا الفكرية‬ ‫وامل �ب��ادئ العامة وظ ��روف التطبيق‪ ،‬ف�إن‬ ‫الغر�ض يرتكز على الإف��ادة من النجاحات‬ ‫التي حققتها‪ ،‬وبالقدر نف�سه التوقف عند‬ ‫�أخطائها وثغراتها وعيوبها بهدف جتاوزها‬ ‫وجتنبها وع��دم ال��وق��وع فيها‪ ،‬ذل��ك �أن �أي‬ ‫عملية تقليد �أو ت �ك��رار ل�ن�م��وذج م��ا دون‬ ‫الأخذ بنظر االعتبار خ�صو�صية كل جتربة‬ ‫�سيكون ت�شويه ًا للنموذج الأول‪ ،‬و�إكراه ًا‬ ‫للنموذج الثاين‪ ،‬فللأول �سياقاته وظروفه‪،‬‬ ‫ال�ن��اج�ح��ة وال�ف��ا��ش�ل��ة‪ ،‬ول �ل �ث��اين �أو�ضاعه‬ ‫اخلا�صة وتركيباته املختلفة‪ ،‬وال ميكن زرع‬ ‫بذرة يف بيئة غري مالئمة‪ ،‬مما �سي�ؤدي �إىل‬ ‫منوها لأجل‬ ‫عدم منوها‪ ،‬ولو متت ف�سيكون ّ‬ ‫ق�صري‪ ،‬ومن بعد ذلك تذوي ومتوت‪ .‬وكال‬ ‫احلالني ينذران باملخاطر‪ ،‬مما ي ��ؤدي �إىل‬ ‫�ضياع الزمن واجلهد واملوارد دون طائل �أو‬ ‫جدوى تذكر ‪.‬‬ ‫لكن حقيقة احلاجة �إىل جتارب دولية تبقى‬ ‫مهمة وق��ائ�م��ة‪ ،‬ب�ه��دف ا�ستلهام الدرو�س‬ ‫والعِ رَب والإف��ادة منهما ب�شفافية وانفتاح‪،‬‬ ‫وهذه م�س�ألة �ضرورية‪ ،‬لتح�صني التجارب‬ ‫اخل��ا� �ص��ة وج �ع �ل �ه��ا ب �ع �ي��دة ع��ن التقوقع‬ ‫واالن��غ�ل�اق م��ن ج �ه��ة‪ ،‬ويف ال��وق��ت نف�سه‬ ‫مالحظة التمايز بني التجارب بحيث ال تقود‬ ‫التجربة العاملية �إىل ا�ستن�ساخ م�شوه �أو‬ ‫تقليد �أعمى‪ ،‬الأمر الذي يحتاج �إىل معرفة‬ ‫ودراية بظروف كل بلد الجناز م�شروع عقد‬ ‫جديد لتنظيم عالقة احلاكم باملحكوم‪ ،‬تلك‬ ‫التي ميكن �أن يندرج فيها مبادئ وقواعد‬ ‫ذات طابع قيمي‪ ،‬حيث تتحول �إىل مبادئ‬ ‫د�ستورية عليا‪ ،‬مب��ا فيها م��ا ينطبق على‬ ‫العدالة االنتقالية لأن ذل��ك مي�س جوهره‬ ‫التحول الدميقراطي وحم �ت��واه الالحق‪.‬‬ ‫وبقدر احرتام اخل�صو�صيات والتم�سك بها‪،‬‬

‫ف��الأم��ر يحتاج �إىل االط�لاع على التجارب‬ ‫ودرا�ستها‪ ،‬ال�ستكمال �صورة التغيري على‬ ‫امل���س�ت��وى ال �ك��وين وال�ب�ح��ث يف امل�شرتك‬ ‫الإن�ساين‪.‬‬ ‫�إن جتربة تون�س ال ت�شبه جتربة م�صر‪،‬‬ ‫مثلما جتربة ليبيا ال ت�شبه جتربة اليمن‬ ‫وجت���رب���ة امل� �غ���رب خم �ت �ل �ف��ة ع���ن جتربة‬ ‫ال �ع��راق‪ ،‬مثلما تختلف جتربة الأردن عن‬ ‫جتربة �سوريا‪ ،‬حتى و�إن كانت الكثري من‬ ‫امل�شرتكات بينها‪.‬‬ ‫يعتقد البع�ض �أحيان ًا �أن جمرد انهيار نظام‬ ‫ت�سلطي وا�ستبدادي‪ ،‬يعني االقت�صا�ص من‬ ‫جميع �أركانه وعنا�صره‪ ،‬وقد ال يريد انتظار‬ ‫الإج��راءات القانونية والق�ضائية‪ ،‬لبطئها‬ ‫وقد يكون لعدم جدواها يف �إن��زال العقاب‬ ‫باملتهمني ب��االرت �ك��اب‪ ،‬ال�سيما بعد م�ضي‬ ‫التحوطات‬ ‫زمن لي�س بالق�صري‪ ،‬ناهيكم عن‬ ‫ّ‬ ‫التي كانت ت�ضعها الأنظمة ال�سابقة للإفالت‬ ‫من العقاب‪ ،‬وقد يندفع بع�ضهم الآخر لأخذ‬ ‫العقاب بنف�سه‪ ،‬طاملا يعرف "اجلميع" �أن‬ ‫هناك ارتكابات‪ ،‬ومثل هذا الأمر ال يجمعه‬ ‫جامع م��ع العدالة االنتقالية التي تتطلب‬ ‫حكم القانون يف ظرف ا�ستثنائي و�ضمن‬ ‫�أو� �ض��اع انتقالية‪� ،‬أم��ا العقاب ال�سيا�سي‬ ‫اجلماعي فلي�س ذلك �سوى عدالة انتقامية‪.‬‬ ‫�أم��ا العدالة االنتقائية فنق�صد بها معاقبة‬ ‫البع�ض و�إهمال البع�ض الآخ��ر العتبارات‬ ‫متييزية دينية �أو طائفية �أو اجتماعية �أو‬ ‫�سيا�سية �أو غري ذلك‪ ،‬والعقوبة االنتقامية‬ ‫�أو االنتقائية ت���ؤدي �إىل �إث ��ارة الكراهية‬ ‫ّ‬ ‫وتعطل وتعرقل‬ ‫والبغ�ضاء والث�أر والأحقاد‬ ‫ع�م�ل�ي��ة االن �ت �ق��ال ال��دمي �ق��راط��ي الأ�سا�س‬ ‫والهدف للعدالة االنتقالية‪ ،‬وهو ما �أخذت‬ ‫ب ��ه م� �ب ��ادئ ��ش�ي�ك��اغ��و ال �ت��ي ت�ت�ل�خ����ص يف‬ ‫حماكمة املرتكبني امل�شتبه بهم لالنتهاكات‬ ‫اجل���س�ي�م��ة حل �ق��وق الإن�����س��ان وال �ق��ان��ون‬ ‫الدويل الإن�ساين و�إبراز احلق يف احلقيقة‬ ‫وت�شجع التحقيقات الر�سمية يف االنتهاكات‬ ‫ّ‬ ‫تق�صي احلقائق �أو‬ ‫ال�سابقة عن طريق جلان ّ‬ ‫هيئات �أخرى‪ ،‬واالعرتاف بالو�ضع اخلا�ص‬ ‫لل�ضحايا‪ ،‬و�ضمان و�صولهم �إىل العدالة‪،‬‬ ‫كما تع ّد �سبل جرب ال�ضرر وحتقيق الإن�صاف‬ ‫وتنفيذ �سيا�سة ال�ع�ق��وب��ات والإج� ��راءات‬ ‫الإدارية ودعم الربامج الر�سمية واملبادرات‬ ‫ال�شعبية لتخليد ذك��رى ال�ضحايا وتثقيف‬ ‫املجتمع فيما يتعلق بالعنف ال�سيا�سي‬ ‫املا�ضي وتخليد الذاكرة التاريخية‪ .‬كما �أن‬ ‫من واجب الدول �أن تدعم وحترتم الو�سائل‬ ‫التقليدية والأهلية والدينية يف التعاطي‬ ‫م��ع االن�ت�ه��اك��ات ال�سابقة‪ ،‬وامل���ش��ارك��ة يف‬ ‫الإ��ص�لاح امل�ؤ�س�سي لدعم �سيادة القانون‬ ‫وا�ستعادة ثقة اجلمهور وتعزيز احلقوق‬ ‫الأ�سا�سية ودعم احلكم الر�شيد‪ ،‬ولعل تلك‬ ‫احلزمة من الأ�سئلة �ستكون مو�ضوع بحث‬ ‫ون�ق��ا���ش وج ��دل لي�س للنخبة والباحثني‬ ‫واملتخ�ص�صني‪ ،‬فح�سب‪ ،‬ب��ل على �صعيد‬ ‫الفاعلني ال�سيا�سيني والفكريني‪ ،‬من جهة‪،‬‬ ‫ويف ال���ش��ارع م��ن جهة �أخ ��رى‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫وه��ي تواجه جميع التجارب التي �شهدت‬ ‫الربيع العربي!‬ ‫باحث ومفكر عربي‬

‫ال�سلفيون وما يفعلون‬ ‫�أخ�شى �أن يتحول ال�سلفيون �إىل عبء لي�س فقط على الثورة امل�صرية‪ ،‬ولكن على الإ�سالم ذاته �أي�ضا‪ .‬ذلك �أن منهم املربع‪ ،‬فقد �أ�صبح ما يفعله �أي �سلفي من�سوبا‬ ‫�إىل اجلميع‪ .‬ب��ل من�سوبا �إىل الإ�سالميني‬ ‫�أنا�سا يزايدون على غريهم من امل�سلمني ويح�سبون �أنهم الفرقة الناجية الأكثـر تدينا وتطهرا‪ .‬ويت�صورون �أن (عنوان ال�صفحة الأوىل بجريدة ال�شروق‬ ‫يوم الثالثاء ‪ 10/10‬كان كالتايل‪� :‬أمن املنيا‬ ‫ذلك ي�ؤهلهم لأن ي�صبحوا �أو�صياء على املجتمع‪ .‬وهم بذلك ي�سحبون من ر�صيد الثورة التي رفعت عنهم الإ�صر يلغى حفال غنائيا ب�ضغوط من الإ�سالميني‪.‬‬ ‫لقد قيل ىل �إن الدكتور يا�سر برهامى نائب‬ ‫واحلظر‪ ،‬وي�شوهون الإ�سالم الذي ين�سبون �أنف�سهم �إليه‪� ،‬إذ با�سمه يروجون للك�آبة وي�شيعون بني النا�س القلق‬ ‫رئي�س ال��دع��وة ال�سلفية ا�ستنكر ت�صرف‬ ‫واخلوف‪.‬‬ ‫ال�شباب يف املنيا‪ ،‬وق��ال �إن�ه��م لي�سوا على‬ ‫دراي� ��ة ب��ال���ض��واب��ط ال���ش��رع�ي��ة ال �ت��ي حتكم‬ ‫الأمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ .‬ون�شرت‬ ‫ال�صحف �أن ال��دع��وة ال�سلفية ت�ب�ر�أت من‬ ‫فهمي هويدي‬ ‫جمموعة كفر ال�شيخ ال�ت��ي ن�صبت نف�سها‬ ‫راعية للأمر باملعروف والنهى عن املنكر‪.‬‬ ‫وق� ��ال �أح� ��د �أرك�� ��ان ال ��دع ��وة ال���س�ل�ف�ي��ة �إن‬ ‫ه��ذا الأ� �س �ب��وع ت��دخ��ل ن�ف��ر منهم مل�ن��ع حفل‬ ‫ال�شخ�ص امل�شتبك مع ال�سيدة �إلهام �شاهني‬ ‫غنائي يف حمافظة املنيا �أقامه فريق ي�ضم‬ ‫لي�س من ال�سلفيني‪ ،‬و�أنهم يترب�أون مما جل�أ‬ ‫م�سلمني و�أقباطا‪ .‬بدعوى �أنه حفل تب�شريي‬ ‫�إليه ويعتربون الأ�سلوب الذي اتبعه يفتقد‬ ‫يتو�سل بالغناء واملو�سيقى الذي يحرمونه‪.‬‬ ‫�إىل اللياقة ويخل ب�أب�سط مبادئ املوعظة‬ ‫حدث ذلك بعد يوم واحد من ظهور جمموعة‬ ‫احل�سنة والدعوة �إىل الله‪.‬‬ ‫للأمر باملعروف والنهى عن املنكر فى قرية‬ ‫بقيت عندي ثالث مالحظات هى‪:‬‬ ‫الزعفران مبحافظة كفر ال�شيخ‪ ،‬وتوزيعها‬ ‫�إنني ا�ستغربت �أن تلج�أ �أجهزة الأم��ن فى‬ ‫من�شورا توجيهيا يتدخل يف �أزي��اء النا�س‬ ‫حمافظة املنيا �إىل �إلغاء احلفل الغنائي ملجرد‬ ‫وحياتهم اخلا�صة ويحذر من �أنهم �سيلج�أون‬ ‫اعرتا�ض بع�ض ال�سلفيني و�أع�ضاء اجلماعة‬ ‫�إىل تغيري املنكر باليد �إذا ا�ضطروا �إىل ذلك‪.‬‬ ‫الإ�سالمية عليه‪ .‬ذلك �أن ما �أقدم عليه ه�ؤالء‬ ‫وهو ما تزامن مع دعوة بع�ض ال�سلفيني �إىل‬ ‫ي�ع��د ع��دوان��ا ع�ل��ى ح��ري��ات ال �ن��ا���س‪ ،‬وتلك‬ ‫مليونية جديدة لتطبيق ال�شريعة بدعوى �أن‬ ‫«جناية» من الناحية القانونية‪ ،‬ون�ص املادة‬ ‫اجلمعية الت�أ�سي�سية للد�ستور تخلت عنها‪.‬‬ ‫‪ 56‬مكرر من قانون العقوبات يعاقب بال�سجن‬ ‫وقبل �إط�ل�اق ه��ذه ال��دع��وة ب ��أي��ام ك��ان لنفر‬ ‫كل من �أن�ش�أ جماعة �أو هيئة ا�ستخدمت منع‬ ‫منهم معركة مع املمثلة �إلهام �شاهني و�صلت‬ ‫م�ؤ�س�سات ال��دول��ة من ممار�سة �أعمالها �أو‬ ‫�إىل الق�ضاء‪ ،‬وج��اء بع�ضهم �إىل املحكمة‬ ‫ق��ام��ت ب��االع �ت��داء على احل��ري��ة ال�شخ�صية‬ ‫ح��ام�لا � �ص��ورا لها م��ن فيلم «� �س��وق املتعة»‬ ‫للمواطن �أو غريها من احلريات واحلقوق‬ ‫تعزز اتهامهم لها بالرتويج للإباحية وقلة‬ ‫العامة التي كفلها الد�ستور والقانون‪ .‬وهذا‬ ‫الأدب‪ .‬ثم قر�أنا فى ال�صحف �أن �أحد رموزهم‬ ‫ال �ك�لام ينطبق �أي���ض��ا على ال��ذي��ن حاولوا‬ ‫(عرفنا �أنه مدير الأكادميية ال�سلفية مبدينة‬ ‫التحكم يف حريات النا�س و�سلوكياتهم يف‬ ‫املن�صورة) �ألقى خطابا �ضافيا يف التنديد‬ ‫كفر ال�شيخ بدعوى الأمر باملعروف والنهى‬ ‫بال�شيعة والطعن يف �أف�ك��اره��م وكتاباتهم‬ ‫ع��ن امل�ن�ك��ر‪� .‬إن �ن��ي مل �أف �ه��م مل ��اذا ا�ستجابت‬ ‫ال �ت��ي ت�ه�ين ال���ص�ح��اب��ة وت���ش�ين �أه ��ل م�صر‬ ‫ال��ق��ي��ادات الأم �ن �ي��ة ل���ض�غ��وط�ه��م ومل � ��اذا مل‬ ‫وحترم الطبخ يف الأواين الفخارية!‬ ‫حتا�سبهم مبقت�ضى القانون؟‪.‬‬ ‫�صحيح �أنهم ذهبوا �إىل �أبعد من ذلك و�أتع�س‬ ‫فى تون�س واجلزائر‪ ،‬حيث جل�أوا �إىل العنف التعا�سة واحلمق ولي�س يف نوع �أي منهما‪ .‬واحدة �أم �أنهم ميثلون تيارات متباينة داخل من ال�شيوخ �أو املراجع الذين ي�ستقطبون �إنه من ال�سذاجة �أن يفتعل ال�سلفيون �أزمة‬ ‫وا�ستخدموا ال���س�لاح �ضد ال�سلطة و�ضد من حق �أي واح��د �أن يت�ساءل عما �إذا كان املربع ال�سلفي‪ ،‬الذي �أ�صبح ي�ضم �أكرث من الأن���ص��ار وامل��ري��دي��ن‪ .‬ولأن�ن��ا ال نعرف على و�أن ي�ستنفروا �أن�صارهم لالحتجاج على عدم‬ ‫معار�ضيهم‪� .‬إال �أن ذلك يعد اختالفا فى درجة �أولئك املزايدون واحلمقى يف م�صر جماعة ح��زب و�أك�ث�ر م��ن جبهة وع ��ددا غ�ير معلوم وج��ه ال��دق��ة طبيعة �أو ح ��دود خ��رائ��ط ذلك ذكر �أحكام ال�شريعة والن�ص على مرجعية‬

‫املبادئ وحدها يف الد�ستور‪ .‬وهى �سذاجة‬ ‫تعرب عن طفولة �سيا�سية ت�صور �أ�صحابها‬ ‫�أن ت�سجيل امل�صطلح ��ض��ام��ن ب�ح��د ذاته‬ ‫لتطبيق ال�شريعة‪ .‬يف حني �أن اجلميع يرون‬ ‫دوال زايدت على غريها يف التم�سك بحرفية‬ ‫ون�صو�ص ال�شريعة حتى طبقت احلدود‪،‬‬ ‫لكنها غيبت و�أه��درت �أه��م مبادئها املتمثلة‬ ‫يف ال �ع��دل واحل��ري��ة وامل �� �س��اواة واحلفاظ‬ ‫على كرامة اخللق وغ�ير ذل��ك من املقا�صد‪.‬‬ ‫ولي�س خافيا على �أحد �أن �إثارة معركة حول‬ ‫امل�صطلح وح�شد مليونية لأجل تغيري الكلمة‬ ‫دون �أن يتم التوافق الوطني عليها‪ ،‬يعطل‬ ‫امل���س�يرة وي�شتت املجتمع ويفتعل خالفا‬ ‫و�شقاقا ال لزوم له‪.‬‬ ‫�إنني �أخ�شى �أن يكون منطق اختزال التدين‬ ‫ف��ى اللحية واجل�ل�ب��اب الق�صري وامل�سواك‬ ‫والنقاب‪ ،‬هو نف�سه الذي يكمن وراء اختزال‬ ‫تطبيق ال�شريعة يف كلمة �أو عبارة تو�ضع‬ ‫يف الد�ستور‪ .‬ذل��ك �أن ال��ذي يختزل التدين‬ ‫يف مظهر ال ي�ستغرب من �أن يختزل تطبيق‬ ‫ال�شريعة يف ن�ص مكتوب‪.‬‬ ‫�إن �ن��ي �أح���ذر م��ن ه��و���س �أغ �ل��ب ال�سلفيني‬ ‫بال�صراع �ضد ال�شيعة‪ .‬و�أذك��ر ب��أن الق�ضية‬ ‫لي�ست مثارة يف م�صر من الأ�سا�س‪ ،‬رغم ما‬ ‫يقال عن انت�ساب ب�ضع ع�شرات �إىل املذهب‬ ‫اجلعفري‪ .‬و�أذكر ب�أن �أعداء الأمة ي�ستهدفون‬ ‫اجلميع وال يفرقون بني ال�سنة وال�شيعة‪،‬‬ ‫و�أن معركة الأمة احلقيقية هي �ضد االحتالل‬ ‫الإ�سرائيلي والهيمنة الأمريكية ولي�ست �ضد‬ ‫ال�شيعة �أو �إيران‪� ،‬أيا كانت خالفاتنا معهما‪.‬‬ ‫�إن لدينا وطنا نريد �أن نداوى جراحه لكي‬ ‫يتعافى ويحقق حلمه يف التطلع �إىل م�ستقبل‬ ‫�أف�ضل‪ ،‬ولدينا �أم��ة مزقت مبا فيه الكفاية‪،‬‬ ‫وع�ل��ى ال�ع�ق�لاء �أن يبحثوا ك�ي��ف يلملموا‬ ‫�أ�شتاتها ال �أن يعمقوا جراحها ويجه�ضوا‬ ‫�أحالمها‪ .‬ومهام من ذلك القبيل حتتاج �إىل‬ ‫عقول واعية وقلوب كبرية‪ ،‬و�أرجو �أن يظهر‬ ‫من بني ال�سلفيني من يكون قادرا على حمل‬ ‫الأمانة مع غريهم من الوطنيني املخل�صني‪،‬‬ ‫بحيث يغدو جهدهم �إ�ضافة �إىل ر�صيد الوطن‬ ‫والأمة ولي�س خ�صما منه‪.‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.