طلعنا عالحرية / العدد 54

Page 1

‫حرية كرامة مواطنة‬

‫العدد ‪54‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعات السورية يف الخارج‬

‫نصار من دوما‪:‬‬ ‫أسامة ّ‬

‫ماذا نكتب بعد المجزرة؟‬

‫‪2015 / 8 / 21‬‬

‫بيان ضد منع حرية اإلعالم والرأي‬ ‫في المناطق المحررة‬

‫في حلب‬

‫مصنع إلنتاج‬ ‫آالت قتل محترفة‬

‫مجلس “العيش المشترك” في رأس العين‬ ‫ٌ‬ ‫محاولة لترسيخ أخوة الشعوب‬ ‫سري كانيه‬ ‫مقاالت‬ ‫الطريق نحو سوريا القادمة‬ ‫الحمادي‪ ..‬صخرة دمشق التي ال تنكسر ‪..‬‬ ‫ناظم ّ‬ ‫االعتراف بـ «ذات الواقع»‪ ..‬طريقًا أوحد للحل‬

‫لوحة للفنّان عبد الرزاق شب ّلوط‬

‫ّ‬ ‫شبلوط‪ ،‬معرضه‪،‬‬ ‫عبد الرزاق‬ ‫الثورة‪ ،‬اللجوء‪ ،‬وأشياء أخرى‬


‫‪2‬‬

‫ماذا نكتب بعد المجزرة؟‬ ‫أسامة نصّار‬

‫العدد ‪2015 / 8 / 21 - 53 -‬‬

‫من أين تبدأ الكتابة عن املجزرة؟‬ ‫من حصيلة ضحاياها؟ من عدد الغارات؟ من نوع السالح‬ ‫املستخدم (كياموي أم فيزيايئ أم جهنّمي)؟ من عدد‬ ‫الجرحى وعدد من ُبرتت أطرافهم؟ من عدد البيوت التي‬ ‫خ ّربت (مادياً أو معنوياً أو كليهام)؟ من تزامنها مع الذكرى‬ ‫السنوية الثانية ملجزرة سابقة يف نفس املكان‪ ،‬والذكرى‬ ‫الثالثة ملجزرة أيضاً تسبق السابقة إىل الغرب من هذا‬ ‫املكان؟‬ ‫ً‬ ‫وملاذا أصال ‪-‬وملن‪ -‬تكتب عن مجزرة ليست األوىل ولن‬ ‫تكون األخرية (يوجد بال ّ‬ ‫شك ما ّ‬ ‫يدل عىل ذلك)؟‬ ‫بالقياس عىل املجازر السابقة فإن غاية طموح الشعب‬ ‫السوري ‪-‬بعد اإلدانة والشجب (والذهول هذه املرة)‪ -‬هي‬ ‫تسليم الطائرة النفاثة التي قامت باملجزرة!‬ ‫ثم‪ ..‬كيف توصل أي فكرة ملن ال يريد أن يستقبلها؟ أو ملن‬ ‫يفهم ما يريد هو مهام كان ما قلته أنت؟‬ ‫نقول‪“ :‬من الواضح أن بنك األهداف عند قوات النظام‬ ‫محدّد بدقة‪ّ .‬‬ ‫فكل اإلصابات مؤكدة مئة يف املئة‪ .‬لدرجة أن‬ ‫يقع الصاروخ يف الغارة الثانية بنفس املكان الذي وقع فيه‬ ‫سابقه يف الغارة األوىل؛ كام يف أساطري زورو وروبني هود؛‬ ‫حني يشطر السهم الثاين عو َد السهم األول‪ .‬ليس هذا طبعاً‬ ‫مدحاً ملهارة الطيار (أو رمبا الصاروخ الذيك!)‪ .‬فالعار الذي‬ ‫يج ّلله ال تغطي عليه أي مهارة”‪.‬‬ ‫ويف رواية أخرى‪“ :‬نعم‪ ..‬بالتأكيد‪ ..‬غارات الطريان الحريب‬ ‫يف دوما عىل أكرب سوق شعبي مزدحم بالفقراء والخرضجية‬ ‫هي ر ّد عىل محاولة استهداف قوات معارضة من داخل‬ ‫الغوطة (تخرج ضدّها مظاهرات باملناسبة) ملقرات أمنية‬ ‫يف دمشق… دمشـقه هو!‪ ..‬بل إنها ر ّد عىل محاولة اقتحام‬ ‫أحد القطع العسكرية الجامثة عىل طرف الغوطة لتصليها‬ ‫بنريان املدافع والصواريخ ليل نهار‪ .‬اضطر النظام للرد‪ .‬هو‬ ‫ال يريد قتل الناس‪“ ..‬وهل هناك حكومة تقتل شعبها؟!”‬ ‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬

‫كلمة‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫رئيس التحرير ‪ :‬ليىل الصفدي‬ ‫هيئة تحرير‬ ‫نصار‬ ‫طلعنا عالحرية معاون رئيس التحرير ‪ :‬أسامة ّ‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫محررون‬ ‫أوس املبارك ‪ -‬أبو القاسم السوري‬

‫محرر القسم الكوردي‬ ‫مريال بريوردا‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫بالكالم عن الضحايا ومن غري أرقام‪ :‬هناك شهداء‬ ‫تم توثيقهم باالسم‪ ،‬شهداء مجهولو الهوية‪ ،‬جثث‬ ‫مشوهة‪ ..‬و… أكوام كبرية من األشالء!‬

‫‪2015 / 8 /21‬‬

‫ورد يف شهادة أدىل بها طبيب من املكتب الطبي‬ ‫املوحد يف الغوطة الرشقية لطلعنا عالحرية‪“ :‬مل‬ ‫ّ‬ ‫تستطع النقاط الطبية يف دوما استيعاب الجرحى‬ ‫فتم نقل جزء منهم لباقي املشايف والنقاط الطبية‬ ‫ّ‬ ‫يف الغوطة‪ .‬بعضهم استشهد هناك‪ .‬يف دوما وحدها‬ ‫افتتحت تسع قاعات عمليات بنفس الوقت‪ .‬بعض‬ ‫الزمالء اضطروا إلجراء جراحات عىل طاوالت‬

‫‪3‬‬

‫العدد ‪- 54 -‬‬

‫غريبون نحن! النظام املسكني يتعرض ملؤامرة‬ ‫كونية ويدافع عن نفسه‪ .‬هكذا من دون سابق‬ ‫ترصد‪ ،‬وجد نفسه مجرباً أن يقصف يف يوم واحد‬ ‫ّ‬ ‫تغص بالكادحني‬ ‫أربعة أسواق شعبية يف الغوطة‪ّ ،‬‬ ‫واألطفال والشحاذين يف كل من سقبا وحمورية‬ ‫وكفربطنا ودوما‪ ،‬بعد يوم من قصف سوق يف إدلب‬ ‫وقبل يوم من قصف سوق يف درعا‪ ..‬وقبل أربعة‬ ‫أيام من معاودة قصف نفس السوق يف دوما‪ .‬كلها‬ ‫مصادفات! أو أن األهداف كانت مواقع عسكرية‬ ‫لكن الصواريخ والقذائف أصابت ‪-‬بالخطأ‪ -‬أماكن‬ ‫تج ّمع املدنيني”‪.‬‬

‫مؤقتة يف املمرات بني غرف العمليات‪ ،”..‬ويتابع‪:‬‬ ‫“أعطيك مثاالً لتتخيل حجم العمل يف يوم واحد‪:‬‬ ‫منذ حوايل ‪ 7‬أو‪ 8‬أعوام حدث زلزال يف تركيا‪ .‬كان‬ ‫عدد الجرحى مامث ًال ملا هو عندنا (أكرث من ‪500‬‬ ‫جريح) لكن كل الدولة الرتكية استنفرت‪ ،‬وهي‬ ‫غري محارصة‪ ،‬وجاءتها مساعدات من عدة دول‪:‬‬ ‫طائرات مبشاف ميدانية مجهزة بالكامل‪ ،‬مع‬ ‫*********‬ ‫ً‬ ‫أطقمها الطبية واللوجستية وأطباء من مختلف يف اليوم التايل الستهداف السوق أيضا استمر‬ ‫التخصصات‪ .‬ثم يع ّقب الطبيب‪“ :‬الرضبة اليوم القصف‪ ،‬بالطائرة الحربية وباملدافع والصواريخ‪.‬‬ ‫أسوأ من رضبة الكياموي بدرجات”‪.‬‬ ‫يف املساء يقول أحد املسعفني‪( :‬الحمد لله‪ ..‬اليوم‬ ‫فقط خمسة شهداء)!‬ ‫ليس بعيداً عن الطبيب الذي أنهكه التعب النفيس‬ ‫رمبا أكرث من الجسدي‪ ،‬خاصة بعد أن أجرى يف يزيد املصيبة أن تستطلع آراء املحللني فيها‪ ،‬فرتى‬ ‫يومني ثقيلني عمليات جراحية بعدد ما يجريه أن املجزرة أيضاً ‪-‬كام كل حدث‪ -‬هي فرصة‬ ‫زميل له يف سنة!‬ ‫لكل ذي رأي للتدليل عىل صواب رأيه؛ “النظام‬ ‫وصل الرجل النقطة الطبية ليتربع بالدم‪ ،‬وجد استعاد حيويته والقبول الدويل به‪ ،‬فاطأمن فازداد‬ ‫امرأة عىل باب النقطة تحتضن شيئاً وتولول‪ ..‬وحشية” إىل‪“ :‬النظام يف أضعف حاالته‪ ،‬ما نراه هو‬ ‫أجابت بشتيمة ‪-‬له ولجاللة املذكورين‪ -‬عىل التخبط األخري للوحش الجريح اليائس”‪ .‬إىل من‬ ‫طلباته لها‪“ :‬صيل عىل النبي يا أختي” أو “وحدي يد ّلل باملجزرة عىل عدم وجود إله قادر خلق هذا‬ ‫الله يا حرمة”‪ ،‬فشتمها بدوره وزجرها‪ .‬فسكتت‪ .‬الكون ويعرف كل ما يدور فيه‪ .‬مقابل من يجد‬ ‫انكشف اللحاف عن ما يف يدها لريى طف ًال ميتاً‪ .‬أنها م ّد الخالق للظاملني وامتحان آخر للمؤمنني‪.‬‬ ‫حوقل واستغفر‪ ،‬وعاد يحدثها‪:‬‬ ‫ “خري يا أختي؟”‬‫من الفضائل القليلة للحصار وغياب الكهرباء‬ ‫ “ابني!‪ ”..‬وعادت للعويل والرصاخ‪ .‬سحبه من واالتصاالت أنها تعفي املفجوعني يف دوما اليوم من‬‫يدها فناولته إياه‪ ،‬لكنها بعد لحظة عادت وض ّمت قراءة آراء املحللني واستنتاجاتهم عن سبب هذه‬ ‫الطفل إىل صدرها وطمرت رأسها وغابت فيه‪.‬‬ ‫املجزرة أو توقعاتهم عن مفاعيلها‪.‬‬

‫حصة بغريها‪ ،‬وملا عاد رآها تقول‪“ :‬خذوين‬ ‫انشغل ّ‬ ‫ً‬ ‫لبيتي”‪ .‬بادر مجددا‪“ :‬وين بيتك أختي؟ أنا‬ ‫أوصلك”‪ .‬وهو يؤمنها يف سيارة شهم آخر سمعها‬ ‫تندب من جديد‪“ :‬شو بدي قول لزوجي؟ قال يل ال‬ ‫تاخدي الولد معك عالسوق”!‬

‫بعدسة بسام الحكيم‬

‫كلمة‬


‫‪24‬‬

‫بيان ضد منع حرية اإلعالم والرأي‬ ‫في المناطق المحررة‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪2015 // 88 // 21‬‬ ‫‪2 - 54‬‬

‫يف ظل ارتفاع وترية االنتهاكات بحق اإلعالم السوري‬ ‫الجديد يف املناطق املحررة‪ ،‬ويف أعقاب إقدام إدارة‬ ‫معرب باب الهوى التابعة لحركة أحرار الشام اإلسالمية‬ ‫عىل مصادرة وإتالف آالف النسخ من األعداد األخرية‬ ‫ملجلة طلعنا عالحرية وصحيفتي صدى الشام‪ ،‬وكلنا‬ ‫سوريون؛ ومنع دخولها إىل األرايض السورية بحجة‬ ‫أن فيها مواد تيسء للثورة والثوار‪ ،‬و َّقع عدد من‬ ‫املنظامت الحقوقية ومنظامت حرية اإلعالم وكتّاب‬ ‫وصحفيون وناشطون ثوريون عىل بيان مشرتك ضد‬ ‫منع حرية اإلعالم والتعبري يف املناطق املحررة من‬ ‫سوريا‪.‬‬ ‫ووصف البيان هذا العمل بأنه منايف ألبسط حق‬ ‫خرجت من أجله الثورة السورية‪ ،‬وهو حق التعبري‬ ‫عن الرأي‪ ،‬واعترب املوقعون أن ما قامت به إدارة‬ ‫املعرب هو استمرار لسياسة تكميم األفواه التي‬ ‫مارسها النظام طيلة أكرث من أربعني عاماً‪.‬‬ ‫كام دعا البيان إدارة املعرب وكافة اإلدارات العاملة‬ ‫يف املناطق املحررة إىل إعادة النظر مبامرساتها تجاه‬ ‫حرية الرأي‪ ،‬خصوصاً أن املواد التي تم منع األعداد‬ ‫بسببها ال تحتوي عىل معلومات رسية عسكرية‬ ‫تخص وضع جبهات القتال ضد «داعش» أو نظام‬ ‫األسد‪ ،‬كام دعا كافة املنظامت املعنية والناشطني‬

‫والكتاب إىل إعالن تضامنها من أجل رفع الصوت ضد هذه اإلجراءات التعسفية التي تنذر بحارض ومستقبل‬ ‫سيئ الحال إن تم السكوت عنها»‪.‬‬ ‫وقد وقع عىل البيان أكرث من ‪ 40‬منظمة حقوقية ومؤسسة إعالمية سورية إىل جانب أكرث من مائتني من النشطاء‬ ‫والصحفيني والكتّاب من سوريا ولبنان وفلسطني‪.‬‬ ‫فيام ييل نص البيان‪:‬‬

‫استمراراً لسياسة تكميم األفواه التي مارسها‬ ‫علينا النظام طيلة أكرث من أربعني عاماً‪ .‬ونؤكد‬ ‫عىل أن االختالف يف الرأي يستوجب الرد عليه ال‬ ‫منعه أو إلغاءه‪ ،‬وأن هذا املنع ييسء ألصحابه ال‬ ‫ألي أحد آخر‪ .‬وندعو إدارة املعرب وكافة اإلدارات‬ ‫العاملة يف املناطق املحررة إىل إعادة النظر حول‬ ‫منع حرية الرأي‪ ،‬خصوصاً أن املواد التي تم منع‬ ‫األعداد بسببها ال تحتوي عىل معلومات رسية‬ ‫عسكرية تخص وضع جبهات القتال ضد داعش‬ ‫أو نظام األسد‪.‬‬ ‫وندعو كل املنظامت املعنية والناشطني والكتاب‬ ‫إىل التضامن معنا إليصال صوتنا ضد هذه‬ ‫اإلجراءات التعسفية التي تتكرر دوماً وتنذر‬

‫يف خطوة ليست األوىل من نوعها‪ ،‬قامت إدارة‬ ‫معرب باب الهوى – الواقع بني تركيا واألرايض‬ ‫السورية املحررة شامالً – التابعة لحركة أحرار‬ ‫الشام اإلسالمية مبنع دخول األعداد التي تخص‬ ‫ك ًال من املجالت والصحف التالية‪ :‬صدى الشام‪،‬‬ ‫طلعنا عالحرية‪ ،‬كلنا سوريون؛ بحجة أن فيها‬ ‫مواد تيسء للثورة والثوار‪ ،‬كام قامت مبصادرتها‬ ‫وإتالفها‪.‬‬ ‫إننا املوقعني أدناه‪ ،‬من منظامت حقوق اإلنسان‬ ‫ومنظامت حرية اإلعالم والتعبري‪ ،‬وإدارات‬ ‫صحف ومجالت‪ ،‬وكتّاب وناشطني ومعارضني‬ ‫لنظام األسد؛ نستنكر هذا العمل املنايف ألبسط‬ ‫حق خرجت من أجله الثورة السورية‪ ،‬وهو حق‬ ‫التعبري عن الرأي‪ .‬ونعترب ما قامت به إدارة املعرب بحارض ومستقبل سيئَي الحال إن تم السكوت عنها‪.‬‬

‫بيانات‬ ‫لقاءات‬


‫أكاديمية عبد الرزاق العسكرية ‪..‬‬ ‫مصنع إلنتاج آالت قتل محترفة‬

‫‪5‬‬

‫عمر العبد اهلل‬

‫العدد ‪2015 / 8 / 21 - 53 -‬‬

‫من العمر ‪ 15‬عاما‪ ،‬فيقول أنه احرتف استخدام‬ ‫الكالشنكوف ‪ AK47‬بعد أقل من شهر عىل‬ ‫التدريب‪“ :‬بعد أقل من شهر‪ ،‬رصت أحسن طالب‬ ‫بني طالب األكادميية‪ ،‬كان الرقيب عبد الرزاق‬ ‫يقول يل دامئا يجب أن تتعلم استخدام القناصة‬ ‫فرصاصتك ال تخيب‪ ،‬املشكلة يف القناصة بالنسبة‬ ‫إيل أنها كانت ثقيلة ومل أستطع السيطرة عليها‪،‬‬ ‫أما الكالشنكوف فأصبح كاللعبة يف يدي وكأين‬ ‫ألعب واحدة من ألعاب الكومبيوتر القتالية”‪.‬‬ ‫يروي لنا عمر تفاصيل التدريبات التي شارك فيها‬ ‫يف األكادميية بحضور شقيقيه االكربين عامر ‪36‬‬ ‫عاما‪ ،‬كان يعمل نجارا قبل التحاقه بلواء التوحيد‪،‬‬ ‫وعمران ‪ 32‬عاما كان يعمل حدادا قبل انضاممه‬ ‫أيضا اىل لواء التوحيد‪ .‬يقول عمر‪“ :‬يف البداية‬ ‫كانت التدريبات كلها رياضية كتسلق سور مرتفع‬ ‫والقفز خالل النريان‪ ،‬بعد انتهاء األسبوع الثاين بدأنا‬ ‫نتدرب عىل طريقة فك وتركيب كل من املسدس‬ ‫والكالشنكوف‪ ،‬خالل ذلك األسبوع كنت أشعر أنني‬ ‫أصبحت جاهزا لاللتحاق بجبهات القتال‪ ،‬لكن‬ ‫الرقيب عبد الرزاق كان دامئا يقول لنا إنه لن يسمح‬ ‫لنا بااللتحاق بأي تنظيم أو جبهة قتال إال بعد‬ ‫انتهاء التدريب كامال‪ ،‬يف األسبوع الرابع أصبحت‬ ‫أفضل من يستخدم الكالشنكوف رغم وزنه الثقيل‪،‬‬ ‫كنت قادرا عىل إصابة ‪ 26‬هدفا من أصل ‪ ،30‬كان‬ ‫الرقيب عبد الرزاق يهتم يب بشكل خاص ألنني‬ ‫كنت األفضل حسب قوله‪ ،‬يف الشهر الثاين بدأت‬ ‫بالتدرب عىل استخدام السكني يف االشتباكات‬ ‫املبارشة‪ ،‬مل أعد أخاف من رؤية الدم‪ ،‬أصبح االمر‬ ‫عاديا بالنسبة إيل‪ ،‬أريد االلتحاق بلواء التوحيد أو‬ ‫أن أذهب اىل حلب للقتال هناك يف جبهة صالح‬ ‫الدين أو جبهة العامرية‪ ،‬لكن أمي ما زالت ترفض‪،‬‬

‫ما زالت تظن أنني طفل وأنني يجب أن أكون يف‬ ‫املدرسة وليس عىل الجبهة‪ ،‬ال أدري كيف ستسمح‬ ‫يل بالذهاب‪ ،‬رمبا يجب عيل الفرار من املنزل”‪.‬‬ ‫والدة عمر‪ ،‬السيدة خدوج ‪ 57‬عاما‪ ،‬تقول إن أش َّقاء‬ ‫عمر هم من يتحملون مسؤولية الزج بعمر يف هذه‬ ‫األكادميية‪“ :‬أوالدي هم من قاموا بتسجيله يف هذه‬ ‫األكادميية‪ ،‬من أجل االنتقام لعائلتنا التي فقدت‬ ‫ما يقارب ‪ 9‬أشخاص يف قصف النظام للمنطقة‪،‬‬ ‫أخىش أن يقوم أحد ما باستهداف املدرسة ويقتل‬ ‫عمر يف هذا الهجوم‪ ،‬هام االثنان – تشري اىل ولديها‬ ‫الكبريين عامر وعمران – يتحمالن مسؤولية ما‬ ‫سيحصل له‪ ،‬كنت أريده أن يتابع تعليمه لكنهام‬ ‫دفعاه اىل تعلم مامرسة القتل‪ ،‬أنا إنسانة أمية ال‬ ‫أقرأ وال أكتب‪ ،‬لكن إحسايس ال يخيب‪ ،‬من سيوقف‬ ‫هؤالء االطفال بعد أن يتحولوا اىل قتلة محرتفني‪،‬‬ ‫اعتادوا مشاهد املوت والدم واالشالء‪ ،‬لن يتمكن‬ ‫أحد من إيقافهم‪ ،‬سيكونون خطرا عىل الجميع”‪.‬‬ ‫بدون مباالة يغادر كل من عامر وعمران الجلسة‬ ‫متجاهلني حديث والدتهم‪.‬‬ ‫ال تعاين أكادميية عبد الرزاق كثريا للحصول عىل‬ ‫طالبها‪ ،‬فااللتحاق بها مجاين بالكامل‪ ،‬ويجب‬ ‫عىل عائلة الطفل أن تقوم بتسجيله‪ ،‬فاألكادميية‬ ‫ترفض التحاق طفل بها دون موافقة عائلته‪ ،‬وعدد‬ ‫املنتسبني إىل األكادميية يزداد يوما بعد يوم‪ .‬ال‬ ‫تحتاج األكادميية إىل متويل‪ ،‬فهي تعمل ساعتني‬ ‫فقط كل يوم‪ ،‬واألسلحة التي يتدرب عليها األطفال‬ ‫متوفرة بكرثة يف األسواق‪ ،‬ويف كثري من الحاالت‬ ‫يحرض الطفل سالحه معه من املنزل‪ ،‬حيث تقوم‬ ‫العائلة بتأمني السالح لطفلها املقاتل‪ ،‬أو عن طريق‬ ‫إحدى الفصائل املقاتلة رشط التحاق الطفل بهذا‬ ‫الفصيل فور انتهائه من التدريب‪.‬‬

‫لقاءات‬

‫مل يعد يخفى عىل أحد قيام أطراف الرصاع يف‬ ‫سوريا بتجنيد األطفال‪ ،‬سواء الفصائل املعارضة‬ ‫أو امليليشيات املؤيدة للنظام‪ ،‬كال الطرفني‬ ‫اعتمد عىل تجنيد االطفال لتوفري املوارد‬ ‫البرشية املطلوبة‪.‬‬ ‫يف منطقة احتيمالت شامل رشق مدينة حلب‪،‬‬ ‫أنشأ الرقيب املنشق عن الجيش السوري عبد‬ ‫الرزاق أكادمييته العسكرية لتدريب األطفال‬ ‫عىل القتال‪ ،‬يف مدرسة مهجورة يف البلدة‬ ‫الصغرية التي ال يتجاوز تعداد سكانها ‪3500‬‬ ‫نسمة وتخضع لسيطرة الجبهة الشامية‪ .‬أطلق‬ ‫عبد الرزاق عىل مدرسته اسم أكادميية عبد‬ ‫الرزاق العسكرية‪ ،‬ويركز عبد الرزاق عىل ضم‬ ‫األطفال والشباب ألكادمييته‪ ،‬ويتلقى األطفال‬ ‫يف األكادميية ساعتني من التدريبات العسكرية‬ ‫يوميا‪.‬‬ ‫األكادميية تضم يف صفوفها حاليا ما يقارب ‪150‬‬ ‫متدربا غالبيتهم من األطفال‪ ،‬يسعى عبد الرزاق‬ ‫اىل تحويلهم اىل آالت قتل متنقلة حسب قوله‪.‬‬ ‫رفض عبد الرزاق الحديث إلينا بشكل مبارش‬ ‫حول مدرسته عىل الرغم من افتخاره الشديد‬ ‫“بإنجاز عمره” حسب وصفه‪ .‬يف املنطقة‬ ‫تحدثنا اىل سكان املدينة الذين التحق أبناؤهم‬ ‫بأكادميية عبد الرزاق العسكرية‪.‬‬ ‫أبو أحمد‪ ،‬يف الخامسة والخمسني من عمره‬ ‫ميلك دكاناً للبقالة يف البلدة‪ ،‬روى لنا ملاذا أرسل‬ ‫اصغر أبنائه سعيد ‪ 14‬عاما اىل أكادميية عبد‬ ‫الرزاق العسكرية‪“ :‬عندي أربعة أوالد ذكور‬ ‫وثالث بنات‪ ،‬أوالدي الذكور استشهدوا جميعا‬ ‫يف املعارك مع النظام ومع داعش‪ ،‬سعيد أصغر‬ ‫أوالدي‪ ،‬ال مدرسة تؤويه‪ ،‬من االفضل له التدرب‬ ‫عىل استخدام السالح وااللتحاق بإحدى فصائل‬ ‫الجيش الحر‪ ،‬قبل أن تدخل داعش اىل املدينة‬ ‫ويساق إبني إىل اإلعدام‪ِّ ،‬‬ ‫أفضل أن أراه عىل‬ ‫الجبهات بدال من املنزل أو السجن”‪ .‬بينام‬ ‫أم أحمد ‪ 49‬عاما وهي ربة منزل‪ ،‬تخالف‬ ‫زوجها بالكامل حول التحاق سعيد باألكادميية‬ ‫العسكرية يف البلدة‪ ،‬تقول أم أحمد “عبد‬ ‫الرزاق شخص مجنون يجب منعه من تجنيد‬ ‫االطفال‪ ،‬إنهم أطفال وهو يتفاخر بأنه سيجعل‬ ‫منهم قتلة محرتفني‪ ،‬ال أدري ما هو اليشء‬ ‫العظيم الذي يحبه زوجي يف هذه االكادميية؟‬ ‫ال زلت ال أفهم كيف ميكن ألب أن يرسل طفال‬ ‫يف الرابعة عرش من عمره ليصبح آلة قتل؟”‪.‬‬ ‫ينتهي حديثنا مع العائلة بشجار بني أبو أحمد‬ ‫وزوجته حول أكادميية عبد الرزاق‪.‬‬ ‫أما عمر وهو طالب يف اإلعدادية ويبلغ‬


‫‪6‬‬

‫الطريق‬ ‫نحو سوريا القادمة‬ ‫ماهر مسعود‬

‫العدد ‪2015 / 8 / 21 - 54 -‬‬

‫مقاالت‬

‫كلام كان عدد القوى املؤثرة يف الواقع أكرب‪ ،‬كلام‬ ‫كانت االمكانيات التي ميكن أن يؤول إليها ذلك‬ ‫الواقع أوسع وأعقد‪ ،‬والسيام عندما ال تكون الغلبة‬ ‫أو السيطرة املطلقة لقوة واحدة بعينها بني تلك‬ ‫القوى‪.‬‬ ‫ويف سوريا هناك دائرة كربى من القوى اإلقليمية‬ ‫والدولية املؤثرة واملتدخلة واقعياً‪ ،‬وهي قوى‬ ‫ذات مصالح متباينة ومتعارضة ومتناقضة معظم‬ ‫األحيان‪ .‬ويف مقابل تلك القوى الخارجية املؤثرة‪،‬‬ ‫هناك أيضاً دائرة أخرى من القوى املحلية‪ ،‬التي‬ ‫ال تقل رصاعاتها وتناقضاتها وتأثرياتها يف الواقع‬ ‫واملستقبل السوري عن تلك الخارجية‪ .‬وليس‬ ‫كل من النظام السوري أو داعش أو النرصة‪،‬‬ ‫أو حتى فصائل الجيش الحر‪ ،‬سوى التمثيالت‬ ‫الظاهرية األبرز عن تلك القوى املحلية‪ ،‬التي ال‬ ‫تكتمل دائرتها إال بإضافة القوة املدنية الكامنة‬ ‫للشعب السوري‪ ،‬وهي قوة ال يعني عدم بروزها‬ ‫إىل السطح‪ ،‬عىل طريقة القوى األخرى‪ ،‬أنها غري‬ ‫موجودة أو مؤثرة يف سري األحداث‪.‬‬ ‫ليك نفكر يف املآالت القادمة للدولة السورية‪ ،‬البد‬ ‫أوالً أن نستبعد غري املمكن‪ ،‬ولذلك نجد أن ما‬ ‫هو غري ممكن‪ ،‬ينحرص يف أمرين متناقضني ميثلهام‬ ‫مجازاً الغول والعنقاء‪ :‬ميثل الغول الخيار املستبعد‬ ‫األول‪ ،‬وهو عودة الدولة األمنية الشمولية التي‬ ‫صنعها األسد األول َّ‬ ‫وفضل الثاين إحراقها عىل‬ ‫أن يتخىل عن شموليتها‪ .‬ومتثل العنقاء الخيار‬ ‫الثاين‪ ،‬وهو الدولة املركزية الدستورية القامئة‬ ‫عىل الدميقراطية واملواطنة‪ ،‬تلك الدولة التي‬ ‫خرج الشعب السوري بتظاهراته السلمية حاملاً‬ ‫بتحقيقها‪ ،‬وعربت عنها شعارات الثورة السورية‬ ‫بأهدافها الرئيسة يف الحرية والكرامة والدولة‬ ‫املدنية الدميقراطية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يعرب هذين الخيارين عم هو مستبعد يف املدى‬ ‫املنظور‪ ،‬فحتى لو كانت إرادة النظام والقوى‬ ‫املتحالفة معه تتجه إىل استعادة دولة االستبداد‬ ‫العلامين الشمويل‪ ،‬أو كانت إرادة داعش والنرصة‬ ‫والقوى الداعمة لها أو املستفيدة منها تتجه نحو‬ ‫البديل اإلسالمي الشمويل‪ ،‬فإن أفضل ما ميكن لكل‬ ‫منها تحقيقه هو حرب أهلية بينية مستدامة‪،‬‬ ‫ممزوجة بحرب أخرى لكل من االستبدادين نحو‬ ‫“شعبهام”‪ ،‬دون أن ننىس أن الشعب السوري‬ ‫باملجمل مل يعد ميلك ما يخرسه بشكل حقيقي؛‬ ‫وبعد كل األمثان التي دفعها‪ ،‬سوى القيود‪.‬‬ ‫لكن باملقابل‪ ،‬فإن حلم الثورة السورية القائم‬

‫عىل الشعب السوري الواحد‪ ،‬والدولة املركزية‬ ‫الدميقراطية مل يعد قاب ًال للتحقيق يف املدى‬ ‫املتوسط عىل األقل‪ ،‬يف ظل الرشوخ الهائلة يف‬ ‫املجتمع السوري التي تركتها الدماء املسالة‪ ،‬ويف‬ ‫ظل الفرز الطائفي واالثني الذي عمقته الحرب‪،‬‬ ‫ويف ظل اإلرهاب العلامين الذي صنع إرهاباً إسالمياً‬ ‫يساويه يف الدرجة ويعاكسه يف االتجاه‪ ،‬ويف ظل‬ ‫الذاكرة التي امتألت مرويات ومظلوميات وقصص‬ ‫واقعية وخيالية عند كل طرف وكل طائفة‪ ،‬كثرية‬ ‫كانت أم قليلة‪ ،‬ويف ظل املصالح املتضاربة للقوى‬ ‫االقليمية والدولية املؤثرة‪.‬‬ ‫رمبا بات جلياً لكل متابع‪ ،‬أن الحراك السيايس‬ ‫والديبلومايس بعد االتفاق النووي بني الدول‬ ‫الكربى وإيران‪ ،‬أصبح أكرث جدية وأكرث حامساً‬ ‫إليجاد املخارج السياسية لألزمة السورية‪ .‬لكن‬ ‫مخرجاً سياسياً قامئاً عىل استعادة “الديكتاتورية‬ ‫الطائفية” التي مثلها النظام أو أشباهه اإلسالميون‬ ‫يف املقلب اآلخر‪ ،‬ليس مخرجاً بأي حال‪ ،‬إن مل‬ ‫يكن مدخ ًال لتوسيع الحرب خارج الحدود وضد‬ ‫الرغبة الدولية‪ ،‬كام أن مخرجاً سياسياً قامئاً عىل‬ ‫متكني ديكتاتورية وطنية‪ ،‬غري ممكن واقعياً لعدم‬ ‫وجود أي شخصية وطنية ُمج َمع عليها من قبل‬ ‫السوريني‪ ،‬أو حتى قابلة لإلجامع الوطني‪ .‬كام‬ ‫أن ح ًال سياسياً باعتامد الدميقراطية الوطنية يف‬ ‫دولة مركزية هو أيضاً خارج الحسبان كام أرشنا‬ ‫يف البداية‪ .‬ولذلك نرجح أن تتجه الحلول نحو‬ ‫نوع من “الدميقراطية التوافقية” يف دولة واحدة‬ ‫المركزية‪ .‬وإن كانت الدميقراطية التوافقية ترفع‬ ‫الطوائف واالثنيات إىل وحدات سياسية‪ ،‬وإىل حيز‬ ‫السياسة عىل الطريقة اللبنانية سيئة الصيت‪ ،‬إال‬ ‫أن أكرب املخاوف هو أن تؤدي الواقعية السياسية‬ ‫املعتمدة دولياً واملفروضة داخلياً إىل الدخول قرساً‬ ‫فيام نخاف منه ونخشاه ونؤجل الكالم فيه كام هي‬ ‫العادة‪ .‬ولذلك فإن نقاشاً هادئاً وعقالنياً وعلنياً‬ ‫البد أن يتناول هذا الخيار من بني خيارات أخرى‬ ‫مطروحة لسوريا املستقبل‪ ،‬ولكن بدل اللجوء‬ ‫الدائم لفروض األمر الواقع‪ ،‬أي نقاش الحدث بعد‬ ‫حصوله‪ ،‬نجد أن نقاشاً مس ّبقاً للممكنات من هذا‬ ‫النوع يغني التفكري السيايس ويوسع دائرة العمل‬ ‫السيايس مستقب ًال‪.‬‬ ‫السياسة الدولية واالقليمية خارج سوريا وتجاهها‬ ‫بدأت‪ ،‬يبقى أن تبدأ السياسة داخل سوريا‪ ،‬تلك‬ ‫التي لن تبدأ مهام طال الزمن‪ ،‬قبل رحيل هذا‬ ‫النظام‪.‬‬

‫االعتراف‬ ‫بـ «ذات الواقع»‪..‬‬ ‫طريقًا أوحد للحل‬ ‫فادي محمد‬ ‫بدراسات عديدة فيها من الجهد والضمري ما فيها‬ ‫توصل املفكر الياس مرقص مبرشوعه النقدي‬ ‫الكبري لكافة التيارات الفكرية والسياسية وكافة‬ ‫األحزاب اليسارية واليمينية منذ عرص النهضة‬ ‫العريب حتى نهاية القرن العرشين‪ ،‬توصل إىل أن‬ ‫هذه التيارات والتشكيالت عىل كل (اختالفاتها)‬ ‫نصبت لها إماماً‪ ،‬بالرغم من جهل أغلبيتهم‬ ‫قد َّ‬ ‫به‪ ،‬اال أنه قابع يف الذهن والروح‪ ،‬هو األسقف‬ ‫بركيل الغائب – الحارض بوعيهم وال وعيهم‪،‬‬ ‫اإلمام األسقف بريكيل أحد أهم رواد املثالية‬ ‫الذاتية صاحب املقولة األشهر التي تلخص‬ ‫قاعدته املعرفية (املحربة التي أمامي موجودة‬ ‫ألنني أراها)‪.‬‬ ‫وبالرغم من تشدق اليسار ليل نهار بالعلم‬ ‫واملادية وملحقاتهام‪ ،‬وتشدق اليمني بأن العامل‬ ‫حتى بأدق تفاصيله محكوم من الله تعاىل‬ ‫(وهذا اعرتاف مبوضوعية العامل) اال أنهام اليمني‬ ‫واليسار عىل مستوى الفعل والربامج السياسية‬ ‫والنظرية‪ ،‬وعىل مستوى خط النظر املعلن‬ ‫منهام والكم الهائل من البيانات‪ ،‬مل ميارسا‬ ‫اال شطحا للذات خارج حدودها وتخفيضا‬ ‫للموضوعية لدرجة اإللغاء‪ ،‬كام هو إمامهم‪،‬‬ ‫لنقل بالضبط مركزية األنا املشغولة بنفسها‬ ‫وطرفية الواقع املحيط بها‪.‬‬ ‫نحسن العامل)‬ ‫(كيف‬ ‫‪ - 1‬مبقدار ما هو السؤال‬ ‫ِّ‬ ‫مرشوعا وأخالقيا يف العمل العام للبرش‪ ،‬مبقدار‬ ‫ما هو فخ تقع فيه الذات غري القادرة عىل‬ ‫رؤية موضوعها‪ ،‬ويتفرع عىل يدها إىل أسئلة‬ ‫أخرى تكشف خط النظر الذي تعيشه (كيف‬ ‫نغري املجتمع‪ ،‬أو كيف نخرتق املجتمع أو كيف‬ ‫نؤثر فيه) مستغرقة بهذه التساؤالت وصوال إىل‬ ‫تذويت املجتمع يف داخلها‪ ،‬ويتم تحويله من‬ ‫كينونة لها روح وتاريخ اىل سذاجة (املجتمع هو‬ ‫مجموع أفراده) حيث يصبح الفعل عندها فعل‬ ‫دعوي (يصلح املجتمع بصالح أفراده)‪ ،‬محولة‬ ‫الفعل التاريخي العظيم (تحسني العامل) إىل‬ ‫(حصالة تجميع ألفراد ميلكون قناعة مشرتكة)‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إن فعل (تحسني العامل)‪ ،‬رشطه األول اإلقرار‬ ‫ذهنا وروحا ومسلكا مبوضوعية العامل‪ .‬اإلقرار‬

‫البقية في صفحة ‪... 13‬‬


‫الحرية واالزدهار‪:‬‬

‫أنور عباس‬

‫هل كانت‬ ‫سورية بخير؟‬

‫نور آدم‬

‫العدد ‪2015 / 8 / 21 - 54 -‬‬

‫مثة أسئلة يف هذا الزمن‪ ،‬واجب علينا البحث فيها‪ :‬هل سيعيد التاريخ‬ ‫نفسه؟ أم نطمح لتاريخ مختلف‪ ...‬تاريخياً لكل ثورة ثورة مضادة‪ ،‬هل‬ ‫ميكن تجنب هكذا كارثة؟‬ ‫رمبا‪ ...‬إذا عمل الفكر فعله‪ ،‬إذا بدأ العقل يحرض بحكمته‪...‬‬ ‫ضمن املستطاع واملمكن ال يوجد يف األفق سوى العودة للكلمة‪ ،‬كام قال‬ ‫السيد املسيح (يف البدء كانت الكلمة)‪ ،‬وعاد القرآن الكريم لذكرها باآلية‬ ‫الرشيفة‪( :‬قل يا أهل الكتاب تعالوا إىل كلمة سواء بيننا وبينكم‪ ،‬أال نعبد‬ ‫إال الله وال نرشك به شيئاً وال يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله‪ ،‬فإن‬ ‫تو ّلوا فقولوا اشهدوا بأ ّنا مسلمون)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هذه الكلمة تعود مؤكدة صيانة حريتها‪ ،‬انبثاقها‪ ..‬ال يعرف أربابا‪ ..‬إمنا‬ ‫يعرف عق ًال احرتمها واحرتم بها اإلنسان‪ ...‬تجد يف هذا العرص رصختها‬ ‫بحناجر الشعب السوري عندما ردد (حرية ‪ ..‬حرية) ‪ ..‬مبرشاً بوالدة مل‬ ‫يأت وقتها بعد فهي محاطة بكل اإلحباطات املمكنة لبقايا ظلمة تجسدت‬ ‫بظلم هذا الشعب‪ ،‬إن كان باستبداد النظام أو استبداد عقائد متطرفة‪.‬‬ ‫فليس االستبداد وقفاً عىل األنظمة فقط‪ ..‬إمنا من يزرع يف عقول وقلوب‬ ‫أبناء جلدته إرهاصات التعصب وبالتايل عدم قبول اآلخر لهو استبداد ال‬ ‫يقل خطراً عام هو معروف‪.‬‬ ‫فحقيقة الحرية نشاط ال يهدأ للناس واختيارات واعية تحكمها قيم‬ ‫اإلنسان‪ ،‬من أهم محطاتها املعرفية قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب‪:‬‬ ‫(متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟)‪ ..‬وصوالً إىل عرص‬ ‫األنوار بقول هيجل‪” :‬إن إرادة الحرية مرهونة بوعي الرضورة‪ ،‬فلسفياً”‬ ‫ليجسدها غاندي عندما أوقف ثورته حني رأى العنف قد بدأ‪ ،‬ألنه أي‬ ‫(العنف) ال ميكن أن يكون طريقاً لبزوغ شمس الحرية‪.‬‬ ‫عىل هذا األساس‪ ،‬علينا أن نعيد لهذه الكلمة التي كانت من أعامق روح‬ ‫الشعب السوري بداية الثورة‪ ،‬تجسيدها املعريف وتفعيلها يف نفوسنا كقيمة‬ ‫دامئة حقة‪ ،‬حتى يتالىش االستبداد الذي عشش تاريخاً طوي ًال يف أعامق‬ ‫نفوسنا‪ ،‬لنستحق عندها حقيقة هذه الكلمة‪ :‬نسيجاً ملجتمع سيتجاوز‬ ‫حتى أكرث املجتمعات املتقدمة التي ترفع راية الحرية‪ ،‬تلك البلدان املدعية‬ ‫التي ما زالت تساهم يف استعباد البلدان الفقرية باقتصاد اإلنسان الرقمي‬ ‫(املصلحي) البعيد إنسانياً عن تطوره الذايت‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬نبدأ بنفي كل القيم التي حملها النظام والجهات املتطرفة‬ ‫واملتعصبة دينياً فهام وجهان لعملة واحدة يف االستبداد‪.‬‬ ‫عندها بالنفي للعنف‪ ،‬نصنع حقيقة السالم يف الداخل‪.‬‬ ‫ومقابل االستكبار‪ ،‬يكون التواضع اإلنساين الراقي الذي يفتح صدره لكل‬ ‫اآلراء والخيارات البناءة‪.‬‬ ‫ومقابل االستغالل‪ ،‬محبة بعضنا البعض واعتبار نهوض اآلخر هو عينه‬ ‫نهوض لذاتنا‪..‬‬ ‫ومقابل السلطة‪ ،‬القبول بالتشارك يف صنع مستقبلنا ودخول العلم واملعرفة‬ ‫وكل التجارب الناجحة التي عاشتها شعوب سبقتنا يف معاناتها‪.‬‬ ‫ومقابل معادلة املصلحة فوق اإلنسان‪ ،‬يكون اإلنسان هو املنطلق والوسيلة‬ ‫والغاية النهائية‪ .‬فاملجتمع كله يكون معنياً بالفرد‪ ،‬والفرد بالتايل يكون‬ ‫معنياً باملجتمع كله‪.‬‬ ‫ذلك هو التجسيد املعريف لكلمة (الحرية) التي استشهدت عىل مذبحها‬ ‫أجمل الورود‪ .‬تفعيلها داخلنا سيكون الحامل الحقيقي للتغيري‪ ،‬بشهادة‬ ‫القرآن الكريم (إن الله ال يغري بقوم حتى يغريوا ما بأنفسهم)‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫مقاالت‬

‫يف اللغة العربية تغلب كلمة “الخري” عىل الكثري من معايداتنا‬ ‫وتحياتنا ومتنياتنا يف املناسبات ويف املواقف اليومية سواء‪ .‬والخري‬ ‫كلمة نشري بها إىل املواسم املاطرة التي تعود مبحصول وفري‪ ،‬فلها‬ ‫داللة اقتصادية كبرية دون شك‪ ،‬فنحن بخري إذا كنا مكتفني اقتصادياً‪،‬‬ ‫واملوسم خري إذا عاد بقمح يشبع البطون‪ ،‬لكن االكتفاء االقتصادي‬ ‫ال يكفي بالطبع وليس هو املعنى الوحيد للخري‪ ،‬فكرثة املال ووفرة‬ ‫الطعام مع غياب الصحة‪ ،‬وراحة البال‪ ،‬واالطمئنان واألمان ليست‬ ‫كافية‪ .‬فالخري مفهوم عميق‪ ،‬ووفرة الخري بكل وجوهه هي مصدر‬ ‫استقرار املجتمع وازدهاره‪.‬‬ ‫كان من السائد أن تعمل الحكومات عىل رفع سوية الدخل‪ ،‬وتطوير‬ ‫الصناعة‪ ،‬ودعم اإلبداع التقني لتحقيق التنمية الشاملة‪ ،‬بالطبع كان‬ ‫ذلك يرتافق بدعم التعليم وتطويره ألنه عامد تلك األمور جميعا‪.‬‬ ‫لكن الزمن تغري وأىت من يجادل بأن تحقيق االزدهار يف املجتمع ال‬ ‫يتم بتحقيق التنمية االقتصادية وحسب‪ ،‬بل إن االزدهار‪ ،‬وأعود هنا‬ ‫إىل مفهوم الخري‪ ،‬أبعد من ذلك‪ ،‬فاملجتمع الذي يخلو من الحريات‪،‬‬ ‫والتسامح والفرص االجتامعية ال ميكن له أن يحقق التنمية الكاملة‬ ‫واملستدامة التي توصله إىل االزدهار‪ ،‬حيث يعم الخري عىل الجميع‪.‬‬ ‫أىت أماريتا صن العامل والفيلسوف االقتصادي الهندي الشهري واألستاذ‬ ‫يف جامعة أوكسفورد الربيطانية والحاصل عىل جائزة نوبل يف االقتصاد‬ ‫وسعت مفهوم التنمية إىل ما وراء النمو االقتصادي‬ ‫بنظرية جديدة َّ‬ ‫ومؤرشاته املعتادة‪ ،‬وجاء يقول بأن التنمية هي توسيع للحريات‬ ‫القامئة التي عىل االنسان أن يتمتع بها‪ ،‬وقال بأن توسيع الحريات‬ ‫يجب أن يكون مرتكزا أساسيا للتنمية وليس هدفا لها وحسب‪ .‬وقال‬ ‫بأن تحقيق التنمية يتطلب التخلص مام يسميه الال حريات وأوردها‬ ‫يف مزدوجات مثرية لالهتامم‪ ،‬كالفقر واالستبداد‪ ،‬والحرمان االقتصادي‬ ‫واإلقصاء االجتامعي واملرافق العامة املرتدية وغياب التسامح بني‬ ‫الناس‪ ،‬فهو يربط هذه املفردات يف أزواج يراها متالزمة‪ ،‬فالتخلص‬ ‫من الفقر ال يتم بدون زوال الطغيان‪ ،‬واالكتفاء االقتصادي ال يثمر‬ ‫دون توفر الفرص االجتامعية للجميع‪.‬‬ ‫ربط أمارتيا صن التنمية بالحريات عىل نحو مل يسبق التطرق إليه‪،‬‬ ‫وناقش يف كتاب يعج باألفكار الجديدة املدعومة بالتحليل العلمي‬ ‫لحقائق ومعطيات اقتصادية كيف أن الحرية هي أساس من أسس‬ ‫التنمية وليست هدفا نهائيا لها‪ ,‬وبذلك ال ميكن تحقيق التنمية‬ ‫املستدامة يف أي مجتمع دون توفر خمسة أمور هامة هي‪ ,‬الحرية‬ ‫السياسية‪ ,‬املرافق االقتصادية املتاحة للجميع‪ ,‬الفرص االجتامعية‪,‬‬ ‫ضامنات الشفافية واألمن‪ .‬ورأى أن عىل مؤسسات الدولة جميعا‬ ‫وفصل كيف تقوم كل‬ ‫العمل نحو توسيع الحريات الفردية وتعزيزها‪َّ ،‬‬ ‫منها بهذا الدور وفقا لوظيفتها األساسية‪.‬‬ ‫وعليه فإن الحريات هي اتساع الخيارات أمام أفراد املجتمع يف‬ ‫االعتقاد السيايس‪ ،‬والعمل‪ ،‬والحصول عىل الرعاية الصحية والوصول‬ ‫إىل الفرص االقتصادية‪ ،‬ويرى صن بأن غياب الخيارات هو انعكاس‬ ‫لال حريات‪.‬‬ ‫ال تستطيع الدول الشمولية التي تقوم عىل منوذج سيايس واقتصادي‬ ‫واجتامعي أحادي تحقيق التنمية واالزدهار الذي تنشده الشعوب‬ ‫لنفسها‪ ،‬وال تستطيع الصمود أمام ديناميكيات التغيري الحتمي‪ .‬إن‬ ‫اتساع الحريات هو الباب األوسع ليعم الخري‪.‬‬

‫عود على بدء‬ ‫ٌ‬


‫‪8‬‬

‫ّ‬ ‫شبلوط‪ ،‬معرضه‪،‬‬ ‫عبد الرزاق‬ ‫الثورة‪ ،‬اللجوء‪ ،‬وأشياء أخرى‬

‫العدد ‪2015 / 8 / 21 - 54 -‬‬

‫افتتح الفنّان التشكييل السوري عبد الر ّزاق شب ّلوط‬ ‫َ‬ ‫الشخيص األ ّول‬ ‫يوم الجمعة ‪ 14-8-2015‬معرضه‬ ‫ّ‬ ‫–املستم ّر إىل اآلن‪ -‬يف قلعة مدينة (ديورن)‬ ‫األملان ّية ‪-‬املدينة التي د ّمرت الحرب أكرث من ‪90%‬‬ ‫مؤسسة هايرنش بول األملان ّية‬ ‫منها‪ -‬بدعوة من ّ‬ ‫التي استضافته يف بيت األديب األملاين “هايرنش‬ ‫بول” يف منحة تف ّرغ للرسم‪ ،‬أنجز فيها الكثري‬ ‫ملعرضه هذا‪ ،‬املعرض الذي حرضه عمدة املدينة‬ ‫وكثري من السور ّيني القادمني حدي ًثا إىل أملانيا‪،‬‬ ‫وفنّانون ومهت ّمون أملان وعرب‪ ،‬ويعرض عبد‬ ‫الرزاق شب ّلوط لوحاته الواقع ّية فقط وعددها ‪15‬‬ ‫لوحة تن ّوعت موضوعاتها واجتمعت يف سور ّيتها‪،‬‬ ‫اللوحات املفرطة بواقع ّيتها ص ّور فيها شب ّلوط‬ ‫تفاصيل سور ّية كثرية‪ ،‬ووجوهً ا سور ّي ًة‪ ،‬وكانت‬ ‫كأساس أصيل يف ثقافتنا‬ ‫الحر ّية حارض ًة كذلك‬ ‫ٍ‬ ‫السور ّية الجديدة‪ ،‬عىل هامش املعرض التقتْه‬ ‫“طلعنا عالحر ّية” وحاور ْته عن هذا املعرض‪.‬‬

‫كيف يع ّرف عبد الرزاق شب ّلوط بنفسه؟‬

‫بداي ًة؛ أشكر مج ّلة طلعنا عالحرية التي أتاحت‬ ‫يل هذه الفرصة للتواصل مع أهيل يف الداخل‬ ‫السوري واملخيامت املؤقتة وأحييهم من كل قلبي‪.‬‬ ‫رسام سوريّ ‪ ،‬ابن مدينة حمص‬ ‫باختصار شديد‪ :‬أنا ّ‬ ‫وريفها‪ ،‬درست ملدّة ست سنوات تقري ًبا يف مركز‬ ‫“صبحي شعيب” للفنون التشكيلية يف مدينة‬ ‫حمص‪ ،‬خ ّريج كلية الفنون الجميلة من جامعة‬ ‫دمشق‪.‬‬

‫يسأل كثريون باستغراب‪ :‬فنّان بهذه القدرة‬ ‫شخيص له؟‬ ‫الساحرة‪ ،‬ملاذا يكون هذا أ ّول معرض‬ ‫ّ‬

‫لقاءات‬

‫ظروف الحياة التي كنّا نعيشها يف سوريا بشكل‬ ‫عام‪ ،‬وفرض الخدمة اإللزام ّية يف الق ّوات املس ّلحة‬ ‫اضطرين ملغادرة سوريا إىل دولة اإلمارات بعد‬ ‫التخ ّرج مبارشة‪ ،‬وهناك قضيت تسعة أعوام‬ ‫ألستطيع تأمني (البدل النقدي) للخدمة اإللزامية‬ ‫ّ‬ ‫مم جعلني أعمل يف مجاالت بعيدة نوعًا ما‬ ‫عن اللوحة‪ .‬عدت إىل سوريا يف العام ‪ 2006‬إىل‬ ‫مجال العمل اإلعالين والدوام الطويل ّ‬ ‫مم اضطرين‬ ‫ً‬ ‫أيضا لالبتعاد كث ًريا عن التفرغ للوحة‪ ،‬ومنذ قيام‬ ‫الثورة السورية تركت العمل الوظيفي واكتسبت‬ ‫الخاصة للتف ّرغ‬ ‫الق ّوة يف دفع ثوريت الداخلية‬ ‫ّ‬ ‫للرسم‪ ،‬والرسم فقط‪ ،‬الثورة ألهبت مشاعر املاليني‬ ‫ودفعتهم لفعل ّ‬ ‫كل ما يف وسعهم مبا ميلكون أو‬ ‫يعرفون‪ ،‬وأنا كشخص ميلك موهبة الرسم رأيت أن‬ ‫واجبي الفطري واألخالقي هو التف ّرغ لعميل الذي‬ ‫أتقن ً‬ ‫دعم ومشارك ًة بهذه الثورة وح ًقا لوطني‬

‫رامي العاشق‪ -‬ألمانيا‬

‫ع ّ‬ ‫يل‪ ،‬وقلت يف نفيس ّإن نجاحي عىل الصعيد‬ ‫الشخيص هو نجاح لبلدي وألهيل ولثوريت‪،‬‬ ‫وتف ّرغت لهذا املرشوع مبساعدة ال ميكن إنكارها‪،‬‬ ‫أو لنقل‪ :‬لها كل الفضل وهي زوجتي ورشيكتي يف‬ ‫الحياة‪ ،‬وها أنا أقيم معريض األول من خالل كتفها‬ ‫الذي أسند رأيس عليه دامئًا‪.‬‬

‫ترسم عدّة اتجاهات فن ّية وبعدّة تقن ّيات‬ ‫َ‬ ‫حصدت شعب ّية عالية‬ ‫ومواد‪ ،‬ملاذا تظنّ أ ّنك‬ ‫خاصة عىل مواقع التواصل بلوحاتك الواقعية‬ ‫تحديدًا؟‬

‫يف الحقيقة؛ هناك تقصري كبري يف ثقافتنا البرص ّية‬ ‫عىل املستوى الجامهريي‪ ،‬وقد اعتاد الناس عىل‬ ‫الواقعي أكرث من غريه من املدارس‬ ‫تق ّبل الفنّ‬ ‫ّ‬ ‫لقربه من إدراكهم األ ّول ومفهومهم البسيط‬ ‫انتقاصا لهم‪،‬‬ ‫عن التشكيل‪ ،‬وهذا ليس ذ ًّما وال‬ ‫ً‬ ‫مؤسسات املجتمع‬ ‫إ ّنه فقط توصيف لتقصري ّ‬ ‫ّ‬ ‫التعليم ّية بهذا الخصوص‪ ،‬ولهذا نجد أن معظم‬ ‫الرشائح االجتامع ّية وبكا ّفة مستويات تعليمها‬ ‫تتفاعل مع اللوحة الواقع ّية أكرث من تفاعلها مع‬ ‫اللوحات األخرى‪ ،‬بينام النخبة فقط واملهت ّمون‬ ‫هم من يستطيعون قراءة اللوحة بشكل أعمق‪.‬‬

‫الواقع ّية التي هي عنوان معرضك وسمته‬ ‫العا ّمة‪ ،‬تدرسونها يف الجامعة بالتأكيد‪ ،‬ولكن‬ ‫الواقع ّية املفرطة‪ ،‬كيف جنحت لها وما هي‬ ‫قصتها؟‬ ‫ّ‬

‫منذ أ ّيامي األوىل يف كلية الفنون كانت تستهويني‬ ‫الواقع ّية‪ ،‬ويدهشني الفنانون املفرطون يف هذه‬ ‫ايس العام آنذاك مل يكن‬ ‫الواقعية‪ ،‬ولكنّ املزاج الدر ّ‬

‫بالتجسد‪ ،‬كنّا شبا ًبا نريد أن‬ ‫يسمح لهذه الرغبة‬ ‫ّ‬ ‫نقدّم الج ّيد والجديد‪ ،‬وكنّا نق ّلل من شأن الرسم‬ ‫مجاين للواقع‪ ،‬ولكنّني‬ ‫الواقعي ونعتربه مج ّرد تقليد ّ‬ ‫يف الحقيقة كنت أهرب بني الفينة واألخرى للوحة‬ ‫واقع ّية أو اثنتني‪ ،‬ولكنّ هذه الثورة أ ّثرت يب كام‬ ‫أ ّثرت يف كثري من الناس يف ثورتهم عىل ذاتهم‪،‬‬ ‫وهنا ق ّررت أن أتجاهل ما كان مينعني من ا ّتباع‬ ‫شغفي بالرسم بهذا األسلوب سواء كان الن ّقاد‪ ،‬أو‬ ‫التوجه العام للمث ّقفني أو النخبة‪ ،‬فليكن؛ وبدأت‬ ‫ّ‬ ‫خوض التجربة ويبقى نجاحها رهنًا باملتل ّقي ون ّقاد‬ ‫وأساتذة الفنّ ّ‬ ‫بكل تأكيد‪ ،‬ولكنّني مل أعد مرت ّددًا‬ ‫بهذا القرار‪.‬‬

‫أال تظن ّأن هذا النوع من اال ّتجاهات الفن ّية‬ ‫يق ّلل من السقف الثقايف للمتل ّقي أو عىل‬ ‫األقل ال يح ّفز لديه الرغبة يف فهم رمز ّية‬ ‫اللوحة؟‬

‫ال أبدًا‪ ،‬فهذه املدرسة كغريها من املدارس الفن ّية‬ ‫لها أسسها وتقاليدها ور ّوادها منذ ستين ّيات هذا‬ ‫القرن وهنا أتك ّلم عن الواقعية املفرطة أو (ما بعد‬ ‫الواقع ّية) فإن كانت هذه األعامل تقدّم بسياقها‬ ‫الثقايف والبرصي والفكري بشكل ج ّيد فام املانع؟‬ ‫املؤسسة‬ ‫املشكلة يف نرش الثقافة الفن ّية ودور ّ‬ ‫وليس يف الفنان نفسه وال يف املتل ّقي‪ ،‬وال أدري من‬ ‫هو الذي قال برضورة الرمز يف اللوحة! الرمز ّية‬ ‫والتعبري ّية والتجريد ّية موجودة ً‬ ‫أيضا ولها ر ّوادها‪،‬‬ ‫أهم أو أعمق‬ ‫ولكنّها ليست بأيّ حال من األحوال ّ‬ ‫أو أكرث فن ّية من الواقع ّية‪ ،‬األمر مزاج شخيص‪.‬‬

‫ماذا كان ينقصك ليكون هذا املعرض يف سوريا؟‬


‫ميكننا الحديث عن مرحلة ما قبل املعرض‬ ‫وما بعد املعرض؟‬

‫أنت االن يف أملانيا‪ ،‬يف معقل الواقع ّية منذ أن‬ ‫بدأت بذارها يف القرن التاسع عرش‪ ،‬هل تشعر‬ ‫أن هذا املكان أفضل لك؟ أم ّأن أعاملك ستتم‬ ‫مقارنتها بأعامل الواقع ّيني األملان؟‬

‫تاريخي عن بداية الواقعية‬ ‫لن ندخل اآلن يف بحث‬ ‫ّ‬ ‫والتي أعتقد أن س ّكان الكهوف كانوا أ ّول من‬ ‫(موضوعي) ّأن أعامل‬ ‫بدأها‪ ،‬ولكن أعتقد كأيّ عر ّيب‬ ‫ّ‬ ‫أهم بشكل مؤ ّكد من أعاميل‬ ‫الواقع ّيني األوروب ّيني ّ‬ ‫نتيجة خرباتهم الطويلة ونتيجة تط ّورهم الطبيعي‬ ‫والظريف يف الفنون بشكل عام‪ ،‬ولكن أعتقد أ ّنني‬ ‫استطعت بفرتة زمن ّية قياس ّية الوصول ملرحلة‬ ‫متقاربة جدًا مع أعاملهم واستطعت العرض بنجاح‬ ‫يف صاالتهم كخطوة أوىل أمتنّى أن تتبعها خطوات‬ ‫أخرى وتصيب ً‬ ‫بعضا من النجاح‪.‬‬

‫هل وجدت اختال ًفا بني الجمهور العريب واألملاين‬ ‫من حيث قراءة اللوحة وتحليلها بحكم عملك‬ ‫كفنّان ومد ّرس للرسم يف الجامعة عىل األقل إن‬ ‫مل تكن صاحب معارض سابقة ؟‬

‫وغني‪ ،‬مث ّقفون‬ ‫حضور املعرض اليوم متن ّوع‬ ‫ّ‬ ‫عرب وأملان‪ ،‬وجالية سور ّية واصلة حديثا‪ً،‬‬ ‫سور ّيون قطعوا البحر ورمبا أ ّول يشء فعلوه‬ ‫يف أملانيا هو زيارة معرضك‪ ،‬هل تظن ّأن‬ ‫املسؤولية أصبحت مضاعفة اآلن؟ أي هل‬

‫برأيك ملاذا كان الفنّانون الذين تضامنوا‬

‫أحاول تجنّب الحديث دامئًا ّ‬ ‫عم أصاب عائلتي‬ ‫وما قدمته هذه العائلة خالل الثورة‪ ،‬والتي‬ ‫تتشابه يف ذلك مع العديد من العائالت‬ ‫السورية‪ ،‬ولكن أيّ نجاح أح ّققه أو سأح ّققه هو‬ ‫إهداء ألرواح أخويّ نديم وسمري وإهداء ألخي‬ ‫حمزة املصاب يف البيت‪ ،‬وأليب الذي ال اعلم يف‬ ‫أيّ قبو مظلم هو‪ ،‬وال إن كان مايزال عىل قيد‬ ‫الحياة‪ ،‬أشعر أ ّنهم يستح ّقون أن يعلم العامل ك ّله‬ ‫بهم ومبا قدّموه وأعتقد ّأن هذه هي مه ّمتي‬ ‫يف ر ّد جزء بسيط لهم ولتضحياتهم الكبرية‪،‬‬ ‫كنت أمتنّى أن يرى أيب هذا املعرض‪ ،‬أيب الذي‬ ‫كان يفتخر بأيّ ّ‬ ‫خط أرسمه وأنا صغري‪ ،‬دعنا من‬ ‫هذا الشجن صديقي ولنكمل‪ :‬أرى ّأن مايجري‬ ‫يف سوريا صريورة تاريخ ّية حقيق ّية والكالم أصبح‬ ‫كث ًريا جدًا‪ ،‬واملواقف تشع ّبت‪ ،‬واألزمات تزايدت‬ ‫داخل الثورة ولكنّها ثورة حقيق ّية‪ ،‬ومستم ّرة رغم‬ ‫كل السلب ّيات التي تشوبها ورغم ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل التخ ّوفات‬ ‫املح ّقة‪ ،‬وسوريا التي أحلم بها ككثريين غريي‪:‬‬ ‫هي سوريا الدولة املدن ّية الدميوقراط ّية التعدد ّية‬ ‫ال أدري متى ستأيت بعد أن ّ‬ ‫تدخلت شياطني‬ ‫األرض ك ّلها‪ ،‬لكنها وبدون أدىن شك ستأيت‪.‬‬

‫لقاءات‬

‫يف الحقيقة مازالت خربيت قليلة بالجمهور األملاين‪،‬‬ ‫ولكن ما نعرفه جمي ًعا ّأن الفرق شاسع وكبري ج ًّدا‬ ‫بني جمهور يد َّرس الفنون الجميلة عىل أصولها يف‬ ‫مراحل دراسته املبكرة‪ ،‬وجمهور كانت ومازالت‬ ‫حصة الرسم لديه يف املدارس حصة فراغ‪ ،‬وأعود‬ ‫ّ‬ ‫املؤسسات التعليم ّية العرب ّية‬ ‫يف‬ ‫املشكلة‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫وأك ّ‬ ‫لدينا وليست يف الجمهور أبدًا‪.‬‬

‫لن أكذب عليك‪ ،‬ولن أدّعي بطوالت ال أملكها‬ ‫ونشاطات ّ‬ ‫أترشف بها‪ ،‬فقد حصلت منذ أ ّيام‬ ‫فقط عىل أوراق لجويئ‪ ،‬وأقول لجويئ آسفا‪ً،‬‬ ‫ولكن هذه هي الحقيقة‪ ،‬وقد كنت طوال‬ ‫الثامنية أشهر هذه أعمل ً‬ ‫ليل نها ًرا عىل إنجاز‬ ‫نجاح يليق يب كإنسان‬ ‫اللوحات والوصول بها إىل ٍ‬ ‫وبجنس ّيتي وأهيل‪ ،‬ال أف ّكر اآلن بأيّ يشء‪ ،‬رغم‬ ‫استعدادي الدائم لتقديم ّ‬ ‫كل ما أستطيع من‬ ‫أجل أهيل يف الداخل ويف املخ ّيامت بدون أي‬ ‫مسمى ما‪.‬‬ ‫مزاودة من جهة ما أو‬ ‫ً‬

‫املواطن السوري عبد الرزاق شب ّلوط وشقيق‬ ‫الشهداء وابن املعتقل‪ ،‬كيف يرى سوريا بعد‬ ‫هذه املرحلة الحرجة‪ ،‬وما هي سوريا التي‬ ‫يحلم بها؟‬

‫‪2015 / 8 / 21‬‬

‫الكثري‪ .‬واسمح يل ّ‬ ‫بأل أسرتسل بهذا الجواب‪.‬‬

‫نعلم أنك شاركت يف بيانات عديدة وفعاليات‬ ‫تضامنية وقدّمت لوحات لحمالت تضامن ّية‬ ‫آخرها حملة “السوريون ليسوا أرقا ًما”‬ ‫التي تضع صورتها عىل صفحتك الشخصية‬ ‫يف فيسبوك‪ ،‬ما هي مشاريعك يف املرحلة‬ ‫القادمة؟ هل ستزور مخيامت اللجوء التي‬ ‫يقيم فيها السوريون؟ هل ستقوم بنشاطات‬ ‫معينة من أجل السوريني؟‬

‫يف الحقيقة ال أدري‪ ..‬أخاف أن أظلمهم إن‬ ‫تك ّلمت عنهم‪ ،‬سأدع ما أظنّه بهم لنفيس‪،‬‬ ‫كل امرء له قناعاته وقدراته وشجاعته وظرفه‬ ‫الخاص‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫العدد ‪- 54 -‬‬

‫ال أستطيع وصف التو ّتر وحجم املسؤول ّية التي‬ ‫تصيبني هذه األ ّيام يا صديقي‪ ،‬وسعاديت بأن‬ ‫يرى الحضور هذه األعامل للم ّرة األوىل بشكل‬ ‫مبارش كبرية جداً ولكنّني ال أخفي تر ّقبي لردّات‬ ‫الفعل‪ ،‬سعاديت كبرية ً‬ ‫فعل باألصدقاء الواصلني‬ ‫للت ّو إىل أملانيا والذين سيقطعون ساعات الطريق‬ ‫الطويلة إىل ديورن ليشاهدوا أعاميل‪ ،‬هذه املح ّبة‬ ‫ّ‬ ‫وبغض النظر متا ًما عن قيمة اللوحات الفن ّية‬ ‫تغمرين وتشعرين باالمتنان وتضع مسؤول ّية كبرية‬ ‫عىل عاتقي أمتنّى من ّ‬ ‫كل قلبي أن أكون أه ًال لها‪.‬‬

‫مع شعبهم أو قدّموا له ق ّلة؟ حتّى من هم‬ ‫خارج سوريا!؟‬


‫ّ‬ ‫السوري‬ ‫سلم أولويات الشعب‬ ‫‪10‬‬

‫شوكت غرز الدين‬

‫العدد ‪2015 / 8 / 21 - 54 -‬‬

‫مقاالت‬

‫لسلم األولويات (‪ )hierarchy‬وظيفة هامة جداً‪،‬‬ ‫السيايس والثوريّ ‪ ،‬من أجل تحقيق‬ ‫يف العمل‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫األهداف العامة تراكميا ال بالرضبة القاضية‪.‬‬ ‫وهو هام من حيث وضعه وترتيبه وبوصلته‪.‬‬ ‫وهام أيضاً من حيث تغيريه واستبداله‪ .‬إ َّنه‬ ‫رشد املالحة البحرية والجوية‬ ‫كالبوصلة التي ُت ِ‬ ‫والصحراوية‪ ،‬فإن كانت البوصلة صحيحة وصل‬ ‫إىل غايته‪ ،‬وإن كانت خاطئة ضاع‪ .‬ولذلك يرتتب‬ ‫عىل التشبث بسلم األولويات أو التفريط به‬ ‫صب يف‬ ‫تداعيات اسرتاتيجية كبرية‪ ،‬ميكن ْأن َت ّ‬ ‫جعل الشعب السوري الرقم األصعب يف مبادرات‬ ‫الحل ومعادالتها بحالة التشبث‪ ،‬وميكن ْأن‬ ‫صب بالعكس؛ أي يف رمي الشعب السوري عىل‬ ‫َت ّ‬ ‫قارعة الطريق ومزبلة التاريخ بحالة التفريط‬ ‫به واستبدله بأولوية اآلخرين‪ .‬لهذا يجب عىل‬ ‫النخب السور ّية التي مت ِّثل الشعب السوري تركيز‬ ‫كبري االهتامم عىل سلم األولويات؛ ألنه يش ِّكل ما‬ ‫يعتربه “أرسطو” السبب الغايئ يف الفعل الثوري‪،‬‬ ‫والذي بدونه يبقى ناتج الفعل الثوري ناقصاً‬ ‫يعيش حالة خبط عشواء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فعىل مدار ثالثة وخمسني شهرا‪ ،‬وضع الشعب‬ ‫السوري سلم أولوياته استناداً إىل مصلحته التي‬ ‫ُيفرتض أنها ال تعارض مصالح الشعوب األخرى‪.‬‬ ‫واختار الحرية والكرامة اختياراً مبدئياً ال رجعة‬ ‫عنه‪ ،‬من خالل إسقاط نظام االستبداد ورحيل‬ ‫رموزه وإقامة نظام دميقراطي‪ .‬وقد تجاوز‬ ‫الشعب السوري بسلم أولوياته هذا‪ ،‬حرتقات‬ ‫إصالح النظام والعمل من خالله لتحسني رشوط‬ ‫عبوديته‪ ،‬إىل إسقاط النظام وتغيريه وإقامة بديله‬ ‫الح ّر‪.‬‬ ‫وكأي عمل إنساين‪ ،‬مت ٌّر الثورة السورية مبراحل‬ ‫متعددة عرب الزمن‪ ،‬وهي اآلن مت ٌّر مبرحلة “الثورة‬ ‫املضادة” التي يعمل عليها املجتمع الدويل‬ ‫واإلقليمي‪ ،‬من خالل تغيري سلم األولويات‬ ‫الخاص بالحرية والكرامة وفرض سلم أولويات‬ ‫جديد خاص يف محاربة اإلرهاب الداعيش بدون‬ ‫محاربة اإلرهاب األسدي‪ ،‬وبالتايل تحقيق االنتقال‬ ‫من الشعب يريد‪ ...‬إىل املجتمع الدويل واإلقليمي‬ ‫يريد‪...‬‬ ‫ولدينا وقائع ثالث تدعم الثبات عىل سلم‬ ‫األولويات وتجعل من الشعب السوريّ الرقم‬ ‫األصعب يف املعادلة‪ :‬أولها التغري مع الزمن‪،‬‬ ‫وثانيها توزع الحل يف سوريا واقعياً‪ ،‬وثالثها اجرتار‬ ‫املبادرات الواهمة‪.‬‬ ‫فالتغري مع الزمن نوعان وكالهام يحصالن بغري‬ ‫إرادة؛ واحد منهام يرتبط بـ”الفوىض”‪ ،‬والثاين‬

‫يرتبط بـ”التغذية الخلفية الراجعة” (‪Feed‬‬ ‫‪ .)Back‬فلقد انكرست بفضل “الفوىض” أربعة‬ ‫احتكارات كان النظام السوريّ يحتكرها وهي‪:‬‬ ‫السالح والقضاء والرثوة واملعلومة‪ .‬فنجد انتشاراً‬ ‫للسالح وتبعرثاً يف رشع ّيته‪ ،‬وتكرث املعلومات من‬ ‫مختلف الجهات وتحتاج ملن ُي ِّ‬ ‫نظمها‪ ،‬وتنترش‬ ‫املحاكم الرشعية يف كثري من املناطق السور ّية‪،‬‬ ‫ويتم استثامر املوارد الطبيعية واملعابر الحدودية‬ ‫من جامعات مخالفة للنظام ومعارضة له‪.‬‬ ‫وكذلك نالحظ تغرياً عند املوالني للنظام وعند‬ ‫األطراف الدول ّية واإلقليم ّية الداعمة له‪ ،‬ولكنه‬ ‫ناتج عن “التغذية الخلفية الراجعة”‪ .‬وهو تغري‬ ‫ينتج عام يرجع من الفعل الثوري إىل املراقب‪،‬‬ ‫فيعيد تأقلمه وتالؤمه وتعل ّمه ويعدِّل سلوكه‪.‬‬ ‫ومثال ذلك قبول الروس برحيل األسد بعد‬ ‫تشدد بإبقائه‪ ،‬أو برفع شعار “الشعب يريد‬ ‫إعدام سليامن” عند املوالني للنظام بعد أن كانوا‬ ‫يرفضون هذا الشعار باملطلق‪ ،‬أو قبول املعارضة‬ ‫السورية مبشاركة إيران يف الحل يف سوريا بعدما‬ ‫كانت مشاركتها مرفوضة قطعاً‪ ،‬أو تراجع إيران‬ ‫عن تشددها السابق‪ .‬وهذا معناه أنهم يعيدون‬ ‫النظر يف تحركاتهم واتجاهاتهم وقناعاتهم‬ ‫لتستجيب مبرونة مع كل موقف عىل نحو جديد‪،‬‬ ‫فيعدِّلون عملياتهم أثناء السريورة (العمل ّية‪،‬‬ ‫التحول ّية) يف املتجه العام ألولوية السوريني‪.‬‬ ‫أما عن توزع الحل يف سوريا واقعياً فنجد أ َّنه‬ ‫يتوزع بني عدة أطراف بنسب مختلفة وغري‬ ‫قابلة للقياس‪ .‬ومثة من يعتقد ويتوهم َّأن‬ ‫النسبة األكرب من أوراق الحل بيد طرف ما من‬ ‫األطراف الدول ّية أو اإلقليم ّية‪ .‬ويغيب عنهم َّأن‬

‫الشعب السوري الواحد أو املتشظي ميلك نسبة‬ ‫من أوراق الحل تكاد تش َّكل الرقم األصعب يف‬ ‫معادلة الحل السورية بدليل عدم قدرة جميع‬ ‫األطراف عىل الحل بدون أولوياته‪ .‬فمن حسنات‬ ‫وحدة الشعب السوري اختيار الحرية والكرامة‬ ‫وعدم االستجابة لطلبات اآلخرين‪ ،‬ومن حسنات‬ ‫تشظيه عدم قدرة اآلخرين عىل فرض أجنداتهم‬ ‫وأولوياتهم عليه بسبب تشظيه نفسه‪ .‬واملطلوب‬ ‫سورياً إذاً‪ ،‬التمسك بهذه األوراق وعدم التفريط‬ ‫بها‪ ،‬وتحويلها إىل اسرتاتيجية تقرتب من آمال‬ ‫السوريني بالخالص من القتل والدمار واللجوء‬ ‫واالستبداد واإلرهاب خالصاً ليس نهائياً وإمنا‬ ‫يضعهم عىل سكة فاعليتهم كبرش‪.‬‬ ‫أما عن اجرتار املبادرات وتتويجها مبؤمترات‬ ‫فحواها واحد‪ ،‬ويرتبط مبحاربة اإلرهاب والقضاء‬ ‫عىل أمل الحرية والكرامة‪ .‬فلنالحظ َّأن كرثة‬ ‫املبادرات هي دليل ضعف وعجز وليس دليل‬ ‫قوة وصحة‪ .‬فلو كانوا أقوياء كام يتخيلهم البعض‬ ‫لكانوا حل ّوا ح ًال يتامىش مع مصالحهم منذ زمن‪.‬‬ ‫ولكنهم ضعفاء بالنسبة لصمود الشعب السوري‪.‬‬ ‫وهنا يربز سؤاالن يطرقان األذهان للتفكري‬ ‫بإجابات لهام من “خارج الصندوق”؛ مبعنى‬ ‫الخروج عن اإلجابات الدارجة التي نجرتها‪:‬‬ ‫أولهام هو ملاذا مل يتوقف القتل والتدمري والتهجري‬ ‫الذي يقوم بهم اإلرهايب األول (النظام السوري)‬ ‫عىل الرغم من كرثة املبادرات الدول ّية واإلقليم ّية‬ ‫واملحل ّية يف هذا الصدد؟ وثانيهام هو ملاذا مل‬ ‫ينترص طرف ما من األطراف الدول ّية أو اإلقليم ّية‬ ‫أو املحل ّية عىل الرغم من قناعة الكثريين َّ‬ ‫بأن‬ ‫أوراق الحل بأيديهم؟ وجواب السؤالني واحد‬ ‫وهو عدم قدرتهم بالنسبة لواقعهم وألولويات‬ ‫السوريني‪.‬‬ ‫صحيح أ َّنه مل تنجح أولوية السوريني بالحر ّية‬ ‫والكرامة بإسقاط النظام ورحيل األسد وإقامة‬ ‫نظام دميقراطي حتى اآلن ولكن العملية مستمرة‪،‬‬ ‫وصحيح أيضاً أ َّنه لن تنجح أولوية اآلخرين يف‬ ‫محاربة اإلرهاب بدون أولوية الحرية والكرامة‪.‬‬ ‫لذلك عىل السوريني إبقاء عيونهم عىل ما يحدث‬ ‫ميدانياً وليس فندقياَ‪.‬‬ ‫وطاملا َّأن الحل يكمن يف إنجاز أولوية السوريني‪،‬‬ ‫سنجدهم يقدَّمون يف سبيلها التضحيات‬ ‫األسطورية‪ .‬وستعمل الفوىض والتغذية الخلفية‬ ‫الراجعة فعلها‪ .‬فالشعب السوري باإلضافة إىل‬ ‫أنه منبع األولويات وبوصلتها فإنه الوحيد القادر‬ ‫والقابل عىل ردم اله ّوة بني سلم أولوياته وبني‬ ‫النتائج املتحققة بالفعل‪.‬‬


‫الحمادي‪..‬‬ ‫ناظم‬ ‫ّ‬ ‫صخرة دمشق التي ال تنكسر ‪..‬‬ ‫‪11‬‬

‫ميساء الحمّادي*‬

‫العدد ‪2015 / 8 / 21 - 54 -‬‬

‫الشاعر والناشط ناظم ّ‬ ‫الحمدي ‪ -‬مختطف يف الغوطة الرشقية‬ ‫أمام أعني أ ّمي‪ ،‬فهي مل تكن أ ّمه فقط بل كانت‬ ‫ّس ما هو عليه اآلن‪.‬‬ ‫بدأت حينها رحلة خوفه ووحدته عىل الرغم من‬ ‫أ ّنه مل يعتد البعد عن العائلة لفرتات طويلة‪ ،‬ثالث‬ ‫سنوات ال نعرف أين يذهب او ماذا يفعل‪ ،‬إىل‬ ‫أن أقام يف بيتي يف السنة األخرية ألكتشف فيه‬ ‫إنساناً آخر أذهلني‪ .‬ورغم معرفتي بح ّبه لألطفال‬ ‫يرص عىل أن يعامل الطفل معاملة واعية فقد‬ ‫كان ّ‬ ‫كان يترصف مع ابني ذي الثالث سنوات كأنهّ‬ ‫شاب صغري؛ يجلسان ليتناقشا بنوعية طعامه‬ ‫الذي ّ‬ ‫يفضله مث ًال‪ ،‬ويعطيه من وقته ليجلس عىل‬ ‫حاسوبه الشخيص رغم أشغاله الكثرية‪ .‬مل أكن‬ ‫أستغرب ذلك فقد تذكرت كيف أ ّنه مرة جلس‬ ‫رس يف دمشق‪،‬‬ ‫مع طفل صغري يبيع العلكة عىل ج ٍ‬ ‫وأعطاه كل املال الذي كان بحوزته (رغم أ ّنه مل‬ ‫يكن كثرياً) وبىك يومها لعجزه وعجز العامل أمام‬ ‫براءة الطفل وشقائه‪...‬‬ ‫انتقل بعدها إىل منزل آخر وذلك بسبب خطورة‬ ‫اإلقامة يف مكان واحد ملدّة طويلة‪ ،‬بعدها مبارشة‬ ‫جاءت قوات األمن إىل منزله الجديد واقتحمت‬ ‫املنزل بعد كرس الباب وبدأوا بالتفتيش يف كامل‬ ‫املنزل بعد أن رموا جميع أغراضه الشخصية‬ ‫عىل األرض‪ ..‬كانت ليلة لن أنساها ما حييت ‪..‬‬ ‫لكن من حسن الحظ وسخرية القدر أ ّنهم كانوا‬ ‫يبحثون عن شخص آخر كانت شقته مقابل شقة‬

‫ناظم‪ ..‬ضحك كثرياً كثرياً حينها‪ ،..‬وأنا اعترص قلبي‬ ‫أملاً عليه وصار جزءا من مخاويف اليومية‪.‬‬ ‫غادرت سوريا بعدها إىل تركيا‪ُ .‬‬ ‫طلبت منه القدوم‬ ‫ّ‬ ‫معنا‪ ،‬وافق يف البداية ّربا ألننا كنّا آخر من تبقى‬ ‫له يف دمشق فهو يكره الوحدة كثرياً والوداع‪،‬‬ ‫لكنّه رفض الخروج بعد ذلك وأتذكر مقولته‬ ‫التي صدحت يف أذين “ملني راح نرتكها؟‪ ..‬إذا نحن‬ ‫السلميني تعبنا وتركنا وهاجرنا راح نرتك الكلمة‬ ‫األخرية للسالح”‪ .‬كان ناظم من أش ّد املعارضني‬ ‫لتسليح الثورة‪ ،‬وكان يقرأ نهاية الثورة من خالل‬ ‫تسليحها ويرى أن املستفيد الحقيقي من السالح‬ ‫مل يظهر عىل الساحة بعد‪.‬‬ ‫يف إحدى الصباحات شهقت روحي شهقة‬ ‫طويلة‪ ..‬ولكن ال‪ ..‬لن أتوسل الخاطفني‪ ،‬فأنت ح ّر‬ ‫رغ ًام عنهم‪ ،‬ولن ترىض ملثلهم أن يذلونا أو يقتلوا‬ ‫ثورتنا‪..‬‬ ‫لقد كربنا بغيابك أكرث من سنواتك األربعني‬ ‫مجتمعة والتي عشتها معنا يا ناظم‪ .‬أنا متأكدة‬ ‫أ ّنك سوف تعود لتحيا وتنترص وتبيك وتفرح‬ ‫فهكذا كنت وستبقى صخرة دمشق التي ال‬ ‫تنكرس‪..‬‬ ‫وأكرر اآلن جملتك ّ‬ ‫املفضلة التي تح ّبها‪“ ..‬ال كرامة‬ ‫لنبي يف وطنه”‪ّ ..‬‬ ‫لعل من قاموا بخطفك يقرؤون‬ ‫كالمي اآلن ويدركون أيّ ذنب اقرتفوا بسجنك يف‬ ‫زنزانة ال تتسع ألحالمك‪..‬‬

‫* ميساء الحمّادي شقيقة المختطف ناظم الحمّادي‬

‫مقاالت‬

‫لن أتحدث يف مقالتي هذه عن ناظم الناشط‬ ‫واملحامي لجهيل بالكثري عن تفاصيل نشاطاته‬ ‫أرص أن يبعدنا عنها خوفاً علينا‪ ،‬بل سأتكلم‬ ‫التي ّ‬ ‫عن ناظم األخ والشاعر ذي اإلحساس الرقيق‪،‬‬ ‫هذا اإلحساس الذي يجهله الكثري من أصدقائه‪.‬‬ ‫مل يكن ناظم الشقيق األكرب لثامنية أخوة‬ ‫فحسب‪ ،‬بل كان األب واملع ّلم الذي أخذ عىل‬ ‫عاتقه مسؤوليتنا جميعاً‪ ،‬وقد ّ‬ ‫تجل ذلك من‬ ‫خالل إرصاره عىل استمرارنا يف التعليم وخاصة‬ ‫نحن البنات‪ ،‬ومحاوالته بناء جسور لنا مع العامل‬ ‫الخارجي ‪-‬خارج دائرة حارتنا الشعبية‪ -‬فكان‬ ‫أول ّأخ يصطحب شقيقاته معه لحضور مرسحية‬ ‫وحفلة ملحمد منري! ال أنىس عينيه تلك الليلة‬ ‫وبريقهام وسعادته بنّا‪..‬‬ ‫كان حريصاً عىل أن يكتب استامرة دخولنا إىل‬ ‫الجامعة رغم معارضة ّ‬ ‫كل من حولنا‪ ،‬فهو الوحيد‬ ‫الذي كان مؤمنا بقدراتنا وخياراتنا‪ .‬بعدها رأيته‬ ‫نامئاً عىل حجر أ ّمي تغنّي له أغانيها القدمية‪ّ ،‬ربا‬ ‫ليعيش طفولته التي ضاعت بالتفكري مبصرينا‪...‬‬ ‫يا إلهي من أين يأيت بكل هذه الصالبة ليواجه‬ ‫عادات وتقاليد مجتمع بأكمله!‪...‬‬ ‫نعم‪ ،‬من هنا بدأ ثورته قبل ثورتنا بكثري‪.‬‬ ‫اتجه بداية للتمثيل‪ ،‬رمبا يستطيع من خالله‬ ‫ّ‬ ‫إيصال رسالته‪ ،‬ولكنّ املرسحيتني اللتني قام بدور‬ ‫أحس‬ ‫البطولة فيهام مل تلقيا الصدى الذي متنّاه‪ّ ،‬‬ ‫حينها باليأس واالنكسار ولكنّه ّ‬ ‫ظل يبحث عن‬ ‫طريقة أخرى يوصل فيها أفكاره وقناعاته‪ ،‬فيكتبها‬ ‫وميزقها ثم يكتب وميزق ثانية‪ ...‬ويكتب وميزق‬ ‫إىل حني صدور ديوانه الشعري االول (أوراق‬ ‫التوت الغامضة)‪ ..‬فاحتفلنا به وبصربه وبأفكاره‪.‬‬ ‫واألصح أننا احتفلنا ألنفسنا لوجوده بيننا‪..‬‬ ‫تعج‬ ‫كان أول شخص يف ح ّينا ينشئ مكتبة منزلية ّ‬ ‫بدواوين محمود درويش ومجلة عامل املعرفة‪.‬‬ ‫“عليكم بالقراءة” كان يقولها لنا دامئاً “فهي‬ ‫الطريقة الوحيدة لتعرفوا األمل”‪.‬‬ ‫كان يبيك لساعات طويلة أحياناً يف غرفته‪ .‬كنت‬ ‫أجهل أسباب بكائه وخوفه‪ .‬م ّرت عليه لحظات‬ ‫ضعف كثرية وفشل أكرث‪ ،‬ليقف بصعوبة بعدها‬ ‫عىل قدميه ويكمل ما بدأه لوحده‪ .‬واستمر يف‬ ‫ذلك إىل أن قامت ثورتنا لتلتقي مع ثورته التي‬ ‫بدأت قدمياً ويكمال الطريق معاً‪ .‬حينها ترك‬ ‫املنزل وذهب ليسكن وحده رمبا يك ال يعتقل‬


‫مجلس “العيش المشترك” في “رأس العين‪ -‬سري كانيه”‬

‫‪12‬‬

‫ٌ‬ ‫محاولة لترسيخ أخوة الشعوب‬ ‫سردار مال درويش‬

‫العدد ‪2015 / 8 / 21 - 54 -‬‬

‫تقارير‬

‫مجتمع الجزيرة السورية “روج آفا”‪ ،‬غني مبكوناته‬ ‫املختلفة‪ ،‬برغم أن معامل التعايش املشرتك والسلم‬ ‫األهيل مل تكن مرسخة أو ظاهر ًة كثرياً يف حقبة‬ ‫النظام السوري‪ ،‬الذي هيمن عىل كل التشكيالت‬ ‫املختلفة‪ ،‬حتى الوفاق والتفرقة كانا أمران يحدد‬ ‫النظام توقيتهام وظرفهام‪ ،‬وذلك بحكم حساسية‬ ‫املنطقة‪ ،‬والتعامل معها سياسياً ال اجتامعياً أو‬ ‫جغرافياً أو اعتبارها كباقي املحافظات السورية‪.‬‬ ‫يف ظل الثورة السورية‪ ،‬تغريت وتعددت الظروف‬ ‫عىل املنطقة‪ ،‬فمن دخول كتائب تابعة للجيش‬ ‫السوري الحر ومن ثم جبهة النرصة وأخرياً داعش‪،‬‬ ‫وبني هجرة األهايل منها وعدم االستقرار وطرد‬ ‫داعش منها عىل يد “وحدات حامية الشعب” الـ‬ ‫“‪ ”YPG‬حتى خلق نوع من األمان واالستقرار‪،‬‬ ‫لتبدأ الحاجة إىل ما يوصل أطياف ومكونات‬ ‫املنطقة ألفة نتيجة الحاجة للتعايش املشرتك‬ ‫والسلم األهيل‪ ،‬وضخ تلك املفاهيم‪ ،‬بعيداً عن‬ ‫عقلية البعث‪ ،‬لكن دون الوصول للدميقراطية‬ ‫املثىل‪.‬‬ ‫تقع مدينة “رأس العني‪ -‬رسي كانيه” شامل رشق‬ ‫سوريا‪ ،‬وتتبع ملنطقة الجزيرة أو كام تسمى حالياً‬ ‫“روج آفا” أي “غرب كردستان” التي تديرها‬ ‫“اإلدارة الذاتية الدميقراطية”‪ ،‬مع استثناءات‬ ‫لتواجد النظام السوري يف مدينتي “الحسكة” و‬ ‫“القامشيل‪ -‬قامشلو”‪ ،‬وهي اإلدارة التي يقول‬ ‫البعض أنها تابعة لـ “حزب االتحاد الدميقراطي”‪،‬‬ ‫لكن اإلدارة نفسها تقول عن نفسها‪ ،‬أنها تابعة‬ ‫لحركة املجتمع الدميقراطي “‪،”TEV DEM‬‬ ‫املؤلفة من حزب االتحاد الدميقراطي الـ “‪”PYD‬‬ ‫وأحزاب سياسية كردية أخرى باإلضافة ألطراف‬ ‫من املكونات األخرى يف املنطقة‪ ،‬باستثناء املجلس‬ ‫الوطني الكردي الذي مل ينضوي تحت راية هذه‬ ‫اإلدارة‪ .‬فاملدينة التي تتعدد فيها املكونات اإلثنية‬ ‫والعرقية والقومية‪ ،‬تم فيها تشكيل “مجلس‬ ‫األخوة والتعايش املشرتك”‪ ،‬الذي يضم يف صفوفه‬ ‫الكرد والعرب واملسيحني واألشوريني والشيشان‪،‬‬ ‫ويقع عىل عاتقه توحيد املجتمع‪ ،‬ودرء الفتنة‬ ‫بحسب نائب رئيس املجلس “عبد الرزاق الحلو”‬ ‫من عشرية “العدوان”‪ ،‬الذي يرى أن املجلس‬ ‫سيسد االدعاءات التي تفرق بني مكونات املنطقة‪،‬‬ ‫ّ‬

‫لذا رفع املجلس شعار “أخوة الشعوب”‪ ،‬يف جه ٍد‬ ‫ملساعدة الناس ضمن األمور الحياتية‪ ،‬التي تدعو‬ ‫ألسس التعايش املشرتك‪ ،‬واتفاق كافة املكونات‬ ‫للدفاع عن املنطقة‪ ،‬وحل االشكاليات العالقة‪،‬‬ ‫باإلضافة للدفاع عن األرض وتحريرها من “تنظيم‬ ‫الدولة اإلسالمية”‪.‬‬ ‫األمر ذاته يراه عضو املجلس عن املكون الرسياين‬ ‫“عبد األحد عبد األحد”‪ ،‬بأن املجلس “سيمد يده‬ ‫لكافة مكونات املنطقة‪ ،‬ويكون نواة للوصول إىل‬ ‫مجتمع دميقراطي حر”‪.‬‬ ‫يرى “عبد األحد” أن تشكيل املجلس ليس باألمر‬ ‫الجديد عىل املنطقة من حيث الشكل‪ ،‬لكنه‬ ‫امتداد ملا تتمتع به مدينة “رأس العني‪-‬رسي كانيه”‬ ‫منذ مئات السنني‪“ ،‬حيث العريب جار للكردي‬ ‫والرسياين يعيش مع العريب والكردي كأخوة‪،‬‬ ‫بحكم أن الجميع يكملون بعضهم البعض‪ ،‬ومن‬ ‫هنا فإن هدف املجلس يأيت لتضافر الجهود‪ ،‬ورص‬ ‫الصفوف‪ ،‬وتخفيف معاناة أبناء املنطقة‪ ،‬بالجهد‬ ‫والعمل حتى الوصول إىل التعايش املشرتك‪.‬‬ ‫رئيس مجلس التعايش املشرتك “أنور جاويش”‬ ‫اعترب أن الهدف من املجلس هو إرساء املحبة بني‬ ‫أبناء املنطقة الواحدة أو منوذجاً يحتذى به يف كل‬ ‫سوريا‪ ،‬من خالل وجود حاضنة تضم كافة األديان‬ ‫والقوميات واألفكار‪“ ،‬فاألسس التي بني عليها‬

‫املجلس‪ ،‬أتت نتيجة املودة بني مختلف مكونات‬ ‫املنطقة‪ ،‬لتكون نقطة انطالق لبناء مجتمع سليم‬ ‫يف املنطقة خاص ًة والوطن عام ًة‪ ،‬ما دفع لذلك هي‬ ‫الظروف التي مرت بها منطقة الجزيرة‪ -‬روج آفا‪،‬‬ ‫من قبل القوى العسكرية التي دخلتها‪ ،‬ليكون‬ ‫هدف املجلس إزالة كافة الفوارق والخالفات‬ ‫وبناء جسم رصني”‪.‬‬ ‫يتألف املجلس من ‪ 41‬عضواً ويضم ‪ 11‬عضواً فاع ًال‬ ‫بينهم الرئاسة املشرتكة ونائبني‪ ،‬ولجان متخصصة‪،‬‬ ‫فهناك بحسب “جاويش” لجنة العالقات التي‬ ‫تقوم بتنظيم الزيارات واللقاءات واملهرجانات‪،‬‬ ‫ومتثيل املجلس يف مجالس أخرى‪ ،‬وأيضاً هناك‬ ‫اللجنة الخارجية التي تتعامل مع الوفود القادمة‪،‬‬ ‫باإلضافة للجنة الحامية والدفاع‪ ،‬ومهمتها تشكيل‬ ‫قوة من كافة املكونات للدفاع عن املنطقة‪،‬‬ ‫وتجنيدهم تحت راية (وحدات حامية الشعب)‪.‬‬ ‫مسؤول مكتب العالقات يف “وحدات حامية‬ ‫الشعب” واملساهم يف آلية عمل املجلس “حسني‬ ‫كوجر”‪ ،‬يرى أن تشكيل مثل هذا املجلس كان‬ ‫حاجة ماسة ُوجب تشكيلها يف جميع الجغرافية‬ ‫السورية‪ ،‬منذ بداية األزمة‪“ ،‬فعند دخول الكتائب‬ ‫املسلحة للمنطقة مث ًال ورصاعها مع النظام‪ ،‬تم‬ ‫تشتيت األهايل‪ ،‬حيث تواجدت مئة كتيبة يف مدينة‬ ‫واحدة‪ ،‬وبدل قيامها بتوحيد املجتمع‪ ،‬قامت‬


‫“ال يعتبر مجلس التعايش المشترك المثال‬ ‫األعلى للواقع السوري‪ ،‬بقدر ما يعتبر‬ ‫انطالقة نحو بناء مجتمع متكامل وسليم”‬

‫مبشاركة ‪ 19‬شاباً من كافة مكونات املدينة‪ ،‬تالها‬ ‫قيام املركز بندوة جامهريية‪ ،‬شارك فيها معظم‬ ‫مكونات مدينة “رأس العني‪ -‬رسي كانيه”‪ ،‬ورجال‬ ‫الدين والشخصيات االجتامعية واملنظامت‬ ‫واألحزاب واملجالس‪ ،‬لتكون مبادرة من أصل‬ ‫ثالث مبادرات‪ ،‬شملت كافة مدن منطقة‬ ‫“الجزيرة‪ -‬روج آفا” عىل مدى سبعة أيام‪.‬‬ ‫ال يخلو واقع منطقة “الجزيرة‪ -‬روج آفا” من‬ ‫املنغصات‪ ،‬وعدم متثيل “اإلدارة الذاتية” وحتى‬ ‫“مجلس التعايش املشرتك” لكافة األهايل‪ ،‬فهناك‬ ‫من يؤيد الفكرة وهناك من يراها رمبا من طرف‬ ‫واحد‪ ،‬مقابل وجود من يخالفها عىل مبدأ‬ ‫االختالف السيايس‪ ،‬لكن القامئني عىل املجلس‬ ‫يعتربون أن خلق االستقرار واألمان يف ظل هذه‬ ‫الظروف أهم بكثري من تشتيت املجتمع‪.‬‬

‫العدد ‪- 54 -‬‬

‫‪Hev bibexşînin bila aştî belav bibe‬‬

‫مقاالت‬

‫بأن له ذاتاً ليست ذايت وال ذات كل األحزاب‬ ‫مجتمعة‪ ،‬وهذا هو املوقف الدميقراطي «املوقف‬ ‫الدميقراطي هو االعرتاف بذات الواقع» كام قال‬ ‫إلياس مرقص‪ ،‬وأن ميول الواقع واتجاهاته ليست‬ ‫بالرضورة متوافقة مع غايايت ورغبايت‪ ،‬ورمبا تكون‬ ‫عىل النقيض منها‪ .‬ورمبا يذهب جزء كبري من‬ ‫عميل خدمة لعكس أهدايف –إذا مل أعرتف بذات‬ ‫الواقع‪ ،-‬ولنا دليل بتجربة األحزاب التي رفعت‬ ‫سقف معارضتها بالثامنينات للنظام‪ ،‬مع اإلحرتام‬ ‫الواجب والشديد لكل التضحيات الجبارة‪ ،‬إال‬ ‫أنها برفعها هذا السقف قد ساهمت بتقوية‬ ‫النظام‪ ،‬معركة النظام معها رابحة عرب استئصالها‬ ‫تع أن خط الواقع‬ ‫وتعزيز الدولة األمنية‪ ،‬هي مل ٍ‬ ‫وميوله كانت بخط نازل‪ ،‬بدال من اسقاط النظام‬ ‫أصبحت الدولة األمنية أكرث نفوذاً‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الثنائية أعاله (نخب – مجتمع) وترجمتها‬ ‫الفعلية عىل أرض الواقع مل تكشف إال عجزا‬ ‫وقصورا وأزمة تعيشها هذه النخب‪ .‬وأعتقد‬ ‫أن مفتاح خروجها من أزمتها هو وعي جزئيتها‬ ‫وتخلصها النظري من ع َّرابها ومثاليته الذاتية‬ ‫وأن تدرك حجمها وتضع لنفسها مهام ضمن‬ ‫اطار املمكن (يف تجارب حزبية قدمية كان‬ ‫هناك أحزاب ال يتجاوز عدد أعضائها مقاعد‬ ‫ميكروباص وتضع برنامجاً سياسياً عىل مستوى‬ ‫الوطن ككل‪ ،‬وتبدأ برنامجها بـ‪« :‬نحن نعمل من‬ ‫أجل إقامة الدولة كذا وكذا» أو «نحن نناضل من‬ ‫أجل تحقيق العدالة االجتامعية»)‪.‬‬ ‫‪ - 4‬مؤمتر القاهرة لتوحيد رؤية املعارضة‬ ‫السورية من أجل الحل السيايس يف سوريا يف ‪8‬‬ ‫و ‪ 9‬حزيران‪ ،‬امللخص األخري ملا جاء فيه «مجلس‬ ‫وطني – مجلس قضاء أعىل – حكومة مرحلة‬ ‫انتقالية – مجلس عسكري انتقايل»‪ ،‬ليس هذا‬ ‫إال مثاال ساطعا عىل نكران فاضح للمحربة‪ ،‬تعبرياً‬ ‫حقيقياً عن أزمة نخب اعتادت تغييب الواقع‪،‬‬ ‫املبادرة السابقة قد تصلح بنهاية عام ‪2011‬‬ ‫عىل افرتاض قبول النظام بها‪ ،‬مؤمتر القاهرة مل‬ ‫ير جيش الفتح وجيش اإلسالم وجبهة النرصة‬ ‫وداعش والنظام الذي ال يقبل حتى اآلن بأي حل‬ ‫سيايس‪ ،‬مل ير ميلشيات طائفية ضخمة تصول‬ ‫وتجول يف البالد‪ ،‬مل ير مجتمعا قد تذرر وتحول‬ ‫إىل عرشات اآلالف من الجزيئات املسلحة‪ ،‬مل ير‬ ‫أن اللغة الوحيدة اآلن هي لغة القوة والتغول‬ ‫عىل اآلخر بالسالح‪ ،‬مل ومل‪ ..‬خمسون عاما لنظام‬ ‫قهري أمني‪ ،‬وخمسون عاما لفقر معريف عند‬ ‫النخب‪ .‬ليست املعرفة قراءة فقط‪ ،‬إنها فعل‪،‬‬ ‫فعل باتجاه معرفة الواقع‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫‪2015 / 8 / 21‬‬

‫بإنشاء عرشات التجمعات‪ ،‬لذا كان تشكيل هذا‬ ‫املجلس نواة قوة مجتمعية وعشائرية موحدة‪،‬‬ ‫يف وجه الخطر الذي يداهم املنطقة “‪.‬‬ ‫رداً عىل سؤال “طلعنا عالحرية” بأن الكرد هم‬ ‫من يسيطرون عىل املجلس‪ ،‬أجاب “كوجر” بأن‬ ‫حاكمية املنطقة يرتأسها الشيخ “حميدي دهام‬ ‫الهادي” وهو من عشرية شمر‪ ،‬ويشارك باإلدارة‬ ‫ويف جميع مراكز صنع القرار كافة املكونات‪،‬‬ ‫حتى يف الجانب العسكري املتواجد عىل األرض‪،‬‬ ‫هناك قوة عسكرية لجانب “وحدات حامية‬ ‫الشعب” وهي الصناديد التابعة لعشرية الشمر‪،‬‬ ‫واملجلس الرسياين (السوتورو) واالشوريني‬ ‫والشيشان”‪ .‬أما عن وجوده كشخص عسكري‬ ‫قريب من املجلس‪ ،‬يذكر “كوجر” أن مهمتهم‬ ‫هي دعم املجلس للقيام بعمله‪“ ،‬ومتى وصل‬ ‫املجلس إىل مرحلة االستقرار وعدم الحاجة لنا‪،‬‬ ‫آنذاك سيتولون العمل لوحدهم”‪.‬‬ ‫ال يعترب مجلس التعايش املشرتك املثال األعىل‬ ‫للواقع السوري‪ ،‬بقدر ما يعترب انطالقة نحو بناء‬ ‫مجتمع متكامل وسليم‪ ،‬بدأ يف منطقة الجزيرة‪،‬‬ ‫لتعدد دميغرافيتها‪ ،‬من هنا ركزت العديد من‬ ‫منظامت املجتمع املدين عىل البحث عن سبلٍ‬ ‫توحيد املجتمع‪ ،‬ومشاركة مجتمعية فعلية لحل‬ ‫جميع املسائل السياسية واالقتصادية والعسكرية‬ ‫والثقافية‪ ،‬لكن بعيداً عن ذهنية اإللغاء واإلقصاء‬

‫واالستئثار‪ ،‬من قبل طرف بحق األطراف االخرى‪،‬‬ ‫وذلك ضمن إطار االعرتاف املتبادل بني الجميع‪،‬‬ ‫عىل مبدأ املساواة يف حقوق املواطنة وواجباتها‪.‬‬ ‫هنا حاولت أيضاً منظامت املجتمع املدين‪ ،‬العمل‬ ‫عىل ايجاد تعايش بني جميع املكونات‪ ،‬فقام‬ ‫“مركز التآخي ‪ Biratî‬للدميقراطية واملجتمع‬ ‫املدين”‪ ،‬بحملة تسامح يف شهر نيسان من‬ ‫العام املايض‪ ،‬عرب ندوات حوارية ضمن حملة‬ ‫“تسامحوا ليعم السالم“‬

‫‪ ..‬تتمة من صفحة ‪6‬‬


‫ماذا يريد الكورد اليوم؟‬ ‫‪14‬‬

‫دلير يوسف‬

‫العدد ‪2015 /78 / 21 - 54 -‬‬

‫مقاالت‬

‫يف السنوات األخرية كرثت األسئلة املطروحة عرب ّياً واملجالت العامل ّية وخالل سفري الدائم مل ألحظ‬ ‫حول الكورد سواء أكان ذلك اجتامع ّياً أو صحاف ّياً يوماً مقاالً بعنوان‪ :‬ماذا يريد األملان؟ ومل أشاهد‬ ‫أو سياس ّياً‪ ،‬وخاصة بعد بدء حرب العراق يف آذار حواراً عىل قناة تلفزيون ّية هولند ّية تتحدث عن‬ ‫‪ 2003‬ولَ ْع ْب الكورد حينها دوراً كبرياً يف إسقاط سكان جزر السيشل ومستقبلهم؟‬ ‫نظام صدام حسني والحقاً أصبح رئيس العراق‪ ،‬بالطبع هذا االهتامم البالغ بالكورد مؤخراً ال ينبع‬ ‫السيد جالل الطالباين‪ ،‬كورد ّياً للمرة األوىل يف عن حب وعاطفة شبقة‪ ،‬وال هو رغبة يف العيش‬ ‫تاريخ العراق الحديث‪ ،‬وأخذت هذه األسئلة املشرتك كام أظن‪ ،‬وكام توحي الحرب األهل ّية‬ ‫باالزدياد منذ أكرث من أربع سنوات‪ ،‬أي بعد املفتوحة الدائرة يف البالد‪ ،‬لكن لن أيسء الظن أكرث‬ ‫انطالق الثورة السور ّية ودور الكورد فيها وكذلك من ذلك وسأحاول رسد أسباب هذا االهتامم‪:‬‬ ‫بعد ازدياد اهتامم الصحافة العرب ّية بالحرب أوالً‪ :‬رغبة يف فهم هؤالء الجريان‪ ،‬الذين اكتشفنا‬ ‫الكورد ّية الرتك ّية‪.‬‬ ‫مؤخراً أ ّنهم ال يأكلون البرش(‪.)2‬‬ ‫سور ّياً كرثت األسئلة املطروحة حول مستقبل ثانياً‪ :‬رغبة يف فهم تاريخ املنطقة يك يبنى عىل ذلك‬ ‫الكورد يف البالد وهل يسعون إىل االنفصال ال سيام عقد اجتامعي جديد ناتج من حوارات املفكرين‬ ‫بعد أن ُأعلنت حكومة اإلدارة الذات ّية يف مناطق واملثقفني‪( .‬هذا السبب هو سبب وجيه جداً)‪.‬‬ ‫تواجد الكورد‪ ،‬وهي ثالث كانتونات‪ :‬الجزيرة ثالثاً‪ :‬رغبة يف ملئ الصحف واملجالت واإلذاعات‬ ‫وكوباين وعفرين‪ ،‬وبعد معركة كوباين ودعم والقنوات التلفزيون ّية مبواد صحف ّية تشد املتابع‬ ‫التحالف الدويل للكورد يف وجه ما يسمى بتنظيم العادي كونها مليئة باألكشن‪( .‬شخصياً كتبت‬ ‫الدولة اإلسالم ّية‪-‬داعش‪ .‬وتكاد ال تخلو صحيفة عدداً من املواد الصحف ّية بعضها طويل وشاركت‬ ‫أو قناة تلفزيون ّية أو إذاع ّية من برنامج حواري يف برنامجني إذاعيني عن هذا املوضوع)‪.‬‬ ‫تتحدث فيه عن الكورد ومستقبلهم‪ ،‬ودأبت رابعاً‪ :‬كس ًال يف الحديث عن الظبي وال ُق َّبة (‪.)3‬‬ ‫املجالت واملواقع اإللكرتون ّية عىل أن تطلب من عىل كل حال ال أريد هنا أن يفهم كالمي بأ ّنني‬ ‫كتّاب الكورد والصحفيني والسياسيني أن يرشحوا ضد هذا االهتامم بل أ ّنه يسعدين االلتفات إىل‬ ‫موقف األكراد‪ ،‬ورشع املحللون السياسيون إىل جريان نسيهم جريانهم لفرتة طويلة وقرروا اآلن أن‬ ‫استرشاف مستقبل األكراد يف املنطقة مبقاالت يحادثونهم‪ ،‬وكل ما أريد قوله هنا هو أن أجيب‬ ‫تطول وتقرص‪ ،‬ومل يوفر الباحثون عنا ًء يف‬ ‫البحث عن تاريخ هذا الشعب وثقافته وحارضه‬ ‫ومستقبله‪.‬‬ ‫أما إذا مشيت يف شارع عريب (‪ )1‬وسألت الناس‪:‬‬ ‫ماذا يريد الكورد اليوم؟ فستتلقى إجابات ترتاوح‬ ‫بني العيش املشرتك واإلخوة وبني “بالدبح جيناكم”‬ ‫مروراً بكلامت مثل‪ :‬مخربون‪ ،‬يسعون لالنفصال‪،‬‬ ‫مرتهنون لألمريكان‪ ،‬هم وارسائيل وجهان لعملة‬ ‫واحدة‪ ،‬أبطال وقفوا بوجه داعش‪ ،‬إخوتنا يف‬ ‫الدين‪ ،‬إخوتنا يف الوطن‪ ...‬الخ من املتناقضات‪.‬‬ ‫شارع كوردي (‪ )1‬وسألت الناس‬ ‫أما إذا مشيت يف ٍ‬ ‫السؤال ذاته‪ ،‬وهذا ما فعلته شخص ّياً خالل إحدى‬ ‫الزيارات ملدن كورد ّية تقع يف الجانبني الجغرافيني‬ ‫السوري والرتيك‪ ،‬فستكون اإلجابات متمحورة يف‬ ‫معظمها عن الرغبة يف “حياة كالحياة”‪.‬‬ ‫مالحظة‪ :‬خالل اطالعي عىل عدد من الصحف‬

‫باختصار عىل هذا السؤال الرسمدي‪ :‬ماذا يريد‬ ‫الكورد؟‬ ‫يريد الكورد أعزايئ أن يعيشوا حياتهم البسيطة‬ ‫مثلهم مثل باقي الناس‪ ،‬يريدون أن يرقصوا ويغنوا‬ ‫بفرح‪ ،‬يريدون أن يتعلموا بلغتهم ويتحدثوا بها‬ ‫دون أن يكون ذلك مصدراً للمصائب األمن ّية‪ ،‬رمبا‬ ‫يريدون أن يقيموا األعراس يف الشوارع وأن يكونوا‬ ‫جزءاً من هذا املكان مثل باقي األجزاء‪ .‬هؤالء‬ ‫الفقراء البسطاء يف تلك القرى واملدن البعيدة‬ ‫املنس ّية يبحثون عن حياة بسيطة سعيدة‪.‬‬ ‫إنهم ببساطة يريدون حياة كالحياة‪.‬‬ ‫هوامش‪:‬‬ ‫‪ - 1‬يعتقد الكاتب بأ ّنه ال يوجد يشء يسمى شارع‬ ‫عريب أو شارع كوردي أو شارع هندي أو شارع أملاين‬ ‫واملقصود هنا سؤال العرب‪ ،‬أو سؤال الكورد‪.‬‬ ‫‪ 2‬حدث خالل أحد الدورات التدريب ّية خالل الخدمة‬‫العسكر ّية اإللزام ّية السور ّية يف بداية القرن الجاري أن‬ ‫تعارف شاب كردي مع آخر قادم من إحدى قرى سهل‬ ‫الغاب كان يظن ّأن الكورد يأكلون البرش وكان األهل‬ ‫يف تلك القر ّية حني يخيفون أبناءهم يقولون‪“ :‬جاية‬ ‫الكردي ياكلك”‪ .‬الشاب الكوردي هو قريبي وهو من‬ ‫أخربين عن هده الحادثة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قصيدة العب الرند للشاعر محمود درويش‪.‬‬


‫الهاشتاغ السوري تحت المجهر‬ ‫‪15‬‬

‫باسل مطر‪,‬‬ ‫مشروع سالمتك‬

‫العدد ‪2015 / 8 / 21 - 54 -‬‬

‫لكن انتشار استخدامها عاملياً وعىل مستوىً‬ ‫أكرب كان يف العامني ‪ 2009‬و ‪ 2010‬إبان‬ ‫االحتجاجات اإليرانية عىل االنتخابات‪ ،‬وذلك‬ ‫بعد االستخدام الرسمي األول لها كام نعرفها‬ ‫اليوم يف السادس والعرشين من آب عام ‪2007‬‬ ‫يف تغريدة أطلقها ستووي بويد‪ ،‬وفقا للجنة‬ ‫الخاصة باللغة املحكية األمريكية‪.‬‬ ‫يف الثاين من شهر متوز ‪ 2009‬بدأت رشكة‬ ‫تويرت بربط جميع املنشورات املرتبطة بهاشتاغ‬ ‫معني مع نتائج البحث للكلمة الواردة يف‬ ‫الهاش تاغ‪ ،‬وتبعه يف عام ‪ 2010‬إطالق‬ ‫املوضوعات الدارجة (األكرث تداوالً) عىل تويرت‬ ‫والتي تضمنت الهاشتاغات األكرث انتشاراً بني‬ ‫املستخدمني‪.‬‬ ‫وطبقا لويكيبديا فإن الهاشتاغ هي مبثابة‬ ‫منتديات نقاش غري رسمية‪ ،‬وأي كلمة أو‬ ‫مجموعة من الكلامت تسبقها عالمة الرقم (‪)#‬‬ ‫ميكن أن تكون هاشتاغ‪ ,‬وإذا توفر لها العدد‬ ‫الكايف من املستخدمني لتداولها وترويجها فهي‬ ‫مؤهلة لتصبح ضمن املوضوعات الدارجة (عىل‬ ‫تويرت مثال)‪ ،‬وال توجد حقوق ملكية مرتبطة‬ ‫بها‪ ,‬وال متوت إال بالتوقف عن استخدامها‪.‬‬ ‫ال يستخدم السوريون تويرت كثريا وبذلك‬ ‫نجت الهاشتاغ منهم لوقت طويل‪ ،‬فتويرت‬ ‫موقع للتدوين القصري‪ ،‬وحاىش لله أن نكتب‬

‫بإيجاز ونركز عىل لب الفكرة‪ ،‬فنحن نحب‬ ‫الكالم واإلفاضة واالستفاضة والناس‪ ،‬فوجدنا‬ ‫يف فيسبوك ضالتنا‪ ،‬وأمعنا فيه استخداماً‪،‬‬ ‫واستنزافاً‪ ،‬حتى وصلت إليه الهاشتاغ يف‬ ‫حزيران من عام ‪ ،2013‬ومل تنج هذه أيضا من‬ ‫أيدينا (كنت سأقول من براثننا لكني عدلت)‬ ‫فأدلينا بدلونا أيضا‪ ،‬حتى خلتها شجرة الدر‪.‬‬ ‫قلام أرى استخداما موفقا لهذه امليزة العظيمة‬ ‫التي لو أحسن توظيفها للعبت دورا هاما يف‬ ‫حشد جامهري كثرية من مستخدمي الشبكات‬ ‫االجتامعية حول موضوعات كثرية ذات أهمية‬ ‫بالنسبة لقضية السوريني وثورتهم‪ ،‬وكل ما أراه‬ ‫هو استخدام عشوايئ يفتقر للمعرفة‪.‬‬ ‫معظمها طويلة تتألف من أربع أو خمس‬ ‫كلامت أو أكرث‪ ،‬مام يجعل تذكرها بالنسبة ملن‬ ‫قد يرغب باستخدامها أمرا صعبا‪ ،‬ومعظمها‬ ‫يفتقر للجاذبية والفرادة والذكاء الذي مييز‬ ‫ما نراه كل يوم من هاشتاغات عىل تويرت‪ .‬ومل‬ ‫أر أياً منها تجد طريقها إىل املوضوعات األكرث‬ ‫تداوال عىل تويرت مثال‪ ،‬عدا عن أن اهتامم‬ ‫الناس بها يتضاءل برسعة مام يدل عىل فقر‬ ‫الجهود التي تبذل إلبقائها حية وفاعلة‪ ،‬وجل‬ ‫هذه الهاشتاغات ال يطلق بهدف تسخريه يف‬ ‫حملة قصرية أو دامئة‪ ،‬وهو يتناىف مع وظيفتها‬ ‫وطبيعة استخدامها‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫درج كثريون من السوريني مؤخراً عىل‬ ‫استخدام الهاشتاغ (الوسم تعريباً) بيشء من‬ ‫اإلفراط عىل فيسبوك‪ ،‬واإلفراط ليس كل ما‬ ‫يف األمر‪ ،‬بل بالدة وفقر هذه الهاشتاغات‪،‬‬ ‫األمر الذي ييش بكثري يف األحيان بجهل مطلق‬ ‫بأسس استخدامها‪ ،‬حتى يبدو بعضها مضحكا‪،‬‬ ‫والبأس يف ذلك فنحن بحاجة لبعض الفكاهة‪،‬‬ ‫لكن علينا حينها أال نأمل بأن تخدم قضيتنا‬ ‫ولو مبثقال ذرة‪.‬‬ ‫ليست الهاشتاغ وسيل ًة للتعبري عن فكر ٍة‬ ‫إحساس يخالج مشاعرنا‪ ،‬أو عاطف ٍة‬ ‫تراودنا‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫تفيض بها جوارحنا‪ ،‬بل هي كلمة أو عبارة ُ‬ ‫مفتاحي ُة قصري ُة جداً تخدم وظيف ًة محدد ًة‪،‬‬ ‫وتستخدم لتمكني املتابع من العثور عىل جميع‬ ‫موضوع ما‪ .‬فهي إذاً‬ ‫املناشري التي تتحدث عن‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫أدا ُة لتسهيل البحث أوال‪ ،‬ثم لحشد جمهو ٍر‬ ‫هام‬ ‫بعينه حول‬ ‫ني‪ ،‬فهي إذاً ركنٌ ٌ‬ ‫موضوع مع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫من أركان استخدام الشبكات االجتامعية‬ ‫أهداف نضعها نصب أعيننا‪ ،‬وحشد‬ ‫لخدمة‬ ‫ٍ‬ ‫الرأي‪ ،‬وإيصال املعلومات لجمهور يبحث‬ ‫عنها أو لديه االستعداد للتفاعل معها‪ ،‬مام‬ ‫ينفي عنها الطابع الشخيص باملطلق‪ ،‬ويضعها‬ ‫يف مصاف تقنيات التأثري عىل الرأي العام‪ ،‬ولو‬ ‫ضيق جداً‪.‬‬ ‫عىل نطاقٍ ٍ‬ ‫لطاملا رأينا تلك العالمة (‪ )#‬عىل لوحات‬ ‫مفاتيح هواتفنا‪ ،‬وحرنا يف أمرها‪ .‬ولطاملا‬ ‫ارتبطت يف أذهان الكثريين باالتصال بأرقام‬ ‫خدمة الزبائن يف الرشكات الكبرية‪ ،‬واالنتظار‬ ‫طوي ًال‪ .‬كذلك فقد كان من السائد استخدامها‬ ‫يف الربمجة وتكنولوجيا املعلومات‪ ،‬إىل أن‬ ‫ظهر استخدامها األول واألقرب إىل وظيفتها‬ ‫الحالية‪ ،‬التي نعرفها اليوم عىل شبكات‬ ‫التواصل االجتامعي ومواقع التدوين القصري‪،‬‬ ‫عىل برنامج الدردشة ‪ IRC‬لوسم املجموعات‬ ‫واألحاديث كنظام للفهرسة‪ ،‬إىل إن أطلق‬ ‫كريس مسينا تغريد ًة يف الثالث والعرشين‬ ‫من آب عام ‪ 2007‬مقرتحاً استخدامها عىل‬ ‫موقع التدوين القصري تويرت‪ ،‬وكان له ذلك‪.‬‬



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.