دراسة تحليلية رائعة تكشف جوانب هامة من الواقع في مصر

Page 1

‫ﺍﻹﺻﻼﺡ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﲑ ‪ ..‬ﻭﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺋﻴﺔ‬ ‫ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﳌﺼﺮﻱ ‪ ..‬ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺋﻴﺔ‬ ‫ﺳﺒﺐ ﺍﻟﺒﻼء‬

‫مستقبل العشوائيين‬ ‫بقلم ‪ :‬سعد رجب صادق‬ ‫‪...........................‬‬ ‫ھل يمكن لمجتمع ما أن يُحقق نھضة ‪ ،‬أو يصنع حضارة ‪ ،‬أو يُحدث إنجازا ‪ ،‬بدون‬ ‫تخطيط ؟ اإلجابة البديھية ھى ‪ :‬ال ‪ ..‬ال يمكن لمجتمع أن ينھض أو يتحضر أو يُنجز‬ ‫شيئا بدون تخطيط ‪..‬‬ ‫والسؤال اآلن ‪ :‬ھل يمكن أن يكون ھناك تخطيط بدون دراسات علمية وافية‬ ‫ومستفيضة ؟‬ ‫وھل يمكن أن تكون ھناك دراسات علمية وافية ومستفيضة بدون علم وخبرة وأمانة‬ ‫وإخالص ؟‬


‫وھل يمكن تنفيذ الخطط والمشاريع بدون إرادة سياسية ومجتمعية ؟‬ ‫اإلجابة البديھية أيضا ھى ‪ :‬ال ‪..‬‬ ‫إذن التعليم ضرورة حتمية للدراسات العلمية ‪ ،‬والدراسات العلمية ضرورة حتمية‬ ‫للتخطيط ‪ ،‬والتخطيط واإلرادة السياسية والمجتمعية ضرورتان حتميتان للنھضة ‪..‬‬ ‫السؤال األكثر إلحاحا اآلن ‪ :‬لماذا فشلنا فى كل شئ ‪ :‬فشلت الدولة المصرية فى‬ ‫اللحاق بركب الحضارة ‪ ،‬وفشل المجتمع المصرى فى االرتقاء بنفسه ‪ ،‬والتخلص‬ ‫من عيوبه ؟ ‪..‬‬ ‫سؤال شديد األھمية ‪ ،‬وتبدو إجابته شديدة التعقيد ‪ ،‬ولكنھا فى الحقيقة بسيطة وسھلة‬ ‫وميسورة ‪ ،‬وھى أننا مجتمع العشوائية التى تنتشر وتسود وتتحكم فى كل شئ ‪ ،‬على‬ ‫المستوى الفردى ‪ ،‬وعلى المستوى الجماعى ‪ ،‬وعلى المستوى المؤسساتى ‪ ..‬مجتمع‬ ‫يغيب فيه القانون ‪ ،‬ويغيب فيه النظام ‪ ،‬وتغيب فيه الثقافة التى تحترم الضوابط‬ ‫والقواعد المنظمة لحركة الحياة ‪ ..‬العشوائية ھى آفة المجتمع المصرى الكبرى ‪،‬‬ ‫وھى سر الفوضى التى تنتشر فى كل جنبات المجتمع ‪ ،‬وھى سبب اإلخفاقات التى‬ ‫تالحقنا فى كل شئ ‪ ،‬إنھا ببساطة وفى كلمات قالئل نقيض النھضة والحضارة ‪.‬‬ ‫المجتمع العشوائي ‪:‬‬ ‫المجتمع العشوائى ھو مجتمع السبھللة ‪ ،‬والھرجلة ‪ ،‬والفھلوة ‪ ،‬واألونطة ‪ ،‬والحداقة‬ ‫‪ ،‬والفكاكة ‪ ،‬والھجص ‪ ،‬والھرتلة ‪ ،‬والخطرفة ‪ ،‬والتواكل ‪ ،‬والتبارى فى اختالق‬ ‫العلل واألسباب ‪ ،‬وتبديد الوقت والجھد والطاقة ‪ ،‬واللجوء إلى الخرافات‬ ‫والخزعبالت ‪ ،‬وكراھية العلم والثقافة والقراءة ‪ ،‬واالستھبال واالستعباط ‪ ،‬ومجافاة‬ ‫العمل الجاد ‪ ،‬وعدم اإلتقان فى أى شئ ‪ ،‬وعدم احترام آداب المرور ‪ ،‬وحب‬ ‫الضجة والجلبة والصياح والضوضاء ‪ ،‬وإدمان الردح والشتم والشرشحة ‪،‬‬ ‫والعدوان على الممتلكات العامة ‪ ،‬والميل إلى القبح والدمامة ‪ ،‬ونبذ الجمال والرقة‬ ‫والجاذبية ‪ ..‬فى المجتمع العشوائى تصبح العشوائية ثقافة وسلوكا وطريقة للتفكير‬ ‫وأسلوبا للحياة ‪ ،‬وتتحول مؤسسات المجتمع إلى الفوضى واإلھمال والالمباالة ‪،‬‬ ‫وتنقلب المدن والقرى والشوارع إلى عشوائيات كبيرة ‪ ،‬حيث الزحام والقذارة‬ ‫والبذاءة ‪ ،‬وكل ما يبعث على النفور والتقزز واالشمئزاز ‪.‬‬


‫تتناول ھذه الدراسة ظاھرة العشوائية كثقافة وسلوك ‪ ،‬وظاھرة انتشار العشوائيات‬ ‫فى المدن المصرية ‪ ،‬وما يتصل بذلك من مشاكل وأزمات ‪ ،‬أوصلتنا إلى حالة بائسة‬ ‫من التخلف والفوضى ‪ ،‬وأضعفت األمل أو الشته فى مستقبلنا القريب والبعيد ‪.‬‬ ‫أوال ‪ :‬دالالت لغوية واجتماعية‬ ‫تشيع فى المجتمع المصرى مصطلحات وتعبيرات وكلمات تعكس بوضوح دالالت‬ ‫اجتماعية وسلوكية ‪ ،‬ورغم عاميتھا إال أن بعضھا يأتى من أصول عربية فصيحة ‪،‬‬ ‫طرأ عليھا مع الزمن تغيير فى نطقھا ‪ ،‬وتبديل فى ترتيب حروفھا ‪ ،‬لتحمل معانى‬ ‫جديدة ‪ ،‬متقاربة أو متباعدة مع معانيھا األصلية ‪ ،‬وبعضھا يأتى من أصول غير‬ ‫عربية ‪ ،‬كالتركية والفارسية واليونانية ‪ ،‬وغيرھا من األجناس التى اختلطت‬ ‫بالمصريين على مدار التاريخ ‪ ،‬ومن أكثرھا شيوعا على األلسن ‪:‬‬ ‫ السبھللة‬‫السبھللة ھى أكثر الكلمات داللة على الفوضى والعشوائية وانعدام النظام والتخطيط‬ ‫‪ ،‬حتى لتعطى االنطباع بأن كل واحد فى مصر يفعل ما يروق له بدون ضوابط أو‬ ‫التزامات ‪ ،‬ويعيش الحياة بدون ھدف يتجاوز احتياجات البطن والفرج ‪ ،‬وھذا‬ ‫صحيح إلى حد كبير ‪ ،‬فالسبھللة ظاھرة عامة فى الشوارع حيث يقود ك ٌل سيارته‬ ‫بالسرعة التى يراھا ‪ ،‬وفى االتجاه الذى يراه ‪ ،‬حتى ألصبح من المألوف أن تسير‬ ‫السيارات فى عكس االتجاه ‪ ،‬وتقف فى أى موضع يرغبه قائدھا ‪ ،‬وأصبح من‬ ‫المألوف أيضا أال يحترم أحد إشارات المرور ‪ ،‬ومع ھذه الفوضى العارمة يعبر‬ ‫المشاة الطريق من أى نقطة يشاؤون ‪ ،‬ويزداد المشھد عبثية فى التقاطعات والميادين‬ ‫‪ ،‬ويُضاف إلى كل ذلك أصوات الزمارات العالية التى تخترق اآلذان لتزيد من‬ ‫التوتر واإلزعاج ‪ ،‬والمطبات والحفر التى لم يسلم منھا مكان ‪ ،‬والمحالت والباعة‬ ‫الذين احتلوا معظم الشوارع ‪ ،‬وأكوام القمامة التى تشغل ما تبقى منھا ‪ ،‬ومشھد‬ ‫السبھللة المصرية ال يقتصر بتلك الصورة الفاضحة على الشوارع ‪ ،‬وإنما يمتد إلى‬ ‫كل مؤسسات المجتمع وأجھزته ‪ ،‬والتى تدوّ خ المواطن من أجل استخراج شھادة أو‬ ‫وثيقة ‪ ،‬وھى نفسھا دائخة من غياب التناسق والتناغم والتخطيط بين أقسامھا ‪،‬‬ ‫وبينھا وبعضھا البعض ‪ ،‬حتى أن كل مشاريع المجتمع والتى يُنفق على بعضھا‬ ‫مليارات الجنھيات ‪ ،‬تتم بدون تخطيط ‪ ،‬أو دراسات جادة ‪ ،‬أو اعتبار آلثارھا‬ ‫وعواقبھا المستقبلية ‪ ،‬وھو ما يقود إلى تبديد طاقات المجتمع وموارده ‪ ،‬وتبلغ‬


‫السبھللة أوجھا بتصريحات المسؤولين المتضاربة والمتناقضة ‪ ،‬وتصريحات‬ ‫الرموز السياسية التى ال تعرف عن أى شئ تتكلم ‪ ،‬ووعودھم التى ال أساس لھا‬ ‫بتحسين األحوال ‪ ،‬ورفع المعاناة ‪ ،‬وغيرھا من األمانى واآلمال‪.‬‬ ‫إذا كانت تلك مظاھر للسبھللة كسلوك وأسلوب للحياة ‪ ،‬فإن الداللة اللغوية للكلمة ال‬ ‫تختلف كثيرا ‪ ،‬ففي معجم) لسان العرب( ‪ :‬جاء َس َب ْھ َلالً ‪ :‬أى ضاال ال يدرى أين‬ ‫يتوجه ‪ ،‬أو ال شئ معه ‪ ..‬قال األصمعى وأبو عمر ‪ :‬إذا جاء وذھب في غير شئ ‪،‬‬ ‫ويُقال ‪ :‬جاء َس َب ْھ َلالً و َس َب ْغ َلالً أى فارغا ‪ ..‬يُقال للفارغ ال َّنشط ال َف ِرح ‪ ،‬وأيضا لمن‬ ‫يختال في مشيته ‪ ..‬يُقال َم َشى فالن ال ّس َبھْلى ‪ :‬أى التبختر واالنبساط في المشى ‪،‬‬ ‫وفى ) قاموس اللغة العربية المعاصر ( ‪َ :‬س َب ْھ َلل ‪ :‬أمر أو شئ ال ثمرة فيه ‪ ،‬وذھبت‬ ‫جھوده َس َب ْھ َلالً أى ھباء ‪ ،‬وفى )المعجم الوسيط ( ‪ :‬ال َّس َب ْھ َلل ‪ :‬الفارغ يجيئ ويذھب‬ ‫في غير شئ ‪ ،‬أو شئ ال ثمرة فيه ‪.‬‬ ‫وفى الحديث الشريف " ال َيجي َئنَّ أحدكم يوم القيامة َس َب ْھ َلالً " أى فارغا ليس معه من‬ ‫عمل اآلخرة شئ ‪ ،‬و ُروى عن عمر بن الخطاب )رض( قوله ‪ " :‬إنى ألكره أن‬ ‫أرى أَ َحدكم َس َب ْھ َلالً‪ ،‬ال في عمل دنيا ‪ ،‬وال في عمل آخرة " ‪ ،‬قال ابن األثير ‪" :‬‬ ‫والمعنى ال في عمل من أعمال الدنيا ‪ ،‬وال في عمل من أعمال اآلخرة " ‪.‬‬ ‫ال َّس َب ْھ َلل أيضا من أسماء الباطل ‪.‬‬

‫‪ -‬الھرجلة‬

‫الھرجلة ال تختلف عن السبھللة ‪ ،‬فكلتاھما متشابھتان فى دالالتھما االجتماعية‬ ‫والسلوكية واللغوية ‪ ،‬ويذكر ) لسان العرب ( ‪ :‬أن ال َھرْ َجلة ھى االختالط في المشى‬ ‫‪ ..‬يُقال ‪َ :‬ھرْ َجل ‪ ،‬ويُقال ‪َ :‬ھرْ َجلت الناقة ‪ ،‬وفى ) معجم اللغة العربية المعاصر ( ‪:‬‬ ‫منظم ‪ ،‬أو لم يسلك فيھا مسلك ِّ‬ ‫َھرْ َجل فى أعماله ‪ :‬أى أداھا بشكل غير َّ‬ ‫النظام ‪ ،‬وفى‬ ‫) المعجم الوسيط ( ‪َ :‬ھرْ َج َل ُي َھرْ جل َھرْ َج َلة وھِرْ جاالً فھو ُم َھرْ َجل ‪ ،‬و َھرْ َجل فى‬ ‫مشيته من ش َّدة ال َّتعب ‪.‬‬


‫ الدربكة‬‫الدربكة كلمة أخرى ال تختلف عن سابقتيھا فى الداللة االجتماعية والسلوكية‬ ‫ك يُدرك دَرْ ً‬ ‫بكة فھو‬ ‫واللغوية ‪ ،‬وحسب ) معجم اللغة العربية المعاصر ( ‪ :‬درب َ‬ ‫َربك أى جعل المكان مختلطا ومزدحما ‪ ،‬وفى ) المعجم الوسيط ( ‪ :‬ال َّدرْ َب َك ُة ‪:‬‬ ‫ُمد ِ‬ ‫االختالط واالزدحام ‪ ،‬ومما يجدر ذكره أن ال َّدرْ َب َكة تختلف عن الد َ​َر ُب َّكة ‪ ،‬وھى كلمة‬ ‫أخرى شائعة فى المجتمع المصرى ‪ ،‬وتعنى حسب ) معجم اللغة العربية المعاصر (‬ ‫‪ :‬آلة إيقاع ونقر ‪ ،‬وھى فخارية مجوفة ضيقة الفم ‪ ،‬ويُشد على أسفلھا قطعة من جلد‬ ‫‪ ،‬ويُضرب عليھا بالكفين واإلصبع ‪ ،‬وتشبه َّ‬ ‫الطبلة ‪.‬‬ ‫ومع شيوع العشوائية فى أجھزة الدولة ومؤسساتھا ‪ ،‬وفى تصرفات األفراد‬ ‫والجماعات ‪ ،‬طرأت على المجتمع ظواھر سلوكية ضارة وكثيرة ‪ ،‬ترتب عليھا‬ ‫جميعھا عواقب سلبية على النفسية والعقلية والطبيعة المصرية ‪ ،‬ومن ھذه الظواھر‪:‬‬ ‫‪ -‬الفھلوة‬

‫تخلو معاجم اللغة العربية من كلمة الفھلوة ‪ ،‬وأقرب ما أورده ) لسان العرب ( كلمة‬ ‫ال َف ْھ َلل ‪ ،‬وھو من أسماء الباطل ‪ ،‬تماما مثل ال َّس َب ْھ َلل ‪ ،‬والتى من معانيھا أيضا‬ ‫الباطل ‪ ،‬وال يخفى أن العشوائية والسبھللة والفھلوة سلوكيات باطلة ‪ ،‬وقد ورد في )‬ ‫معجم تيمور الكبير فى االلفاظ العامية ( ]‪ [١‬أن فھلوى كلمة تركية أو فارسية‬ ‫محرفة عن بھلوى أو بھلفى من اللغة الفھلوية أو البھلوية ) لغة فارسية قديمة ( ‪،‬‬ ‫ويذكر ) معجم اللغة العربية المعاصر ( أن ) َف ْھ َلوىُّ ( تعنى الشخص المحتال ‪،‬‬ ‫القادر على مجاراة المجتمع ‪ ،‬والتكيف السريع مع متغيراته ‪ ،‬وفى تحقيق لمجلة )‬ ‫المصور ( ]‪[٢‬عن ظاھرة الفھلوة فى مصر ‪ ،‬أن الكلمة أصلھا بھلوى الفارسية ‪،‬‬ ‫والتى تعنى ا ّدعاء التشاطر والتذاكى ‪ .‬ويذكر زبير بالل إسماعيل ]‪ [٣‬أن فھلوى‬ ‫وبھلوى اسم قديم لبالد األكراد ‪ ،‬أو للشعب الكوردى نفسه ‪ ،‬منذ العصور الوسطى ‪،‬‬ ‫وأيام الساسانيين ‪ ،‬ثم بعدھا أيام العرب المسلمين ‪ ،‬وقد جاءت من كلمة برثوه ‪،‬‬ ‫وھو اسم إلقليم خراسان قبل الميالد ‪ ،‬و ُتكتب أيضا ) ثرث ثوه( ‪ ) :‬ثرث ( تعنى‬ ‫المشرق ‪ ،‬و)ثوه( وتعنى الشمس ‪ ،‬أى مشرق الشمس ‪ ،‬وقد انتشر الثارثيون أو‬ ‫الثھلويون في المناطق الكوردية الممتدة من غرب إيران وشمال العراق وشرقه ‪،‬‬


‫وصار لقب البھلوى مرادفا لبالد كوردستان القديمة أو للشعب الكوردى نفسه ‪ ،‬بينما‬ ‫الفرس لم يكونوا من خراسان ‪ ،‬وإنما من إقليم فارس ‪ ،‬وفارس أو بارس حسب‬ ‫المعاجم الفارسية تعنى العابد أو الزاھد أو التقى المتدين الورع ‪ ،‬وقد استعمل بعض‬ ‫الفرس كلمة بھلوى ليخلعوا على أنفسھم إحساس البطولة ‪ ،‬حيث تعنى الكلمة‬ ‫المحارب البطل ‪ ،‬ويذكر محمد أمين زكى ]‪ ) [٤‬مؤرخ كوردى ‪( ١٨٨٠-١٩٤٨ ،‬‬ ‫أن اللغة البھلوية واحدة من مجموعة اللغات اإليرانية أو اآلرية ‪ ،‬وكانت فى العراق‬ ‫القديم لغة العامة فى التحادث والتحاور ‪ ،‬وقد اُكتشفت عدة آثار ووثائق مكتوبة بھا ‪،‬‬ ‫يرجع تاريخھا لعھد الساسانيين ‪ ،‬وكانت اللغة الكوردية القديمة ُتسمى لغة البھلوان‬ ‫أو البھلوانيان ‪ ،‬أى لغة المحاربين األبطال ‪.‬‬ ‫يعزو تحقيق مجلة ) المصور ( السابق اإلشارة إليه شيوع الفھلوة فى مصر إلى‬ ‫غياب القانون ‪ ،‬وھو استنتاج سليم ‪ ،‬فالفھلوة صورة من صور النصب واالحتيال ‪،‬‬ ‫وعندما يغيب القانون فال حماية للضحايا ‪ ،‬وال زجر للمجرمين ‪ ،‬وال ترھيب لكل‬ ‫من يفكر فى التعدى على أموال الناس ومصالحھم ‪ ،‬وفى التحقيق أيضا يُرجع د‪.‬‬ ‫جالل أمين ‪ ،‬أستاذ االقتصاد بالجامعة األمريكية ‪ ،‬منشأ تلك الظاھرة إلى ارتباط‬ ‫الحراك ااالجتماعى الذى شھدته مصر فى الخمسين عاما األخيرة بالمال ‪ ،‬وغياب‬ ‫القيمة العلمية أو الثقافية فيه ‪ ،‬واالنفتاح غير المنضبط فى السبعينات ‪ ..‬كل تلك‬ ‫العوامل أحدثت خلخلة لطبقات المجتمع ‪ ،‬وتآكال للطبقة الوسطى ‪ ،‬وانقالبا فى‬ ‫منظومة القيم ‪ ،‬وضياعا للخطوط الفاصلة بين الخطأ والصواب ‪ ،‬وھو ما أدى‬ ‫لظھور سلبيات كثيرة ‪ ،‬ومنھا الفھلوة ‪ ،‬فمثال تعبير ) الرزق يحب الخفية ( والذى‬ ‫كان يُستخدم للداللة على النشاط والمرونة ‪ ،‬واستغالل الفرص ‪ ،‬وخفة الظل ‪ ،‬وفھم‬ ‫الشخص المقابل أو اآلخر ‪ ،‬مما يساھم فى إنجاز المھمة ‪ ،‬وتسھيل المأمورية ‪،‬‬ ‫أصبح يعنى فى الثقافة الفھلوية خفة اليد ‪ ،‬وغياب الضمير ‪.‬‬ ‫ُتعتبر دراسة د‪ .‬حامد عمار ‪ ) :‬بناء البشر ( ‪ ،‬والتى صدرت فى ‪ ، ١٩٦٤‬أول‬ ‫تناول لظاھرة الفھلوة فى مصر ‪ ،‬وفيھا يحدد بعضا من مواصفات الشخصية‬ ‫الفھلوية ‪ ،‬مثل ‪ :‬التكيف السريع ‪ ،‬والمرونة ‪ ،‬والفطنة ‪ ،‬والمسايرة السطحية ‪،‬‬ ‫وأعقب ذلك الھادى عفيفى فى دراسته لـ ) سمات الشخصية المصرية من خالل‬ ‫األمثال الشعبية ( ‪ ،‬وفيھا أن الفھلوية تعنى االنتھازية ‪ ،‬والنفاق ‪ ،‬واألنانية ‪ ،‬والحقد‬ ‫‪ ،‬والالمباالة ‪ ،‬والسخرية ‪ ،‬وفى عام ‪ ١٩٨٨‬أشار د‪ .‬سيد عويس فى ) قراءة فى‬ ‫موسوعة المجتمع المصرى ( إلى الفھلويين كانتھازيين ‪ ،‬متلونين ‪ ،‬منافقين ‪.‬‬ ‫قد يختلف المحققون حول األصل اللغوى للكلمة ‪ ،‬وحول أسباب انتشار الفھلوة فى‬ ‫مصر ‪ ،‬ولكن األكيد أنھا ظاھرة سيئة ‪ ،‬ألنھا تعنى ببساطة االستھبال واالستعباط ‪،‬‬


‫وا ّدعاء ملكات ومواھب وقدرات غير موجودة فى صاحبھا ‪ ،‬واتباع مسالك وطرق‬ ‫غير أمينة ونزيھة وصادقة فى التعامل مع اآلخرين ‪ ،‬غير أن األخطر من فھلوة‬ ‫الفقراء والضعفاء والمحتاجين ‪ ،‬وغيرھم ممن تخلّت عنھم الدولة ‪ ،‬وضاقت بھم‬ ‫السبل ‪ ،‬وتكاثرت عليھم مطالب الحياة ‪ ..‬األخطر من ذلك فھلوة أدعياء العلم‬ ‫والثقافة ‪ ،‬وأقبح أمثلة عليھم فى أيامنا المعاصرة تلك النماذج البائسة التى اتخذت من‬ ‫اإلعالم مسكنا وأداة لھا ‪ ،‬للتضليل والتدليس والخلط على الناس ‪ ،‬فتراھم وقد‬ ‫أصبحوا خبراء استراتيجيين ‪ ،‬ومحللين سياسيين وعسكريين ‪ ،‬وفقھاء قانونيين‬ ‫ودستوريين ‪ ،‬ومفتين فى أمور الشرع والدين ‪ ،‬وغيرھا من كل أمور الحياة ‪..‬‬ ‫يفعلون كل ذلك بال علم أو دراسة أو خبرة ‪ ،‬حتى ألصبح المجتمع المصرى‬ ‫المجتمع البشرى الوحيد الذى يتحدث فيه الكل فى كل القضايا ‪ ،‬من الطب والفضاء‬ ‫وغيرھا من ميادين العلوم ‪ ،‬إلى السياسة والحكم ‪ ،‬إلى األدب والفن ‪ ،‬إلى الدين ‪..‬‬ ‫ولذا ال عجب أننا أصبحنا مجتمع األونطة ‪ ،‬والحداقة ‪ ،‬والفكاكة ‪ ،‬والھجص ‪،‬‬ ‫والھيصة ‪ ،‬والھرتلة ‪ ،‬والخطرفة ‪ ،‬والشرشحة ‪ ،‬والخزعبالت ‪ ..‬غير أن األسوأ من‬ ‫كل ذلك أننا ال نعترف بأخطائنا ‪ ،‬وال نمتلك الشجاعة األدبية لنصارح أنفسنا بما‬ ‫نعانيه من عيوب ومزالق ومآزق ‪ ،‬وال نعرف أھمية اإلقرار بالزالت واألخطاء ‪،‬‬ ‫واالعتذار والتوبة ‪ ،‬والعزم على تجنب كل ما يعيب ويشين ‪ ،‬وال نبدى رغبة‬ ‫صادقة فى التعلم واإلصالح ‪ ..‬فقط نطرمخ على كل عيوبنا ومشاكلنا ‪ ،‬ونظن أن‬ ‫ذلك يكفى لمداراتھا وإخفائھا ‪ ،‬أو تأجيل البحث عن حلول لھا ‪ ،‬وكلما فعلنا ذلك‬ ‫استيقظنا على نكسة أو كارثة أو مصيبة أو مأساة ‪ ،‬وساعتھا يخرج المنافقون‬ ‫والكاذبون يبعثرون التھم يمنة ويسرة ‪ ،‬على أعداء الداخل والخارج ‪ ،‬أو على‬ ‫البسطاء الذين ال عزاء لھم ‪ ،‬أو ي ّدعون أن ك َل حاجة تمام ‪ ،‬وك َل شئ تحت السيطرة‬

‫‪ -‬أونطة‬

‫األونطة مشتقة من كلمة أفنطة ‪ ،‬وھى يونانية تعنى الحيلة‪ ..‬يُقال لمن يستخدم الحيلة‬ ‫في تحقيق أغراضه أونطجى ‪.‬‬ ‫‪ -‬الحداقة‬


‫والحذا َقة ‪ :‬المھارة في كل شئ ‪ ..‬يقال ‪َ :‬حذِق‬ ‫يذكر معجم )لسان العرب (‪ :‬الح ِْذق‬ ‫َ‬ ‫وحذاقة ‪ ،‬فھو حاذق‬ ‫وحذاقا ً ‪ ،‬وحِذاقا ً ‪ ،‬وحِذاقة‪َ ،‬‬ ‫وح ِذ َقه َح ْذقاً‪ ،‬وح ِْذقا ً ‪َ ،‬‬ ‫الشئ َيحْ ِذقُه ‪َ ،‬‬ ‫من قوم ح َُّذاق ‪ ،‬أما َح َد َق فتعنى أحاط به ‪ ..‬يقال ‪َ :‬حد َ‬ ‫َق القوم بالرجل وأحدقوا به ‪:‬‬ ‫أى أحاطوا به ‪ ..‬ويبدو أن كال الجذرين ‪َ :‬حذِق ‪َ ،‬حد َ‬ ‫َق ‪ ،‬يحمالن معنى الحداقة‬ ‫المصرية ‪ ،‬من ادعاء المھارة ‪ ،‬ومحاوطة الخصم أو الضحية بكل الحيل‬ ‫واالدعاءات ‪.‬‬ ‫ الفكاكة‬‫الفكاكة مثل الحداقة ‪ ،‬ويذكر ) معجم اللغة العربية المعاصر ( أن ف َّكاك صيغة‬ ‫ك ‪ ،‬فيقال ‪ :‬ف َّكاك الرموز أى الذى يحلھا ويكشف معانيھا ‪ ،‬وجذرھا ف‬ ‫مبالغة من ف َّ‬ ‫ك ك ‪ ،‬وال ِف َكاك ما يُفك به الرھن أو األسير ‪.‬‬ ‫ الھجص‬‫س الشئ في النفس ‪ :‬أى وقع ‪ ،‬وفى ) العباب‬ ‫في معجم ) مقاييس اللغة ( ‪َ :‬ھ َج َ‬ ‫الزاخر ( ‪ :‬الھا ِجس ُ‪ :‬الخاطر بالبال ‪ ،‬وھو أن ي َُح ّدث المرء نفسه ‪ ،‬ويجد في صدره‬ ‫س في صدرى شئ َي ْھ ِجسُ َھجْ سا ً ‪ ،‬وفى ) القاموس‬ ‫مثل الوسواس ‪ ..‬يُقال ‪َ :‬ھ َج َ‬ ‫المحيط ( ‪ :‬وقعوا في َمھْجوس من األمر ‪ :‬أى ارتباك واختالط ‪ ..‬فالتھجيص إذن‬ ‫ھو الكالم المختلط المرتبك الذى ال أساس له من علم أو خبرة ‪ ،‬وال منطق وال عقل‬ ‫فيه ‪ ،‬وإنما يشبه الوساوس والھالوس ‪.‬‬

‫ الھيصة‬‫في مجتمعنا الكل ھايص واليص ‪ ،‬أى حراك وعنف وفوضى بال فائدة أو ھدف ‪..‬‬ ‫وھاص َيھيصُ‬ ‫جاء في ) لسان العرب ( ‪ :‬ال َھيْصُ ‪ :‬العنف بالشئ )ابن األعرابى ( ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َھيْصا ً ‪ :‬إذا رمى ‪ ،‬ومع ھذه الھيصة فالكل اليص ‪ ،‬وأصلھا كما فى ) معجم اللغة‬ ‫س َيأْ َيسُ أ َيسا ً وإياسا ً أى يئس وقنط وانقطع رجاؤه ‪ ،‬فھو‬ ‫العربية المعاصر ( ‪ :‬أَ ِي َ‬ ‫وأيسٌ ‪ ،‬والمفعول مأيوس منه‬ ‫ِآيسٌ ِ‬


‫ الھرتلة‬‫فى ) لسان العرب ( ‪َ :‬ھ َر َط الرجل في عرض أخيه َيھْر ُ‬ ‫طه َھ ِرطا ً ‪ :‬أى طعن فيه‬ ‫ِ‬ ‫وتن َقصه ‪ ،‬وتھارط الرجالن ‪ :‬إذا تشاتما ‪ ،‬واإلنسان يھرط في كالمه ‪ :‬أى يسفسف‬ ‫ويخلط ‪ ..‬يُقال َھ َر َ‬ ‫ضه و َھ َر َطه و َھ َر َده ‪ ،‬و َھ َر َد الثوب َيھ ِْر ُده َھرْ داً ‪ :‬أى م ّزقه‬ ‫ت عِ رْ َ‬ ‫وطعن فيه ‪ ،‬وال َھرْ ُ‬ ‫ت ‪ :‬أى الطعن والتمزيق ‪َ ..‬ھرْ َط َم أيضا مثل َھ َر َ‬ ‫ت ‪َ ،‬ھ َر َد ‪،‬‬ ‫َھ َر َط ‪ ،‬والھرتلة قريبة أيضا من الھرطقة فى المعنى ‪ ،‬فالھرطقة تعنى االبتداع بما‬ ‫يخالف النصوص الدينية المقدسة ‪ ،‬ويتسع المعنى ليشمل كل قول أو فعل يخالف ما‬ ‫استقر فى األعراف ‪ ،‬وأجمع الكل على صحته وتقبله ‪ ،‬غير أن الھرطقة أصلھا‬ ‫االسم ‪heretic‬‬ ‫ الخطرفة‬‫ف كما في ) لسان العرب ( تعنى ‪ :‬أسرع ‪ ..‬يُقال َخ ْط َرف الجمل و َت َخ ْطرف ‪:‬‬ ‫َخ ْط َر َ‬ ‫أى جعل خطوتين خطوة من وساعته ‪ ،‬و َت َخ ْط َرف ‪ :‬أسرع في المشى ‪ ،‬ووسّع‬ ‫َ‬ ‫الخ ْطو‪ ،‬وفى ) معجم اللغة العربية المعاصر ( ‪ :‬خطرفة المريض ‪ :‬الھذيان ‪،‬‬ ‫والمتأمل فى أحوالنا يجد أن الجميع يتكلم أى كالم فى أى موضوع ‪ ،‬وھو الھذيان‬ ‫بعينه ‪.‬‬

‫‪ -‬الشرشحة‬

‫في الفصحى ‪َ :‬ش َر َح ‪ :‬أى َق َط َع ‪ ،‬وشرَّ ح ‪ :‬أى َق َّطع ‪ ،‬ومنه علم التشريح ‪anatomy‬‬ ‫‪ ،‬و َش َر ُ‬ ‫حت الكالم ‪ :‬أى وضّح ُته وفسّر ُته ‪ ،‬وھو نفس المعنى ‪ ،‬فالشارح ُي َفصّل‬ ‫الكالم أو ُي َقطعه فيوضح ما خفى منه ‪ ،‬وفى العامية ‪ :‬شرْ َش َحه أو َشرْ َشح عرضه أى‬ ‫‪َّ :‬‬ ‫وجرّحه بلسانه ‪ ،‬وتمادى في نقده وتوبيخه ‪ ،‬وامرأة‬ ‫مزقه ‪ ،‬ونبش عن عيوبه ‪َ ،‬‬ ‫شرشوحة ‪ :‬أى ممزقة لألعراض ‪.‬‬


‫ خزعبالت‬‫في ) معجم الصحاح في اللغة (‪ُ :‬خ َزعْ بالت مفردھا ُخ َزعْ ِبل ‪ ،‬وتعنى األباطيل ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أضحكت به القوم ‪ ..‬يُقال ‪ :‬ھات بعض ُخ َزعْ بيالتِك ‪ ،‬وفى ) معجم‬ ‫وال ُخ َزعْ بي َل ُة ‪ :‬ما‬ ‫اللغة العربية المعاصر ( ‪ُ :‬خ َزعْ بالت ‪ :‬أحاديث باطلة ‪ ،‬أو مستطرفة تبعث على‬ ‫الضحك ‪.‬‬ ‫ الطرمخة‬‫اط َر َھ َّم ‪ْ ،‬‬ ‫اط َر َخ َّم الليل إذا اسْ َو َّد ‪ ،‬ومثلھا ‪ْ :‬‬ ‫فى ) لسان العرب ( ‪ْ :‬‬ ‫واط َر َخ َّم الرجل ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫والمط َر ِخ ُّم ‪ :‬أى المضْ ط ِج ُع أو الم ْن َتفِخ‬ ‫واالط ِرخما ُم ‪ :‬االضطجاع ‪،‬‬ ‫صرُه ‪،‬‬ ‫أى َك ّل َب َ‬ ‫التخ َمة ‪ ،‬وفى ) الصحاح فى اللغة ( ‪ْ :‬‬ ‫َّ‬ ‫من ُّ‬ ‫وتعظم ‪ ،‬وكلھا‬ ‫اط َر َخ َّم أى شمخ بأنفه‬ ‫معانى تتماشى مع حالة الطرمخة الرسمية والشعبية على كل مشاكلنا ‪ ،‬حيث نلفھا‬ ‫بسواد السرية والكتمان ‪ ،‬أو نتعامى عنھا ونطنش ‪ ،‬أو نتكاسل عنھا كالمتخم المنتفخ‬ ‫من الطعام والشراب ‪ ،‬أو نشمخ ونتعاظم عن اإلقرار بخيبتنا ووكستنا ‪.‬‬ ‫ الطناش‬‫الط َنس ‪ ،‬وفى ) لسان العرب ( ‪َّ :‬‬ ‫كلمة الطناش أصلھا َّ‬ ‫الط َنسُ ‪ :‬الظلمة الشديدة ‪..‬‬ ‫الطمْسُ أو َّ‬ ‫يقول ابن األزھرى ‪ :‬قُلبت الميم نونا ‪ ،‬واألصل َّ‬ ‫الط َلسُ ‪ ،‬والمعنى يتشابه‬ ‫مع الطرمخة ‪ ،‬حيث فى الظلمة تختفى األشياء ‪ ،‬ويتعامى عنھا أھل الطناش ‪.‬‬ ‫ بزرميط‬‫ى مجتمع تتفشى فيه كل تلك العيوب ‪ ،‬البد أن يكون مجتمع البزرميط ‪ ،‬والكلمة‬ ‫أ ُ‬ ‫فى اإلنجليزية ‪ ، bizzare‬وتعنى الشاذ أو الغريب أو غير المتسق أو المتناسق ‪،‬‬ ‫وقد جاءت من الفرنسية )‪ ( ١٦٤٠-١٦٥٠‬عن اإليطالية ‪ ، bizarro‬وفى أثناء‬ ‫الحملة الفرنسية )‪ ( ١٧٩٨-١٨٠١‬انتقلت إلى اللسان المصرى لتعطى داللة‬ ‫صارخة على أحوالنا ‪ ..‬أال يلحظ القارئ معى أن كل تلك السمات التى ذكرتھا فى‬ ‫تلك الفقرة ‪ ،‬نقيض للتخطيط والتنظيم والترتيب والمنھجية ‪ ،‬والجد واإلجادة واإلتقان‬ ‫والدقة والصرامة ‪ ،‬واإلخالص واألمانة و‪ ،‬واحترام الغير ‪ ،‬وااللتزام بالدين‬ ‫والعرف والقانون ‪ ،‬وغيرھا من كل مقومات التقدم والنھضة ‪ ،‬وخصائص‬ ‫المجتمعات المتحضرة ؟‬


‫المراجع ‪:‬‬ ‫]‪ [١‬أحمد تيمور ‪ .‬معجم تيمور الكبير فى األلفاظ العامية ‪ .‬تحقيق ‪ :‬حسين نصار ‪.‬‬ ‫الھيئة العامة للتأليف والنشر ‪١٩٧١ .‬‬ ‫]‪ [٢‬مجلة المصور ‪ ٩ .‬ديسمبر ‪٢٠٠٥‬‬ ‫]‪ [٣‬زبير بالل إسماعيل ‪ .‬تاريخ اللغة الكوردية ‪ :‬ص‪ . ٢٨ :‬مطبعة الحوادث ‪.‬‬ ‫بغداد ‪١٩٧٧ .‬‬ ‫]‪ [٤‬محمد أمين زكى ‪ .‬خالصة تاريخ الكورد وكوردستان من أقدم العصور‬ ‫التاريخية حتى اآلن ‪ .‬ترجمة ‪ :‬محمد على عونى ‪ .‬الطبعة الثانية ‪ .‬ج ‪ . ١‬ص ‪:‬‬ ‫‪ . ٣٠٤‬دار اإلسالم ‪ .‬بغداد ‪١٩٦١ .‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬العشوائية كثقافة وسلوك فى المجتمع المصرى‬


‫تعانى المجتمعات البشرية قديما وحديثا عديدا من العيوب االجتماعية والسلوكية ‪،‬‬ ‫غير أن الخاصية الفريدة فى مصر ‪ ،‬أن عيوبنا االجتماعية والسلوكية قد تم تقبلھا ‪،‬‬ ‫والرضى بھا ‪ ،‬والتعايش معھا ‪ ،‬وأصبحت جزءا من الثقافة والمفاھيم الراسخة فى‬ ‫العقلية والنفسية الجمعية ‪ ،‬ومع التقبل والرضى والتعايش أصبحت سلوكيات مألوفة‬ ‫ومعتادة ودارجة ‪ ،‬وتصدر من غالبية الناس ‪ ،‬وال تثير االشمئزاز والنفور ‪ ،‬بل‬ ‫وأصبح الخروج عليھا ھو الشذوذ والشرود ‪ ،‬وھو ما يبعث على التفكه والتندر ‪،‬‬ ‫وھو ما يثير االشمئزاز والنفور ‪ ،‬وھنا تأتى طامة المجتمع المصرى الكبرى ‪ ،‬ألن‬ ‫العيب لو قام به اإلنسان ‪ ،‬مع اإلقرار به كعيب ونقيصة ‪ ،‬وعمل مستھجن‬ ‫ومرفوض دينيا وثقافيا واجتماعيا وسلوكيا ‪ ،‬وأن الوقوع فيه كان لضعف أو ھوى‬ ‫أو شھوة أو تقليد أو ـتحت تأثير ظروف أو اعتبارات طارئة ‪ ،‬فإن فرصة إصالحه‬ ‫تظل دائما قائمة وموجودة ‪ ،‬على عكس القيام به مع القناعة أنه ذكاء وشطارة ‪،‬‬ ‫وداللة على تفتيح المخ ‪ ..‬ألسنا من دھن الھوا دوكو ‪ ،‬وخرم التعريفة ؟ ‪ ..‬من ُي ّقر‬ ‫بالخطأ ‪ ،‬ويبحث فى أسبابه ‪ ،‬وطرق عالجه ‪ ،‬يملك دوما فرصة التغيير واإلصالح‬ ‫‪ ،‬ومن يسمى األشياء بغير أسمائھا ‪ ،‬ويلبس الحق ثوب الباطل ‪ ،‬والباطل ثوب الحق‬ ‫‪ ،‬تنقلب لديه المعايير ‪ ،‬وتختلط عليه األشياء ‪ ،‬ويھيؤ نفسه وعقله وقلبه وجوارحه‬ ‫ووجدانه لتقبل الخطأ والعيب والباطل ‪ ،‬بأسماءھا الجديدة المزيفة ‪.‬‬ ‫لقد تعايشنا مع األنظمة الفرعونية والقمعية والعسكرية األمنية ‪ ،‬ومع تخلى الدولة‬ ‫عن واجباتھا نحو مواطنيھا ‪ ،‬ومع بنية تحتية مھترئة فى كل شئ ‪ ،‬ومع غالء‬ ‫األسعار ‪ ،‬وجشع التجار ‪ ،‬ومع الدروس الخصوصية ‪ ،‬ومع فوضى الشوارع ‪،‬‬ ‫وھرجلة المرور ‪ ،‬وغياب اآلدمية فى المواصالت العامة ‪ ،‬ومع الرشوة والواسطة‬ ‫والمحسوبية ‪ ،‬ومع اإلعالم الفاسد ‪ ،‬والصحافة الضالة ‪ ،‬والنخبة الكاذبة ‪ ،‬والصخب‬ ‫والضوضاء والضجيج ‪ ،‬ومع األمراض المتوطنة ‪ ،‬ومع تلوث الطعام والماء‬ ‫والھواء ‪ ،‬وغيرھا مما نعرفه جميعا ‪ ،‬حتى أننا لم نترك شيئا تعافه المجتمعات الحيّة‬ ‫إال وجعلناه روتينا فى حياتنا اليومية ‪ ..‬نماذج العشوائية التى أصبحت ثقافة وسلوكا‬ ‫فى مجتمعنا ال تخطئھا العين ‪ ،‬ومن كثرتھا وشيوعھا لم تترك مجاال من مجاالت‬ ‫حياتنا الفردية والمؤسساتية والمجتمعية إال وطالته ‪ ،‬ووسمته بطبائعھا وخصالھا ‪،‬‬ ‫ومن األمثلة على ذلك ‪:‬‬


‫‪ -١‬فوضى المرور وحوادث الطرق‬

‫تص ّنف منظمة الصحة العالمية ‪ World Health Organization‬أو ) ‪( WHO‬‬ ‫مصر فى مقدمة دول العالم فى معدالت حوادث الطرق ‪ ،‬وتقدر الجمعية العربية‬ ‫للطرق إجمالى الحوادث فى عام ‪ ٢٠١٠‬بـ ‪ ٢٥،٠٠٠‬حادثة ‪ ،‬نتج عنھا ‪٨،٥٠٠‬‬ ‫قتيل ‪ ،‬و ‪ ٣٥،٠٠٠‬مصاب ‪ ،‬بينما ينخفض العدد فى إحصائيات وزارة الداخلية إلى‬ ‫‪ ٧،٠٠٠‬قتيل ‪ ،‬وتصل به وزارة الصحة إلى ‪ ، ٧،٥٠٠‬ويرتفع إلى ‪ ١٢،٠٠٠‬فى‬ ‫تقارير بعض الجھات المستقلة ‪ ،‬ويذكر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس‬ ‫الوزراء أن الخسائر السنوية لحوادث الطرق تصل إلى أربعة مليارات جنيه ‪ ،‬وأن‬ ‫عدد قتلى حوادث الطرق فى مصر ‪ ،‬فى الفترة من ‪ ١٩٩٠‬وحتى ‪ ، ٢٠٠٨‬وصل‬ ‫إلى ‪ ١١٠،٠٠٠‬قتيل ‪ ،‬بمعدل ‪ ٢٢٢‬حالة لكل ‪ ١،٠٠٠‬كيلو متر ‪ ،‬بينما المعدل‬ ‫العالمى ال يتجاوز ‪ ) ٢٠‬حسب الجھاز المركزى للتعبئة العامة واإلحصاء ‪ ،‬تسببت‬ ‫حوادث الطرق فى الفترة من ‪ ١٩٩٠-٢٠٠٦‬إلى موت ‪ ، ٨٨،٧٧٩‬وإصابة‬ ‫‪ ، ٣٧٩،٣٣٣‬مما يجعل من مصر الدولة األولى عالميا فى معدالت حوادث الطرق‬ ‫وأعداد الضحايا ( ‪ ،‬وفى التقرير السنوى لحوادث السيارات والقطارات لعام ‪٢٠١٠‬‬ ‫‪ ،‬والصادر عن الجھاز المركزى للتعبئة العامة واإلحصاء ‪ ،‬فى ‪ ٢٨‬يوليو ‪، ٢٠١١‬‬ ‫وصلت حوادث السيارات إإلى ‪ ٢٤،٣٧١‬حادثة ‪ ،‬بينما كانت ‪ ٢٢،٧٩٣‬فى عام‬ ‫‪ ، ٢٠٠٩‬بزيادة ‪ ، ٦٫٩%‬أوقعت ‪ ٧،٠٤٠‬قتيال ‪ ،‬مقارنة بـ ‪ ٦،٤٨٦‬فى ‪، ٢٠٠٩‬‬ ‫بزيادة ‪ ، ٧٫٩%‬فى حين وصل عدد المصابين إلى ‪ ، ٣٦،٠٢٨‬بزيادة ‪ ٧٫٩%‬عن‬


‫عام ‪ ٣٥،٤٢٨ ) ٢٠٠٩‬مصابا ( ‪ ،‬وھو ما تسبب فى إتالف ‪ ٣٦،٠٢٨‬سيارة ‪ ،‬فى‬ ‫حين كان العدد ‪ ٣٥،٤٢٨‬فى ‪ ، ٢٠٠٩‬بزيادة ‪ ، ٠٫٤ %‬ويشير التقرير أيضا إلى‬ ‫ارتفاع معدل حوادث السيارات من ‪ ٦٢٫٤‬حادثة يوميا فى ‪ ٢٠٠٩‬إلى ‪ ٦٦٫٨‬فى‬ ‫‪ ، ٢٠١٠‬وزبادة معدل الضحايا من ‪ ١٧٫٨‬قتيال ‪ ٩٧٫١ ،‬مصابا ‪ ،‬يوميا فى ‪٢٠٠٩‬‬ ‫إلى ‪ ١٩٫٣‬قتيال ‪ ٩٨٫٧ ،‬مصابا ‪ ،‬يوميا فى ‪ ، ،٢٠١٠‬ويمثل الشباب من الفئة‬ ‫العمرية ‪ ١٥-٣٠‬عاما ‪ ٤٨٫٤%‬من إجمالى القتلى لعام ‪ ، ٢٠١٠‬بمعدل ‪ ١٤‬شابا‬ ‫لكل ‪ ١٠٠،٠٠٠‬نسمة ‪ ،‬وفى الجانب اآلخر انخفضت حوادث القطارات فى ‪٢٠١٠‬‬ ‫إلى ‪ ، ١،٠٥٧‬وتسببت فى مقتل ‪ ٣٠‬راكبا ‪ ،‬وكانت ‪ ١،٥٧٧‬فى ‪ ، ٢٠٠٩‬وتسببت‬ ‫فى مقتل ‪ ٦٤‬راكبا ‪ ،‬بنقص قدره ‪ ، ٣٣%‬بمعدل ‪ ٤٫٣‬حادثة لكل مليون راكب ‪،‬‬ ‫بينما كان المعدل ‪ ٥٫٩‬فى ‪ ، ٢٠٠٩‬وحسب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار‬ ‫بمجلس الوزراء ‪ ،‬وقعت ‪ ٧،٣٩٤‬حادثة بقطاع السكك الحديدية ‪ ،‬فى الفترة بين‬ ‫‪ ، ٢٠٠٠-٢٠٠٦‬تسببت فى مقتل ‪ ، ٥٧٣‬وإصابة ‪٨٠٥‬‬ ‫تتفاوت أرقام الضحايا المعلنة حسب الجھة ‪ ،‬فمثال د‪ .‬أشرف حاتم وزير الصحة‬ ‫السابق ‪ ،‬يذكر أن قتلى حوادث الطرق فى عام ‪ ٢٠٠٩‬كان قريبا من ‪، ١٢،٣٠٠‬‬ ‫بينما كان عدد المصابين ‪ ، ١٥٤،٠٠٠‬بينما تذكر صحيفة ) المصريون ( فى عددھا‬ ‫بتاريخ ‪ ٣‬أغسطس ‪ ٢٠١٠‬أنه حسب بحوث وحدات المرور بوزارة الداخلية ‪ ،‬شھد‬ ‫عام ‪ ٢٠٠٩‬مقتل ‪ ، ٦،٤٨٧‬وإصابة ‪ ٣٥،٠٠٠‬فى ‪ ٢٢،٩٢٠‬حادثة ‪ ،‬وتشير نفس‬ ‫الصحيفة فى ‪ ١٢‬أبريل ‪ ٣٠٠٩‬إلى مقتل ‪ ، ٧،٥٥‬وجرح ‪ ٩٣،٠٠٠‬فى حوادث‬ ‫الطرق ‪ ،‬فى عام ‪ ، ٢٠٠٨‬بينما الخبير األلمانى ) مارتن مونيجبھوف ( ‪،‬‬ ‫والمسؤول عن برنامج تحسين الطرق فى مصر بالتنسيق مع االتحاد األوروبى ‪،‬‬ ‫يصل بعدد القتلى إلى ‪١٢،٠٠٠‬‬ ‫ھذا التفاوت فى األرقام بين أجھزة الدولة المختلفة داللة من دالئل العشوائية ‪،‬‬ ‫عالوة على أن حوادث الطرق نفسھا نتيجة من نتائج العشوائية وعدم االنضباط فى‬ ‫القيادة ‪ ،‬وفى تصميم الطرق وتنفيذھا ‪ ،‬وفى إشارات المرور وضوابطه وآدابه ‪،‬‬ ‫وترى الجمعية العربية للطرق أن العامل البشرى يشكل ‪ ٨٦%‬من إجمالى أسباب‬ ‫الحوادث ‪ ،‬والباقى بسبب الطرق ‪ ،‬وأن الطرق السريعة التى تتبع وزارة النقل يصل‬ ‫طولھا إلى ‪ ٢٤،٠٠٠‬كيلو متر ‪ ،‬من إجمالى ‪ ٤٧،٠٠٠‬كيلو متر ‪ ،‬ويقع عليھا‬ ‫‪ ١٥%‬من الحوادث ‪ ،‬بينما النسبة المتبقية من نصيب المحليات ‪ ،‬ويُرجع تقرير‬ ‫الجھاز المركزى للتعبئة العامة واإلحصاء السابق اإلشارة إليه ‪ ٦١%‬من أسباب‬ ‫الحوادث إلى العامل البشرى ‪ ،‬و ‪ ٢٣%‬إلى الحالة الفنية للسيارات ‪.‬‬


‫‪ -٢‬فوضى المبانى‬

‫ذكرت صحيفة ) المصريون ( فى عددھا بتاريخ ‪ ٣١‬يوليو ‪ ، ٢٠١٠‬أن تقريرا‬ ‫لمحافظة القاھرة أشار إلى وجود ‪ ٨،٨٠٠‬عقار مھددة باالنھيار حاليا وفى أية لحظة‬ ‫‪ ،‬منھا ‪ ٢،٧٠٠‬فى وسط البلد ‪ ،‬و ‪ ٢،٥٠٠‬فى أحياء مصر القديمة والسيدة زينب‬ ‫والخليفة ‪ ،‬و ‪ ٢،٠٠٠‬فى المناطق الشمالية ) شبرا والساحل وروض الفرج‬ ‫والشرابية والزاوية وحدائق الزيتون ( ‪ ،‬و ‪ ١،٦٠٠‬فى الدويقة والسالم والنھضة‬ ‫والمرج ومصر الجديدة ‪ ،‬وفى تقرير لعضو مجلس الشورى السابق أحمد محمود‬ ‫بيومى ‪ ،‬وجھه إلى رئيس الوزراء وقتھا د‪ .‬أحمد نظيف ‪ ،‬ومحافظ القاھرة ‪،‬‬ ‫وأشارت إليه نفس الصحيفة بتاريخ ‪ ١٩‬يوليو ‪ ، ٢٠١٠‬أن ‪ ٢٥%‬من عقارات‬ ‫القاھرة آيلة للسقوط ‪ ،‬وأن ‪ ٤٠%‬من العقارات القديمة انتھى عمرھا االفتراضى ‪،‬‬ ‫ويجب إزالتھا فورا لتشكيلھا خطرا على حياة السكان ‪ ،‬كما أنھا السبب فى سلسلة‬ ‫االنھيارات اليومية التى يذھب ضحيتھا عشرات المواطنين األبرياء ‪ ،‬وأن ‪٢٣%‬‬ ‫من المنازل القديمة بمحافظة القاھرة قد صدرت لھا قرارات إزالة فورية واجبة‬ ‫النفاذ ‪ ،‬ولم يتم تنفيذھا حتى اآلن ‪ ،‬ومعظمھا بدون مرافق بعد أن قامت األحياء‬


‫بقطع المرافق عنھا ‪ ،‬إلجبار سكانھا على إخالئھا تمھيدا إلزالتھا ‪ ،‬ولكن سكانھا‬ ‫وصّلوا لھا المرافق بطرق عشوائية ‪ ،‬وبالواسطة والرشوة والمحسوبية ‪ ،‬ويضيف‬ ‫التقرير أنه عقب زلزال ‪ ١٩٩٢‬والذى ضرب القاھرة ‪ ،‬وتسبب فى سقوط وتصدع‬ ‫أكثر من مليون وحدة سكنية ‪ ،‬صدرت آالف من قرارات اإلزالة لنحو ‪١٢٠،٠٠٠‬‬ ‫وحدة ‪ ،‬معظمھا لم يُنفذ لتقاعس المسؤولين ‪ ،‬واعتراض السكان ‪ ،‬وتذكر الصحيفة‬ ‫أن عقار الدرب األحمر الذى انھار فى يوليو ‪ ، ٢٠١٠‬قد صدر له قرار إزالة رقم‬ ‫‪ ١٥٢١‬فى ‪ ، ١٩٩٣‬غير أن مسؤولى المحافظة حرروا شھادة بالمحسوبية لصاحب‬ ‫العقار تفيد بأنه تمت إزالته ‪ ،‬ليظل قائما حتى ينھار على قاطنيه بعدھا بسبعة عشر‬ ‫عاما ‪.‬‬ ‫‪ -٣‬فوضى الريف المصرى‬

‫ال تقتصر الفوضى والعشوائية على المدينة ‪ ،‬ولكن الريف المصرى له منھا نصيب‬ ‫كبير ‪ ،‬وقد كشف تقرير ) مركز األرض لحقوق اإلنسان ( ‪ ،‬حسب صحيفة )‬


‫المصريون ( بتاريخ ‪ ٣‬أغسطس ‪ ، ٢٠١٠‬عن تدھور شامل للحياة فى الريف‬ ‫مقارنة بعام ‪ ، ١٩٨٠‬حيث وصلت معدالت البطالة إلى ‪ ، ٦٠%‬ومعدالت الفقر إلى‬ ‫أكثر من ‪ ، ٧٥%‬وارتفعت معدالت الجريمة ‪ ،‬كالسرقة والنصب ‪ ،‬إلى أكثر من‬ ‫‪ ، ٨٥%‬وتدھورت القيم االجتماعية ‪ ،‬كما شاع االستخدام المفرط للمبيدات‬ ‫المحظورة ‪ ،‬وتدھورت أوضاع البيئة ‪ ،‬وازدادت مشاكل الفالحين بسبب تلوث المياه‬ ‫ونقصھا ‪ ،‬وتبوير األراضى الزراعية ‪ ،‬وانتشار فيروس ‪ C‬والفشل الكلوى ‪،‬‬ ‫ويضيف التقرير أنه ورغم مرور العقد األول من القرن الحادى والعشرين إال أن‬ ‫‪ ٤٠‬مليون فالح مازالوا يعيشون تحت خط الفقر ‪ ،‬وأن االستثمارات األجنبية فى‬ ‫قطاع الزراعة لم تتجاوز ‪ ٧٦‬مليون دوالر ‪ ،‬أى ‪ ١%‬من قيمة االستثمارات فى‬ ‫قطاع البترول ‪ ،‬وخالل قرنين من الزمان وصلت األرض الزراعية إلى ‪ ٦٫٢‬مليون‬ ‫فدان فقط ‪ ،‬وكانت ‪ ٢‬مليون فى ‪ ، ١٨١٣‬زادت إلى ‪ ٤‬مليون فى ‪ ، ١٩٥٢‬وبلغ‬ ‫الناتج الزراعى ‪ ١٨٫٨%‬من الناتج القومى ‪ ،‬ومع بداية الثمانينيات ‪ ،‬والتطبيق‬ ‫العشوائى لسياسات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى واقتصاديات السوق الحر ‪،‬‬ ‫حدث تدھور خطير فى كل مكونات الحياة الريفية ‪ ،‬وازدادت الحوادث والمنازعات‬ ‫‪ ،‬والتى أدت فى النصف األول من عام ‪ ٢٠١٠‬إلى مقتل ‪ ١٤٥‬مزارعا ‪ ،‬وإصابة‬ ‫‪ ، ٥٨٥‬والقبض على ‪ ، ٦٧٢‬وأدى قانون العالقة اإليجارية بين المالك والمستھلك‬ ‫رقم ‪ ٩٦‬لعام ‪ ١٩٩٢‬إلى طرد ‪ ٩٠٠،٠٠٠‬مستأجر ‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أطفال الشوارع‬


‫عا ٌر على أى مجتمع من المجتمعات أن يعيش بعضٌ من أطفاله فى الشوارع ‪ ،‬أيا‬ ‫كانت األسباب ‪ ،‬غير أن المأساة الدامية أن بعض المجتمعات استمرأت ذلك ‪ ..‬تشير‬ ‫أميرة قطب ]‪ [١‬إلى ‪ " :‬دراسة أعدھا االئتالف البريطانى للجمعيات العاملة مع‬ ‫ص ّنفت‬ ‫األطفال بال مأوى ‪ ،‬بھدف قياس حجم الظاھرة فى ‪ ٩٠‬دولة ‪ ،‬إلى أن مصر ُ‬ ‫ضمن أكثر ‪ ٣٠‬دولة يتضاعف فيھا حجم الظاھرة بشكل مقلق " ‪ ،‬وتضيف ‪ " :‬ليس‬ ‫بالعنف الجسدى وحده يولد الطفل بال مأوى ‪ ،‬فالتفكك األسرى ‪ ،‬واإلھمال ‪ ،‬الذى‬ ‫يعانى منه على التوالى ‪ ، ٦٠%‬و ‪ ٧٧%‬من األطفال بال مأوى ‪ ،‬يمھد لنا الطريق‬ ‫أمام انتھاكات أخرى مثل زنا المحارم ‪ ،‬واالستغالل الجنسى ‪ ،‬وتزداد بالطبع حدة‬ ‫ھذه الظاھر فى المناطق المھمشة ‪ ،‬التى ياتى منھا ‪ ٩٣%‬من ھؤالء األطفال ‪.‬‬ ‫ويذكر وائل زكى ]‪ [٢‬أن العشوائيات ھى مصدر أطفال الشوارع ‪ " :‬فأين مكامن‬ ‫المشكلة ؟ عشرات السنوات مرت على مصر تجمع فى مسيرتھا صنوفا من أبنائھا‬ ‫متنوعى المستويات والدوافع منذ ستينيات القرن الماضى ‪ ،‬مع االستقطاب الصناعى‬ ‫‪ ،‬إلى استقبال المھجرين قسرا من مدن القنال ‪ ،‬إلى موجات الزحف من أرجاء‬ ‫مصر إلى القاھرة ‪ ،‬منذ منتصف السبعينيات وبدايات رصد قطاع اقتصادى ھامشى‬ ‫ال رسمى ‪ ،‬ثم موجات متتالية مع تحرير العالقة اإليجارية فى األطيان الزراعية‬ ‫خالل تسعينيات القرن الماضى ‪ ،‬والتى خلفت عشرات اآلالف من الفالحين‬ ‫المضارين والمتوجھين إلى المدن الرئيسية طلبا للقمة العيش ‪ ،‬مع استقبال الھجرة‬ ‫والعمالة المرتدة من بعض الدول العربية ‪ ،‬كل ذلك كانت تحتضنه مسطحات‬ ‫عمرانية آخذة فى االمتداد حول المدن ‪ ،‬أو متجمعة حول مناطق عمران قديمة‬ ‫انحصرت داخل المدينة ولم تنحسر فى امتدادھا ‪ ،‬لتصبح مناطق إسكان عشوائى ‪...‬‬ ‫داخل ھذه البيئة العمرانية ‪ ،‬والمستوى السكنى واالقتصادى المتردى ‪ ،‬أس ٌر تعيش‬ ‫فى غرف وأكواخ وعشش وخيام وأحواش المدافن ‪ ،‬يُقدر عددھم بنحو مليون‬ ‫ونصف مليون أسرة )‪ ١،٤١١،٥٣٣‬إحصاء ‪ ،( ٢٠٠٦‬فى حين يذكر الجھاز‬ ‫المركزى للتعبئة العامة واإلحصاء فى تقديراته لعام ‪ ، ٢٠٠٧‬أن ھناك ‪٨٧٠‬‬ ‫عشوائية ‪ ،‬يصل عدد سكانھا إلى نحو ‪ ١٢٫٢‬مليون نسمة ‪ ...‬فى ھذا الخضم من‬ ‫العمران العشوائى تبدو ظاھرة أطفال الشوارع بكل مآسيھا ومؤشراتھا ھى اإلفراز‬ ‫االجتماعى لتلك المجتمعات والبؤر العشوائية داخل المدن ‪ ،‬وھى نتاج ذلك الخلط‬ ‫العشوائى فى العالقات االجتماعية ‪ ،‬تلك الغرف والمساكن التى تضيق بساكنيھا‬ ‫الذين قد يتجمع منھم األسرة الممتدة لجيلين داخل غرفة واحدة ‪ ،‬فينطلق منھا الطفل‬ ‫برغبة مشتركة مع ذويه دون حاجة التفاق إلى رحاب الشارع وانفتاح بيئة التعامل ‪،‬‬ ‫ليصبح الشارع أحد مكمالت احتياجاته " ‪ ،‬ويقسّم الكاتب أطفال الشوارع إلى قسمين‬ ‫‪ " :‬المش ّرد الذى ليس له مسكن عائلى يعود إليه ‪ ،‬والجوّ ال الذى يعود إلى مسكنه‬ ‫ليال ‪ ،‬وغالبا تربط األخير بأھله عالقات مھترئة ‪ ،‬ما بين تسلط مادى لرب األسرة ‪،‬‬


‫إلى تعلق الطفل بأحد أفرادھا " ‪ ،‬ثم يتناول أمرا ھاما آخر يغفله معظم المھتمين‬ ‫بتلك الظاھرة ‪ ،‬وھو أن ‪ " :‬طفل الشارع منذ عشرة أعوام ‪ ،‬أصبح اآلن شاب‬ ‫الشارع الذى نشأ على نفسية خاصة نتركه نھبا لھا ‪ ،‬وغدا سيكون رجل الشارع ‪،‬‬ ‫يمارس منطقه وبداھته فى تناول األمور ‪ ،‬وبعد ذلك نتساءل عن مصدر البلطجة‬ ‫وطبيعة البلطجى " ‪.‬‬ ‫إذا كان أطفال الشوارع عاراً على أى مجتمع ‪ ،‬فإنه من العار أيضا أن تـكون‬ ‫مشكلتھم مجھولة األبعاد ‪ ..‬تذكر أميرة الفقى ]‪ [٣‬أن التقديرات الحكومية ألطفال‬ ‫الشوارع تراوحت بين ‪ ١٧،٢٢٨‬فى عام ‪ ، ١٩٩٩‬وثالثة ماليين فى ‪ ، ٢٠١١‬وأن‬ ‫تضارب األرقام مبعثه عدم وجود إحصائيات دقيقة ‪ ،‬أو حتى موارد للقيام بھا ‪،‬‬ ‫عالوة على تحرك ھؤالء األطفال من مكان آلخر ‪ ،‬وقد يذھبون لمنازلھم لبعض‬ ‫الوقت ‪ ،‬ثم يعودون إلى الشوارع مرة أخرى ‪ ،‬كما أنھم عادة غير مقيدين فى‬ ‫سجالت المواليد ‪ ،‬يضاف إلى ذلك عدم وجود تعرييف دقيق لھم ‪ :‬ھل ھم الفقراء‬ ‫الذين ال مأوى له ؟ أم الذين يبيعون المناديل وبعض األشياء البسيطة ؟ أم أصحاب‬ ‫المالبس الرثة ‪ ،‬والوجوه البائسة ؟ أو غير ذلك ؟‬ ‫وتذكر الـ ‪United Nations International Children’s Emergency‬‬ ‫‪ Fund‬أو الـ ‪ UNICEF‬أنه من الصعب إحصاء أطفال الشوارع فى مصر ‪ ،‬ولكنه‬ ‫من األكيد أن أعدادھم كبيرة ‪ ،‬ويتزايدون بوتيرة متسارعة ‪ ،‬بينما يذكر ]‪[٤‬‬ ‫‪ ) Andrew Wander‬المدير اإلعالمى إلحدى جمعيات إغاثة األطفال فى‬ ‫بريطانيا ‪ ( Save the Children UK :‬أن أطفال الشوارع فى القاھرة يقدرون بـ‬ ‫‪ ٥٠،٠٠٠‬أى أننا أمام ظاھرة بالغة الخطورة فى الحاضر والمستقبل ‪ ،‬وال ينبغى أن‬ ‫نتناسى أو نتجاھل أن أطفال الشوارع الذين يمارسون اليوم التسول ‪ ،‬والنشل ‪،‬‬ ‫ويستغلھم اآلخرون جنسيا ‪ ،‬وفى تجارة األعضاء ‪ ،‬وتوزيع المخدرات ‪ ،‬وغيرھا ‪،‬‬ ‫سيصبحون يوما شباب ورجال الشوارع ‪ ،‬أى بلطجية يمارسون أنواعا أخرى من‬ ‫اإلجرام ‪ ،‬مثل القتل ‪ ،‬والسرقة ‪ ،‬التحرش واالغتصاب وزنا المحارم ‪ ،‬وتجارة‬ ‫المخدرات ‪ ،‬وسيفاقمون بأنفسھم وبنسلھم وبمن يستقطبون إلى عالمھم ‪ ،‬فوضى‬ ‫العشوائيات ‪ ،‬وفوضى الشوارع ‪ ،‬وما يرتبط بذلك من جريمة ‪ ،‬وتمزيق لنسيج‬ ‫المجتمع وعالقاته ‪ ،‬وإھدار لقيمه وأخالقه ‪.‬‬ ‫]‪ [١‬أميرة قطب ‪ .‬ظاھرة األطفال بال مأوى ‪ :‬كيف عالجھا اآلخرون ؟ ‪.‬‬ ‫صحيفة الشروق ‪ ١٨ :‬سبتمبر ‪٢٠١٢‬‬


‫]‪ [٢‬وائل زكى ‪ .‬أطفال الشوارع ‪ ..‬محل الميالد ‪ :‬منطقة عشوائية ‪ .‬صحيفة‬ ‫الشروق ‪ ١٨ :‬سبتمبر ‪٢٠١٢‬‬ ‫]‪Al Feky , Amira . Street Children . What They are not ? Daily [٣‬‬ ‫‪News Egypt . April , 14 , 2013‬‬ ‫]‪Wander , Andrew . Egypt’s Forgotten Children . [٤‬‬ ‫‪aljazeera.net . Feb., 19 , 2011‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬العشوائيات فى مصر‬ ‫فى تقرير عضو مجلس الشورى أحمد محمود بيومى السابق اإلشارة إليه ‪ ،‬تشير‬ ‫األرقام إلى أن نسبة المبانى العشوائية بلغت فى القاھرة حدا قياسيا ‪ ،‬لتصل إلى‬ ‫‪ ٤١%‬من أحياء المحافظة ‪ ،‬منھا ‪ ١٤%‬متداخلة مع المقابر ‪ ،‬وقد بلغ تداخل‬ ‫العشوائيات أعلى معدالته فى حى الخليفة ) ‪ ، ( %٤٠‬حى الجمالية ) ‪، ( ٢٩%‬‬ ‫الدرب األحمر ومقابر باب الوزير ) ‪ ، ( ١٩%‬الزاوية الحمراء ) ‪ .. ( ١٥%‬ھذا‬ ‫التداخل زاد مساحة المناطق العشوائية إلى أكثر من ‪ ٢٠،٠٠٠‬فدان ‪ ،‬كما أن أغلب‬ ‫تلك المساكن تمت بدون تراخيص ‪ ،‬وبدون مرافق ‪ ،‬ويذكر مركز المعلومات ودعم‬ ‫اتخاذ القرار بمجلس الوزراء أنه توجد ‪ ١،٢٢١‬منطقة عشوائية على مستوى‬ ‫الجمھورية ‪ ،‬إجمالى مساحتھا ‪ ٣٤٤‬كيلو مترا مربعا ‪ ،‬ويسكنھا ‪ ١٩‬مليون ‪ ،‬وتصل‬ ‫كثافة السكان فى بعض تلك العشوائيات إلى ‪ ٩٠،٠٠٠‬نسمة فى الكيلو متر المربع ‪،‬‬ ‫ويعيش فى الغرفة الواحدة والتى ال تتعدى ثمانية أمتار مربعة سبعة أو ثمانية أفراد‬ ‫‪ ،‬وفى بعض تلك المناطق يشترك فى دورة المياه الواحدة أكثر من عشر أسر ‪،‬‬ ‫ويذكر المھندس أبو زيد راجح ‪ ،‬رئيس مركز بحوث اإلسكان األسبق أن ‪ ٤٥%‬من‬ ‫األسر المصرية ال تمتلك حيازة لوحدة سكنية ‪ ،‬أو حتى لإليجار ‪ ،‬مما زاد من‬ ‫العشوائيات ‪ ،‬وأن ‪ ٥٠%‬من المساكن التى أقيمت فى مصر فى الحقبة األخيرة‬ ‫مساكن عشوائية ‪ ،‬ويعيش سكانھا فى بيئة متردية ‪.‬‬ ‫عند الحديث عن العشوائيات فى مصر ال يمكن إغفال سكنى المقابر ‪ ،‬ويذكر أحمد‬ ‫سليمان ]‪ ) [١‬أستاذ العمارة بجامعة األسكندرية ‪ ،‬وجامعة بيروت العربية ( أن ‪١٫٥‬‬ ‫مليون نسمة يعيشون فى مقابر القاھرة وحدھا ‪ ،‬فيما يطلق عليه مدينة األموات ‪،‬‬ ‫وفى األسكندرية ‪ ، ٢٠٠،٠٠٠‬ومما يجدر اإلشارة إليه فى ھذا السياق أن مصر‬ ‫والفيليبين ھما الدولتات الوحيدتان فى العالم حيث يتخذ الفقراء من القبور مأوى لھم‬ ‫‪.‬‬


‫]‪Soliman , Ahmed . A possible Way Out : Formalizing Housing [١‬‬ ‫‪Informality in Egyptian Cities. University Press of America ,‬‬ ‫‪2003‬‬ ‫رابعا ‪ :‬العشوائيات ظاھرة عالمية‬ ‫فى عام ‪ ٢٠٠٦‬صدر كتاب ‪ Planet of Slums‬أو ) كوكب العشوائيات ( ]‪، [١‬‬ ‫الذى ألفه الكاتب ]‪ [٢‬األمريكى ‪ .. Mike Davis‬وفيه يتحدث عن ظاھرة‬ ‫العشوائيات ‪ ،‬وما تعانيه من الفقر والبؤس والمرض والحاجة والتلوث وغيرھا ‪،‬‬ ‫وُ يرجع تمددھا وانتشارھا فى العالم إلى أسباب عديدة ‪ ،‬تدور كلھا حول الرأسمالية‬ ‫بجشعھا ‪ ،‬والليبرالية الحديثة بممارساتھا ‪ ،‬وأھم تلك األسباب ‪ ،‬والتى تنطبق أيضا‬ ‫على الحالة المصرية ‪:‬‬ ‫‪ -١‬الديون التى أنھكت حكومات بلدان العالم الثالث ‪ ،‬مما أجبرتھا على إعادة الھيكلة‬ ‫‪ structural adjustment programmes , SAPs‬تحت ضغط وشروط البنك‬ ‫الدولى ‪ ، WB‬وصندوق النقد الدولى ‪ ، IMF‬وھو ما ّأثر سلبيا على برامج‬ ‫المساعدات ‪ ،‬وتحديث الزراعة ‪ ،‬وعلى مشاريع البنية التحتية فى األرياف ‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى إطالق حرية السوق ‪ ، deregulation‬وكلھا عوامل أفقدت صغار‬ ‫ومتوسطى الفالحين القدرة على المنافسة ‪ ،‬وأوقعتھم فريسة للديون ‪ ،‬وأسعار الفائدة‬ ‫المرتفعة ‪ ،‬والتضخم ‪ ،‬مع تدنى أسعار المنتجات الزراعية ‪ ،‬مما اضطرھم للھجرة‬ ‫إلى المدن ‪ ،‬والتى تعانى بدورھا ‪ ،‬وال تستطيع توفير العمل أو اإلسكان لھم ‪ ،‬مما‬ ‫ترتب عليه نشوء العشوائيات وتمددھا ‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أزمة اإلسكان ‪ ،‬وتدنى المتاح من المنازل الجديدة ‪ ،‬وحسب منظمة العمل الدولية‬ ‫‪ International Labor Organization , ILO‬فإن السوق الرسمى للمنازل فى‬ ‫العالم الثالث يلبى فقط ‪ ٢٠%‬من المطلوب ‪ ،‬وھو ما أدى تحت ضغط االضطرار‬ ‫والحاجة إلى أن يبنى الناس بأنفسھم أماكن لإليواء ‪ ،‬ال تتوفر فيھا الشروط الصحية‬ ‫‪ ،‬كما أن السوق غير الرسمية وغير القانونية لألراضى ساھمت فى أغلبية مدن‬ ‫العالم الثالث خالل الثالثين أو األربعين سنة األخيرة فى توفير األراضى لمثل تلك‬ ‫البنايات ‪so out of necessity , people turn to self-built shanties ,‬‬ ‫‪informal rentals , pirate subdivisions , or the sidewalks . Illegal‬‬ ‫‪or informal land markets , says the UN have provided the land‬‬


‫‪sites for most additions to the housing stock in most cities of‬‬ ‫‪the South over the last 30 or 40 years‬‬ ‫‪٣‬‬ ‫ الحروب والقالقل الداخلية الناتجة عن غرق المجتمعات فى الديون ‪ ،‬ووقوعھا فى‬‫براثن جشع رأس المال الغربى ‪ ،‬وبرامج إعادة الھيكلة ‪ ،‬أدت إلى القضاء على‬ ‫قرى بأكملھا ‪ ،‬وتحول أھلھا إلى المدن التى تعانى بدورھا من الكساد ‪ ،‬والنمو‬ ‫االقتصادى السلبى ‪ ،‬وضعف اإلنفاق على مشاريع البنية التحتية ‪ ،‬والتعليم ‪،‬‬ ‫والرعاية الصحية ‪rapacious warlords and chronic civil wars spurred‬‬ ‫‪by economic dislocations of debt-imposed structural‬‬ ‫‪adjustment or foreign economic predators , as in Congo and‬‬ ‫‪Angola , were uprooting whole countryside . Cities - in spite of‬‬ ‫‪their stagnant or negative economic growth , educational‬‬ ‫‪facilities or public-health systems – have simply harvested‬‬ ‫‪world agrarian crisis‬‬ ‫‪ -٤‬التفرقة العنصرية والسياسات االستعمارية فى الماضى ‪ ،‬ساھمت فى إيجاد‬ ‫العشوائيات ‪ ،‬مثل إلزام العمال والملونين على العيش فى أطراف المدن ‪ ،‬والقوانين‬ ‫التى منعت بيع األراضى للفالحين ‪ ،‬وحرمتھم من حق التملك أو اإلقامة فى المدن ‪،‬‬ ‫ولذلك ُتوصف بريطانيا بأنھا أكبر صانعة للعشوائيات على مدار التاريخ ‪the‬‬ ‫‪ ، British were the greatest slum builders of all times‬وال يقتصر‬ ‫األمر على االستعمار القديم ‪ ،‬وإنما أيضا يمتد ليشمل الثورات والسياسات الحمقاء‬ ‫التى اتبعتھا ‪ ،‬كما حدث فى كوبا التى وعدت الناس بالمساكن ‪ ،‬ولم تستطع الوفاء‬ ‫بوعودھا ‪ ،‬وكذلك عبد الناصر فى مصر ‪ ،‬ونھرو فى الھند ‪ ،‬وسوكارنو فى‬ ‫إندونسيا ‪ ،‬وھو ما يصفه ‪ Mike Davis‬بالوعود المكسورة واألحالم المسروقة‬ ‫‪ ، broken promises and stolen dreams‬وھو أيضا ما يفرد له الفصل‬ ‫الثانى فى كتابه ‪ ،‬ويعتبره خيانة عظمى من الدولة ألبنائھا ‪The treason of the‬‬ ‫‪ state‬ال يخفى أن الديون ‪ ،‬وإعادة ھيكلة االقتصاد المصرى ‪ ،‬وإطالق حرية‬ ‫السوق ‪ ، deregulation‬وأزمة اإلسكان ‪ ،‬وضعف مقدرة الدولة على االستثمار‬ ‫فى مجاالت اإلنتاج والبنية التحتية والخدمات ‪ ،‬كلھا عوامل واضحة وجلية فى‬ ‫ھجرة أھل األرياف وتمدد العشوائيات فى المدن المصرية ‪ ،‬بينما العامل الثالث‬ ‫المرتبط بالحروب والصراعات الداخلية لم يظھر إال فى أعقاب حرب ‪، ١٩٦٧‬‬ ‫واضطرار ساكنى مدن القناة إلى النزوح للقاھرة وغيرھا ‪.‬‬


‫أدى ھذا المدد المستمر من الفالحين وساكنى القرى ‪ ،‬إلى تعاظم العشوائيات فى‬ ‫مدن بالد العالم الثالث ومنھا مصر ‪ ،‬وھو ما يسميه ‪ Mike Davis‬إعادة إنتاج الفقر‬ ‫‪overurbanization in other words is driven by the reproduction‬‬ ‫‪ ، of poverty , not by the supply of jobs‬ومن أمثلة التمدد العشوائى للمدن‬ ‫‪ ،‬مدينة ‪ ) Mexico City‬المكسيك ( ‪ ،‬والتى تساھم العشوائيات بـ ‪ ٦٠%‬من نموھا‬ ‫‪ ،‬وتلعب النساء الدور الرئيسى فى ذلك ‪ ،‬حيث يبنين بيوتا على األطراف ‪ ،‬فى‬ ‫مناطق ال تصلھا الخدمات ‪ ،‬وفى حوض األمازون ‪ Amazon‬بأمريكا الجنوبية ‪،‬‬ ‫تسھم العشوائيات بـ ‪ ٨٠%‬من نمو المدن ‪ ،‬وفى‪ ) Sao Paulo‬البرازيل ( كان‬ ‫سكان المدينة ‪ ١٫٢%‬من عدد سكان الدولة فى ‪ ، ١٩٧٣‬ارتفع إلى ‪ ١٩٫٨%‬فى‬ ‫‪ ، ١٩٩٣‬وتنمو بمعدل ‪ ١٦٫٤%‬سنويا ‪ ،‬وفى جنوب آسيا ‪ ٩٠% ،‬من نمو المدن‬ ‫يعود إلى العشوائيات ‪ ،‬وتستقبل مدينة مثل ‪ ) Delhi‬الھند ( نصف مليون مھاجر‬ ‫ريفى سنويا ‪ ،‬ينتھى األمر بـ ‪ ٤٠٠،٠٠٠‬منھم فى العشوائيات ‪ ،‬وتتوقع التقديرات‬ ‫أن يصل عدد سكان عشوائيات دلھى إلى ‪ ١٠‬مليون فى عام ‪ ، ٢٠١٥‬وھو ما دعا‬ ‫‪ Gautam Chatterjee‬أحد خبراء التخطيط من التحذير أنه إذا استمرر تمدد‬ ‫العشوائيات ‪ ،‬فسنصل إلى مرحلة تختفى فيھا المدن ‪ ،‬وتسود العشوائيات ‪we will‬‬ ‫‪ ، have only slums and no cities‬أما فى أفريقيا فتنمو العشوائيات بمعدل‬ ‫ضعف نمو مدن القارة ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك كينيا والتى ش ّكل نمو عشوائياتھا ‪ ٨٥%‬من‬ ‫نمو سكانھا ‪ ،‬فى الفترة من ‪ ، ١٩٨٩-١٩٩٩‬ويتوقع تقرير للبنك الدولى وصندوق‬ ‫النقد الدولى ‪ ،‬صدر عن مؤتمر مشترك لھما فى ‪ ، ٢٠٠٤‬أن يرتفع عدد قاطنى‬ ‫العشوائيات فى القارة بحلول ‪ ٢٠١٥‬إلى ‪ ٣٣٢‬مليون ‪.‬‬ ‫]‪Davis , Mike . Planet of Slums . Verso , London , 2006[١‬‬ ‫]‪ Mike Davis [٢‬ناشط سياسى ‪ ، political activist‬ومؤرخ ‪، historian‬‬ ‫ومھتم بقضايا المدن والعمران ‪ ، urban theorist‬وُ لد فى عام ‪ ، ١٩٤٦‬وھو‬ ‫ماركسى الھوى ‪ ،‬ويلوم عليه البعض أحيانا اللجوء إلى المبالغة للتأكيد على قضيته‬ ‫‪ ،‬ورغم ذلك فكتابه ) كوكب العشوائيات ( صرخة مدوية ‪ ،‬وتأكيد على خطر داھم‬ ‫يواجه المجتمع البشرى ‪ ،‬ينظر إليه الكثيرون من الناحية الحضارية للمجتمع ‪ ،‬أو‬ ‫الجمالية للمدن ‪ ،‬ويتجاھلون أبعاده االقتصادية واالجتماعية وغيرھا‪ ،‬وله مؤلفات‬ ‫أخرى فى نفس المجال منھا ‪City of Quartz ,1990 – Ecology of Fear :‬‬ ‫‪,1998 - Magical Urbanism , 2000‬‬


‫خامسا ‪ :‬ولكن ما ھو تعريف العشوائيات ؟‬ ‫ال تحتاج العشوائيات فى حقيقة األمر تعريفا ‪ ،‬وكل الناس سيتعرف على واحدة إذا‬ ‫رآھا ‪ ،‬غير أن اإلشارة إلى بعض تلك التعريفات سيسلط مزيدا من الضوء على‬ ‫المفاھيم والمصطلحات ‪ ،‬ألن األمر يتجاوز التعريف الجامد ‪ ،‬ويمتد إلى دالالت‬ ‫اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرھا ‪ ،‬وإلى تغيرات عالمية تعصف بمستقبل الجنس‬ ‫البشرى ‪ ،‬وتماسك وتآلف مجتمعاته ‪ ،‬وتقوده أو تدفعه دفعا ً إلى مجھول يصعب‬ ‫التنبؤ بعواقبه ومآالته ‪.‬‬ ‫فى الكتاب السابق اإلشارة إليه ‪ ،‬يستعرض المؤلف بعض التعريفات القديمة ‪ ،‬ومنھا‬ ‫تعريف ]‪ Livingstone [١‬الذى يرى العشوائيات كأماكن لبيوت قذرة ‪ ،‬ينتشر فيھا‬ ‫الزحام والمرض والفقر والتدھور األخالقى ‪all slums are characterized by‬‬ ‫‪an amalgam of dilapidated housing , overcrowding , disease ,‬‬ ‫‪ ، poverty , and vice‬ويعرف ليبراليو القرن التاسع عشر العشوائيات كأماكن‬ ‫تعيش فيھا الطبقات االجتماعية الدنيا ‪ ،‬والتى ال يمكن إصالحھا ‪ ،‬حيث دوامة‬ ‫العنف ‪ ،‬والتحلل األخالقى ‪the slums was first and above all‬‬ ‫‪envisioned as a place where an incorrigible and feral social‬‬ ‫‪ ، residuum rots in immoral and often riotous splendor‬بينما‬ ‫تعريف وزارة العمل األمريكية ‪ Department of Labor‬ينظر للعشوائيات‬ ‫كأماكن تتسم بقذارة شوارعھا ‪ ،‬وإجرام سكانھا ‪an area of dirty streets ,‬‬ ‫‪ .. especially inhabited by squalid and criminal population‬ھذه‬ ‫التعريفات رغم حقيقتھا إال أنھا تنطوى على نظرة عنصرية متعالية ‪ ،‬ولھذا فإن‬ ‫تعريف األمم المتحدة الوارد فى تقرير المنظمة ‪) The Challenge of Slums‬‬ ‫تحدى العشوائيات ( ]‪ [٢‬يبدو أكثر واقعية ‪ ،‬وفيه أن العشوائية تتصف بمنازلھا‬ ‫الفقيرة المزدحمة ‪ ،‬والمفتقدة للمواصفات الرسمية والقانونية ‪ ،‬ويفتقد سكانھا األمان‬ ‫‪ ،‬والمياه النظيفة ‪ ،‬والصرف الصحى ‪a slum is characterized by‬‬ ‫‪overcrowding , poor or informal housing , inadequate access to‬‬ ‫‪ .. safe water and sanitation , and insecurity of tenure‬ھذا التعريف‬ ‫تبنته األمم المتحدة فى مؤتمر عقد فى مدينة نيروبى ‪ Nairobi‬فى كينيا فى أكتوبر‬ ‫‪ ، ٢٠٠٢‬وھو أيضا يركز على الجانب الفيزيائى والقانونى لخصائص العشوائية‬ ‫‪restricted to the physical and legal characteristics of the‬‬ ‫‪ settlement‬ويتجاھل التھميش االقتصادى واالجتماعى لھا ‪economic and‬‬ ‫‪social marginality‬‬


‫]‪ David Livingstone [١‬رجل دين اسكتلندى‪ ،‬ولد عام ‪ ، ١٨٧٣‬ومات عام‬ ‫‪ ، ١٨١٣‬وكان مھتما باالستكشافات الجغرافية فى أفريقيا ‪ ،‬وخاصة منابع نھر النيل‬ ‫‪.‬‬ ‫]‪www.unhabitat.org.jo/pdf/GRHS/2003.pdf [٢‬‬ ‫سادسا ‪ :‬ما ھو الحل ؟‬ ‫ال شك أن قضية العشوائية كثقافة وسلوك فى المجتمع المصرى ‪ ،‬قضية متعددة‬ ‫األبعاد ‪ ،‬فھى قضية سياسية واقتصادية واجتماعية ‪ ،‬كما أنھا أيضا قضية دينية‬ ‫وأخالقية وقانونية ‪ ،‬وھى كذلك قضية ثقافية وسلوكية ‪ ..‬إصالح الثقافة والسلوك‬ ‫والجوانب الدينية واألخالقية يحتاج عمال شاقا ‪ ،‬وجھدا متواصال ‪ ،‬ويعطى ثماره‬ ‫على مدى سنوات طوال ‪ ،‬ويتطلب تضافرا فى الجھود ‪ ،‬ومشاركة من الدولة‬ ‫والمجتمع ‪ ،‬وتعاونا بين التعليم واإلعالم ومؤسسات اإلسالم واألسرة ‪ ،‬كما أن‬ ‫إصالح الجوانب السياسية واالقتصادية والقانونية يلزمه قيادة رشيدة ‪ ،‬ونظام حكيم ‪،‬‬ ‫وإرادة قوية من النظام ومن الناس ‪ ،‬أما العشوائيات كتجمعات سكنية تعانى التھميش‬ ‫واإلھمال ‪ ،‬وتنحدر فيھا قيمة اإلنسان وآدميته إلى قاع سحيق ‪ ،‬فقضية أيضا متعددة‬ ‫األبعاد ‪ ،‬ويزيد من تعقيدھا تداخل االقتصاد العالمى ‪ ،‬وفساد األنظمة السياسية فى‬ ‫معظم البالد النامية ‪ ،‬والتغيرات الكثيرة التى طرأت على الزراعة وحياة القرى ‪،‬‬ ‫غير أن ھناك أمورا ال بد من توافرھا إلحداث اإلصالح والتغيير ‪ ،‬ومنھا ‪:‬‬ ‫‪ -١‬التعليم والتخطيط والمعلومات‬


‫من األمور البديھية أنه ال يمكن إصالح العشوائية والعشوائيات بالعشوائية ‪ ،‬أى أنه‬ ‫يلزمنا قاعدة بيانات عن كل أمور المجتمع ‪ ،‬لنبنى عليھا قراراتنا وخططنا ‪،‬‬ ‫والبيانات والمعلومات واألرقام والخطط ال يقوم عليھا إال أصحاب العلم والخبرة ‪،‬‬ ‫وھو ما يقودنا إلى ضرورة إصالح النظام التعليمى ‪ ،‬ويلزم فى ھذا المقام التركيز‬ ‫على الجزيئة األكثر قربا ً للقضية التى يتناولھا المقال ‪ ،‬وھى وجوب توافر‬ ‫المعلومات واألرقام واإلحصائيات ‪ ..‬فى مقال ]‪ [١‬جيد للكاتب البريطانى ‪Brian‬‬ ‫‪ Whitaker‬عن السياسة وتأثيراتھا على اإلحصائيات فى مصر ‪ ،‬يبدأ الكاتب‬ ‫بالتساؤل ‪ :‬ھل يمكن تخيُّل حكم دولة تفتقد اإلحصائيات المناسبة عن األنشطة‬ ‫االقتصادية ‪ ،‬والرعاية الصحية ‪ ،‬والجريمة ‪ ،‬والتعليم ‪ ،‬وتطور المدن ‪ ،‬وتلوث‬ ‫البيئة ؟ ‪Imagine trying to govern a country that lacks adequate‬‬ ‫‪statistics about economic activity , healthcare , crime ,‬‬ ‫‪، education , urban development and environmental pollution‬‬ ‫ثم يمضى الكاتب فى تساؤالته ‪ :‬ھل يمكن تخيُّل بلد تعتمد بصفة أساسية على‬ ‫السياحة ‪ ،‬وال تملك دراسات عن أسباب زيارة السياح ‪ ،‬وانطباعاتھم عن زياراتھم ؟‬ ‫ھل يمكن تخيُّل بلد تعتمد بدرجة كبيرة على الزراعة ‪ ،‬وال تمتلك البيانات عن‬ ‫األرض القابلة للزراعة منذ السبعينيات ؟ ‪Imagine a country that relies‬‬ ‫‪heavily on tourism but has no figures showing why people visit‬‬ ‫‪or what they think of their stay . Imagine a country that relies‬‬ ‫‪heavily on agriculture , and yet has produced no data on the‬‬


‫‪ ، quality of culBvable land since the 1970s‬ثم يجيب على تساؤالته ‪:‬‬ ‫ھذه حالة مصر ‪ ، The country I am talking about here is Egypt‬ورغم‬ ‫اشتراكھا فى ذلك مع كثير من الدول النامية ‪ ،‬إال أن تقريرا صدر عن مجلس‬ ‫الوزراء فى األسبوع الماضى ‪ ،‬يتحدث عن حالة مزمنة من غياب المھارة والخبرة‬ ‫والمران تتفشى بين الباحثين والخبراء ‪ ،‬إلى حد يثير التعجب واالنزعاج ‪The‬‬ ‫‪report spoke of an epidemic of ineptitude among researchers‬‬ ‫‪and experts , and the scale of the deficiencies was horrifying , if‬‬ ‫‪not altogether surprising‬‬ ‫ورغم أن غياب المعلومات يشكل عائقا للتطور االقتصادى واالجتماعى ‪ ،‬إال أن‬ ‫التغلب على تلك المشكلة ليس أمرا سھال فى مصر ‪ ،‬ويرصد الكاتب أسبابا عديدة‬ ‫لذلك ‪ ،‬منھا ‪ :‬البيروقراطية ‪ ، bureaucracy‬والفساد ‪ corruption‬الذى يجعل‬ ‫كثيرا من المسؤولين يحجمون عن توفير المعلومات الدقيقة ‪ ،‬وغياب الشفافية‬ ‫‪ transparency‬الذى تتميز به األنظمة القمعية ‪، authoritarian regimes‬‬ ‫وذلك ألن الشفافية تقود إلى المعلومات ‪ ،‬وإلى المناقشات العامة ‪public debates‬‬ ‫‪ ،‬وتعطى الجماھير األدوات لمساءلة الحكومة عن قراراتھا ‪ ،‬كما أن غياب‬ ‫المعلومات وسيلة تستغلھا الحكومة المصرية لتجنب النقاش حول القضايا التى ال‬ ‫تروق لھا ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك القضايا الطائفية ‪ ،‬فليس ھناك إحصاء رسمى ألعداد‬ ‫األقباط فى مصر ‪ ،‬وال عن بؤر التوتر الطائفى ‪ ،‬وليت األمر يتوقف على غياب‬ ‫األرقام والمعلومات ‪ ،‬وإنما يمتد ليشمل عدم الوثوق فيھا ‪unreliable statistics‬‬ ‫‪ ،‬حيث تتالعب بھا الحكومات ‪.‬‬ ‫ومن المشاكل أيضا احتكار الحكومة لجمع المعلومات ‪ ،‬وعدم تمكين الباحثين‬ ‫المستقلين ‪ ،‬أو الجھات غير الحكومية ‪ ،‬أو حتى طالب الجامعات ‪ ،‬من جمع‬ ‫المعلومات وتحليلھا ‪ ،‬ويلزم لمن يرغب فى ذلك أن يحصل على تصريح بالموافقة‬ ‫من القسم األمنى الخاص بالجھاز المركزى للتعبئة العامة واإلحصاء ‪ ،‬وھذا‬ ‫التصريح غالبا ما يتأخر إلى األبد ‪ ،‬أو يُرفض إعطاؤه بدون إبداء أسباب ‪ ،‬كما أنه‬ ‫حتى فى حالة استبيانات الرأى ‪ ،‬عادة ما يتم حذف بعض األسئلة ‪ ،‬أو تغيير‬ ‫صياغتھا ‪.‬‬ ‫يتنبه الكاتب إلى ملحوظة ذكية خاصة بالجھاز المركزى للتعبئة العامة واإلحصاء ‪،‬‬ ‫فجانب اسمه الملفت لالنتباه ‪The quaintly named Central Agency for‬‬ ‫‪ ،Public Mobilization and Statistics or CAPMAS‬فإنه ولمدة ‪ ٣٠‬عاما‬


‫على األقل ‪ ،‬تولى أمره جنراالت سابقون من الجيش ‪ ..‬المشكلة عند األنظمة القمعية‬ ‫ليست فقط فى الخوف من األرقام ‪ ،‬ولكنھا فى الخوف أيضا من فقدان السيطرة ‪It’s‬‬ ‫‪not just the numbers that they fear but the loss of control‬‬ ‫إذن المعلومات واألرقام واإلحصائيات ضرورات حتمية إلعداد الدراسات ‪،‬‬ ‫والخطط ‪ ،‬ووضع الحلول ‪ ،‬وبدونھا تكون العشوائية ھى البديل الوحيد ‪.‬‬ ‫]‪Whitaker , Brian . The Politics of Egypt’s Feeble Statistics . [١‬‬ ‫‪The Guardian : 26 October 2010‬‬ ‫‪ -٢‬الثقافة والقانون‬

‫لكى يتمكن المجتمع من معالجة فوضى المرور ‪ ،‬وحوادث الطرق ‪ ،‬وفوضى‬ ‫المبانى ‪ ،‬وفوضى الريف ‪ ،‬وكل أنواع الفوضى عموما ‪ ،‬ال بد أن يتطرق العالج‬ ‫إلى إحداث تغيير فى ثقافة المجتمع ‪ ،‬وسلوكيات أفراده ومسؤوليه ومؤسساته ‪،‬‬ ‫فالثقافة التى ُتعلى من قيمة القانون والنظام ‪ ،‬واحترام الغير ‪ ،‬واتباع الضوابط‬ ‫والمعايير التى تحكم حركة الحياة ‪ ،‬ستقود حتما إلى احترام آداب المرور ‪ ،‬واحترام‬ ‫اللوائح والتنظيمات فى مجال األرض والبناء ‪ ،‬إذ ال يعقل مثال أن يتم استخراج‬ ‫رخصة القيادة لمن ال يتقن القيادة ‪ ،‬وال يعقل أن يعتدى الناس على األراضى‬ ‫الزراعية ‪ ،‬وال يعقل أن يتم البناء بالمخالفة للشروط والمقاييس فى مواصفات البناء‬ ‫ومواصفات مواد البناء ‪ ..‬ال يعقل أن تتم كل تلك األمور وغيرھا بالرشوة والواسطة‬ ‫والمحسوبية والمجاملة ‪ ،‬لينتھى األمر بشوارعنا وقد انطلق فيھا من ال يحسن القيادة‬ ‫‪ ،‬مما يعرض أرواح الناس وممتلكاتھم للخطر ‪ ،‬ولينتھى األمر بمدننا وقد ارتفعت‬ ‫فى كل أرجائھا المبانى المتھالكة المتنافرة فى طرزھا وأشكالھا ‪ ،‬مما يحوّ ل مدننا‬ ‫إلى عشوائيات قبيحة ‪ ،‬ويجعل سكانھا عرضة للمخاطر واألضرار ‪ ..‬ال بد أن‬


‫يتزامن مع التغيرات فى ثقافة المجتمع وسلوكياته ‪ ،‬سن القوانين الصارمة للتعامل‬ ‫مع من يخالف ‪ ،‬ومن يستھتر ‪ ،‬ومن ال يقيم وزنا للنظام ‪ ،‬ومن ال يحترم مجتمعه‬ ‫وشعبه ‪ ،‬وأن يتم تطبيقھا على الجميع بدون محاباة أو مجاملة ‪ ..‬إن الفارق‬ ‫الجوھرى بين مجتمع فوضوى عشوائى ‪ ،‬وبين مجتمع متحضر ومتقدم ‪ ،‬ھو‬ ‫احترام القانون ‪ ،‬وشيوع الثقافة التى تحترم القانون والنظام ‪.‬‬ ‫‪ -٣‬الزراعة والقرية‬

‫التغيرات االقتصادية التى طرأت على مصر وغيرھا من البالد النامية فى العقود‬ ‫العديدة الماضية ‪ ،‬وما نتج عنھا من إھمال جسيم لالستثمار فى المجال الزراعى ‪،‬‬ ‫وإھمال فاحش لالستثمار فى الريف وأبنائه ‪ ،‬ھو ما أدى إلى الھجرة غير المسبوقة‬ ‫إلى المدن ‪ ،‬وما تبعھا من ظھور العشوائيات وتمددھا ‪ ..‬يذكر ‪ Mike Davis‬فى‬ ‫كتابه )كوكب العشوائيات ( السابق اإلشارة إليه أن حركة الھجرة من الريف إلى‬ ‫المدن أدت إلى تساوى سكان الريف اآلن ‪ rural population‬مع سكان المدن‬ ‫‪ .. urban population‬حوالى ‪ ٣٫٢‬بليون فى كل جانب ‪ ،‬ومع استمرار الھجرة‬ ‫سينخفض سكان الريف عن سكان المدن مع حلول عام ‪ ، ٢٠٢٠‬وسيصل سكان‬ ‫العالم إلى ‪ ١٠‬بليون مع عام ‪ ، ٢٠٥٠‬غير أن ھذا التدفق المتواصل إلى المدن لم‬ ‫يتزامن مع التصنيع والتطوير الضرورى الستيعاب تلك األعداد ‪ ،‬والتى يسميھا‬ ‫الكاتب الفائض البشرى ‪ ، surplus humanity‬وتوفير الحياة الكريمة لھم ‪،‬‬ ‫وبنظرة إلى بعض األرقام يستطيع المتأمل تخيل ما ينتظر البشرية من بؤس‬


‫وفوضى ‪ ..‬فى عام ‪ ١٩٥٠‬كانت ھناك ‪ ٨٦‬مدينة فى العالم ‪ ،‬يتجاوز سكان كل‬ ‫واحدة منھا مليون نسمة ‪ ،‬ارتفع العدد اآلن إلى ‪ ، ٤٠٠‬وسيصل إلى ‪ ٥٥٠‬فى عام‬ ‫‪ ، ٢٠١٥‬ومن أمثلة تلك المدن ‪ :‬القاھرة التى زاد عدد سكانھا من ‪ ٢٫٤‬مليون فى‬ ‫‪ ١٩٥٠‬إلى ‪ ١٥٫١‬فى ‪ ، ٢٠٠٤‬وإستنبول ‪) Istanbul‬تركيا( التى زاد سكانھا من‬ ‫‪ ١٫١‬مليون فى ‪ ١٩٥٠‬إلى ‪ ١١٫١‬فى ‪ ، ٢٠٠٤‬بينما ‪) Mexico City‬المكسيك (‬ ‫زاد سكانھا من ‪ ٢٫٩‬مليون فى ‪ ١٩٥٠‬إلى ‪ ٢٢٫١‬فى ‪ ، ٢٠٠٤‬وھناك مدن مثل‬ ‫‪ ) Lagos‬نيجيريا ( ‪ ،‬و ‪ ) Kinshasa‬الكونغو ( ‪ ،‬و ‪ ) Dhaka‬بنجالديش (‬ ‫تضاعف عدد سكانھا اآلن إلى أكثر من ‪ ٤٠‬مرة ‪ ،‬عما كانت عليه فى ‪ ، ١٩٥٠‬بل‬ ‫إن عدد سكان مدن الصين وحدھا زاد فى ‪ s١٩٨٠‬فقط عما حدث فى كل أوروبا بما‬ ‫فيھا روسيا فى القرن الـ ‪ ١٩‬بأكمله ‪ ،‬وطبقا لألم المتحدة ]‪ [١‬فإن عدد ساكنى‬ ‫العشوائيات وصل إلى ‪ ٩٢١‬مليونا فى عام ‪ ، ٢٠٠١‬وتجاوز البليون فى ‪، ٢٠٠٥‬‬ ‫وأعلى نسبة لساكنى العشوائيات مقارنة بالعدد الكلى لسكان الدولة كاآلتى ‪ :‬إثيوبيا‬ ‫‪ ، ٩٩٫٤%‬تشاد ‪ ، ٩٩٫٤%‬أفغانستان ‪ ، ٩٨٫٥ %‬نيبال ‪ ) ٩٢%‬أى أن دوال‬ ‫بأكملھا تحولت تقريبا إلى عشوائيات كبيرة ( ‪ ،‬ويذكر نفس التقرير أن الصين تحتل‬ ‫المركز األول فى العالم فى عدد من يعيشون فى العشوائيات ‪ ،‬ويصل إلى ‪١٩٣٫٨‬‬ ‫مليون نسمة ‪ ،‬تليھا الھند )‪ ، ( ١٥٨٫٤‬فالبرازيل ) ‪ ، ( ٥١٫٧‬فنيجريا ) ‪، ( ٤١٫٦‬‬ ‫فباكستان ) ‪ ، ( ٣٥٫٦‬وتأتى مصر فى المركز الـ ‪ ، ( ١١٫٨ ) ١٥‬بينما نسبة‬ ‫ساكنى العشوائيات إلى العدد الكلى لسكان المدن كالتالى ‪ :‬الصين ‪ ، ٣٧٫٨%‬الھند‬ ‫‪ ، ٥٥٫٥%‬البرازيل ‪ ، ٥١٫٧%‬نيجيريا ‪ ، ٤١٫٦%‬باكستان ‪ ، ٣٥٫٦%‬مصر‬ ‫‪٣٩٫٩%‬‬ ‫إن ما يحدث فى العالم اآلن يبدو كأنه تخطيط غبى للقضاء على الفالحين ‪ ،‬وھو ما‬ ‫دعا البعض ]‪ [٢‬إلى وصف سياسات إعادة الھيكلة والتحرر االقتتصادى بأنھاتحالف‬ ‫بين القوى العالمية ‪ ،‬والسياسات القومية ‪ ،‬يدفع فى اتجاه الخالص من الفالحة‬ ‫والفالح ‪structural adjusted programmes ,SAPs and economic‬‬ ‫‪libralization policies represented the convergence of the‬‬ ‫‪worldwide forces of de-agrarianization and national policies‬‬ ‫‪ promoting de-peasantization‬إذن ال بد لمصر وغيرھا من البالد التى‬ ‫ترغب حقيقة فى معالجة مشكلة العشوائيات أن تھتم بالزراعة ‪ ،‬وأن تھتم بالفالحين‬ ‫‪ ،‬وأن تھتم بالقرية ‪ ..‬لقد أصبحت الزراعة مھنة شاقة وغير مجدية لمعظم سكان‬ ‫الريف ‪ ،‬وارتفعت أسعار التقاوى والسماد والمبيدات إلى أرقام فوق مقدرة معظم‬ ‫الفالحين ‪ ،‬وتعذر شراء أو تأجير المعدات الزراعة ‪ ،‬وخاصة فى وجود ملكية‬ ‫زراعية صغيرة ومفتتة ‪ ،‬عالوة على فشل التعاونيات وغيرھا من البرامج ‪ ،‬بسبب‬


‫الفساد وسوء اإلدارة ‪ ،‬وارتفت الفوائد على القروض ‪ ،‬وانخفضت فى المقابل أسعار‬ ‫المنتجات الزراعية ‪ ،‬ووجد الفالح نفسه غير قادر على مواصلة تلك الدورة العبثية‬ ‫‪ ،‬وغير آمن على صحته ومستقبله ) فى الفترة ما بين ‪ ١٩٨٧-١٩٩٢‬فقدت الصين‬ ‫مليون ھكتار ‪ ) hectare‬الھكتار = ‪ ١٠،٠٠٠‬متر مربع ( من أرضھا الزراعة‬ ‫لصالح المدن ‪ ،‬وفقدت مصر ‪ ٠٫٤‬مليون ھكتار ‪ ،‬وھى أعلى نسبة فى العالم ( ‪،‬‬ ‫يضاف إلى ذلك اإلھمال الكبير فى تطوير القرية ‪ ،‬ومشروعات البنية التحتية فيھا ‪،‬‬ ‫وانتشار األمراض القاتلة ‪ ،‬وخاصة فيروس ‪ ، C‬والفشل الكلوى ‪ ،‬وغيرھا من‬ ‫عواقب تلوث الماء والطعام ‪ ،‬واالستعمال العشوائى للمبيدات ‪ ،‬وتدنى مستوى‬ ‫الرعاية الصحية ) فى كمبوديا مثال ‪ ٦٠% ،‬ممن باعوا أرضھم فعلوا ذلك بسبب‬ ‫المرض وارتفاع أسعار العالج (‪.‬‬ ‫]‪UN-Habitat , 2003 : The Challenge of Slums , Earthscan [١‬‬ ‫; ‪Publications Ltd , London , available at‬‬ ‫‪www.unhabitat.org.jo/pdf/GRHS.2003.pdf‬‬ ‫]‪Bryceson , Deborah , Cristobal Kay and Jos Mooig ( Editors ) . [٢‬‬ ‫‪Disappearing Peasantries ? Rural Labour in Latin America , Asia‬‬ ‫‪and Africa . pp 305-304 . PracBcal AcBon Publishing , 2000‬‬ ‫‪ -٤‬العشوائيات والبدائل‬ ‫ال شك أن إخفاء العشوائيات بإقامة الجدر أو الحواجز ‪ ،‬أو إلزام ساكينھا بعدم‬ ‫التواجد فى أماكن معينة ‪ ،‬كما فعلت الصين أثناء انعقاد الدورة األوليمية فى بكين‬ ‫فى ‪ ، ٢٠٠٨‬وكما تفعل غيرھا من منطلق المظھر الحضارى للمجتمع ‪ ،‬ليس حال ‪،‬‬ ‫وال شك أيضا أن المظھر الحضارى ال يتحقق بإخفاء القبح والقذارة ‪ ،‬وإنما بإزالتھا‬ ‫واستبدالھا بالجمال والنظافة ‪ ..‬المظھر الحضارى ال يتحقق بالمبانى الشاھقة المشيدة‬ ‫بالحديد والزجاج ‪ ،‬وخلفھا أو على بع ٍد قليل منھا مدنٌ مشيدة من الحجارة والقش‬ ‫والبالستيك والورق المقوى والصفيح والخشب ‪ ،‬وتتناثر فى كل جنباتھا الفضالت‬ ‫اآلدمية والقمامة والحيوانات النافقة والضالة ‪ ،‬والتلوث والعفن والتحلل ‪ ،‬والجريمة‬ ‫‪ ..‬المظھر الحضارى ال يتحقق وھناك جھالء ومرضى وفقراء وبؤساء ‪.‬‬ ‫إن عدد العشوائيات فى العالم اآلن يقدر بـ ‪ ، ٢٢٠،٠٠٠‬ويترواح سكان كل‬ ‫عشوائية بين عدة مئات إلى أكثر من مليون ) عشوائية ‪ gargantuan‬فى مدينة‬


‫المكسيك يسكنھا ‪ ٤‬مليون ( ‪ ،‬ودخل الفرد فيھا أقل من الحد األدنى للمعيشة ‪،‬‬ ‫ويصل إلى ‪ ٧٥‬سنتا يوميا ‪ ،‬وتصل نسبة وفيات األطفال دون سن الخامسة إلى‬ ‫‪ ٣٢٠‬لكل ‪ ١،٠٠٠‬نسمة ‪ ،‬والعشوائيات إما أن تكون فى قلب المدينة ‪، Inner City‬‬ ‫أو فى أطرافھا ‪ ،‬وھو ما يطلق عليه ‪ ، Pirate Urbanization‬حيث يتم الحصول‬ ‫على األرض بدون عقد ‪ Title‬أو بوضع اليد ‪ ،‬وھو الشائع منذ ‪ ). ١٩٧٠‬فى مدينة‬ ‫‪) Karachi‬باكستان ( ‪ ٣٤‬عشوائية فى قلب المدينة ‪ ٦٦ ،‬على أطرافھا ( ‪.‬‬ ‫يناقش ‪ Mike Davis‬فى كتابه ‪ Plant of Slums‬بنبرة متشائمة بعضا من الحلول‬ ‫لمشكلة العشوائيات ‪ ،‬ومنھا استخدام الجھود الذاتية ‪ ،‬والمنظمات غير الحكومية‬ ‫‪ ، NGOs‬والذى يفرد له الفصل الرابع ‪ ،‬ولكنه يراه نوعا من السراب ‪Illusion of‬‬ ‫‪ ، Self-Help‬وقد يكون الكاتب محقا ‪ ،‬نظرا لتفاقم المشكلة ‪ ،‬وصعوبة حلھا بجھود‬ ‫ذاتية ال تمتلك إال القليل من الموارد واإلمكانيات ‪ ،‬وال تستطيع توفير االستثمارات‬ ‫الھائلة التى يتطلبھا قطاع اإلسكان ومشاريع البنية التحتية ‪ ،‬إال أنه مع ذلك ال يمكن‬ ‫إغفالھا ‪ ،‬فالمنظمات غير الحكومية تلعب دورا ال يمكن تجاھله رغم صغره ‪ ،‬فى‬ ‫مكافحة الفقر والعشوائيات ‪ ،‬كما أن القروض الصغيرة التى يقدمھا ‪Gramin‬‬ ‫‪ Bank‬مثال فى بنجالديش تساھم فى تغيير نوعى فى حياة كثير من الفقراء ھناك ‪.‬‬ ‫إذا كان إھمال الزراعة والقرية ھو السبب الرئيسى الذى أجبر الفالحين على ھجرة‬ ‫الريف إلى المدن ‪ ،‬ومن ثم السبب الرئيسى لظھور العشوائيات ‪ ،‬فإن األرخص‬ ‫واألسھل لمصر أن تھتم بالزراعة ‪ ،‬وأن تھتم بتنمية القرية ‪ ،‬وتحسين مرافقھا ‪ ،‬وأن‬ ‫تھتم برفع مستوى الفالح صحيا وثقافيا ‪ ،‬ومساعدته على تلبية متطلبات األرض‬ ‫بأسعار رخيصة ‪ ،‬وبيع منتجاته بأسعار معقولة ‪ ،‬تكفل له حياة كريمة ‪ ،‬وحسب‬ ‫صحيفة ) المصريون ( بتاريخ ‪ ٢٢‬يوليو ‪ ، ٢٠١٠‬فإن مصر أنفقت خالل الثمانية‬ ‫عشر عاما الماضية ‪ ٤‬مليارات جنيه تحت بند تطوير العشوائيات ‪ ،‬وال أحد يعرف‬ ‫أين ذھبت تلك األموال ‪ ،‬والعشوائيات ما زالت على حالھا ‪ ..‬إن المشكلة الرئيسية‬ ‫فى قضية العشوائيات ‪ ،‬وقضايا التنمية االقتصادية والبشرية فى المجتمعات النامية‬ ‫عموما ‪ ،‬ھى غياب اإلرادة السياسية ‪ ،‬فكل األنظمة فى تلك الدول أنظمة فاسدة‬ ‫ومستبدة ‪ ،‬وال تبغى خيرا لمجتمعاتھا ‪ ،‬وتجد من األسھل عليھا دوما أن تقترض من‬ ‫صندوق النقد والبنك الدولى ‪ ،‬ومن أجل ھذه القروض والتى يتم تبديد نسبة كبيرة‬ ‫منھا بسبب الفساد وغياب الشفافية والبيروقراطية ‪ ،‬تتخلى عن السيادة الوطنية ‪،‬‬ ‫وتقع فريسة للفوائد العالية ‪ ،‬وتتخلى عن كل برامج التنمية ‪ ،‬والمشاريع اإلنتاجية‬ ‫الصناعية والزراعية ‪ ،‬والخدمات األساسية الواجبة فى مجتمعاتھا الفقيرة ‪ ،‬وتحول‬


‫بالدھا إلى مجتمعات استھالكية تعتمد على البضائع المنھمرة عليھا من الخارج من‬ ‫كل صوب وحدب ‪ ،‬والتى يقوم باستيرادھا رموز النظام والمقربين منه من رجال‬ ‫األعمال الفاسدين ‪ ،‬وتقصر اقتصادھا على األمور الخدمية ‪ ،‬ويجد الناس نتيجة ذلك‬ ‫أنفسھم فى معاناة مستمرة مع الغالء ‪ ،‬وإحساس باليأس من المستقبل ‪ ،‬مما يفقدھم‬ ‫دافع العمل والصبر على البرامج الحقيقية التى سترقى ببالدھم ‪.‬‬ ‫يذكر تقرير األمم المتحدة السابق اإلشارة إليه أن مشكلة العشوائيات يجب أن ينظر‬ ‫إليھا كنتيجة لفشل قومى ومحلى لسياسات اإلسكان‪ ،‬والقوانين ‪ ،‬والتوزيع ‪ ،‬وأن‬ ‫أكبر عامل يحد من إمكانية توفير اإلسكان والظروف المعيشية المالئمة لمحدودى‬ ‫الدخل ‪ ،‬ھو غياب الرغبة واإلرادة السياسية الصادقة لمواجھة القضية ‪ ،‬وإيجاد‬ ‫الحلول المالئمة لھا ‪ ،‬بطريقة مستمرة ‪ ،‬وعلى نطاق شامل ‪Slums must be‬‬ ‫‪seen as the result of a failure of housing policies , laws and‬‬ ‫‪delivery systems , as well as of national and urban policies . The‬‬ ‫‪most important factor that limits progress in improving housing‬‬ ‫‪and living conditions of low-income groups in informal‬‬ ‫‪settlements and slums is the lack of genuine political will to‬‬ ‫‪address the issue in a fundamentally structured , sustainable‬‬ ‫‪and large-scale manner‬‬ ‫‪ -٥‬االلتزام األخالقى واإلنسانى وأطفال الشوارع‬ ‫إذا كانت العشوائيات ھى المصدر الرئيسى ألطفال الشوارع ‪ ،‬وإذا كانت‬ ‫العشوائيات ھى مآل المھاجرين من قراھم إلى المدينة ‪ ،‬فإن الجھود الصادقة للتغلب‬ ‫على العشوائيات وأطفال الشارع ‪ ،‬ال بد أن تبدأ فى القرية ‪ ،‬ومع الفالح ‪ ،‬وفى‬ ‫المجال الزراعى ‪ ،‬ورغم صعوبة تحقيق ذلك ألسباب عديدة تمت مناقشتھا فى‬ ‫مواضع مختلفة من المقال ‪ ،‬إال أن قضية أطفال الشوارع تبقى مرتبطة ببعد أخالقى‬ ‫وإنسانى ‪ ،‬وذلك ألن الضحايا أطفال ‪ ،‬من حقھم على مجتمعھم أن يرعاھم ‪ ،‬وأن‬ ‫يوفر لھم الحياة الكريمة ‪ ،‬وأن يصون أجسادھم وعقولھم ‪ ..‬يقول ) وائل زكى ( فى‬ ‫مقاله السابق اإلشارة إليه ‪ " :‬جمع ھؤالء األطفال ومحاوالت تسكينھم وإيوائھم ‪،‬‬ ‫بقدر ما يحل جزءا من المشكلة ‪ ،‬إال أنه يوارى المظھر دون لمس جوھر المشكلة‬ ‫والسبب وراء الظاھرة ‪ ،‬فتقديم المساعدات ألطفال الشوارع ‪ ،‬ولو كانت منتظمة‬ ‫دون عالج أسبابھا فى مكامنھا ‪ ،‬ھو بمثابة حل لمشكلتنا نحن مع ھذا المظھر غير‬


‫الحضارى الذى يبدو عليه الشارع المصرى " ‪.‬‬ ‫وتقترح ) أميرة قطب ( فى مقالھا السابق اإلشارة إليه سبال مختلفة لمواجھة‬ ‫أعراض المشكلة ‪ ،‬ومنھا ‪ " :‬تطبيق نظام مسؤول الحاالت فى الجمعيات العاملة مع‬ ‫األطفال ‪ ،‬والذى بموجبه يكون كل إخصائى مسؤوال عن ‪ ٦‬أطفال ‪ ،‬يوجه لھم عناية‬ ‫شخصية مركزة بدال من العناية الجماعية ‪ ،‬وإشراك أفراد المجتمع والمتطوعين بعد‬ ‫تدريبھم على التعامل مع األطفال ‪ ،‬فى متابعة الحاالت ‪ ،‬مع وضع محفزات‬ ‫وإعفاءات ضريبية لھم ‪ ،‬ونقل مسؤولية كل طفل إلى قسم خاص بمحكمة األسرة ‪،‬‬ ‫يتولى متابعة ملفه بشكل دورى ‪ ،‬وجعل إعادة التأھيل النفسى مكونا أساسيا فى‬ ‫التعامل مع كل حاالت األطفال " ‪ ،‬كما تقترح أيضا اإلبالغ عن حاالت االنتھاكات‬ ‫الجسدية لألطفال ‪ ،‬وجعل ذلك واجبا على كل من له عالقة مباشرة أو غير مباشرة‬ ‫باألطفال ‪ ،‬كاألطباء والمدرسين وغيرھم ‪ ،‬على أن تتكفل سلطات حماية الطفل‬ ‫بالتحقيق فى البالغات ‪ ،‬وعمل الالزم لحماية ھؤالء األطفال ‪.‬‬ ‫إن مكافحة ظاھرة أطفال الشوارع أمر شديد األھمية للعواقب الوخيمة على المجتمع‬ ‫إذا تم تجاھل تلك المشكلة ‪ ..‬يذكر ‪ Mike Davis‬ظاھرة التطرف الفكرى والدينى‬ ‫المنتشرة فى آسيا وشمال أفريقيا ‪ ،‬والعالقة الموثقة بين العشوائيات وبينھا ‪ ،‬ويصف‬ ‫أطفال العشوائيات بأنھم أسلحة الشوارع التى تشكل القوى المعادية للدولة ‪slum‬‬ ‫‪children are the street weapons of anti-state forces . They may‬‬ ‫‪be both threats and possibilities for states in the future‬‬ ‫سابعا ‪ :‬ماذا عن المستقبل ؟‬


‫فى عام ‪ ٢٠٠٢‬صدر كتاب ]‪ ) [١‬عدو الطبيعة ‪ :‬إما نھاية الرأسمالية أو نھاية العالم‬ ‫( ‪ ،‬لمؤلفه ]‪ [٢‬الناشط السياسى والبيئى أالمريكى ‪ ، Joel Kovel‬وفيه يرسم صورة‬ ‫قاتمة لمستقبل العالم ‪ ..‬يقول ‪ " :‬المشكلة ليست فى الشركات العمالقة ‪ ،‬وال التصنيع‬ ‫‪ ،‬وال التقنيات الحديثة ‪ ،‬وال سوء الحظ ‪ ،‬إنھا فى رأس المال بجشعه ‪ ،‬ودعايته‬ ‫المضللة " ‪ ،‬ثم يمضى راسما ً صورة لعالمنا مع بداية األلفية الثالثة ‪ " :‬زاد عدد‬ ‫السكان من ‪ ٣٫٧‬بليون إلى ‪ ، (٦٢% ) ٦‬وارتفع االستھالك اليومى للبترول من‬ ‫‪ ٤٦‬مليون برميل إلى ‪ ، ٧٣‬واستھالك الغاز الطبيعى من ‪ ٣٤‬تريليون قدم مكعب‬ ‫إلى ‪ ، ٩٥‬واستھالك الفحم من ‪ ٢٫٢‬بليون طن مترى ‪ ) meteric tonnes‬الطن‬ ‫أو الطن المترى كما يُسمى فى الواليات المتحدة = ‪ ١،٠٠٠‬كيلو جرام ( إلى ‪، ٣٫٨‬‬ ‫وزاد عدد السيارات من ‪ ٢٤٠‬مليون إلى ‪ ) ٧٣٠‬ثالثة أضعاف ( ‪ ،‬وتضاعفت‬ ‫حركة المالحة الجوية ست مرات ‪ ،‬وتضاعف استھالك األشجار إلى ‪ ٢٠٠‬مليون‬ ‫طن مترى سنويا ‪ ،‬وزاد انبعاث الكربون من ‪ ٣٫٩‬مليون طن مترى إلى ‪، ٦٫٤‬‬ ‫وارتفعت الحرارة درجة فھرنھايتية ‪ ،‬وزاد معدل انقراض الكائنات بصورة غير‬ ‫مسبوقة فى الـ ‪ ٦٥‬مليون سنة األخيرة ‪ ،‬وتضاعف استھالك األسماك عن مستواه‬ ‫فى ‪ ، ١٩٧٠‬وتم تدمير ‪ ٤٠%‬من األراضى الزراعية ‪ ،‬ونصف غابات العالم ‪،‬‬ ‫وتجفيف نصف أراضى المستنقعات ‪ ، wetlands‬ووصل خرق األوزون إلى أكبر‬ ‫حجم له فى عام ‪ ، ٢٠٠٠‬وأصبح نصف المياه الساحلية فى الواليات المتحدة غير‬ ‫صالحة لالستحمام أو الصيد ‪ ،‬وساھمت الواليات المتحدة وحدھا بـ ‪ ٧٫٣‬بليون طن‬


‫من الملوثات فى ‪ ، ١٩٩٩‬وتشھد الصين اآلن انھيارا بيئا ‪ ،‬وتجر العالم معھا ‪،‬‬ ‫وتضاعفت ديون العالم الثالث بين ‪ ١٩٧٠‬إلى ‪ ٢٠٠٠‬بثماني أضعاف ‪ ،‬وازدادت‬ ‫الفجوة بين األغنياء والفقراء طبقا لألمم المتحدة من ‪ ٣:١‬فى عام ‪ ، ١٨٢٠‬إلى‬ ‫‪ ٣٥:١‬فى عام ‪ ، ١٩٥٠‬إلى ‪ ٤٤:١‬فى عام ‪ ، ١٩٧٣‬إلى ‪ ٧٢:١‬فى عام ‪، ٢٠٠٠‬‬ ‫وتدخل ‪ ١٫٢‬مليون إمرأة دون سن الـ ‪ ١٨‬سوق الجنس العالمى سنويا ‪ ،‬وھناك‬ ‫‪ ١٠٠‬مليون طفل مشرد ينامون فى الشوارع "‬ ‫إن الجشع الرأسمالى يدمر كوكب األرض ‪ ،‬ويحيل حياة أغلب ساكنيه إلى بؤس‬ ‫ومعاناة ‪ ،‬من أجل أن تتكدس األموال فى بنوك األغنياء ‪ ..‬العشوائيات التى تنتشر‬ ‫اآلن فى كل المدن ‪ ،‬وأطفال الشوارع الذين يھيمون على وجوھھم فى كل مكان ‪،‬‬ ‫مظھران من مظاھر ذلك الجشع ‪ ،‬وتلك القسوة ‪ ،‬غير أن المثير للدھشة أن رأس‬ ‫المال يجمع بين الذكاء والغباء ‪ ،‬وبين التخطيط وغياب النظرة المستقبلية ‪ ..‬أال يعلم‬ ‫ھؤالء أن األمناء والصادقين من الخبراء ينظرون إلى العشوائيات كبركان ينتظر‬ ‫لحظة االنفجار ‪ ، volcanoes waiting to erupt‬وأن أطفال الشوارع سيكونون‬ ‫مدداً مستمرا للتطرف لكل أعداء الدولة والنظام ‪ ،‬وساعة أن ينفجر البركان ‪،‬‬ ‫وتنطلق جحافل الكارھين لدولھم ومجتمعاتھم وأنظمتھم ‪ ،‬فسيدفع الجميع ثمنا باھظا‬ ‫للجشع والغباء والقسوة وعمى البصيرة ؟‬ ‫لقد صغر العالم فى زماننا ھذا ‪ ،‬وأصبح الحديث عن قضايانا المحلية مرتبطا‬ ‫بقضايانا العالمية ‪ ،‬غير أن المشكلة المصرية تبقى فريدة فى مواصفاتھا ‪ ..‬مجتمع‬ ‫وبال شعب ‪ ..‬مجتمع ) ملھوش صحاب ( ‪..‬‬ ‫وبال نخبة ‪ِ ،‬‬ ‫وبال حكومة ‪ِ ،‬‬ ‫ِبال قيادة ‪ِ ،‬‬ ‫مجتمع السبھللة والفھلوة ‪ ..‬اللى دھن الھوا دوكو ‪ ،‬وخرم التعريفة ‪ ..‬مجتمع‬ ‫بزرميط ‪.‬‬ ‫]‪The Enemy of Nature ; The End of Capitalism or the End of [١‬‬ ‫‪the World . Fernwood Publishing ,Canada . 2002‬‬ ‫]‪ Joel Kovel [٢‬ناشط سياسى وبيئى أمريكى من أصول أوكرانية ‪ ،‬ولد فى‬ ‫نيويورك فى ‪ ، ١٩٣٦‬وتخرج من جامعة ‪ Yale‬فى ‪ .. ١٩٥٧‬انضم إلى ‪Green‬‬ ‫‪ ، Party‬وترشح لمجلس الشيوخ فى ‪ ، ١٩٩٨‬وحاول الحصول على ترشيح حزبه‬ ‫لرئاسة الواليات المتحدة فى ‪٢٠٠٠‬‬ ‫سعد رجب صادق‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.