فإنه كان يقول القول فينزل به الوحي والثاين أن املقام كان مقام حمنة وابتالء عجز عنه صرب أكثر الصحابة ومل يتسع له بطاهنم وداخلهم من اهلم والقلق والتحرق على أعدائهم أمر عظيم وهلذا ملا أمرهم أن حيلقوا رؤوسهم وينحرا بدهنم مل يقم منهم رجل واحد حىت دخل على أم سلمة مغضبا فقالت له من أغضبك أغضبه هللا فقال ومايل ال أغضب وأنا آمر باألمر فال أتبع وهذا يرد تأويل من تأوله على أن القوم كانوا حمسنني يف ذلك التثبت وأهنم كانوا ينتظرون النسخ فال لوم عليهم وهذا خطأ قبيح من هذا املعتذر بل كانت املبادرة إىل امتثال أوامره أوىل هبم ولو كانوا حمسنني يف التأخري ملا اشتد غضبه عليهم ولكان أوىل منهم بانتظار النسخ بل هذا من سعيهم املغفور الذي غفره هللا هلم بكمال إمياهنم ونصحهم هلل ورسوله وعذرهم هللا سبحانه لقوة الوارد وضعفهم عن محله حىت مل حيمله عمر رضي هللا عنه يف قوته وشدته واحتمله رسول هللا وأبو بكر وكان جواهبما من مشكاة واحدة وملا احتمل رسول هللا هذا احلكم الكوين األمري الذي حكم هللا له به ورضي به وأقر ب ه ودخل حتته طوعا وانقيادا وهو الفتح الذي فتح هللا له أثابه هللا عليه بأربعة أشياء مغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإمتام نعمته عليه وهدايته صراطا مستقيما ونصر هللا له نصرا عزيزا وهبذا يقع جواب السؤال الذي أورده بعضهم هاهنا فقال كيف يكون حكم هللا له بذلك علة هلذه األمور األربعة إذ يقول هللا تعاىل ^ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك هللا ما تقدم من ذنبك وما تأخر ^ اآلية وجوابه ما ذكرنا أن تسليمه هلذا احلكم والرضا به واالنقياد له والدخول حتته أوجب له أن آتاه هللا ذلك واملقصود إمنا هو ذكر االتفاق بني احملب واحملبوب وهذا الذي جرى للصديق رضي هللا عنه من أحسن املوافقة ومن هذا موافقة عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه لربه تعاىل يف عدة أمور قاهلا فنزل هبا الوحي كما قال وتقوى هذه املوافقة حىت يعلم احملب بكثري من أحوال حمبوبه وهو غائب عنه وهذا حبسب تعلق اهلمة به وتوجه القلب إليه واحتاد مراده مبراده ورمبا اقتضى ذلك اتفاقهما يف املرض والصحة والفرح واحلزن واخللق فإن كان مع ذلك بينهما تشابه يف اخللق الظاهر فهو الغاية يف االتفاق ولنقتصر من العالمات على هذا القدر وباهلل التوفيق الباب احلادي والعشرون يف اقتضاء احملبة إفراد احلبيب باحلب وعدم التشريك بينه وبني غريه فيه هذا من موجبات احملبة الصاقة وأحكامها فإن قوى احلب مىت انصرفت إىل جهة مل يبق فيها متسع لغريها ومن أمثال الناس ليس يف القلب حبان وال يف السماء ربان ومىت تقسمت قوى احلب بني عدة حمال ضعفت ال حمالة وتأمل قوله سبحانه وتعاىل ^ يا أيها النيب اتق هللا وال تطع الكافرين واملنافقني إن هللا كان عليما حكيما واتبع ما يوحى إليك من ربك إن هللا كان مبا تعملون خبريا وتوكل على هللا وكفى باهلل وكيال ^ كيف أمره بتقواه املتضمنة إلفراده بامتثال أمره وهنيه حمبة له وخشية ورجاء فإن التقوى ال تت م إال بذلك واتباع ما أوحي إليه املتضمن لرتكه ما سوى ذلك واتباع املنزل خاصة وبالتوكل عليه وهو يتضمن اعتماد القلب عليه وحده وثقته به وسكونه إليه دون غريه مث أتبع ذلك بقوله ^ ما جعل هللا لرجل من قلبني يف جوفه ^ فأنت جتد حتت هذا اللفظ أن القلب ليس له إال وجهة واحدة إذا مال هبا إىل جهة مل ميل إىل غريها وليس للعبد قلبان يطيع هللا ويتبع أمره ويتوكل عليه بأحدمها واآلخر لغريه بل ليس إال قلب