صحيفة القدس العربي , الإثنين 07.10.2013

Page 18

‫‪18‬‬

‫‪AL-QUDS AL-ARABI‬‬

‫السنة اخلامسة والعشرون ـ العدد ‪ 7558‬االثنني ‪ 7‬تشرين االول (اكتوبر) ‪ 2013‬ـ ‪ 2‬ذو احلجة ‪1434‬هـ‬

‫مدارات‬

‫عبد احلليم قنديل٭‬ ‫خان�ت السياس�ة حد السلاح‪ ،‬ه�ذه ه�ي باختصار قص�ة دراما‬ ‫حرب أكتوبر ‪ ،1973‬التي حقق فيها جيش مصر العظيم نصرا خارقا‬ ‫بالعل�م واإلرادة واملق�درة والتوكل عل�ى الله‪ ،‬ثم جاءت السياس�ة‬ ‫البائس�ة فخذلت النصر العزيز‪ ،‬وأورثت مصر عارا وضياعا في تيه‬ ‫األربعني سنة األخيرة‪ ،‬وإلى أن قامت ثورة مصر األخيرة مبوجاتها‬ ‫املتالحق�ة إل�ى اآلن‪ ،‬الت�ي تفيق بها مص�ر من الغيبوبة‪ ،‬وتس�تعيد‬ ‫اليقظة واالنتباه ملا جرى ويجري‪ ،‬وتس�عى لتهجي حروف اس�مها‬ ‫اخلالد له اجملد في العاملني‪.‬‬ ‫ب�دت القصة ف�ي البداية كمفارق�ة ظاهرة في الص�ورة املزدوجة‬ ‫للرئيس الس�ادات‪ ،‬فق�د توفي القائ�د جمال عبد الناص�ر على نحو‬ ‫مفاج�ئ‪ ،‬وانتق�ل إل�ى ج�وار رب�ه‪ ،‬وكان الي�زال ف�ي عم�ر االثنتني‬ ‫واخلمسين س�نة‪ ،‬وتولى نائبه الس�ادات الرئاس�ة خلفا له‪ ،‬وكان‬ ‫البل�د كل�ه معبأ في اجتاه جبه�ة احلرب‪ ،‬فقد أعيد بن�اء اجليش من‬ ‫نقط�ة الصفر‪ ،‬ونش�أ ملصر جيش حدي�ث جبار‪ ،‬وبتنظي�م عصري‪،‬‬ ‫وباستنفار كامل لطاقة الشعب والدولة والصناعة املصرية البازغة‬ ‫وقتها‪ ،‬دفع الش�عب من قوته وأعصابه‪ ،‬وأرسل خير بنيه إلى جبهة‬ ‫احل�رب الت�ي لم تتوقف يوما من�ذ هزمية ‪ ،1967‬كان�ت مالحم حرب‬ ‫االس�تنزاف متصل�ة‪ ،‬وكان تكتيك عب�د الناصر ف�ي التظاهر بقبول‬ ‫مب�ادرة روجرز ق�د أتى أكله‪ ،‬فقد جرى في ش�هور وقف إطالق النار‬

‫الثالث�ة‪ ،‬بن�اء حائ�ط الصواري�خ على خ�ط قناة الس�ويس‪ ،‬وترك‬ ‫عبد الناصر ملصر جيش�ا قادرا على النصر‪ ،‬ووجد الس�ادات نفس�ه‬ ‫حبيس�ا في قيد عب�د الناصر‪ ،‬وملزم�ا بخوض احلرب الت�ي بدا أنه‬ ‫يس�عى للته�رب منه�ا‪ ،‬وبقص�ص س�اذجة من ن�وع «عام احلس�م»‬ ‫و»ع�ام الضباب» ف�ي ‪ ،1972‬وكان ضغط الش�ارع واجلي�ش مؤثرا‬ ‫بش�دة‪ ،‬فقد كان اجليش جاه�زا لعبور قناة الس�ويس كمانع مائي‪،‬‬ ‫وجاه�زا القتحام خ�ط بارلي�ف‪ ،‬وكانت خطط احل�رب كلها جاهزة‬ ‫للتنفي�ذ قبل أن يرحل عبد الناصر‪ ،‬ولم تفلح مناورات الس�ادات إال‬ ‫في تأخير موعد احلرب‪ ،‬لك�ن احلرب جاءت في النهاية‪ ،‬وتبدت في‬ ‫وهج نيرانها ووقائعها املتالحقة صورة مزدوجة للرئيس السادات‪.‬‬ ‫فقد كان الس�ادات ف�ي موقع القائ�د األعلى للجيش ال�ذي بناه عبد‬ ‫الناص�ر‪ ،‬ووق�ع قرار احل�رب بهذه الصف�ة‪ ،‬وبعد أن ه�دأت احلرب‬ ‫وتوق�ف إطالق النار‪ ،‬ظه�ر الوجه اآلخر لصورة الس�ادات‪ ،‬وبدأت‬ ‫عملية خيانة النص�ر‪ ،‬وتفكيك تعبئة اجملتم�ع والدولة‪ ،‬وباتفاقيات‬ ‫فض االش�تباك األولى والثانية‪ ،‬وإصدار قانون استثمار رأس املال‬ ‫العرب�ى واألجنبي‪ ،‬وبدء سياس�ة «انفتاح الس�داح م�داح» بتعبير‬ ‫الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين‪ ،‬ووصوال إلى مبادرة زيارة القدس‬ ‫احملتل�ة‪ ،‬ومفاوضات كامب ديفيد برعاية األمريكيني‪ ،‬وإلى ما س�مي‬ ‫مبعاهدة السلام املصرية اإلس�رائيلية‪ ،‬التي أعادت س�يناء شكال‪،‬‬ ‫وأضاع�ت مصر حقيق�ة‪ ،‬وعلى طريقة الذي أعادوا ل�ه قدما وأخذوا‬ ‫عينيه‪ ،‬فظل ميشى في التيه‪ ،‬وينزلق إلى القاع‪.‬‬ ‫كان ملصر وقت وقف احلرب ثمانون ألف جندى وألف دبابة في‬ ‫س�يناء‪ ،‬ثم جاءت املعاهدة املشؤومة‪ ،‬وأنزلت عدد قواتنا إلى اثنني‬

‫الذين خانوا اجليش‬ ‫وعش�رين ألف جندى في املنطقة (أ) ش�رق قناة الس�ويس‪ ،‬وبعمق‬ ‫‪ 59‬كيلومترا‪ ،‬وفي منطقة وس�ط س�يناء‪ ،‬وبعم�ق ‪ 109‬كيلو مترات‪،‬‬ ‫التي س�ميت باملنطقة (ب)‪ ،‬لم تسمح املعاهدة املشؤومة ملصر سوى‬ ‫بأرب�ع كتائب حرس حدود‪ ،‬وفي املنطق�ة (ج)‪ ،‬وبعمق ‪ 33‬كيلومترا‬ ‫غ�رب احلدود املصرية الفلس�طينية التاريخية‪ ،‬لم تس�مح املعاهدة‬ ‫املشؤومة سوى بقوات شرطة مصرية‪ ،‬كانت هذه الترتيبات األمنية‬ ‫املهينة جوهر املأس�اة‪ ،‬وكانت حس�ابات السلاح تتي�ح ملصر ما هو‬ ‫أفض�ل كثي�را‪ ،‬فلم يكن ممكنا إلس�رائيل أن تبقى طويال في س�يناء‪،‬‬ ‫وه�ي ش�به جزيرة تزي�د مس�احتها على ثالث�ة أمث�ال ونصف مثل‬ ‫مساحة فلسطني احملتلة كلها‪ ،‬وكانت مستوطنة «ياميت» في سيناء‬ ‫ش�يئا هزلي�ا‪ ،‬وكان بقاء مصر على جبهة احل�رب حتى بدون حرب‬ ‫كافيا إلرغام إسرائيل على ترك سيناء بكاملها‪ ،‬وقد سبق أن احتلت‬ ‫إسرائيل س�يناء في حرب ‪ ،1956‬ثم خرجت منها بالكامل‪ ،‬وبوجود‬ ‫ق�وة طوارئ دولية محدودة عند خليج تيران‪ ،‬وكان وضع السلاح‬ ‫املص�ري أفضل مبراحل ع�ام ‪ 1973‬قياس�ا إلى أوض�اع ‪ ،1956‬وكان‬ ‫الت�وازن الدولي لصال�ح مصر وحقوقها البديهية‪ ،‬ل�وال أن الرئيس‬ ‫الس�ادات كان ق�د ق�رر أن يبيع كل ش�يء‪ ،‬وأن يخون احل�رب التي‬ ‫خاضها مرغم�ا‪ ،‬وأن يخون النصر الذي دفعت فيه مصر دم أبنائها‪،‬‬ ‫وأن يح�ول ح�رب التحري�ر إلى ح�رب حتريك على رقعة ش�طرجن‪،‬‬ ‫نق�ول ذلك حت�ى نتذكر كيف وقعت املأس�اة‪ ،‬التي حاول�وا التغطية‬ ‫عليها بحديث كاذب عن استعادة سيناء بالسلم‪ ،‬وبزعم أن عودتها‬ ‫باحل�رب كان�ت مس�تحيلة‪ ،‬وه�ذا حدي�ث خراف�ة ال أكث�ر‪ ،‬واألدل�ة‬ ‫الواقعي�ة ال حتص�ى م�ن قب�ل ومن بع�د‪ ،‬فق�د خرجت إس�رائيل من‬

‫جنوب لبنان حتت ضغط املقاومة املس�لحة‪ ،‬وخرجت إس�رائيل من‬ ‫غزة‪ ،‬وجرى تفكيك مستوطناتها حتت ضغط االنتفاضة الفلسطينية‬ ‫الثاني�ة‪ ،‬ومن دون أن يوقع املقاومون اللبنانيون أو الفلس�طينيون‬ ‫اتفاق سلام وتطبيع مذل مع إس�رائيل‪ ،‬وال يس�تطيع عاقل بالطبع‬ ‫إج�راء مقارن�ة بني ق�وة املقاومتين الفلس�طينية واللبناني�ة وقوة‬ ‫اجلي�ش املص�ري الهائلة‪ ،‬واملعنى ظاه�ر جدا‪ ،‬فلم يك�ن لزاما علينا‬ ‫أب�دا أن نقبل بالهوان‪ ،‬وال أن نقبل بعودة س�يناء منزوعة السلاح‬ ‫ف�ي غالبها‪ ،‬ومع جتريدها م�ن أي مطارات أو موان�ئ حربية بحرية‬ ‫مصرية‪ ،‬فهذه ليست عودة ألرض‪ ،‬بل رهنا لها ملصلحة العدو‪ ،‬الذي‬ ‫أراده الس�ادات صديق�ا‪ ،‬ثم اتخذ م�ن أمريكا كفيال‪ ،‬وحط�م املقدرة‬ ‫املصرية الذاتية باالنقالب الكامل على اختيارات ثورة عبد الناصر‪،‬‬ ‫كان التاري�خ كأنه يعيد نفس�ه‪ ،‬فق�د حتطمت نهضة محم�د علي في‬ ‫القرن التاسع عشر باتفاقية لندن سنة ‪ ،1840‬وحتطمت نهضة مصر‬ ‫املعاص�رة مبعاهدة ‪ ،1979‬وكما زحف االحتالل األجنبي السياس�ي‬ ‫فالعس�كري بعد اتفاقي�ة لندن‪ ،‬فقد زحف االحتالل السياس�ي ملصر‬ ‫بع�د ما ج�رت تس�ميته «معاهدة السلام»‪ ،‬وم�ع فارق ظاه�ر جدا‪،‬‬ ‫وه�و أن مص�ر أرغمت على الرك�وع زمن محمد علي‪ ،‬وبحد السلاح‬ ‫األوروب�ي الزاحف املتحالف مع خيان�ة اخلالفة العثمانية املريضة‪،‬‬ ‫بينما لم تكن مصر مرغمة بعد حرب ‪ 1973‬على تكرار الركوع نفس�ه‪،‬‬ ‫وكان ميك�ن االس�تطراد ف�ي عملي�ة بن�اء اجليش وتطوي�ر صناعة‬ ‫السلاح‪ ،‬والضغ�ط السياس�ي إلع�ادة س�يناء على وج�ه احلقيقة‬ ‫ال عل�ى وج�ه اجملاز‪ ،‬فلم تعد س�يناء إل�ى مصر إال في أغنية ش�ادية‬ ‫«س�ينا رجعت كاملة لينا‪ ..‬ومصر اليوم في عيد»‪ ،‬فقد عادت سيناء‬

‫اوباما املأزوم بني نتنياهو املنغلق وروحاني املنفتح‬ ‫د‪ .‬عصام نعمان٭‬ ‫رد بنيامين نتنياهو عل�ى التقارب احملدود بني ب�اراك اوباما‬ ‫ّ‬ ‫وحس�ن روحان�ي بخط�اب عصب�ي ف�ي اجلمعي�ة العام�ة لألمم‬ ‫املتحدة‪ ،‬وبحملة دبلوماسية واعالمية واسعة‪.‬‬ ‫ف�ي اخلط�اب ّاك�د نتنياه�و ان «اس�رائيل» لن تس�مح إليران‬ ‫بامتالك س�ـالح ن�ووي‪ ،‬وانه في ح�ال اضطرارها ال�ى الوقوف‬ ‫مبفردها في وجـه برنامجها النووي‪ ،‬فإنها لن تتردد في ذلك‪.‬‬ ‫نتنياهو لفظ خطابه في قاعة ش�به فارغة‪ ،‬لكن كلماته املفعمة‬ ‫بالس�خط التقطه�ا اعض�اء الوفد االمريك�ي‪ ،‬ومنه�م انتقلت الى‬ ‫رئيسهم املأزوم‪.‬‬ ‫الرئي�س االمريك�ي م�أزوم ألس�باب ع�دّ ة‪ .‬كان اس�تمع قب�ل‬ ‫ساعات معدودة الى اعتراضات ومخاوف نتنياهو بشأن تقاربه‬ ‫املريب مـع الرئيس اإليراني‪ .‬وهو مأزوم ايضا بس�بب خالفه مع‬ ‫احل�زب اجلمهوري حول مش�روع ميزانية الع�ام ‪ .2014‬وكيف ال‬ ‫ً‬ ‫مأزوما وقد ادى رفض اجلمهوريني ملشروع امليزانية‬ ‫يكون اوباما‬ ‫الى نضوب خزانة االدارة واضطرارها الى اغالق دوائر احلكومة‬ ‫الفيدرالية وتعطيل اكثر من ‪ 800‬الف من موظفيها‪ ،‬بينهم الرئيس‬ ‫ً‬ ‫محكوما عليه بالعمل بال راتب‪.‬‬ ‫االمريكي نفسه الذي بات‬ ‫اوبام�ا كظ�م غيظ�ه وواج�ه هجم�ة نتنياه�و الضاري�ة على‬ ‫الرئي�س حس�ن روحاني بهدوء ورصانة‪ .‬ق�ال إن «كلمات ايران‬ ‫ليس�ت كافي�ة‪ ،‬ويجب ان تعط�ي اجملتمع الدول�ي الثقة من خالل‬ ‫االفعال ال االقوال»‪.‬‬ ‫للتو حملة دبلوماسية‬ ‫نتنياهو لم تطمئنه كلمات اوباما‪ ،‬فبدأ ّ‬ ‫واعالمية واس�عة في امريكا واوروبا بغية إقناع املسؤولني‪ ،‬كما‬ ‫ال�رأي الع�ام‪ ،‬بض�رورة متابعة الضغ�وط على اي�ران وتكثيفها‬ ‫بغي�ة تف�ادي التوص�ل معه�ا ال�ى «اتف�اق س�يئ» بش�أن كب�ح‬ ‫برنامجها النووي‪ .‬لذلك م�دّ د نتنياهو زيارته الى نيويورك عدّ ة‬

‫ً‬ ‫اجتماعا مع مجموعة من رؤساء حترير الصحف‬ ‫ايام عقد خاللها‬ ‫ً‬ ‫االمريكي�ة ّ‬ ‫اجتماع�ا آخر مع‬ ‫وكت�اب االعم�دة الصحافي�ة‪ ،‬وعقد‬ ‫زعم�اء املنظم�ات اليهودي�ة بغية جتني�د اللوبي اليه�ودي لنقل‬ ‫مواقف�ه الى الرأي العام االمريك�ي‪ ،‬كما اجرى مقابالت مع خمس‬ ‫ش�بكات تلفزيوني�ة للتحذي�ر م�ن مغبة اإلصغ�اء ال�ى الرئيس‬ ‫االيراني «اخملادع» او عقد صفقة معه‪.‬‬ ‫روحان�ي ل�م يكتم‪ ،‬امام حاش�يتـه في طه�ران‪ ،‬ارتياحـه الى‬ ‫قيـ�ام اوبام�ا بـ ِ»مطاردته»حت�ى ب�اب الطائرة ليب�دي ترحيبه‬ ‫بخطاب�ه ف�ي اجلمعي�ة العام�ة للامم املتح�دة‪ ،‬وبانفتاحه على‬ ‫مفاوض�ات مجدي�ة م�ع الوالي�ات املتح�دة وحلفائه�ا لتس�وية‬ ‫االزم�ة النووية‪ .‬غي�ر ان الرئي�س اإليراني وجد املس�ؤولني كما‬ ‫الرأي العام في الداخل منقس�مني حول تقاربه مع اوباما‪ ،‬فبعض‬ ‫قيادات احلرس الثوري ابدى انزعاجه لـِ »تس�رعه في التحادث‬ ‫م�ع الرئيس االمريكي»‪ .‬لذلك حرص على تس�ريب مقتطفات من‬ ‫تقريره في مجلس الوزراء بش�أن رحلته الناجحة الى نيويورك‬ ‫أهمه�ا «ان ايران تعتبر حقوقها النووية االساس�ية في تخصيب‬ ‫اليورانيوم امرا ال يقبل التفاوض»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مرتب�كا في‬ ‫اوبام�ا امل�أزوم ام�ام نتنياه�و وروحان�ي‪ ،‬يب�دو‬ ‫محاولت�ه التوفي�ق بين حليف�ه اإلس�رائيلي املنغل�ق وغرمي�ه‬ ‫اإليراني املنفتح‪ .‬ذلك ان مطالبهما متباعدة ويصعب جتسيرها‪.‬‬ ‫نتنياه�و يطال�ب بتفكي�ك التخصي�ب في منش�أة «ف�وردو»‪،‬‬ ‫ووقف النش�اط في املفاعل املائي في «آراك»‪ ،‬وإخضاع املنش�آت‬ ‫ٍ‬ ‫بوق�ف ت�ام‬ ‫النووي�ة اإليراني�ة االخ�رى للرقاب�ة‪ .‬كم�ا يطال�ب‬ ‫اخملصب�ة الباقي�ة في‬ ‫لتخصي�ب اليوراني�وم‪ ،‬واخ�راج الكمي�ة‬ ‫ّ‬ ‫ح�وزة طهران الى دولة اخ�رى‪ .‬لكن ميكنه التس�ليم ببقاء كمية‬ ‫اخملصب لتشغيل منشأة بحثية واحدة‪.‬‬ ‫قليلة من اليورانيوم‬ ‫ّ‬ ‫روحان�ي مس�تعد لفت�ح كل مواق�ع اي�ران النووي�ة للرقاب�ة‬ ‫ً‬ ‫مستعدا للبحث في وقف تخصيب اليورانيوم‬ ‫الدولية‪ .‬كما يبدو‬ ‫عند درجة ‪ 20‬في املئة‪ .‬كما يُ حتمل ان يوافق على اخراج كمية من‬ ‫اخملصب الى دولة اخرى‪ .‬غير انه غير مس�تعد البتة‬ ‫اليورانيوم‬ ‫ّ‬ ‫رفضا ً‬ ‫ً‬ ‫باتا تفكيك منش�آت‬ ‫لوق�ف عملي�ة التخصيب‪ .‬كما يرف�ض‬

‫بالده النووية‪.‬‬ ‫إزاء ه�ذه املطال�ب املتباع�دة‪ ،‬ب�ل املتعارضة‪ ،‬يح�اول اوباما‬ ‫اجتراح معادلة للتوفيق بينها تقوم على االس�س اآلتية‪ :‬تس�مح‬ ‫اي�ران للمراقبين بحري�ة الوص�ول ال�ى كل املنش�آت النووي�ة‪،‬‬ ‫وتتوق�ف عن تخصي�ب اليورانيوم بنفس�ها‪ ،‬وتواف�ق على نقل‬ ‫اخملصب التي متتلكها ال�ى دولة اخرى على ان‬ ‫كمي�ة اليورانيوم‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واخيرا‬ ‫نوويا ألغراض مدنية‪،‬‬ ‫وقودا‬ ‫تزود الدول الكب�رى ايران‬ ‫ّ‬ ‫« تتطل�ع» واش�نطن ال�ى موافق�ة طه�ران عل�ى تفكيك منش�آتها‬ ‫اخملتصة بتخصيب اليورانيوم»‪.‬‬ ‫م�ع ان «معادل�ة اوبام�ا» تب�دو محابي�ة لـ ِ»اس�رائيل»‪ ،‬فإن‬ ‫نتنياه�و ال ينفك عن ابداء س�خطه وخوفه ويطالب واش�نطن‬ ‫بالضغط على ايران التخاذ سلس�لة تدابير تثبت «حس�ن نية»‬ ‫قادته�ا بوق�ف برنامجها الن�ووي وإخضاعه للرقاب�ة الدولية‪،‬‬ ‫واتخ�اذ تدابي�ر من ش�أنها إقص�اء احتم�ال جلوئهم ال�ى قرار‬ ‫في املس�تقبل بامتلاك قنبلة نووي�ة‪ .‬كل ذلك حت�ت طائلة قيام‬ ‫«اسرائيل»‪ ،‬في حال اضطرارها‪ ،‬الى مواجهة ايران مبفردها‪.‬‬ ‫معظ�م املس�ؤولني‪ ،‬كما احملللني اإلس�تراتيجيني‪ ،‬ف�ي امريكا‬ ‫ّ‬ ‫يش�كون بق�درة «اس�رائيل» مبفرده�ا عل�ى تدمي�ر‬ ‫واوروب�ا‬ ‫منش�آت ايران النووية‪ ،‬ب�ل ان بعض اجلن�راالت االمريكيني ال‬ ‫يكت�م اقتناعه بأنه ف�ي مقدور ايران إحلاق اذى واس�ع النطاق‬ ‫بغرميتها اذا ما حاولت ً‬ ‫فعال االعتداء عليها‪ .‬مع ذلك‪ ،‬فإن بعض‬ ‫تهور بعض الرؤوس‬ ‫املراقبني يعتقدون ان واشنطن تخشى من ّ‬ ‫َ‬ ‫مأخذ‬ ‫احلامية في «اس�رائيل»‪ ،‬وه�ي لذلك تأخ�ذ كالم نتنياهو‬ ‫اجلد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ايض�ا ان اي�ران‪ ،‬احلريص�ة عل�ى ازال�ة العقوب�ات‬ ‫يت�ردد‬ ‫االقتصادي�ة املفروضة عليها‪ ،‬قد تضطر الى املوافقة على اعطاء‬ ‫الواليات املتحدة وحلفائها ضمانات جدية باالمتناع عن تطوير‬ ‫سالح نووي مقابل إقرارهم بأن برنامجها النووي هو لألغراض‬ ‫السلمية‪ ،‬والتسليم بإزالة العقوبات الدولية املفروضة عليها‪.‬‬ ‫ماذا تس�تطيع الواليات املتحدة فعل�ه الغتنام فرصة انفتاح‬ ‫ايران من دون إغضاب «اس�رائيل» وبعض حلفائها العرب غير‬

‫املرتاحني للتقارب بينها وبني اجلمهورية اإلسالمية؟‬ ‫الواق�ع ان هام�ش املن�اورة مح�دود ام�ام اوبام�ا‪ ،‬ذل�ك ان‬ ‫تداعي�ات ازم�ة ع�دم إق�رار امليزاني�ة االمريكية للع�ام ‪ 2014‬قد‬ ‫نح�و ادت الى حمله على إلغاء جولته اآلس�يوية‬ ‫تفاقم�ت على‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫«الترف�ق»‬ ‫وقمت�ه م�ع الرئي�س بوتين‪ ،‬كم�ا س�تحمله عل�ى‬ ‫بـِ »اس�رائيل» مخاف�ة ان ينحاز اللوبي اليه�ودي الى خصومه‬ ‫اجلمهوريني في الكونغرس‪ ،‬م�ا يؤدي الى تعديل ميزان القوى‬ ‫ملصلحتهم‪.‬‬ ‫م�ن هن�ا يخش�ى بع�ض املراقبين ان تلج�أ واش�نطن ال�ى‬ ‫اس�لوب الضغط املتوازن على «اس�رائيل» وايران في آن واحد‪:‬‬ ‫تضغ�ط على «اس�رائيل» بإب�داء انحياز م�دروس ومحدود الى‬ ‫الفلس�طينيني‪ ،‬حلم�ل حكومة نتنياهو على اإلق�رار مبطلب دولة‬ ‫فلس�طينية س�يدة عل�ى اقليمه�ا ووضع�ه موض�ع التنفي�ذ قبل‬ ‫بت س�ائر املطالب‪ .‬والضغ�ط على ايران من خلال الضغط على‬ ‫ً‬ ‫أس�لحة‬ ‫حليفته�ا س�ورية بتزوي�د تنظيمات املعارضة املس�لحة‬ ‫نوعية ّ‬ ‫متكنها من توسيع نطاق عملياتها وسيطرتها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نظري�ا‪ ،‬لك�ن مردودهم�ا العملي‬ ‫ه�ذان «اخلي�اران» ممكن�ان‬ ‫مش�كوك ف�ي ج�دواه‪ .‬ذل�ك ان نتنياه�و عبّ �أ اإلس�رائيليني ضد‬ ‫اوبام�ا وضد اي�ران (‪ 66‬يؤيدون انفراد «اس�رائيل» مبواجهتها‬ ‫) وبإمكانه ً‬ ‫حتمل اعباء ضغوط واشنطن احملدودة ملصلحة‬ ‫تاليا ّ‬ ‫الفلس�طينيني‪ .‬كما ان ايران مرتاحة الى التس�وية «الكيميائية»‬ ‫متت بني اوباما وبوتني‪ ،‬ما ّ‬ ‫التي ّ‬ ‫وفر على سورية ضربة عسكرية‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تالي�ا وضع الرئيس بش�ار االس�د ال�ذي ملح في‬ ‫امريكي�ة وع�زز‬ ‫ٍ‬ ‫عوض�ت س�ورية تخليها عن‬ ‫تصريح�ات الفت�ة ال�ى أن روس�يا ّ‬ ‫ً‬ ‫اس�لحة نوعية من ش�أنها ان «تعمي‬ ‫رادعها الكيميائي بتزويدها‬ ‫بصر «اسرائيل»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مأزومــ�ا‪ ،‬ونتنيـاهو‬ ‫هكـ�ذا يتضـ�ح ان اوبامــ�ا س�يبقــى‬ ‫ً‬ ‫منغلقـا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫منفتحا‪ ...‬حتى إشعار آخر‪.‬‬ ‫وروحاني‬

‫*كاتب لبناني‬

‫هل تكون «إسرائيل» الرابح األكبر في الثورات العربية؟‬ ‫هشام منور٭‬ ‫ً‬ ‫صادم�ا ألنص�ار الث�ورات العربية‬ ‫ق�د يك�ون العنوان املتق�دم‬ ‫ف�ي العالم العرب�ي‪ ،‬وكذل�ك األمر بالنس�بة للش�عوب التي ثارت‬ ‫للتخل�ص م�ن االس�تبداد والظلم من قب�ل أنظمة عربي�ة متحالفة‬ ‫ً‬ ‫تقليدي�ا م�ع الغ�رب‪ ،‬وم�ن حت�ت الطاول�ة متواطئ�ة م�ع عدوهم‬ ‫التاريخي «إس�رائيل»‪ ،‬وال يفهم من الكالم املتقدم أنني من معادي‬ ‫موجة الربيع العربي التي اجتاحت املنطقة‪ ،‬لكنه سؤال قد يفرض‬ ‫نفس�ه بقوة في ظل حالة املراوحة التي عرفه�ا العالم العربي بعد‬ ‫قيام عدد من الثورات فيه‪.‬‬ ‫مفارقة الث�ورات العربية من وجهة نظر غربية‪ ،‬قد تتلخص في‬ ‫محاولة دمج «إس�رائيل» كش�ريك اس�تراتيجي أمني لدول عربية‬ ‫كمص�ر واألردن‪ ،‬ومحاولة فرضها كحليف للس�عودية ضد إيران‪،‬‬ ‫وه�ي مطام�ح ترغب الدول�ة العبرية في االس�تفادة م�ن معطيات‬ ‫التخبط الذي يصيب املنطقة‪.‬‬ ‫غ�زو الع�راق ع�ام ‪ 2003‬ال�ذي أدى إل�ى س�قوط نظ�ام صدّ ام‬ ‫الس ّ�نية في الش�رق األوسط‬ ‫حسين‪ ،‬أس�فر عن إضعاف األنظمة ُ‬ ‫(حلف�اء أمريكا التقليديني)‪ ،‬وتعزيز قوة العدو الرئيس�ي ألمريكا‬

‫في املنطقة (إيران)‪ .‬واآلن بعد مرور عش�ر س�نوات رمبا نشهد في‬ ‫املنطقة نتيجة أخرى ال تخلو من املفارقة‪ :‬ففي الوقت احلاضر على‬ ‫األق�ل يب�دو األمر وكأن «إس�رائيل» ه�ي الرابح الوحي�د الواضح‬ ‫م�ن ثورات «الربيع العربي»‪ .‬قد يعترض أغلب اإلس�رائيليني على‬ ‫ه�ذا التفس�ير‪ ،‬فقد أصبح�ت بيئته�م اإلقليمية أكثر ً‬ ‫ميلا إلى عدم‬ ‫االس�تقرار‪ ،‬ولم يعد م�ن املمكن التنب�ؤ بها‪ ،‬وتزاي�دت التهديدات‬ ‫األمنية بش�كل كبي�ر حول الكيان اإلس�رائيلي بعد س�قوط أنظمة‬ ‫عربي�ة كانت حليفة لكيانهم‪ .‬ولم تعد أي من احلدود اإلس�رائيلية‬ ‫اآلن آمن�ة‪ ،‬خاص�ة احلدود الطويل�ة مع مصر‪ .‬ولم يع�د من املمكن‬ ‫التسليم بأي حتالف ضمني كأمر مفروغ منه‪ .‬فكل السيناريوهات‬ ‫مفتوحة‪.‬‬ ‫عودة الدولة البوليسية األمنية في مصر‪ ،‬وانتشار الصراع على‬ ‫نحو شبه طائفي في سورية‪ ،‬يجعل احلدود الشمالية واجلنوبية‬ ‫ف�ي خطر مح�دق‪ ،‬لكنها ف�ي الوقت ذات�ه‪ ،‬حتول «إس�رائيل» إلى‬ ‫واح�ة للدميقراطي�ة واالس�تقرار ف�ي املنطق�ة‪ ،‬كما يحل�و للكيان‬ ‫الهجني أن يصف نفس�ه‪ ،‬فاحلديث عن استئناف عملية السالم مع‬ ‫الس�لطة الفلس�طينية من غير املمكن أن يكون أكثر من مجرد ورقة‬ ‫توت‪ ،‬ميك�ن من خاللها إقن�اع احلليف األمريك�ي بتمرير مزيد من‬ ‫الوقت أمام الرأي العام العاملي بش�روع «إسرائيل» في مفاوضات‬ ‫سلمية مع السلطة الفلسطينية‪.‬‬

‫ً‬ ‫مشغوال‬ ‫األمر الواضح اآلن هو أن الشرق األوسط سوف يكون‬ ‫للغاية بصراع داخلي مينعه من االنش�غال بالقضية الفلسطينية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫راهن�ا حالة من‬ ‫أو مس�ألة وج�ود الكي�ان اإلس�رائيلي‪ .‬كما تب�رز‬ ‫التع�اون الواض�ح بني النظ�ام احلالي ف�ي مصر مع «إس�رائيل»‪.‬‬ ‫وألن النظ�ام األردن�ي‪ ،‬مثال‪ ،‬يكافح م�ن أجل البقاء ف�ي بيئة تعج‬ ‫بالتحدي�ات‪ ،‬فإن�ه يحت�اج إل�ى التع�اون األمني مع «إس�رائيل»‪.‬‬ ‫والقوات اإلسرائيلية واألردنية تعمالن اآلن ً‬ ‫معا لتأمني حدودهما‬ ‫ضد تس�لل املقاتلين من العراق وس�ورية‪ ،‬في حني تتقاس�م مصر‬ ‫و»إس�رائيل» نفس الهدف في س�يناء‪ .‬وبالتالي فإن املفارقة التي‬ ‫تنط�وي عليها الثورات العربية تتخلص في أنها أس�همت في دمج‬ ‫«إسرائيل» كشريك استراتيجي (لبعض البلدان) في املنطقة‪.‬‬ ‫ال ينبغ�ي اس�تخالص االس�تنتاجات اخلاطئ�ة وتعميمه�ا في‬ ‫الوق�ت الراه�ن‪ ،‬ولع�ل م�ن اخلط�أ االس�تعجال ف�ي ذل�ك‪ ،‬فرمبا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اس�تراتيجيا‬ ‫ش�ريكا‬ ‫أصبحت إس�رائيل‪ ،‬أكثر من أي وقت مضى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حليفا فرضه األمر الواقع ضد‬ ‫رئيس�يا لبعض األنظمة العربية‪ ،‬أو‬ ‫إي�ران‪ ،‬ولك�ن هذا ال يعن�ي أن جيران «إس�رائيل» استس�لموا من‬ ‫الناحي�ة العاطفية الس�تمرار وجودها بينهم‪ .‬كم�ا ال يعني هذا إن‬ ‫«إسرائيل» تستطيع أن تفعل ما تريد متى وحيثما شاءت‪ ،‬بل على‬ ‫العك�س من ذلك‪ ،‬يتعين على احلكومة اإلس�رائيلية أال تس�تخدم‬ ‫االضطراب�ات ف�ي املنطقة كمب�رر للتقاعس عن القي�ام بأي حترك‬

‫حلل الصراع مع السلطة الفلسطينية‪.‬‬ ‫«املس�تنقع» الذي تتخبط فيه الش�عوب واألنظمة العربية على‬ ‫ً‬ ‫قادرا على تهيئة الظروف املالئمة للسلام‬ ‫حد س�واء‪ ،‬قد ال يكون‬ ‫ً‬ ‫سببا في‬ ‫واملصاحلة بني اإلس�رائيليني والفلسطينيني‪ .‬ولكنه كان‬ ‫حتوي�ل «الهدنة االس�تراتيجية» الت�ي يفضلها العدي�د من القادة‬ ‫الع�رب إلى البدي�ل الوحيد ال�ذي ميكن تصوره‪ .‬فم�ن غير املمكن‬ ‫ً‬ ‫حربا ف�ي ما بينهم وضد «إس�رائيل» في نفس‬ ‫أن يخ�وض العرب‬ ‫الوقت‪.‬‬ ‫قد تكون «إس�رائيل» من أكبر املستفيدين في الوقت الراهن من‬ ‫حالة التخبط والفوضى التي تعم العالم العربي والثورات العربية‬ ‫في س�عيها للتغول على الفلس�طينيني عبر توس�يع مس�توطناتها‬ ‫ومتدده�ا على األراض�ي الفلس�طينية‪ ،‬كما تبدو حكوم�ة بنيامني‬ ‫نتنياه�و عازم�ة على القيام ب�ه‪ ،‬لكن على الش�عوب العربية التي‬ ‫ث�ارت عل�ى أنظمتها املتواطئة م�ع الكيان الغاص�ب ألعز أراضيهم‬ ‫(فلس�طني) وعدم االنش�غال بالفوضى والش�ؤون الداخلية التي‬ ‫تفتحت جنباتها بش�كل غريب ومبالغ فيه أمام األنظمة التي قادت‬ ‫الثورات العربية أو تولدت عنها‪ ،‬ما يحرم الكيان اإلس�رائيلي من‬ ‫أي غنائم قد يتوهم أنه قادر على احلصول عليها‪.‬‬

‫* كاتب وباحث فلسطيني‬

‫التحول الدميقراطي في العالم العربي بعيون غربية‬ ‫د‪ .‬فوزي ناجي٭‬ ‫ُعقد في جامعة مونس�تر األملانية بتاري�خ ‪ 27 – 23‬ايلول‪/‬‬ ‫س�بتمبر ‪ 2013‬مؤمت�ر ش�ارك في�ه أكث�ر م�ن ال�ف وثالثمئة‬ ‫ش�خص م�ن األكادمييني والباحثني في ش�ؤون الش�رق من‬ ‫مختلف دول العالم‪ .‬في هذا املؤمتر أعددت وأدرت جلس�ات‬ ‫احلوار املتعلقة بالتحول الدميقراطي في العالم العربي‪ .‬اود‬ ‫هن�ا ان اورد بع�ض ما ُعرض م�ن أف�كار وآراء تخص عاملنا‬ ‫ً‬ ‫خصوصا ما مت طرحه من‬ ‫العرب�ي وما يجري به من أحداث‪،‬‬ ‫قبل الباحثني الغربيني اخملتصني بالدين االسالمي وسياسة‬ ‫الشرق األوسط‪.‬‬ ‫ً‬ ‫منفتحا ويفسح مجاال للعلمانية‬ ‫‪ 1‬يُ عتبر الدين االسالمي‬‫ً‬ ‫حالي�ا في‬ ‫ولك�ن بطريق�ة مختلف�ة ع�ن الطريق�ة املطروحة‬ ‫الش�رق األوسط‪ .‬لقد أثبت املس�لمون قدرتهم على التعايش‬ ‫مع العلمانية‪ ،‬فهم يعيش�ون منذ س�نني طويل�ة كاقليات في‬ ‫دول علماني�ة في اوروبا‪ ،‬امريكا‪ ،‬اس�تراليا‪ ،‬روس�يا والهند‬ ‫ودول أخرى‪ .‬إذن فالسؤال الذي يطرح بني الفينة واألخرى‬ ‫عن مدى قدرة االسلام عل�ى تقبل فك�رة الدميقراطية ليس‬ ‫ه�و الس�ؤال الصحيح‪ ،‬فهذا الس�ؤال متت االجاب�ة عنه منذ‬ ‫عقود‪ .‬السؤال امللح هو هل يقبل املسلمون في العالم العربي‬ ‫العلمانية كوسيلة لتنظيم امور مجتمعاتهم؟‬ ‫‪ 2‬هن�اك ف�رق كبير في تطبي�ق مبادئ الدين االسلامي‬‫ف�ي كل من احلياة العامة واخلاصة‪ ،‬حيث يجب إظهار الدين‬ ‫بقواعده اخملتلفة في احلي�اة العامة‪ ،‬اما في احلياة اخلاصة‬ ‫فيعم�ل كل مب�ا يحلو ل�ه‪ .‬لكن احل�دود بني احلياتين العامة‬ ‫واخلاص�ة أصبحت بفضل أنظم�ة التواص�ل االجتماعي في‬ ‫حرك�ة مس�تمرة‪ ،‬حي�ث فتح�ت ه�ذه األنظم�ة أبواب�ا كانت‬ ‫مغلقة قي الس�ابق‪ ،‬ومبوازاة ذلك تطور الس�وق االسلامي‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ووصوال إلى‬ ‫مرورا باملواد االستهالكية‬ ‫الذي يش�مل االعالم‬ ‫األدوات الترفيهية‪ .‬وبذلك يصل النشاط االسالمي إلى مدى‬ ‫ابعد بكثير مما وصلت إليه السلطات الرسمية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قانونا ً‬ ‫ً‬ ‫حقوقيا‬ ‫قانونا‬ ‫الهيا وامن�ا‬ ‫‪ 3‬ال تعتب�ر الش�ريعة‬‫مت اس�تنباطه من القرآن والس�نة مع أخذ العادات والتقاليد‬ ‫االجتماعي�ة بعني االعتبار‪ .‬ولم تطبق الش�ريعة االسلامية‬ ‫بحذافيره�ا ف�ي اي م�ن الدول العربي�ة وال حتى ف�ي اململكة‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬وينطبق األمر كذلك على ايران‪.‬‬ ‫‪ 4‬ان رفض العلمانية م�ن غالبية املواطنني العرب ليس‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ايضا‪ ،‬حيث يعتبره البعض‬ ‫سياس�يا‬ ‫دينيا فقط وامنا‬ ‫مرده‬ ‫ايديولوجي�ة احلكومات املس�تبدة كنظام صدام حسين في‬ ‫الع�راق واحلبيب بورقيبة في تونس‪ ،‬كم�ا ينطبق ذلك على‬ ‫حقب�ة كمال اتات�ورك في تركيا‪ .‬كما يعتب�ر البعض اآلخر ان‬ ‫رم�وز العلمانيين هم عمالء لل�دول االس�تعمارية‪ ،‬ومن هذا‬ ‫املنظ�ار ف�ان الفص�ل بني الدي�ن والدول�ة يعتبر ف�ي نظرهم‬ ‫وس�يلة اس�تعمارية وإقصاء ثقافيا‪ ،‬كما يعتبرون العلمانية‬ ‫جزءا من االستعمار احلديث‪.‬‬ ‫‪ 5‬يق�ارن العدي�د م�ن الباحثين الغربيين م�ا يح�دث‬‫ف�ي العال�م العربي مب�ا حدث ف�ي اي�ران قبل وبع�د الثورة‬ ‫االسلامية ع�ام ‪ ،1979‬حي�ث يش�يرون الى انه رغ�م الدعم‬ ‫األمريكي لش�اه اي�ران فان نظام الش�اه س�قط وانتهى ولم‬ ‫ً‬ ‫ايضا‬ ‫يتمك�ن الدعم الغربي م�ن احملافظة عليه‪ .‬ينطب�ق ذلك‬ ‫عل�ى عدم قدرة الدع�م البريطاني من احملافظ�ة على العائلة‬ ‫الهاشمية في العراق أثناء أحداث عام ‪ .1958‬يتضح من ذلك‬ ‫ان الدع�م الغرب�ي لن يتمكن من احملافظة عل�ى األنظمة التي‬ ‫ترفضها شعوبها‪.‬‬ ‫‪ 6‬لق�د جن�ت االنظم�ة امللكي�ة العربية من آث�ار حتوالت‬‫الربي�ع العربي‪ ،‬وكذل�ك الدول النفطية الغني�ة ما عدا ليبيا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مريضا وهدم املؤسس�ات التقليدية‬ ‫وقد كان نظ�ام القذافي‬ ‫ً‬ ‫متام�ا كما حدث في‬ ‫ف�ي ليبيا ب�دون ايجاد بدي�ل صالح لها‪،‬‬ ‫ايران ابان حكم الش�اه‪ .‬إن بقاء األنظمة امللكية العربية على‬

‫قيد احلياة ليس بفضل البترودوالر فقط وامنا لتغلغل افراد‬ ‫العائل�ة املالكة في مختلف مؤسس�ات الدولة‪ ،‬كما هو احلال‬ ‫في الدول اخلليجية‪.‬‬ ‫‪ 7‬قامت الثورات العربية ألسباب داخلية بحتة‪ ،‬ولم تكن‬‫وراءها خلفية ايديولوجية‪ ،‬سواء أكانت دينية أم سياسية‪.‬‬ ‫فق�د طالب�ت املظاه�رات الش�عبية باحلري�ة والدميقراطي�ة‬ ‫والعدالة االجتماعية وايجاد حلول ملش�اكل الفقر والبطالة‪.‬‬ ‫ل�م يتم إحراق أعلام امريكية أو اس�رائيلية‪ ،‬وكذلك لم يكن‬ ‫تغيير السياسة اخلارجية من بني مطالب اجلماهير‪.‬‬ ‫‪ 8‬أصبح�ت اجملتمع�ات العربي�ة مجتمعات اس�تهالكية‬‫غير منتجة وغي�ر مبتكرة‪ ،‬حيث تعتمد في س�د احتياجاتها‬ ‫على االس�تيراد من الدول األجنبية ش�رقية كانت أم غربية‪.‬‬ ‫ف�ي عه�د جم�ال عب�د الناص�ر مت تش�جيع زي�ادة اس�تهالك‬ ‫املنتجات احمللية والتقليل من استهالك املنتجات املستوردة‪،‬‬ ‫وذل�ك من اجل دعم الصناعة الوطنية‪ .‬اما سياس�ة االنفتاح‬ ‫في عهد انور السادات فقد سببت هجرة ماليني املصريني الى‬ ‫اخلارج‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حالي�ا ال�ى دول اس�تبدادية‬ ‫‪ 9‬ينقس�م العال�م العرب�ي‬‫ودول ف�ي مرحلة التحول الدميقراطي‪ .‬وقد جنحت الثورات‬ ‫ً‬ ‫جزئيا في الس�ير نح�و الدميقراطية‪ ،‬وال‬ ‫العربي�ة حتى اآلن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومحفوفا باخملاطر والعقبات في طريق‬ ‫طويال‬ ‫ي�زال الطريق‬ ‫الدميقراطية احلقيقية‪.‬‬ ‫‪ 10‬يواج�ه العال�م العرب�ي حتدي�ات كبي�رة‪ .‬لي�س في‬‫مواجه�ة الفق�ر والبطال�ة واألمي�ة فق�ط‪ ،‬بل ف�ي البحث عن‬ ‫الهوي�ة‪ .‬ه�ل ه�ي عربي�ة أم إسلامية؟ قطري�ة أم قومي�ة أو‬ ‫أممية؟ فهل الصراع الدائر هو صراع على الهوية؟‬ ‫‪ 11‬م�ن ال�دروس املس�تخلصة لالحت�اد االوروب�ي م�ن‬‫احداث العال�م العربي هو فقدانه الس�يطرة على التطورات‬ ‫السياس�ة ف�ي دول اجل�وار اجلنوبي�ة‪ .‬كما ان�ه ينبغي على‬ ‫االحتاد االوروبي ان يسلم بحقيقة جناح االسالم السياسي‬ ‫ف�ي كس�ب الش�رعية كق�وة سياس�ية اساس�ية م�ن خلال‬

‫االنتخابات وعليه التعامل معه على هذا األساس‪.‬‬ ‫‪ 12‬الي�زال االحت�اد االوروب�ي يعي�ش مرحل�ة التخبط‬‫السياس�ي ف�ي التعام�ل م�ع العال�م العرب�ي بع�د الث�ورات‬ ‫العربية‪ .‬فمن ناحية هو ال يرغب في تخريب عالقاته اجليدة‬ ‫مع ال�دول النفطية لالرتباط الوثيق ملصاحله بها‪ .‬لذا يكتفي‬ ‫بالنقد اخلجول لتلك الدول‪ .‬ومن الناحية األخرى يرغب في‬ ‫تقدمي الدعم واملس�اندة لل�دول العربية الس�ائرة في طريق‬ ‫الدميقراطي�ة من اج�ل حتقيق هدفين‪ .‬األول الرغبة الفعلية‬ ‫ف�ي إقام�ة أنظم�ة دميقراطية ف�ي العال�م العرب�ي‪ ،‬والثاني‬ ‫لس�د الثغرة في املصداقية االوروبي�ة الناجمة عن دعم دول‬ ‫االحت�اد االوروب�ي لألنظم�ة الديكتاتوري�ة العربي�ة لعقود‬ ‫طويلة‪.‬‬ ‫‪ 13‬عل�ى الرغ�م م�ن كل املعوق�ات والعقبات ف�ي طريق‬‫الدميقراطي�ة ال ي�زال يُ نظ�ر الى تون�س على انه�ا النموذج‬ ‫األكثر قابلية لتحقيق الدميقراطية على املدى املنظور من دول‬ ‫الربيع العربي األخ�رى‪ .‬ما حدث في مصر في ‪ 3‬متوز‪/‬يوليو‬ ‫‪ 2013‬ال ميكن وصفه اال بانه إنقالب عس�كري أعاد مصر إلى‬ ‫الوراء وأبعدها عن الطريق الدميقراطي السليم وأظهر عدم‬ ‫القدرة على اس�تيعاب املعنى احلقيق�ي للدميقراطية من قبل‬ ‫القوى االنقالبية‪.‬‬ ‫‪ 14‬مأساة الشعب السوري تكمن في نظامه الديكتاتوري‬‫ومعارضته املتش�رذمة واملتصارعة على الكراس�ي الوهمية‬ ‫وع�دم متكنها من فرض أجندة سياس�ية توحده�ا‪ .‬ال يوجد‬ ‫بديل للحل السياسي لوضع نهاية لهذه املأساة املفجعة‪.‬‬ ‫‪ 15‬ف�ي بداي�ات الربي�ع العرب�ي‪ ،‬ال�ذي فاج�أ اجلمي�ع‬‫ظهرت قوى إسلامية معتدل�ة وكان تنظي�م «القاعدة» أكبر‬ ‫اخلاس�رين‪ .‬ب�روز جبه�ة النص�رة ف�ي س�ورية واملنظمات‬ ‫األخرى املرتبطة بـ»القاعدة» أضر بالثورة السورية وحرف‬ ‫مسارها وابعدها عن حتقيق أهدافها األصلية‪.‬‬

‫‪AL-Quds AL-Arabi Volume 25 - Issue 7558 Monday 7 October 2013‬‬

‫* اكادميي فلسطيني مقيم في املانيا‬

‫كأنها لم تعد‪ ،‬وانتقلنا بخيانة السياسة من نزع سيادة السالح في‬ ‫سيناء بترتيبات املعاهدة املذلة‪ ،‬انتقلنا من نزع سيادة السالح إلى‬ ‫نزع سيادة قرار السياسة واالقتصاد في القاهرة‪ ،‬وكان دور املعونة‬ ‫األمريكي�ة الضامنة للمعاهدة جوهريا‪ ،‬فق�د وضعت مصر وأقدارها‬ ‫حتت رحمة االحتلال واالنتداب السياس�ي األمريكي‪ ،‬وخرجنا من‬ ‫س�باق األمم الناهضة‪ ،‬وس�قطنا ف�ي «الثقب األس�ود» الذي جاءت‬ ‫الثورة األخيرة لتنتشلنا منه‪.‬‬ ‫وليس القصد مما نقول أن نلوم الرئيس السادات مجددا‪ ،‬فالرجل‬ ‫ف�ي رحاب ربه‪ ،‬وقد أنقذته عناية األقدار باغتياله املبكر‪ ،‬أنقذته من‬ ‫أن ي�رى بأم عيني�ه نتائج ما اقترفت يداه‪ ،‬وت�رك لنا الهوان والتيه‬ ‫مع خلفه حس�ني مبارك‪ ،‬وقد خلعته ثورة الشعب وألقته إلى مزبلة‬ ‫التاري�خ التي يس�تحقها بامتياز‪ ،‬ث�م خلعت الثورة حك�م اإلخوان‬ ‫«القري�ن» حلكم مب�ارك‪ ،‬وعادت املواجه�ة محتدمة كم�ا كانت عقب‬ ‫نص�ر أكتوبر ‪ ،1973‬فالبلد اآلن على مفترق الطرق احلاس�م نفس�ه‪،‬‬ ‫وجيش�نا العظيم يخوض حرب س�يناء مجددا‪ ،‬وبهدف االستعادة‬ ‫احلقيقي�ة الكاملة‪ ،‬وحتطيم معادالت نزع السلاح املهني‪ ،‬وعلينا أال‬ ‫نكرر املأس�اة‪ ،‬وأال نتبنى سياسة تخذل أو تخون حد السالح‪ ،‬فقوة‬ ‫اجلي�ش ه�ي عنوان لعافي�ة البلد‪ ،‬وال ب�رء ملصر من م�رض الهوان‬ ‫بغي�ر إج�راءات سياس�ة عاجلة‪ ،‬أول األم�ر فيها هو االس�تغناء عن‬ ‫املعونة األمريكية وحل هيئاتها في القاهرة‪ ،‬وفرض سيطرة السالح‬ ‫على سيناء بكاملها‪ ،‬وهو ما تستطيعه مصر اآلن‪.‬‬

‫*كاتب مصري‬

‫الرجعية العربية‪ :‬مهد الثورة‬ ‫وام الربيع العربي‬ ‫د‪ .‬فالح شمسة٭‬ ‫ُ‬ ‫يبحث خصائص املوروث احلضاري العربي في احلكم كاول من عنى‬ ‫ه�ذا املقال‬ ‫في البش�رية بارساء االنظمة الدستورية لتقييد س�لطة احلاكم‪ ،‬ومن رحمه ُولدت‬ ‫ُ‬ ‫اول الثورات لتحقيق اماني شعوبه في احلرية واالنعتاق من االحتالل‪ ،‬وان انظمة‬ ‫الرجعية العربية هي الشذوذ ا ُملشوه حلضارتنا العربية واالسالمية‬ ‫فف�ي عراق الرافدين اعتمدت انظمة ُحكم العصر البابلي ابداعا انس�انيا رائعا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حي�ث السلالة احلاكم�ة لم مت�ارس االس�تبداد وج�ور الرعي�ة‪ ،‬ولم يع�ط امللوك‬ ‫البابليين النفس�هم االلقاب الفخم�ة ولم يتطلب�وا الطاعة العمياء ح�د التأليه‪ ،‬بل‬ ‫ترك�ز دورهم على توزيع العمل االداري عل�ى املوظفني وادارة الدولة‪ ،‬اعتمادا على‬ ‫اول التش�ريعات االنس�انية التي عكس�ت تطور فكر انس�ان بالدالرافدين لضمان‬ ‫حريته في ظل ُحكم فريد لعلي اصطلح عليه‪ ،‬مبا يُ دعى اليوم‪ ،‬بامللكية الدس�تورية‬ ‫ا ُملقي�دة ف�ي ظ�ل حاكمه ا ُملب�دع حموراب�ي‪ ،‬الذي ش�اع لقبهُ ف�ي مملكت�ه بـ»الوالد‬ ‫حكم‬ ‫الراع�ي» دليال على ُرق�ي احلقبة احلضارية‪ ،‬رغم قدمها‪ ،‬بتش�ريع اول نظرية ٍ‬ ‫انسانية متطورة في ‪1750-1792‬‬ ‫ومن املش�رق العربي ايضا تعلمت البش�رية صناعة الثورة‪ .‬فمنذ حكم الفراعنة‬ ‫في مصر واالشوريون في العراق‪ ،‬وحتى ظهور االسالم شهد الشرق اندالع ثورات‬ ‫عدي�دة ضد املس�تعمرين وحكومات االس�تبداد‪ ،‬ولع�ل اقدم الث�ورات القومية في‬ ‫املش�رق العرب�ي هي ث�ورة االس�رة الفرعونية الس�ابع عش�رة‪ ،‬بقي�ادة الفراعنة‬ ‫الثالثة‪ ،‬ضد حكم الهكسوس الذي دام ‪ 100‬عام ومن ثم طردهم من مصر‪.‬‬ ‫وام�ا اول حقب�ة اس�تعمارية غربي�ة طال�ت االم�ة العربي�ة فهي االس�تعمارين‬ ‫الرومان�ي والبيزنط�ي بين ع�ام ‪ 64‬ق‪.‬م انتهت بظه�ور النور االسلامي‪ 637‬ق‪.‬م‪.‬‬ ‫وجتليات�ه الروحي�ة واملبدأية ف�ي صقل العقل العرب�ي وقيادته نح�و اجملد ثانية‪.‬‬ ‫ان�ذاك بدأت االم�ة تعيش ميالد عصر جدي�د خطت فيه بثب�ات وبصيرة في منوها‬ ‫الفكري واالجتماعي‪ ،‬وظهرت طبقة فكرية غذت والدة الفلسفة والعلوم وانحسرت‬ ‫قوى اجلاهلية وافلس�ت قوى االقطاع واجلور االجتماعي والتخلف الذاتي املتمثلة‬ ‫وكرها لنظام ُ‬ ‫بقيادات قريش الظالمية واستس�لمت طوعا ُ‬ ‫احلكم اجلديد‪ ،‬ومنها ما‬ ‫بق�ي يضم�ر العداء لنبي االم�ة والنخبة الصحابي�ة الثورية‪ ،‬الت�ي قوضت النظام‬ ‫اجلاهلي اقتصاديا وسياس�يا‪ .‬ورغم الكم املعرفي الهائل الذي اعتمد على التشريع‬ ‫الرس�اء قواعد اجملتمع االسلامي ثقافيا وروحي�ا وتربيته باح�كام القرآن الكرمي‬ ‫وارشادات نبي االمة ُمحمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كان طبيعيا جدا ان تتكتل القوى‬ ‫ومجابه لقادة الدين الثوري اجلديد‪ ،‬مع التس�تر‬ ‫املهزومة في لوبي ضاغط ُمناوئ ُ‬ ‫بالزي االسلامي واقامة طقوس الدين واالس�تفادة من قانون التأهيل والتساوي‬ ‫مع بقية املس�لمني‪ ،‬حين االجهار بالش�هادتني كورقة قانوني�ة ذات صالحية نافذة‬ ‫تؤه�ل اعداء االمس للنف�وذ الى اعلى مراتب الدولة االسلامية ومن دومنا جتريح‬ ‫متحيص الميانهم او تخوين‪.‬‬ ‫مباضيهم او‬ ‫ٍ‬ ‫وق�د تربى جيل االسلام االول على مب�ادئ جمهورية‪ ‬في االس�اس حتض‪ ‬على‬ ‫ممارس�ة العدال�ة االجتماعي�ة ُمزدري�ة ُطغي�ان النظ�ام امللك�ي‪ ،‬كما ورد ف�ي ٍ‬ ‫آيات‬ ‫صريحة‪ ،‬ونتيجة لذلك تبلورت معالم الصراع السلطوي‪ .‬وقد نشأ منذ فجر االسالم‬ ‫معس�كر اليس�ار الديني اجلمه�وري النزعة ُمتمثلا بنخبة ثورية تعنى باملس�اواة‬ ‫في اجملتمع ونش�ر مبادئ الرحمة والعدالة االنس�انية‪ ،‬مقابل معس�كر رجعي عنى‬ ‫بشكل‬ ‫باحلرب ا ُملضادة‪ ،‬وما ان سقطت بيده السلطة‪ ،‬حتى راح يستلهم النصوص‬ ‫ٍ‬ ‫ميت ال حياة فيه للفكر ومعالم احلضارة‪ ،‬معتمدا الكذب وقس�وة البداوة والبطش‬ ‫غاة ُ‪ ‬ع ٍ‬ ‫ق�رع ُط ٍ‬ ‫تاة‪ ‬ال ميتون بأي�ة صلة جلوهر‬ ‫ف�ي تطويع االمة‪ ،‬حتى جن�م في االمة ُ‬ ‫سيل من الدماء‪ ،‬يشمئز منه‬ ‫االسلام احلنيف‪ ،‬امثال احلجاج ممن اغرقوا االمة في ٍ‬ ‫الضمي�ر االنس�اني مهم�ا كان دينه او مذهبهُ ‪ ،‬ناهيك عن االسلام‪ ‬الواعد بتش�ريع‬ ‫الرحم�ة االنس�انية واعتم�اد الفكر واالميان اساس�ا في حك�م الرعي�ة «ان اكرمكم‬ ‫عن�د الل�ه اتقاكم»‪ .‬ولعل هذا الس�رد التاريخي يُ فس�ر متركز احلكومات املس�تبدة‬ ‫ً‬ ‫متس�لطة‬ ‫الالدس�تورية ف�ي العال�م العربي وف�ي هذا الق�رن الواحد والعش�رين‪،‬‬ ‫عل�ى ش�عوبها ثم انتهاك ُ‬ ‫احلرمات باس�تباحة ال�دم العربي كما هو احلال في ش�ن‬ ‫احل�روب عل�ى الع�راق وس�ورية‪ُ .‬‬ ‫وب�كل وقاحةٍ تط�رح الرجعي�ة العربية نفس�ها‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫حض�ارة عريقة ولتمزيق اجليوش‬ ‫قائدة للثورات العربية س�عيا لتهدمي كل‬ ‫اليوم‬ ‫العربي�ة املقاوم�ة لالحتالل متهي�دا لعودة االس�تعمار االوروبي املتمث�ل بالقوتني‬ ‫االس�تعماريتني ا ُملنحس�رتني‪ :‬بريطانيا وفرنس�ا حتت املظلة االمريكية‪ .‬وبدال من‬ ‫اس�تعمال املليارات من خزائن االمة السترجاع فلسطني السليبة وصون ُمقدساتنا‬ ‫ا ُملدنسة منذ ستني عاما‪ ،‬ها هي الرجعية العربية تستعمل همجيتها وظالميتها لغرز‬ ‫ً‬ ‫مانحة املغتصبني بُ لدانا عربية جديدة للقضم والسحق‬ ‫انيابها في اجلس�د العربي‬ ‫والتدمي�ر‪ .‬اذن كان�ت ن�داءات اجلبه�ة الش�عبية الفلس�طينية حملارب�ة الرجعي�ة‬ ‫العربية في الس�تينيات والس�بعينيات من الق�رن املاضي في غاي�ة الصواب‪ ،‬عند‬ ‫رسم سياسة حترير فلسطني‪ .‬وكان شعار املناضل العربي جورج حبش‪ :‬ان طريق‬ ‫ً‬ ‫حترير فلس�طني عبر عمان (االردن) والرياض (الس�عودية)‪ُ ،‬‬ ‫‪ ‬عبقرية خالدة‬ ‫ميثل‬ ‫تتميزه‬ ‫في الوعي الثوري العربي‪ .‬لقد اغفلت اجلماهير والقيادات ذلك الطرح ولم‬ ‫ُ‬ ‫كطرح‪ ‬عقائدي ُمؤس�س‪ .‬حقيقة ان النضال العربي لن ينجح مادامت اوتاد‬ ‫بجالء‬ ‫ٍ‬ ‫الرجعي�ة العربي�ة قائمة لتس�ند االحتالل االس�رائيلي م�ا ان يترن�ح بنيانه‪ ،‬كون‬ ‫حتري�ر فلس�طني يهدد كياناتها‪ ،‬كما يُ هدد اس�رائيل‪ ،‬اذ ان وجودهم�ا في قلب االمة‬ ‫ُ‬ ‫يخلق وس�طا طبيعي�ا للتعايُ ش مع ُكل ما هو ضد طموحات االمة في نيل الس�يادة‬ ‫صراع مرير منذ االحتالل االوربي الصليبي (‪)1258 -1099‬‬ ‫والتقدم‪ .‬هذه االمة في‬ ‫ٍ‬ ‫حرب مع قوى االس�تعمار التي اس�تعر اوارها من سايكس‪ -‬بيكو‬ ‫وهي مازالت في ٍ‬ ‫حتى القرن احلالي‪ .‬واليوم‪ ،‬ذات االنظمة الرجعية التي منحها املس�تعمر الوصاية‬ ‫حرب‪ ‬بالنيابة‪ ،‬بحش�د‪ ‬اكلي‬ ‫ف�ي حكم االم�ة ُتلبي بدورها طموحات املس�تعمر ف�ي ٍ‬ ‫حلوم البشر الستنزاف االمة وتدمير بالد الشام متهيدا لسلبها كما ُسلبت فلسطني‬ ‫وامعانا بتثبيت اسرائيل وحتصينها‪.‬‬ ‫وعلى عكس س�لوكية هذه االنظمة املتس�ترة باسلام ُمش�وه‪ ،‬فاالسلام احلق‬ ‫اكس�ب ُمعتنقيه‪ ‬قوة الوقوف بوجه احلاكم الظالم اجلائر واحلد من س�لطة احلكم‬ ‫باعط�اء اجلمهور حق املش�ورة واالعت�راض واحلكم‪ ،‬وف�ق معايير فقهي�ة عادلة‪.‬‬ ‫كم�ا ح�رم على ا ُملس�لم دم ا ُملس�لم‪ ،‬ومنح�هُ ضرورة رف�ض العيش حت�ت االحتالل‬ ‫واالستعمار‪ ،‬خصوصا عدم شرعية حاكمية غير املسلم على ا ُملسلم في بالده‪.‬‬ ‫اذالل وعبودي�ة‪ ،‬فما يحدث من‬ ‫ان�هُ ملن ا ُملشين جدا ما وصل اليه ح�ال االمة من ٍ‬ ‫مجازر وحش�ية في سورية واخرها مجزرة خان العسل‪ ،‬التي راح ضحيتها املئات‬ ‫ع�ار للدميقراطيات الغربية ف�ي ادارة صراعاتها مع العاملني االسلامي‬ ‫ه�و وصمة ٍ‬ ‫والعرب�ي‪ .‬فال�دم العرب�ي املراق ج�اء بطلب اوروب�ي ‪ -‬امريكي‪ُ ..‬‬ ‫وتدفق السلاح‬ ‫الغربي ملقاتلة س�ورية العربية وحترميه على قتال اسرائيل لستني عاما هو وصمة‬ ‫ع�ار‪ .‬وم�ا كان احوج م�ن االردن لبطاريات باتريوت وسلاح امري�كا حلمايته من‬ ‫قاصفات اس�رائيل وقنابلها للس�تني عاما املاضية‪ ،‬لكن السلاح االمريكي ال يُ سمح‬ ‫بتوجيهه اال نحو صدر العربي‪.‬‬ ‫واحلقيق�ة‪ ،‬م�ن الس�ياق التاريخي‪ ،‬وف�ي كل العالم م�ا من ثورة س�واء الثورة‬ ‫الفرنس�ية او البلش�فية او االمريكي�ة قام�ت اال ضد امللكي�ات الش�مولية او القوى‬ ‫االجنبية املستعمرة‪.‬‬ ‫والش�عوب العربية مدعوة حلش�د طاقاتها واالش�تباك من عدة جبهات فهي في‬ ‫اخطر مراحل‪ ‬تاريخها ومايحدث من عدوان على س�ورية يستهدف كامل وجودها‪.‬‬ ‫فاحلرب على سورية سيتم نقلها لتدمير لبنان والعراق ثم مصر‪.‬‬

‫*كاتب عراقي مقيم في امريكا‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.