18
AL-QUDS AL-ARABI
السنة اخلامسة والعشرون ـ العدد 7558االثنني 7تشرين االول (اكتوبر) 2013ـ 2ذو احلجة 1434هـ
مدارات
عبد احلليم قنديل٭ خان�ت السياس�ة حد السلاح ،ه�ذه ه�ي باختصار قص�ة دراما حرب أكتوبر ،1973التي حقق فيها جيش مصر العظيم نصرا خارقا بالعل�م واإلرادة واملق�درة والتوكل عل�ى الله ،ثم جاءت السياس�ة البائس�ة فخذلت النصر العزيز ،وأورثت مصر عارا وضياعا في تيه األربعني سنة األخيرة ،وإلى أن قامت ثورة مصر األخيرة مبوجاتها املتالحق�ة إل�ى اآلن ،الت�ي تفيق بها مص�ر من الغيبوبة ،وتس�تعيد اليقظة واالنتباه ملا جرى ويجري ،وتس�عى لتهجي حروف اس�مها اخلالد له اجملد في العاملني. ب�دت القصة ف�ي البداية كمفارق�ة ظاهرة في الص�ورة املزدوجة للرئيس الس�ادات ،فق�د توفي القائ�د جمال عبد الناص�ر على نحو مفاج�ئ ،وانتق�ل إل�ى ج�وار رب�ه ،وكان الي�زال ف�ي عم�ر االثنتني واخلمسين س�نة ،وتولى نائبه الس�ادات الرئاس�ة خلفا له ،وكان البل�د كل�ه معبأ في اجتاه جبه�ة احلرب ،فقد أعيد بن�اء اجليش من نقط�ة الصفر ،ونش�أ ملصر جيش حدي�ث جبار ،وبتنظي�م عصري، وباستنفار كامل لطاقة الشعب والدولة والصناعة املصرية البازغة وقتها ،دفع الش�عب من قوته وأعصابه ،وأرسل خير بنيه إلى جبهة احل�رب الت�ي لم تتوقف يوما من�ذ هزمية ،1967كان�ت مالحم حرب االس�تنزاف متصل�ة ،وكان تكتيك عب�د الناصر ف�ي التظاهر بقبول مب�ادرة روجرز ق�د أتى أكله ،فقد جرى في ش�هور وقف إطالق النار
الثالث�ة ،بن�اء حائ�ط الصواري�خ على خ�ط قناة الس�ويس ،وترك عبد الناصر ملصر جيش�ا قادرا على النصر ،ووجد الس�ادات نفس�ه حبيس�ا في قيد عب�د الناصر ،وملزم�ا بخوض احلرب الت�ي بدا أنه يس�عى للته�رب منه�ا ،وبقص�ص س�اذجة من ن�وع «عام احلس�م» و»ع�ام الضباب» ف�ي ،1972وكان ضغط الش�ارع واجلي�ش مؤثرا بش�دة ،فقد كان اجليش جاه�زا لعبور قناة الس�ويس كمانع مائي، وجاه�زا القتحام خ�ط بارلي�ف ،وكانت خطط احل�رب كلها جاهزة للتنفي�ذ قبل أن يرحل عبد الناصر ،ولم تفلح مناورات الس�ادات إال في تأخير موعد احلرب ،لك�ن احلرب جاءت في النهاية ،وتبدت في وهج نيرانها ووقائعها املتالحقة صورة مزدوجة للرئيس السادات. فقد كان الس�ادات ف�ي موقع القائ�د األعلى للجيش ال�ذي بناه عبد الناص�ر ،ووق�ع قرار احل�رب بهذه الصف�ة ،وبعد أن ه�دأت احلرب وتوق�ف إطالق النار ،ظه�ر الوجه اآلخر لصورة الس�ادات ،وبدأت عملية خيانة النص�ر ،وتفكيك تعبئة اجملتم�ع والدولة ،وباتفاقيات فض االش�تباك األولى والثانية ،وإصدار قانون استثمار رأس املال العرب�ى واألجنبي ،وبدء سياس�ة «انفتاح الس�داح م�داح» بتعبير الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين ،ووصوال إلى مبادرة زيارة القدس احملتل�ة ،ومفاوضات كامب ديفيد برعاية األمريكيني ،وإلى ما س�مي مبعاهدة السلام املصرية اإلس�رائيلية ،التي أعادت س�يناء شكال، وأضاع�ت مصر حقيق�ة ،وعلى طريقة الذي أعادوا ل�ه قدما وأخذوا عينيه ،فظل ميشى في التيه ،وينزلق إلى القاع. كان ملصر وقت وقف احلرب ثمانون ألف جندى وألف دبابة في س�يناء ،ثم جاءت املعاهدة املشؤومة ،وأنزلت عدد قواتنا إلى اثنني
الذين خانوا اجليش وعش�رين ألف جندى في املنطقة (أ) ش�رق قناة الس�ويس ،وبعمق 59كيلومترا ،وفي منطقة وس�ط س�يناء ،وبعم�ق 109كيلو مترات، التي س�ميت باملنطقة (ب) ،لم تسمح املعاهدة املشؤومة ملصر سوى بأرب�ع كتائب حرس حدود ،وفي املنطق�ة (ج) ،وبعمق 33كيلومترا غ�رب احلدود املصرية الفلس�طينية التاريخية ،لم تس�مح املعاهدة املشؤومة سوى بقوات شرطة مصرية ،كانت هذه الترتيبات األمنية املهينة جوهر املأس�اة ،وكانت حس�ابات السلاح تتي�ح ملصر ما هو أفض�ل كثي�را ،فلم يكن ممكنا إلس�رائيل أن تبقى طويال في س�يناء، وه�ي ش�به جزيرة تزي�د مس�احتها على ثالث�ة أمث�ال ونصف مثل مساحة فلسطني احملتلة كلها ،وكانت مستوطنة «ياميت» في سيناء ش�يئا هزلي�ا ،وكان بقاء مصر على جبهة احل�رب حتى بدون حرب كافيا إلرغام إسرائيل على ترك سيناء بكاملها ،وقد سبق أن احتلت إسرائيل س�يناء في حرب ،1956ثم خرجت منها بالكامل ،وبوجود ق�وة طوارئ دولية محدودة عند خليج تيران ،وكان وضع السلاح املص�ري أفضل مبراحل ع�ام 1973قياس�ا إلى أوض�اع ،1956وكان الت�وازن الدولي لصال�ح مصر وحقوقها البديهية ،ل�وال أن الرئيس الس�ادات كان ق�د ق�رر أن يبيع كل ش�يء ،وأن يخون احل�رب التي خاضها مرغم�ا ،وأن يخون النصر الذي دفعت فيه مصر دم أبنائها، وأن يح�ول ح�رب التحري�ر إلى ح�رب حتريك على رقعة ش�طرجن، نق�ول ذلك حت�ى نتذكر كيف وقعت املأس�اة ،التي حاول�وا التغطية عليها بحديث كاذب عن استعادة سيناء بالسلم ،وبزعم أن عودتها باحل�رب كان�ت مس�تحيلة ،وه�ذا حدي�ث خراف�ة ال أكث�ر ،واألدل�ة الواقعي�ة ال حتص�ى م�ن قب�ل ومن بع�د ،فق�د خرجت إس�رائيل من
جنوب لبنان حتت ضغط املقاومة املس�لحة ،وخرجت إس�رائيل من غزة ،وجرى تفكيك مستوطناتها حتت ضغط االنتفاضة الفلسطينية الثاني�ة ،ومن دون أن يوقع املقاومون اللبنانيون أو الفلس�طينيون اتفاق سلام وتطبيع مذل مع إس�رائيل ،وال يس�تطيع عاقل بالطبع إج�راء مقارن�ة بني ق�وة املقاومتين الفلس�طينية واللبناني�ة وقوة اجلي�ش املص�ري الهائلة ،واملعنى ظاه�ر جدا ،فلم يك�ن لزاما علينا أب�دا أن نقبل بالهوان ،وال أن نقبل بعودة س�يناء منزوعة السلاح ف�ي غالبها ،ومع جتريدها م�ن أي مطارات أو موان�ئ حربية بحرية مصرية ،فهذه ليست عودة ألرض ،بل رهنا لها ملصلحة العدو ،الذي أراده الس�ادات صديق�ا ،ثم اتخذ م�ن أمريكا كفيال ،وحط�م املقدرة املصرية الذاتية باالنقالب الكامل على اختيارات ثورة عبد الناصر، كان التاري�خ كأنه يعيد نفس�ه ،فق�د حتطمت نهضة محم�د علي في القرن التاسع عشر باتفاقية لندن سنة ،1840وحتطمت نهضة مصر املعاص�رة مبعاهدة ،1979وكما زحف االحتالل األجنبي السياس�ي فالعس�كري بعد اتفاقي�ة لندن ،فقد زحف االحتالل السياس�ي ملصر بع�د ما ج�رت تس�ميته «معاهدة السلام» ،وم�ع فارق ظاه�ر جدا، وه�و أن مص�ر أرغمت على الرك�وع زمن محمد علي ،وبحد السلاح األوروب�ي الزاحف املتحالف مع خيان�ة اخلالفة العثمانية املريضة، بينما لم تكن مصر مرغمة بعد حرب 1973على تكرار الركوع نفس�ه، وكان ميك�ن االس�تطراد ف�ي عملي�ة بن�اء اجليش وتطوي�ر صناعة السلاح ،والضغ�ط السياس�ي إلع�ادة س�يناء على وج�ه احلقيقة ال عل�ى وج�ه اجملاز ،فلم تعد س�يناء إل�ى مصر إال في أغنية ش�ادية «س�ينا رجعت كاملة لينا ..ومصر اليوم في عيد» ،فقد عادت سيناء
اوباما املأزوم بني نتنياهو املنغلق وروحاني املنفتح د .عصام نعمان٭ رد بنيامين نتنياهو عل�ى التقارب احملدود بني ب�اراك اوباما ّ وحس�ن روحان�ي بخط�اب عصب�ي ف�ي اجلمعي�ة العام�ة لألمم املتحدة ،وبحملة دبلوماسية واعالمية واسعة. ف�ي اخلط�اب ّاك�د نتنياه�و ان «اس�رائيل» لن تس�مح إليران بامتالك س�ـالح ن�ووي ،وانه في ح�ال اضطرارها ال�ى الوقوف مبفردها في وجـه برنامجها النووي ،فإنها لن تتردد في ذلك. نتنياهو لفظ خطابه في قاعة ش�به فارغة ،لكن كلماته املفعمة بالس�خط التقطه�ا اعض�اء الوفد االمريك�ي ،ومنه�م انتقلت الى رئيسهم املأزوم. الرئي�س االمريك�ي م�أزوم ألس�باب ع�دّ ة .كان اس�تمع قب�ل ساعات معدودة الى اعتراضات ومخاوف نتنياهو بشأن تقاربه املريب مـع الرئيس اإليراني .وهو مأزوم ايضا بس�بب خالفه مع احل�زب اجلمهوري حول مش�روع ميزانية الع�ام .2014وكيف ال ً مأزوما وقد ادى رفض اجلمهوريني ملشروع امليزانية يكون اوباما الى نضوب خزانة االدارة واضطرارها الى اغالق دوائر احلكومة الفيدرالية وتعطيل اكثر من 800الف من موظفيها ،بينهم الرئيس ً محكوما عليه بالعمل بال راتب. االمريكي نفسه الذي بات اوبام�ا كظ�م غيظ�ه وواج�ه هجم�ة نتنياه�و الضاري�ة على الرئي�س حس�ن روحاني بهدوء ورصانة .ق�ال إن «كلمات ايران ليس�ت كافي�ة ،ويجب ان تعط�ي اجملتمع الدول�ي الثقة من خالل االفعال ال االقوال». للتو حملة دبلوماسية نتنياهو لم تطمئنه كلمات اوباما ،فبدأ ّ واعالمية واس�عة في امريكا واوروبا بغية إقناع املسؤولني ،كما ال�رأي الع�ام ،بض�رورة متابعة الضغ�وط على اي�ران وتكثيفها بغي�ة تف�ادي التوص�ل معه�ا ال�ى «اتف�اق س�يئ» بش�أن كب�ح برنامجها النووي .لذلك م�دّ د نتنياهو زيارته الى نيويورك عدّ ة
ً اجتماعا مع مجموعة من رؤساء حترير الصحف ايام عقد خاللها ً االمريكي�ة ّ اجتماع�ا آخر مع وكت�اب االعم�دة الصحافي�ة ،وعقد زعم�اء املنظم�ات اليهودي�ة بغية جتني�د اللوبي اليه�ودي لنقل مواقف�ه الى الرأي العام االمريك�ي ،كما اجرى مقابالت مع خمس ش�بكات تلفزيوني�ة للتحذي�ر م�ن مغبة اإلصغ�اء ال�ى الرئيس االيراني «اخملادع» او عقد صفقة معه. روحان�ي ل�م يكتم ،امام حاش�يتـه في طه�ران ،ارتياحـه الى قيـ�ام اوبام�ا بـ ِ»مطاردته»حت�ى ب�اب الطائرة ليب�دي ترحيبه بخطاب�ه ف�ي اجلمعي�ة العام�ة للامم املتح�دة ،وبانفتاحه على مفاوض�ات مجدي�ة م�ع الوالي�ات املتح�دة وحلفائه�ا لتس�وية االزم�ة النووية .غي�ر ان الرئي�س اإليراني وجد املس�ؤولني كما الرأي العام في الداخل منقس�مني حول تقاربه مع اوباما ،فبعض قيادات احلرس الثوري ابدى انزعاجه لـِ »تس�رعه في التحادث م�ع الرئيس االمريكي» .لذلك حرص على تس�ريب مقتطفات من تقريره في مجلس الوزراء بش�أن رحلته الناجحة الى نيويورك أهمه�ا «ان ايران تعتبر حقوقها النووية االساس�ية في تخصيب اليورانيوم امرا ال يقبل التفاوض». ً مرتب�كا في اوبام�ا امل�أزوم ام�ام نتنياه�و وروحان�ي ،يب�دو محاولت�ه التوفي�ق بين حليف�ه اإلس�رائيلي املنغل�ق وغرمي�ه اإليراني املنفتح .ذلك ان مطالبهما متباعدة ويصعب جتسيرها. نتنياه�و يطال�ب بتفكي�ك التخصي�ب في منش�أة «ف�وردو»، ووقف النش�اط في املفاعل املائي في «آراك» ،وإخضاع املنش�آت ٍ بوق�ف ت�ام النووي�ة اإليراني�ة االخ�رى للرقاب�ة .كم�ا يطال�ب اخملصب�ة الباقي�ة في لتخصي�ب اليوراني�وم ،واخ�راج الكمي�ة ّ ح�وزة طهران الى دولة اخ�رى .لكن ميكنه التس�ليم ببقاء كمية اخملصب لتشغيل منشأة بحثية واحدة. قليلة من اليورانيوم ّ روحان�ي مس�تعد لفت�ح كل مواق�ع اي�ران النووي�ة للرقاب�ة ً مستعدا للبحث في وقف تخصيب اليورانيوم الدولية .كما يبدو عند درجة 20في املئة .كما يُ حتمل ان يوافق على اخراج كمية من اخملصب الى دولة اخرى .غير انه غير مس�تعد البتة اليورانيوم ّ رفضا ً ً باتا تفكيك منش�آت لوق�ف عملي�ة التخصيب .كما يرف�ض
بالده النووية. إزاء ه�ذه املطال�ب املتباع�دة ،ب�ل املتعارضة ،يح�اول اوباما اجتراح معادلة للتوفيق بينها تقوم على االس�س اآلتية :تس�مح اي�ران للمراقبين بحري�ة الوص�ول ال�ى كل املنش�آت النووي�ة، وتتوق�ف عن تخصي�ب اليورانيوم بنفس�ها ،وتواف�ق على نقل اخملصب التي متتلكها ال�ى دولة اخرى على ان كمي�ة اليورانيوم ّ ً ً ً واخيرا نوويا ألغراض مدنية، وقودا تزود الدول الكب�رى ايران ّ « تتطل�ع» واش�نطن ال�ى موافق�ة طه�ران عل�ى تفكيك منش�آتها اخملتصة بتخصيب اليورانيوم». م�ع ان «معادل�ة اوبام�ا» تب�دو محابي�ة لـ ِ»اس�رائيل» ،فإن نتنياه�و ال ينفك عن ابداء س�خطه وخوفه ويطالب واش�نطن بالضغط على ايران التخاذ سلس�لة تدابير تثبت «حس�ن نية» قادته�ا بوق�ف برنامجها الن�ووي وإخضاعه للرقاب�ة الدولية، واتخ�اذ تدابي�ر من ش�أنها إقص�اء احتم�ال جلوئهم ال�ى قرار في املس�تقبل بامتلاك قنبلة نووي�ة .كل ذلك حت�ت طائلة قيام «اسرائيل» ،في حال اضطرارها ،الى مواجهة ايران مبفردها. معظ�م املس�ؤولني ،كما احملللني اإلس�تراتيجيني ،ف�ي امريكا ّ يش�كون بق�درة «اس�رائيل» مبفرده�ا عل�ى تدمي�ر واوروب�ا منش�آت ايران النووية ،ب�ل ان بعض اجلن�راالت االمريكيني ال يكت�م اقتناعه بأنه ف�ي مقدور ايران إحلاق اذى واس�ع النطاق بغرميتها اذا ما حاولت ً فعال االعتداء عليها .مع ذلك ،فإن بعض تهور بعض الرؤوس املراقبني يعتقدون ان واشنطن تخشى من ّ َ مأخذ احلامية في «اس�رائيل» ،وه�ي لذلك تأخ�ذ كالم نتنياهو اجلد. ً ايض�ا ان اي�ران ،احلريص�ة عل�ى ازال�ة العقوب�ات يت�ردد االقتصادي�ة املفروضة عليها ،قد تضطر الى املوافقة على اعطاء الواليات املتحدة وحلفائها ضمانات جدية باالمتناع عن تطوير سالح نووي مقابل إقرارهم بأن برنامجها النووي هو لألغراض السلمية ،والتسليم بإزالة العقوبات الدولية املفروضة عليها. ماذا تس�تطيع الواليات املتحدة فعل�ه الغتنام فرصة انفتاح ايران من دون إغضاب «اس�رائيل» وبعض حلفائها العرب غير
املرتاحني للتقارب بينها وبني اجلمهورية اإلسالمية؟ الواق�ع ان هام�ش املن�اورة مح�دود ام�ام اوبام�ا ،ذل�ك ان تداعي�ات ازم�ة ع�دم إق�رار امليزاني�ة االمريكية للع�ام 2014قد نح�و ادت الى حمله على إلغاء جولته اآلس�يوية تفاقم�ت على ٍ ّ «الترف�ق» وقمت�ه م�ع الرئي�س بوتين ،كم�ا س�تحمله عل�ى بـِ »اس�رائيل» مخاف�ة ان ينحاز اللوبي اليه�ودي الى خصومه اجلمهوريني في الكونغرس ،م�ا يؤدي الى تعديل ميزان القوى ملصلحتهم. م�ن هن�ا يخش�ى بع�ض املراقبين ان تلج�أ واش�نطن ال�ى اس�لوب الضغط املتوازن على «اس�رائيل» وايران في آن واحد: تضغ�ط على «اس�رائيل» بإب�داء انحياز م�دروس ومحدود الى الفلس�طينيني ،حلم�ل حكومة نتنياهو على اإلق�رار مبطلب دولة فلس�طينية س�يدة عل�ى اقليمه�ا ووضع�ه موض�ع التنفي�ذ قبل بت س�ائر املطالب .والضغ�ط على ايران من خلال الضغط على ً أس�لحة حليفته�ا س�ورية بتزوي�د تنظيمات املعارضة املس�لحة نوعية ّ متكنها من توسيع نطاق عملياتها وسيطرتها. ً نظري�ا ،لك�ن مردودهم�ا العملي ه�ذان «اخلي�اران» ممكن�ان مش�كوك ف�ي ج�دواه .ذل�ك ان نتنياه�و عبّ �أ اإلس�رائيليني ضد اوبام�ا وضد اي�ران ( 66يؤيدون انفراد «اس�رائيل» مبواجهتها ) وبإمكانه ً حتمل اعباء ضغوط واشنطن احملدودة ملصلحة تاليا ّ الفلس�طينيني .كما ان ايران مرتاحة الى التس�وية «الكيميائية» متت بني اوباما وبوتني ،ما ّ التي ّ وفر على سورية ضربة عسكرية ً ّ تالي�ا وضع الرئيس بش�ار االس�د ال�ذي ملح في امريكي�ة وع�زز ٍ عوض�ت س�ورية تخليها عن تصريح�ات الفت�ة ال�ى أن روس�يا ّ ً اس�لحة نوعية من ش�أنها ان «تعمي رادعها الكيميائي بتزويدها بصر «اسرائيل». ً مأزومــ�ا ،ونتنيـاهو هكـ�ذا يتضـ�ح ان اوبامــ�ا س�يبقــى ً منغلقـا، ً منفتحا ...حتى إشعار آخر. وروحاني
*كاتب لبناني
هل تكون «إسرائيل» الرابح األكبر في الثورات العربية؟ هشام منور٭ ً صادم�ا ألنص�ار الث�ورات العربية ق�د يك�ون العنوان املتق�دم ف�ي العالم العرب�ي ،وكذل�ك األمر بالنس�بة للش�عوب التي ثارت للتخل�ص م�ن االس�تبداد والظلم من قب�ل أنظمة عربي�ة متحالفة ً تقليدي�ا م�ع الغ�رب ،وم�ن حت�ت الطاول�ة متواطئ�ة م�ع عدوهم التاريخي «إس�رائيل» ،وال يفهم من الكالم املتقدم أنني من معادي موجة الربيع العربي التي اجتاحت املنطقة ،لكنه سؤال قد يفرض نفس�ه بقوة في ظل حالة املراوحة التي عرفه�ا العالم العربي بعد قيام عدد من الثورات فيه. مفارقة الث�ورات العربية من وجهة نظر غربية ،قد تتلخص في محاولة دمج «إس�رائيل» كش�ريك اس�تراتيجي أمني لدول عربية كمص�ر واألردن ،ومحاولة فرضها كحليف للس�عودية ضد إيران، وه�ي مطام�ح ترغب الدول�ة العبرية في االس�تفادة م�ن معطيات التخبط الذي يصيب املنطقة. غ�زو الع�راق ع�ام 2003ال�ذي أدى إل�ى س�قوط نظ�ام صدّ ام الس ّ�نية في الش�رق األوسط حسين ،أس�فر عن إضعاف األنظمة ُ (حلف�اء أمريكا التقليديني) ،وتعزيز قوة العدو الرئيس�ي ألمريكا
في املنطقة (إيران) .واآلن بعد مرور عش�ر س�نوات رمبا نشهد في املنطقة نتيجة أخرى ال تخلو من املفارقة :ففي الوقت احلاضر على األق�ل يب�دو األمر وكأن «إس�رائيل» ه�ي الرابح الوحي�د الواضح م�ن ثورات «الربيع العربي» .قد يعترض أغلب اإلس�رائيليني على ه�ذا التفس�ير ،فقد أصبح�ت بيئته�م اإلقليمية أكثر ً ميلا إلى عدم االس�تقرار ،ولم يعد م�ن املمكن التنب�ؤ بها ،وتزاي�دت التهديدات األمنية بش�كل كبي�ر حول الكيان اإلس�رائيلي بعد س�قوط أنظمة عربي�ة كانت حليفة لكيانهم .ولم تعد أي من احلدود اإلس�رائيلية اآلن آمن�ة ،خاص�ة احلدود الطويل�ة مع مصر .ولم يع�د من املمكن التسليم بأي حتالف ضمني كأمر مفروغ منه .فكل السيناريوهات مفتوحة. عودة الدولة البوليسية األمنية في مصر ،وانتشار الصراع على نحو شبه طائفي في سورية ،يجعل احلدود الشمالية واجلنوبية ف�ي خطر مح�دق ،لكنها ف�ي الوقت ذات�ه ،حتول «إس�رائيل» إلى واح�ة للدميقراطي�ة واالس�تقرار ف�ي املنطق�ة ،كما يحل�و للكيان الهجني أن يصف نفس�ه ،فاحلديث عن استئناف عملية السالم مع الس�لطة الفلس�طينية من غير املمكن أن يكون أكثر من مجرد ورقة توت ،ميك�ن من خاللها إقن�اع احلليف األمريك�ي بتمرير مزيد من الوقت أمام الرأي العام العاملي بش�روع «إسرائيل» في مفاوضات سلمية مع السلطة الفلسطينية.
ً مشغوال األمر الواضح اآلن هو أن الشرق األوسط سوف يكون للغاية بصراع داخلي مينعه من االنش�غال بالقضية الفلسطينية، ً راهن�ا حالة من أو مس�ألة وج�ود الكي�ان اإلس�رائيلي .كما تب�رز التع�اون الواض�ح بني النظ�ام احلالي ف�ي مصر مع «إس�رائيل». وألن النظ�ام األردن�ي ،مثال ،يكافح م�ن أجل البقاء ف�ي بيئة تعج بالتحدي�ات ،فإن�ه يحت�اج إل�ى التع�اون األمني مع «إس�رائيل». والقوات اإلسرائيلية واألردنية تعمالن اآلن ً معا لتأمني حدودهما ضد تس�لل املقاتلين من العراق وس�ورية ،في حني تتقاس�م مصر و»إس�رائيل» نفس الهدف في س�يناء .وبالتالي فإن املفارقة التي تنط�وي عليها الثورات العربية تتخلص في أنها أس�همت في دمج «إسرائيل» كشريك استراتيجي (لبعض البلدان) في املنطقة. ال ينبغ�ي اس�تخالص االس�تنتاجات اخلاطئ�ة وتعميمه�ا في الوق�ت الراه�ن ،ولع�ل م�ن اخلط�أ االس�تعجال ف�ي ذل�ك ،فرمبا ً ً اس�تراتيجيا ش�ريكا أصبحت إس�رائيل ،أكثر من أي وقت مضى، ً ً حليفا فرضه األمر الواقع ضد رئيس�يا لبعض األنظمة العربية ،أو إي�ران ،ولك�ن هذا ال يعن�ي أن جيران «إس�رائيل» استس�لموا من الناحي�ة العاطفية الس�تمرار وجودها بينهم .كم�ا ال يعني هذا إن «إسرائيل» تستطيع أن تفعل ما تريد متى وحيثما شاءت ،بل على العك�س من ذلك ،يتعين على احلكومة اإلس�رائيلية أال تس�تخدم االضطراب�ات ف�ي املنطقة كمب�رر للتقاعس عن القي�ام بأي حترك
حلل الصراع مع السلطة الفلسطينية. «املس�تنقع» الذي تتخبط فيه الش�عوب واألنظمة العربية على ً قادرا على تهيئة الظروف املالئمة للسلام حد س�واء ،قد ال يكون ً سببا في واملصاحلة بني اإلس�رائيليني والفلسطينيني .ولكنه كان حتوي�ل «الهدنة االس�تراتيجية» الت�ي يفضلها العدي�د من القادة الع�رب إلى البدي�ل الوحيد ال�ذي ميكن تصوره .فم�ن غير املمكن ً حربا ف�ي ما بينهم وضد «إس�رائيل» في نفس أن يخ�وض العرب الوقت. قد تكون «إس�رائيل» من أكبر املستفيدين في الوقت الراهن من حالة التخبط والفوضى التي تعم العالم العربي والثورات العربية في س�عيها للتغول على الفلس�طينيني عبر توس�يع مس�توطناتها ومتدده�ا على األراض�ي الفلس�طينية ،كما تبدو حكوم�ة بنيامني نتنياه�و عازم�ة على القيام ب�ه ،لكن على الش�عوب العربية التي ث�ارت عل�ى أنظمتها املتواطئة م�ع الكيان الغاص�ب ألعز أراضيهم (فلس�طني) وعدم االنش�غال بالفوضى والش�ؤون الداخلية التي تفتحت جنباتها بش�كل غريب ومبالغ فيه أمام األنظمة التي قادت الثورات العربية أو تولدت عنها ،ما يحرم الكيان اإلس�رائيلي من أي غنائم قد يتوهم أنه قادر على احلصول عليها.
* كاتب وباحث فلسطيني
التحول الدميقراطي في العالم العربي بعيون غربية د .فوزي ناجي٭ ُعقد في جامعة مونس�تر األملانية بتاري�خ 27 – 23ايلول/ س�بتمبر 2013مؤمت�ر ش�ارك في�ه أكث�ر م�ن ال�ف وثالثمئة ش�خص م�ن األكادمييني والباحثني في ش�ؤون الش�رق من مختلف دول العالم .في هذا املؤمتر أعددت وأدرت جلس�ات احلوار املتعلقة بالتحول الدميقراطي في العالم العربي .اود هن�ا ان اورد بع�ض ما ُعرض م�ن أف�كار وآراء تخص عاملنا ً خصوصا ما مت طرحه من العرب�ي وما يجري به من أحداث، قبل الباحثني الغربيني اخملتصني بالدين االسالمي وسياسة الشرق األوسط. ً منفتحا ويفسح مجاال للعلمانية 1يُ عتبر الدين االسالميً حالي�ا في ولك�ن بطريق�ة مختلف�ة ع�ن الطريق�ة املطروحة الش�رق األوسط .لقد أثبت املس�لمون قدرتهم على التعايش مع العلمانية ،فهم يعيش�ون منذ س�نني طويل�ة كاقليات في دول علماني�ة في اوروبا ،امريكا ،اس�تراليا ،روس�يا والهند ودول أخرى .إذن فالسؤال الذي يطرح بني الفينة واألخرى عن مدى قدرة االسلام عل�ى تقبل فك�رة الدميقراطية ليس ه�و الس�ؤال الصحيح ،فهذا الس�ؤال متت االجاب�ة عنه منذ عقود .السؤال امللح هو هل يقبل املسلمون في العالم العربي العلمانية كوسيلة لتنظيم امور مجتمعاتهم؟ 2هن�اك ف�رق كبير في تطبي�ق مبادئ الدين االسلاميف�ي كل من احلياة العامة واخلاصة ،حيث يجب إظهار الدين بقواعده اخملتلفة في احلي�اة العامة ،اما في احلياة اخلاصة فيعم�ل كل مب�ا يحلو ل�ه .لكن احل�دود بني احلياتين العامة واخلاص�ة أصبحت بفضل أنظم�ة التواص�ل االجتماعي في حرك�ة مس�تمرة ،حي�ث فتح�ت ه�ذه األنظم�ة أبواب�ا كانت مغلقة قي الس�ابق ،ومبوازاة ذلك تطور الس�وق االسلامي
ً ً ووصوال إلى مرورا باملواد االستهالكية الذي يش�مل االعالم األدوات الترفيهية .وبذلك يصل النشاط االسالمي إلى مدى ابعد بكثير مما وصلت إليه السلطات الرسمية. ً ً قانونا ً ً حقوقيا قانونا الهيا وامن�ا 3ال تعتب�ر الش�ريعةمت اس�تنباطه من القرآن والس�نة مع أخذ العادات والتقاليد االجتماعي�ة بعني االعتبار .ولم تطبق الش�ريعة االسلامية بحذافيره�ا ف�ي اي م�ن الدول العربي�ة وال حتى ف�ي اململكة العربية السعودية ،وينطبق األمر كذلك على ايران. 4ان رفض العلمانية م�ن غالبية املواطنني العرب ليسً ً ً ايضا ،حيث يعتبره البعض سياس�يا دينيا فقط وامنا مرده ايديولوجي�ة احلكومات املس�تبدة كنظام صدام حسين في الع�راق واحلبيب بورقيبة في تونس ،كم�ا ينطبق ذلك على حقب�ة كمال اتات�ورك في تركيا .كما يعتب�ر البعض اآلخر ان رم�وز العلمانيين هم عمالء لل�دول االس�تعمارية ،ومن هذا املنظ�ار ف�ان الفص�ل بني الدي�ن والدول�ة يعتبر ف�ي نظرهم وس�يلة اس�تعمارية وإقصاء ثقافيا ،كما يعتبرون العلمانية جزءا من االستعمار احلديث. 5يق�ارن العدي�د م�ن الباحثين الغربيين م�ا يح�دثف�ي العال�م العربي مب�ا حدث ف�ي اي�ران قبل وبع�د الثورة االسلامية ع�ام ،1979حي�ث يش�يرون الى انه رغ�م الدعم األمريكي لش�اه اي�ران فان نظام الش�اه س�قط وانتهى ولم ً ايضا يتمك�ن الدعم الغربي م�ن احملافظة عليه .ينطب�ق ذلك عل�ى عدم قدرة الدع�م البريطاني من احملافظ�ة على العائلة الهاشمية في العراق أثناء أحداث عام .1958يتضح من ذلك ان الدع�م الغرب�ي لن يتمكن من احملافظة عل�ى األنظمة التي ترفضها شعوبها. 6لق�د جن�ت االنظم�ة امللكي�ة العربية من آث�ار حتوالتالربي�ع العربي ،وكذل�ك الدول النفطية الغني�ة ما عدا ليبيا. ً مريضا وهدم املؤسس�ات التقليدية وقد كان نظ�ام القذافي ً متام�ا كما حدث في ف�ي ليبيا ب�دون ايجاد بدي�ل صالح لها، ايران ابان حكم الش�اه .إن بقاء األنظمة امللكية العربية على
قيد احلياة ليس بفضل البترودوالر فقط وامنا لتغلغل افراد العائل�ة املالكة في مختلف مؤسس�ات الدولة ،كما هو احلال في الدول اخلليجية. 7قامت الثورات العربية ألسباب داخلية بحتة ،ولم تكنوراءها خلفية ايديولوجية ،سواء أكانت دينية أم سياسية. فق�د طالب�ت املظاه�رات الش�عبية باحلري�ة والدميقراطي�ة والعدالة االجتماعية وايجاد حلول ملش�اكل الفقر والبطالة. ل�م يتم إحراق أعلام امريكية أو اس�رائيلية ،وكذلك لم يكن تغيير السياسة اخلارجية من بني مطالب اجلماهير. 8أصبح�ت اجملتمع�ات العربي�ة مجتمعات اس�تهالكيةغير منتجة وغي�ر مبتكرة ،حيث تعتمد في س�د احتياجاتها على االس�تيراد من الدول األجنبية ش�رقية كانت أم غربية. ف�ي عه�د جم�ال عب�د الناص�ر مت تش�جيع زي�ادة اس�تهالك املنتجات احمللية والتقليل من استهالك املنتجات املستوردة، وذل�ك من اجل دعم الصناعة الوطنية .اما سياس�ة االنفتاح في عهد انور السادات فقد سببت هجرة ماليني املصريني الى اخلارج. ً حالي�ا ال�ى دول اس�تبدادية 9ينقس�م العال�م العرب�يودول ف�ي مرحلة التحول الدميقراطي .وقد جنحت الثورات ً جزئيا في الس�ير نح�و الدميقراطية ،وال العربي�ة حتى اآلن ً ً ومحفوفا باخملاطر والعقبات في طريق طويال ي�زال الطريق الدميقراطية احلقيقية. 10يواج�ه العال�م العرب�ي حتدي�ات كبي�رة .لي�س فيمواجه�ة الفق�ر والبطال�ة واألمي�ة فق�ط ،بل ف�ي البحث عن الهوي�ة .ه�ل ه�ي عربي�ة أم إسلامية؟ قطري�ة أم قومي�ة أو أممية؟ فهل الصراع الدائر هو صراع على الهوية؟ 11م�ن ال�دروس املس�تخلصة لالحت�اد االوروب�ي م�ناحداث العال�م العربي هو فقدانه الس�يطرة على التطورات السياس�ة ف�ي دول اجل�وار اجلنوبي�ة .كما ان�ه ينبغي على االحتاد االوروبي ان يسلم بحقيقة جناح االسالم السياسي ف�ي كس�ب الش�رعية كق�وة سياس�ية اساس�ية م�ن خلال
االنتخابات وعليه التعامل معه على هذا األساس. 12الي�زال االحت�اد االوروب�ي يعي�ش مرحل�ة التخبطالسياس�ي ف�ي التعام�ل م�ع العال�م العرب�ي بع�د الث�ورات العربية .فمن ناحية هو ال يرغب في تخريب عالقاته اجليدة مع ال�دول النفطية لالرتباط الوثيق ملصاحله بها .لذا يكتفي بالنقد اخلجول لتلك الدول .ومن الناحية األخرى يرغب في تقدمي الدعم واملس�اندة لل�دول العربية الس�ائرة في طريق الدميقراطي�ة من اج�ل حتقيق هدفين .األول الرغبة الفعلية ف�ي إقام�ة أنظم�ة دميقراطية ف�ي العال�م العرب�ي ،والثاني لس�د الثغرة في املصداقية االوروبي�ة الناجمة عن دعم دول االحت�اد االوروب�ي لألنظم�ة الديكتاتوري�ة العربي�ة لعقود طويلة. 13عل�ى الرغ�م م�ن كل املعوق�ات والعقبات ف�ي طريقالدميقراطي�ة ال ي�زال يُ نظ�ر الى تون�س على انه�ا النموذج األكثر قابلية لتحقيق الدميقراطية على املدى املنظور من دول الربيع العربي األخ�رى .ما حدث في مصر في 3متوز/يوليو 2013ال ميكن وصفه اال بانه إنقالب عس�كري أعاد مصر إلى الوراء وأبعدها عن الطريق الدميقراطي السليم وأظهر عدم القدرة على اس�تيعاب املعنى احلقيق�ي للدميقراطية من قبل القوى االنقالبية. 14مأساة الشعب السوري تكمن في نظامه الديكتاتوريومعارضته املتش�رذمة واملتصارعة على الكراس�ي الوهمية وع�دم متكنها من فرض أجندة سياس�ية توحده�ا .ال يوجد بديل للحل السياسي لوضع نهاية لهذه املأساة املفجعة. 15ف�ي بداي�ات الربي�ع العرب�ي ،ال�ذي فاج�أ اجلمي�عظهرت قوى إسلامية معتدل�ة وكان تنظي�م «القاعدة» أكبر اخلاس�رين .ب�روز جبه�ة النص�رة ف�ي س�ورية واملنظمات األخرى املرتبطة بـ»القاعدة» أضر بالثورة السورية وحرف مسارها وابعدها عن حتقيق أهدافها األصلية.
AL-Quds AL-Arabi Volume 25 - Issue 7558 Monday 7 October 2013
* اكادميي فلسطيني مقيم في املانيا
كأنها لم تعد ،وانتقلنا بخيانة السياسة من نزع سيادة السالح في سيناء بترتيبات املعاهدة املذلة ،انتقلنا من نزع سيادة السالح إلى نزع سيادة قرار السياسة واالقتصاد في القاهرة ،وكان دور املعونة األمريكي�ة الضامنة للمعاهدة جوهريا ،فق�د وضعت مصر وأقدارها حتت رحمة االحتلال واالنتداب السياس�ي األمريكي ،وخرجنا من س�باق األمم الناهضة ،وس�قطنا ف�ي «الثقب األس�ود» الذي جاءت الثورة األخيرة لتنتشلنا منه. وليس القصد مما نقول أن نلوم الرئيس السادات مجددا ،فالرجل ف�ي رحاب ربه ،وقد أنقذته عناية األقدار باغتياله املبكر ،أنقذته من أن ي�رى بأم عيني�ه نتائج ما اقترفت يداه ،وت�رك لنا الهوان والتيه مع خلفه حس�ني مبارك ،وقد خلعته ثورة الشعب وألقته إلى مزبلة التاري�خ التي يس�تحقها بامتياز ،ث�م خلعت الثورة حك�م اإلخوان «القري�ن» حلكم مب�ارك ،وعادت املواجه�ة محتدمة كم�ا كانت عقب نص�ر أكتوبر ،1973فالبلد اآلن على مفترق الطرق احلاس�م نفس�ه، وجيش�نا العظيم يخوض حرب س�يناء مجددا ،وبهدف االستعادة احلقيقي�ة الكاملة ،وحتطيم معادالت نزع السلاح املهني ،وعلينا أال نكرر املأس�اة ،وأال نتبنى سياسة تخذل أو تخون حد السالح ،فقوة اجلي�ش ه�ي عنوان لعافي�ة البلد ،وال ب�رء ملصر من م�رض الهوان بغي�ر إج�راءات سياس�ة عاجلة ،أول األم�ر فيها هو االس�تغناء عن املعونة األمريكية وحل هيئاتها في القاهرة ،وفرض سيطرة السالح على سيناء بكاملها ،وهو ما تستطيعه مصر اآلن.
*كاتب مصري
الرجعية العربية :مهد الثورة وام الربيع العربي د .فالح شمسة٭ ُ يبحث خصائص املوروث احلضاري العربي في احلكم كاول من عنى ه�ذا املقال في البش�رية بارساء االنظمة الدستورية لتقييد س�لطة احلاكم ،ومن رحمه ُولدت ُ اول الثورات لتحقيق اماني شعوبه في احلرية واالنعتاق من االحتالل ،وان انظمة الرجعية العربية هي الشذوذ ا ُملشوه حلضارتنا العربية واالسالمية فف�ي عراق الرافدين اعتمدت انظمة ُحكم العصر البابلي ابداعا انس�انيا رائعا، ُ حي�ث السلالة احلاكم�ة لم مت�ارس االس�تبداد وج�ور الرعي�ة ،ولم يع�ط امللوك البابليين النفس�هم االلقاب الفخم�ة ولم يتطلب�وا الطاعة العمياء ح�د التأليه ،بل ترك�ز دورهم على توزيع العمل االداري عل�ى املوظفني وادارة الدولة ،اعتمادا على اول التش�ريعات االنس�انية التي عكس�ت تطور فكر انس�ان بالدالرافدين لضمان حريته في ظل ُحكم فريد لعلي اصطلح عليه ،مبا يُ دعى اليوم ،بامللكية الدس�تورية ا ُملقي�دة ف�ي ظ�ل حاكمه ا ُملب�دع حموراب�ي ،الذي ش�اع لقبهُ ف�ي مملكت�ه بـ»الوالد حكم الراع�ي» دليال على ُرق�ي احلقبة احلضارية ،رغم قدمها ،بتش�ريع اول نظرية ٍ انسانية متطورة في 1750-1792 ومن املش�رق العربي ايضا تعلمت البش�رية صناعة الثورة .فمنذ حكم الفراعنة في مصر واالشوريون في العراق ،وحتى ظهور االسالم شهد الشرق اندالع ثورات عدي�دة ضد املس�تعمرين وحكومات االس�تبداد ،ولع�ل اقدم الث�ورات القومية في املش�رق العرب�ي هي ث�ورة االس�رة الفرعونية الس�ابع عش�رة ،بقي�ادة الفراعنة الثالثة ،ضد حكم الهكسوس الذي دام 100عام ومن ثم طردهم من مصر. وام�ا اول حقب�ة اس�تعمارية غربي�ة طال�ت االم�ة العربي�ة فهي االس�تعمارين الرومان�ي والبيزنط�ي بين ع�ام 64ق.م انتهت بظه�ور النور االسلامي 637ق.م. وجتليات�ه الروحي�ة واملبدأية ف�ي صقل العقل العرب�ي وقيادته نح�و اجملد ثانية. ان�ذاك بدأت االم�ة تعيش ميالد عصر جدي�د خطت فيه بثب�ات وبصيرة في منوها الفكري واالجتماعي ،وظهرت طبقة فكرية غذت والدة الفلسفة والعلوم وانحسرت قوى اجلاهلية وافلس�ت قوى االقطاع واجلور االجتماعي والتخلف الذاتي املتمثلة وكرها لنظام ُ بقيادات قريش الظالمية واستس�لمت طوعا ُ احلكم اجلديد ،ومنها ما بق�ي يضم�ر العداء لنبي االم�ة والنخبة الصحابي�ة الثورية ،الت�ي قوضت النظام اجلاهلي اقتصاديا وسياس�يا .ورغم الكم املعرفي الهائل الذي اعتمد على التشريع الرس�اء قواعد اجملتمع االسلامي ثقافيا وروحي�ا وتربيته باح�كام القرآن الكرمي وارشادات نبي االمة ُمحمد صلى الله عليه وسلم ،كان طبيعيا جدا ان تتكتل القوى ومجابه لقادة الدين الثوري اجلديد ،مع التس�تر املهزومة في لوبي ضاغط ُمناوئ ُ بالزي االسلامي واقامة طقوس الدين واالس�تفادة من قانون التأهيل والتساوي مع بقية املس�لمني ،حين االجهار بالش�هادتني كورقة قانوني�ة ذات صالحية نافذة تؤه�ل اعداء االمس للنف�وذ الى اعلى مراتب الدولة االسلامية ومن دومنا جتريح متحيص الميانهم او تخوين. مباضيهم او ٍ وق�د تربى جيل االسلام االول على مب�ادئ جمهورية في االس�اس حتض على ممارس�ة العدال�ة االجتماعي�ة ُمزدري�ة ُطغي�ان النظ�ام امللك�ي ،كما ورد ف�ي ٍ آيات صريحة ،ونتيجة لذلك تبلورت معالم الصراع السلطوي .وقد نشأ منذ فجر االسالم معس�كر اليس�ار الديني اجلمه�وري النزعة ُمتمثلا بنخبة ثورية تعنى باملس�اواة في اجملتمع ونش�ر مبادئ الرحمة والعدالة االنس�انية ،مقابل معس�كر رجعي عنى بشكل باحلرب ا ُملضادة ،وما ان سقطت بيده السلطة ،حتى راح يستلهم النصوص ٍ ميت ال حياة فيه للفكر ومعالم احلضارة ،معتمدا الكذب وقس�وة البداوة والبطش غاة ُ ع ٍ ق�رع ُط ٍ تاة ال ميتون بأي�ة صلة جلوهر ف�ي تطويع االمة ،حتى جن�م في االمة ُ سيل من الدماء ،يشمئز منه االسلام احلنيف ،امثال احلجاج ممن اغرقوا االمة في ٍ الضمي�ر االنس�اني مهم�ا كان دينه او مذهبهُ ،ناهيك عن االسلام الواعد بتش�ريع الرحم�ة االنس�انية واعتم�اد الفكر واالميان اساس�ا في حك�م الرعي�ة «ان اكرمكم عن�د الل�ه اتقاكم» .ولعل هذا الس�رد التاريخي يُ فس�ر متركز احلكومات املس�تبدة ً متس�لطة الالدس�تورية ف�ي العال�م العربي وف�ي هذا الق�رن الواحد والعش�رين، عل�ى ش�عوبها ثم انتهاك ُ احلرمات باس�تباحة ال�دم العربي كما هو احلال في ش�ن احل�روب عل�ى الع�راق وس�وريةُ . وب�كل وقاحةٍ تط�رح الرجعي�ة العربية نفس�ها ً ٍ حض�ارة عريقة ولتمزيق اجليوش قائدة للثورات العربية س�عيا لتهدمي كل اليوم العربي�ة املقاوم�ة لالحتالل متهي�دا لعودة االس�تعمار االوروبي املتمث�ل بالقوتني االس�تعماريتني ا ُملنحس�رتني :بريطانيا وفرنس�ا حتت املظلة االمريكية .وبدال من اس�تعمال املليارات من خزائن االمة السترجاع فلسطني السليبة وصون ُمقدساتنا ا ُملدنسة منذ ستني عاما ،ها هي الرجعية العربية تستعمل همجيتها وظالميتها لغرز ً مانحة املغتصبني بُ لدانا عربية جديدة للقضم والسحق انيابها في اجلس�د العربي والتدمي�ر .اذن كان�ت ن�داءات اجلبه�ة الش�عبية الفلس�طينية حملارب�ة الرجعي�ة العربية في الس�تينيات والس�بعينيات من الق�رن املاضي في غاي�ة الصواب ،عند رسم سياسة حترير فلسطني .وكان شعار املناضل العربي جورج حبش :ان طريق ً حترير فلس�طني عبر عمان (االردن) والرياض (الس�عودية)ُ ، عبقرية خالدة ميثل تتميزه في الوعي الثوري العربي .لقد اغفلت اجلماهير والقيادات ذلك الطرح ولم ُ كطرح عقائدي ُمؤس�س .حقيقة ان النضال العربي لن ينجح مادامت اوتاد بجالء ٍ الرجعي�ة العربي�ة قائمة لتس�ند االحتالل االس�رائيلي م�ا ان يترن�ح بنيانه ،كون حتري�ر فلس�طني يهدد كياناتها ،كما يُ هدد اس�رائيل ،اذ ان وجودهم�ا في قلب االمة ُ يخلق وس�طا طبيعي�ا للتعايُ ش مع ُكل ما هو ضد طموحات االمة في نيل الس�يادة صراع مرير منذ االحتالل االوربي الصليبي ()1258 -1099 والتقدم .هذه االمة في ٍ حرب مع قوى االس�تعمار التي اس�تعر اوارها من سايكس -بيكو وهي مازالت في ٍ حتى القرن احلالي .واليوم ،ذات االنظمة الرجعية التي منحها املس�تعمر الوصاية حرب بالنيابة ،بحش�د اكلي ف�ي حكم االم�ة ُتلبي بدورها طموحات املس�تعمر ف�ي ٍ حلوم البشر الستنزاف االمة وتدمير بالد الشام متهيدا لسلبها كما ُسلبت فلسطني وامعانا بتثبيت اسرائيل وحتصينها. وعلى عكس س�لوكية هذه االنظمة املتس�ترة باسلام ُمش�وه ،فاالسلام احلق اكس�ب ُمعتنقيه قوة الوقوف بوجه احلاكم الظالم اجلائر واحلد من س�لطة احلكم باعط�اء اجلمهور حق املش�ورة واالعت�راض واحلكم ،وف�ق معايير فقهي�ة عادلة. كم�ا ح�رم على ا ُملس�لم دم ا ُملس�لم ،ومنح�هُ ضرورة رف�ض العيش حت�ت االحتالل واالستعمار ،خصوصا عدم شرعية حاكمية غير املسلم على ا ُملسلم في بالده. اذالل وعبودي�ة ،فما يحدث من ان�هُ ملن ا ُملشين جدا ما وصل اليه ح�ال االمة من ٍ مجازر وحش�ية في سورية واخرها مجزرة خان العسل ،التي راح ضحيتها املئات ع�ار للدميقراطيات الغربية ف�ي ادارة صراعاتها مع العاملني االسلامي ه�و وصمة ٍ والعرب�ي .فال�دم العرب�ي املراق ج�اء بطلب اوروب�ي -امريكيُ .. وتدفق السلاح الغربي ملقاتلة س�ورية العربية وحترميه على قتال اسرائيل لستني عاما هو وصمة ع�ار .وم�ا كان احوج م�ن االردن لبطاريات باتريوت وسلاح امري�كا حلمايته من قاصفات اس�رائيل وقنابلها للس�تني عاما املاضية ،لكن السلاح االمريكي ال يُ سمح بتوجيهه اال نحو صدر العربي. واحلقيق�ة ،م�ن الس�ياق التاريخي ،وف�ي كل العالم م�ا من ثورة س�واء الثورة الفرنس�ية او البلش�فية او االمريكي�ة قام�ت اال ضد امللكي�ات الش�مولية او القوى االجنبية املستعمرة. والش�عوب العربية مدعوة حلش�د طاقاتها واالش�تباك من عدة جبهات فهي في اخطر مراحل تاريخها ومايحدث من عدوان على س�ورية يستهدف كامل وجودها. فاحلرب على سورية سيتم نقلها لتدمير لبنان والعراق ثم مصر.
*كاتب عراقي مقيم في امريكا