● نقاد
االستسالم في الداخل واحلرب في اخلارج
مخيبة لآلمال.
جنة أوباما
قد يقدم كتاب طارق علي اجلديد «جنة أوباما» دعاية رائعة لفيلم قادم .إنه يثير الفكر ويدغدغ املشاعر ،ومثل أي عرض قصير لفيلم ،يترك القارئ راغبا في املزيد .تتسم فرضيته في صميمها بالقوة ،وحججه املؤيدة مقنعة إلى حد كبير .ولكن في بعض األحيان ،يبدو أن قلم املؤلف يسبق القارئ كثيرا، تاركا بعض االدعاءات غير املفسرة من ورائه. «جنة أوباما :االستسالم في الداخل واحلرب في اخلارج» طارق علي فيرسو2010 ، 16.95دوالر
أمار تور
في مقدمة كتابه اجلديد «جنة أوباما» ،كتب طارق علي تنويها مثيرا للفضول عن نطاق موضوع أحدث أعماله ،حيث كتب« :هذا تقرير متهيدي عن األلف يوم األولى في إدارة أوباما .وال شيء أكثر من ذلك». يجمع هذا الوصف املتواضع بني الدقة واخلداع .في احلقيقة ،كتاب علي متهيدي ،ولكن كذلك هي جميع الكتب التي تدور فكرتها حول أوباما والتي تنشر من اآلن وحتى نهاية فترته الرئاسية .لن ميكث كتاب علي، الذي كتبه قبل انتخابات التجديد النصفي األميركية مباشرة ،طويال في املكتبات ،بل ورمبا تكون صالحيته قد انقضت في الوقت احلالي. ولكن يسمح النطاق الزمني للكتاب بأن يبني سرده حول حلظة فريدة في التاريخ السياسي احلديث. عشية التغيير السياسي الوشيك ،ينظر الكاتب إلى الوراء حيث فترة الرئاسة الوليدة لرجل دخل البيت األبيض برسالة التغيير ،وقائمة من الوعود التي ،وفقا لعلي ،لم يكن ينوي تنفيذها. وكما ورد في تنويه علي ،يبدو كتاب «جنة أوباما» وكأنه «تقرير» .ومثل أي مراسل جيد ،يجمع املؤلف احلقائق واألقوال ،ويستخدمها ،جنبا إلى جنب ،لتكوين حتليله اخلاص للتاريخ الرئاسي احلديث .ولكن بني يدي علي املاهرة ،تتداخل احلقائق واألقوال بحرية مع األسلوب اجملازي واملبالغة ،مما ينتج عنه مزيج من املناقشة الشعرية ممتعة القراءة وفي بعض األحيان صعبة االستيعاب .هناك قدر كبير من األخبار في الكتاب ،ولكنه أيضا يحتوي على كثير من الهزل .وكلما فضل علي الهزل على اخلبر ،تعبث عقالنيته باإلثارة وسريعا ما يتحول أسلوبه الشعري إلى حديث خبير. ونظرا للنطاق اخملتصر الذي يتناوله الكتاب وقيوده الزمنية ،ليس من األنسب اعتبار «جنة أوباما» تقريرا استقصائيا أو مقاال إيضاحيا ،بل مقدمة دعائية لفيلم قادم .إنه يدغدغ األحاسيس ويثير بهجة بال هوادة .ويدعو الكتاب اجلمهور باستمرار إلى إلقاء نظرة على ما خلف الستار ،للتفكر في حجة معينة أو زاوية كاميرا محددة ،قبل أن ينتقل سريعا إلى املشهد التالي .إن أساليب علي شيقة ولكنها ال حتقق الرضا.
ينقسم عمل علي املوجز إلى ثالثة أقسام .يحاول علي في الفصل األول أن يضع انتخاب أوباما داخل سياق في ضوء تاريخ أميركا العرقي والسياسي املتداخل .ويتناول الفصل الثاني أجندة السياسة اخلارجية التي يتبناها الرئيس ،مع اهتمام خاص بكل من أفغانستان والصراع اإلسرائيلي - الفلسطيني .وفي الثالث ،حتت عنوان «االستسالم في الداخل» ،التركيز على أخطاء أوباما احمللية ،وعلى وجه التحديد تلك املتعلقة ببرنامج الرعاية الصحية واإلصالحات املالية. في كل فصل ،يضيف علي مزيدا من ثقل احلقائق إلى ادعائه بأن أوباما ،كما يقول ،ال يزيد عن كونه «أكثر شبح مبتكر لإلمبراطورية ذاتها» .ووفقا لعلي، تعهد الرئيس األميركي الرابع واألربعون بقوة بأن ينفذ األجندة االقتصادية الليبرالية اجلديدة ذاتها التي فرخت األزمة املالية ،وكذلك األجندة السياسية اخلارجية املضللة التي زرعها رونالد ريغان وانتهجها جورج بوش االبن بتطرف مفزع .وفي الداخل ،استسلم بصورة صارخة ملصالح الشركات ،في حني أظهر نفسه بدهاء كشخص مثالي يحاول فقط أن يفعل «الصواب» وسط بحر قاس من الواقع السياسي. تتسم الفرضية التي يناقشها الكتاب في صميمها بأنها هائلة وحججها املؤيدة قوية إلى حد كبير .ولكن في أكثر من مرة يبدو أن قلم الكاتب يستبق كثيرا القارئ ،تاركا ادعاءات غير مفسرة من ورائه. رمبا ميضي علي صفحات عدة من دون أن يضع أساسا حلجة واحدة ،فقط ليقدم تفاصيل تبدو مهمة ويعلن ضمنا أنها معطيات مطلقة .وتظهر هذه العادة على وجه التحديد بصورة صارخة في الفصل الثاني ،عندما يقدم املؤلف سلسلة من العبارات التعريفية حول اآلليات التي تدعم لعبة الدبلوماسية في الشرق األوسط ،من دون تقدمي دعم توجد إليه حاجة شديدة. من حسن احلظ أن كتاب علي مسلط بدرجة كافية جلذب انتباه القارئ بعيدا عن رقابته العرضية ،ومتجانسة مبا يكفي الستمرار تقدم السرد .ولكن من املمكن أن يكون لكتابته القوية رد فعل عكسي ،حيث يضخم احلجج الواقعية اجلوهرية بإضافة أمور سطحية تناقض ذاتها. ينتقد علي أوباما بشدة بسبب خطبه التي تتميز باللباقة والفراغ املذهل .ولكنه ميكن أن يطبق االنتقاد ذاته بسهولة على كتابه .مثال على ذلك« ،في حني أظهرت احلربان في العراق وأفغانستان إشارات عدة على الضعف ،استمرت وسائل اإلعالم في اإلعالن عن أن (السالم هو احلرب) و (احلرب هي السالم)» .وبذلك ينتقد شيئا مشابها ملا يفعله هو شخصيا. في الوقت ذاته ،يتدرج استخدام املؤلف لالستعارة ما بني ما هو غير متقن (من املؤسف أنه لم يتم التوصل إلى دواء سياسي ملعاجلة الفساد السرطاني لدى الساسة األميركيني) إلى السخيف (ميلك التقارب مع السلطة قدرة غير مدهشة على حتوير النخاع الشوكي لرجل السياسة إلى مادة هالمية صفراء المعة) .وفي بعض األحيان ،يأتي أسلوبه البالغي املتحمس عابسا وانتقاميا بال داع .في نهاية الفصل األول ،على سبيل املثال ،يندد املؤلف بشدة بحملة ميشال أوباما املناهضة للسمنة من دون سبب حقيقي أيا كان. ضعف كتابا ذا فكرة إنه نوع من جذب االهتمام ،ولغة صناعة األقوال التي ت ُ ِ جيدة .ولكنه أيضا عنصر جيد لدعاية سينمائية جذابة ،تلك التي تعرض أهم ما على السطح ،وحتفز احلواس وتثير اخليال .وكما هو احلال مع كل فيلم دعائي قصير رائع ،يترك كتاب «جنة أوباما» القارئ في حاجة إلى املزيد.
*أمار تور -محرر مساهم.
من جديد ،ليس املقصود من «جنة أوباما» حتقيق «الرضا» ،بل يهدف الكتاب إلى التنوير والتنقيب واإلمتاع ،وهو يحقق كل ذلك ،ولكن بدرجة محدودة نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ 27يناير 2011 60