وبعيدا ً عن الحصانة الدبلوماسية للسفراء والبعثات فقد عرف التاريخ اإلسالمي من�ح الحصانة السياس�ية لعدد من األف�راد بواقع وظائف خاصة له�م أو مواقع متمي�زة ،بحيث رفع عنهم السلطة السياس�ية التي كان�ت للحاكم املحيل ،ومنحهم حق االرتباط بالسلطة املركزية دون الرجوع إىل الحاكم املحيل. وأول ما روي يف تاريخ الخلفاء يف هذا املعنى ما ورد يف خرب عبادة بن الصامت فقد كان عبادة بن الصامت من أكثر أصحاب النبي الكريم وعيا ً ومسؤولية واتزاناً، وكان من أبرز قادة الفتح الذين وفدوا عىل الشام ،ولعل ساحل بالد الشام مما ييل لبنان قد فتح عىل يديه ،وقد اس�تقر فيه بع�د الفتح ،وأصبحت داره مقصد الناس ومحجهم ومقىض حوائجهم. وكان عبادة وإخوانه معاذ وأبو الدرداء قد صحبوا النبي صىل الله عليه وس�لم على املحجة البيضاء ،وكانوا يعرف�ون طهره وزهده وعبادته لربه ،وهو ما لم يكن معاوي�ة يلتزمه ،فقد ورث معاوية حكم ال�روم وقصورهم وتقاليدهم ،وألجل ذلك فقد كان يظهر أبهة امللك وحواش�يه وبطانته ،وكان ذلك محل اعرتاض ش�ديد من عب�ادة بن الصامت وإخوانه ،وم�رارا تعاتب الرجالن وتمسك كل بموقفه ،ثم صار عب�ادة بعد ذلك إىل فلسطني وك�ان معاوية خالفه يف يشء أنك�ره عبادة فأغلظ له معاوية يف القول فقال عبادة ال أس�اكنك بأرض واحدة أبدا ً ورحل إىل املدينة ،فقال عم�ر ما أقدمك؟ فأخربه ،فقال ارجع إىل مكانك فقبح الله أرضا ً لست فيها أنت وال أمثالك!! ..وكتب إىل معاوية ال إمرة لك عليه(.((15 كان هذا يف الواقع أول حصانة سياس�ية يف اإلسالم ،حيث أعلن الخليفة عمر بن الخطاب أن عبادة بن الصامت وهو مقيم بأرض الشام ال يتبع لوايل بالد الشام ،وال إمرة له عليه ،وأن بوسعه أن يمارس مسؤولياته الكاملة بدون الرجوع اىل معاوية يف يشء ،وكذل�ك فإنه يملك حق انتقاد س�لوك اإلدارة والحكم ولو كان ذلك خالف رغبات السلطة التنفيذية عىل الرغم من الصالحيات الكبرية التي كانت بيد معاوية بوصف�ه حاكم بلاد الشام ،وهكذا فقد ق�رر عمر بموقفه هذا أمري�ن اثنني :األول ( ((15أسد الغابة ،البن األثري ،ج ،3ص 159
95