حرية اإلبداع والتجديد التشكيلي في الخط العربي المعاصر
سيظل على هامش هذه املدرسة وتلك داعما ً املطالبة باالعتراف باملساهمة الفنية التونسيّة واملغاربيّة في الفنون التشكيليّة العربيّة املعاصرة. املتأصلة لثقافة تولد فيها الكلمة املقدّ سة ّ إن اختيار الداللة اخلطية من قبل املهداوي له عالقة في جميع احلاالت باجلذور وتنصهر بالذات في تلك الداللة؛ وبالرجوع إلى احلركة السابقة للكلمة ،إلى السطر املتحوّل إلى داللة ،بالرغم من أنه ليس برسالة شفويّة ،فإن املهداوي يقيل الشكل التأسيسيّ للهويّة إلى بعد اللعب في الفن ويحرّرها من التقديس والتطويب الحقا ً: حرف بال مدلول ،طاقة صرفة في توسع وحركيّة ال متناهية تنبني على السطح أو في الفضاء املفتوح تسيّرها حيويتها الذاتية أكثر من يد الفنان .وقد اعتبر عالم اإلجتماع التونسي عبد الوهاب بوحديبة ذلك كـ”عمل تطهيري” للحرف ،للرسم املستقيم يبني وحدة الذات والكلمة بعيدا ً كل البعد عن أي ميل تصويري ،متأصل فقط مع امكانياته الشكليّة واحليويّة غير احملدودة .وقد ساهم شعوره غير املشروط باحلرية الفرديّة واإلجتماعية واإلبداعيّة ،واملتالحم مع مفهومه للحداثة ،في كسب احترام كبير من قبل اجلمهور ومن قبل متلقي العمل الفني عامةً ،ولكنه يحذّ ر في اآلن نفسه بأن“ :همّ ي األساسي هو تأمّل الذات لتأسيس موقف من احلداثة في مستوى البصريّة حيث تصبح “األنا” في تناغم مع ذاتها وتاريخها واستشراف ملتلقٍ مماثل” ،كما أنه يعمل على أن يحظى فنه التشكيلي والفنون التشكيلية العربية املعاصرة باملزيد من اإلهتمام املناسب في أقطارها وكذا على تكف التبعيّة لألذواق الفنيّة واملعايير احملدّ دة من اخلارج ،وهي فكرة يشترك فيها ،من ناحية أخرى ،مع غيره ّ الساحة الدوليّة ،وأن من الفنانني املساهمني في هذا املعرض. فنان تشكيليّ ومعاصر باملعنى الكامل للمصطلحني ،يجعل املهداوي من حركيّته اخلطية أيضا ً ،أداة لتجاوز التصنيف التقليدي للفنون“ :إني أسعى إلى هدم الفواصل بني الفنون أي تأسيس شاعريّة خاصة جتمع ما بني الفنون حيث يتداخل املرئي بالسمعي والعني باألذن وحيث تهدم املسافات بني املاضي واحلاضر” .ولذك فإنه قد ساهم إلى جانب فنانني آخرين في عروض لآلداء احلي كعرض “ ”Langue et Langage dans les échanges en art plastiqueأو عرض “ ،”Corp-Écritureحيث تتزاوج حركيته اخلطية مع املسرح ،الرقص واملوسيقى ،مستعمالً مختلف أنواع التقنيات والوسائط ،من الكتاب واحلقيبة الفنيّة ،مجالني متميّزين في فن اخلط ،إلى الرسم ،اجللد ،النسيج ،الزجاج أو النحت .وكأمنوذج ألعماله الفنية الطباعيّة نذكر تصميماته وكاليجراماته الذهبيّة لكتاب ( Le maitre d’amourباريس ،)2004 ،وهو مؤلّف يستند إلى نصوص الكاتب رودريغو دي ثاياس (مدريد )1935 ،حول إبن عربي األندلسي ( ،)1240-1156ساهم الفنان في اجنازه مدفوعا ً بتوقه حملو احلواجز القائمة بني الشعوب والثقافات .ومن مجموع أعماله الفنية انتقى املهداوي لهذا املعرض أربعة سيريغرافيات رائعة قام باجنازها في هذا العام ،2010تابعة جملموعته “حجاز ،”2التالية جملموعة “حجاز ،”1والتي أجنزها للكتاب الفنيّ “مراتب العشق” ،1998بالتعاون مع الروائيّة السعوديّة رجاء عالم ،والتي قسمها إلى ثالث أقسام ابتكر لها ثالث أمناط خطية :جنوم ،ليالي وحجاز ،وهذا األخير هو اسم املنطقة الواقعة بالشمال الشرقي لشبه اجلزيرة العربيّة ،مهد اإلسالم حيث تقع مكة املكرمة واملدينة املنوّرة .ويقوم في هذا العمل الفني باستحضار التقليد عبر تقنيات مرئيّة جديدة ،مبا فيها التقنيات احلاسوبيّة ،ولكن دون جتاهل أصل وجوهر جماليّته :حركة اليد ورؤية الفنان غير قابلة للتحويل عن نفسه وعن التاريخ .وتفتح السيريغرافيات التابعة جملموعة “حجاز ”2اجملال إلدراك قيمتها الفنية واإلستمتاع بأسلوب املهداوي املتميّز في متام كماله ،من خالل خطوطه املستقيمة ،اإلنحناءات املنيعة ،النقط والعالمات اخلطية البيّنة ،اإلنعطافات ،تشابكات شكلت بدقّة وعناية وامتدادات حلروف وخطوط تولّد غرافيمات نص مكتمل ،بل هي بفضاءات مزدوجة األبعاد للحركيّة اخلطية .وتذكرنا تكتسي مظهرا ً خط ّيا ً غير أنها ال تتم نسيج أي ّ األلون الذهبية والزرقاء السائدة هنا مبصاحف القيروان ومخطوطاتها القدمية أو اخلطوط العربيّة املرسومة بالبالطات ،أمّ ا تدرجات األزرق واألحمر التي ترسم عليها خطوط جديدة دقيقة مصغّ رة وذهبيّة فهي تعيد إلى أذهاننا فن املنمنمات ،وتضفي عليه الصفاء العذب ،األناقة والقوة التعبيريّة .يؤكد املهداوي “بأني ال أرفض املاضي بل إني أحدّثه وأحاول انطالقا منه أن أقيم عالقة مع اآلن ومع املستقبل” ،ومن ثم أيضا ً وبواسطة مواد قدمية جدّ ا ً مثل اجللد والورق البردي املتواجدين هنا ،يقوم
11