4353 AlmashriqNews

Page 6

‫الأحد املوافق ‪ 16‬من حزيران ‪ 2019‬العدد ‪ 4353‬ـ ال�سنة ال�ساد�سة ع�شرة‬ ‫‪Sunday.16 June.2019 No.4353 Year 16‬‬

‫| ذاكرة عراقية | ‪7‬‬

‫لقطات من �سرية نوري ال�سعيد يف كرادة مرمي‬ ‫عبــدالكريـــم ح�ســـان‬ ‫م�ؤرخ حملة كرادة مرمي‬ ‫وهو من عائلة غري معروفة بغداديا‪ .‬و�أكرث ما عرف عن والده‬ ‫�سعيد (افندي) انه كان يف �سلك ال�شرطة (اجلندرمة العثمانية)‬ ‫در���س يف مدار�س بغداد ثم �سافر اىل ا�ستنبول ليتخرج منها‬ ‫�ضابطا‪ .‬ويف احل��رب العاملية الأوىل ف��ر متخفيا والتج�أ اىل‬ ‫�شريف مكة والتحق بحكومة امللك في�صل يف ال�شام وجاء اىل‬ ‫ال�ع��راق بعد ان�ه��اء احلكومة الفي�صلية يف ال�شام اث��ر احتالل‬ ‫فرن�سا ل�ه��ا؟! وعند و�صوله اىل ب�غ��داد �سكن حملة (الطوب)‬ ‫يف باب املعظم وبعدها �سكن دارا يف منطقة الوزيرية‪ .‬وبعد‬

‫ت�صريح امل�ؤ�س�سات وامل�صالح الر�سمية احلكومية (العراقية)‬ ‫يف �أواخر االربعينيات‪ ،‬فقد �سكن البا�شا ال�سعيد دارا حكومية‬ ‫تعود اىل امل��دي��ري��ة العامة لل�سكك احل��دي��دي��ة وك��ان ه��ذا الدار‬ ‫م�شغوال من قبل امل�سرت �سميث (املدير العام الإنكليزي لل�سكك)‬ ‫وازيلت لت�صبح �ضمن حدائق فندق املن�صور ميليا حاليا يف‬ ‫جانب الكرخ وكانت تقع عند بداية ج�سر الر�شيد حاليا يف كرادة‬ ‫م��رمي‪ .‬ويف الفرتة بعد ث��ورة ‪ 14‬متوز ‪� 1958‬سكن هذا الدار‬ ‫املال م�صطفى ال�برزاين‪ ،‬عند عودته من االحتاد ال�سوفيتي اىل‬ ‫العراق خالل �سنوات نفيه‪ .‬انتقل ال�سعيد قبل ثورة ‪ 14‬متوز‬ ‫‪( 1958‬و�سقوط النظام امللكي) ب�سنوات و�سكن دارا جديدة‬ ‫وحديثة (كما �شاهدتها) وه��ي ع�ب��ارة ع��ن فيال جميلة (بحكم‬ ‫زمانها) حتيط بها حديقة غناء يعتنى بها فهي من االمام مفروزة‬ ‫ب�أ�شجار احلوام�ض وبا�سقات النخيل‪ ،‬واخللفية �ساحة خ�ضراء‬

‫(مفرو�شة بالثيل) تنتهي مب�سطاة ت�صل اىل ج��رف نهر دجلة‬ ‫اخلالد!‪ .‬وار�ض الدار هذه كما علمت انها كورني�ش (موح) لنهر‬ ‫دجلة تابعة للب�ستان وقد ا�شرتاها من �صاحب الب�ستان ال�سيد‬ ‫حممد ح�سن (�أب��و مفيد) بن ال�شيخ �شكر (القا�ضي اجلعفري)‬ ‫وابرز امل�ؤ�س�سني للمدر�سة اجلعفرية يف بغداد‪ .‬واكرث ما بلغت‬ ‫النظر‪ ..‬ف�صيل احلرا�سة‪ ،‬وهم من �شرطة قوة ال�سيارة‪ ،‬الذي‬ ‫ي�ستلم واجب لي ًال فقط! ويف ال�صباح الباكر يعود اىل مع�سكره‬ ‫والذي هو قريب من دار نوري ال�سعيد (البا�شا) (مع�سكر القوة‬ ‫ال�سيارة يف كرادة مرمي) وكان املع�سكر (ثكنات ع�سكرية تعود‬ ‫بناياتها اىل القوات الربيطانية يف العراق) اثناء احلرب العاملية‬ ‫الثانية والتي عاودتها نهاية عام (‪ )1945‬ومن �ضمنها املنطقة‬ ‫اخل�ضراء حاليا)‪ .‬وقامت �شركة (ك��ان) اللبنانية ببناء الدار‪..‬‬ ‫(وعلى ما اظن انها تربعت بالبناء والكلفة) واملعروف ان هذه‬ ‫ال�شركة قد ح�صلت �أي�ضا على عدة مقاوالت وم�شاريع ان�شائية‬ ‫يف العراق‪ .‬انتقل البا�شا ال�سعيد مع عائلته وزوجته ال�سيدة‬ ‫نعيمة الع�سكري‪ /‬ام �صباح‪ /‬وهي اخت الفريق جعفر الع�سكري‬ ‫ب��اين اجلي�ش ال�ع��راق��ي‪ /‬و�سكن ابنه �صباح وعائلته منطقة‬ ‫ال�سكك (ق��رب م�ست�شفى اب��ن البيطار حاليا) باعتباره املدير‬ ‫العام للخطوط اجلوية العراقية التابعة لل�سكك احلديدية؟‪.‬‬ ‫وهكذا ا�ستمرت و�ضعية احلرا�سة الليلية لدار ال�سعيد من قبل‬ ‫ف�صيل احلرا�سة ل�شرطة القوة ال�سيارة واملتبع لهذه احلالة‪ ،‬انه‬ ‫عامل الوقت قد خدم الثوار املهاجمني للدار بان�سحاب (ف�صيل‬ ‫احلرا�سة بوقت مبكر قبل و�صولهم‪ ،‬ومل يجد املهاجمون ما‬ ‫مينعهم او يدافع عن الدار‪ ،‬فكانت باحلقيقة خالية من �أي عن�صر‬ ‫م�سلح ل�صد الثوار؟‪ .‬وللتخويف واع�لان القدوم والثورة فقد‬ ‫رمى املهاجمون عدة �صليات من ر�شا�شاتهم نحو اجلدار االمامي‬ ‫للق�صر ودخلت ق��وات الهجوم وك�سرت الأب��واب‪ ،‬ومل جتد �أي‬ ‫مقاومة؟‪ .‬وملا �سمع البا�شا ازيز الر�صا�ص و�شاهد ال�ضو�ضاء‬ ‫حزم االمر ونزل م�سرعا نحو احلديقة اخللفية و�شاهد زورقا‬ ‫ل�صيد ال�سمك فا�شار اىل �صاحبه وهكذا اركب البا�شا الزورق‬ ‫واختفى بني �أ�صحابه‪ ..‬ومنها انتقل اىل دار �صالح الب�صام ومنها‬ ‫نقلوه اىل دار حممود اال�سرتبادي يف الكاظمية‪ .‬وعن جماورة‬ ‫ال�سعيد اله��ايل ك��رادة مرمي ويذكر خمتار املحلة املرحوم عبد‬

‫الر�سول حممد �صالح‪ ،‬عرف ال�سعيد حبه للأطفال ومالطفتهم‬ ‫وبخا�صة يف منا�سبات الأع �ي��اد واالف ��راح حيث ي��أم��ر ب�شراء‬ ‫بع�ض الهدايا واحللوى واملالب�س ويوزعها على �أطفال املحلة‬ ‫القريبني من م�سكنه وبنف�سه‪ .‬وهذا مما جعلهم يتعودون على‬ ‫م�شاهدته مارا بهم وهم يلوحون ب�أيديهم وتارة بالت�صفيق كلما‬ ‫مر بطريقه اىل م�سكنه ويذكر املرحوم الدكتور �ضياء جعفر‪ ،‬انه‬ ‫كان حمبا للنكتة حافظ ًا للود والأ�صدقاء و�سريع الفهم والبديهية‪.‬‬

‫أول دراسة عراقية لباحث عراقي عن ‪:‬‬

‫التكوين العائلي للر�سول حممــــــــد يف مكة‬

‫الحلقة األوىل‬

‫(�صلى اهلل عليه و�سلم)‬

‫جميل �إبراهيم حبيب الزبيدي ‪ /‬باحث عراقي‬

‫�إنها �أوىل زوجات الر�سول (�ص) وت�سمى بخديجة الكربى‪ ،‬تقدير ًا‬ ‫ملنزلتها‪ ،‬وهي‪ :‬ال�سيدة خديجة بنت خويلد بن �أ�سد بن عبد العزى بن‬ ‫ق�صي‪ ،‬قر�شية من بني �أ�سد‪ ،‬وكانت امر�أة حازمة جلدة �شريفة حكيمة‬ ‫غنية وجميلة وذات �شهرة باملال وال�س�ؤدد واملناقب العالية‪ ،‬وهي من‬ ‫�أوا�سط بني �أ�سد ن�سب ًا و�أعظمهم �شرف ًا‪ ،‬وكانت تدعى قبل زواجها‬ ‫بر�سول الله (�ص) بالطاهرة وب�سيدة قري�ش وذلك ل�شخ�صيتها القوية‬ ‫وخلقها القومي‪ .‬وك��ان لها مكانة مرموقة بني ن�ساء قري�ش لغناها‬ ‫و�شرفها مما جعلها تك�سب ا�ستقاللية يف �إدارة �ش�ؤونها املالية‪ ،‬فكان‬

‫العربي اللواتي زوجن �أنف�سهن ب�أنف�سهن ومنهن �سلمى بنت عمرة‬ ‫النجارية التي زوجت نف�سها جلد ر�سول الله (�ص) ها�شم بن عبد‬ ‫مناف‪ ..‬ويف هذا الوقت �أي�ض ًا كانت �سمعة �سيدنا حممد بن عبد الله‬ ‫(�ص) تطغى على �أحاديث جمتمعات قري�ش يف �أنديتها وبيوتها‪ ،‬فهو‬ ‫ذلك ال�شاب ال��ذي تو�سط العقد الثالث من عمره وقد حتلى بجميع‬ ‫مقومات اخللق الرفيع وال�شهامة وال�صدق والأم��ان��ة‪ ..‬وقد عزفت‬ ‫نف�سه عما كان ي�أتيه �أترابه من �شباب قري�ش يف �أنديتهم من م�ساوئ‬ ‫املال‬ ‫الأخالق التي كانت منت�شرة يف املجتمع املكي الذي جعله ر� ُأ�س ِ‬ ‫جمتمع ًا مرتفه ًا انت�شرت فيه بيوت اللهو التي كان يق�ضي فيها �شباب‬ ‫قري�ش معظم �أوقاتهم‪� .‬أما بالن�سبة خلديجة بنت خويلد ف�إنها مل تفكر‬ ‫بالزواج بعد �أن �صدت �أكابر رجال قري�ش الذين تقدموا �إليها‪� ،‬إال �أنها‬ ‫بعد �أن ر�أت حممد بن عبد الله (�ص) وهو يقف �أمامها قبل �سفره �إىل‬

‫لها جتارتها اخلا�صة و�أموالها الكثرية مما جعلها �أن ُتعد من كبار جتار‬ ‫قري�ش ولها كلمتها امل�سموعة‪ ..‬لقد ا�شتهرت بني العرب ن�ساء بقوة‬ ‫�شخ�صيتهن وا�ستقالليتهن يف اتخاذ قرار زواجهن ممن يخرتنه من‬ ‫الرجال ح�سب عادات العرب التي كانت �سائدة قبل الإ�سالم وب�صورة‬ ‫خا�صة بعد �أن ي�صبحن ثيبات‪ ،‬وقد �أقر الإ�سالم ذلك يف �إعطاء احلق‬ ‫للمر�أة الثيب �أن تزوج نف�سها بنف�سها وهذا يعود بالأ�صل �إىل نظام‬ ‫الأ�سرة الذي �أخذ ي�سود املجتمع املكي �إىل النحو الذي �أقره الإ�سالم‬ ‫عند ظهوره‪ .‬ولقد ن�سي ذلك معظم امل�ؤرخني الإ�سالميني عندما بحثوا‬ ‫ق�ضية زواج خديجة من حممد بن عبد الله (���ص)‪ ،‬فقد جعلوا ذلك‬ ‫مرة لأبيها ومرة لعمها وقد ن�سوا �أن من حق خديجة عندما رغبت‬ ‫بالزواج من �سيدنا حممد (�ص) �أن تزوج نف�سها ح�سب العادات التي‬ ‫كانت متبعة يف ذلك الوقت‪ ،‬وكان غريها من الن�ساء كثري يف التاريخ‬

‫بالد ال�شام‪ ،‬حتركت يف نف�سها م�شاعرها يف حب هذا ال�شاب املثايل‬ ‫يف العفة والأ�صالة والذي طاملا �سمعت عنه الكثري يف �أندية قري�ش‬ ‫وبيوتاتها‪ ،‬وبعد �أن ذهب برحلته �أخذت تقارن بينه وبني من تقدموا‬ ‫�إليها ورف�ضتهم فلم جتد يف قرارة نف�سها من يوازيه يف املكانة ومل‬ ‫جتد ما مينعها من االق�تران بهذا ال�شاب الكامل الأخ�لاق واملزايا‬ ‫وال�شمائل‪ .‬وهو عالوة على �صفاته احلميدة من �أقرب النا�س �إليها‬ ‫اذ تلتقي به باجلد الرابع من ناحية الن�سب‪� ،‬أما خلقه فلن تعيب به‬ ‫�شيئ ًا �إذا قارنته حتى ب�شيوخ مكة و�شبابها‪ ،‬وهكذا ان�شغلت ال�سيدة‬ ‫خديجة يف التفكري مبحمد (���ص) طيلة مدة الرحلة التي ذهب بها‬ ‫وكانت تتمنى رجوعه �سامل ًا من غري �أن تفكر ب�أموالها وجتارتها‪..‬‬ ‫وفع ًال كم كانت فرحتها بعد انق�ضاء رحلته امليمونة �إىل بالد ال�شام‬ ‫وما جرى له من بيع و�شراء و�أرباح‪ ...‬الخ‪� .‬إن خديجة‪ ،‬كانت امر�أة‬

‫حياة �سيدنا حممد (�ص) الزوجية‬

‫بحث متوا�ضع ي�ضم بني جوانبه ملحات م�ضيئة عن �سرية �أو ًال‪ -‬زواج ر�سول اهلل (�ص) بخديجة‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ه��ذا‬

‫الر�سول (�ص) وعالقته مع �أفراد عائلته الكرمية مبكة‪ ،‬والباحث‬ ‫مهما يتو�سع يف الكتابة عن �سرية الر�سول (�ص) وبالأخ�ص حياته‬ ‫العائلية فيحري القلم به؛ لأن حياته كالبحر اخل�ضم ال��ذي يقذف‬ ‫الدرر واللآلئ‪ ،‬ويف هذا البحث �إن �شاء الله �سنقوم بالك�شف عن‬ ‫حياة الر�سول (�ص) الزوجية وعالقته مع �أف��راد �أ�سرته الكرمية‬ ‫مبكة املكرمة‪ ..‬تبد�أ مرحلة حياة الر�سول (�ص) املهمة قبل الإ�سالم‬ ‫بزواجه من ال�سيدة خديجة بنت خويلد ومتتد حتى نزول الوحي‪،‬‬ ‫وهي تغطي خم�س ع�شرة �سنة من عمره ال�شريف‪ ،‬وتنح�صر بني‬ ‫اخلام�سة والع�شرين والأربعني من عمره‪ ،‬وكان ر�سول الله (�ص)‬ ‫يعي�ش قبل هذه الفرتة يف دار عمه �أبي طالب‪ ،‬ثم انتقل بعد زواجه‬ ‫�إىل دار زوجه خديجة (ر�ضي الله عنها)‪ ،‬وكانت تقع بجوار احلرم‬ ‫ال�شريف �ضمن دور قري�ش البطاح التي اختطها جدهما ق�صي بن‬ ‫كالب بن مرة وكانت حتف باحلرم ال�شريف‪ ..‬لقد بقيت هذه الدار‬ ‫مدة طويلة بعد وفاة الر�سول‪ ،‬وكانت تقع يف زقاق العطارين يف‬ ‫مكة‪ ،‬وكانت حتتوي على �أربع حجرات ثالث منها داخلية ال�ستخدام‬ ‫الأ�سرة‪ ،‬وكانت الرابعة منعزلة‪ ،‬وقد اتخذت م�ضيف ًا لر�سول الله‬ ‫(���ص) ي�ستقبل بها النا�س‪ ،‬وق��د كتب لهذه ال��دار �أن تنعم بزواج‬ ‫ر�سول الله (�ص) ووالدة جميع �أبنائه وبناته‪ -‬ما عدا �إبراهيم‪-‬‬ ‫الذي ُولد يف املدينة املنورة بعد الهجرة‪ ،‬كما �أنها �شهدت حممد ًا‬ ‫الزوج والتاجر الذي كان ميار�س عمله التجاري فيخرج منها كل‬ ‫يوم �صباح ًا ويعود �إليها م�سا ًء ين�شد الراحة والطم�أنينة بني �أوالده‬ ‫وزوجه التي كانت لعقليتها الكبرية تعرف كيف ت�ؤمن له احلياة‬ ‫الهادئة ال�سعيدة‪ ..‬كما �أن هذه الدار �شهدت حممد ًا (�ص) وهو يعود‬ ‫من غار حراء وقد نزلت عليه الر�سالة الإ�سالمية وهو منده�ش من‬ ‫ه��ول ما ر�أى ين�شد الأم��ان فيها مع زوجته التي عرفت بعقليتها‬ ‫الكبرية كيف تطمئنه و ُتعيد له حياته امل�ستقرة وتثبته على ما نزل‬ ‫عليه من احلق ولتكون �أول امل�ؤمنني بر�سالته وت�أخذ بيده لي�سري‬ ‫يف الطريق التي اختارها له رب العاملني‪ ،‬وقد �شهدت هذه الدار‬ ‫�أف��راح حممد (�ص) وحياته الهانئة بعد زواج��ه‪ ،‬و�شهدت �أتراحه‬ ‫التي كانت متمثلة مبا كان يالقيه من �أذى من قومه ومقاطعتها له‬ ‫ولأتباعه ولبني ها�شم معه مدة ثالث �سنوات‪ ،‬و�شهدت وف��اة �أم‬ ‫امل�ؤمنني ال�سيدة خديجة ر�ضي الله عنها التي وقفت �إىل جانبه ت�شد‬ ‫�أزره وو�ضعت كل مالها حتت ت�صرفه خلدمة الدعوة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫كانت عالقة الر�سول (�ص) بزوجته الوفية وب�أوالده وخا�صة بناته‬ ‫لأن البنني ماتوا �صغار ًا‪ ،‬وكذلك عالقته ب�أفراد �آخرين حم�سوبني‬ ‫على �أ�سرته الكرمية كالإمام علي (ع) و�أ�سامة بن زيد‪ ،‬مبنية على‬ ‫املحبة والتقدير والتكرمي‪ ،‬فكان يكن لهم كل الرب واحلنان وح�سن‬ ‫املعاملة وال��رق��ة ويربيهم على امل�ب��ادئ العليا وامل�ث��ل القيمة يف‬ ‫احلياة‪ ..‬فكان يعا�شر زوجته ب�صورة مثالية يعجز و�صفها ملا كان‬ ‫فيها من االحرتام وتبادل املحبة والإخال�ص‪ ،‬كما كان يعامل بقية‬ ‫�أفراد العائلة باللطف وتفهم حاجاتهم ومداراة عواطفهم وال�سهر‬ ‫على م�صاحلهم‪ ..‬فكانت العائلة املحمدية عائلة �سعيدة ت�سودها‬ ‫البهجة والرحمة وال�شمائل الطيبة‪ ،‬وعلى جميع امل�سلمني �أن‬ ‫يجعلوا من معاملة الر�سول (�ص) لعائلته الكرمية قدوة ح�سنة لهم‬ ‫يف كل زمان ومكان‪.‬‬

‫عاقلة �شريفة يف قومها عزيزة اجلانب وقد �أيقنت �أنها لن جتد �أكف�أ‬ ‫من ابن عبد املطلب �شيخ مكة وزعيم قري�ش لتقرتن به ويكون زوج ًا‬ ‫لها‪ .‬وهكذا قررت خديجة بالزواج من �سيدنا حممد بن عبد الله (�ص)‪،‬‬ ‫فد�ست �صديقتها امل�سماة (نفي�سة) �إىل �سيدنا حممد (�ص) لتلوح به‬ ‫بالأمر ولتعلم ر�أيه فيه‪ ..‬فاجتمعت نفي�سة مبحمد (�ص) فقالت له‪:‬‬ ‫يا حممد‪ ،‬ما مينعك من الزواج؟ قال‪ :‬ما بيدي ما �أتزوج به‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫ف�إن كفيت ذلك ودعيت باملال واجلمال وال�شرف والكفاية‪� -‬أال جتيب؟‬ ‫علي‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫قال‪ :‬فمن هي؟ قالت‪ :‬خديجة‪ ،‬قال‪ :‬وكيف يل ذلك؟ قالت‪ّ :‬‬ ‫�أنا �أف�ضل‪ .‬ذهب حممد (�ص) �إىل �أعمامه و�أهله وذكر لهم ما جرى له‬ ‫من االتفاق بينه وبني ال�سيدة خديجة التي هي بدورها فاحتت �أهلها‬ ‫وع�شريتها بذلك‪ ،‬فبارك الطرفان هذا الزواج املبارك ملكانة املتزوجني‬ ‫ورجاحة عقلهما‪ ،‬وقد حتدد يوم اجتماع العائلتني الكبريتني يف بيت‬ ‫خديجة على عادة العرب‪ ،‬فقد ح�ضر وجهاء بني ها�شم وعلى ر�أ�سهم‬ ‫عم �سيدنا حممد (�ص) �أبو طالب وعمه احلمزة ووجهاء بني �أ�سد‬ ‫وعلى ر�أ�سهم عمرو بن �أ�سد وابن عمها ورقة بن نوفل‪ ،‬وقد ح�ضر‬ ‫هذا االجتماع �شيوخ ووجهاء م�ضر ومنهم �أبو بكر ب�صفته ال�صديق‬ ‫احلميم ملحمد بن عبد الله (�ص)‪ ..‬وح�سب العادة املتبعة بعد �إكمال‬ ‫ح�ضور املدعوين يقوم �شيخ كل طرف من الأط��راف املعنية ب�إلقاء‬ ‫كلمة ي�شرح فيها الغر�ض من اجتماعهم ويظهر من خاللها ال�صفات‬ ‫احلميدة للمتقدم للخطبة ويرتك الأمر بعد ذلك لأهل املر�أة فيتبعه يف‬ ‫الكالم �أقرب احلا�ضرين �إىل العرو�س ويعلن يف كلمته موافقتهم على‬ ‫هذا االرتباط بني العائلتني وي�شهد جماعة احل�ضور على ذلك‪ ،‬وبهذه‬ ‫ال�صورة تتم مرا�سم عقد الزواج بني الطرفني‪ ،‬وعلى هذا الأ�سا�س قام‬ ‫�أبو طالب خطيب ًا فقال كلمته التاريخية يف هذه املنا�سبة البهيجة‪:‬‬ ‫احلمد لله الذي جعلنا من ذرية �إبراهيم‪ ،‬وزرع �إ�سماعيل‪ ،‬و�ضئ�ضئ‬ ‫معد (�أي معدنه) وعن�صر م�ضر (�أي �أ�صله) وجعلنا ح�ضنة البيت‪� -‬أي‬ ‫املتكلفني ب�ش�أنه‪ -‬و�سوا�س حرمه‪� -‬أي القائمني بخدمته‪ -‬وجعل لنا‬ ‫بيت ًا حمجوب ًا وحرم ًا �آمن ًا وجعلنا حكام النا�س‪ ،‬ثم �أن ابن �أخي هذا‬ ‫حممد بن عبد الله ال يوزن برجل �إال رجح عليه �شرف ًا ونب ًال وف�ض ًال‬ ‫وعق ًال‪ ،‬و�إن كان يف املال قلة ف�إن املال ظل زائل و�أمر حائل وعارية‬ ‫م�سرتجعة وهو والله بعد هذا له نب�أ عظيم وخطر جليل‪ ،‬وقد خطب‬ ‫�إليكم رغبة يف كرميتكم خديجة‪ ..‬ثم قام ابن عمها ورقة بن نوفل‬ ‫خطيب ًا جميب ًا �أبا طالب فقال‪ :‬احلمد لله الذي جعلنا كما ذكرت وف�ضلنا‬ ‫على ما عددت ف�أنتم �سادة العرب وقادتها و�أنتم �أهل لذلك كله ال ينكر‬ ‫علي‬ ‫العرب ف�ضلكم وال يرد �أحد من النا�س فخركم و�شرفكم فا�شهدوا ّ‬ ‫معا�شر قري�ش �أين قد زوجت خديجة بنت خويلد من حممد بن عبد‬ ‫الله‪ ،‬وقد بذل حممد بن عبد الله لها من ال�صداق ما عاجله و�أجله‬ ‫اثنتي ع�شرة �أوقية من الذهب وقيل �أنه �أ�صدقها ع�شرين بكرة‪ .‬وذكر‬ ‫املهر‪ ،‬فقال �أب��و طالب‪ :‬لقد �أح�سبت �أن ي�شركك عمها‪ ،‬فقال عمها‪:‬‬ ‫ا�شهدوا علي معا�شر قري�ش �أين قد زوج��ت بنت خويلد من حممد‬ ‫بن عبد الله‪ ،‬وقد بذل حممد بن عبد الله لها من ال�صداق ما عاجله‬ ‫و�آجله اثنتي ع�شرة �أوقية من ذهب وقيل �أنه �أ�صدقها ع�شرين بكرة‪.‬‬ ‫وعلى هذه ال�صورة تزوج �سيدنا حممد بن عبد الله (�ص) من ال�سيدة‬ ‫خديجة بنت خويلد (�أوىل �أمهات امل�ؤمنني يف تاريخ الإ�سالم)‪ ،‬وقد‬ ‫�أومل �سيدنا حممد (�ص) بهذه املنا�سبة ال�سعيدة لأول مرة يف حياته‬ ‫فذبح جزور ًا وقيل جزورين و�أطعم النا�س‪ ..‬وال غرابة يف ذلك ف�إن‬ ‫هذا الأ�سلوب وهذا ال�سياق ما زال متبع ًا عند العرب وامل�سلمني حلد‬ ‫يومنا هذا‪ ،‬للتعبري عن الفرح وال�سرور بهذه املنا�سبة االجتماعية‬ ‫املوروثة‪.‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.