الأحد املوافق 16من حزيران 2019العدد 4353ـ ال�سنة ال�ساد�سة ع�شرة Sunday.16 June.2019 No.4353 Year 16
| ذاكرة عراقية | 7
لقطات من �سرية نوري ال�سعيد يف كرادة مرمي عبــدالكريـــم ح�ســـان م�ؤرخ حملة كرادة مرمي وهو من عائلة غري معروفة بغداديا .و�أكرث ما عرف عن والده �سعيد (افندي) انه كان يف �سلك ال�شرطة (اجلندرمة العثمانية) در���س يف مدار�س بغداد ثم �سافر اىل ا�ستنبول ليتخرج منها �ضابطا .ويف احل��رب العاملية الأوىل ف��ر متخفيا والتج�أ اىل �شريف مكة والتحق بحكومة امللك في�صل يف ال�شام وجاء اىل ال�ع��راق بعد ان�ه��اء احلكومة الفي�صلية يف ال�شام اث��ر احتالل فرن�سا ل�ه��ا؟! وعند و�صوله اىل ب�غ��داد �سكن حملة (الطوب) يف باب املعظم وبعدها �سكن دارا يف منطقة الوزيرية .وبعد
ت�صريح امل�ؤ�س�سات وامل�صالح الر�سمية احلكومية (العراقية) يف �أواخر االربعينيات ،فقد �سكن البا�شا ال�سعيد دارا حكومية تعود اىل امل��دي��ري��ة العامة لل�سكك احل��دي��دي��ة وك��ان ه��ذا الدار م�شغوال من قبل امل�سرت �سميث (املدير العام الإنكليزي لل�سكك) وازيلت لت�صبح �ضمن حدائق فندق املن�صور ميليا حاليا يف جانب الكرخ وكانت تقع عند بداية ج�سر الر�شيد حاليا يف كرادة م��رمي .ويف الفرتة بعد ث��ورة 14متوز � 1958سكن هذا الدار املال م�صطفى ال�برزاين ،عند عودته من االحتاد ال�سوفيتي اىل العراق خالل �سنوات نفيه .انتقل ال�سعيد قبل ثورة 14متوز ( 1958و�سقوط النظام امللكي) ب�سنوات و�سكن دارا جديدة وحديثة (كما �شاهدتها) وه��ي ع�ب��ارة ع��ن فيال جميلة (بحكم زمانها) حتيط بها حديقة غناء يعتنى بها فهي من االمام مفروزة ب�أ�شجار احلوام�ض وبا�سقات النخيل ،واخللفية �ساحة خ�ضراء
(مفرو�شة بالثيل) تنتهي مب�سطاة ت�صل اىل ج��رف نهر دجلة اخلالد! .وار�ض الدار هذه كما علمت انها كورني�ش (موح) لنهر دجلة تابعة للب�ستان وقد ا�شرتاها من �صاحب الب�ستان ال�سيد حممد ح�سن (�أب��و مفيد) بن ال�شيخ �شكر (القا�ضي اجلعفري) وابرز امل�ؤ�س�سني للمدر�سة اجلعفرية يف بغداد .واكرث ما بلغت النظر ..ف�صيل احلرا�سة ،وهم من �شرطة قوة ال�سيارة ،الذي ي�ستلم واجب لي ًال فقط! ويف ال�صباح الباكر يعود اىل مع�سكره والذي هو قريب من دار نوري ال�سعيد (البا�شا) (مع�سكر القوة ال�سيارة يف كرادة مرمي) وكان املع�سكر (ثكنات ع�سكرية تعود بناياتها اىل القوات الربيطانية يف العراق) اثناء احلرب العاملية الثانية والتي عاودتها نهاية عام ( )1945ومن �ضمنها املنطقة اخل�ضراء حاليا) .وقامت �شركة (ك��ان) اللبنانية ببناء الدار.. (وعلى ما اظن انها تربعت بالبناء والكلفة) واملعروف ان هذه ال�شركة قد ح�صلت �أي�ضا على عدة مقاوالت وم�شاريع ان�شائية يف العراق .انتقل البا�شا ال�سعيد مع عائلته وزوجته ال�سيدة نعيمة الع�سكري /ام �صباح /وهي اخت الفريق جعفر الع�سكري ب��اين اجلي�ش ال�ع��راق��ي /و�سكن ابنه �صباح وعائلته منطقة ال�سكك (ق��رب م�ست�شفى اب��ن البيطار حاليا) باعتباره املدير العام للخطوط اجلوية العراقية التابعة لل�سكك احلديدية؟. وهكذا ا�ستمرت و�ضعية احلرا�سة الليلية لدار ال�سعيد من قبل ف�صيل احلرا�سة ل�شرطة القوة ال�سيارة واملتبع لهذه احلالة ،انه عامل الوقت قد خدم الثوار املهاجمني للدار بان�سحاب (ف�صيل احلرا�سة بوقت مبكر قبل و�صولهم ،ومل يجد املهاجمون ما مينعهم او يدافع عن الدار ،فكانت باحلقيقة خالية من �أي عن�صر م�سلح ل�صد الثوار؟ .وللتخويف واع�لان القدوم والثورة فقد رمى املهاجمون عدة �صليات من ر�شا�شاتهم نحو اجلدار االمامي للق�صر ودخلت ق��وات الهجوم وك�سرت الأب��واب ،ومل جتد �أي مقاومة؟ .وملا �سمع البا�شا ازيز الر�صا�ص و�شاهد ال�ضو�ضاء حزم االمر ونزل م�سرعا نحو احلديقة اخللفية و�شاهد زورقا ل�صيد ال�سمك فا�شار اىل �صاحبه وهكذا اركب البا�شا الزورق واختفى بني �أ�صحابه ..ومنها انتقل اىل دار �صالح الب�صام ومنها نقلوه اىل دار حممود اال�سرتبادي يف الكاظمية .وعن جماورة ال�سعيد اله��ايل ك��رادة مرمي ويذكر خمتار املحلة املرحوم عبد
الر�سول حممد �صالح ،عرف ال�سعيد حبه للأطفال ومالطفتهم وبخا�صة يف منا�سبات الأع �ي��اد واالف ��راح حيث ي��أم��ر ب�شراء بع�ض الهدايا واحللوى واملالب�س ويوزعها على �أطفال املحلة القريبني من م�سكنه وبنف�سه .وهذا مما جعلهم يتعودون على م�شاهدته مارا بهم وهم يلوحون ب�أيديهم وتارة بالت�صفيق كلما مر بطريقه اىل م�سكنه ويذكر املرحوم الدكتور �ضياء جعفر ،انه كان حمبا للنكتة حافظ ًا للود والأ�صدقاء و�سريع الفهم والبديهية.
أول دراسة عراقية لباحث عراقي عن :
التكوين العائلي للر�سول حممــــــــد يف مكة
الحلقة األوىل
(�صلى اهلل عليه و�سلم)
جميل �إبراهيم حبيب الزبيدي /باحث عراقي
�إنها �أوىل زوجات الر�سول (�ص) وت�سمى بخديجة الكربى ،تقدير ًا ملنزلتها ،وهي :ال�سيدة خديجة بنت خويلد بن �أ�سد بن عبد العزى بن ق�صي ،قر�شية من بني �أ�سد ،وكانت امر�أة حازمة جلدة �شريفة حكيمة غنية وجميلة وذات �شهرة باملال وال�س�ؤدد واملناقب العالية ،وهي من �أوا�سط بني �أ�سد ن�سب ًا و�أعظمهم �شرف ًا ،وكانت تدعى قبل زواجها بر�سول الله (�ص) بالطاهرة وب�سيدة قري�ش وذلك ل�شخ�صيتها القوية وخلقها القومي .وك��ان لها مكانة مرموقة بني ن�ساء قري�ش لغناها و�شرفها مما جعلها تك�سب ا�ستقاللية يف �إدارة �ش�ؤونها املالية ،فكان
العربي اللواتي زوجن �أنف�سهن ب�أنف�سهن ومنهن �سلمى بنت عمرة النجارية التي زوجت نف�سها جلد ر�سول الله (�ص) ها�شم بن عبد مناف ..ويف هذا الوقت �أي�ض ًا كانت �سمعة �سيدنا حممد بن عبد الله (�ص) تطغى على �أحاديث جمتمعات قري�ش يف �أنديتها وبيوتها ،فهو ذلك ال�شاب ال��ذي تو�سط العقد الثالث من عمره وقد حتلى بجميع مقومات اخللق الرفيع وال�شهامة وال�صدق والأم��ان��ة ..وقد عزفت نف�سه عما كان ي�أتيه �أترابه من �شباب قري�ش يف �أنديتهم من م�ساوئ املال الأخالق التي كانت منت�شرة يف املجتمع املكي الذي جعله ر� ُأ�س ِ جمتمع ًا مرتفه ًا انت�شرت فيه بيوت اللهو التي كان يق�ضي فيها �شباب قري�ش معظم �أوقاتهم� .أما بالن�سبة خلديجة بنت خويلد ف�إنها مل تفكر بالزواج بعد �أن �صدت �أكابر رجال قري�ش الذين تقدموا �إليها� ،إال �أنها بعد �أن ر�أت حممد بن عبد الله (�ص) وهو يقف �أمامها قبل �سفره �إىل
لها جتارتها اخلا�صة و�أموالها الكثرية مما جعلها �أن ُتعد من كبار جتار قري�ش ولها كلمتها امل�سموعة ..لقد ا�شتهرت بني العرب ن�ساء بقوة �شخ�صيتهن وا�ستقالليتهن يف اتخاذ قرار زواجهن ممن يخرتنه من الرجال ح�سب عادات العرب التي كانت �سائدة قبل الإ�سالم وب�صورة خا�صة بعد �أن ي�صبحن ثيبات ،وقد �أقر الإ�سالم ذلك يف �إعطاء احلق للمر�أة الثيب �أن تزوج نف�سها بنف�سها وهذا يعود بالأ�صل �إىل نظام الأ�سرة الذي �أخذ ي�سود املجتمع املكي �إىل النحو الذي �أقره الإ�سالم عند ظهوره .ولقد ن�سي ذلك معظم امل�ؤرخني الإ�سالميني عندما بحثوا ق�ضية زواج خديجة من حممد بن عبد الله (���ص) ،فقد جعلوا ذلك مرة لأبيها ومرة لعمها وقد ن�سوا �أن من حق خديجة عندما رغبت بالزواج من �سيدنا حممد (�ص) �أن تزوج نف�سها ح�سب العادات التي كانت متبعة يف ذلك الوقت ،وكان غريها من الن�ساء كثري يف التاريخ
بالد ال�شام ،حتركت يف نف�سها م�شاعرها يف حب هذا ال�شاب املثايل يف العفة والأ�صالة والذي طاملا �سمعت عنه الكثري يف �أندية قري�ش وبيوتاتها ،وبعد �أن ذهب برحلته �أخذت تقارن بينه وبني من تقدموا �إليها ورف�ضتهم فلم جتد يف قرارة نف�سها من يوازيه يف املكانة ومل جتد ما مينعها من االق�تران بهذا ال�شاب الكامل الأخ�لاق واملزايا وال�شمائل .وهو عالوة على �صفاته احلميدة من �أقرب النا�س �إليها اذ تلتقي به باجلد الرابع من ناحية الن�سب� ،أما خلقه فلن تعيب به �شيئ ًا �إذا قارنته حتى ب�شيوخ مكة و�شبابها ،وهكذا ان�شغلت ال�سيدة خديجة يف التفكري مبحمد (���ص) طيلة مدة الرحلة التي ذهب بها وكانت تتمنى رجوعه �سامل ًا من غري �أن تفكر ب�أموالها وجتارتها.. وفع ًال كم كانت فرحتها بعد انق�ضاء رحلته امليمونة �إىل بالد ال�شام وما جرى له من بيع و�شراء و�أرباح ...الخ� .إن خديجة ،كانت امر�أة
حياة �سيدنا حممد (�ص) الزوجية
بحث متوا�ضع ي�ضم بني جوانبه ملحات م�ضيئة عن �سرية �أو ًال -زواج ر�سول اهلل (�ص) بخديجة: ٌ ه��ذا
الر�سول (�ص) وعالقته مع �أفراد عائلته الكرمية مبكة ،والباحث مهما يتو�سع يف الكتابة عن �سرية الر�سول (�ص) وبالأخ�ص حياته العائلية فيحري القلم به؛ لأن حياته كالبحر اخل�ضم ال��ذي يقذف الدرر واللآلئ ،ويف هذا البحث �إن �شاء الله �سنقوم بالك�شف عن حياة الر�سول (�ص) الزوجية وعالقته مع �أف��راد �أ�سرته الكرمية مبكة املكرمة ..تبد�أ مرحلة حياة الر�سول (�ص) املهمة قبل الإ�سالم بزواجه من ال�سيدة خديجة بنت خويلد ومتتد حتى نزول الوحي، وهي تغطي خم�س ع�شرة �سنة من عمره ال�شريف ،وتنح�صر بني اخلام�سة والع�شرين والأربعني من عمره ،وكان ر�سول الله (�ص) يعي�ش قبل هذه الفرتة يف دار عمه �أبي طالب ،ثم انتقل بعد زواجه �إىل دار زوجه خديجة (ر�ضي الله عنها) ،وكانت تقع بجوار احلرم ال�شريف �ضمن دور قري�ش البطاح التي اختطها جدهما ق�صي بن كالب بن مرة وكانت حتف باحلرم ال�شريف ..لقد بقيت هذه الدار مدة طويلة بعد وفاة الر�سول ،وكانت تقع يف زقاق العطارين يف مكة ،وكانت حتتوي على �أربع حجرات ثالث منها داخلية ال�ستخدام الأ�سرة ،وكانت الرابعة منعزلة ،وقد اتخذت م�ضيف ًا لر�سول الله (���ص) ي�ستقبل بها النا�س ،وق��د كتب لهذه ال��دار �أن تنعم بزواج ر�سول الله (�ص) ووالدة جميع �أبنائه وبناته -ما عدا �إبراهيم- الذي ُولد يف املدينة املنورة بعد الهجرة ،كما �أنها �شهدت حممد ًا الزوج والتاجر الذي كان ميار�س عمله التجاري فيخرج منها كل يوم �صباح ًا ويعود �إليها م�سا ًء ين�شد الراحة والطم�أنينة بني �أوالده وزوجه التي كانت لعقليتها الكبرية تعرف كيف ت�ؤمن له احلياة الهادئة ال�سعيدة ..كما �أن هذه الدار �شهدت حممد ًا (�ص) وهو يعود من غار حراء وقد نزلت عليه الر�سالة الإ�سالمية وهو منده�ش من ه��ول ما ر�أى ين�شد الأم��ان فيها مع زوجته التي عرفت بعقليتها الكبرية كيف تطمئنه و ُتعيد له حياته امل�ستقرة وتثبته على ما نزل عليه من احلق ولتكون �أول امل�ؤمنني بر�سالته وت�أخذ بيده لي�سري يف الطريق التي اختارها له رب العاملني ،وقد �شهدت هذه الدار �أف��راح حممد (�ص) وحياته الهانئة بعد زواج��ه ،و�شهدت �أتراحه التي كانت متمثلة مبا كان يالقيه من �أذى من قومه ومقاطعتها له ولأتباعه ولبني ها�شم معه مدة ثالث �سنوات ،و�شهدت وف��اة �أم امل�ؤمنني ال�سيدة خديجة ر�ضي الله عنها التي وقفت �إىل جانبه ت�شد �أزره وو�ضعت كل مالها حتت ت�صرفه خلدمة الدعوة الإ�سالمية. كانت عالقة الر�سول (�ص) بزوجته الوفية وب�أوالده وخا�صة بناته لأن البنني ماتوا �صغار ًا ،وكذلك عالقته ب�أفراد �آخرين حم�سوبني على �أ�سرته الكرمية كالإمام علي (ع) و�أ�سامة بن زيد ،مبنية على املحبة والتقدير والتكرمي ،فكان يكن لهم كل الرب واحلنان وح�سن املعاملة وال��رق��ة ويربيهم على امل�ب��ادئ العليا وامل�ث��ل القيمة يف احلياة ..فكان يعا�شر زوجته ب�صورة مثالية يعجز و�صفها ملا كان فيها من االحرتام وتبادل املحبة والإخال�ص ،كما كان يعامل بقية �أفراد العائلة باللطف وتفهم حاجاتهم ومداراة عواطفهم وال�سهر على م�صاحلهم ..فكانت العائلة املحمدية عائلة �سعيدة ت�سودها البهجة والرحمة وال�شمائل الطيبة ،وعلى جميع امل�سلمني �أن يجعلوا من معاملة الر�سول (�ص) لعائلته الكرمية قدوة ح�سنة لهم يف كل زمان ومكان.
عاقلة �شريفة يف قومها عزيزة اجلانب وقد �أيقنت �أنها لن جتد �أكف�أ من ابن عبد املطلب �شيخ مكة وزعيم قري�ش لتقرتن به ويكون زوج ًا لها .وهكذا قررت خديجة بالزواج من �سيدنا حممد بن عبد الله (�ص)، فد�ست �صديقتها امل�سماة (نفي�سة) �إىل �سيدنا حممد (�ص) لتلوح به بالأمر ولتعلم ر�أيه فيه ..فاجتمعت نفي�سة مبحمد (�ص) فقالت له: يا حممد ،ما مينعك من الزواج؟ قال :ما بيدي ما �أتزوج به ،فقالت: ف�إن كفيت ذلك ودعيت باملال واجلمال وال�شرف والكفاية� -أال جتيب؟ علي ،قال: قال :فمن هي؟ قالت :خديجة ،قال :وكيف يل ذلك؟ قالتّ : �أنا �أف�ضل .ذهب حممد (�ص) �إىل �أعمامه و�أهله وذكر لهم ما جرى له من االتفاق بينه وبني ال�سيدة خديجة التي هي بدورها فاحتت �أهلها وع�شريتها بذلك ،فبارك الطرفان هذا الزواج املبارك ملكانة املتزوجني ورجاحة عقلهما ،وقد حتدد يوم اجتماع العائلتني الكبريتني يف بيت خديجة على عادة العرب ،فقد ح�ضر وجهاء بني ها�شم وعلى ر�أ�سهم عم �سيدنا حممد (�ص) �أبو طالب وعمه احلمزة ووجهاء بني �أ�سد وعلى ر�أ�سهم عمرو بن �أ�سد وابن عمها ورقة بن نوفل ،وقد ح�ضر هذا االجتماع �شيوخ ووجهاء م�ضر ومنهم �أبو بكر ب�صفته ال�صديق احلميم ملحمد بن عبد الله (�ص) ..وح�سب العادة املتبعة بعد �إكمال ح�ضور املدعوين يقوم �شيخ كل طرف من الأط��راف املعنية ب�إلقاء كلمة ي�شرح فيها الغر�ض من اجتماعهم ويظهر من خاللها ال�صفات احلميدة للمتقدم للخطبة ويرتك الأمر بعد ذلك لأهل املر�أة فيتبعه يف الكالم �أقرب احلا�ضرين �إىل العرو�س ويعلن يف كلمته موافقتهم على هذا االرتباط بني العائلتني وي�شهد جماعة احل�ضور على ذلك ،وبهذه ال�صورة تتم مرا�سم عقد الزواج بني الطرفني ،وعلى هذا الأ�سا�س قام �أبو طالب خطيب ًا فقال كلمته التاريخية يف هذه املنا�سبة البهيجة: احلمد لله الذي جعلنا من ذرية �إبراهيم ،وزرع �إ�سماعيل ،و�ضئ�ضئ معد (�أي معدنه) وعن�صر م�ضر (�أي �أ�صله) وجعلنا ح�ضنة البيت� -أي املتكلفني ب�ش�أنه -و�سوا�س حرمه� -أي القائمني بخدمته -وجعل لنا بيت ًا حمجوب ًا وحرم ًا �آمن ًا وجعلنا حكام النا�س ،ثم �أن ابن �أخي هذا حممد بن عبد الله ال يوزن برجل �إال رجح عليه �شرف ًا ونب ًال وف�ض ًال وعق ًال ،و�إن كان يف املال قلة ف�إن املال ظل زائل و�أمر حائل وعارية م�سرتجعة وهو والله بعد هذا له نب�أ عظيم وخطر جليل ،وقد خطب �إليكم رغبة يف كرميتكم خديجة ..ثم قام ابن عمها ورقة بن نوفل خطيب ًا جميب ًا �أبا طالب فقال :احلمد لله الذي جعلنا كما ذكرت وف�ضلنا على ما عددت ف�أنتم �سادة العرب وقادتها و�أنتم �أهل لذلك كله ال ينكر علي العرب ف�ضلكم وال يرد �أحد من النا�س فخركم و�شرفكم فا�شهدوا ّ معا�شر قري�ش �أين قد زوجت خديجة بنت خويلد من حممد بن عبد الله ،وقد بذل حممد بن عبد الله لها من ال�صداق ما عاجله و�أجله اثنتي ع�شرة �أوقية من الذهب وقيل �أنه �أ�صدقها ع�شرين بكرة .وذكر املهر ،فقال �أب��و طالب :لقد �أح�سبت �أن ي�شركك عمها ،فقال عمها: ا�شهدوا علي معا�شر قري�ش �أين قد زوج��ت بنت خويلد من حممد بن عبد الله ،وقد بذل حممد بن عبد الله لها من ال�صداق ما عاجله و�آجله اثنتي ع�شرة �أوقية من ذهب وقيل �أنه �أ�صدقها ع�شرين بكرة. وعلى هذه ال�صورة تزوج �سيدنا حممد بن عبد الله (�ص) من ال�سيدة خديجة بنت خويلد (�أوىل �أمهات امل�ؤمنني يف تاريخ الإ�سالم) ،وقد �أومل �سيدنا حممد (�ص) بهذه املنا�سبة ال�سعيدة لأول مرة يف حياته فذبح جزور ًا وقيل جزورين و�أطعم النا�س ..وال غرابة يف ذلك ف�إن هذا الأ�سلوب وهذا ال�سياق ما زال متبع ًا عند العرب وامل�سلمني حلد يومنا هذا ،للتعبري عن الفرح وال�سرور بهذه املنا�سبة االجتماعية املوروثة.