3559 AlmashriqNews

Page 6

‫اخلمي�س املوافق ‪ 18‬من �آب ‪ 2016‬العدد ‪ 3559‬ـ ال�سنة الثالثة ع�شرة‬ ‫‪Thursday ,18 August . 2016 No. 3559 Year 13‬‬

‫رفعة كامل الجادرجي في (صورة أب)‬

‫| ذاكرة عراقية | ‪7‬‬ ‫مدارات حرة‬

‫وقـائع �أربعة عـقـود من احلـياة يف دارة �أبيـه‬

‫شامل عبد القادر‬ ‫كاتب عراقي‬

‫شكيب كاظم‬

‫ت��ع��رف ُ��ت ع��ل��ى ����ص���دور ه����ذا ال��ك��ت��اب يوم‬ ‫ا����ش�ت�رت جم��ل��ة (ال��ت�����ض��ام��ن) ال����ذي توىل‬ ‫رئا�سة حتريرها ال�صحفي (ف�ؤاد مطر) حق‬ ‫ن�شر ثالثة ف�صول من ه��ذا الكتاب‪ ،‬وهي‬ ‫الف�صول التي تعر�ضت حلوادث مهمة مرت‬ ‫بالعراق‪ ،‬الأول �أ ّرخ لل�سنني من ‪ 1952‬حتى‬ ‫‪ ،1956‬والثاين من �سنة ‪ 1956‬من حوادث‬ ‫ت�أميم قناة ال�سوي�س وال��ع��دوان الثالثي‪،‬‬ ‫الربيطاين الفرن�سي ال�صهيوين �ضد م�صر‬ ‫خ��ري��ف ذل��ك ال��ع��ام‪ ،‬وح��ت��ى مت��وز ‪،1958‬‬ ‫لتنتهي احللقات املن�شورة من هذا الكتاب‬ ‫املهم للحديث عن املدة من �إ�سقاط حكم عبد‬ ‫الكرمي قا�سم يف الثامن من �شباط ‪،1963‬‬ ‫حتى ال��ع��ودة الثانية للبعثيني يف متوز‬ ‫‪ ،1968‬وما زلت �أحتفظ بهذه احللقة الثالثة‬ ‫والأخ�يرة‪ ،‬التي ن�شرتها جملة (الت�ضامن)‬ ‫يف ‪ /14‬من �أيلول ‪ 1985‬وبالعدد املرقم‬ ‫‪� .127‬أهمية هذا الكتاب الذي و�سمه م�ؤلفه‬ ‫املهند�س املعماري‪ ،‬رفعة كامل اجلادرجي‬ ‫ب��ـ(���ص��ورة �أب‪ .‬احل��ي��اة ال��ي��وم��ي��ة يف دار‬ ‫ال�سيا�سي كامل اجل��ادرج��ي) وتولت ن�شر‬ ‫طبعته الأوىل (م�ؤ�س�سة الأبحاث العربية)‬ ‫و�أراه ق��د َن�� ِف�� َد م��ن �أ���س��واق الكتب راجيا‬ ‫الأ�ستاذ رفعة � ْأن يعيد طباعته‪� ،‬أقول �أهميّة‬ ‫الكتاب مت�أتية من � َّأن كاتبه هو االبن البكر‬ ‫لل�شخ�صية ال�سيا�سية العراقية النزيهة‬ ‫واملخل�صة وال�صادقة مع ال��ذات والنف�س‪،‬‬ ‫الأ�ستاذ كامل اجل��ادرج��ي (‪/1897/4/4‬‬ ‫اخلمي�س الأول‪ /‬من �شباط ‪ )1968‬م�ؤ�س�س‬ ‫ورئ��ي�����س احل���زب ال��وط��ن��ي الدميقراطي‪،‬‬ ‫الذي يعد من العالمات ال�شاخ�صة واملهمة‬ ‫باحلياة ال�سيا�سية العراقية‪ ،‬منذ عقود‬ ‫خ��ل��ت وال �سيّما ب��ع��د ال�����س��م��اح بت�أ�سي�س‬ ‫الأحزاب و�إطالق حرية ال�صحافة والتظاهر‬ ‫بالعراق �سنة ‪� ،1946‬إث��ر انتهاء احلرب‬ ‫العاملية الثانية (‪ )1945 – 1939‬بانت�صار‬ ‫احللفاء ودول الدميقراطية‪ ،‬وزوال ما كانت‬ ‫ت�ستدعيه ظروف احلرب من بع�ض الت�شدد‬ ‫وال��ت��وج�����س‪ ،‬ف����أج���ازت وزارة الداخلية‪،‬‬ ‫ت�أ�سي�س احل���زب ال��وط��ن��ي الدميقراطي‪،‬‬ ‫ف� ً‬ ‫ضال على حزب اال�ستقالل برئا�سة ال�سيد‬ ‫حممد مهدي كبة‪ ،‬ال��ذي ك��ان ميثل التيار‬ ‫القومي العروبي يف العراق‪.‬‬ ‫�أه��م��ي��ة ه����ذا ال��ك��ت��اب ل��ي�����س��ت ج��ائ��ي��ة من‬ ‫� َّأن م���ؤل��ف��ه ه���و االب����ن ال��ب��ك��ر ل��ك��ام��ل بيك‬ ‫اجل��ادرج��ي‪ ،‬بل ل َّأن كام ًال ك��ان ي�ضع ثقته‬ ‫يف جنله الأك�ب�ر‪ ،‬ف��ك��ان يعمل على تنمية‬ ‫�شخ�صيته منذ �صباه الأول‪ ،‬ويَ�ش َر َك ُه يف‬ ‫كثري من �أم��ور البيت واحل��ي��اة‪ ،‬وازدادت‬ ‫ه��ذه الثقة‪ ،‬وه���ذا الت�أ�سي�س واحل��ف��ر يف‬ ‫ال��ذات مع الأيّ��ام‪ ،‬حتى �إذا تزوج رفعة من‬ ‫بلقي�س كرمية الباحث حممد �شرارة كانا؛‬ ‫رفعة وبلقي�س م�ستودع �أ�سرار كامل بيك‪،‬‬ ‫وم��و���ض��ع م�����ش��ورت��ه‪ ،‬و�آرائ�����ه‪ .‬الكثري من‬ ‫كتب املذكرات ت�أتي جماملة ومرت�شة‪ ،‬وال‬ ‫�سيّما يف عاملنا العربي وال�شرقي‪ ،‬بخالف‬ ‫الغربيني‪ ،‬ول ّأن رفعة عا�ش طويال يف لندن‬ ‫لغر�ض درا���س��ة الهند�سة املعمارية ف� ً‬ ‫ضال‬ ‫على �أ ّن��ه يحيا فيها منذ � ْأن �أطلق �سراحه‬ ‫�سنة ‪� ،1981‬إثر و�شاية مغر�ضة من بع�ض‬ ‫�أ�صحاب النفو�س املري�ضة وهو ما ف�صله‬ ‫يف كتابه املهم (ج��دار بني ظلمتني) الذي‬ ‫كتبت ع��ن��ه ح��دي��ث��ا ن��ق��دي��ا ن�شرته جريدة‬ ‫(امل���دى) يف ملحقها (�أوراق) ي��وم الأحد‬ ‫‪ 2012 /11/11‬وهو �أحد ف�صول كتاب يل‬ ‫عنوانه (يف م�شغل النقد – الإبداع ناظرا ‪..‬‬ ‫الإبداع منظورا �إليه) ن�شرته دار ف�ضاءات‬ ‫يف الأردن ‪ .2014 - 1435‬فلقد ك��ان يف‬ ‫كتابه هذا الذي ي���ؤرخ حلياة �أبيه وحلياة‬ ‫الأ�سرة على مدى عقود منذ (‪ )1929‬يوم‬ ‫ك��ان��وا ي�سكنون حم��ل��ة احل��ي��درخ��ان��ة يف‬ ‫ر�صافة بغداد‪ ،‬حيث ولد كامل‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال على‬ ‫جده رفعة‪ ،‬وحتى يوم اخلمي�س الأول من‬ ‫�شهر �شباط ‪ ،1968‬حيث تويف كامل بيك‬ ‫�إث��ر نوبة قلبية ح���ادة‪� ،‬ضربته وك��ان يف‬ ‫ا�ستقبال عدد من �ضيوفه وكانت النوبات‬ ‫القلبية قد ب��د�أت تطرق حياته منذ �صيف‬ ‫‪ ،1959‬والفو�ضى التي �ضربت العراق‪،‬‬ ‫والت�ضييق على ن�شاطات احلزب الوطني‬ ‫الدميقراطي‪ ،‬وما زال يف الذاكرة االعتداء‬ ‫الهمجي على م�سرية فالحية ك��ان ينظمها‬ ‫احلزب‪ ،‬متجهة �إىل وزارة الدفاع حيث مقر‬ ‫رئي�س الوزراء عبد الكرمي قا�سم �ضحى يوم‬ ‫الأول من حزيران ‪ 1959‬فانهالت جموع‬ ‫الغوغاء على ه�ؤالء امل�ساكني بتحري�ض من‬ ‫حزب كان يرى احلق معه فقط‪ ،‬وال �صوت‬ ‫يجب � ْأن يعلو على �صوته‪ ،‬فانهالوا عليهم‬ ‫�ضربا بالع�صي ب�شكل ب�شع‪ ،‬فكانت هذه‬ ‫احلادثة وح��وادث �أخ��ر �سبب ًا يف مراجعة‬

‫ر�ؤو�س �أقــالم‬

‫كامل اجلادرجي ‪ ..‬ربطة عنق وبدلة �أنيقة �أمام الكامريا‪ ..‬يف �سجن خم�س جنوم يف العهد امللكي‬

‫رفعة كامل اجلادرجي‬

‫قا�سم حل�ساباته معهم‪ ،‬وهو ما �أظهره يف‬ ‫خطابه يف افتتاح كني�سة م��ار يو�سف يف‬ ‫متوز ‪ .1959‬فا�ضطر كامل بيك و�إثر هذه‬ ‫النوبة القلبية لل�سفر �إىل مو�سكو لغر�ض‬ ‫ال��ع�لاج‪ ،‬فكان يتحدث الحق ًا عن ا�ستيائه‬ ‫من املعاجلة الطبية املت�أخرة وعن ظروف‬ ‫الإقامة الرديئة يف امل�صح وعن العالقات‬ ‫ال��ف��ردي��ة غ�ير املهذبة يف مو�سكو‪ ،‬بحيث‬ ‫� َّإن ك��ل ���ش��يء ه��ن��اك ب��دا ل��ه م��ت���أخ��را‪ ،‬وهو‬ ‫ما �أفا�ض يف احلديث عنه ال�شاعر ح�سب‬ ‫ال�شيخ جعفر يف كتابيه (رماد الدرو ِي�ش)‬ ‫و(ال���ري���ح مت��ح��و وال���رم���ال ت��ت��ذك��ر) ومن‬ ‫طرائف ما رواه كامل بيك – كما يذكر ذلك‬ ‫الأ�ستاذ رفعة – ب� َّأن كام ًال التقى ب�شخ�صية‬ ‫�سوفيتية علمية م��ن مر�ضى امل�صح‪ .‬كان‬ ‫�شخ�صية حمرتمة‪ ،‬فلما �س�أله الوالد‪ :‬هل‬ ‫�أنت �شيوعي؟ �أجابه �أ ّنه ال وقت عنده لهذا‪.‬‬ ‫وكان �أبي يعلق على ذلك بقوله‪ :‬هذا عاقل‪.‬‬ ‫ت��راج��ع �����ص‪ .164‬وك���ان طبيبه اخلا�ص‪،‬‬ ‫طبيب القلب البارع �شوكت الدهان قد تعهد‬ ‫�إليه ب�أنه ي�ضمن له العي�ش لع�شر �سنوات‬ ‫ق��ادم��ات �إذا ما التزم بتوجيهاته الطبية‪،‬‬ ‫وهي املدة‪ ،‬التي عا�شها حقا‪ ،‬وكان الدهان‬ ‫الرائع يعوده طبي ًا‪ ،‬و�أو���ص��اه با�ستعمال‬ ‫احلقنة �إذا ما دهمته النوبة‪ ،‬ولكن يا ل�سوء‬ ‫الأق���دار �إ ْذ دهمته‪ ،‬وك��ان جمتمع ًا ببع�ض‬ ‫�أع�ضاء قيادة احلزب القدامى‪ ،‬فخرج �إىل‬ ‫غرفة املكتبة لي�سعف نف�سه ولكن‪ ،‬مل ت�سعفه‬ ‫يده لزرق احلقنة يف �ساقه‪� ،‬إ ْذ فقد الوعي‪،‬‬ ‫وان�سكب ال���دواء على بنطلونه‪ .‬لقد كان‬ ‫املوت هذه املرة �أ�سرع �إليه‪ ،‬وانق�ض طائره‬ ‫�سريعا ليقطف روح ك��ام��ل اجل��ادرج��ي‪،‬‬ ‫خرج طبيب القلب النطا�سي البارع �شوكت‬ ‫الدهان من عنده‪� ،‬ضاربا جبهته قائ ًال‪ :‬مات‬ ‫كامل م��ات‪ .‬تلم�س و�أن��ت تقر�أ ف�صول هذا‬ ‫الكتاب املهم‪� ،‬صدق كامل مع ذاته ومتاهيه‬

‫مع �آرائ��ه بعك�س �آخرين يدعون �إىل �أفكار‬ ‫ويعتنقونها لكنهم ي��ن���أون ب�أنف�سهم عن‬ ‫تطبيقها‪ ،‬وما خرب ال�شاعر جميل �صدقي‬ ‫الزهاوي ببعيد عن �أذهان الدار�سني‪ ،‬الذي‬ ‫كان يدعو �إىل �سفور املر�أة‪ ،‬لكنه كان يحجر‬ ‫ام��ر�أت��ه يف ال��ب��ي��ت‪ ،‬وك���ان �إذا زاره زائر‬ ‫هتف بها � ْأن تخلي الطريق لزائره وتذهب‬ ‫�إىل غرفتها‪� ،‬أو دعوة جعفر �أبو التمن �إىل‬ ‫احل��ي��اة الع�صرية‪ ،‬حتى �إذا رج���اه جنله‬ ‫عبا�س � ْأن ي�سمح له بتعلم العزف املو�سيقي‬ ‫رف�ض ذلك ب�شدة لكن كام ًال كان متماهي ًا مع‬ ‫�أفكاره ومتطابقا‪ ،‬لقد كان �أ�ش ّد ما يبغ�ض‬ ‫الكذب والتبجح والبخل‪ ،‬لذا حدد عالقته‬ ‫مع ال�سيد حممود �صبحي ال��دف�تري زوج‬ ‫�شقيقته الوحيدة (�صبيحة) ب�سبب م�س�ألة‬ ‫�إرث بعد وف���اة زوج��ت��ه ب��امل��ر���ض اخلبيث‬ ‫بلندن �شتاء �سنة ‪� ،1950‬إ ْذ كان قد طلب من‬ ‫بناته‪ ،‬ومل ي��رزق الدفرتي بولد وال��ذي ما‬ ‫زالت بناته ي�سكن يف دارتهم الأنيقة املطلة‬ ‫على دجلة يف حملتنا ال�شعبية الكرخية‬ ‫ال�����ش��واك��ة؛ �إ ْذ طلب م��ن بناته �أداء ق�سم‬ ‫ك��اذب للح�صول على �إرث‪ ،‬فثار كامل لهذا‬ ‫التوجه وتنازل عن ح�صته من �أخته‪ ،‬تفاديا‬ ‫لتعري�ض البنات‪ ،‬بنات �أخته ل�سوء ت�صرف‬ ‫ب�سبب املال وهو ما دفع الدفرتي ل ْأن يغري‬ ‫مذهبه رغبة يف املال الذي يحبه حبا جما‪،‬‬ ‫وم��ن �آي���ات متاهيه م��ع �أف��ك��اره و�سلوكه‪،‬‬ ‫�أ ّن���ه ك��ان ال يثق مب��ن ي��ك��ذب وي��ق��ام��ر‪ ،‬لذا‬ ‫كان ال يثق بـ(قا�سم ح�سن) على الرغم من‬ ‫مركزه املتقدم يف احلزب‪ ،‬لأ ّنه كان ير�سل‬ ‫�سائق كامل ال�شخ�صي حللبة �سباق اخليل‬ ‫ل��ل��ره��ان‪ ،‬فاملقامر وال��ك��اذب واملتبجح يف‬ ‫حياته اخلا�صة‪� ،‬سيكون مدعاة للتوج�س‬ ‫والريبة‪ ،‬يف حياته العامة فكيف �إذا توىل‬ ‫امل�س�ؤولية!‬ ‫م��ن �آي���ات ه��ذا التطابق ال��رائ��ع ب�ين الفكر‬

‫واحل����ي����اة �أ ّن������ه ع��ل��ى ال���رغ���م م���ن خ�لاف‬ ‫ال�شيوعيني معه‪ ،‬وو�صفه لهم ب�أنه ال ميكن‬ ‫العمل �سيا�سيا معهم‪ ،‬ف�إ ّنه لدى اعتقال جنله‬ ‫الأ�صغر (ن�صري) وكان �شيوعيا �إثر حوادث‬ ‫�شباط ‪ 1963‬وكان قد �أخرجه من التوقيف‬ ‫يف مع�سكر �أبو غريب لغر�ض اال�ستحمام‬ ‫و�إرج��اع��ه للتوقيف اب��ن خالتهم (ح��ارث)‬ ‫جن��ل رئ��ي�����س ال�����وزراء ال��ع��راق��ي الأ�سبق‬ ‫(ن��اج��ي �شوكت) و�شقيق الطبيب البارع‬ ‫(طالل) الذي تويف �سنة ‪ ،2004‬كامل بيك‬ ‫ي�ستدعي جنله رفعة قائال ل��ه‪ :‬لقد كلمت‬ ‫ن�صريا‪ ،‬و�أطلب منك � ْأن تك ّلمه �أنت �أي�ض ًا‪،‬‬ ‫و� ْأن ت�ؤكد ب� ْأن ال يديل باعرتافات �أو ي�شي‬ ‫ب���أح��د‪ ،‬مهما ك��ان��ت ظ��روف��ه‪ ،‬و�إال �سيلوم‬ ‫نف�سه ط��وال حياته ول��ن يتمكن � ْأن ينظر‬ ‫�إىل �أوالده �أو زوج��ت��ه يف امل�ستقبل‪ .‬لقد‬ ‫كان كامل �صادق ًا مع نف�سه �إىل حد الق�سوة‪،‬‬ ‫لذا مل ي�ستطع معاي�شة احلياة ال�سيا�سية‬ ‫القائمة على اال�ستئثار واالنتهاز‪ ،‬ولقد كنت‬ ‫�أعجب كيف قبل هذا الدميقراطي الزاهد يف‬ ‫مكا�سب احلياة والداعي �إىل احلياة املدنية‬ ‫والد�ستور وال��ق��ان��ون‪ ،‬كيف قبل ال��وزارة‬ ‫يف حكومة انقالب بكر �صدقي يف ت�شرين‬ ‫الأول ‪1936‬؟ ال���ذي جلب ال��وي��ل للحياة‬ ‫ال�سيا�سية يف ال���ع���راق‪ ،‬لأن���ه ف��ت��ح �شهية‬ ‫اجلي�ش على ال�سلطة والتحكم بها‪ ،‬وكان‬ ‫�أول انقالب ع�سكري يف الوطن العربي‪،‬‬ ‫فكان هذا االنقالب الطعنة الثانية يف احلياة‬ ‫ال�سيا�سية يف العراق وكانت الطعنة الأوىل‬ ‫وف��اة امللك في�صل الأول املباغتة واملبكرة‬ ‫مت�ض عليه �سوى اثنتي‬ ‫�سنة ‪ ،1933‬وملا ِ‬ ‫ع�شرة �سنة على ب��دئ��ه ترميم احل��ي��اة يف‬ ‫العراق‪ ،‬اخلارج توا من ال�سيطرة العثمانية‬ ‫املتخلفة‪� ،‬أق���ول كيف قبل ب��ال��وزارة؟ لكن‬ ‫�إ ْذ ن�ستقرئ التاريخ جند �أ ّن��ه ا�ستقال من‬ ‫ال���وزارة بعد نحو �ستة �أ�شهر على الرغم‬ ‫مما وفرته له من راتب جيد‪� ،‬إ ْذ كان راتب‬ ‫الوزير �سبعني دينارا ف� ً‬ ‫ضال على ال�سيارة‬ ‫احلكومية اخلا�صة بالوزير‪ .‬مل يقبل كامل‬ ‫اجلادرجي �إال � ْأن يكون متطابقا مع �أفكاره‬ ‫فغادر وظيفته و�إذ ي�س�أله رفعة وكان يحد�س‬ ‫� َّأن �أباه على غري وفاق مع قائد االنقالب و�إذ‬ ‫ي�س�أله عن ذلك يجيبه باقت�ضاب‪ ،‬ومعروف‬ ‫ع��ن ك��ام��ل بيك قلة ال��ك�لام ويتح�سب لكل‬ ‫كلمة يقولها‪ ،‬وك���أن��ه يحد�س � َّأن ما يتفوه‬

‫به لنجله الأك�بر رفعة‪� ،‬سيكون معرو�ضا‬ ‫على النا�س مكتوبا يف القابالت من الأيام‪،‬‬ ‫يتحدث مب�س�ؤولية‪ ،‬يجيبه‪� :‬إ ّنه ال يختلف‬ ‫عن �أيّ ع�سكري �آخر‪ ،‬كما كان �سيا�سيو تلك‬ ‫ال�سنوات معجبني ب�آراء م�صطفى كمال يف‬ ‫تركية‪ ،‬ومنهم �شاه �إي��ران ر�ضا �أبو ال�شاه‬ ‫الأخ�ير (حممد) ال��ذي �أطيح به يف �شباط‬ ‫‪ 1979‬ف� ً‬ ‫ضال على رئي�س حكومة االنقالب‬ ‫(حكمت �سليمان) ال��ذي ك��ان يرغب بجعل‬ ‫القبعة ال��غ��رب��ي��ة غ��ط��اء ل���ر�ؤو����س الرجال‬ ‫املدنيني والع�سكريني خمالفا بذلك توجيهات‬ ‫امل��ل��ك ف��ي�����ص��ل الأول ب��ج��ع��ل (ال�������س���دارة)‬ ‫غطاء لر�ؤو�س املدنيني و�أطلق عليها ا�سم‬ ‫(الفي�صلية) ن�سبة �إىل امللك في�صل‪ ،‬كما كان‬ ‫م�صطفى كمال يحتذي (جزمة) وهو ما دفع‬ ‫بالأ�ستاذ كامل اجل��ادرج��ي‪ ،‬لأن يتهكم من‬ ‫ت�صرفات حكمت �سليمان املت�أثرة مب�صطفى‬ ‫كمال‪ .‬ق��ال رفعة‪ :‬كنت �أ�سمع من الوالد‪،‬‬ ‫على �سبيل الذم بحكمت �سليمان �أ ّنه يت�شبه‬ ‫بكمال �أت��ات��ورك‪ ،‬وي��ق��ول عنه با�ستهزاء‪:‬‬ ‫لعله �سيلب�س اجلزمة قريبا‪ ،‬و�أذك���ر قوله‬ ‫بالن�ص‪ :‬فد يوم راح يلب�س جزمة! تراجع‬ ‫�ص‪ .71‬رجل هذا �ش�أنه‪ ،‬يعتز بذاته‪ ،‬هادفا‬ ‫�إىل خدمة بلده عن طريق ال�صدق والأخالق‬ ‫خرج من الدنيا خايل الوفا�ض‪� ،‬إال من حبِّ‬ ‫النا�س واحرتامهم له‪ ،‬مل ي�ستطع العمل مع‬ ‫احلكم امللكي‪ ،‬كما مل ي�ستطع التوافق مع‬ ‫الع�ساكر اجلمهوريني‪ ،‬وم��ا خرب لقاءاته‬ ‫مع قا�سم التي حتدث عنها جنله (ن�صري)‬ ‫يف لقاء مطول �أجراه معه ال�صحفي توفيق‬ ‫التميمي لإح��دى الف�ضائيات ور�سائله �إىل‬ ‫الرئي�س الأ���س��ب��ق عبد ال��رح��م��ن ع���ارف –‬ ‫رحمه الله ‪ -‬بخافية على �أذهان النا�س‪ ،‬وال‬ ‫�سيما الدار�سون منهم‪.‬‬ ‫كامل اجل��ادرج��ي‪��� ،‬ص��ورة نقية م��ن �صور‬ ‫الباحثني عن املجتمع الفا�ضل‪ ،‬والقريبني‬ ‫م��ن اليوتوبيا‪ ،‬ال��ت��ي ت��دع��و �إىل � ْأن يعلو‬ ‫الإن�����س��ان ب��ذات��ه‪ ،‬وي�سمو بتوجهاته لكن‬ ‫الإن�������س���ان جم��ب��ول ع��ل��ى ���ص��غ��ائ��ر احلياة‬ ‫و�سف�سافها وك��ان على النقي�ض م��ن هذه‬ ‫ال��ت��وج��ه��ات ال�سامية ال��ت��ي ك��ان ي��دع��و لها‬ ‫كامل بيك فخرج من الدنيا كما دخلها �أول‬ ‫مرة‪ ،‬نظيفا نزيها‪ ،‬عفيفا‪ ،‬وح�سبه �أ ّنه و�ضع‬ ‫�أ�س�س ًا حل��ي��اة يف ال��ع��راق ول��ك��ن‪ ..‬جتري‬ ‫الرياح ‪� -‬أحيان ًا – مبا ال ت�شتهي ال�سفن‪.‬‬

‫ال�صراع بني ترامب وكلينتون هو �صراع امل�صالح‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ُ‬ ‫الأمريكية يف ال�شرق الأو�سط‪ ،‬ولكن كل �شيء يتوقف‬ ‫ب��ـ���إ���ش��ارة ال��ع��ب��ور اخل�����ض��راء م��ن "ايباك" للمر�شح‬ ‫املطلوب!‬ ‫(‪ )2‬حمنة النازحني يف املناطق "العربية ال�سنية"‬ ‫تتو�سع وتتفاقم‪ ،‬كلما تقدمت القوات امل�سلحة يف حربها‬ ‫�ضد داع�ش واق�ترب��ت من ح��دود املو�صل‪ ..‬واجلميع‬ ‫بانتظار احل�سم الع�سكري ال�سريع بطرد داع�ش من‬ ‫املو�صل‪ ..‬وثمة معارك "ما بعد حترير املو�صل" يف‬ ‫الأفق!‬ ‫(‪ )3‬بالفعل ك��م��ا ك��ت��ب "اندرو فولر" يف ك��ت��اب��ه "‪7‬‬ ‫�شخ�صيات ت�سمم حياتنا" التقي يف م���رات كثرية‬ ‫ب�شخ�صيات ت�سمم حياتي �شخ�صيا وال مفر من الهروب‬ ‫منها ب�أي �شكل من الأ�شكال‪.‬‬ ‫(‪ )4‬يحتاج ال��ع��راق �إىل ن�سخة متطورة م��ن الزعيم‬ ‫عبد الكرمي قا�سم لإلغاء الظاهرة الع�شائرية بوجهها‬ ‫ال�سلبي‪ ،‬خا�صة بعد �أن حولت بع�ض البيوت والأفخاذ‬ ‫م��ن ع�شائر معينة "الف�صل الع�شائري" �إىل ابتزاز‬ ‫وجت���ارة مربحة �ضد املواطنني امل�ساملني يف بغداد‪،‬‬ ‫و�أ�صبح "الف�صل الع�شائري" �سيفا م�سلطا على الرقاب‬ ‫وال �أح��د يف احلكومة والهيئات ال�شعبية والع�شائر‬ ‫ورجال الدين يتحرك لو�ضع حد لهذه الظاهرة امل�ضحكة‬ ‫– املبكية يف العا�صمة وقد ا�ضطرت البغداديني �إىل‬ ‫اللجوء لع�شائرهم يف مواجهة االبتزاز والتعدي على‬ ‫احل��ق��وق‪� ..‬إن ع��دم ال��وق��وف م��ن قبل حمافظة بغداد‬ ‫واجلهات املخت�صة يف وجه الهجرات القادمة �إىل بغداد‬ ‫�ستحيل العا�صمة �إىل �أوكار للجرمية املنظمة‪ ،‬وبالفعل‬ ‫حت��ول��ت ب��غ��داد ال��ي��وم �إىل مدينة ال ت�صلح لل�سكن‬ ‫والتح�ضر والثقافة بعد �أن تنفذت فيها ع�صابات "من‬ ‫كل ب�ستان زنبور"!‬ ‫�شخ�صيا ا�ستغرب من موقف الع�شائر يف بغداد من‬ ‫ظاهرة الغلو يف الف�صل الع�شائري وع��دم الت�صدي‬ ‫للع�صابات التي تبتز املواطن با�سم الع�شائر‪ ،‬والأخرية‬ ‫منهم براء‪ ..‬ملاذا هذا ال�صمت والرتدد؟!‬ ‫وزارة الداخلية بعثت لنا ردا على ما كتبته عن ع�صابات‬ ‫الف�صل الع�شائري تقرتح فيه على الكاتب م�ساهمته‬ ‫بالك�شف عنها "!!"‪ ..‬بالله عليكم هل يعقل ه��ذا الرد‬ ‫من دائرة الع�شائر يف ال��وزارة؟! �سبق للأ�ستاذ عدنان‬ ‫الأ�سدي وكيل الداخلية ال�سابق �أن ا�ستجاب ملا كتبته‬ ‫عن هذه الع�صابات ف�أر�سل يل �ضابطني للتحقيق وتبني‬ ‫يل �أن والد احدهما كان �ضحية لهذه الع�صابات وبعد‬ ‫�أخذ ورد و�ضعت الق�ضية فوق الرفوف العالية!‬ ‫بغداد – وهذا ما يجب �أن يعلمه املتعط�شون للف�صول‬ ‫الع�شائرية وال�تراث الع�شائري – ال ت�صلح للنزاعات‬ ‫الع�شائرية وال لل�سنن الع�شائرية وال منازعات �أبناء‬ ‫الع�شائر فقد اخرتمت املكان اخلط�أ‪ ..‬هل تتخيلون بناء‬ ‫م�ضيف ع�شائري – مثال – يف �شقة يف �شارع حيفا؟!‬ ‫لقد دمرمت بغداد بهذا اخلراب "الع�شائري" مع اعتزازنا‬ ‫وتقديرنا وحمبتنا لكل ع�شائر العراق‪ ..‬بغداد عا�صمة‬ ‫متح�ضرة ولي�ست قرية �أو ريفا �أو جب�شة!‬ ‫(‪� )5‬أتع�س النا�س يف هذه احلياة هم الذين يهتمون‬ ‫كثريا مبا (يتقوله) الآخرون عنهم!‬

‫‪shamilkadir49@gmail.com‬‬

‫‏حمــمد اخلــ�ضري‪ ..‬خــواطر �سـريـعــة‬ ‫كريم حنش‬

‫حممد اخل�ضري‪ ،‬منا�ضل �شيوعي خارج �إطار احلزبية الرتيبة‬ ‫التي ورثها التنظيم يف �ساحة الأندل�س‪ ..‬ا�ست�شهد عام ‪١٩٧٠‬‬ ‫يف �صدر القناة بعد �أن اغتيل من قبل ناظم كزار!! �شمله قانون‬ ‫التعوي�ض با�ستالم رات��ب ج��راء �إع��دام نظام البكر ل��ه‪ ..‬متيز‬ ‫اخل�ضري بح�سه الإن�ساين وك��ان كفاءة مهمة من خالل دوره‬ ‫الن�ضايل يف احل��زب ال�شيوعي العراقي فقد ك��ان ع�ضوا يف‬ ‫اللجنة املركزية للحزب ال�شيوعي العراقي وك��ان ميثل النهج‬ ‫املثايل الوا�ضح واخل��ط الثوري بعيدا عن الإزدواج��ي��ة التي‬ ‫مثلها الآخ��رون بقيام جبهة وطنية ه�شة حافظت على م�صالح‬ ‫الطبقة العليا يف احلزب فدفع �ضريبتها اخل�ضري و�ستار خ�ضري‬ ‫وغريهم من القلة ال��ن��ادرة التي تختلف عن حثاالت ادعائية‬ ‫ا�ستلمت املركب ابتدا ًء من عزيز حممد وانتها ًء مبهدي احلافظ‬ ‫وال ي�سعنا �إال �أن ن�ستذكر ق�صيدة ال�شاعر كامل العامري وهو‬ ‫يرثي الفقيد مبلحمة �شعبية ن�شرت يف الثقافة اجلديدة عام‬ ‫‪� ١٩٧٠‬أيام �صالح خال�ص و�سعاد خ�ضر‪:‬‬ ‫بچينه وما بچينه عليك‬ ‫يا چلمة بحلك تاريخ‬ ‫دكت فوك وجنات الزمان بدور‬ ‫بچينه بدم‪� ..‬سرح مهره‬ ‫كبل ما ياخذ بثاره ويب�شر اور‬ ‫بچينه‪� ..‬شيعتذر‪..‬؟‬ ‫لو عاتبت �آ�شور‬ ‫بچينه‪ ..‬وما بچينه عليك‪..‬‬ ‫ندر بيك عدل املوت‬ ‫بيك املوت وانته املوت‬ ‫فنه املوت ميحمد عليك يفوت‪..‬‬

‫حممد اخل�ضري‬

‫الفنان مقداد عبد الر�ضا وكرمي حن�ش‬

‫يلخطيت بجروحك درب ثوار‬ ‫يل�شكيت من هام ال�سمه للكاع‬ ‫�سجه نار‪..‬‬ ‫ميحمد‪..‬‬ ‫حمامات ال�سجن يتن�شدن ظلن‬ ‫ميحمد‪..‬‬ ‫كطايات ال�شلب حنن‬ ‫دكلي ا�شنعتذر للماي‪..‬‬ ‫واطراف ال�سعف والهور لو عتبنى‪..‬‬ ‫ميحمد‪..‬‬

‫بيارغنه و�ضحايانه‬ ‫امل�شت كبلك‬ ‫�شربت موتهه وظلت‬ ‫متد فوك احلياة ج�سور‬ ‫مو�ش احنه �شم�س‬ ‫وافكارنا بدرب الكواين والزمان اتنور‪!..‬‬ ‫مو�ش احنه حلم ريان‬ ‫ويرفرف على اجفون ال�صبح رايه‪!..‬‬ ‫مو�شى احنه نبع‬ ‫يطلك على ادموع احلزن مايه‪!..‬‬

‫مو�ش احنه �شتلنه‪..‬‬ ‫اروحنا ابهذا الدرب ثايه‬ ‫ما نبچي اعله ذاك الفاج ماي املوت وتعنه‪ ،،،،،‬الوفه‪ .‬وما ذبلن‬ ‫ايامه‬ ‫ما نبچي اعله ذاك الفار�س‬ ‫املا عرثن اجدامه‪..‬‬ ‫ما نبچيك هنايلك‬ ‫والف هنيال كلمن �شال‬ ‫زاد العمر بچفوفه‬ ‫ما نبچيك هنايلك والف هنيال كل خيال‬ ‫ما هد الر�سن مره وطفح خوفه‬ ‫ما نبچيك‪..‬‬ ‫لو ندري البواچي اتفيد‬ ‫ما خلينه من ماي الدمع كطره‬ ‫هذه الق�صيدة عنوانها (�إىل �شهيد)!‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.