Issue No.50

Page 15

‫‪15‬‬

‫‪ 15‬يوليو ‪ - 2010‬العدد ‪50‬‬

‫روجيه جارودي‬

‫ولد عام ‪ 1913‬في مرسيليا‪-‬فرنسا‪.‬‬ ‫هو فيلسوف وكاتب فرنسي‪ .‬وخالل الحرب‬ ‫العالمية الثانية أُخ��ذ كأسير ح��رب في الجلفة‬ ‫«الجزائر»‪ .‬كان جارودي شيوعيا‪ ،‬لكنه طرد من‬ ‫الحزب الشيوعي الفرنسي سنة ‪ 1970‬وذلك‬ ‫النتقاداته المستمرة لالتحاد السوفياتي‪ ،‬وبما أنه‬ ‫كان عضواً في الحوار المسيحي الشيوعي في‬ ‫الستينيات‪ ،‬فقد وجد نفسه منجذباً للدين وحاول‬ ‫أن يجمع الكاثوليكية مع الشيوعية خالل عقد‬ ‫السبعينيات‪ ،‬ثم ما لبث ان اعتنق اإلس�لام عام‬ ‫‪ 1982‬م متخذا االسم رجاء‪.‬‬

‫يقول جارودي عن اعتناقه اإلسالم‪ ،‬أنه وجد‬ ‫أن الحضارة الغربية قد بنيت على فهم خاطئ‬ ‫لإلنسان‪ ،‬وأنه عبر حياته كان يبحث عن معنى‬ ‫معين لم يجده إال في اإلسالم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ظل ملتزما بقيم العدالة االجتماعية التي آمن‬ ‫بها في الحزب الشيوعي‪ ،‬ووجد أن اإلسالم ينسجم‬ ‫مع ذلك ويطبقه بشكل فائق‪ّ .‬‬ ‫ظل على عدائه‬ ‫لإلمبريالية والرأسمالية‪ ،‬وبالذات ألمريكا‪.‬‬ ‫بعد مجازر صبرا وشاتيال في لبنان أصدر‬ ‫جارودي بيانا احتل الصفحة الثانية عشرة من عدد‬ ‫‪ 17‬حزيران ‪ 1982‬من جريدة اللوموند الفرنسية‬

‫بعنوان «معنى العدوان اإلسرائيلي بعد مجازر‬ ‫لبنان» وقد وقع البيان مع ج��ارودي كل من األب‬ ‫ميشيل لولون والقس إيتان ماتيو‪.‬‬ ‫وك��ان ه��ذا البيان بداية ص��دام ج���ارودي مع‬ ‫المنظمات الصهيونية التي شنت حملة ضده في‬ ‫فرنسا والعالم‪.‬‬ ‫في عام ‪ 1998‬حكمت محكمة فرنسية على‬ ‫ج��ارودي بتهمة التشكيك في محرقة اليهود في‬ ‫كتابه األساطير المؤسسة لدولة إسرائيل‪ ،‬حيث‬ ‫شكك في األرقام الشائعة حول إبادة يهود أوروبا‬ ‫في غرف الغاز على أيدي النازيين‪.‬‬

‫سطوع يف الذاكرة‬

‫روافـد‬

‫سلطان العميمي ‪ ..‬القصة الشعرية‬

‫تمارا ماس ‪ -‬سوريا‬ ‫لم أرسم‬ ‫منذ أن زرعت الدراجة الحمراء‬ ‫شجرة صدأ‬ ‫وثنيت أطراف “البنت”‬ ‫داخل ستارة الدانتيل البيضاء‬ ‫واألحداق الفارغة للدمية‬ ‫أكره أنوثتي‪..‬‬ ‫مالمحي تلتصق بي‬ ‫ٍ‬ ‫بابتذال مفرط‪...‬‬ ‫أنفخ قبلة الحياة‬ ‫يف صدر الحلم الغريق‪...‬‬ ‫وأرصخ بال صوت‪...‬‬ ‫أحتاج إىل إسعاف ‪...‬‬ ‫وتعويذة‬ ‫إلبطال هذا السحر‪....‬‬ ‫كم أبدو سخيفة بلفافات الشعر‪....‬‬ ‫كيف نبتت يف غزارة شعري الكستنائي ‪...‬‬ ‫مروج ذهبية؟!‬ ‫ٌ‬ ‫أرمي بفكرة مجعدة‬ ‫نحو ضياعات الذاكرة‬ ‫“سآتي ‪....‬‬ ‫وإن تأخرت‪”....‬‬ ‫جاراتنا يقرأن الفنجان مع أمي‬ ‫“ال أحب القهوة”‪...‬‬ ‫تمنَّعت‬ ‫لكنه َّ‬ ‫ن شخصن يل‬ ‫“مفرتق طرق‪...‬‬ ‫وزينة‪..‬‬ ‫وثالث إشارات ربانية‪”...‬‬ ‫يف فناجينهن جميعا ً‬ ‫غضبت مني‪..‬‬ ‫“كان يجب أن أرشب القهوة اليوم‪...‬‬ ‫وإن عىل مضض”‬ ‫ألكون يف فنجاني‬ ‫وحدي‬ ‫اسرتقت النظر عرب املمر الطويل‬ ‫كانت اللوحات كواجهات العرض‬ ‫تبيعني‬

‫رغم حداثة إسالم ج��ارودي وكثرة المصاعب‬ ‫التي واجهته سواء من حيث اللغة أوالثقافة استطاع‬ ‫ان يؤلف أكثر من أربعين كتابا منها‪ :‬وعود اإلسالم‬ ‫اإلسالم دين المستقبل ‪ -‬المسجد مرآة اإلسالم‬‫ اإلسالم وأزمة الغرب ‪ -‬حوار الحضارات ‪ -‬كيف‬‫أصبح اإلنسان إنسانيا ‪ -‬فلسطين مهد الرساالت‬ ‫السماوية ‪ -‬مستقبل المرأة وغيرها‬ ‫وفي كتاب «اإلس�لام دين المستقبل» يقول‬ ‫ج���ارودي عن شمولية اإلس�ل�ام‪ :‬أظهر اإلس�لام‬ ‫شمولية كبرى عن استيعابه لسائر الشعوب ذات‬ ‫الديانات المختلفة‪ ،‬فقدكان أكثر األديان شمولية‬

‫رعد بندر‬

‫ألوانا ً لن أرتديها‪..‬‬

‫وأشكاال ً لن أحتسيها‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫وذوات سأكفر بها‪...‬‬

‫الكتابة مسؤولية كبيرة ولهذا من الضروري أن نقف طويال على ما نكتبه‬

‫لكنني أكملت املجاملة‪...‬‬

‫قبل أن نفكر بالنشر ‪ ،‬هذه الجملة صنعت مبدعين حقيقيين على مر التأريخ‪،‬‬ ‫أتذكرها كلما قرأت لسلطان العميمي الذي كثيرا ما أدعوه لنشر ما يكتبه من‬ ‫قصص ونصوص أتلمس جمالياتها وأفرح بها بمحبة عارمة ألنني اكتشفت‬ ‫أن داخله ّ‬ ‫تجذرا ورسوخا لقاص قادم سيكون له بصمته فيما بعد ‪ ،‬إنه ماهر‬

‫أغرتني‪...‬‬

‫هندسية أرضية الحمام الزرقاء‪...‬‬

‫في تكثيف الفكرة وأكثر مهارة في نحت مالمح أبطاله بدقة متناهية ‪ ،‬أبطاله‬

‫ألسقط عليها‬

‫الذين ال يشبهونه ولكنهم يشبهونه تماما‪ ،‬يقدمون عروضهم أمامه بإتقان‬

‫ك يّ ُِل‪...‬دفعة واحدة‬

‫‪ ..‬يا لسعادته بهم ‪ ..‬وهم ينظرون إلى أصابعه ‪ ..‬فيتحركون ‪ ..‬ويتأملون فمه‬

‫صوت ارتطام‪...‬‬

‫‪ ..‬فيتكلمون !‪.‬‬

‫أو التحام‬

‫لديه الكتابة مغامرة يُحسن التصرف فيها حين تتداخل مع هيمنة الذهن‬

‫فقاعات ٍ‬ ‫دم‬

‫على ما هو متخَيّل كما يقول فوكو ‪ ..‬أن ما يميزه فيما يكتب أنه يصنع المشهد‬ ‫ويبقى خارجه ليمنح منحوتاته الذهنية فرصة القيام بكل ما يُحبُّ هو شخصيا أن‬

‫أرجوانية‪...‬‬

‫يقوم به ‪ ،‬فهم يعشقون ‪ ،‬يتألمون ‪ ،‬يبكون ويضحكون ‪ ،‬ولكنهم في النهاية هو‬

‫كرست أملي بابتسامة‬

‫بكل عشقه وألمه وبكائه وضحكه ! هذا التبادل المتقن لألدوار بينه وبين أبطاله‬

‫وتذكرت‪..‬‬

‫يدعوني إلى تحريضه على الكتابة ‪..‬‬

‫فأرسع الدم يف جسدي‬

‫عادة ما يتشارك المؤلف والمتلقي في نتاج المعنى حين تتوسع دائرة الوضوح‬

‫لينفخ مزيدا ً من الفقاعات‬

‫في النص ولكن سلطان العميمي يترك المتلقي هو من ينتج المعنى بنفسه ألنه‬

‫وتستمر الذاكرة بالعمل‬

‫يشعر أن جملته النصية مبنية على مفهوم الوضوح أساسا ولكنه وضوح ليس‬

‫بدأ الدفء العاري‬

‫ميسّرا ومن هنا تبدأ مهارة العميمي الذي يشاهد فراغا أمامه فيمأله برجل أو‬

‫يرسم االنحناء األبيض‬

‫امرأة أو جماد أو ربما يبقيه فراغا كما هو !!‬ ‫إنه يمزج بين جغرافية المكان وجغرافية اإلنسان من أجل أن ينمي المحتوى‬

‫حول الجسد الصامت‬

‫الذهني ليبدأ رحلة البحث عن الفكرة التي غالبا ما تكون معاشة ومؤثرة ‪.‬‬

‫وكنتُ أنا ‪....‬‬

‫سلطان العميمي يكتب القصة الشعرية بكثافة وعمق قصيدة النثر ‪ ،‬يعرف‬

‫باردة ‪...‬‬

‫ماذا يقول وكيف يتحرك ‪ ،‬يصنع الفكرة ‪ ،‬ويحلق بحرية ‪ ،‬يستنسخ نفسه في‬

‫حد املغادرة‬

‫أبطاله ويمنحهم الشراكة بالتأليف ويبقى هو خارج المشهد متأمال ما الذي‬ ‫سيحدث ‪ ،‬وما أن ينتهي من العمل حتى يُعيدهم إليه ثانية !!‬

‫تمتم فنجاني‪:‬‬

‫إن األدب اإلماراتي على موعد مع مبدع أريد إلبداعه أن يتحدد في خانة‬

‫مفرتق الطرق‪...‬‬

‫واحدة ولكنه اشتغل بضراوة على أن يجمع بين ولعه بالموروث الشعبي بكل‬ ‫رقته وجماله وانتماءاته المضيئة وبين سطوة الحداثة بكل سحرها ونضارتها‬

‫والزينة‪...‬‬

‫ليخرج من بين أصابعه نص بلغ سن الرشد بامتياز ‪.‬‬

‫واالشارات الربانية الثالث‪...‬‬

‫“ال أجيد تنقيح املستقبل‬

‫عندما يكون باألبيض واألسود”‬

‫ُ‬ ‫«تخيط ثوباً لتذ ُكر»‪..‬‬ ‫ــــــي‬ ‫***‬ ‫إلى عائشة‪ ،‬األم والوالدة‪ ،‬التي دخلت في قصائد‬ ‫الديوان عبر قصيدة واحدة كان ترتيبها الوسط بين‬ ‫قصيدتين إلسماعيل االبن ومثلهما لعادل األب‪ .‬لكنها‬ ‫سُ مرة هنا ومرة هناك‪ ،‬م ّرَة في تمثيالت‬ ‫عائشة تند ّ‬ ‫الشّاعر إلسماعيل‪ ،‬ومرة في تمثيالته لعادل األب‪،‬‬ ‫وفيها تكسر األم مدارات الصمت والسكينة مراراً لجهة‬ ‫الحركة والديمومة؛ فهي تحلم بإسماعيل لتراه ثالثة‪،‬‬ ‫وهي تحمي أوالده��ا من اآللهة والبشر‪ ،‬وهي أيضا‬ ‫ُّ‬ ‫لتذكر‪ ،‬وإلى جانب ذلك تروي أن إسماعيل‬ ‫تخيط ثوب ًا‬ ‫كان ناعماً كفتاة‪ ،‬وكان حتى السابعة يتس َّلق صدرها‬ ‫ليرضع من ثديها‪ .‬إال أن عائشة‪ ،‬وكما هي في تمثيالت‬ ‫أخرى للشاعر‪ ،‬تحضر كأيقونة صامتة‪ ،‬تحضر كجسد ّيَة‬ ‫وقد طالها صمت التي ّبَس حتى لتبدو أثراً ‪ Trace‬كان‬ ‫هناك نابض ًا بالحيوية والحياة وقد آن أوان ُّ‬ ‫تذكره وإعادة‬ ‫تمثيله‪ ،‬ولكن شعرياً‪:‬‬ ‫“فوق الخزانة بالمقلوب‪،‬‬ ‫باألبيض واألسود‪،‬‬ ‫عائشة‪،‬‬

‫منذ أربعين سنة‪،‬‬ ‫تقف وحدها باألبيض الناصع‪،‬‬ ‫بال فصول‪،‬‬ ‫تتعاقب‪ ،‬أو ألم» (ص ‪ ،52‬وانظر ص ‪.)44‬‬ ‫ألب��دأ من العوامل ‪ Actants‬التي استخدمها أبو‬ ‫هوّاش في هذا النَّص‪ /‬المقطع من قصيدة «عائشة»‪،‬‬ ‫وهي‪ :‬الخزانة‪ ،‬واللونين األسود واألبيض‪ ،‬واألربعين‬ ‫سنة‪ ،‬وم��ن ثم اللون األبيض الناصع‪ ،‬والفصول‪،‬‬ ‫واألل��م‪ .‬لقد شاركت هذه العوامل في أول نص من‬ ‫نصوص قصيدة عائشة‪ ،‬وتك ّرَرت‪ ،‬مع إضافات‪ ،‬في‬ ‫مقطع نصي آخر وفي القصيدة ذاتها‪ .‬وكلها عوامل‬ ‫ساكنة كالخزانة‪ ،‬والبياض‪ ،‬والسواد‪ ،‬واألربعون سنة‪،‬‬ ‫وهي سنوات النُّضج والنهايات‪ ،‬وزمنية الالفصول‪،‬‬ ‫وهي زمنية متوقفة‪ ،‬والال ـ ألم‪ ،‬وبالضرورة الال ـ فرح‪،‬‬ ‫ناهيك عن انعدام التعاقب الزمني لصالح السكون‪.‬‬ ‫تتحفنا بنية هذا النَّص العميقة بأن موضوع الحالة‬ ‫فيه هي صورة عائشة المرقومة في أعلى دوالب أو‬ ‫خزانة معزولة في غرفة ربما ال يمر عليها الهواء‪ ،‬وال‬ ‫الشمس‪ ،‬وال ضوء القمر‪ .‬ولعل الصفة بـ «المقلوب»‬

‫في استقباله للناس الذين يؤمنون بالتوحيد وكان‬ ‫في قبوله التباع هذه الديانات في داره منفتحا على‬ ‫ثقافاتهم وحضاراتهم والمثير للدهشة انه في‬ ‫اطار توجهات اإلسالم استطاع العرب آنذاك ليس‬ ‫فقط إعطاء إمكانية تعايش تماذج لهذه الحضارات‪،‬‬ ‫بل أيضا إعطاء زخم قوي لاليمان الجديد‪ :‬اإلسالم‪.‬‬ ‫فقد تمكن المسلمون في ذلك الوقت من تقبل‬ ‫معظم الحضارات والثقافات الكبرى في الشرق‬ ‫وأفريقيا والغرب وكانت هذه قوة كبيرة وعظيمة‬ ‫له‪ ،‬وأعتقد ان هذا االنفتاح هو الذي جعل اإلسالم‬ ‫قويا ومنيعا‪.‬‬

‫«‪»2-2‬‬ ‫هي الداللة األكثر تكثيف ًا لمعنى العزلة والصمت‬ ‫وال ّسُكون قدر تع ُّلق األمر بصلتها مع اآلخرين الرائين‬ ‫لها‪.‬‬ ‫إن التمثيل األيقوني لعائشة األم ال يمثل سوى‬ ‫َّ‬ ‫ذروة الحنين لتلك الـ «عائشة» لدى الشاعر‪ ،‬ولكن‬ ‫هذا ال يعني أنه لم يدخر الوسع في تمثيلها كما هي‪،‬‬ ‫ومن دون ما هو أيقوني؛ فقصائد الديوان تحفل بتلك‬ ‫التمثيالت التي تجعل األم حيةً تحلم بولدها إسماعيل‪،‬‬ ‫وتحميه وغيره من شر اآللهة‪ ،‬ويزوروها في أحالمها‬ ‫ضَلة‪ ،‬وغير ذلك من يوميات‬ ‫لتعطيهم أُكالتهم المف ّ‬ ‫حياتها معهم ووالدهم‪.‬‬ ‫***‬ ‫تلك هي مدارات الصمت والكالم في تجربة سامر‬ ‫أبو هوّاش ال ّشِعرية في ديوانه السابع «تخيط ثوبا‬ ‫ُ‬ ‫لتذكر» ال��ذي ك�� ّرَس فيه انشغاالت القول ال ّشِعري‬ ‫الستذكار كينونة األهل الساكنة والصامتة عبر كالم‬ ‫األشياء من حولهم‪ ،‬وتكليمهم األشياء وهم حولها في‬ ‫دوار يسكنه الحزن م ّرَة‪ ،‬وفي طواف تسكنه الحيرة‬ ‫لمرّات كثر‪.‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.