108

Page 1

‫‪www.facebook.com/ZaitonMagazine - zaiton.mag@gmail.com - www.zaitonmag.com‬‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 15 | 108‬أيار ‪2015‬‬

‫|‬

‫|‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة |السنة الثالثة |العدد ‪ |15 |108‬أيار ‪2015‬‬

‫حلب‪..‬‬

‫غارات مكثفة وسط خالفات مستمرة بين الفصائل‬

‫فيزيا سوريا خاصة بأهل ادلب‬

‫المناطقية مرض فتاك يضرب النسيج السوري‬

‫العقل في مسألة العَ َلم‬ ‫حصان طروادة‪ ..‬لؤي حسين‬ ‫عَ َلم الثورة وصراعات االيديولوجيا‬

‫دموعكم عجز الكلمات‬

‫دموع‪ ..‬وفي الديار موت وحر ب وجوع‬

‫بكى حمص فبكت عليه سوريا ‪..‬‬

‫الفنان غسان السباعي‬

‫ملحمة جلجامش‪..‬‬ ‫أكثر من مسرحية وأبطال‬

‫‪1‬‬


‫|‬

‫افتتاحية‬

‫|‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 15 | 108‬أيار ‪2015‬‬

‫ح�صان طروادة‪ ..‬ل�ؤي ح�سني‬ ‫عبد الكرمي �أني�س‬ ‫يُتّه��م العامل��ون بالث��ورة‪ ،‬والمنش��غلون‬ ‫به��ا‪ ،‬على أنهم مجموعة م��ن المبتدئين‪،‬في‬ ‫الش��ؤون السياس��ية‪ ،‬والتعامل معها‪ ،‬وادارة‬ ‫ش��ؤونها‪ .‬انه��م أيض��ًا متهم��ون بأنه��م ال‬ ‫يمتلك��ون المعرف��ة الكافي��ة‪ ،‬إلدارة الدف��ة‬ ‫لش��ؤون تم��س بالثورة‪،‬وتخ��دم أهدافه��ا‪،‬‬ ‫وال يغي��ب عن قائم��ة االتهام��ات الوقوع في‬ ‫الفوض��ى االعالمي��ة‪ ،‬والتعامل م��ع الحدث‪،‬‬ ‫وف��ق انف�لات ع��ارم‪ ،‬وع��دم وج��ود ضابط‬ ‫فيص��ل يس��مح بتوجي��ه البوصل��ة بأحداثها‬ ‫باتجاهها الصحيح‪.‬‬ ‫سأتفق مع ّ‬ ‫جل االتهامات السابقة‪ ،‬بنسبية‬ ‫طبع��ًا‪ ،‬وأزيد القول أن الالعبين األساس��يين‬ ‫ف��ي مؤسس��ات المعارض��ة ‪ ،‬القائمي��ن على‬ ‫صياغ��ة وصناع��ة الق��رار‪ ،‬تب��دو قراراته��م‬ ‫واجتماعاته��م‪ ،‬غير ذات جدوى‪ ،‬بل وغير ذات‬ ‫صل��ة أحيان��ًا بما يح��دث عل��ى أرض الواقع‪،‬‬ ‫داخ��ل األراضي الس��ورية‪ ،‬التي تخلصت من‬ ‫س��يطرة عصابة النظام‪ .‬ما أكس��ب المشهد‪،‬‬ ‫الخارجي خصوصًا‪ ،‬استباحة لمواقف عاطفية‬ ‫أو انفعالي��ة‪ ،‬تلهب المزيد من الجراح بالمزيد‬ ‫من األلم والصخب‪.‬‬ ‫صحيح أن المركزية ش��أن هام في تنظيم‬ ‫الث��وار‪ ،‬الذي��ن اليزالون يعيش��ون في طور‬ ‫الفوضى‪ ،‬في ش��تى المج��االت عمومًا‪ ،‬وفي‬ ‫الشأن االعالمي خصوصاً‪ ،‬لكن هناك صناعة‬ ‫كان��ت هي غاية من غاي��ات روح الثورة التي‬ ‫حدثت ف��ي س��وريا‪ ،‬أال وهي صناع��ة الرأي‬ ‫العام‪ ،‬حيث اس��تطاع الثوار أن يصنعوا زوابع‬ ‫أجبرت مؤخراً رأس المؤسسة المعارضة في‬ ‫الخارج ممثلة باإلئتالف‪ ،‬للمطالبة باالعتذار‪،‬‬ ‫ضمن ما بات يعرف باسم حادثة «ازاحة علم‬ ‫الثورة عن المنصة»‪.‬‬ ‫فعقب االعالن عن (ف��رار) رئيس تيار بناء‬ ‫الدول��ة ل��ؤي حس��ين م��ن س��وريا‪ ،‬واتصاله‬ ‫بجه��ات المعارض��ة الخارجي��ة لعق��د تحالف‬ ‫معها‪،‬ت��م االع�لان عن عق��د مؤتمر صحفي‬ ‫لما وصف بأنه امكانية لمد تمثيل المعارضة‬ ‫أم��ام المجتمع الدولي‪ ،‬وح��دث لغط كبير في‬ ‫حادث��ة طل��ب ل��ؤي حس��ين اس��تبعاد العلم‪،‬‬ ‫وامتث��ال خال��د خوج��ة رئيس االئت�لاف لهذا‬ ‫المطل��ب‪ .‬جدي��ر بالذك��ر أن العل��م األخضر‬ ‫الذي ارتضاه الثوار تمييزاً لهم‪ ،‬عن العصابة‬ ‫الحاكمة للس��لطة في سوريا‪ ،‬هو العلم الذي‬ ‫بات يرمز لتضحيات الثوار وألمهم‪.‬‬ ‫كان توضي��ح ل��ؤي حس��ين عل��ى صفحته‬ ‫الخاص��ة ف��ي موق��ع التواص��ل االجتماع��ي‬ ‫فيس��بوك أن��ه كان يود م��ا يل��ي « رأيتُ أن‬

‫‪2‬‬

‫نس��تفيد م��ن الفرص��ة وأن نظه��ر بحركةٍ‬ ‫رمزيةٍ تش��ير إلى وحدة السوريين من خالل‬ ‫وض��ع العلمين األخضر واألحم��ر متالصقين‬ ‫ً‬ ‫خاصة وأن��ي أرى اآلن ضرورة‬ ‫مع بعضهم��ا‪،‬‬ ‫خ��روج المعارضة م��ن العب��اءة الضيقة كي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫س��ورية واح��د ًة وجامعة‪،‬‬ ‫مظلة‬ ‫تكون ضمن‬ ‫بهدف حماية س��وريا بكاملها‪ ،‬أرض ًا وش��عبا‪ً،‬‬ ‫وع��زل وتهميش النظ��ام حتى أم��ام مواليه‬ ‫والصامتين داخل البالد‪.‬‬ ‫فاقترحتُ على الس��يد خال��د خوجة‪ ،‬الذي‬ ‫أشهد له بوطنيته ورجولته‪ ،‬أن نضع العلمين‬ ‫ملتصقي��ن ببعضها كرمز لجميع الس��وريين‬ ‫بم��ا يقوي الرس��الة التي ن��ود إيصالها‪ ،‬أو ال‬ ‫نض��ع أي عل��م حتى ال نظه��ر وكأننا نخاطب‬ ‫فئ��ة واحد ًة فق��ط م��ن الس��وريين‪ .‬وعندما‬ ‫وصلنا قاعة المؤتمر لم نكن قد حصلنا على‬ ‫العل��م األحمر ألنه نادرٌ في اس��طنبول‪ ،‬لهذا‬ ‫خرج المؤتمر الصحفي بدون أعالم‪»..‬‬ ‫ولكن هذا التبرير ال��ذي يوحي بالعقالنية‬ ‫والرزانة‪ ،‬وهو ما يطلبه أهل العقل والعدالة‬ ‫االنتقالي��ة‪ ،‬كان ليقبل لوال التس��ريبات التي‬ ‫تم تس��جيلها بن��اء على جلس��ة خاصة‪ ،‬بين‬ ‫أحد الش��باب المش��تغلين بالحقل االعالمي‪،‬‬ ‫وبي��ن لؤي حس��ين وص��ف فيها نفس��ه بأنه‬ ‫الث��ورة بح��د ذاته��ا‪ ،‬وأنه ق��ادر عل��ى تحدي‬ ‫الذات االلهية ذاتها‪ ،‬كما تحدى حافظ األس��د!‬ ‫وعند االشارة للشهداء المستضعفين‪ ،‬الذين‬ ‫سقطوا من طرف الثوار وهم النسبة الغالبة‪،‬‬ ‫كما يزعم كاتب ه��ذه الكلمات‪ ،‬خصيص ًا من‬ ‫فئ��ة المعتقلي��ن والمدنيي��ن واآلمنين الذين‬ ‫تس��اقطوا بش��كل منظ��م وممنهج بس�لاح‬ ‫عصابة األس��د‪ .‬لقد تمادى لؤي حس��ين أكثر‬ ‫حين تحدث ونائبته منى غانم مستخفاً بجراح‬ ‫أهليه��م وتضحياته��م ليذهبوا الي��ه ليقوم‬ ‫بمحاس��بتهم ربما!! وأهدت هذه الش��خصية‬ ‫ال(معارضة) (شرفاً) كبيراً للعصابة الحاكمة‬ ‫أنها ليس��ت ب��ذات مس��توى الثوريي��ن الذين‬ ‫وصفوا على أنهم (صيّع)!!!‬ ‫لقد خرجت هذه الحادثة بالكثير من النتائج‬ ‫ال يمكن معرفة نتائجه��ا على المدى القريب‬ ‫وكان من بينها ما يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬التش��اركية بالعمل المعارض لعصابة‬ ‫األس��د له��ا دس��تور مح��دد‪ ،‬س��قفه احت��رام‬ ‫الش��هداء‪ ،‬وقاعدته األساس اسقاط عصابة‬ ‫األس��د ورموزه وأجهزت��ه األمني��ة المجرمة‪،‬‬ ‫ولم يع��د هناك ق��درة لل(ممثل) السياس��ي‬ ‫االكتفاء بممارسة عمله دون نيل الرضى ولو‬ ‫ف��ي حدوده الدنيا على أساس��يات تم االتفاق‬

‫عليها‪.‬‬ ‫‪ -2‬كش��فت الواقع��ة ع��ن النس��بية ف��ي‬ ‫التمثيل السياس��ي الذي تمثله تيارات تطالب‬ ‫بالحصول عل��ى حصص محددة م��ن العمل‬ ‫السياس��ي القادم في س��وريا‪ ،‬س��واء في ما‬ ‫يمثل��ه (ائت�لاف المعارض��ة) وم��ا يليه��ا من‬ ‫تيارات أخرى وحس��ب ما تمثل��ه على األرض‬ ‫في الداخل السوري‪.‬‬ ‫‪ -3‬الضج��ة الكبي��رة الت��ي حدث��ت أجبرت‬ ‫شخصية (مسؤولة) كرئيس االئتالف كممثل‬ ‫لق��وى المعارض��ة الخارجي��ة‪ ،‬عل��ى االعتذار‬ ‫بش��كل رس��مي للراي العام الث��وري وكادت‬ ‫تصل به لالس��تقالة‪ ،‬وهذا ح��دث جديد على‬ ‫مسرح المعارضة‪.‬‬ ‫‪ -4‬كش��فت الحادثة عن كواليس ما يحدث‬ ‫خل��ف الس��تار‪ ،‬الذي تتس��تر به ق��وى تدعي‬ ‫المعارض��ة لعصاب��ة نظ��ام األس��د‪ ،‬وه��ذا‬ ‫التسريب مجرد تسجيل صغير‪،‬للمستفيدين‬ ‫م��ن رداء المعارضة‪ ،‬وهو رداء كبير جداً على‬ ‫قياس��اتهم القزم��ة‪ ،‬وقد ينس��حب على كبار‬ ‫ش��خصيات معروفة أخرى‪ ،‬تتصارع للحصول‬ ‫عل��ى مكاس��ب مناصبي��ة جديدة ف��ي الحياة‬ ‫السياسية القادمة‪.‬‬ ‫‪ -5‬ينبغ��ي الح��ذر م��ن اي�لاء التفويضات‬ ‫النهائي��ة للش��خوص‪ ،‬والثق��ة المفرط��ة‬ ‫باألش��خاص‪ ،‬التي كانت وال ت��زال‪ ،‬أحد أهم‬ ‫عوامل التأخير‪ ،‬على مستوى تقديم أي نجاح‬ ‫يذكر لمن ينتسب للثورة‪.‬‬ ‫م��ن جانب آخر كان لتلك العاصفة أثر ربما‬ ‫ايجاب��ي البع��د‪ ،‬لمث��ل ل��ؤي حس��ين وتياره‪،‬‬ ‫حي��ث أن��ه حص��ل عل��ى دعاية س��محت لمن‬ ‫يجهل اس��مه أو يعرف ش��يئ ًا عن تياره للبحث‬ ‫عن��ه وع��ن تاري��خ ه��ذه الش��خصية‪ .‬وكان‬ ‫هناك ش��عور عام لدى الفئة التي لم تحسم‬ ‫موقفه��ا مما ح��دث حت��ى اآلن أنها أش��به ما‬ ‫تكون بهذه الش��خصية‪ ،‬وأنها تتقاس��م معه‬ ‫بعض التوصيفات التي مارسها بكل عنجهية‬ ‫ووقاح��ة‪ ،‬عل��ى كل م��ن ضحى ودف��ع أثمان‬ ‫باهظ��ة‪ ،‬ك��ي يحظى أمث��ال ه��ؤالء بهاالت‬ ‫التقديس لدى من يقدسون الهالمية‪ ،‬والذين‬ ‫ل��م يخرجوا م��ن عب��اءة س��جانيّهم وقاتلي‬ ‫شعوبهم‪.‬‬ ‫هناك تيار كبير بين الثوار‪ ،‬أوحى أن خروج‬ ‫لؤي حس��ين وف��راره المزع��وم‪ ،‬كان بتواطؤ‬ ‫مع عصابة األس��د التي مجدها لؤي حس��ين‪،‬‬ ‫بأن صرماية رأس العصابة فيها‪ ،‬بل وأصغر‬ ‫عنص��ر مخاب��رات فيه��ا‪ ،‬تس��اوي كل أولئك‬ ‫(الصيّع) الذين خرجوا لمقارعتها واس��قاطه‪،‬‬ ‫لقد نجح لحد كبي��ر أن يكون حصان طروادة‬ ‫وبط ً‬ ‫ال أقلوي ًا س��ينحاز اليه كثير من طائفته‪،‬‬ ‫الت��ي تترنح بع��د أن ارتهنتها عصابة األس��د‬ ‫لتك��ون رأس الحرب��ة ف��ي الح��رب عل��ى‬ ‫الس��وريين وابادتهم ليكون ش��خص ًا (جامع ًا)‬ ‫لهم في المستقبل المنظور‪.‬‬


‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 15 | 108‬أيار ‪2015‬‬

‫|‬

‫حتقيقات زيتون‬

‫|‬

‫علم الثورة و�صراع الأيديولوجيا‬ ‫داليا معلوف‬ ‫بالع��ودة إل��ى تاريخ ه��ذا العل��م‪ ،‬نجد أنه‬ ‫اعتم��د ألول مرة ف��ي عام ‪ 1932‬بع��د اقرار‬ ‫االنت��داب الفرنس��ي عل��ى س��وريا حيث رمز‬ ‫حينها إلى النضال ضد المس��تعمر الفرنسي‬ ‫‪ ،‬موافقة الدولة الفرنس��ية عل��ى هذا العلم‬ ‫تحت ضغ��ط االحتجاج��ات الش��عبية العارمة‬ ‫الت��ي رافق��ت اعتم��اده م��ن قب��ل مناهضي‬ ‫االنتداب الفرنس��ي على س��وريا وخاصة في‬ ‫مدينة حلب‪.‬‬ ‫ويعتبر العقيد عدن��ان المالكي أول ضابط‬ ‫س��وري يرف��ع عل��م االس��تقالل بع��د ج�لاء‬ ‫المس��تعمر الفرنس��ي‪ ,‬كان ذل��ك خ�لال أول‬ ‫عرض عس��كري لقوات الجيش السوري في‬ ‫دمشق بتاريخ ‪/17‬نيسان ‪.1946 /‬‬ ‫واس��تمرت رمزي��ة ه��ذا العلم رغ��م عدم‬ ‫اعتماده رسميا ‪,‬حيث في عام ‪ 2004‬اصدرت‬ ‫الحكومة الس��ورية ع��دة طواب��ع تحمل هذا‬ ‫العلم‪ ,‬علم االس��تقالل السوري عن االحتالل‬ ‫الفرنسي ‪.‬‬ ‫يتكون تصميم العلم من ثالثة مستقيمات‬ ‫أفقية متوازية ملونة من األعلى حتى األسفل‬ ‫باألخض��ر واألبي��ض واألس��ود‪ ،‬وهناك ثالث‬ ‫نجوم خماسية حمراء اللون في الوسط ضمن‬ ‫المستطيل األبيض ترمز للطوائف السورية‬ ‫والدوي�لات الطائفية دولة جبل العرب للدروز‬ ‫ودولة حلب الس��نية ودولة الس��احل العلوية‬ ‫الت��ي اتحدت تح��ت راية هذا العلم‪ ،‬وحس��ب‬ ‫مص��ادر أخرى ف��ان النجوم الث�لاث ترمز إلى‬ ‫دماء الشهداء والبطولة والشجاعة‪.‬‬ ‫و حت��ى اآلن لم يعرف بعد على وجه الدقة‬ ‫أول مرة رفع فيها علم االس��تقالل في الثورة‬ ‫الس��ورية ولكن��ه حم��ل رس��ميًا ف��ي مدينة‬ ‫أنطاليا التركية في مؤتمر للمعارضة بتاريخ‬ ‫‪ 1‬حزيران ‪ /‬يونيو ‪ ،2011‬وقد قام المحتجون‬ ‫باإلضاف��ة إل��ى هيئات المعارض��ة برفع علم‬ ‫الوح��دة الس��ورية المصري��ة ف��ي البداية إال‬ ‫أن رغبته��م باالس��تقالل ع��ن النظ��ام حتى‬ ‫بالرم��وز الوطنية دفعتهم إل��ى تغيير العلم‬ ‫إلى العلم السوري القديم كما كان قد صمم‬ ‫المعارض��ون الس��وريون صفح��ة على موقع‬ ‫التواص��ل االجتماعي فيس ب��وك تدعو لرفع‬ ‫علم االس��تقالل‪ ،‬كم��ا قامت صفح��ة الثورة‬ ‫الس��ورية عل��ى موق��ع في��س ب��وك بإطالق‬ ‫حمل��ة «أربعاء عل��م االس��تقالل» تدعو لنبذ‬ ‫رم��وز النظ��ام و رف��ع العل��م القدي��م‪ ,‬ليبدأ‬ ‫بعده��ا المتظاهرون الس��وريون برفعه في‬ ‫المظاه��رات رغم اعتمادهم العلم الس��وري‬

‫الحال��ي ف��ي األس��ابيع األول��ى م��ن الحراك‬ ‫الث��وري‪ ,‬إظهار العلم سياس��يًا ت��م من قبل‬ ‫المجلس الوطني الس��وري الذي اتخذه كعلم‬ ‫رس��مي له‪ ،‬وعند تش��كيل االئت�لاف الوطني‬ ‫الس��وري في أواخ��ر العام‪ 2012‬ق��ام األخير‬ ‫باتخاذه كعلم رس��مي له وق��ام أيض ًا باتخاذه‬ ‫كعل��م للحكومة الس��ورية المؤقت��ة التابعة‬ ‫لالئتالف‪.‬‬ ‫يعتب��ر علم الثورة الس��ورية م��ن الثوابت‬ ‫المقدس��ة في ش��ريعة الثائرين الس��وريين‪،‬‬ ‫ه��ذا العل��م ال��ذي زينت ب��ه س��احات الحرية‬ ‫وارتوت نجماته الحمر بدماء ش��هداء النضال‪،‬‬ ‫ه��ذا العلم ال��ذي أل��ف قل��وب الثائرين على‬ ‫اخت�لاف مناطقه��م وطوائفهم‪ ،‬ه��ذا العلم‬ ‫ال��ذي كان يعل��و م��ع الهت��اف حت��ى يالمس‬ ‫السماء حرا أبيا ثائرا‪.‬‬ ‫ت��رك ه��ذا العل��م أث��را كبيرا ف��ي نفوس‬ ‫الس��وريين‪ ،‬فتصميم��ه الجام��ع لتاري��خ‬ ‫ومكونات الش��عب السوري‪ ,‬جعلت منه الراية‬ ‫األكثر اجماعا بين السوريين ‪.‬‬ ‫ابت��دأت الحرب على ه��ذا العلم من النظام‬ ‫ومؤيدي��ه أوال‪ ،‬فعم��د النظ��ام إل��ى طم��س‬ ‫الحقيقة التاريخية له��ذا العلم باعتباره علم‬ ‫االس��تقالل عن االحتالل الفرنس��ي‪ ،‬ليدعي‬ ‫النظام بأن معارضي��ه يرفعون راية االنتداب‬ ‫الفرنس��ي كداللة عل��ى عمالته��م الخارجية‬ ‫وارتباطهم بالمستعمر وأعداء سوريا‪.‬‬

‫تثبت من خاللها رمزية العلم‪ ،‬وتوجه رسائل‬ ‫قوية لكل منحرف عن هذه الراية‪.‬‬ ‫انتقل��ت بعده��ا الح��رب الب��اردة إلى حرب‬ ‫أكث��ر علني��ة‪ ،‬وترجم��ت أخيرا عل��ى األرض‬ ‫بمظاه��رات ومظاهرات مضادة‪ ،‬واش��تباكات‬ ‫باألي��دي وحمالت اعتق��ال وتعذي��ب وتهديد‬ ‫بالقت��ل لحاملي��ه‪ ،‬حيث ش��هدت أحي��اء حلب‬ ‫المحررة مؤخرا‪ ،‬قيام عناصر مس��لحة تابعة‬ ‫لتنظيمات متش��ددة بتمزيق العلم واالعتداء‬ ‫بالض��رب عل��ى المتظاهرين الذي��ن اعتادوا‬ ‫بش��كل دوري الخروج بع��د صالة الجمعة في‬ ‫مظاهرات جامعة لدعم القوى الثورية‪.‬‬ ‫ألهبت هذه التصرف��ات أالف الثائرين لتبدأ‬ ‫بعده��ا حم�لات جديدة دع��ت إلى رف��ع علم‬ ‫الث��ورة بكثاف��ة‪ ،‬وتجس��دت من خ�لال حملة‬ ‫‪#‬ارفع‪-‬علم‪-‬ثورت��ك‪ ،‬ليع��ود علم الثورة من‬ ‫جديد إل��ى الواجه��ة مترافقا بزخ��م اعالمي‬ ‫كبير من نش��طاء الث��ورة‪ ،‬وليس��ود الصمت‬ ‫المؤقت الموقف مجددا‪.‬‬ ‫علم االس��تقالل أو علم الثورة‪ ،‬رمز الثورة‬ ‫الس��ورية وعق��دة تالح��م أبنائه��ا‪ ،‬فهل بات‬ ‫مح��ط مفاوض��ات الساس��ة لني��ل مكاس��ب‬ ‫سياسية!!‬

‫عل��م الثورة الس��ورية ذو النج��وم الحمراء‬ ‫الث�لاث ه��و الي��وم ف��ي خط��ر‪ ،‬فالص��راع‬ ‫االيديولوجي بين فئ��ات ثورية أصيلة رفعت‬ ‫العل��م وأمن��ت به‪ ،‬وبي��ن فئات أخ��رى حملت‬ ‫راي��ات س��وداء واعتب��رت الث��ورة ج��زءا م��ن‬ ‫مش��اريع الخالف��ة واالم��ارة وحاول��ت إلباس‬ ‫الثورة ثوب الصراع المقدس والحرب الكونية‬ ‫بات واضحا اليوم‪.‬‬ ‫ترجم هذا الصراع األيديولوجي أوال بحرب‬ ‫باردة في س��احات العالم االفتراضي‪ ،‬رافقت‬ ‫انتقال الثورة الس��ورية من المرحلة السلمية‬ ‫إل��ى مرحلة الكف��اح المس��لح‪ ،‬وتبلورت هذه‬ ‫الحرب بدقة ف��ي المراحل الت��ي حاولت فيها‬ ‫بعض القوى المسلحة الغاء الجيش السوري‬ ‫الحر ال��ذي اعتمد ه��ذا العلم كراي��ة للكفاح‬ ‫المسلح وشنت عليه حربا اعالمية وعسكرية‪.‬‬ ‫رافقت هذه الح��رب آالالف التغريدات على‬ ‫موقع تويتر لعناصر الجماعات المتشددة التي‬ ‫تس��خر من العلم وتحاول اهانته‪ ،‬ليأتي الرد‬ ‫س��ريعا من نش��طاء الثورة السورية بحمالت‬

‫‪3‬‬


‫|‬

‫تقارير زيتون‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 15 | 108‬أيار ‪2015‬‬

‫|‬

‫غارات مكثفة على حلب ومعارك‬ ‫حممد عالء‬

‫و�سط خالفات م�ستمرة بني الف�صائل‬

‫ف��ي الوقت الذي تش��تد في��ه المعارك في‬ ‫ري��ف مدينة ادلب‪ ،‬بي��ن مقاتل��ي المعارضة‬ ‫وق��وات النظ��ام ف��ي محاول��ة م��ن االخيرة‬ ‫لفك الحصار عن قوات النظام في المش��فى‬ ‫الوطني بجس��ر الش��غور‪ ،‬واحت��دام المعارك‬ ‫ف��ي منطق��ة القلم��ون بريف دمش��ق‪ ،‬بين‬ ‫المعارضة وحزب اهلل اللبناني مدعوماً بقوات‬ ‫النظام وانش��غال االعالم المحل��ي والعالمي‬ ‫بتغطي��ة ه��ذه االح��داث‪ ،‬والتي أخ��ذت حيزاً‬ ‫كبير من التغطية االخبارية للش��أن السوري‪،‬‬ ‫متناس��ين القص��ف الج��وي الجنون��ي ال��ذي‬ ‫ش��هدته محافظ��ة حلب ف��ي األي��ام القليلة‬ ‫الماضية‪ ،‬وقد اس��تغل النظام انشغال العالم‬ ‫به��ذه االح��داث لييوج��ه س�لاح الج��و التابع‬ ‫للنظ��ام بارتكاب المجازر بح��ق أبناء المدينة‬ ‫وريفه��ا‪ ،‬والذي أدى الستش��هاد وجرح المئات‬ ‫من المدنيين في المدينة وريفها‪.‬‬ ‫ففي ‪ 13‬مايو ‪ 2015‬يوم األربعاء‪،‬استفاق‬ ‫الريف الجنوبي لمدينة حلب‪ ،‬على وقع مجازر‬ ‫ارتكبتها الطائ��رات الحربي��ة والمروحية في‬ ‫عدة قرى‪ ،‬حيث ارتقى ما ال يقل عن العشرة‬ ‫ش��هداء من األطفال ومعلمتي��ن اثنتين‪ ،‬في‬ ‫قصف ببرميل متفجر ألقاه الطيران المروحي‬ ‫على مدرسة في قرية خلصة‪.‬‬ ‫بل��دة الحاض��ر في الري��ف الجنوب��ي نالت‬ ‫حصته��ا م��ن الجرح��ى األطف��ال وال��كادر‬ ‫التعليم��ي‪ ،‬استش��هدت س��يدة واثني��ن م��ن‬ ‫أطفالها وسيدة أخرى‪ ،‬واصابة اخرين بجراح‪.‬‬ ‫ف��ي نف��س األثن��اء كان الطي��ران الحربي‬ ‫يرتكب مجزرة أخرى بعدة غارات على س��وق‬ ‫ش��عبي ومناط��ق أخ��رى ف��ي قري��ة العيس‬

‫ق��رب بلدة الحاضر‪ ،‬والت��ي راح ضحيتها ما ال‬ ‫يقل عن ‪ 30‬مدنيا‪ ،‬واصابة العش��رات وسط‬ ‫عج��ز المش��افي الميدانية ف��ي المنطقة عن‬ ‫اس��تقبال الجرح��ى‪ ،‬وتحويلهم الى مش��افي‬ ‫أخرى ف��ي منطقة ب��اب الهوى ق��رب الحدود‬ ‫التركية‪ ،‬استشهد الكثير منهم على الطريق‬ ‫أثناء محاولة اس��عافهم‪ ،‬وذلك بس��بب افتقار‬ ‫الريف الجنوبي للمراك��ز الطبية والتجهيزات‬ ‫الالزمة‪.‬‬ ‫فيما قص��ف الطيران الحرب��ي مناطق في‬ ‫محيط مدينة الباب ومناطق أخرى في محيط‬ ‫بلدة تادف‪ ،‬واللتان يخضعان لسيطرة تنظيم‬ ‫الدولة بريف حلب الشرقي‪ ،‬اقتصرت األضرار‬ ‫فيها على المادية‪،‬‬ ‫كما اس��تهدف الطي��ران المروحي برميلين‬ ‫متفجرين على مناطق في قرية زيتان بريف‬ ‫الجنوبي لحلب‪ ،‬ونفذ الطيران الحربي غارات‬ ‫على محيط بلدة عندان بريف حلب الشمالي‪،‬‬ ‫دون ورود أنباء عن خسائر بشرية‪.‬‬ ‫وأرجع ناش��طون سبب اس��تهداف الطيران‬ ‫الحرب��ي لتلك المناطق م��ن الريف الجنوبي‪،‬‬ ‫الى الهجمات المتك��ررة للمعارضة على خط‬ ‫ام��داد قوات النظ��ام الوحيد الم��ؤدي لمدينة‬ ‫حلب‪ ،‬وكان أخرها سيطرة مقاتلي المعارضة‬ ‫عل��ى حاجز التغطية بين ريف حلب الجنوبي‪،‬‬ ‫وريف حماة الش��رقي‪ ،‬لينس��حبوا منه بعد أن‬ ‫غنموا أس��لحة وذخائر وقتل��وا عدد من قوات‬ ‫النظ��ام‪ ،‬فيما يش��ن تنظيم الدول��ة هجمات‬ ‫بش��كل مس��تمر على هذا الخط ال��ذي يمتد‬ ‫من مدينة س��لمية بريف حم��اة‪ ،‬حتى مدينة‬ ‫الس��فيرة بري��ف حل��ب‪ ،‬كم��ا ب��دأ الطي��ران‬

‫الحرب��ي بش��ن هجم��ات جوية عل��ى الريف‬ ‫الجنوبي‪ ،‬بعد تقدم قوات النظام وسيطرتها‬ ‫عل��ى قري��ة الرش��ادية ق��رب بل��دة خناص��ر‬ ‫االس��تراتيجية‪ ،‬وذل��ك في الـ ‪ 15‬من الش��هر‬ ‫الماض��ي‪ ،‬والتي يطم��ح من خالله��ا النظام‬ ‫التق��دم أكثروالوصول الى مط��ار أبو ظهور‬ ‫العسكري‪ ،‬وفك الحصار المفروض عليه من‬ ‫قبل مقاتلي المعارضة‪ ،‬منذ اكثر من عامين‪.‬‬ ‫أم��ا في مدينة حلب‪ ،‬وتحدي��داً في منطقة‬ ‫جسر الحج‪ ،‬ارتكب الطيران المروحي‪ ،‬مجزرة‬ ‫مروع��ة‪ ،‬راح ضحيته��ا أكث��ر م��ن ‪ 40‬مدنياً‪،‬‬ ‫بينه��م نس��اء وأطف��ال‪ ،‬وذل��ك باس��تهدافه‬ ‫ببرمي��ل متفج��ر محط��ة للحاف�لات الت��ي‬ ‫تُق��ل المواطني��ن م��ن المدينة ال��ى ريفها‪،‬‬ ‫وذل��ك ي��وم الثالث��اء ‪ 12‬ماي��و ‪ ،2015‬علم��ًا‬ ‫أنه��ا المحط��ة الوحيدة ف��ي المدين��ة‪ ،‬والتي‬ ‫يجتم��ع فيها المس��افرون الراغب��ون بالتوجه‬ ‫ال��ى الري��ف الحلبي أو الى تركي��ا‪ ،‬وهي خط‬ ‫النهاية بالنسبة للقادمين من خارج المدينة‪،‬‬ ‫ويتموض��ع عدد من الباع��ة الجوالين بالقرب‬ ‫م��ن المحط��ة‪ ،‬ليتلقف��وا أرزاقه��م وق��وت‬ ‫يومهم‪ ،‬ال��ذي دمره البرميل المتفجر‪ ،‬لينهي‬ ‫مع��ه حياته��م وحي��اة أخرين‪،‬كان��وا يمن��ون‬ ‫النفس بالعودة الى أطفالهم غانمين‪.‬‬ ‫يذك��ر ان المحط��ة اس��تهدفت س��ابقا من‬ ‫قب��ل الطيران راح خاللها عش��رات الش��هداء‬ ‫والجرح��ى‪ ،‬ف��ي مج��ازر ال تقل قس��او ًة عن‬ ‫مجزرة الثالثاء األسود‪.‬‬ ‫من جهته وث��ق المرصد الس��وري لحقوق‬ ‫االنس��ان (‪ )12560‬غ��ارة بصواريخ وبراميل‬ ‫متفجرة نفذتها طائرات النظام الحربية على‬ ‫عدة مناطق في قرى وبلدات ومدن س��ورية‪،‬‬ ‫من��ذ األول م��ن العام الج��اري (‪ )2015‬وحتى‬ ‫اللحظة‪ ،‬حيث ألقت طائرات النظام المروحية‬ ‫(‪ )6686‬برمي ً‬ ‫ال متفجراً‪.‬‬ ‫و نف��ذت طائرات النظام الحربية ما ال يقل‬ ‫ع��ن (‪ )5874‬غ��ارة‪ ،‬على مناطق ف��ي جميع‬ ‫أنحاء سورية‪ ،‬استش��هد على اثرها (‪)1820‬‬ ‫مواطن�� ًا مدني ًا‪ ،‬منهم (‪ )428‬طف ً‬ ‫ال دون س��ن‬ ‫الثامنة عش��ر‪ ،‬و (‪ )290‬مواطنة فوق س��ن الـ‬ ‫‪ ،18‬و (‪ )1102‬رج ً‬ ‫ال‪ ،‬باإلضافة إلى إصابة نحو‬ ‫‪ 15‬ألف آخرين من المدنيين بجراح‪ ،‬وتشريد‬ ‫عش��رات اآلالف من المواطنين‪ ،‬كما أس��فرت‬ ‫عن دم��ار ف��ي ممتل��كات العام��ة والخاصة‪،‬‬ ‫وأضرار مادية كبيرة في عدة مناطق‪.‬‬ ‫كم��ا قضى في غ��ارات الطائرات الحربية‪،‬‬ ‫والبرامي��ل المتفج��رة التي ألقته��ا الطائرات‬ ‫المروحية أكثر من (‪ )814‬مقاتل من مقاتلي‬

‫‪4‬‬


‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 15 | 108‬أيار ‪2015‬‬ ‫المعارضة ومقاتلي تنظيم الدولة‪.‬‬ ‫معارك متفرقة يف مدينة حلب‬ ‫كس��رت كتائ��ب المعارض��ة ف��ي األي��ام‬ ‫الماضي��ة‪ ،‬الجم��ود الطوي��ل الحاص��ل على‬ ‫جبهات المدينة‪ ،‬بشن معركتين منفصلتين‪،‬‬ ‫األول��ى كان��ت ف��ي ح��ي ب��اب جني��ن بحلب‬ ‫القديم��ة‪ ،‬والثانية في ح��ي العامرية جنوب‬ ‫حل��ب‪ ،‬حيث ته��دف األولى للتق��دم أكثر في‬ ‫عم��ق المدين��ة ال��ى وس��طها‪ ،‬وذل��ك بع��د‬ ‫الس��يطرة على مسجد «بش��ير باشا» األثري‬ ‫في الـ ‪ 30‬من نيسان ‪ 2015‬بالقرب من سوق‬ ‫التل��ل ف��ي المدين��ة القديمة‪ ،‬و ال��ذي كانت‬ ‫ق��وات النظام قد حولته إلى ثكنة عس��كرية‬ ‫وعاث��ت في��ه فس��اداً‪ ،‬كما فج��رت المعارضة‬ ‫مبن��ى كانت ق��وات النظام تتحص��ن فيه‪ ،‬ما‬ ‫أدى لمقتل وجرح العش��رات منهم‪ ،‬وترافقت‬ ‫االش��تباكات م��ع قصف ج��وي م��ن الطيران‬ ‫الحرب��ي والمروح��ي عل��ى مناطق س��يطرة‬ ‫المعارض��ة في منطقة االش��تباكات‪ ،‬ويعتبر‬ ‫هذا التقدم اس��تراتيجي ف��ي هذه المنطقة‪،‬‬ ‫الت��ي بات��ت تفص��ل المعارض��ة عن س��احة‬ ‫س��عد اهلل الجابري‪ ،‬ب ‪ 800‬متر فقط‪ ،‬والتي‬ ‫طالم��ا حل��م أهالي حلب من الوص��ول اليها‪،‬‬ ‫كما ترافقت االش��تباكات مع سقوط عدد من‬ ‫القذائف على أحياء خاضعة لسيطرة النظام‪،‬‬ ‫ما أدى لخسائر بشرية بين المدنيين‪.‬‬ ‫أم��ا المعرك��ة الثاني��ة ف��درات رحاها في‬ ‫ح��ي العامري��ة جنوب حلب‪ ،‬ف��ي محاولة من‬ ‫المعارض��ة تحرير كامل الحي م��ن يد قوات‬ ‫النظام‪ ،‬والتقدم الى طريق الراموسة‪ ،‬والذي‬ ‫يمكنه��م من قط��ع طري��ق االم��داد الوحيد‬ ‫لق��وات النظام الى داخ��ل المدينة باإلضافة‬ ‫الى وص��ول مقاتل��ي المعارضة الى أس��وار‬ ‫األكاديمية العس��كرية‪ ،‬والتي تعتبر العصب‬ ‫العس��كري لقوات النظام ف��ي المدينة‪ ،‬لكن‬ ‫لم يكتب النجاح للعملية‪ ،‬والتي قادتها غرفة‬

‫«فتح حلب» المش��كلة حديثاً‪ ،‬دون أن يصدر‬ ‫أي تصريح رسمي عن أسباب توقف العملية‬ ‫و إنجازاتها الشحيحة‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬س��يطرت قوات المعارضة‬ ‫عل��ى ع��دة ق��رى بري��ف حل��ب الش��مالي‪،‬‬ ‫وه��ي (الحصي��ة وحس��اجك والغ��وز)‪ ،‬ف��ي‬ ‫منطق��ة س��د الش��هباء‪ ،‬وذل��ك بع��د معارك‬ ‫م��ع مقاتل��ي تنظي��م الدول��ة‪ ،‬بعدم��ا كانت‬ ‫تل��ك القرى مناط��ق تماس بي��ن الطرفين‪،‬‬ ‫تق��دم اليها مقاتل��ي التنظيم س��ابق ًا‪ ،‬وقتل‬ ‫في االش��تباكات عدد من مقاتل��ي التنظيم‪،‬‬ ‫وأس��رت المعارضة خمس��ة عناص��ر أخرين‪،‬‬ ‫واستولت على أسلحة وذخائر‪ ،‬تركها مقاتلي‬ ‫التنظي��م الذي��ن ف��روا تح��ت وق��ع ضرب��ات‬ ‫مقاتل��ي المعارضة‪ ،‬فيما تش��هد جبهات عدة‬ ‫ف��ي مدينة حلب ومحيطها معارك يومية في‬ ‫منطقتي البريج والراش��دين ومحيط قريتي‬ ‫باش��كوي وحندرات ش��مال حل��ب‪ ،‬بين قوات‬ ‫النظ��ام والمليش��يات الموالية له��ا من جهة‪،‬‬ ‫ومقاتلي المعارضة من جهة أخرى‪.‬‬ ‫ان�ضمام ف�صائل جديدة «لفتح حلب» وغياب الن�صرة‬ ‫وان�صار الدين‬ ‫موض��وع متص��ل‪ ،‬انضم��ت ع��دة‬ ‫وف��ي‬ ‫ٍ‬ ‫فصائل م��ن المعارضة‪ ،‬ال��ى غرفة عمليات‬ ‫«فت��ح حل��ب» التي أعُل��ن عنها نهاية ش��هر‬ ‫ابريل ‪ ،2015‬بعدما أنش��أتها ‪ 7‬فصائل في‬ ‫حلب وريفها س��ابقاً‪ ،‬وتركها ب��اب االنضمام‬ ‫للغرف��ة مفتوحًا أمام باق��ي الفصائل‪ ،‬حيث‬ ‫س��جل كل م��ن (حرك��ة ن��ور الدي��ن زنكي‪،‬‬ ‫جيش المجاهدين‪ ،‬جيش السنة‪ ،‬لواء الفتح‪،‬‬ ‫كتائب أبو عم��ارة‪ ،‬الفرقة ‪ ،101‬الفرقة ‪،16‬‬ ‫الفرقة ‪ ،13‬لواء السلطان مراد‪ ،‬لواء فرسان‬ ‫الحق‪ ،‬ل��واء صقور الجبل‪ ،‬ل��واء الحق‪ ،‬الوية‬ ‫الفرقان وحركة بيارق اإلسالم)‪ ،‬انضمامهم‬ ‫مع اس��تمرار غي��اب كل من (جبه��ة النصرة‬ ‫وجبه��ة أنص��ار الدي��ن‪ ،‬وكتائ��ب الصف��وة‬

‫|‬

‫تقارير زيتون‬

‫|‬

‫اإلس�لامية والفوج األول)‪ ،‬ع��ن الغرفة التي‬ ‫أصبحت تضم ‪ 21‬فصيال عسكريا‪.‬‬ ‫ف�صائل من غرف��ة العمليات تتوانى ع��ن فك ح�صار‬ ‫بع�ض املقاتلني‬ ‫نظري ًا يظه��ر من «فتح حلب» قوة ضخمة‬ ‫تقدر بحوالي ‪ 22‬ألف مقاتل بحسب ما أعلنت‬ ‫عن نفس��ها‪ ،‬باإلضافة الى وجود ترس��انة ال‬ ‫بأس بها من األس��لحة الثقيلة والمتوس��طة‬ ‫والذخائ��ر‪ ،‬و م��ن الممكن أن تج��اري جيش‬ ‫الفت��ح في مدينة ادل��ب‪ ،‬لكن على األرض ال‬ ‫يوجد أي مؤش��ر يدل عل��ى معركة مرتقبة‪،‬‬ ‫خصوص�� ًا م��ع اس��تمرار الخالف��ات بين عدة‬ ‫فصائ��ل‪ ،‬التي لم تس��تطع «فت��ح حلب» من‬ ‫حلها‪ ،‬كما أن قلة التنس��يق ب��دا واضحا جليًا‬ ‫ف��ي معركة ح��ي العامري��ة األخي��رة‪ ،‬والتي‬ ‫حوص��ر فيها ع��دد م��ن مقاتل��ي المعارضة‬ ‫في أح��د المباني‪ ،‬ما احتاج ال��ى أليات ثقيلة‬ ‫ليتم فك الحص��ار عنهم‪ ،‬وبدأت االس��تغاثة‬ ‫بالفصائ��ل الت��ي تملك هذه االلي��ات‪ ،‬والتي‬ ‫هي من ضمن غرف��ة العمليات‪ ،‬دون أن يتم‬ ‫جلب أي ألي��ة ثقيلة لفك المحاصرين‪ ،‬الذين‬ ‫اس��تطاعوا الخ��روج لي� ً‬ ‫لا م��ن الم��كان الذي‬ ‫حوصروا فيه‪.‬‬ ‫ويبقى الس��ؤال ل��دى الش��ارع الثوري في‬ ‫مدين��ة حل��ب‪ ،‬متى تصب��ح غرف��ة العمليات‬ ‫موح��دة عل��ى األرض مثلم��ا ه��ي موح��دة‬ ‫اعالمياً‪ ،‬ومتى تلتحق النصرة المش��هود لها‬ ‫بشراس��ة مقاتليها في المهام االنغماس��ية‪،‬‬ ‫وجبه��ة أنص��ار الدين التي تقات��ل أيضا في‬ ‫ادل��ب وريفها‪ ،‬وهل س��ينضم كل من الفوج‬ ‫األول وكتائب الصفوة الى غرفة «فتح حلب»‬ ‫وهما أكب��ر الفصائل العامل��ة بمدينة حلب‪،‬‬ ‫وأكثرها انتش��ارا ش��عبيا في المدينة‪ ،‬ومتى‬ ‫س��تنتقل المعارض��ة بحلب م��ن األقوال الى‬ ‫األفعال‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫|‬

‫تقارير زيتون‬

‫|‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 15 | 108‬أيار ‪2015‬‬

‫اىل الطيب "�أردوغان" ‪ ..‬بع�ض �ضباطك يقتلون �أهلنا‬ ‫ال�سوري اجلديد‪ ..‬يو�سف ابو خليل‬ ‫تتال��ت األنباء الواردة من الحدود الس��ورية‬ ‫التركي��ة‪ ،‬عن إصاب��ات لمواطنين س��وريين‬ ‫بعيارات نارية من قبل حرس الحدود التركي‬ ‫عل��ى خلفي��ة عملي��ات دخ��ول غير ش��رعية‬ ‫الى األراض��ي التركية‪ ،‬أو لالش��تباه بعمليات‬ ‫تهري��ب طالما كث��ر الحديث عنه��ا في الفترة‬ ‫الماضي��ة‪ ،‬غالب��ا ما تك��ون اإلصاب��ات بحجم‬ ‫المآسي التي تعيشها سورية من واقع الحرب‬ ‫ونتاجه��ا ومخلفاتها‪ ،‬لت��روي لحظات عصيبة‬ ‫ألناس عاش��وا القصة بآالمها وآمالها وخوفها‬ ‫وحزنه��ا وركامها وغباره��ا‪ ..‬قصص قصيرة‬ ‫لحرب طويلة تدور أحداثها «شرق العاصي»‪..‬‬

‫عقدت الع��زم وبس��رعتي القصوى قفزت‬ ‫من الخزان وبدأت الزحف باتجاه قناة السقاية‬ ‫حيث صديقي ينتظرن��ي‪ ،‬كانت عملية زحف‬ ‫قاس��ية على جس��دي المغطى بثياب صيفية‬ ‫رقيق��ة‪ ،‬وصلت الى صديق��ي المختبئ داخل‬ ‫(قناة الس��قاية) واس��تلقيت بقرب��ه وقد نال‬ ‫قلب��ي القلي��ل م��ن الطمأنينة التي تالش��ت‬ ‫م��ع أول طلق��ة أطلقت من رش��اش المدرعة‬ ‫نحونا‪ ،‬لم تك��ن طلقت تحذيرية‪ ،‬وإنما كانت‬ ‫طلقة يقصد بها األذية‪ ،‬ال شيء سوى األذية‪،‬‬ ‫وتوال��ت ي��ا س��يدي الطلق��ات تنفج��ر حولنا‬ ‫وتفتت كل ما يمكن أن يحمينا‪..‬‬

‫ش��رق نهر العاص��ي وبعد ع��دة منحدرات‬ ‫وهضب��ة يعي��ش عام��ل النظافة أب��و صالح‬ ‫بطل إحدى هذه القصص‪..‬‬

‫بحركات ال ش��عورية وسريعة بدأنا زحفنا‬ ‫الخلف��ي ف��ي محاول��ة لالبتع��اد ع��ن أعي��ن‬ ‫العسكر التركي ومنظار مدرعته‪.‬‬

‫يقول أبو صالح‪« :‬لم أكن أعلم أن اقترابي‬ ‫من نه��ر العاص��ي للبح��ث عن مكان يتس��ع‬ ‫لقصبة صيد السمك سيكون المبرر المزعوم‬ ‫لعي��ش قصة قصي��رة‪ ،‬دفن��ت تفاصيلها في‬ ‫قب��ر صغير حفر خصيصاً ليحتضن طرفاً من‬ ‫أطراف��ي‪ ،‬وذكريات ليلة س��وداء بل��ون حياة‬ ‫أعيش��ها بأل��م يعق��وب وصبر أيوب وحس��رة‬ ‫آدم‪ ..‬ل��م أك��ن ألعل��م وقتها أن حياة إنس��ان‬ ‫ال تس��اوي أكثر من متع��ة الضغط على زناد‬ ‫بندقي��ة لتنهي النور في أعي��ن أقوى الرجال‬ ‫وأعتاها‪..‬سأنبش قبر ذاكرتي ألروي تفاصيل‬ ‫القصة‪ ،‬علها تصل إلى مسامع وأفئدة الطيب‬ ‫«اردوغان» وحكومته‪.‬‬

‫لم أخض يوما معركة‪ ،‬كانت هذه معركتي‬ ‫األول��ى‪ ،‬معرك��ة غي��ر متكافئ��ة‪ ،‬فطرفك��م‬ ‫التركي يا س��يدي «الطيب» يس��تخدم نيران‬ ‫رشاشاته وبنادقه‪ ،‬وأنا وصديقي كنا نستخدم‬ ‫سالح الدعاء تارة والصراخ الستجداء الرحمة‬ ‫ت��ارة أخرى‪ ،‬لم أفهم وقتها وحتى اآلن س��بب‬ ‫قيام الجان��ب التركي بإطالق النار علينا على‬ ‫الرغم من وجودنا ضمن األراضي الس��ورية‪،‬‬ ‫وعلى بعد يتجاوز الثالثمائة متر عن الشريط‬ ‫الحدودي (نهر العاصي)‪.‬‬

‫أنا ي��ا س��يدي الطي��ب لس��ت بإرهابي وال‬ ‫أنوي أن اكون‪ ،‬أنا يا سيدي ممن يستبشرون‬ ‫ب��ك كل الخي��ر واألم��ل‪ ..‬فأنت الطي��ب‪ ..‬ابن‬ ‫الطي��ب‪ ..‬ب��دأت قصت��ي ي��ا س��يدي عندم��ا‬ ‫ص��رخ صديقي منبهًا إي��اي أن مدرعة حرس‬ ‫الح��دود التركية (الجندرم��ة) قادمة من جهة‬ ‫الجن��وب نح��وي‪ ..‬أي م��ن مخف��ر (الفرفرية)‬ ‫س��يء الس��معة‪ ،‬وال��ذي ال يخفى عل��ى أحد‬ ‫أن الضاب��ط المس��ؤول في المخف��ر هو أحد‬ ‫الضباط الذين أس��اؤوا للحكومة التركية قبل‬ ‫المواط��ن الس��وري‪ ،‬هرب��ت مس��رعا باتجاه‬ ‫خزان مياه اس��منتي مخصص للري واختبأت‬ ‫داخل��ه‪ ،‬توقف��ت المدرع��ة بع��د أن رص��دت‬ ‫وجودي وبقيت تترقب خروجي ألربع س��اعات‬ ‫متواصل��ة‪ ..‬ش��اهدت غياب الش��مس وحلول‬ ‫الظالم‪ ،‬واحصيت مئات النجوم اللماعة‪ ،‬كان‬ ‫البد من مغ��ادرة المنطقة والعودة إلى منزل‬ ‫أثقل دفع بدل أجره كاهلي وأعيا أطفالي‪..‬‬ ‫ال حل غير ما تص��دح به حنجرة صديقي (‬ ‫اخرج وازحف الى قناة السقاية)‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫رأس��انا كانا باتجاه الحدود التركية وعملية‬ ‫الزح��ف الخلف��ي الزال��ت مس��تمرة واألضواء‬ ‫الحمراء الخارجة من فوهة الرش��اش الزالت‬ ‫مس��تمرة‪ ..‬توقف صديقي عن الزحف والتف‬ ‫برأس��ه نحوي ليخبرن��ي أنه اصي��ب‪ ،‬ظننته‬ ‫يك��ذب‪ ،‬أو تمنيت أن يكون كاذب��اً أو متوهماً‪،‬‬ ‫س��ألته عن م��كان اإلصاب��ة فأجابني بصوت‬ ‫خاف��ت‪( :‬بي��ن الرقب��ة والكت��ف م��ن الطرف‬ ‫االيمن)‪ ،‬مددت يدي الى حيث أخبرني‪ُ ،‬لزوجة‬ ‫ال��دم وحرارت��ه وتدفق��ه أصابن��ي بش��عور‬ ‫ل��م أختبره م��ن قبل‪ ،‬ش��عور أش��به بالخوف‬ ‫الممزوج بالذل والترجي‪.‬‬ ‫ضاعت أفكاري بين الخيال والواقع وتقلص‬ ‫جسدي بمرحلة أولى ليبدأ اإلحساس بالشلل‬ ‫يتس��لل الى أطرافي بس��رعة البرق‪ ،‬جمعت‬ ‫ش��تات أفكاري وأرسلتهم ألى أطرافي للنجاة‬ ‫م��ن الم��أزق وإس��عاف صديق��ي ب��أي ثمن‪،‬‬ ‫فعائلت��ه الفقيرة أضعف م��ن أن تتلقى خبر‬ ‫وفاة عمادها ومعيلها الوحيد‪ ،‬وشبله البكر لم‬ ‫يتجاوز الرابعة عش��ر من عمره‪ ،‬ولن يتحمل‬ ‫جسده النحيل عمل شاق إلعالة أربعة أطفال‬ ‫وأمهم الفتية‪ .‬احتضان يده ليدي أعادني الى‬ ‫واقع أمر وأدهى‪ .‬همس لي قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬

‫(أرب��ع طلق��ات اخترق��ت جس��دي‪ ،‬اتركني‬ ‫وانجُ بنفس��ك‪ ،‬أطفالك الصغار تس��تحق أن‬ ‫تنجو ألجلهم‪ ،‬أربع طلقات بمس��مى أطفالي‬ ‫األربع��ة‪ .‬تبق��ى طلق��ة أخيرة هي بمس��مى‬ ‫طفل��ي األصغ��ر‪ ،‬الزال بإمكان��ي النه��وض‪،‬‬ ‫س��أغطي هروب��ك بوقوفي‪ ..‬علي��ك الهروب‬ ‫والنجاة)‪.‬‬ ‫لم استطع اس��تيعاب كالمه‪ ،‬حاولت سحب‬ ‫جس��ده المغط��ى بالدم��اء بكل قوت��ي حتى‬ ‫وص��ل صدره ف��وق ص��دري ووجه��ه مقابال‬ ‫لوجه��ي‪ ،‬حاولت التمعن بمالم��ح وجهه رغم‬ ‫االضاءة الخفيفة الصادرة عن انعكاس ضوء‬ ‫القمر‪ ،‬بلحظ��ة واحدة تحول الض��وء الخافت‬ ‫إلى ضوء ساطع وكأننا بمنتصف نهار صيفي‬ ‫لترتس��م مالمح وجه صديقي المنهك‪ ..‬هي‬ ‫قنبل��ة مضيئة‪ ..‬لم أع��رف يوم�� ًا أن القنابل‬ ‫المضيئ��ة صنع��ت لترس��م ذك��رى وجوه من‬ ‫نحب‪..‬‬ ‫ابتس��م صديقي ابتس��امة خفيفة واقترب‬ ‫برأس��ه من أذني ليهمس بها (أن��ا ميت‪ ،‬انجُ‬ ‫بنفسك‪ ،‬انجُ بنفسك واتركني‪ ،‬اهرب طالما‬ ‫تستطيع الهرب)‪ ،‬لم تمنعني يا سيدي الطيب‬ ‫إصابتي بطلقة متفجرة في فخذي األيمن من‬ ‫محاولة س��حب صديقي‪ ،‬إال أنني كنت عاجزاً‬ ‫عن تحريك جس��دي فب��دأت الص��راخ بأعلى‬ ‫صوتي باكي��اً داعياً وش��اتما‪ ..‬وضع يده على‬ ‫فمي وابتس��م محاوال إبقاء عينيه مفتوحتين‬ ‫ق��در المس��تطاع‪ ،‬ه��ي لحظ��ة م��رت وكأنها‬ ‫س��نة كاملة لن أنس��اها ما حيي��ت‪ ،‬باللحظة‬ ‫نفسها التي أغمض بها عينيه اخترقت طلقة‬ ‫جبين��ه مخلف��ة ثق��ب بش��كل ه�لال ذو لون‬ ‫أبي��ض ونجمة صغيرة ارتس��مت م��ن الدماغ‬ ‫المتطاي��ر‪ ،‬وبتدف��ق الدماء الحم��راء اكتملت‬ ‫اللوحة ي��ا س��يدي «الطيب»‪ ،‬دم��اء صديقي‬ ‫من لون عَ َلمكم‪ .‬لم تستطع كاميرا المراقبة‬ ‫المتواجدة في المخفر المقابل التقاط صورة‬ ‫لعَ َلمكم رس��مت من دم ش��خص طالما رفع‬ ‫يديه إلى اهلل داعيا لحضرتكم‪ ،‬اسأل جنودك‬ ‫أيه��ا «الطيب» ليرووا لك قصة العلم التركي‬ ‫المرسوم بدم شهيد فقير علهم يستذكرون‪،‬‬ ‫علكم تستذكرون»‬ ‫لم أك��ن احت��اج كالم أب��ي صال��ح إلكمال‬ ‫القص��ة‪ ،‬فف��ي كل دمعة اس��تطاعت كس��ر‬ ‫حاجز أهدابه لوحة مرس��ومة بحرفية‪ ،‬تكمل‬ ‫ما عجز اللسان عن وصفه‪ ،‬كنت أنا من يحتاج‬ ‫ال��ى عناق طويل للخروج م��ن هول التصور‪،‬‬ ‫أن��ا من يحتاج إلى لفافة تبغ وكأس قهوة من‬ ‫القياس الكبير‪.‬‬


‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 15 | 108‬أيار ‪2015‬‬ ‫ل��م تكن قصة أب��ي صالح ه��ي األولى أو‬ ‫الوحي��دة في المنطقة‪ ،‬إنما هنالك عش��رات‬ ‫القصص المش��ابهة والموثقة عن انتهاكات‬ ‫ح��رس الح��دود التركي��ة بح��ق مواطني��ن‬ ‫س��وريين يعيش��ون قريبين من الح��دود‪ ،‬أو‬ ‫يجولون في المنطق��ة بحثًا عن مصدر رزق‬ ‫لتأمي��ن ق��وت ي��وم في ظ��ل ح��رب طاحنة‬ ‫يعيشها السوريون‪.‬‬ ‫فبحسب ناشطين من المنطقة ارتفع عدد‬ ‫اإلصاب��ات م��ن الس��وريين على ي��د الجيش‬ ‫الترك��ي (الجندرم��ة) خالل األش��هر الس��تة‬ ‫الماضية إلى ما يقارب الخمسين إصابة‪ ،‬في‬ ‫منطقة ال يتجاوز طولها العشرين كيلو متر‪..‬‬ ‫«يقول أبو مصطفى وهو ناش��ط إعالمي‬ ‫م��ن مدينة درك��وش الحدودي��ة‪ :‬إن أكثر ما‬ ‫يحزن أن نتلقى أخباراً من الشريط الحدودي‬ ‫السوري التركي عن إصابات بطلق ناري من‬ ‫أهلن��ا المهجرين الهاربين من جحيم براميل‬ ‫الطيران والقذائف الصاروخية التي تستهدف‬ ‫المدنيين بالريف اإلدلب��ي المحرر‪ ،‬والمحزن‬ ‫أكث��ر أن ‪ 40%‬م��ن هذه اإلصاب��ات تؤدي إلى‬ ‫الوف��اة‪ ،‬و‪ 30%‬منه��ا تؤدي ال��ى إعاقة دائمة‬ ‫والنس��بة المتبقي��ة تبق��ى فترة عدة أش��هر‬ ‫لتتماثل للشفاء‪ ،‬ناهيك عن النازحين الذين‬ ‫يلق��ى القب��ض عليهم من قب��ل (الجندرمة)‬ ‫التي ال تستهين في ضربهم ضرباً مبرحًا مع‬ ‫التلفظ بالشتائم واأللفاظ النابية‪ ،‬وغالبا ما‬ ‫يتم ضرب من يمسك به على الضفة الثانية‬ ‫لنهر العاصي (األراضي التركية) في مناطق‬ ‫تكون بعيدة عن عدس��ات كاميرات المراقبة‬ ‫م��ن األبراج الموج��ودة على طول الش��ريط‬ ‫الحدودي‪ ،‬أي ف��ي «النقطة العمي��اء» لزوايا‬ ‫التصوي��ر أو عل��ى ضفة نه��ر العاصي خلف‬ ‫الس��تار التراب��ي المق��ام لمنع التس��لل إلى‬ ‫األراضي التركية»‪..‬‬ ‫ال تقتصر تصرف��ات (الجندرم��ة) التركية‬ ‫عند حد إطالق النار على من يحاول التس��لل‬ ‫ال��ى األراض��ي التركي��ة‪ ،‬بقص��د عملي��ات‬ ‫التهريب والذين دائمًا ما يكونون من العمال‬ ‫البسيطين‪ ،‬بل هنالك من تحدث عن تقصّد‬ ‫حرس الحدود التركي��ة لألهالي والمزارعين‬ ‫الموجودين على الطرف السوري من الحدود‪،‬‬ ‫بغ��ض النظ��ر عن عمل��ه أو عم��ره أو الغاية‬ ‫الت��ي أوصلت��ه للم��رور على جان��ب الحدود‪،‬‬ ‫مما أدى الى نتائج ش��به كارثية بالنسبة إلى‬ ‫أراض زراعية‬ ‫بع��ض العوائ��ل الت��ي تمل��ك ٍ‬ ‫على الجانب الس��وري من الحدود والتي تعد‬ ‫مصدر الرزق الوحيد‪..‬‬ ‫كما تجدر اإلشارة الى أن معظم االنتهاكات‬ ‫المسجلة والموثقة (بالشهادة) ضد مواطنين‬ ‫س��وريين من قبل ح��رس الح��دود التركية‪،‬‬ ‫ه��ي انتهاكات مس��جلة باس��م مخف��ر قرية‬ ‫(الفرفرية) التركية التابع لقطاع (قربياص)‪،‬‬ ‫موال‬ ‫حيث أن الضابط المسؤول عن المخفر‬ ‫ٍ‬ ‫لنظام االسد ومحسوب على طائفة معينة‪.‬‬

‫|‬

‫هموم زيتون‬

‫|‬

‫فيزة �سورية خا�صة ب�أهل �إدلب‬ ‫املناطقية مر�ض ّفتاك ي�ضرب الن�سيج ال�سوري‬

‫مي الفار�س‬

‫إن اندحار قوات النظام السوري عن مدينة‬ ‫إدلب يعدُّ الحدث األبرز في المش��هد السوري‬ ‫خالل شهر ونيف‪ ,‬ولس��نا هنا بصدد مناقشة‬ ‫معطي��ات المع��ارك الت��ي جرت‪ ,‬بل س��يكون‬ ‫الحديث عما حدث من نزوح جماعي للمدنيين‬ ‫واق��ع تحت‬ ‫ال��ذي كانوا يعيش��ون ف��ي كنف‬ ‫ٍ‬ ‫سيطرة حكم النظام‪ ,‬وال يعني هذا مواالتهم‬ ‫له أو تأييدهم لحكمه‪ ,‬فالمدني عامة يتصف‬ ‫بالحي��اد‪ ,‬وم��ن الطبيع��ي أنه س��يلتزم بيته‬ ‫إن كان آمنًا والس��يما أن البالد تعجُّ بأس��باب‬ ‫الحرب والموت‪.‬‬ ‫إال أن��ه تح��ت وطأة المعارك التي اش��تعلت‬ ‫ف��ي إدلب والقصف الش��ديد خ��رج المدنيون‬ ‫بأع��داد هائل��ة متوجهين إلى مدن الس��احل‬ ‫الس��وري‪ ,‬الت��ي تعيش اس��تقراراً نس��بيًا ال‬ ‫يق��ارن مع الوضع في مدن الداخل الش��مالي‬ ‫وريفها‪,‬فكانوا بذلك ساعيين إلى حق النزوح‬ ‫من الموت طلباً للحياة‪.‬‬ ‫غير أن المفارقة تكمن في أن الحواجز التي‬ ‫نصبت على مداخل ٍّ‬ ‫كل من مدينة طرطوس‬ ‫ومدينة الالذقية‪ ,‬لم تسمح بدخول أهل إدلب‬ ‫المدنيين‪ ,‬الذين كانوا يعيش��ون في مناطق‬ ‫النظ��ام ونزح��وا حي��ن اش��تدت الح��رب‪ ,‬من‬ ‫أطفال ونساء وشيوخ‪ .‬فتمت معاملتهم على‬ ‫أنه��م إرهابيون قادم��ون لزرع خالي��ا نائمة‬ ‫تهدد استقرار مدنهم‪.‬‬ ‫ول��م يتوق��ف األم��ر عل��ى مس��لمي إدلب‬ ‫وحس��ب‪ ,‬ب��ل تع��داه أيض��ًا إل��ى من��ع دخول‬ ‫المس��يحيين الذي��ن ينتم��ون إلى إدل��ب‪ ,‬لذا‬ ‫تجمع��وا ف��ي الح��واش ف��ي منطق��ة وادي‬ ‫النصارى بالقرب من مشتى الحلو‪.‬‬ ‫إن المعضلة تكمن ف��ي أن هذا المدني إن‬ ‫بق��ي في مدينته س��يعامل بوصف��ه إرهابيًا‬ ‫يخلق بيئة حاضنة لإلرهاب تستحق القصف‬ ‫واإلبادة‪ ,‬فلو كان مدنياً ال يؤيد اإلرهاب لغادر‬ ‫المدين��ة الواقعة تحت س��يطرة المس��لحين‪,‬‬ ‫على ح��د تعبيرهم‪ ,‬وإن غادر مدينته س��عيًا‬ ‫إل��ى األم��ان سيتوجس��ون من��ه الحتم��ال‬ ‫أن يك��ون خلي��ة نائم��ة تُه��دد اس��تقرارهم‬ ‫المزعوم‪ ,‬فحل��ب في مناطقه��ا الباقية تحت‬ ‫س��يطرة النظ��ام س��محت باس��تقبال نازحي‬ ‫إدلب‪ ,‬وال يعرف الس��بب الكام��ن وراء ذلك أو‬ ‫اس��تراتجية هذا القرار‪ ,‬إال أن األخبار القادمة‬ ‫منها تقول إن حم�لات التفتيش في حلب تم‬ ‫تكثيفها بعد س��قوط إدلب بش��كل كبير من‬ ‫خالل المداهمات المس��تمرة التي س��عت إلى‬ ‫م��ا يطلق عليه»ضرب فيش» الس��كان رجا ًال‬ ‫ونساء في معظم األحياء‪ ,‬بحثاً عن النازحين‬

‫من إدلب على وجه الخصوص‪.‬‬ ‫المؤل��م ف��ي األم��ر أن الس��وري المدن��ي‬ ‫الهارب من وط��أة الحرب والبراميل والقذائف‬ ‫واالشتباكات التي ال تفقه معنى السكون‪ ,‬ما‬ ‫عاد يعاني من انع��دام إمكانية حصوله على‬ ‫فيزة تمكنه من الهرب إلى بالد أخرى عربية‬ ‫أو غربية وحس��ب‪ ,‬بل أصبح يعاني أيضاً من‬ ‫ع��دم امتالك��ه لفي��زة تتيح له دخ��ول المدن‬ ‫الس��ورية والعبور إلى ضفة األمان بعيداً عن‬ ‫سطوة الحرب‪.‬‬ ‫وقد يظن القارئ أن هذا يتفق مع سياس��ة‬ ‫التقسيم في س��وريا‪,‬والتي تضج الكواليس‬ ‫السياس��ية بمعطياته��ا القادمة‪ ,‬لك��ن األمر‬ ‫ال يع��ود إلى س��وريا فحس��ب‪ ,‬إذ نج��د اليوم‬ ‫أيضًا ف��ي العراق منع النظ��ام الحاكم دخول‬ ‫النازحي��ن الهاربين من داع��ش من محافظة‬ ‫األنب��ار إلى بغداد‪ ,‬حيث ضجّت العراق مؤخراً‬ ‫بأصداء غضب عارم إزاء اقتراح العبادي إيواء‬ ‫النازحي��ن من محافظة األنبار في س��جن أبو‬ ‫غريب المهجور‪.‬‬ ‫إن إش��كالية التعام��ل م��ع المدنيين وتحت‬ ‫مس��مى اإلرهاب‪,‬ال تقف عند غايات المشروع‬ ‫الش��يعي ف��ي المنطقة وال حت��ى الدفاع عن‬ ‫الوجودالسني‪ ,‬بل تعزز اليوم ما يطلق عليه‬ ‫المناطقي��ة الت��ي باتت أخطر م��ن الطائفية‪,‬‬ ‫ولئ��ن كانت الطائفية تس��بب حروب��اً طويلة‬ ‫األمد‪ ,‬فإن المناطقية اليوم س��تحدث ش��رخًا‬ ‫جغرافي��ًا ينهض على المصال��ح االقتصادية‬ ‫والسياس��ية ول��ن يردم��ه أي اتف��اق أو ٍّ‬ ‫ح��ل‬ ‫سياسي‪ ,‬حتى لو س��عت الدول العظمى التي‬ ‫تدي��ر ه��ذه الح��رب إلى ذل��ك‪ .‬وتل��ك الدول‬ ‫تدرك‪ ,‬بدعمها لسياس��ة األنظمة الحاكمة‪,‬أن‬ ‫الطائفية س��تزول يوماً ما‪ ,‬غير أن المناطقية‬ ‫هي األنس��ب ف��ي تحقيق غاياتهم وترس��يخ‬ ‫مخططاته��م الت��ي يس��عون إليها ف��ي هذه‬ ‫البالد‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫|‬

‫وجهة نظر‬

‫|‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 15 | 108‬أيار ‪2015‬‬

‫العقل يف م�س�ألة ال َع َلم‪..‬‬ ‫مروان حممد‬ ‫يجب التنويه س��لفا إل��ى أن جوهر المقال‬ ‫ق��د طرح قريبا في «بوس��ت « وكون طبيعة‬ ‫البوس��تات ذاته��ا قصي��رة ومختص��رة‪ ،‬ل��ذا‬ ‫ارتأيت أن أتوسع فيه ألهمية الموضوع‪.‬‬ ‫تعلمون جميعا بأن إزاحة علم االس��تقالل‬ ‫من عل��ى المنصة‪ ،‬ف��ي المؤتم��ر الصحفي‬ ‫المش��ترك بي��ن خال��د خوجة ولؤي حس��ين‪،‬‬ ‫أث��ارت العديد من االنتق��ادات وردّات الفعل‪،‬‬ ‫وصلت إلى تقدي��م اعتذار من الخوجة واعدا‬ ‫ال يتكرر مس��تقب ً‬ ‫ب��أ ّ‬ ‫ال؛ فيما ت��م العمل على‬ ‫النب��ش والتش��كيك ف��ي تاري��خ المعارض‬ ‫السوري لؤي حسين‪.‬‬ ‫للح��ق إن خطاي��ا كثي��رة ارتكب��ت بح��ق‬ ‫الث��ورة الس��ورية‪ ،‬منها فكرة العل��م البديل‪.‬‬ ‫مرّ على الس��وريين خمسة عشر علماً خالل‬ ‫تاريخه��م الحديث‪ .‬بدءا من علم االس��تعمار‬ ‫العثمان��ي إل��ى أع�لام الدويالت الس��ورية‪،‬‬ ‫مرورا بأعالم االنتداب واالس��تقالل والوحدة‪،‬‬ ‫والعلم السوري بثالث نجمات‪ ،‬ثم علم اتحاد‬ ‫الجمهوري��ات ثم عل��م الجمهوري��ة العربية‬ ‫الس��ورية الحال��ي المع��روف من��ذ الثمانين‬ ‫وحتى اآلن‪.‬‬ ‫ذهب��ت تلك األعالم م��ع تاريخها‪ ،‬وبقي»‬ ‫الس��وريون « ملمومين وراء العلم الرس��مي‬ ‫حت��ى األش��هر األولى م��ن الث��ورة‪ ،‬يتبارون‬ ‫عل��ى األحق برفعه‪ ،‬واألط��ول واألعلى الخ‪..‬‬ ‫وكان يفعل فعله على أكمل وجه في الحشد‬ ‫والتحري��ض‪ ،‬واإلث��ارة واإلغاظة لدى النظام‬ ‫الباغي ومؤيديه‪.‬‬ ‫بالطبع نحترم جهود وتضحيات الناشطين‬ ‫والث��وار ف��ي المي��دان‪ ،‬لك��ن ل��م تك��ن كل‬ ‫خياراتهم صائبة‪.‬‬ ‫ف��ي الواق��ع إن ط��رح عل��م االس��تقالل‬ ‫كبديل‪-‬هذا رأي منذ أول يوم تم رفعه فيه‪-‬‬ ‫كان كفيال بأن يش��ق الس��وريين ف��ورا إلى‬ ‫نصفين‪ ،‬عبر قرار واحد‪ ،‬غير مفكر فيه كما‬ ‫يجب‪.‬‬ ‫(ه��ل يخف��ى عل��ى عم��وم الس��وريين‬ ‫والناش��طين منه��م خصوصا‪ ،‬مدى تس��خير‬ ‫النظام من الدعاية والوق��ت والمال والرجال‬ ‫لش��ق الس��وريين عن بعضهم البعض؟ كل‬ ‫ذل��ك تم توفي��ره عل��ى النظ��ام‪-‬دون قصد‬ ‫طبعا‪ -‬بق��رار واحد أُخ��ذ دون تبصر!؟)‪ .‬وهو‬ ‫لي��س الق��رار الوحي��د الخاط��ئ‪ ،‬فقبله كان‬ ‫قد تم رفع الش��عار الش��هير‪ -‬سيء الصياغة‬ ‫والمغزى‪ « -‬الثورة السورية ضد بشار األسد‬ ‫!» حي��ث وجّ��ه الش��ارع فورا نحو ش��خصنة‬ ‫الحراك(وقته��ا أب��دا ل��م يكن ه��دف الحراك‬

‫‪8‬‬

‫هو ش��خص بش��ار‪ .‬أمّا اليوم بالتأكيد توجد‬ ‫قضية ش��خصية مع هذا المس��تبد‪ ،‬ومن كل‬ ‫السوريين)‪.‬‬ ‫كما جاءت تس��مية الجمع بصبغة إسالمية‬ ‫واضح��ة‪ ،‬من نف��س المصدر(الخاطئ)لتأخذ‬ ‫النش��طاء إل��ى أمكن��ة ومط��ارح ت��ؤدي إلى‬ ‫تديين الحراك وأس��لمته‪ ،‬بوعي أو من دونه‪،‬‬ ‫ال فرق‪ .‬وهذا األمر ساهم ومهّد إلى تطييف‬ ‫بع��ض النش��اطات والش��عارات(حيث ب��دأت‬ ‫عبارة النصيرية والمجوس تمرّ وتستقر في‬ ‫أدبيات الناشطين دون رادع وطني أو تبصر)‬ ‫إل��ى م��ا وصلنا إلي��ه اليوم من لغ��ة طائفية‬ ‫فاقعة ومقيتة ومرفوضة‪.‬‬ ‫(في ه��ذا المق��ام تج��در اإلش��ارة إلى أن‬ ‫التعذيب الوحش��ي البش��ع إلى أقصى حدود‬ ‫البش��اعة الت��ي يمك��ن أن تخطر ف��ي خيال‪،‬‬ ‫وال��ذي م��ورس م��ن قب��ل النظ��ام الظال��م‬ ‫وحلفائه‪ ،‬بحق النش��طاء والمعارضين‪ ،‬وكل‬ ‫م��ن ليس معه‪ ،‬ما كان ل��ه أن يُمارس بتلك‬ ‫البش��اعة‪ ،‬ل��و لم يت��م تجري��د الخصوم من‬ ‫صفتهم البشرية أوال‪ ،‬ليسهل بعدها شرعنة‬ ‫كل الوسائل العنيفة والالأخالقية من وسائل‬ ‫التعذي��ب والتنكي��ل إلخراج ه��ؤالء الخصوم‬ ‫م��ن الحرية أو من الحياة برمتها‪ ،‬باعتبارهم‬ ‫ليسوا « بشرا « يستحقون أيا منها !؟)‪.‬‬ ‫تضعن��ا هذه الص��ورة المؤلمة أمام تحدي‬ ‫أخالق��ي أوال‪ ،‬قبل أن يكون سياس��ي وطني‪.‬‬ ‫وذل��ك لك��ي نتجن��ب تم ّث��ل س��لوك النظام‬ ‫الظال��م المس��تبد‪ .‬وه��و كي��ف نحافظ على‬ ‫الصف��ة اإلنس��انية فين��ا‪ ،‬إل��ى جان��ب صفة‬ ‫السياس��ي المع��ارض والث��وري الميدان��ي‬ ‫والقائد المسلح؟!‬ ‫إن ضم��ان احت��رام خيارك كبش��ري أصال‬ ‫ّ‬ ‫قب��ل مع��ارض أو ث��وري‪ ،‬أو قب��ل أي صف��ة‬ ‫ش��بيهة‪ ،‬خاص��ة وأنت صاحب مش��روع ثورة‬ ‫على الظلم واالس��تبداد‪ ،‬يُحتم عليك تفهّم‬ ‫خي��ارات اآلخري��ن‪-‬إن لم تحتم��ل االحترام‪-‬‬ ‫باعتبارهم بش��ر مثل��ك أوال‪ ،‬يختلفون عنك‬ ‫في الرؤى والرأي‪ ،‬أو في العقيدة أوالدين الخ‬ ‫ال��خ ‪..‬المغ��زى هو عدم أخراجه��م من دائرة‬ ‫البشرية‪ ،‬كخصمك‪ ،‬ليسهل عليك إقصائهم‬ ‫ونفيه��م وحت��ى قتله��م بعدها(ه��ذا أمر ال‬ ‫عالق��ة له بالحرب الدائ��رة أو بأخالق الحرب‪.‬‬ ‫والتي فيها القتل واألسر والقتل المضاد وما‬ ‫ش��ابه‪ .‬أتحدث ع��ن رؤيتك كمع��ارض اآلن‪،‬‬ ‫وربما كحاكم غ��دا‪ ،‬لآلخر المختلف عنك في‬ ‫الكثي��ر من القضايا‪ ،‬منه��ا الدين أو الطائفة‬ ‫أو المذه��ب‪ ،‬ف��ي وطن واح��د)‪ .‬حقيقة ّ‬ ‫أركز‬

‫عل��ى أن المق��دس الدني��وي الرئي��س يجب‬ ‫أن يك��ون اإلنس��ان بصفته نفس��ها(من هنا‬ ‫نالحظ توسع دائرة الدول التي تلغي عقوبة‬ ‫اإلعدام من تش��ريعاتها)‪ .‬بعد ذلك ننظر إلى‬ ‫هذا اإلنس��ان بصفته رم��ز‪ ،‬أو إلى صنع هذا‬ ‫اإلنس��ان للرمز(العلم مثال) وفي الحالين هو‬ ‫إنسان‪ ،‬وفي الحالين يجب أن يصب في حالة‬ ‫إجم��اع‪ ،‬وف��ي صال��ح المجم��وع‪ ،‬وفي طرف‬ ‫الخير العام على بساطة التعريف للخير‪.‬‬ ‫وعليه يصب��ح المطلوب هو إع��ادة األمور‬ ‫إل��ى أصوله��ا ووضعه��ا ضم��ن حجومه��ا‬ ‫الحقيقي��ة‪ ،‬والتفكي��ر ب��أن الرم��ز‪ ،‬أي رم��ز‬ ‫يكتس��ب أهميت��ه‪ ،‬وحتى قدس��يته للبعض‪،‬‬ ‫من قدرته عل��ى أن يحترم العقل والوجدان‪،‬‬ ‫وضمن��ا الحق��وق األساس��ية للكائ��ن الفرد‪،‬‬ ‫كما لعم��وم المجموعة البش��رية ‪-‬المتنوعة‬ ‫والمختلفة في رؤاه��ا وطموحاتها وأهدافها‬ ‫ال��خ الخ‪ ،‬لم نقترب من الدين والعرق!‪ -‬التي‬ ‫تعي��ش معا(س��واء بالصدف��ة التاريخية‪ ،‬أم‬ ‫بالقسر واإلكراه)حيث الناظم القانون وقبول‬ ‫االحتكام له وحده‪.‬‬ ‫وإلاّ ‪ ،‬سيتراجع العقل لصالح تقدم «غريزة‬ ‫القطي��ع « الس��ائرة وراء « أي تي��س « دون‬ ‫تفك��ر‪ ،‬حت��ى وإن كان يقوده��ا إل��ى جهنم‬ ‫وبئس المصير!‬


‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 15 | 108‬أيار ‪2015‬‬

‫|‬

‫فنون‬

‫|‬

‫ملحمة "جلجام�ش"‬ ‫ب�شار ف�ستق‬

‫�أكرث من م�سرح ّية و�أبطال‬ ‫م��ع األخرى‪ ،‬وألحداثها بدؤها وعقدتها وح ّلها‬ ‫المس��تق ّلة كأج��زاء ‪ -‬ل��و أردت ذل��ك – والتي‬ ‫ّ‬ ‫تش��كل وح��دة متكاملة ف��ي آن؛ لذل��ك رأت‬ ‫بعض العروض أن تفصل موضوع الطوفان‪،‬‬ ‫لا‪ ،‬عن الملحمة‪،‬ليس تقلي ً‬ ‫مث� ً‬ ‫ال من أهمّيته‪،‬‬ ‫ب��ل لكون��ه ج��زءاً يمك��ن تج��اوزه وال تتأث��ر‬ ‫تصاعديّة الحدث‪.‬‬

‫اقتح��م الكثير م��ن المخرجين ف��ي العالم‬ ‫ملحم��ة «جلجامش» مجرّبي��ن إيصالها عبر‬ ‫الفض��اء المس��رحيّ ‪ -‬بالمعن��ى العريض ‪-‬‬ ‫باحثين في األس��ئلة الت��ي اقترحتها الملحمة‬ ‫ألن هذا «النصّ»‬ ‫منذ نحو خمسة آالف عام!! ّ‬ ‫دوّن في األلف الثالثة قبل الميالد‪ ،‬وهو أقدم‬ ‫ما أُنت��ج أدبيّاً من الفكر البش��ريّ‪ ،‬وما زالت‬ ‫أس��ئلته حيّة تنتظر‪ ،‬وربّما س��تبقى ما بقي‬ ‫اإلنسان ولو خارج الكرة األرضيّة‪.‬‬ ‫ف��ي ذروة م��ن ذرا الملحم��ة يقع الس��ؤال‬ ‫الجوه��ريّ األزل��يّ ح��ول الحي��اة والم��وت‪،‬‬ ‫والبحث في س��رّ الخلود‪ ،‬من حي��ث إمكانيّة‬ ‫وجوده أص ً‬ ‫ال‪ ،‬وكيفيّة الوصول إليه‪ ،‬وعبثيّة‬ ‫ذل��ك البحث أيضاً؛ فال خلود بحس��ب الملحمة‬ ‫إلاّ فيما قد تعمله‪ .‬يمكنك أن تعيش لحظتك‬ ‫كم��ا وج��دت صاحب��ة الحان��ة‪ ،‬أو أن تغام��ر‬ ‫وتتحدّى اآللهة كما فعل «أنكيدو» ويمكن أن‬ ‫تسوّر مدينتك كما عمل واقتنع صاحب اسم‬ ‫الملحمة السومريّة األصل‪ّ .‬‬ ‫كل تلك األسئلة‬ ‫وغيره��ا مازال��ت ملهم��ة ف��ي عمليّ��ة خلق‬ ‫العرض ب��أدوات مس��تحدثة‪ ،‬باعتبار ضرورة‬ ‫مواجه��ة العص��ر –حقيقة‪ -‬بما يس��اهم في‬ ‫معرفة اإلنسان لنفسه أوّ ً‬ ‫ال‪ ،‬كطريق لمعرفة‬ ‫العالم من حوله تاليًا‪.‬‬

‫كذل��ك بع��ض مغام��رات الصديقي��ن في‬ ‫غابات األرز‪ ،‬للس��بب الس��ابق‪ ،‬وحتّى اللقاء‬ ‫مع «س��يدوري» صاحبة الحانة‪ ،‬وإن كان ّ‬ ‫كل‬ ‫من ه��ذه األح��داث يمكن أن يص ُل��ح لعرض‬ ‫مس��رحيّ لوح��ده بالمعنى األرس��طيّ‪ ،‬من‬ ‫حي��ث وحدة الفعل‪ ،‬وانطب��اق التعريف عليها‬ ‫كصراع وتلوّن‪ ،‬وجالل أو قدسيّة الشخصيّة‬ ‫كأن تكون م��ن اآللهة أو مرتبطة بش��كل ما‬ ‫ّ‬ ‫ولعل صراعات «عشتار» مع جلجامش‬ ‫معها‪.‬‬ ‫تك��وّن أوضحمجموع��ة من األس��اطير التي‬ ‫تعك��س أوضاعاً اجتماعيّة وسياس��يّة كانت‬ ‫س��ائدة ف��ي فت��رة تدوي��ن الملحمةيمكنن��ا‬ ‫تناولها كوحدة منفصلة؛ ألنّها تحتوي عناصر‬ ‫المس��رحيّة بالمعنى التقلي��ديّ كتراجيديا‪،‬‬ ‫كع ّلة البطل‪ ،‬والتطهير‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫اس��تثناء‪ ،‬نج��د ف��ي الملحم��ة ش��خصيّة‬ ‫رئيس��يّة بطوليّة بشريّة بالكامل‪ ،‬أوجدتها‬ ‫اآلله��ة لتق��ف ن��دّاً لجلجام��ش‪ ،‬إذ ال يوج��د‬ ‫– ع��ادة ‪ -‬أبط��ال ف��ي المالح��م م��ن محض‬ ‫البشر‪ ،‬إنّهاش��خصيّة «أنكيدو» فهو مخلوق‬

‫من الطي��ن‪ ،‬يعيش في البريّ��ة كالوحوش‪،‬‬ ‫ومن ثمّ يُروّض بواسطة مومس مقدّسة‬ ‫ليصير إنس��ان ًا‪ ،‬ويصارع الطاغية جلجامش‪،‬‬ ‫ونتيجة لهذه المواجهة ش��به الندّيّة تتكوّن‬ ‫الصداقة وال نهائيّة المغامرة اإلنسانيّة‪.‬‬ ‫أنكي��دو ال��ذي ال يق��ف في وجهه ش��يء‪،‬‬ ‫يص��ادق ويراف��ق جلجام��ش ف��ي رحل��ة ال‬ ‫يصعقها إلاّ الموت!!!‬ ‫م��رضُ ثمّ م��وت أنكيدو «ليأكل��ه الدود»‬ ‫بع��د أن يقت��ل ثور الس��ماء‪ ،‬يفجّر مش��اعر‬ ‫جلجام��ش ويدف��ع بعقل��ه إل��ى التس��اؤل‬ ‫األقصى؛ هل يمكن تفادي الموت؟ وكيف؟‬ ‫اإلجاب��ة تأتي من خالل رحلة البحث إليجاد‬ ‫نبت��ة الخل��ود! فق��د حص��ل بط��ل الطوفان‬ ‫«أوتانبشتيم» على السرّ وهو تلك النبتة‪.‬‬ ‫وياللعبث!‬ ‫فق��د وصل إليه��ا جلجام��ش وحملها‪ ،‬لكن‬ ‫حيّ��ة الت��راب أكلتها لتن��ال الخل��ود بدورها‪،‬‬ ‫بينما كان هو يروي عطشه من بئر ما‪.‬‬ ‫وبتأكي��د عل��ى العبث‪ ،‬تع��ود الملحمة إلى‬ ‫أوّلها لتتحدّث عن األسوار األجمل للمدينة‪:‬‬ ‫«تأمّل أسوار أوروك‪ ،‬آجرّها‪ ،‬أساساتها!‬ ‫هل ترى بنا ًء أجمل منه؟»‬

‫دورة الحياة هي الخالدة‪ ،‬وما نصنعه هو ‪-‬‬ ‫فقط – الدليل على أنّنا كنّا وسنبقى‪.‬‬

‫ش��خصيّة جلجامش من الناحية الدراميّة‬ ‫كبط��ل مغري��ة للمم ّث��ل؛ فهو إله ف��ي ثلثيه‬ ‫وثلث��ه الباقي إنس��ان‪ ،‬وقد جسّ��دتها بعض‬ ‫بأن ع ّلة هذا‬ ‫الع��روض كامرأة؛ وبرّروا ذل��ك ّ‬ ‫البط��ل وجوديّ��ة وال تخصّ أحد الجنس��ين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وقدّمت في تجارب أخرى بعدّة ممثلين لهذه‬ ‫الش��خصيّة معاً كجوقة‪ ،‬معبّرين عن صوت‬ ‫تنوّع اإلنس��ان‪ ،‬أو بالتناوب ليكوّن جلجامش‬ ‫مجموع��ة تش��به تن��وّع اآلراء تج��اه قضيّة‬ ‫واحدة‪.‬‬ ‫الصراعات الموج��ود في الملحمة ذات بنية‬ ‫ّ‬ ‫فل��كل ل��وح حبكة مس��تق ّلة‬ ‫فسيفس��ائيّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تتش��ابك فيها خطوط الفعل لكل ش��خصية‬

‫‪9‬‬


‫|‬

‫ر�أي‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 15 | 108‬أيار ‪2015‬‬

‫|‬

‫بكى على حم�ص‪ ..‬فبكت عليه �سـوريّة‬ ‫عبد الرزاق كنجو‬

‫"الفنان الت�شكيلي غ�سان ال�سباعي"‬ ‫اّ‬ ‫ال المجاملة والدبلوماسية الكاذبة‪.‬‬

‫ل��م يك��ن الفن��ان التش��كيلي ‪/‬غس��ان‬ ‫الس��باعي‪ /‬أكثر من مس��تمع لما ي��دور فيما‬ ‫حول��ه م��ن أحاديث ونقاش��ات ألي عمل فني‬ ‫ح��وار يدور‬ ‫يخ��صّ فن��ون التصوي��ر أو أيّ‬ ‫ٍ‬ ‫ح��ول اإلبداعات الفني��ة والت��ي كان يتابعها‬ ‫بش��غف واهتم��ام‪ ،‬فلقد كان دائم��ا يفضّل‬ ‫أن يك��ون آخ��ر المتحدثي��ن‪ ،‬ذلك ألن��ه يثق‬ ‫بنفس��ه وبفك��ره وبجرأته على إب��داء الرأي‬ ‫حول الموضوع المطروح للمناقش��ة‪ ،‬س��واء‬ ‫لمع��رض أو للوح��ةٍ فني��ة أو‬ ‫أكان تقييم��ا‬ ‫ٍ‬ ‫لمحاضرة ثقافية‪ .‬ش��أنه بذلك ش��أن الفنان‬ ‫فاتح المدرس المش��هود له بصراحته‪ .‬وكنت‬ ‫أعتبرهم��ا توءمان متفرّدان ف��ي الصّراحة‬ ‫الجارح��ة أحيان��ا والبعي��دة ع��ن المجامل��ة‬ ‫والمداهن��ة الت��ي اعت��اد معظ��م الفناني��ن‬ ‫والمبدعي��ن عليه��ا خالل لقاءاته��م الثقافية‬ ‫المتكررة‪.‬‬ ‫ولع ّل��ي تأثرت بهذا الس��لوك الى حدّ كبير‬ ‫في مناقشاتي التي كثيراً ما أفقدتني بعض‬ ‫األصدقاء الذي��ن اليرتضون في مجتمعاتهم‬

‫‪10‬‬

‫ومهم��ا يكن م��ن أمر فلقد ح��رص الفنان‬ ‫التش��كيلي غس��ان الس��باعي أن يكون دائم ًا‬ ‫ص��ادق الكلمة والريش��ة معاً‪ ،‬ف��ي إبداعاته‬ ‫الفنية التي نجدها في رسوماته على صفحات‬ ‫المجالت وأغلفة الكتب‪ ،‬والتي كانت تحكي لنا‬ ‫الرواية أو القصة ونس��توعبها قبل قراءتها‪،‬‬ ‫ذلك ألنّه اعتمد على المدرسة التعبيرية في‬ ‫رس��م موضوعاته ولوحات��ه الزيتية‪ ،‬مبتعدا‬ ‫ع��ن الكالس��يكية الفوتوغرافي��ة‪ ،‬وليضيف‬ ‫على مواضيع��ه ماتجود به قريحته وعصارة‬ ‫تفكي��ره‪ ،‬لذلك كنّا نجد أنفس��نا نغور داخل‬ ‫ال ّلوحة‪ ،‬ونس��توقفها بد ً‬ ‫ال من أن تس��توقفنا‬ ‫نحن لفترة من الزمن‪ ،‬نبحث فيها عن ش��ي ٍء‬ ‫مفق��ودٍ س��رعان مانجده ونتفهّم��ه‪ ،‬وكأنه‬ ‫خرج من فكرنا نحن‪ ،‬وش��اركناه بما يريد أن‬ ‫ينقله لنا ويعبر عنه بلغةٍ ملوّنةٍ تنقلنا قبل‬ ‫كل ش��يء الى ألوان «رامبران��ت الهولندي»‬ ‫ولوحات��ه المش��عة بالنور رغم قتام��ة أجزا ٍء‬ ‫واسعةٍ من سطوح لوحاته الخالدة‪.‬‬ ‫لع��ل دراس��ته الجامعية في االس��كندرية‬ ‫بمصر لم تش��بع طموحه الفن��ي فأراد إغناء‬ ‫ثقافته ومزاوجتها بالفنون األوربية الحديثة‬ ‫حيث قصد أعظ��م الجامعات الفرنس��ية في‬ ‫باري��س‪ ،‬حام ً‬ ‫ال معه س��حر الش��رق العربي‬ ‫ليمزج��ه بحداث��ة الفن��ون الغربي��ة الواف��دة‬ ‫أواس��ط القرن الماض��ي‪ ،‬ليع��ود بعدها الى‬ ‫وطنه الس��وري محمّ ً‬ ‫مكتسب أضاف‬ ‫ال بتراث‬ ‫ٍ‬ ‫عل��ى م��اكان يكتن��زه س��ابقًا م��ن الحضارة‬ ‫العربية وفنونها الشرقية‪.‬‬ ‫لقد وقف مع رواد النهضة الفنية السورية‬ ‫وساهم بتأس��يس تيار فني متطور مستمد‬ ‫م��ن التجرب��ة العالمية‪ ،‬في م��زج التعبير مع‬ ‫تجريد مبس��ط اليبتع��د أبدا والينس��لخ عن‬ ‫التش��كيل المفه��وم لدى المش��اهد ألعماله‬ ‫الفنية‪.‬‬

‫امتازت لوحاته بضبابية األلوان وإس��التها‬ ‫دون التحدي��د بخط��وط مرس��ومة كم��ا في‬ ‫معظم أعمال الفنانين التشكيليين من أبناء‬ ‫جيله‪ ،‬فاعتمد تجاور األلوان وتداخلها بدرجات‬ ‫الظ ّ‬ ‫مختلفة‪ ،‬وحرفي��ة عالية للوصول الى ّ‬ ‫ـل‬ ‫والنور‪ ،‬والى المنظور الوهمي لتحقيق البعد‬ ‫الثالث والعمق في اللوحة الملس��اء‪ ،‬حيث لم‬ ‫يكن يتآلف مع سماكة األلوان وكثافتها وهذا‬ ‫ماكان يميزه عن كثير من أبناء جيله‪.‬‬ ‫عن��د الوق��وف والتأمّ��ل لمعظ��م لوحاته‬ ‫وعل��ى امت��داد فت��رة إبداعات��ه نالح��ظ أن‬ ‫تشخيص اإلنس��ان لم يغب عن لوحاته أبداً‪،‬‬ ‫معتم��دا على إظهار المرأة أكث��ر من الرجل‪،‬‬ ‫ربما لشعوره بأنها األمّ والزّوجة ووهي نبع‬ ‫أن رس��وم النس��اء عن��ده كانت‬ ‫العطاء‪ ،‬كما ّ‬ ‫تظهر بوقفات رصينة متماسكة ومعبرة‪.‬‬ ‫ل��م يك��ن يوم�� ًا يرس��م له��دف م��اديّ أو‬ ‫تس��ويقيّ ف��ي الص��االت أوف��ي األماك��ن‬ ‫الس��ياحية‪ ،‬وإنّما كان يطرح أفكاره الهادفة‬ ‫إليصال رس��الته الفنية الملتزم��ة والقريبة‬ ‫م��ن مجتمعه‪ ،‬ف��أراد التعبي��ر عنها من خالل‬ ‫خطوط وألوان ورسوم موجهة هادفة‪ ،‬لذلك‬ ‫فق��د امت��ازت اعمال��ه بأنها تحم��ل مفاهيما‬ ‫فكريّة رفيعة المستوى‪.‬‬ ‫لق��د كان ش��ديد الحساس��ية الصّامت��ة‪،‬‬ ‫فاخت��زن الحزن واأللم الش��ديد على مدينته‬ ‫الت��ي ول��د وترع��رع فيه��ا (حم��ص العديّة)‬ ‫واعتص��ر األل��م قلب��ه وبك��ى طوي� ً‬ ‫لا عندما‬ ‫ش��اهد أبنيتها وقب��اب جامع خالد ب��ن الوليد‬ ‫تته��دم ف��وق رؤوس مواطني��ه بواس��طة‬ ‫القذائف الحربية‪.‬‬ ‫عن��د ذلك‪..‬غادرنا ورحل الى جوار ربه في‬ ‫شباط العام الحالي‪..‬‬ ‫فبكت عليه ســوريّة‪.‬وستبكيه طوي ً‬ ‫ال‪.‬‬


‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 15 | 108‬أيار ‪2015‬‬

‫|‬

‫وجهة نظر‬

‫|‬

‫دموعكم عجز الكلمات‬ ‫�أ�سعد �شال�ش‬ ‫دموعٌ‪ ...‬دم��وعٌ‪ ...‬دموع‪ ،‬وفي الديار موت‬ ‫وحرب وجوع‪.‬‬ ‫أن��ا‪ ...‬أن��ا ملوحت��ي هي‪ ...‬ه��ي بغضّ‬ ‫النظر عن عيونكم خضراء كانت أم س��وداء‪،‬‬ ‫أم زرقاء‪.‬‬ ‫أنا حليفكتم في أحزانكم‪ ،‬وفي الش��ديد‬ ‫من أفراحكم‪ ،‬ولكن في األشدّ من فواجعكم‬ ‫أتجمّ��د في عيونكم أس��ىً عليكم‪ ،‬ما بيني‬ ‫وبين عيونكم خ��دّ وملح‪ ،‬وليس من طبعي‬ ‫أن أخون الملح‪.‬‬ ‫أن��ا أنثويّ��ة الطب��ع‪ ...‬ذكوريّ��ة التطبّع‪،‬‬ ‫زرفن��ي جلجامش دموع��اً م��رّة‪ ،‬حزنًا على‬ ‫موت صديقه أنكيدو‪.‬‬ ‫أن��ا م��ن يطف��ئ حرائ��ق مش��اعركم‬ ‫ووجدانكم عندما تعجز الكلمات عن إطفائها‪،‬‬ ‫يس��تنجد بي الصغار إمّا لبراءتهم أو تخابثًا‬ ‫لتبرئتهم وتحقيق أهدافه��م‪ ،‬حينها أضحك‬ ‫ّ‬ ‫وأتذكر دموع التماسيح‪.‬‬ ‫أن��ا ال أتوانى عن إس��عاف عاش��قة انفطر‬ ‫قلبه��ا من نصل خيانة أو ش��دّة قس��وة مَن‬ ‫قحطتْ عينه‪ ،‬فأنا أمقتُ عيون قساة القلوب‬ ‫(أن العي��ن الت��ي ال تبكي ال تبصر من‬ ‫وأدرك ّ‬ ‫الحياة ش��يء)‪ ،‬ومع ذل��ك أحافظ على نظافة‬ ‫عي��ون الجمي��ع ورطوبته��ا بم��نّ‪ ،‬وال أدعها‬ ‫تتّس��خ وتج��فّ وم��ع تق��دّم العم��ر وتآكل‬ ‫ش��غاف القل��ب وحواف��ه لما تع��رّض له في‬ ‫س��نينه الطويلة من ضربات عواصف األلم‪،‬‬ ‫يصبح القل��ب أكثر تأهّب��ًا ليك ّثف آالم حزنه‬ ‫ويرسلها على هيئة دموع‪.‬‬

‫بعضٌ من ملوحتي‪.‬‬

‫وعليها‪.‬‬

‫أنا حليفة أمّ ودّع��تْ ابنها عندما غادرها‬ ‫إل��ى البعي��د‪ ،‬لكنّه��ا احتبس��تني أمامه كيال‬ ‫تؤلم��ه‪ ،‬وبع��د أن غ��ادر وأغلقت ب��اب بيتها‬ ‫ذرفت منّي الكثير‪.‬‬

‫في خ��وف األطفال أنا‪ ،‬وه��م يتراكضون‬ ‫تحت طائرة هرب ًا من الموت‪.‬‬

‫اس��تمدّ صفت��ي منك��م‪ ،‬فالبخي��ل ق��د‬ ‫يس��تنجد بي لخس��ارة ف��ي تجارت��ه‪ ،‬أنجده‬ ‫لكنّ��ي ال أحترم��ه‪ ،‬وأحت��رم دموع العشّ��اق‬ ‫والمكلومين‪.‬‬ ‫تتباه��ون أحيانًا بجفائ��ي وتدّعون أنّكم‬ ‫أكب��ر م��ن أن أزور عيونك��م‪ ،‬وتصفون مَن‬ ‫أحضر في عيونه ‪ -‬ألصغر المشاهد المؤلمة‬ ‫ بالمس��كين والضعيف متناسين أنّني رقّة‬‫قلب ورهافة ضمير‪ ،‬وبصراحة أنا وإن نجدت‬ ‫الجمي��ع أحتفظ بتقدي��ري واحترامي لذاتي‪،‬‬ ‫فال أبوح سرّاً وال أخون مستنجداً‪.‬‬ ‫ف��ي زمن المآس��ي يس��تحضرني البش��ر‬ ‫كثيراً ألك��ون عونًا لهم على فواجعهم‪ ،‬كنت‬ ‫حاضرة‬ ‫في بداية ثورتكم‪ ،‬س��رّرت كثي��راً وأنتم‬ ‫تعرس��ون لحريّتك��م فكن��تُ دم��وع ف��رح‬ ‫ف��ي الكثير م��ن العيون‪ ،‬صع��دت بكم قمم‬ ‫النش��وة‪ ،‬فأنا حاضرة في القمّ��ة المختلطة‬ ‫من مش��اعركم‪ ،‬كنت حاضرة ف��ي مقل ّ‬ ‫كل‬ ‫األمّهات اللواتي هربنَ من بيوتهنّ خش��ية‬ ‫على أطفالهنّ من الموت‪ ،‬يعتصرني الحزن‬ ‫إن رآن��ي طفل ف��ي عيون أمّ��ه وبكى معها‬

‫أخالط زغاريد النسوة وصراخهنّ في ّ‬ ‫كل‬ ‫الفواجع‪ ،‬أقطع الكالم وأعمل على اضطراب‬ ‫التنف��س وأش��وّش عل��ى ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل مَ��ن يح��اول‬ ‫مش��اركتي‪ ،‬تحالفتُ مع المرأة منذ أن أصبح‬ ‫ظلمه��ا ّ‬ ‫مركب�� ًا ف��ي تجمّع��ات قمعه��ا وذ ّلها‬ ‫وقهرها‪.‬‬ ‫أن��ا نديم��ة ّ‬ ‫كل األمه��ات الس��وريّات في‬ ‫ش��دائد مصائبه��نّ إن انهدم بي��ت أو أعيق‬ ‫طفل أس��اهر قل��ق أمّ عل��ى أبنائها وهي ال‬ ‫تع��رف أين وكي��ف ينامون؟ وتس��مع أصوات‬ ‫الح��رب وتعرف أنّهم ف��ي أتونها وإن فجعت‬ ‫بعزي��ز منهم أرتبك كثيراً فت��ارة أتجمّد في‬ ‫عيونه��ا وأخ��رى أنهمر بغزارة وأش��فق على‬ ‫عيونه��ا عندما تعيا من ش��دّة البكاء وأحيانا‬ ‫أبكيها وترس��لني روحها دموع�� ًا إلى وجنتي‬ ‫عزيزه��ا وهي تطبع عليهما آخر قبالت قلبها‬ ‫لتبق��ى آخر اآلث��ار منه��ا علي��ه‪ ،‬ترافقه في‬ ‫زفّته إلى المقبرة‪ ،‬مثواه األخير وهي تصرخ‬ ‫بكل خالياها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫كل آالم والدات نساء العالم ال‬ ‫تساوي ألم الموت‪ ،‬تزغرد وتدمع له وعليه‪.‬‬ ‫فزغاريد الحزن نحي��ب دموع أو هي دموع‬ ‫م��ن غي��ر مصدره��ا‪ ،‬تهي��ل علي��ه دموعها‬ ‫(فالدم��وع ه��ي ذرّات الت��راب األخي��رة التي‬ ‫تج ّلل الميّت وتقول‪ :‬إنّه انتهى‪ ...‬انتهى)‪.‬‬

‫أن��ا إنس��انيّة النزع��ة والن��زوع‪ ،‬ال أعرف‬ ‫العنصريّ��ة وال الطائفيّ��ة‪ ،‬ال أتحال��ف م��ع‬ ‫قوميّة أو عرق أو دي��ن‪ ،‬وال يعنيني غنيّكم‬ ‫أو فقيرك��م‪ ،‬وحتّى مَن َفقدَ بصره‪ ،‬وكثيراً‬ ‫ما يس��تنجد بي غير بني البش��ر ف�لا أبخل‪،‬‬ ‫برفق دون‬ ‫أحاول أن أمش��ي على وجناتك��م‬ ‫ٍ‬ ‫أن أخدش��ها‪ ،‬وف��ي أغلب األحي��ان أفضّل أن‬ ‫برفق‪ ،‬وقمّة نشوتي أن تمتدّ‬ ‫تمس��حونني‬ ‫ٍ‬ ‫ي��دّ مَن تحبّون لتمس��حني ع��ن وجناتكم‪،‬‬ ‫وإن مس��حتموني بغير أيديك��م ألاّ ترمونني‬ ‫في األماكن القذرة‪ ،‬ألنّني طهركم‪ ،‬أكره أن‬ ‫أفشي بسرّكم وأصدّره لمن حولكم‪.‬‬ ‫دائم�� ًا أفضّ��ل التحالف مع المس��حوقين‬ ‫والمقهورين‪ ،‬وأع��رف أنّني قد ال أقدّم لهم‬ ‫ش��يئًا يُعتدّ به‪ ،‬لكن وبالتأكيد أفرّج بعض‬ ‫كربه��م وأه��دّئ لواعجه��م ولو إل��ى حين‪،‬‬ ‫ويوم أن انفصلت السماء عن توءمها األرض‬ ‫فاض��ت دموعهم��ا فكان��ت بح��اراً ملوحته��ا‬

‫‪11‬‬


‫|‬

‫عطر زيتون‬

‫ثائر حر‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 15 | 108‬أيار ‪2015‬‬

‫|‬

‫عندما ثار البحر‬

‫يوم معت � ��دل و عند إنتهاء الخطي � ��ب من إقامة‬ ‫في ظهي � ��رة ٍ‬ ‫أ‬ ‫صالة الجمعة‪ ،‬علت الصيحات منادية «هللا �كبر‪ ،‬هللا سوريا‬ ‫أ‬ ‫حري � ��ة و بس»‪ ,‬فقد عانى ش � ��عبنا من م�س � ��اة طويل � ��ة ومرعبة‬ ‫امتدت على مدى أ�ربعين ً‬ ‫عاما و نيف‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫عدن � ��ا إل � ��ى منازلن � ��ا ولكننا لم ني � ���س وظ � ��ل المل يعصف‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫داخلنا منش � � ً�دا �نغام الحري � ��ة‪ ،‬مت�ملين ف � ��ي رفاقنا في مدينة‬ ‫أ‬ ‫بانياس �ن يكونوا قد كسروا قيود الخوف‪.‬‬ ‫نعم إنه الثامن عش � ��ر من آ�ذار‪ٌ ،‬‬ ‫يوم سيجس � ��له التاريخ في‬ ‫أ‬ ‫الس � ��احل الس � ��وري‪ ،‬فقد إنطلق � ��ت �ولى ش � � �رارات الحرية من‬ ‫مدينة باني � ��اس تزغرد بهتافات «هللا ‪،‬س � ��وريا‪،‬حرية وبس»‪،‬‬ ‫أ‬ ‫حي � ��ث تجمع الحرار في س � ��احة البلدية متجمهرين‪ ،‬رافضين‬ ‫كل قهر السينين‪.‬‬ ‫كان خبر المظاه � � �رات في بانياس كحبات البرد على القلب‬ ‫وما هو اال قليل من الوقت اال وجاءت البش � ��رى الثانية «ثارت‬ ‫درعا» ونفضت عنها غبار الذل‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ول � ��م يمض وقت �كثي � ��ر قبل �ن تزف �ول ش � ��هدائها لتعلن‬ ‫والدة وإنطالقة الثورة الس � ��ورية وتعطي كل المدن الس � ��ورية‬ ‫ً‬ ‫دافعا للخروج ضد الظلم واإلستبداد‪.‬‬ ‫أ‬ ‫اس � ��بوع مر اتفقنا خال ل � ��ه على �ن نت � ��وزع كمجموعات كل‬ ‫أ‬ ‫مجموعة في مس � ��جد لنش � ��جع �كبر قدر من الناس المنتظرين‬ ‫لصوت يدعوهم للحرية‪.‬‬ ‫وكان العرس‪..‬ع � ��رس حقيقي لعروس الس � ��احل الس � ��وري‪،‬‬ ‫فقد خرجت الجموع الغفي � ��رة مرددة «يا درعا حنا معاكي على‬ ‫الموت»‪« ،‬بال � ��روح بالدم نفديكي يا درعا»‪« ،‬هللا‪ ،‬س � ��وريا‪،‬‬

‫‪12‬‬

‫حرية وبس»‪.‬‬ ‫آ‬ ‫عشرات ال الف من عش � ��اق الحرية خرجوا من جامع خالد‬ ‫بن الوليد وجامع الرحمن وجامع المهاجرين ومس � ��جد البازار‬ ‫والجام � ��ع الكبي � ��ر‪ ،‬ليجتمع � ��وا ويملؤوا س � ��احة الش � ��يخ ضاهر‬ ‫أ‬ ‫ولتعل � ��وا صيح � ��ات الحري � ��ة هاتف � � ً�ة ب�هازيج الثورة الس � ��ورية‪،‬‬ ‫أ‬ ‫غاضبة على شهداء درعا البرار‪.‬‬ ‫التقينا عند التقاء ش � ��ارع القوتلي مع س � ��احة الش � ��يخ ضاهر‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وبد�ت جموع الموالين وقوى النظام المنية‪ ،‬تتوافد ليقوموا‬ ‫مجتمعي � ��ن بإلقاء الغازات المس � ��يلة للدموع و جلب س � ��يارات‬ ‫أ أ‬ ‫اإلطف � ��اء ‪-‬إلبعادن � ��ا بمائه � ��ا‪ -‬ما لبث � ��ت �ن بد�ت رش � ��قات من‬ ‫أ‬ ‫الحجارة تنهال علينا ليقوم البعض بإعادتها لصحابها‪.‬‬ ‫اتجهت بعدها الجموع إلى ساحة «الصليبة» لتطلق عليها‬ ‫إس � ��م «س � ��احة الحرية» ويسس � ��تمر اإلعتصام‪ ،‬ليش � ��هد اليوم‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫التال � ��ي‪ ،‬وقائع دموي � ��ة ويرتقي �ول ش � ��هدائنا معلن � � ً�ا عن �ول‬ ‫هتاف في سوريا نادى بإسقاط النظام‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف � ��رع الش � ��رطة العس � ��كرية ف � ��ي الالذقي � ��ة �ول م � ��ن خ � ��ان‬ ‫أ‬ ‫الس � ��وريين‪ ،‬و�طلق الرصاص الحي على المتظاهرين‪ ،‬ليرتقي‬ ‫س � ��تة من الش � ��هداء برصاصه � ��م‪ ،‬وتبدا ث � ��ورة الفيني � ��ق الذي‬ ‫اليموت‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ب � ��د�ت عقارب الس � ��اعة وك�نها في س � ��باق‪ ،‬تتراكض لتحقق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رقما قياس � ��يا‪ ،‬معلن � ��ة صباح اليوم الثاني م � ��ن ثورة «البحر»‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫بد� الش � ��بان يجتمعون بعد �ن عق � ��دوا العزم‪ ،‬و علت الحناجر‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫بالتكبي � ��ر م � ��رددة «يا درعا حن � ��ا معاكي على الم � ��وت» وبد�ت‬ ‫أ‬ ‫الجم � ��وع تحتش � ��د‪ ,‬ال لوف تمش � ��ي بخطى ثابتة نحو «س � ��احة‬ ‫الشيخ ضاهر»‪.‬‬

‫أ‬ ‫وصلن � ��ا و ب � ��د� رفقان � ��ا بالتصوي � ��ر لتوثي � ��ق ه � ��ذه اإلنتفاضة‬ ‫أ‬ ‫الس � ��احلية‪ ,‬وما هو إال القلي � ��ل من الوقت‪ ,‬حتى �رس � ��ل نظام‬ ‫أ‬ ‫أالس � ��د «مش � ��ايخه» للتفاوض معنا‪ ،‬أ� ً‬ ‫مال بإنه � ��اء المر‪ ,‬و لكن‬ ‫بحكمة وفطنة‪ ،‬من بعض العقالء‪ ،‬قلب السحر على الساحر‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫‪ ،‬وحمل �حد المش � ��ايخ على ��كتاف المتظاهرين‪ ,‬ليرى نفسه‬ ‫مرغما على الهتاف بالحرية ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ب � ��د� القم � ��ع م � ��ن ذاك المبنى ال � ��ذي ال يبع � ��د إال مئتان من‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المت � ��ار‪ ،‬بإطالق الرص � ��اص الحي‪ ,‬وس � ��قط �ول الجرحى‪ ،‬ثم‬ ‫أ أ‬ ‫�رتقى �ول الش � ��هداء‪ ،‬فالثاني و الثالث والرابع‪ ,‬لتسيل الدماء‬ ‫أ‬ ‫معلن � ��ة «إس � ��قاط النظام»‪ ،‬إنه � ��م رفاقنا كان � ��وا بالمس معنا‪،‬‬ ‫واليوم غادرونا‪ ،‬فهل سنحمل ش � ��علتهم‪ ،‬ونتابع مس � ��يرتهم؟‬ ‫أ‬ ‫وتحت النار‪ ،‬ورغم الرصاص‪ ،‬بد�ت الجموع تركض متجهة‬ ‫أ‬ ‫ًأ‬ ‫محاولة �ن تنقذ ما تبقى لهم من �نفاس‪.‬‬ ‫نحو رفاق الدرب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫متر من ساحة الشيخ ضاهر‪ ،‬كان يرقد جسد‬ ‫بعد‬ ‫خمسين ٍ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫�حم � ��د بع � ��د �ن فارق الحياة‪ ،‬نعم إنه حي ولكن بغير جس � ��د‪,‬‬ ‫أ‬ ‫نعم �نه حاضر ولكن من غير وجود‪ ،‬كبقية الشهداء في ذلك‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫بع � ��د هذا الي � ��وم الدامي‪� ،‬عتم � ��د نظام الس � ��د خط� جديدا‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫لمحاول � ��ة إس � ��كات الص � ��وات الثائ � ��رة‪ ،‬متناس � � ً�يا �ن «ث � ��ورة‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ أ‬ ‫البح � ��ر» ال تهد�‪ ,‬فبد� بإرس � ��ال �زالمه إلى الحي � ��اء الموالية �ن‬ ‫أ‬ ‫المتظاهري � ��ن يتربصون بهم و س � ��يهجمون عل � ��ى �حيائهم من‬ ‫أ‬ ‫أ أ‬ ‫�ج � ��ل �ن يرتكب � ��وا المجازر بحقه � ��م‪ ،‬هدفه �ن يبعد الش � ��باب‬ ‫أ‬ ‫الموالين عن االنخراط بالثورة بل و�ن يناصبوها العداء‪.‬‬ ‫يتبع‪...‬‬

‫متت طباعة وتوزيع هذا العدد من قبل مطبعة �سمارت �ضمن م�شروع دعم الإعالم ال�سوري احلر‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.