www.facebook.com/ZaitonMagazine - zaiton.mag@gmail.com - www.zaitonmag.com
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 15 | 108أيار 2015
|
|
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة |السنة الثالثة |العدد |15 |108أيار 2015
حلب..
غارات مكثفة وسط خالفات مستمرة بين الفصائل
فيزيا سوريا خاصة بأهل ادلب
المناطقية مرض فتاك يضرب النسيج السوري
العقل في مسألة العَ َلم حصان طروادة ..لؤي حسين عَ َلم الثورة وصراعات االيديولوجيا
دموعكم عجز الكلمات
دموع ..وفي الديار موت وحر ب وجوع
بكى حمص فبكت عليه سوريا ..
الفنان غسان السباعي
ملحمة جلجامش.. أكثر من مسرحية وأبطال
1
|
افتتاحية
|
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 15 | 108أيار 2015
ح�صان طروادة ..ل�ؤي ح�سني عبد الكرمي �أني�س يُتّه��م العامل��ون بالث��ورة ،والمنش��غلون به��ا ،على أنهم مجموعة م��ن المبتدئين،في الش��ؤون السياس��ية ،والتعامل معها ،وادارة ش��ؤونها .انه��م أيض��ًا متهم��ون بأنه��م ال يمتلك��ون المعرف��ة الكافي��ة ،إلدارة الدف��ة لش��ؤون تم��س بالثورة،وتخ��دم أهدافه��ا، وال يغي��ب عن قائم��ة االتهام��ات الوقوع في الفوض��ى االعالمي��ة ،والتعامل م��ع الحدث، وف��ق انف�لات ع��ارم ،وع��دم وج��ود ضابط فيص��ل يس��مح بتوجي��ه البوصل��ة بأحداثها باتجاهها الصحيح. سأتفق مع ّ جل االتهامات السابقة ،بنسبية طبع��ًا ،وأزيد القول أن الالعبين األساس��يين ف��ي مؤسس��ات المعارض��ة ،القائمي��ن على صياغ��ة وصناع��ة الق��رار ،تب��دو قراراته��م واجتماعاته��م ،غير ذات جدوى ،بل وغير ذات صل��ة أحيان��ًا بما يح��دث عل��ى أرض الواقع، داخ��ل األراضي الس��ورية ،التي تخلصت من س��يطرة عصابة النظام .ما أكس��ب المشهد، الخارجي خصوصًا ،استباحة لمواقف عاطفية أو انفعالي��ة ،تلهب المزيد من الجراح بالمزيد من األلم والصخب. صحيح أن المركزية ش��أن هام في تنظيم الث��وار ،الذي��ن اليزالون يعيش��ون في طور الفوضى ،في ش��تى المج��االت عمومًا ،وفي الشأن االعالمي خصوصاً ،لكن هناك صناعة كان��ت هي غاية من غاي��ات روح الثورة التي حدثت ف��ي س��وريا ،أال وهي صناع��ة الرأي العام ،حيث اس��تطاع الثوار أن يصنعوا زوابع أجبرت مؤخراً رأس المؤسسة المعارضة في الخارج ممثلة باإلئتالف ،للمطالبة باالعتذار، ضمن ما بات يعرف باسم حادثة «ازاحة علم الثورة عن المنصة». فعقب االعالن عن (ف��رار) رئيس تيار بناء الدول��ة ل��ؤي حس��ين م��ن س��وريا ،واتصاله بجه��ات المعارض��ة الخارجي��ة لعق��د تحالف معها،ت��م االع�لان عن عق��د مؤتمر صحفي لما وصف بأنه امكانية لمد تمثيل المعارضة أم��ام المجتمع الدولي ،وح��دث لغط كبير في حادث��ة طل��ب ل��ؤي حس��ين اس��تبعاد العلم، وامتث��ال خال��د خوج��ة رئيس االئت�لاف لهذا المطل��ب .جدي��ر بالذك��ر أن العل��م األخضر الذي ارتضاه الثوار تمييزاً لهم ،عن العصابة الحاكمة للس��لطة في سوريا ،هو العلم الذي بات يرمز لتضحيات الثوار وألمهم. كان توضي��ح ل��ؤي حس��ين عل��ى صفحته الخاص��ة ف��ي موق��ع التواص��ل االجتماع��ي فيس��بوك أن��ه كان يود م��ا يل��ي « رأيتُ أن
2
نس��تفيد م��ن الفرص��ة وأن نظه��ر بحركةٍ رمزيةٍ تش��ير إلى وحدة السوريين من خالل وض��ع العلمين األخضر واألحم��ر متالصقين ً خاصة وأن��ي أرى اآلن ضرورة مع بعضهم��ا، خ��روج المعارضة م��ن العب��اءة الضيقة كي ً ً س��ورية واح��د ًة وجامعة، مظلة تكون ضمن بهدف حماية س��وريا بكاملها ،أرض ًا وش��عباً، وع��زل وتهميش النظ��ام حتى أم��ام مواليه والصامتين داخل البالد. فاقترحتُ على الس��يد خال��د خوجة ،الذي أشهد له بوطنيته ورجولته ،أن نضع العلمين ملتصقي��ن ببعضها كرمز لجميع الس��وريين بم��ا يقوي الرس��الة التي ن��ود إيصالها ،أو ال نض��ع أي عل��م حتى ال نظه��ر وكأننا نخاطب فئ��ة واحد ًة فق��ط م��ن الس��وريين .وعندما وصلنا قاعة المؤتمر لم نكن قد حصلنا على العل��م األحمر ألنه نادرٌ في اس��طنبول ،لهذا خرج المؤتمر الصحفي بدون أعالم».. ولكن هذا التبرير ال��ذي يوحي بالعقالنية والرزانة ،وهو ما يطلبه أهل العقل والعدالة االنتقالي��ة ،كان ليقبل لوال التس��ريبات التي تم تس��جيلها بن��اء على جلس��ة خاصة ،بين أحد الش��باب المش��تغلين بالحقل االعالمي، وبي��ن لؤي حس��ين وص��ف فيها نفس��ه بأنه الث��ورة بح��د ذاته��ا ،وأنه ق��ادر عل��ى تحدي الذات االلهية ذاتها ،كما تحدى حافظ األس��د! وعند االشارة للشهداء المستضعفين ،الذين سقطوا من طرف الثوار وهم النسبة الغالبة، كما يزعم كاتب ه��ذه الكلمات ،خصيص ًا من فئ��ة المعتقلي��ن والمدنيي��ن واآلمنين الذين تس��اقطوا بش��كل منظ��م وممنهج بس�لاح عصابة األس��د .لقد تمادى لؤي حس��ين أكثر حين تحدث ونائبته منى غانم مستخفاً بجراح أهليه��م وتضحياته��م ليذهبوا الي��ه ليقوم بمحاس��بتهم ربما!! وأهدت هذه الش��خصية ال(معارضة) (شرفاً) كبيراً للعصابة الحاكمة أنها ليس��ت ب��ذات مس��توى الثوريي��ن الذين وصفوا على أنهم (صيّع)!!! لقد خرجت هذه الحادثة بالكثير من النتائج ال يمكن معرفة نتائجه��ا على المدى القريب وكان من بينها ما يلي: -1التش��اركية بالعمل المعارض لعصابة األس��د له��ا دس��تور مح��دد ،س��قفه احت��رام الش��هداء ،وقاعدته األساس اسقاط عصابة األس��د ورموزه وأجهزت��ه األمني��ة المجرمة، ولم يع��د هناك ق��درة لل(ممثل) السياس��ي االكتفاء بممارسة عمله دون نيل الرضى ولو ف��ي حدوده الدنيا على أساس��يات تم االتفاق
عليها. -2كش��فت الواقع��ة ع��ن النس��بية ف��ي التمثيل السياس��ي الذي تمثله تيارات تطالب بالحصول عل��ى حصص محددة م��ن العمل السياس��ي القادم في س��وريا ،س��واء في ما يمثل��ه (ائت�لاف المعارض��ة) وم��ا يليه��ا من تيارات أخرى وحس��ب ما تمثل��ه على األرض في الداخل السوري. -3الضج��ة الكبي��رة الت��ي حدث��ت أجبرت شخصية (مسؤولة) كرئيس االئتالف كممثل لق��وى المعارض��ة الخارجي��ة ،عل��ى االعتذار بش��كل رس��مي للراي العام الث��وري وكادت تصل به لالس��تقالة ،وهذا ح��دث جديد على مسرح المعارضة. -4كش��فت الحادثة عن كواليس ما يحدث خل��ف الس��تار ،الذي تتس��تر به ق��وى تدعي المعارض��ة لعصاب��ة نظ��ام األس��د ،وه��ذا التسريب مجرد تسجيل صغير،للمستفيدين م��ن رداء المعارضة ،وهو رداء كبير جداً على قياس��اتهم القزم��ة ،وقد ينس��حب على كبار ش��خصيات معروفة أخرى ،تتصارع للحصول عل��ى مكاس��ب مناصبي��ة جديدة ف��ي الحياة السياسية القادمة. -5ينبغ��ي الح��ذر م��ن اي�لاء التفويضات النهائي��ة للش��خوص ،والثق��ة المفرط��ة باألش��خاص ،التي كانت وال ت��زال ،أحد أهم عوامل التأخير ،على مستوى تقديم أي نجاح يذكر لمن ينتسب للثورة. م��ن جانب آخر كان لتلك العاصفة أثر ربما ايجاب��ي البع��د ،لمث��ل ل��ؤي حس��ين وتياره، حي��ث أن��ه حص��ل عل��ى دعاية س��محت لمن يجهل اس��مه أو يعرف ش��يئ ًا عن تياره للبحث عن��ه وع��ن تاري��خ ه��ذه الش��خصية .وكان هناك ش��عور عام لدى الفئة التي لم تحسم موقفه��ا مما ح��دث حت��ى اآلن أنها أش��به ما تكون بهذه الش��خصية ،وأنها تتقاس��م معه بعض التوصيفات التي مارسها بكل عنجهية ووقاح��ة ،عل��ى كل م��ن ضحى ودف��ع أثمان باهظ��ة ،ك��ي يحظى أمث��ال ه��ؤالء بهاالت التقديس لدى من يقدسون الهالمية ،والذين ل��م يخرجوا م��ن عب��اءة س��جانيّهم وقاتلي شعوبهم. هناك تيار كبير بين الثوار ،أوحى أن خروج لؤي حس��ين وف��راره المزع��وم ،كان بتواطؤ مع عصابة األس��د التي مجدها لؤي حس��ين، بأن صرماية رأس العصابة فيها ،بل وأصغر عنص��ر مخاب��رات فيه��ا ،تس��اوي كل أولئك (الصيّع) الذين خرجوا لمقارعتها واس��قاطه، لقد نجح لحد كبي��ر أن يكون حصان طروادة وبط ً ال أقلوي ًا س��ينحاز اليه كثير من طائفته، الت��ي تترنح بع��د أن ارتهنتها عصابة األس��د لتك��ون رأس الحرب��ة ف��ي الح��رب عل��ى الس��وريين وابادتهم ليكون ش��خص ًا (جامع ًا) لهم في المستقبل المنظور.
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 15 | 108أيار 2015
|
حتقيقات زيتون
|
علم الثورة و�صراع الأيديولوجيا داليا معلوف بالع��ودة إل��ى تاريخ ه��ذا العل��م ،نجد أنه اعتم��د ألول مرة ف��ي عام 1932بع��د اقرار االنت��داب الفرنس��ي عل��ى س��وريا حيث رمز حينها إلى النضال ضد المس��تعمر الفرنسي ،موافقة الدولة الفرنس��ية عل��ى هذا العلم تحت ضغ��ط االحتجاج��ات الش��عبية العارمة الت��ي رافق��ت اعتم��اده م��ن قب��ل مناهضي االنتداب الفرنس��ي على س��وريا وخاصة في مدينة حلب. ويعتبر العقيد عدن��ان المالكي أول ضابط س��وري يرف��ع عل��م االس��تقالل بع��د ج�لاء المس��تعمر الفرنس��ي ,كان ذل��ك خ�لال أول عرض عس��كري لقوات الجيش السوري في دمشق بتاريخ /17نيسان .1946 / واس��تمرت رمزي��ة ه��ذا العلم رغ��م عدم اعتماده رسميا ,حيث في عام 2004اصدرت الحكومة الس��ورية ع��دة طواب��ع تحمل هذا العلم ,علم االس��تقالل السوري عن االحتالل الفرنسي . يتكون تصميم العلم من ثالثة مستقيمات أفقية متوازية ملونة من األعلى حتى األسفل باألخض��ر واألبي��ض واألس��ود ،وهناك ثالث نجوم خماسية حمراء اللون في الوسط ضمن المستطيل األبيض ترمز للطوائف السورية والدوي�لات الطائفية دولة جبل العرب للدروز ودولة حلب الس��نية ودولة الس��احل العلوية الت��ي اتحدت تح��ت راية هذا العلم ،وحس��ب مص��ادر أخرى ف��ان النجوم الث�لاث ترمز إلى دماء الشهداء والبطولة والشجاعة. و حت��ى اآلن لم يعرف بعد على وجه الدقة أول مرة رفع فيها علم االس��تقالل في الثورة الس��ورية ولكن��ه حم��ل رس��ميًا ف��ي مدينة أنطاليا التركية في مؤتمر للمعارضة بتاريخ 1حزيران /يونيو ،2011وقد قام المحتجون باإلضاف��ة إل��ى هيئات المعارض��ة برفع علم الوح��دة الس��ورية المصري��ة ف��ي البداية إال أن رغبته��م باالس��تقالل ع��ن النظ��ام حتى بالرم��وز الوطنية دفعتهم إل��ى تغيير العلم إلى العلم السوري القديم كما كان قد صمم المعارض��ون الس��وريون صفح��ة على موقع التواص��ل االجتماعي فيس ب��وك تدعو لرفع علم االس��تقالل ،كم��ا قامت صفح��ة الثورة الس��ورية عل��ى موق��ع في��س ب��وك بإطالق حمل��ة «أربعاء عل��م االس��تقالل» تدعو لنبذ رم��وز النظ��ام و رف��ع العل��م القدي��م ,ليبدأ بعده��ا المتظاهرون الس��وريون برفعه في المظاه��رات رغم اعتمادهم العلم الس��وري
الحال��ي ف��ي األس��ابيع األول��ى م��ن الحراك الث��وري ,إظهار العلم سياس��يًا ت��م من قبل المجلس الوطني الس��وري الذي اتخذه كعلم رس��مي له ،وعند تش��كيل االئت�لاف الوطني الس��وري في أواخ��ر العام 2012ق��ام األخير باتخاذه كعلم رس��مي له وق��ام أيض ًا باتخاذه كعل��م للحكومة الس��ورية المؤقت��ة التابعة لالئتالف. يعتب��ر علم الثورة الس��ورية م��ن الثوابت المقدس��ة في ش��ريعة الثائرين الس��وريين، ه��ذا العل��م ال��ذي زينت ب��ه س��احات الحرية وارتوت نجماته الحمر بدماء ش��هداء النضال، ه��ذا العلم ال��ذي أل��ف قل��وب الثائرين على اخت�لاف مناطقه��م وطوائفهم ،ه��ذا العلم ال��ذي كان يعل��و م��ع الهت��اف حت��ى يالمس السماء حرا أبيا ثائرا. ت��رك ه��ذا العل��م أث��را كبيرا ف��ي نفوس الس��وريين ،فتصميم��ه الجام��ع لتاري��خ ومكونات الش��عب السوري ,جعلت منه الراية األكثر اجماعا بين السوريين . ابت��دأت الحرب على ه��ذا العلم من النظام ومؤيدي��ه أوال ،فعم��د النظ��ام إل��ى طم��س الحقيقة التاريخية له��ذا العلم باعتباره علم االس��تقالل عن االحتالل الفرنس��ي ،ليدعي النظام بأن معارضي��ه يرفعون راية االنتداب الفرنس��ي كداللة عل��ى عمالته��م الخارجية وارتباطهم بالمستعمر وأعداء سوريا.
تثبت من خاللها رمزية العلم ،وتوجه رسائل قوية لكل منحرف عن هذه الراية. انتقل��ت بعده��ا الح��رب الب��اردة إلى حرب أكث��ر علني��ة ،وترجم��ت أخيرا عل��ى األرض بمظاه��رات ومظاهرات مضادة ،واش��تباكات باألي��دي وحمالت اعتق��ال وتعذي��ب وتهديد بالقت��ل لحاملي��ه ،حيث ش��هدت أحي��اء حلب المحررة مؤخرا ،قيام عناصر مس��لحة تابعة لتنظيمات متش��ددة بتمزيق العلم واالعتداء بالض��رب عل��ى المتظاهرين الذي��ن اعتادوا بش��كل دوري الخروج بع��د صالة الجمعة في مظاهرات جامعة لدعم القوى الثورية. ألهبت هذه التصرف��ات أالف الثائرين لتبدأ بعده��ا حم�لات جديدة دع��ت إلى رف��ع علم الث��ورة بكثاف��ة ،وتجس��دت من خ�لال حملة #ارفع-علم-ثورت��ك ،ليع��ود علم الثورة من جديد إل��ى الواجه��ة مترافقا بزخ��م اعالمي كبير من نش��طاء الث��ورة ،وليس��ود الصمت المؤقت الموقف مجددا. علم االس��تقالل أو علم الثورة ،رمز الثورة الس��ورية وعق��دة تالح��م أبنائه��ا ،فهل بات مح��ط مفاوض��ات الساس��ة لني��ل مكاس��ب سياسية!!
عل��م الثورة الس��ورية ذو النج��وم الحمراء الث�لاث ه��و الي��وم ف��ي خط��ر ،فالص��راع االيديولوجي بين فئ��ات ثورية أصيلة رفعت العل��م وأمن��ت به ،وبي��ن فئات أخ��رى حملت راي��ات س��وداء واعتب��رت الث��ورة ج��زءا م��ن مش��اريع الخالف��ة واالم��ارة وحاول��ت إلباس الثورة ثوب الصراع المقدس والحرب الكونية بات واضحا اليوم. ترجم هذا الصراع األيديولوجي أوال بحرب باردة في س��احات العالم االفتراضي ،رافقت انتقال الثورة الس��ورية من المرحلة السلمية إل��ى مرحلة الكف��اح المس��لح ،وتبلورت هذه الحرب بدقة ف��ي المراحل الت��ي حاولت فيها بعض القوى المسلحة الغاء الجيش السوري الحر ال��ذي اعتمد ه��ذا العلم كراي��ة للكفاح المسلح وشنت عليه حربا اعالمية وعسكرية. رافقت هذه الح��رب آالالف التغريدات على موقع تويتر لعناصر الجماعات المتشددة التي تس��خر من العلم وتحاول اهانته ،ليأتي الرد س��ريعا من نش��طاء الثورة السورية بحمالت
3
|
تقارير زيتون
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 15 | 108أيار 2015
|
غارات مكثفة على حلب ومعارك حممد عالء
و�سط خالفات م�ستمرة بني الف�صائل
ف��ي الوقت الذي تش��تد في��ه المعارك في ري��ف مدينة ادلب ،بي��ن مقاتل��ي المعارضة وق��وات النظ��ام ف��ي محاول��ة م��ن االخيرة لفك الحصار عن قوات النظام في المش��فى الوطني بجس��ر الش��غور ،واحت��دام المعارك ف��ي منطق��ة القلم��ون بريف دمش��ق ،بين المعارضة وحزب اهلل اللبناني مدعوماً بقوات النظام وانش��غال االعالم المحل��ي والعالمي بتغطي��ة ه��ذه االح��داث ،والتي أخ��ذت حيزاً كبير من التغطية االخبارية للش��أن السوري، متناس��ين القص��ف الج��وي الجنون��ي ال��ذي ش��هدته محافظ��ة حلب ف��ي األي��ام القليلة الماضية ،وقد اس��تغل النظام انشغال العالم به��ذه االح��داث لييوج��ه س�لاح الج��و التابع للنظ��ام بارتكاب المجازر بح��ق أبناء المدينة وريفه��ا ،والذي أدى الستش��هاد وجرح المئات من المدنيين في المدينة وريفها. ففي 13مايو 2015يوم األربعاء،استفاق الريف الجنوبي لمدينة حلب ،على وقع مجازر ارتكبتها الطائ��رات الحربي��ة والمروحية في عدة قرى ،حيث ارتقى ما ال يقل عن العشرة ش��هداء من األطفال ومعلمتي��ن اثنتين ،في قصف ببرميل متفجر ألقاه الطيران المروحي على مدرسة في قرية خلصة. بل��دة الحاض��ر في الري��ف الجنوب��ي نالت حصته��ا م��ن الجرح��ى األطف��ال وال��كادر التعليم��ي ،استش��هدت س��يدة واثني��ن م��ن أطفالها وسيدة أخرى ،واصابة اخرين بجراح. ف��ي نف��س األثن��اء كان الطي��ران الحربي يرتكب مجزرة أخرى بعدة غارات على س��وق ش��عبي ومناط��ق أخ��رى ف��ي قري��ة العيس
ق��رب بلدة الحاضر ،والت��ي راح ضحيتها ما ال يقل عن 30مدنيا ،واصابة العش��رات وسط عج��ز المش��افي الميدانية ف��ي المنطقة عن اس��تقبال الجرح��ى ،وتحويلهم الى مش��افي أخرى ف��ي منطقة ب��اب الهوى ق��رب الحدود التركية ،استشهد الكثير منهم على الطريق أثناء محاولة اس��عافهم ،وذلك بس��بب افتقار الريف الجنوبي للمراك��ز الطبية والتجهيزات الالزمة. فيما قص��ف الطيران الحرب��ي مناطق في محيط مدينة الباب ومناطق أخرى في محيط بلدة تادف ،واللتان يخضعان لسيطرة تنظيم الدولة بريف حلب الشرقي ،اقتصرت األضرار فيها على المادية، كما اس��تهدف الطي��ران المروحي برميلين متفجرين على مناطق في قرية زيتان بريف الجنوبي لحلب ،ونفذ الطيران الحربي غارات على محيط بلدة عندان بريف حلب الشمالي، دون ورود أنباء عن خسائر بشرية. وأرجع ناش��طون سبب اس��تهداف الطيران الحرب��ي لتلك المناطق م��ن الريف الجنوبي، الى الهجمات المتك��ررة للمعارضة على خط ام��داد قوات النظ��ام الوحيد الم��ؤدي لمدينة حلب ،وكان أخرها سيطرة مقاتلي المعارضة عل��ى حاجز التغطية بين ريف حلب الجنوبي، وريف حماة الش��رقي ،لينس��حبوا منه بعد أن غنموا أس��لحة وذخائر وقتل��وا عدد من قوات النظ��ام ،فيما يش��ن تنظيم الدول��ة هجمات بش��كل مس��تمر على هذا الخط ال��ذي يمتد من مدينة س��لمية بريف حم��اة ،حتى مدينة الس��فيرة بري��ف حل��ب ،كم��ا ب��دأ الطي��ران
الحرب��ي بش��ن هجم��ات جوية عل��ى الريف الجنوبي ،بعد تقدم قوات النظام وسيطرتها عل��ى قري��ة الرش��ادية ق��رب بل��دة خناص��ر االس��تراتيجية ،وذل��ك في الـ 15من الش��هر الماض��ي ،والتي يطم��ح من خالله��ا النظام التق��دم أكثروالوصول الى مط��ار أبو ظهور العسكري ،وفك الحصار المفروض عليه من قبل مقاتلي المعارضة ،منذ اكثر من عامين. أم��ا في مدينة حلب ،وتحدي��داً في منطقة جسر الحج ،ارتكب الطيران المروحي ،مجزرة مروع��ة ،راح ضحيته��ا أكث��ر م��ن 40مدنياً، بينه��م نس��اء وأطف��ال ،وذل��ك باس��تهدافه ببرمي��ل متفج��ر محط��ة للحاف�لات الت��ي تُق��ل المواطني��ن م��ن المدينة ال��ى ريفها، وذل��ك ي��وم الثالث��اء 12ماي��و ،2015علم��ًا أنه��ا المحط��ة الوحيدة ف��ي المدين��ة ،والتي يجتم��ع فيها المس��افرون الراغب��ون بالتوجه ال��ى الري��ف الحلبي أو الى تركي��ا ،وهي خط النهاية بالنسبة للقادمين من خارج المدينة، ويتموض��ع عدد من الباع��ة الجوالين بالقرب م��ن المحط��ة ،ليتلقف��وا أرزاقه��م وق��وت يومهم ،ال��ذي دمره البرميل المتفجر ،لينهي مع��ه حياته��م وحي��اة أخرين،كان��وا يمن��ون النفس بالعودة الى أطفالهم غانمين. يذك��ر ان المحط��ة اس��تهدفت س��ابقا من قب��ل الطيران راح خاللها عش��رات الش��هداء والجرح��ى ،ف��ي مج��ازر ال تقل قس��او ًة عن مجزرة الثالثاء األسود. من جهته وث��ق المرصد الس��وري لحقوق االنس��ان ( )12560غ��ارة بصواريخ وبراميل متفجرة نفذتها طائرات النظام الحربية على عدة مناطق في قرى وبلدات ومدن س��ورية، من��ذ األول م��ن العام الج��اري ( )2015وحتى اللحظة ،حيث ألقت طائرات النظام المروحية ( )6686برمي ً ال متفجراً. و نف��ذت طائرات النظام الحربية ما ال يقل ع��ن ( )5874غ��ارة ،على مناطق ف��ي جميع أنحاء سورية ،استش��هد على اثرها ()1820 مواطن�� ًا مدني ًا ،منهم ( )428طف ً ال دون س��ن الثامنة عش��ر ،و ( )290مواطنة فوق س��ن الـ ،18و ( )1102رج ً ال ،باإلضافة إلى إصابة نحو 15ألف آخرين من المدنيين بجراح ،وتشريد عش��رات اآلالف من المواطنين ،كما أس��فرت عن دم��ار ف��ي ممتل��كات العام��ة والخاصة، وأضرار مادية كبيرة في عدة مناطق. كم��ا قضى في غ��ارات الطائرات الحربية، والبرامي��ل المتفج��رة التي ألقته��ا الطائرات المروحية أكثر من ( )814مقاتل من مقاتلي
4
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 15 | 108أيار 2015 المعارضة ومقاتلي تنظيم الدولة. معارك متفرقة يف مدينة حلب كس��رت كتائ��ب المعارض��ة ف��ي األي��ام الماضي��ة ،الجم��ود الطوي��ل الحاص��ل على جبهات المدينة ،بشن معركتين منفصلتين، األول��ى كان��ت ف��ي ح��ي ب��اب جني��ن بحلب القديم��ة ،والثانية في ح��ي العامرية جنوب حل��ب ،حيث ته��دف األولى للتق��دم أكثر في عم��ق المدين��ة ال��ى وس��طها ،وذل��ك بع��د الس��يطرة على مسجد «بش��ير باشا» األثري في الـ 30من نيسان 2015بالقرب من سوق التل��ل ف��ي المدين��ة القديمة ،و ال��ذي كانت ق��وات النظام قد حولته إلى ثكنة عس��كرية وعاث��ت في��ه فس��اداً ،كما فج��رت المعارضة مبن��ى كانت ق��وات النظام تتحص��ن فيه ،ما أدى لمقتل وجرح العش��رات منهم ،وترافقت االش��تباكات م��ع قصف ج��وي م��ن الطيران الحرب��ي والمروح��ي عل��ى مناطق س��يطرة المعارض��ة في منطقة االش��تباكات ،ويعتبر هذا التقدم اس��تراتيجي ف��ي هذه المنطقة، الت��ي بات��ت تفص��ل المعارض��ة عن س��احة س��عد اهلل الجابري ،ب 800متر فقط ،والتي طالم��ا حل��م أهالي حلب من الوص��ول اليها، كما ترافقت االش��تباكات مع سقوط عدد من القذائف على أحياء خاضعة لسيطرة النظام، ما أدى لخسائر بشرية بين المدنيين. أم��ا المعرك��ة الثاني��ة ف��درات رحاها في ح��ي العامري��ة جنوب حلب ،ف��ي محاولة من المعارض��ة تحرير كامل الحي م��ن يد قوات النظام ،والتقدم الى طريق الراموسة ،والذي يمكنه��م من قط��ع طري��ق االم��داد الوحيد لق��وات النظام الى داخ��ل المدينة باإلضافة الى وص��ول مقاتل��ي المعارضة الى أس��وار األكاديمية العس��كرية ،والتي تعتبر العصب العس��كري لقوات النظام ف��ي المدينة ،لكن لم يكتب النجاح للعملية ،والتي قادتها غرفة
«فتح حلب» المش��كلة حديثاً ،دون أن يصدر أي تصريح رسمي عن أسباب توقف العملية و إنجازاتها الشحيحة. من جهة أخرى ،س��يطرت قوات المعارضة عل��ى ع��دة ق��رى بري��ف حل��ب الش��مالي، وه��ي (الحصي��ة وحس��اجك والغ��وز) ،ف��ي منطق��ة س��د الش��هباء ،وذل��ك بع��د معارك م��ع مقاتل��ي تنظي��م الدول��ة ،بعدم��ا كانت تل��ك القرى مناط��ق تماس بي��ن الطرفين، تق��دم اليها مقاتل��ي التنظيم س��ابق ًا ،وقتل في االش��تباكات عدد من مقاتل��ي التنظيم، وأس��رت المعارضة خمس��ة عناص��ر أخرين، واستولت على أسلحة وذخائر ،تركها مقاتلي التنظي��م الذي��ن ف��روا تح��ت وق��ع ضرب��ات مقاتل��ي المعارضة ،فيما تش��هد جبهات عدة ف��ي مدينة حلب ومحيطها معارك يومية في منطقتي البريج والراش��دين ومحيط قريتي باش��كوي وحندرات ش��مال حل��ب ،بين قوات النظ��ام والمليش��يات الموالية له��ا من جهة، ومقاتلي المعارضة من جهة أخرى. ان�ضمام ف�صائل جديدة «لفتح حلب» وغياب الن�صرة وان�صار الدين موض��وع متص��ل ،انضم��ت ع��دة وف��ي ٍ فصائل م��ن المعارضة ،ال��ى غرفة عمليات «فت��ح حل��ب» التي أعُل��ن عنها نهاية ش��هر ابريل ،2015بعدما أنش��أتها 7فصائل في حلب وريفها س��ابقاً ،وتركها ب��اب االنضمام للغرف��ة مفتوحًا أمام باق��ي الفصائل ،حيث س��جل كل م��ن (حرك��ة ن��ور الدي��ن زنكي، جيش المجاهدين ،جيش السنة ،لواء الفتح، كتائب أبو عم��ارة ،الفرقة ،101الفرقة ،16 الفرقة ،13لواء السلطان مراد ،لواء فرسان الحق ،ل��واء صقور الجبل ،ل��واء الحق ،الوية الفرقان وحركة بيارق اإلسالم) ،انضمامهم مع اس��تمرار غي��اب كل من (جبه��ة النصرة وجبه��ة أنص��ار الدي��ن ،وكتائ��ب الصف��وة
|
تقارير زيتون
|
اإلس�لامية والفوج األول) ،ع��ن الغرفة التي أصبحت تضم 21فصيال عسكريا. ف�صائل من غرف��ة العمليات تتوانى ع��ن فك ح�صار بع�ض املقاتلني نظري ًا يظه��ر من «فتح حلب» قوة ضخمة تقدر بحوالي 22ألف مقاتل بحسب ما أعلنت عن نفس��ها ،باإلضافة الى وجود ترس��انة ال بأس بها من األس��لحة الثقيلة والمتوس��طة والذخائ��ر ،و م��ن الممكن أن تج��اري جيش الفت��ح في مدينة ادل��ب ،لكن على األرض ال يوجد أي مؤش��ر يدل عل��ى معركة مرتقبة، خصوص�� ًا م��ع اس��تمرار الخالف��ات بين عدة فصائ��ل ،التي لم تس��تطع «فت��ح حلب» من حلها ،كما أن قلة التنس��يق ب��دا واضحا جليًا ف��ي معركة ح��ي العامري��ة األخي��رة ،والتي حوص��ر فيها ع��دد م��ن مقاتل��ي المعارضة في أح��د المباني ،ما احتاج ال��ى أليات ثقيلة ليتم فك الحص��ار عنهم ،وبدأت االس��تغاثة بالفصائ��ل الت��ي تملك هذه االلي��ات ،والتي هي من ضمن غرف��ة العمليات ،دون أن يتم جلب أي ألي��ة ثقيلة لفك المحاصرين ،الذين اس��تطاعوا الخ��روج لي� ً لا م��ن الم��كان الذي حوصروا فيه. ويبقى الس��ؤال ل��دى الش��ارع الثوري في مدين��ة حل��ب ،متى تصب��ح غرف��ة العمليات موح��دة عل��ى األرض مثلم��ا ه��ي موح��دة اعالمياً ،ومتى تلتحق النصرة المش��هود لها بشراس��ة مقاتليها في المهام االنغماس��ية، وجبه��ة أنص��ار الدين التي تقات��ل أيضا في ادل��ب وريفها ،وهل س��ينضم كل من الفوج األول وكتائب الصفوة الى غرفة «فتح حلب» وهما أكب��ر الفصائل العامل��ة بمدينة حلب، وأكثرها انتش��ارا ش��عبيا في المدينة ،ومتى س��تنتقل المعارض��ة بحلب م��ن األقوال الى األفعال.
5
|
تقارير زيتون
|
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 15 | 108أيار 2015
اىل الطيب "�أردوغان" ..بع�ض �ضباطك يقتلون �أهلنا ال�سوري اجلديد ..يو�سف ابو خليل تتال��ت األنباء الواردة من الحدود الس��ورية التركي��ة ،عن إصاب��ات لمواطنين س��وريين بعيارات نارية من قبل حرس الحدود التركي عل��ى خلفي��ة عملي��ات دخ��ول غير ش��رعية الى األراض��ي التركية ،أو لالش��تباه بعمليات تهري��ب طالما كث��ر الحديث عنه��ا في الفترة الماضي��ة ،غالب��ا ما تك��ون اإلصاب��ات بحجم المآسي التي تعيشها سورية من واقع الحرب ونتاجه��ا ومخلفاتها ،لت��روي لحظات عصيبة ألناس عاش��وا القصة بآالمها وآمالها وخوفها وحزنه��ا وركامها وغباره��ا ..قصص قصيرة لحرب طويلة تدور أحداثها «شرق العاصي»..
عقدت الع��زم وبس��رعتي القصوى قفزت من الخزان وبدأت الزحف باتجاه قناة السقاية حيث صديقي ينتظرن��ي ،كانت عملية زحف قاس��ية على جس��دي المغطى بثياب صيفية رقيق��ة ،وصلت الى صديق��ي المختبئ داخل (قناة الس��قاية) واس��تلقيت بقرب��ه وقد نال قلب��ي القلي��ل م��ن الطمأنينة التي تالش��ت م��ع أول طلق��ة أطلقت من رش��اش المدرعة نحونا ،لم تك��ن طلقت تحذيرية ،وإنما كانت طلقة يقصد بها األذية ،ال شيء سوى األذية، وتوال��ت ي��ا س��يدي الطلق��ات تنفج��ر حولنا وتفتت كل ما يمكن أن يحمينا..
ش��رق نهر العاص��ي وبعد ع��دة منحدرات وهضب��ة يعي��ش عام��ل النظافة أب��و صالح بطل إحدى هذه القصص..
بحركات ال ش��عورية وسريعة بدأنا زحفنا الخلف��ي ف��ي محاول��ة لالبتع��اد ع��ن أعي��ن العسكر التركي ومنظار مدرعته.
يقول أبو صالح« :لم أكن أعلم أن اقترابي من نه��ر العاص��ي للبح��ث عن مكان يتس��ع لقصبة صيد السمك سيكون المبرر المزعوم لعي��ش قصة قصي��رة ،دفن��ت تفاصيلها في قب��ر صغير حفر خصيصاً ليحتضن طرفاً من أطراف��ي ،وذكريات ليلة س��وداء بل��ون حياة أعيش��ها بأل��م يعق��وب وصبر أيوب وحس��رة آدم ..ل��م أك��ن ألعل��م وقتها أن حياة إنس��ان ال تس��اوي أكثر من متع��ة الضغط على زناد بندقي��ة لتنهي النور في أعي��ن أقوى الرجال وأعتاها..سأنبش قبر ذاكرتي ألروي تفاصيل القصة ،علها تصل إلى مسامع وأفئدة الطيب «اردوغان» وحكومته.
لم أخض يوما معركة ،كانت هذه معركتي األول��ى ،معرك��ة غي��ر متكافئ��ة ،فطرفك��م التركي يا س��يدي «الطيب» يس��تخدم نيران رشاشاته وبنادقه ،وأنا وصديقي كنا نستخدم سالح الدعاء تارة والصراخ الستجداء الرحمة ت��ارة أخرى ،لم أفهم وقتها وحتى اآلن س��بب قيام الجان��ب التركي بإطالق النار علينا على الرغم من وجودنا ضمن األراضي الس��ورية، وعلى بعد يتجاوز الثالثمائة متر عن الشريط الحدودي (نهر العاصي).
أنا ي��ا س��يدي الطي��ب لس��ت بإرهابي وال أنوي أن اكون ،أنا يا سيدي ممن يستبشرون ب��ك كل الخي��ر واألم��ل ..فأنت الطي��ب ..ابن الطي��ب ..ب��دأت قصت��ي ي��ا س��يدي عندم��ا ص��رخ صديقي منبهًا إي��اي أن مدرعة حرس الح��دود التركية (الجندرم��ة) قادمة من جهة الجن��وب نح��وي ..أي م��ن مخف��ر (الفرفرية) س��يء الس��معة ،وال��ذي ال يخفى عل��ى أحد أن الضاب��ط المس��ؤول في المخف��ر هو أحد الضباط الذين أس��اؤوا للحكومة التركية قبل المواط��ن الس��وري ،هرب��ت مس��رعا باتجاه خزان مياه اس��منتي مخصص للري واختبأت داخل��ه ،توقف��ت المدرع��ة بع��د أن رص��دت وجودي وبقيت تترقب خروجي ألربع س��اعات متواصل��ة ..ش��اهدت غياب الش��مس وحلول الظالم ،واحصيت مئات النجوم اللماعة ،كان البد من مغ��ادرة المنطقة والعودة إلى منزل أثقل دفع بدل أجره كاهلي وأعيا أطفالي.. ال حل غير ما تص��دح به حنجرة صديقي ( اخرج وازحف الى قناة السقاية).
6
رأس��انا كانا باتجاه الحدود التركية وعملية الزح��ف الخلف��ي الزال��ت مس��تمرة واألضواء الحمراء الخارجة من فوهة الرش��اش الزالت مس��تمرة ..توقف صديقي عن الزحف والتف برأس��ه نحوي ليخبرن��ي أنه اصي��ب ،ظننته يك��ذب ،أو تمنيت أن يكون كاذب��اً أو متوهماً، س��ألته عن م��كان اإلصاب��ة فأجابني بصوت خاف��ت( :بي��ن الرقب��ة والكت��ف م��ن الطرف االيمن) ،مددت يدي الى حيث أخبرنيُ ،لزوجة ال��دم وحرارت��ه وتدفق��ه أصابن��ي بش��عور ل��م أختبره م��ن قبل ،ش��عور أش��به بالخوف الممزوج بالذل والترجي. ضاعت أفكاري بين الخيال والواقع وتقلص جسدي بمرحلة أولى ليبدأ اإلحساس بالشلل يتس��لل الى أطرافي بس��رعة البرق ،جمعت ش��تات أفكاري وأرسلتهم ألى أطرافي للنجاة م��ن الم��أزق وإس��عاف صديق��ي ب��أي ثمن، فعائلت��ه الفقيرة أضعف م��ن أن تتلقى خبر وفاة عمادها ومعيلها الوحيد ،وشبله البكر لم يتجاوز الرابعة عش��ر من عمره ،ولن يتحمل جسده النحيل عمل شاق إلعالة أربعة أطفال وأمهم الفتية .احتضان يده ليدي أعادني الى واقع أمر وأدهى .همس لي قائ ً ال:
(أرب��ع طلق��ات اخترق��ت جس��دي ،اتركني وانجُ بنفس��ك ،أطفالك الصغار تس��تحق أن تنجو ألجلهم ،أربع طلقات بمس��مى أطفالي األربع��ة .تبق��ى طلق��ة أخيرة هي بمس��مى طفل��ي األصغ��ر ،الزال بإمكان��ي النه��وض، س��أغطي هروب��ك بوقوفي ..علي��ك الهروب والنجاة). لم استطع اس��تيعاب كالمه ،حاولت سحب جس��ده المغط��ى بالدم��اء بكل قوت��ي حتى وص��ل صدره ف��وق ص��دري ووجه��ه مقابال لوجه��ي ،حاولت التمعن بمالم��ح وجهه رغم االضاءة الخفيفة الصادرة عن انعكاس ضوء القمر ،بلحظ��ة واحدة تحول الض��وء الخافت إلى ضوء ساطع وكأننا بمنتصف نهار صيفي لترتس��م مالمح وجه صديقي المنهك ..هي قنبل��ة مضيئة ..لم أع��رف يوم�� ًا أن القنابل المضيئ��ة صنع��ت لترس��م ذك��رى وجوه من نحب.. ابتس��م صديقي ابتس��امة خفيفة واقترب برأس��ه من أذني ليهمس بها (أن��ا ميت ،انجُ بنفسك ،انجُ بنفسك واتركني ،اهرب طالما تستطيع الهرب) ،لم تمنعني يا سيدي الطيب إصابتي بطلقة متفجرة في فخذي األيمن من محاولة س��حب صديقي ،إال أنني كنت عاجزاً عن تحريك جس��دي فب��دأت الص��راخ بأعلى صوتي باكي��اً داعياً وش��اتما ..وضع يده على فمي وابتس��م محاوال إبقاء عينيه مفتوحتين ق��در المس��تطاع ،ه��ي لحظ��ة م��رت وكأنها س��نة كاملة لن أنس��اها ما حيي��ت ،باللحظة نفسها التي أغمض بها عينيه اخترقت طلقة جبين��ه مخلف��ة ثق��ب بش��كل ه�لال ذو لون أبي��ض ونجمة صغيرة ارتس��مت م��ن الدماغ المتطاي��ر ،وبتدف��ق الدماء الحم��راء اكتملت اللوحة ي��ا س��يدي «الطيب» ،دم��اء صديقي من لون عَ َلمكم .لم تستطع كاميرا المراقبة المتواجدة في المخفر المقابل التقاط صورة لعَ َلمكم رس��مت من دم ش��خص طالما رفع يديه إلى اهلل داعيا لحضرتكم ،اسأل جنودك أيه��ا «الطيب» ليرووا لك قصة العلم التركي المرسوم بدم شهيد فقير علهم يستذكرون، علكم تستذكرون» لم أك��ن احت��اج كالم أب��ي صال��ح إلكمال القص��ة ،فف��ي كل دمعة اس��تطاعت كس��ر حاجز أهدابه لوحة مرس��ومة بحرفية ،تكمل ما عجز اللسان عن وصفه ،كنت أنا من يحتاج ال��ى عناق طويل للخروج م��ن هول التصور، أن��ا من يحتاج إلى لفافة تبغ وكأس قهوة من القياس الكبير.
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 15 | 108أيار 2015 ل��م تكن قصة أب��ي صالح ه��ي األولى أو الوحي��دة في المنطقة ،إنما هنالك عش��رات القصص المش��ابهة والموثقة عن انتهاكات ح��رس الح��دود التركي��ة بح��ق مواطني��ن س��وريين يعيش��ون قريبين من الح��دود ،أو يجولون في المنطق��ة بحثًا عن مصدر رزق لتأمي��ن ق��وت ي��وم في ظ��ل ح��رب طاحنة يعيشها السوريون. فبحسب ناشطين من المنطقة ارتفع عدد اإلصاب��ات م��ن الس��وريين على ي��د الجيش الترك��ي (الجندرم��ة) خالل األش��هر الس��تة الماضية إلى ما يقارب الخمسين إصابة ،في منطقة ال يتجاوز طولها العشرين كيلو متر.. «يقول أبو مصطفى وهو ناش��ط إعالمي م��ن مدينة درك��وش الحدودي��ة :إن أكثر ما يحزن أن نتلقى أخباراً من الشريط الحدودي السوري التركي عن إصابات بطلق ناري من أهلن��ا المهجرين الهاربين من جحيم براميل الطيران والقذائف الصاروخية التي تستهدف المدنيين بالريف اإلدلب��ي المحرر ،والمحزن أكث��ر أن 40%م��ن هذه اإلصاب��ات تؤدي إلى الوف��اة ،و 30%منه��ا تؤدي ال��ى إعاقة دائمة والنس��بة المتبقي��ة تبق��ى فترة عدة أش��هر لتتماثل للشفاء ،ناهيك عن النازحين الذين يلق��ى القب��ض عليهم من قب��ل (الجندرمة) التي ال تستهين في ضربهم ضرباً مبرحًا مع التلفظ بالشتائم واأللفاظ النابية ،وغالبا ما يتم ضرب من يمسك به على الضفة الثانية لنهر العاصي (األراضي التركية) في مناطق تكون بعيدة عن عدس��ات كاميرات المراقبة م��ن األبراج الموج��ودة على طول الش��ريط الحدودي ،أي ف��ي «النقطة العمي��اء» لزوايا التصوي��ر أو عل��ى ضفة نه��ر العاصي خلف الس��تار التراب��ي المق��ام لمنع التس��لل إلى األراضي التركية».. ال تقتصر تصرف��ات (الجندرم��ة) التركية عند حد إطالق النار على من يحاول التس��لل ال��ى األراض��ي التركي��ة ،بقص��د عملي��ات التهريب والذين دائمًا ما يكونون من العمال البسيطين ،بل هنالك من تحدث عن تقصّد حرس الحدود التركي��ة لألهالي والمزارعين الموجودين على الطرف السوري من الحدود، بغ��ض النظ��ر عن عمل��ه أو عم��ره أو الغاية الت��ي أوصلت��ه للم��رور على جان��ب الحدود، مما أدى الى نتائج ش��به كارثية بالنسبة إلى أراض زراعية بع��ض العوائ��ل الت��ي تمل��ك ٍ على الجانب الس��وري من الحدود والتي تعد مصدر الرزق الوحيد.. كما تجدر اإلشارة الى أن معظم االنتهاكات المسجلة والموثقة (بالشهادة) ضد مواطنين س��وريين من قبل ح��رس الح��دود التركية، ه��ي انتهاكات مس��جلة باس��م مخف��ر قرية (الفرفرية) التركية التابع لقطاع (قربياص)، موال حيث أن الضابط المسؤول عن المخفر ٍ لنظام االسد ومحسوب على طائفة معينة.
|
هموم زيتون
|
فيزة �سورية خا�صة ب�أهل �إدلب املناطقية مر�ض ّفتاك ي�ضرب الن�سيج ال�سوري
مي الفار�س
إن اندحار قوات النظام السوري عن مدينة إدلب يعدُّ الحدث األبرز في المش��هد السوري خالل شهر ونيف ,ولس��نا هنا بصدد مناقشة معطي��ات المع��ارك الت��ي جرت ,بل س��يكون الحديث عما حدث من نزوح جماعي للمدنيين واق��ع تحت ال��ذي كانوا يعيش��ون ف��ي كنف ٍ سيطرة حكم النظام ,وال يعني هذا مواالتهم له أو تأييدهم لحكمه ,فالمدني عامة يتصف بالحي��اد ,وم��ن الطبيع��ي أنه س��يلتزم بيته إن كان آمنًا والس��يما أن البالد تعجُّ بأس��باب الحرب والموت. إال أن��ه تح��ت وطأة المعارك التي اش��تعلت ف��ي إدلب والقصف الش��ديد خ��رج المدنيون بأع��داد هائل��ة متوجهين إلى مدن الس��احل الس��وري ,الت��ي تعيش اس��تقراراً نس��بيًا ال يق��ارن مع الوضع في مدن الداخل الش��مالي وريفها,فكانوا بذلك ساعيين إلى حق النزوح من الموت طلباً للحياة. غير أن المفارقة تكمن في أن الحواجز التي نصبت على مداخل ٍّ كل من مدينة طرطوس ومدينة الالذقية ,لم تسمح بدخول أهل إدلب المدنيين ,الذين كانوا يعيش��ون في مناطق النظ��ام ونزح��وا حي��ن اش��تدت الح��رب ,من أطفال ونساء وشيوخ .فتمت معاملتهم على أنه��م إرهابيون قادم��ون لزرع خالي��ا نائمة تهدد استقرار مدنهم. ول��م يتوق��ف األم��ر عل��ى مس��لمي إدلب وحس��ب ,ب��ل تع��داه أيض��ًا إل��ى من��ع دخول المس��يحيين الذي��ن ينتم��ون إلى إدل��ب ,لذا تجمع��وا ف��ي الح��واش ف��ي منطق��ة وادي النصارى بالقرب من مشتى الحلو. إن المعضلة تكمن ف��ي أن هذا المدني إن بق��ي في مدينته س��يعامل بوصف��ه إرهابيًا يخلق بيئة حاضنة لإلرهاب تستحق القصف واإلبادة ,فلو كان مدنياً ال يؤيد اإلرهاب لغادر المدين��ة الواقعة تحت س��يطرة المس��لحين, على ح��د تعبيرهم ,وإن غادر مدينته س��عيًا إل��ى األم��ان سيتوجس��ون من��ه الحتم��ال أن يك��ون خلي��ة نائم��ة تُه��دد اس��تقرارهم المزعوم ,فحل��ب في مناطقه��ا الباقية تحت س��يطرة النظ��ام س��محت باس��تقبال نازحي إدلب ,وال يعرف الس��بب الكام��ن وراء ذلك أو اس��تراتجية هذا القرار ,إال أن األخبار القادمة منها تقول إن حم�لات التفتيش في حلب تم تكثيفها بعد س��قوط إدلب بش��كل كبير من خالل المداهمات المس��تمرة التي س��عت إلى م��ا يطلق عليه»ضرب فيش» الس��كان رجا ًال ونساء في معظم األحياء ,بحثاً عن النازحين
من إدلب على وجه الخصوص. المؤل��م ف��ي األم��ر أن الس��وري المدن��ي الهارب من وط��أة الحرب والبراميل والقذائف واالشتباكات التي ال تفقه معنى السكون ,ما عاد يعاني من انع��دام إمكانية حصوله على فيزة تمكنه من الهرب إلى بالد أخرى عربية أو غربية وحس��ب ,بل أصبح يعاني أيضاً من ع��دم امتالك��ه لفي��زة تتيح له دخ��ول المدن الس��ورية والعبور إلى ضفة األمان بعيداً عن سطوة الحرب. وقد يظن القارئ أن هذا يتفق مع سياس��ة التقسيم في س��وريا,والتي تضج الكواليس السياس��ية بمعطياته��ا القادمة ,لك��ن األمر ال يع��ود إلى س��وريا فحس��ب ,إذ نج��د اليوم أيضًا ف��ي العراق منع النظ��ام الحاكم دخول النازحي��ن الهاربين من داع��ش من محافظة األنب��ار إلى بغداد ,حيث ضجّت العراق مؤخراً بأصداء غضب عارم إزاء اقتراح العبادي إيواء النازحي��ن من محافظة األنبار في س��جن أبو غريب المهجور. إن إش��كالية التعام��ل م��ع المدنيين وتحت مس��مى اإلرهاب,ال تقف عند غايات المشروع الش��يعي ف��ي المنطقة وال حت��ى الدفاع عن الوجودالسني ,بل تعزز اليوم ما يطلق عليه المناطقي��ة الت��ي باتت أخطر م��ن الطائفية, ولئ��ن كانت الطائفية تس��بب حروب��اً طويلة األمد ,فإن المناطقية اليوم س��تحدث ش��رخًا جغرافي��ًا ينهض على المصال��ح االقتصادية والسياس��ية ول��ن يردم��ه أي اتف��اق أو ٍّ ح��ل سياسي ,حتى لو س��عت الدول العظمى التي تدي��ر ه��ذه الح��رب إلى ذل��ك .وتل��ك الدول تدرك ,بدعمها لسياس��ة األنظمة الحاكمة,أن الطائفية س��تزول يوماً ما ,غير أن المناطقية هي األنس��ب ف��ي تحقيق غاياتهم وترس��يخ مخططاته��م الت��ي يس��عون إليها ف��ي هذه البالد.
7
|
وجهة نظر
|
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 15 | 108أيار 2015
العقل يف م�س�ألة ال َع َلم.. مروان حممد يجب التنويه س��لفا إل��ى أن جوهر المقال ق��د طرح قريبا في «بوس��ت « وكون طبيعة البوس��تات ذاته��ا قصي��رة ومختص��رة ،ل��ذا ارتأيت أن أتوسع فيه ألهمية الموضوع. تعلمون جميعا بأن إزاحة علم االس��تقالل من عل��ى المنصة ،ف��ي المؤتم��ر الصحفي المش��ترك بي��ن خال��د خوجة ولؤي حس��ين، أث��ارت العديد من االنتق��ادات وردّات الفعل، وصلت إلى تقدي��م اعتذار من الخوجة واعدا ال يتكرر مس��تقب ً ب��أ ّ ال؛ فيما ت��م العمل على النب��ش والتش��كيك ف��ي تاري��خ المعارض السوري لؤي حسين. للح��ق إن خطاي��ا كثي��رة ارتكب��ت بح��ق الث��ورة الس��ورية ،منها فكرة العل��م البديل. مرّ على الس��وريين خمسة عشر علماً خالل تاريخه��م الحديث .بدءا من علم االس��تعمار العثمان��ي إل��ى أع�لام الدويالت الس��ورية، مرورا بأعالم االنتداب واالس��تقالل والوحدة، والعلم السوري بثالث نجمات ،ثم علم اتحاد الجمهوري��ات ثم عل��م الجمهوري��ة العربية الس��ورية الحال��ي المع��روف من��ذ الثمانين وحتى اآلن. ذهب��ت تلك األعالم م��ع تاريخها ،وبقي» الس��وريون « ملمومين وراء العلم الرس��مي حت��ى األش��هر األولى م��ن الث��ورة ،يتبارون عل��ى األحق برفعه ،واألط��ول واألعلى الخ.. وكان يفعل فعله على أكمل وجه في الحشد والتحري��ض ،واإلث��ارة واإلغاظة لدى النظام الباغي ومؤيديه. بالطبع نحترم جهود وتضحيات الناشطين والث��وار ف��ي المي��دان ،لك��ن ل��م تك��ن كل خياراتهم صائبة. ف��ي الواق��ع إن ط��رح عل��م االس��تقالل كبديل-هذا رأي منذ أول يوم تم رفعه فيه- كان كفيال بأن يش��ق الس��وريين ف��ورا إلى نصفين ،عبر قرار واحد ،غير مفكر فيه كما يجب. (ه��ل يخف��ى عل��ى عم��وم الس��وريين والناش��طين منه��م خصوصا ،مدى تس��خير النظام من الدعاية والوق��ت والمال والرجال لش��ق الس��وريين عن بعضهم البعض؟ كل ذل��ك تم توفي��ره عل��ى النظ��ام-دون قصد طبعا -بق��رار واحد أُخ��ذ دون تبصر!؟) .وهو لي��س الق��رار الوحي��د الخاط��ئ ،فقبله كان قد تم رفع الش��عار الش��هير -سيء الصياغة والمغزى « -الثورة السورية ضد بشار األسد !» حي��ث وجّ��ه الش��ارع فورا نحو ش��خصنة الحراك(وقته��ا أب��دا ل��م يكن ه��دف الحراك
8
هو ش��خص بش��ار .أمّا اليوم بالتأكيد توجد قضية ش��خصية مع هذا المس��تبد ،ومن كل السوريين). كما جاءت تس��مية الجمع بصبغة إسالمية واضح��ة ،من نف��س المصدر(الخاطئ)لتأخذ النش��طاء إل��ى أمكن��ة ومط��ارح ت��ؤدي إلى تديين الحراك وأس��لمته ،بوعي أو من دونه، ال فرق .وهذا األمر ساهم ومهّد إلى تطييف بع��ض النش��اطات والش��عارات(حيث ب��دأت عبارة النصيرية والمجوس تمرّ وتستقر في أدبيات الناشطين دون رادع وطني أو تبصر) إل��ى م��ا وصلنا إلي��ه اليوم من لغ��ة طائفية فاقعة ومقيتة ومرفوضة. (في ه��ذا المق��ام تج��در اإلش��ارة إلى أن التعذيب الوحش��ي البش��ع إلى أقصى حدود البش��اعة الت��ي يمك��ن أن تخطر ف��ي خيال، وال��ذي م��ورس م��ن قب��ل النظ��ام الظال��م وحلفائه ،بحق النش��طاء والمعارضين ،وكل م��ن ليس معه ،ما كان ل��ه أن يُمارس بتلك البش��اعة ،ل��و لم يت��م تجري��د الخصوم من صفتهم البشرية أوال ،ليسهل بعدها شرعنة كل الوسائل العنيفة والالأخالقية من وسائل التعذي��ب والتنكي��ل إلخراج ه��ؤالء الخصوم م��ن الحرية أو من الحياة برمتها ،باعتبارهم ليسوا « بشرا « يستحقون أيا منها !؟). تضعن��ا هذه الص��ورة المؤلمة أمام تحدي أخالق��ي أوال ،قبل أن يكون سياس��ي وطني. وذل��ك لك��ي نتجن��ب تم ّث��ل س��لوك النظام الظال��م المس��تبد .وه��و كي��ف نحافظ على الصف��ة اإلنس��انية فين��ا ،إل��ى جان��ب صفة السياس��ي المع��ارض والث��وري الميدان��ي والقائد المسلح؟! إن ضم��ان احت��رام خيارك كبش��ري أصال ّ قب��ل مع��ارض أو ث��وري ،أو قب��ل أي صف��ة ش��بيهة ،خاص��ة وأنت صاحب مش��روع ثورة على الظلم واالس��تبداد ،يُحتم عليك تفهّم خي��ارات اآلخري��ن-إن لم تحتم��ل االحترام- باعتبارهم بش��ر مثل��ك أوال ،يختلفون عنك في الرؤى والرأي ،أو في العقيدة أوالدين الخ ال��خ ..المغ��زى هو عدم أخراجه��م من دائرة البشرية ،كخصمك ،ليسهل عليك إقصائهم ونفيه��م وحت��ى قتله��م بعدها(ه��ذا أمر ال عالق��ة له بالحرب الدائ��رة أو بأخالق الحرب. والتي فيها القتل واألسر والقتل المضاد وما ش��ابه .أتحدث ع��ن رؤيتك كمع��ارض اآلن، وربما كحاكم غ��دا ،لآلخر المختلف عنك في الكثي��ر من القضايا ،منه��ا الدين أو الطائفة أو المذه��ب ،ف��ي وطن واح��د) .حقيقة ّ أركز
عل��ى أن المق��دس الدني��وي الرئي��س يجب أن يك��ون اإلنس��ان بصفته نفس��ها(من هنا نالحظ توسع دائرة الدول التي تلغي عقوبة اإلعدام من تش��ريعاتها) .بعد ذلك ننظر إلى هذا اإلنس��ان بصفته رم��ز ،أو إلى صنع هذا اإلنس��ان للرمز(العلم مثال) وفي الحالين هو إنسان ،وفي الحالين يجب أن يصب في حالة إجم��اع ،وف��ي صال��ح المجم��وع ،وفي طرف الخير العام على بساطة التعريف للخير. وعليه يصب��ح المطلوب هو إع��ادة األمور إل��ى أصوله��ا ووضعه��ا ضم��ن حجومه��ا الحقيقي��ة ،والتفكي��ر ب��أن الرم��ز ،أي رم��ز يكتس��ب أهميت��ه ،وحتى قدس��يته للبعض، من قدرته عل��ى أن يحترم العقل والوجدان، وضمن��ا الحق��وق األساس��ية للكائ��ن الفرد، كما لعم��وم المجموعة البش��رية -المتنوعة والمختلفة في رؤاه��ا وطموحاتها وأهدافها ال��خ الخ ،لم نقترب من الدين والعرق! -التي تعي��ش معا(س��واء بالصدف��ة التاريخية ،أم بالقسر واإلكراه)حيث الناظم القانون وقبول االحتكام له وحده. وإلاّ ،سيتراجع العقل لصالح تقدم «غريزة القطي��ع « الس��ائرة وراء « أي تي��س « دون تفك��ر ،حت��ى وإن كان يقوده��ا إل��ى جهنم وبئس المصير!
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 15 | 108أيار 2015
|
فنون
|
ملحمة "جلجام�ش" ب�شار ف�ستق
�أكرث من م�سرح ّية و�أبطال م��ع األخرى ،وألحداثها بدؤها وعقدتها وح ّلها المس��تق ّلة كأج��زاء -ل��و أردت ذل��ك – والتي ّ تش��كل وح��دة متكاملة ف��ي آن؛ لذل��ك رأت بعض العروض أن تفصل موضوع الطوفان، لا ،عن الملحمة،ليس تقلي ً مث� ً ال من أهمّيته، ب��ل لكون��ه ج��زءاً يمك��ن تج��اوزه وال تتأث��ر تصاعديّة الحدث.
اقتح��م الكثير م��ن المخرجين ف��ي العالم ملحم��ة «جلجامش» مجرّبي��ن إيصالها عبر الفض��اء المس��رحيّ -بالمعن��ى العريض - باحثين في األس��ئلة الت��ي اقترحتها الملحمة ألن هذا «النصّ» منذ نحو خمسة آالف عام!! ّ دوّن في األلف الثالثة قبل الميالد ،وهو أقدم ما أُنت��ج أدبيّاً من الفكر البش��ريّ ،وما زالت أس��ئلته حيّة تنتظر ،وربّما س��تبقى ما بقي اإلنسان ولو خارج الكرة األرضيّة. ف��ي ذروة م��ن ذرا الملحم��ة يقع الس��ؤال الجوه��ريّ األزل��يّ ح��ول الحي��اة والم��وت، والبحث في س��رّ الخلود ،من حي��ث إمكانيّة وجوده أص ً ال ،وكيفيّة الوصول إليه ،وعبثيّة ذل��ك البحث أيضاً؛ فال خلود بحس��ب الملحمة إلاّ فيما قد تعمله .يمكنك أن تعيش لحظتك كم��ا وج��دت صاحب��ة الحان��ة ،أو أن تغام��ر وتتحدّى اآللهة كما فعل «أنكيدو» ويمكن أن تسوّر مدينتك كما عمل واقتنع صاحب اسم الملحمة السومريّة األصلّ . كل تلك األسئلة وغيره��ا مازال��ت ملهم��ة ف��ي عمليّ��ة خلق العرض ب��أدوات مس��تحدثة ،باعتبار ضرورة مواجه��ة العص��ر –حقيقة -بما يس��اهم في معرفة اإلنسان لنفسه أوّ ً ال ،كطريق لمعرفة العالم من حوله تاليًا.
كذل��ك بع��ض مغام��رات الصديقي��ن في غابات األرز ،للس��بب الس��ابق ،وحتّى اللقاء مع «س��يدوري» صاحبة الحانة ،وإن كان ّ كل من ه��ذه األح��داث يمكن أن يص ُل��ح لعرض مس��رحيّ لوح��ده بالمعنى األرس��طيّ ،من حي��ث وحدة الفعل ،وانطب��اق التعريف عليها كصراع وتلوّن ،وجالل أو قدسيّة الشخصيّة كأن تكون م��ن اآللهة أو مرتبطة بش��كل ما ّ ولعل صراعات «عشتار» مع جلجامش معها. تك��وّن أوضحمجموع��ة من األس��اطير التي تعك��س أوضاعاً اجتماعيّة وسياس��يّة كانت س��ائدة ف��ي فت��رة تدوي��ن الملحمةيمكنن��ا تناولها كوحدة منفصلة؛ ألنّها تحتوي عناصر المس��رحيّة بالمعنى التقلي��ديّ كتراجيديا، كع ّلة البطل ،والتطهير ،وغيرها. اس��تثناء ،نج��د ف��ي الملحم��ة ش��خصيّة رئيس��يّة بطوليّة بشريّة بالكامل ،أوجدتها اآلله��ة لتق��ف ن��دّاً لجلجام��ش ،إذ ال يوج��د – ع��ادة -أبط��ال ف��ي المالح��م م��ن محض البشر ،إنّهاش��خصيّة «أنكيدو» فهو مخلوق
من الطي��ن ،يعيش في البريّ��ة كالوحوش، ومن ثمّ يُروّض بواسطة مومس مقدّسة ليصير إنس��ان ًا ،ويصارع الطاغية جلجامش، ونتيجة لهذه المواجهة ش��به الندّيّة تتكوّن الصداقة وال نهائيّة المغامرة اإلنسانيّة. أنكي��دو ال��ذي ال يق��ف في وجهه ش��يء، يص��ادق ويراف��ق جلجام��ش ف��ي رحل��ة ال يصعقها إلاّ الموت!!! م��رضُ ثمّ م��وت أنكيدو «ليأكل��ه الدود» بع��د أن يقت��ل ثور الس��ماء ،يفجّر مش��اعر جلجام��ش ويدف��ع بعقل��ه إل��ى التس��اؤل األقصى؛ هل يمكن تفادي الموت؟ وكيف؟ اإلجاب��ة تأتي من خالل رحلة البحث إليجاد نبت��ة الخل��ود! فق��د حص��ل بط��ل الطوفان «أوتانبشتيم» على السرّ وهو تلك النبتة. وياللعبث! فق��د وصل إليه��ا جلجام��ش وحملها ،لكن حيّ��ة الت��راب أكلتها لتن��ال الخل��ود بدورها، بينما كان هو يروي عطشه من بئر ما. وبتأكي��د عل��ى العبث ،تع��ود الملحمة إلى أوّلها لتتحدّث عن األسوار األجمل للمدينة: «تأمّل أسوار أوروك ،آجرّها ،أساساتها! هل ترى بنا ًء أجمل منه؟»
دورة الحياة هي الخالدة ،وما نصنعه هو - فقط – الدليل على أنّنا كنّا وسنبقى.
ش��خصيّة جلجامش من الناحية الدراميّة كبط��ل مغري��ة للمم ّث��ل؛ فهو إله ف��ي ثلثيه وثلث��ه الباقي إنس��ان ،وقد جسّ��دتها بعض بأن ع ّلة هذا الع��روض كامرأة؛ وبرّروا ذل��ك ّ البط��ل وجوديّ��ة وال تخصّ أحد الجنس��ين، ُ وقدّمت في تجارب أخرى بعدّة ممثلين لهذه الش��خصيّة معاً كجوقة ،معبّرين عن صوت تنوّع اإلنس��ان ،أو بالتناوب ليكوّن جلجامش مجموع��ة تش��به تن��وّع اآلراء تج��اه قضيّة واحدة. الصراعات الموج��ود في الملحمة ذات بنية ّ فل��كل ل��وح حبكة مس��تق ّلة فسيفس��ائيّة، ّ تتش��ابك فيها خطوط الفعل لكل ش��خصية
9
|
ر�أي
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 15 | 108أيار 2015
|
بكى على حم�ص ..فبكت عليه �سـوريّة عبد الرزاق كنجو
"الفنان الت�شكيلي غ�سان ال�سباعي" اّ ال المجاملة والدبلوماسية الكاذبة.
ل��م يك��ن الفن��ان التش��كيلي /غس��ان الس��باعي /أكثر من مس��تمع لما ي��دور فيما حول��ه م��ن أحاديث ونقاش��ات ألي عمل فني ح��وار يدور يخ��صّ فن��ون التصوي��ر أو أيّ ٍ ح��ول اإلبداعات الفني��ة والت��ي كان يتابعها بش��غف واهتم��ام ،فلقد كان دائم��ا يفضّل أن يك��ون آخ��ر المتحدثي��ن ،ذلك ألن��ه يثق بنفس��ه وبفك��ره وبجرأته على إب��داء الرأي حول الموضوع المطروح للمناقش��ة ،س��واء لمع��رض أو للوح��ةٍ فني��ة أو أكان تقييم��ا ٍ لمحاضرة ثقافية .ش��أنه بذلك ش��أن الفنان فاتح المدرس المش��هود له بصراحته .وكنت أعتبرهم��ا توءمان متفرّدان ف��ي الصّراحة الجارح��ة أحيان��ا والبعي��دة ع��ن المجامل��ة والمداهن��ة الت��ي اعت��اد معظ��م الفناني��ن والمبدعي��ن عليه��ا خالل لقاءاته��م الثقافية المتكررة. ولع ّل��ي تأثرت بهذا الس��لوك الى حدّ كبير في مناقشاتي التي كثيراً ما أفقدتني بعض األصدقاء الذي��ن اليرتضون في مجتمعاتهم
10
ومهم��ا يكن م��ن أمر فلقد ح��رص الفنان التش��كيلي غس��ان الس��باعي أن يكون دائم ًا ص��ادق الكلمة والريش��ة معاً ،ف��ي إبداعاته الفنية التي نجدها في رسوماته على صفحات المجالت وأغلفة الكتب ،والتي كانت تحكي لنا الرواية أو القصة ونس��توعبها قبل قراءتها، ذلك ألنّه اعتمد على المدرسة التعبيرية في رس��م موضوعاته ولوحات��ه الزيتية ،مبتعدا ع��ن الكالس��يكية الفوتوغرافي��ة ،وليضيف على مواضيع��ه ماتجود به قريحته وعصارة تفكي��ره ،لذلك كنّا نجد أنفس��نا نغور داخل ال ّلوحة ،ونس��توقفها بد ً ال من أن تس��توقفنا نحن لفترة من الزمن ،نبحث فيها عن ش��ي ٍء مفق��ودٍ س��رعان مانجده ونتفهّم��ه ،وكأنه خرج من فكرنا نحن ،وش��اركناه بما يريد أن ينقله لنا ويعبر عنه بلغةٍ ملوّنةٍ تنقلنا قبل كل ش��يء الى ألوان «رامبران��ت الهولندي» ولوحات��ه المش��عة بالنور رغم قتام��ة أجزا ٍء واسعةٍ من سطوح لوحاته الخالدة. لع��ل دراس��ته الجامعية في االس��كندرية بمصر لم تش��بع طموحه الفن��ي فأراد إغناء ثقافته ومزاوجتها بالفنون األوربية الحديثة حيث قصد أعظ��م الجامعات الفرنس��ية في باري��س ،حام ً ال معه س��حر الش��رق العربي ليمزج��ه بحداث��ة الفن��ون الغربي��ة الواف��دة أواس��ط القرن الماض��ي ،ليع��ود بعدها الى وطنه الس��وري محمّ ً مكتسب أضاف ال بتراث ٍ عل��ى م��اكان يكتن��زه س��ابقًا م��ن الحضارة العربية وفنونها الشرقية. لقد وقف مع رواد النهضة الفنية السورية وساهم بتأس��يس تيار فني متطور مستمد م��ن التجرب��ة العالمية ،في م��زج التعبير مع تجريد مبس��ط اليبتع��د أبدا والينس��لخ عن التش��كيل المفه��وم لدى المش��اهد ألعماله الفنية.
امتازت لوحاته بضبابية األلوان وإس��التها دون التحدي��د بخط��وط مرس��ومة كم��ا في معظم أعمال الفنانين التشكيليين من أبناء جيله ،فاعتمد تجاور األلوان وتداخلها بدرجات الظ ّ مختلفة ،وحرفي��ة عالية للوصول الى ّ ـل والنور ،والى المنظور الوهمي لتحقيق البعد الثالث والعمق في اللوحة الملس��اء ،حيث لم يكن يتآلف مع سماكة األلوان وكثافتها وهذا ماكان يميزه عن كثير من أبناء جيله. عن��د الوق��وف والتأمّ��ل لمعظ��م لوحاته وعل��ى امت��داد فت��رة إبداعات��ه نالح��ظ أن تشخيص اإلنس��ان لم يغب عن لوحاته أبداً، معتم��دا على إظهار المرأة أكث��ر من الرجل، ربما لشعوره بأنها األمّ والزّوجة ووهي نبع أن رس��وم النس��اء عن��ده كانت العطاء ،كما ّ تظهر بوقفات رصينة متماسكة ومعبرة. ل��م يك��ن يوم�� ًا يرس��م له��دف م��اديّ أو تس��ويقيّ ف��ي الص��االت أوف��ي األماك��ن الس��ياحية ،وإنّما كان يطرح أفكاره الهادفة إليصال رس��الته الفنية الملتزم��ة والقريبة م��ن مجتمعه ،ف��أراد التعبي��ر عنها من خالل خطوط وألوان ورسوم موجهة هادفة ،لذلك فق��د امت��ازت اعمال��ه بأنها تحم��ل مفاهيما فكريّة رفيعة المستوى. لق��د كان ش��ديد الحساس��ية الصّامت��ة، فاخت��زن الحزن واأللم الش��ديد على مدينته الت��ي ول��د وترع��رع فيه��ا (حم��ص العديّة) واعتص��ر األل��م قلب��ه وبك��ى طوي� ً لا عندما ش��اهد أبنيتها وقب��اب جامع خالد ب��ن الوليد تته��دم ف��وق رؤوس مواطني��ه بواس��طة القذائف الحربية. عن��د ذلك..غادرنا ورحل الى جوار ربه في شباط العام الحالي.. فبكت عليه ســوريّة.وستبكيه طوي ً ال.
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 15 | 108أيار 2015
|
وجهة نظر
|
دموعكم عجز الكلمات �أ�سعد �شال�ش دموعٌ ...دم��وعٌ ...دموع ،وفي الديار موت وحرب وجوع. أن��ا ...أن��ا ملوحت��ي هي ...ه��ي بغضّ النظر عن عيونكم خضراء كانت أم س��وداء، أم زرقاء. أنا حليفكتم في أحزانكم ،وفي الش��ديد من أفراحكم ،ولكن في األشدّ من فواجعكم أتجمّ��د في عيونكم أس��ىً عليكم ،ما بيني وبين عيونكم خ��دّ وملح ،وليس من طبعي أن أخون الملح. أن��ا أنثويّ��ة الطب��ع ...ذكوريّ��ة التطبّع، زرفن��ي جلجامش دموع��اً م��رّة ،حزنًا على موت صديقه أنكيدو. أن��ا م��ن يطف��ئ حرائ��ق مش��اعركم ووجدانكم عندما تعجز الكلمات عن إطفائها، يس��تنجد بي الصغار إمّا لبراءتهم أو تخابثًا لتبرئتهم وتحقيق أهدافه��م ،حينها أضحك ّ وأتذكر دموع التماسيح. أن��ا ال أتوانى عن إس��عاف عاش��قة انفطر قلبه��ا من نصل خيانة أو ش��دّة قس��وة مَن قحطتْ عينه ،فأنا أمقتُ عيون قساة القلوب (أن العي��ن الت��ي ال تبكي ال تبصر من وأدرك ّ الحياة ش��يء) ،ومع ذل��ك أحافظ على نظافة عي��ون الجمي��ع ورطوبته��ا بم��نّ ،وال أدعها تتّس��خ وتج��فّ وم��ع تق��دّم العم��ر وتآكل ش��غاف القل��ب وحواف��ه لما تع��رّض له في س��نينه الطويلة من ضربات عواصف األلم، يصبح القل��ب أكثر تأهّب��ًا ليك ّثف آالم حزنه ويرسلها على هيئة دموع.
بعضٌ من ملوحتي.
وعليها.
أنا حليفة أمّ ودّع��تْ ابنها عندما غادرها إل��ى البعي��د ،لكنّه��ا احتبس��تني أمامه كيال تؤلم��ه ،وبع��د أن غ��ادر وأغلقت ب��اب بيتها ذرفت منّي الكثير.
في خ��وف األطفال أنا ،وه��م يتراكضون تحت طائرة هرب ًا من الموت.
اس��تمدّ صفت��ي منك��م ،فالبخي��ل ق��د يس��تنجد بي لخس��ارة ف��ي تجارت��ه ،أنجده لكنّ��ي ال أحترم��ه ،وأحت��رم دموع العشّ��اق والمكلومين. تتباه��ون أحيانًا بجفائ��ي وتدّعون أنّكم أكب��ر م��ن أن أزور عيونك��م ،وتصفون مَن أحضر في عيونه -ألصغر المشاهد المؤلمة بالمس��كين والضعيف متناسين أنّني رقّةقلب ورهافة ضمير ،وبصراحة أنا وإن نجدت الجمي��ع أحتفظ بتقدي��ري واحترامي لذاتي، فال أبوح سرّاً وال أخون مستنجداً. ف��ي زمن المآس��ي يس��تحضرني البش��ر كثيراً ألك��ون عونًا لهم على فواجعهم ،كنت حاضرة في بداية ثورتكم ،س��رّرت كثي��راً وأنتم تعرس��ون لحريّتك��م فكن��تُ دم��وع ف��رح ف��ي الكثير م��ن العيون ،صع��دت بكم قمم النش��وة ،فأنا حاضرة في القمّ��ة المختلطة من مش��اعركم ،كنت حاضرة ف��ي مقل ّ كل األمّهات اللواتي هربنَ من بيوتهنّ خش��ية على أطفالهنّ من الموت ،يعتصرني الحزن إن رآن��ي طفل ف��ي عيون أمّ��ه وبكى معها
أخالط زغاريد النسوة وصراخهنّ في ّ كل الفواجع ،أقطع الكالم وأعمل على اضطراب التنف��س وأش��وّش عل��ى ّ ّ كل مَ��ن يح��اول مش��اركتي ،تحالفتُ مع المرأة منذ أن أصبح ظلمه��ا ّ مركب�� ًا ف��ي تجمّع��ات قمعه��ا وذ ّلها وقهرها. أن��ا نديم��ة ّ كل األمه��ات الس��وريّات في ش��دائد مصائبه��نّ إن انهدم بي��ت أو أعيق طفل أس��اهر قل��ق أمّ عل��ى أبنائها وهي ال تع��رف أين وكي��ف ينامون؟ وتس��مع أصوات الح��رب وتعرف أنّهم ف��ي أتونها وإن فجعت بعزي��ز منهم أرتبك كثيراً فت��ارة أتجمّد في عيونه��ا وأخ��رى أنهمر بغزارة وأش��فق على عيونه��ا عندما تعيا من ش��دّة البكاء وأحيانا أبكيها وترس��لني روحها دموع�� ًا إلى وجنتي عزيزه��ا وهي تطبع عليهما آخر قبالت قلبها لتبق��ى آخر اآلث��ار منه��ا علي��ه ،ترافقه في زفّته إلى المقبرة ،مثواه األخير وهي تصرخ بكل خالياهاّ ، ّ كل آالم والدات نساء العالم ال تساوي ألم الموت ،تزغرد وتدمع له وعليه. فزغاريد الحزن نحي��ب دموع أو هي دموع م��ن غي��ر مصدره��ا ،تهي��ل علي��ه دموعها (فالدم��وع ه��ي ذرّات الت��راب األخي��رة التي تج ّلل الميّت وتقول :إنّه انتهى ...انتهى).
أن��ا إنس��انيّة النزع��ة والن��زوع ،ال أعرف العنصريّ��ة وال الطائفيّ��ة ،ال أتحال��ف م��ع قوميّة أو عرق أو دي��ن ،وال يعنيني غنيّكم أو فقيرك��م ،وحتّى مَن َفقدَ بصره ،وكثيراً ما يس��تنجد بي غير بني البش��ر ف�لا أبخل، برفق دون أحاول أن أمش��ي على وجناتك��م ٍ أن أخدش��ها ،وف��ي أغلب األحي��ان أفضّل أن برفق ،وقمّة نشوتي أن تمتدّ تمس��حونني ٍ ي��دّ مَن تحبّون لتمس��حني ع��ن وجناتكم، وإن مس��حتموني بغير أيديك��م ألاّ ترمونني في األماكن القذرة ،ألنّني طهركم ،أكره أن أفشي بسرّكم وأصدّره لمن حولكم. دائم�� ًا أفضّ��ل التحالف مع المس��حوقين والمقهورين ،وأع��رف أنّني قد ال أقدّم لهم ش��يئًا يُعتدّ به ،لكن وبالتأكيد أفرّج بعض كربه��م وأه��دّئ لواعجه��م ولو إل��ى حين، ويوم أن انفصلت السماء عن توءمها األرض فاض��ت دموعهم��ا فكان��ت بح��اراً ملوحته��ا
11
|
عطر زيتون
ثائر حر
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 15 | 108أيار 2015
|
عندما ثار البحر
يوم معت � ��دل و عند إنتهاء الخطي � ��ب من إقامة في ظهي � ��رة ٍ أ صالة الجمعة ،علت الصيحات منادية «هللا �كبر ،هللا سوريا أ حري � ��ة و بس» ,فقد عانى ش � ��عبنا من م�س � ��اة طويل � ��ة ومرعبة امتدت على مدى أ�ربعين ً عاما و نيف. أ أ عدن � ��ا إل � ��ى منازلن � ��ا ولكننا لم ني � ���س وظ � ��ل المل يعصف أ أ داخلنا منش � � ً�دا �نغام الحري � ��ة ،مت�ملين ف � ��ي رفاقنا في مدينة أ بانياس �ن يكونوا قد كسروا قيود الخوف. نعم إنه الثامن عش � ��ر من آ�ذارٌ ، يوم سيجس � ��له التاريخ في أ الس � ��احل الس � ��وري ،فقد إنطلق � ��ت �ولى ش � � �رارات الحرية من مدينة باني � ��اس تزغرد بهتافات «هللا ،س � ��وريا،حرية وبس»، أ حي � ��ث تجمع الحرار في س � ��احة البلدية متجمهرين ،رافضين كل قهر السينين. كان خبر المظاه � � �رات في بانياس كحبات البرد على القلب وما هو اال قليل من الوقت اال وجاءت البش � ��رى الثانية «ثارت درعا» ونفضت عنها غبار الذل. أ أ ول � ��م يمض وقت �كثي � ��ر قبل �ن تزف �ول ش � ��هدائها لتعلن والدة وإنطالقة الثورة الس � ��ورية وتعطي كل المدن الس � ��ورية ً دافعا للخروج ضد الظلم واإلستبداد. أ اس � ��بوع مر اتفقنا خال ل � ��ه على �ن نت � ��وزع كمجموعات كل أ مجموعة في مس � ��جد لنش � ��جع �كبر قدر من الناس المنتظرين لصوت يدعوهم للحرية. وكان العرس..ع � ��رس حقيقي لعروس الس � ��احل الس � ��وري، فقد خرجت الجموع الغفي � ��رة مرددة «يا درعا حنا معاكي على الموت»« ،بال � ��روح بالدم نفديكي يا درعا»« ،هللا ،س � ��وريا،
12
حرية وبس». آ عشرات ال الف من عش � ��اق الحرية خرجوا من جامع خالد بن الوليد وجامع الرحمن وجامع المهاجرين ومس � ��جد البازار والجام � ��ع الكبي � ��ر ،ليجتمع � ��وا ويملؤوا س � ��احة الش � ��يخ ضاهر أ ولتعل � ��وا صيح � ��ات الحري � ��ة هاتف � � ً�ة ب�هازيج الثورة الس � ��ورية، أ غاضبة على شهداء درعا البرار. التقينا عند التقاء ش � ��ارع القوتلي مع س � ��احة الش � ��يخ ضاهر أ أ وبد�ت جموع الموالين وقوى النظام المنية ،تتوافد ليقوموا مجتمعي � ��ن بإلقاء الغازات المس � ��يلة للدموع و جلب س � ��يارات أ أ اإلطف � ��اء -إلبعادن � ��ا بمائه � ��ا -ما لبث � ��ت �ن بد�ت رش � ��قات من أ الحجارة تنهال علينا ليقوم البعض بإعادتها لصحابها. اتجهت بعدها الجموع إلى ساحة «الصليبة» لتطلق عليها إس � ��م «س � ��احة الحرية» ويسس � ��تمر اإلعتصام ،ليش � ��هد اليوم أ أ التال � ��ي ،وقائع دموي � ��ة ويرتقي �ول ش � ��هدائنا معلن � � ً�ا عن �ول هتاف في سوريا نادى بإسقاط النظام. أ ف � ��رع الش � ��رطة العس � ��كرية ف � ��ي الالذقي � ��ة �ول م � ��ن خ � ��ان أ الس � ��وريين ،و�طلق الرصاص الحي على المتظاهرين ،ليرتقي س � ��تة من الش � ��هداء برصاصه � ��م ،وتبدا ث � ��ورة الفيني � ��ق الذي اليموت. أ أ ب � ��د�ت عقارب الس � ��اعة وك�نها في س � ��باق ،تتراكض لتحقق ً ً رقما قياس � ��يا ،معلن � ��ة صباح اليوم الثاني م � ��ن ثورة «البحر»، أ أ بد� الش � ��بان يجتمعون بعد �ن عق � ��دوا العزم ،و علت الحناجر أ ً بالتكبي � ��ر م � ��رددة «يا درعا حن � ��ا معاكي على الم � ��وت» وبد�ت أ الجم � ��وع تحتش � ��د ,ال لوف تمش � ��ي بخطى ثابتة نحو «س � ��احة الشيخ ضاهر».
أ وصلن � ��ا و ب � ��د� رفقان � ��ا بالتصوي � ��ر لتوثي � ��ق ه � ��ذه اإلنتفاضة أ الس � ��احلية ,وما هو إال القلي � ��ل من الوقت ,حتى �رس � ��ل نظام أ أالس � ��د «مش � ��ايخه» للتفاوض معنا ،أ� ً مال بإنه � ��اء المر ,و لكن بحكمة وفطنة ،من بعض العقالء ،قلب السحر على الساحر أ أ ،وحمل �حد المش � ��ايخ على ��كتاف المتظاهرين ,ليرى نفسه مرغما على الهتاف بالحرية . أ ب � ��د� القم � ��ع م � ��ن ذاك المبنى ال � ��ذي ال يبع � ��د إال مئتان من أ أ المت � ��ار ،بإطالق الرص � ��اص الحي ,وس � ��قط �ول الجرحى ،ثم أ أ �رتقى �ول الش � ��هداء ،فالثاني و الثالث والرابع ,لتسيل الدماء أ معلن � ��ة «إس � ��قاط النظام» ،إنه � ��م رفاقنا كان � ��وا بالمس معنا، واليوم غادرونا ،فهل سنحمل ش � ��علتهم ،ونتابع مس � ��يرتهم؟ أ وتحت النار ،ورغم الرصاص ،بد�ت الجموع تركض متجهة أ ًأ محاولة �ن تنقذ ما تبقى لهم من �نفاس. نحو رفاق الدرب، َ متر من ساحة الشيخ ضاهر ،كان يرقد جسد بعد خمسين ٍ أ أ �حم � ��د بع � ��د �ن فارق الحياة ،نعم إنه حي ولكن بغير جس � ��د, أ نعم �نه حاضر ولكن من غير وجود ،كبقية الشهداء في ذلك اليوم. أ أ أ بع � ��د هذا الي � ��وم الدامي� ،عتم � ��د نظام الس � ��د خط� جديدا أ أ لمحاول � ��ة إس � ��كات الص � ��وات الثائ � ��رة ،متناس � � ً�يا �ن «ث � ��ورة أ أ أ أ أ البح � ��ر» ال تهد� ,فبد� بإرس � ��ال �زالمه إلى الحي � ��اء الموالية �ن أ المتظاهري � ��ن يتربصون بهم و س � ��يهجمون عل � ��ى �حيائهم من أ أ أ �ج � ��ل �ن يرتكب � ��وا المجازر بحقه � ��م ،هدفه �ن يبعد الش � ��باب أ الموالين عن االنخراط بالثورة بل و�ن يناصبوها العداء. يتبع...
متت طباعة وتوزيع هذا العدد من قبل مطبعة �سمارت �ضمن م�شروع دعم الإعالم ال�سوري احلر