المتحمسون لق تل المدنيين ال يوم ي ُز َ ّوِرون شهادات الإع فاء من الخد مة لتجنب الب قاء في منطقة العمل يات وهم اليوم ضباط سامون يتزلفون للقيادة كأنهم أبطال.
كان اللواء قايد صالح يستمع إلي بصبر جميل ول كن بحذر كبير ،وكنت أعرف شخصيته جيدا.
وبعد أن بلغت هذا القدر من الحديث تدخل قائلا :عجبت لأمرك ،ألم تكن تثق في قيادتك؟ ألم تقل أنك
تثق بي أنا شخصيا؟ قلت :ومازلت أثق بك وبكل المخلصين .59قال :فلماذا لم تتصل بي عندما علمت بهذه
الأمور الخطيرة وتعفي نفسك من هذه المسؤولية؟ قلت :لقد عرفتك وأنت برتبة رائد 60وكنت مستعدا لتنفيذ أوامرك دون نقاش وأخبرك بكل شيء دون تحفظ لأنني كنت مقتنعا بقدرتك على حمايتي وتحمل
المسؤولية على الأوامر التي تصدرها .أما اليوم فأنا متأكد بأنك لا تستطيع أن تشفع حتى لنفسك وأنت برتبة لواء لأن اسمك مكتوب بقلم الرصاص كما أكد لي ذلك ضباط الأمن في مركز الاستنطاق .وهذا
الأمر لم يكن خافيا على أحد على كل حال .فكيف تريدني أن أقامر بحياة شباب أبر ياء وضعوا ثقتهم في؟
صمت اللواء قليلا ثم قال وهو يتأهب للنهوض :مع أنني أتفه ّم الظروف المحيطة بقضيتك فإن ما
وقعت فيه أنت بالذات يا شوشان خيانة للثقة التي وضعتها القيادة فيك .لقد كنت أتمنى أن ت ُتاح لي فرصة
ز يارتك وأنت قائد ناحية عسكر ية بعد تقاعدي من الخدمة واستمتع بالحديث معك عن ذكر يات ،1982
ول كن للأسف خاب ظني فيك والظاهر أنك ستقضي باقي حياتك في السجن ،هذا إذا لم يعدموك .قلت: 59
نعم لقد كان احمد قائد صالح و كثير من الضباط السامين على قدر مقبول من الوطنية و الإخلاص إلى سنة 1992و
لولا الإستقطاب المجنون بين وهم الخلافة الراشدة و حلم الجزائر الفرنسية الذي ألغى فضاء الجزائر الحقيقية لكان بالإمكان احتواء أولئك الضباط و تجميع الأغلبية الساحقة من الجزائر يين حول المشروع الوطني الذي استشهد من أجله رجال الجزائر
و حرائرها .و ل كن الاستقطاب الجامح في ذلك الوقت أفقد الناس عقولهم فانقسمت الجزائر إلى معسكرين ليس على أساس الدين و لا الهو ية و ل كن على أساس المصالح و الطموحات و تحولت الأزمة من أزمة نظام سياسي إلى أزمة اجتماعية أمنية و تفاقمت إلى أن أصبحت قبل سنة 2000أزمة مزمنة متعددة العقد يستعصي على الحكماء حلها .و الل ّه المستعان. 60
كان ذلك سنة 1982أثناء قيامي بمهمة الحراسة الأمامية لفيلق الصاعقة 12المكلف آنذاك بتطهير الحدود الجزائر ية
المغربية من التواجد الأجنبي .و قد كانت فترة مليئة بالذكر يات و المغامرات .و قد اضطررت مرة لإجبار الطائرة المروحية
التي كانت تقل العقيد محمد بتشين و الرائد شلغوم عندما اخترقت المجال الجوي لقطاع العمليات المركزي التابع للقائد صالح ؛
و وقعت اثناء ذلك ملاسنة بين الرائد شلغوم و الرقيب الأول محمد بلعجيمي الذي كلفته بالمهمة .و رفضت السماح لهما بمغادرة موقع تافاقونت رغم تقديمهما لنفسيهما حتى حضر الرائد أحمد قائد صالح .فطلبا منه معاقبتي على تعر يضهما للخطر. فكان رده :ربما سأعاقبه لأنه لم يفجر طائرتكما في السماء .و بعد أن اطلع على الظروف الصعبة التي نعيشها في ذلك الصيف القائظ أمر فورا بتزويدنا بكل ما يسهل علينا الحياة الميدانية .و قد عاد إلينا بعد أيام بمناسبة عيد الأضحى و وزع علينا
هدايا و حلو يات لرفع معنو ياتنا .أنا أذكر هذا إنصاقا لهذا الضابط الذ ي كان يحتقر ضباط فرنسا حتى و لو كانوا أقدم منه رتبة و منهم نائبه في ذلك الوقت الرائد مخازنية .و ل كنه تحول إلى عبد مطيع لنزار بعد أن أصبح جنرالا. 106