من قلب الحدث مذكرات النقيب أحمد شوشان

Page 106

‫المتحمسون لق تل المدنيين ال يوم ي ُز َ ّوِرون شهادات الإع فاء من الخد مة لتجنب الب قاء في منطقة العمل يات‬ ‫وهم اليوم ضباط سامون يتزلفون للقيادة كأنهم أبطال‪.‬‬

‫كان اللواء قايد صالح يستمع إلي بصبر جميل ول كن بحذر كبير‪ ،‬وكنت أعرف شخصيته جيدا‪.‬‬

‫وبعد أن بلغت هذا القدر من الحديث تدخل قائلا‪ :‬عجبت لأمرك‪ ،‬ألم تكن تثق في قيادتك؟ ألم تقل أنك‬

‫تثق بي أنا شخصيا؟ قلت‪ :‬ومازلت أثق بك وبكل المخلصين‪ .59‬قال‪ :‬فلماذا لم تتصل بي عندما علمت بهذه‬

‫الأمور الخطيرة وتعفي نفسك من هذه المسؤولية؟ قلت‪ :‬لقد عرفتك وأنت برتبة رائد‪ 60‬وكنت مستعدا‬ ‫لتنفيذ أوامرك دون نقاش وأخبرك بكل شيء دون تحفظ لأنني كنت مقتنعا بقدرتك على حمايتي وتحمل‬

‫المسؤولية على الأوامر التي تصدرها‪ .‬أما اليوم فأنا متأكد بأنك لا تستطيع أن تشفع حتى لنفسك وأنت‬ ‫برتبة لواء لأن اسمك مكتوب بقلم الرصاص كما أكد لي ذلك ضباط الأمن في مركز الاستنطاق‪ .‬وهذا‬

‫الأمر لم يكن خافيا على أحد على كل حال‪ .‬فكيف تريدني أن أقامر بحياة شباب أبر ياء وضعوا ثقتهم في؟‬

‫صمت اللواء قليلا ثم قال وهو يتأهب للنهوض‪ :‬مع أنني أتفه ّم الظروف المحيطة بقضيتك فإن ما‬

‫وقعت فيه أنت بالذات يا شوشان خيانة للثقة التي وضعتها القيادة فيك‪ .‬لقد كنت أتمنى أن ت ُتاح لي فرصة‬

‫ز يارتك وأنت قائد ناحية عسكر ية بعد تقاعدي من الخدمة واستمتع بالحديث معك عن ذكر يات ‪،1982‬‬

‫ول كن للأسف خاب ظني فيك والظاهر أنك ستقضي باقي حياتك في السجن‪ ،‬هذا إذا لم يعدموك‪ .‬قلت‪:‬‬ ‫‪59‬‬

‫نعم لقد كان احمد قائد صالح و كثير من الضباط السامين على قدر مقبول من الوطنية و الإخلاص إلى سنة ‪ 1992‬و‬

‫لولا الإستقطاب المجنون بين وهم الخلافة الراشدة و حلم الجزائر الفرنسية الذي ألغى فضاء الجزائر الحقيقية لكان بالإمكان‬ ‫احتواء أولئك الضباط و تجميع الأغلبية الساحقة من الجزائر يين حول المشروع الوطني الذي استشهد من أجله رجال الجزائر‬

‫و حرائرها‪ .‬و ل كن الاستقطاب الجامح في ذلك الوقت أفقد الناس عقولهم فانقسمت الجزائر إلى معسكرين ليس على أساس‬ ‫الدين و لا الهو ية و ل كن على أساس المصالح و الطموحات و تحولت الأزمة من أزمة نظام سياسي إلى أزمة اجتماعية‬ ‫أمنية و تفاقمت إلى أن أصبحت قبل سنة ‪ 2000‬أزمة مزمنة متعددة العقد يستعصي على الحكماء حلها‪ .‬و الل ّه المستعان‪.‬‬ ‫‪60‬‬

‫كان ذلك سنة ‪ 1982‬أثناء قيامي بمهمة الحراسة الأمامية لفيلق الصاعقة ‪ 12‬المكلف آنذاك بتطهير الحدود الجزائر ية‬

‫المغربية من التواجد الأجنبي‪ .‬و قد كانت فترة مليئة بالذكر يات و المغامرات‪ .‬و قد اضطررت مرة لإجبار الطائرة المروحية‬

‫التي كانت تقل العقيد محمد بتشين و الرائد شلغوم عندما اخترقت المجال الجوي لقطاع العمليات المركزي التابع للقائد صالح ؛‬

‫و وقعت اثناء ذلك ملاسنة بين الرائد شلغوم و الرقيب الأول محمد بلعجيمي الذي كلفته بالمهمة ‪ .‬و رفضت السماح لهما‬ ‫بمغادرة موقع تافاقونت رغم تقديمهما لنفسيهما حتى حضر الرائد أحمد قائد صالح‪ .‬فطلبا منه معاقبتي على تعر يضهما للخطر‪.‬‬ ‫فكان رده ‪ :‬ربما سأعاقبه لأنه لم يفجر طائرتكما في السماء‪ .‬و بعد أن اطلع على الظروف الصعبة التي نعيشها في ذلك الصيف‬ ‫القائظ أمر فورا بتزويدنا بكل ما يسهل علينا الحياة الميدانية‪ .‬و قد عاد إلينا بعد أيام بمناسبة عيد الأضحى و وزع علينا‬

‫هدايا و حلو يات لرفع معنو ياتنا‪ .‬أنا أذكر هذا إنصاقا لهذا الضابط الذ ي كان يحتقر ضباط فرنسا حتى و لو كانوا أقدم منه‬ ‫رتبة و منهم نائبه في ذلك الوقت الرائد مخازنية‪ .‬و ل كنه تحول إلى عبد مطيع لنزار بعد أن أصبح جنرالا‪.‬‬ ‫‪106‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.