جريدة شرارة آذار العدد 94

Page 1

‫العدد ‪94‬‬

‫‪2013-12-1‬‬

‫�إلتبا�سات معارك حميط‬ ‫دم�شـــــق‬

‫�صرب دروي�ش ــــــــــــــــــــ‬

‫ديون االجئني ال�سوريني‬ ‫ال�س�ؤال الذي ينتظر اجلواب‬ ‫الإعالم الثوري‬ ‫�أطفال �سوريا‬ ‫ر�ؤيا �سورية امل�ستقبل‬ ‫مقربة البحر املتو�سط‬ ‫هواوي‪..‬‬

‫مل تعد احلرب الدائرة على �أر�ض ال�سوريني بعيدة عن‬ ‫متناول �سكان العا�صمة دم�شق‪ ،‬وخ�صو�ص ًا بعد �أن كانت‬ ‫قد حتولت �أحياء برزة والقابون وجوبر الدم�شقي �إىل‬ ‫خطوط جبهة جتري فيها �أعنف العمليات الع�سكرية‬ ‫بني ثوار املعار�ضة وقوات اجلي�ش النظامي؛ اليوم بات من‬ ‫املمكن ل�سكان العا�صمة دم�شق ان ي�شتموا رائحة احلرائق‬ ‫التي تخلفها القذائف يف كل حلظة‪ ،‬و�أن يروا ب�أم �أعينهم‬ ‫ما تخلفه قذائف الهاون املتطايرة يف كل االجتاهات‪.‬‬ ‫بيد �أن التطورات الأخ�ي�رة للمعارك بني الطرفني‬ ‫جعلت من دم�شق ميدان ًا �آخر لهذه املعارك‪ ،‬فعلى الرغم‬ ‫من امتداد ال�صراع امل�سلح لأكرث من عام ون�صف‪� ،‬إال �أنه‬ ‫ولأول مرة يتمكن ثوار املعار�ضة من قطع �أهم �شريان‬ ‫على العا�صمة‪ ،‬وهو �أوتو�سرتاد دم�شق‪ -‬حم�ص الدويل‪،‬‬ ‫حيث متكن ثوار املعار�ضة وعلى �ضوء املعارك اجلارية يف‬ ‫منطقة القلمون �شمايل العا�صمة دم�شق من قطع الطريق‬ ‫الدويل ومنع �أي دخول �أو خروج من العا�صمة‪.‬‬ ‫يف املقابل تقوم قوات الأ�سد بفر�ض ح�صار حمكم على‬ ‫الغوطة ال�شرقية جعلت منه ال�سيطرة على بلدة العتيبة‬ ‫وحميطها كابو�س ًا ق�سم ظهر املعار�ضة لأ�شهر م�ضت‪� ،‬إذ‬ ‫منع دخ��ول �أي �شحنات �إغاثية �أو طبية �إىل املنطقة‬ ‫هذا ناهيك عن �شحنات ال�سالح التي كانت تدخل �إىل‬ ‫الت�شكيالت املقاتلة على هذا املحور‪.‬‬ ‫يف احلقيقة هناك رابط البد من االنتباه �إليه يجمع‬ ‫ب�ين منطقة القلمون وحت��دي��د ًا �شرقي االوت��و���س�تراد‬ ‫الدويل وبني منطقة العتيبة وحميطها جنوب الغوطة‬ ‫ال�شرقية‪.‬‬ ‫�إذ ال متلك العتيبة �أهمية يف ذاتها‪ ،‬بل �إن �أهميتها‬ ‫تكمن يف كونها حمطة عبور للقوافل باجتاه –وهذا املهم‬ ‫يف االمر‪ -‬اطراف مدينة عدرا ومنها باجتاه ال�ضمري التي‬ ‫تقع على حمور القلمون �شرقي االوتو�سرتاد الدويل ومنها‬ ‫باجتاه الريف ال�شرقي �إىل حم�ص‪ .‬واملثري لالنتباه هنا‬ ‫�أنه يف الوقت الذي خ�سرت فيه قوات املعار�ضة بلدة قارة‬ ‫الواقعة على االوتو�سرتاد الدويل و�إح��دى �أهم بلدات‬ ‫القلمون‪ ،‬ف�إن املعار�ضة �أعلنت عن بد�أ عملياتها الع�سكرية‬ ‫التي متكنت من خاللها من �إعادة ال�سيطرة على عدد من‬ ‫البلدات يف حميط العتيبة جنوب الغوطة ال�شرقية‪،‬‬ ‫وذلك بعد االعالن عن بد�أ معركة جند املالحم والتي‬ ‫يقودها حتالف مت م�ؤخر ًا يف الغوطة ال�شرقية بني جبهة‬ ‫الن�صرة و�أحرار ال�شام واحلبيب امل�صطفى و�شباب الهدى‬ ‫وكتيبة عي�سى بن مرمي وبالتن�سيق مع لواء اال�سالم‪.‬‬

‫التتمة �صفحة‪..2 ..‬‬


‫العدد ‪94‬‬

‫‪2013-12-1‬‬

‫ريبيكا كوالرد‪ -‬كري�ستيان �ساين�س مونيتور‬

‫ديون الالجئني ال�سوريني يف لبنان‬

‫عندما عربت فاطمة حممد احلدود من لبنان �إىل �سوريا قبل‬ ‫عام‪� ,‬أح�ضرت معها ‪ 1500‬دوالر �أمريكي نقدا‪ ,‬وهو ما يكفي كما‬ ‫اعتقدت لإعالة �أ�سرتها املكونة من �سبعة �أفراد لعدة �أ�سابيع يف‬ ‫بريوت‪.‬‬ ‫ا�ست�أجرت هي و�أ�سرتها �شقة �صغرية يف �شاتيال‪ ,‬وهو خميم‬ ‫لالجئني الفل�سطينيني يف �ضواحي بريوت حيث الإيجارات �أقل‬ ‫بكثري من �إيجارات املدينة‪ .‬وهي تك�سب ‪ 300‬دوالر �أمريكي �شهريا‬ ‫من خالل عملها يف مركز لل�شباب‪ .‬ابنها الكبري الذي يبلغ ‪ 18‬من‬ ‫العمر‪ ,‬يجلب املزيد من النقود عندما يكون يف �إمكانه احل�صول‬ ‫على عمل يف رفع اخلر�سانة والإ�سمنت‪ ,‬ولكنهما بالكاد ي�ستطيعان‬ ‫تغطية ن�صف امل�صاريف املرتتبة عليهما‪ .‬لقد ك��ان يف مقدور‬ ‫زوجها‪ ,‬الذي كان يعمل يف ال�سابق يف وزارة الكهرباء يف �سوريا‬ ‫تقدمي حياة �أف�ضل للعائلة يف �إحدى �ضواحي دم�شق‪ ,‬ولكنه يعاين‬ ‫الآن من �ضعف يف الب�صر وهو عاجز عن العمل‪.‬‬ ‫حاليا يرتتب على كاهل العائلة دي��ون مبقدار ‪ 500‬دوالر‬ ‫�أمريكي‪ ,‬و الرقم يت�صاعد ب�سرعة كبرية‪� .‬إنه م�أزق �أ�صبح يعاين‬ ‫منه الالجئون ال�سوريون يف لبنان‪ ,‬وذلك وفقا لتقرير �صدر هذا‬ ‫الأ�سبوع عن وكالة �أوك�سفام‪.‬‬ ‫كلفة الطعام والغذاء �أعلى بكثري من مثيالتها يف �سوريا التي‬ ‫ا�ستطاعت فيها الأ�سر ذات الدخل املتو�سط حتقيق وفورات‪ ,‬ولكنها‬ ‫�أ�صبحت تنفد منهم الآن‪ .‬الكثري من الأ�سر الفقرية عربت احلدود‬ ‫وهي حتمل ب�ضعة مئات من ال���دوالرات فقط‪ ,‬وبع�ضهم جاء ال‬ ‫يحمل �شيئا‪ .‬متو�سط �إيجار امل�أوى ي�صل �إىل ‪ 225‬دوالر �أمريكي‬ ‫�شهريا‪ ,‬وفقا للتقرير‪ ,‬وكل �شيء �آخر ابتداء من املالب�س وانتهاء‬ ‫بالدواء �أكرث كلفة‪.‬‬ ‫يقول نوح غوت�شالك‪ ,‬خبري ال�سيا�سات الإن�سانية العليا يف‬ ‫�أوك�سفام ب�أن ‪ ":‬كميات املال التي �أح�ضروها ‪ ...‬تك�شف عن توقع‬ ‫النا�س للمدة التي �سوف ميكثون بها‪ .‬وهذه الأموال �شارفت على‬ ‫االنتهاء ولن يكون هناك حل �سريع لل�صراع ويف نف�س الوقت هم‬ ‫غري قادرون على العودة �إىل بيوتهم"‪.‬‬ ‫�أك�ثر من ‪ %75‬من �أ�صل ‪� 260‬أ���س��رة ا�ستطلعتهم �أوك�سفام‬ ‫مدينون‪ .‬بالن�سبة لالجئني مثل ال�سيد حممد‪ ,‬من غري الوا�ضح‬ ‫كيف �سوف يتمكنون من �إعادة الأموال املقرت�ضة‪.‬‬ ‫بع�ض الالجئني ي�ستلمون حواالت من �أ�سر ال زالت يف �سوريا‪.‬‬ ‫على الرغم من الو�ضع احلرج داخل البالد‪ ,‬ف�إن تكلفة احلياة �أقل‬ ‫بكثري يف �سوريا بحيث ي�ستطيع �أولئك املوجودون هناك يف بع�ض‬ ‫الأحيان �إر�سال املال للعائالت التي هربت‪.‬‬ ‫يقول ال�سيد غوت�شالك ‪":‬مع ا�ستمرار ال�صراع ف�إن م�صادر‬ ‫الدخل هذه �آخذة يف اجلفاف"‪.‬‬ ‫من بني الالجئني امل�ستطلعني هناك ‪ %32‬فقط موظفون ويف‬ ‫العديد من احلاالت ف�إن الدخل الذي يحققونه يغطي �إيجار امل�سكن‬ ‫فقط‪ ,‬وهو ما يعني ن�صف تكاليف حياتهم‪ .‬البع�ض يعتمد على‬

‫�صرب دروي�ش‬

‫ح�سن معاملة �أ�صحاب املحال التجارية الذين يبيعونهم بالدين‪,‬‬ ‫�أو على �أ�صحاب العقار الذين يت�ساحمون عن ت�أخري الدفع‪ .‬ولكن‬ ‫عبء الدين هذا �أ�صبح ي�ضغط على ال�سكان املحليني �أي�ضا‪.‬‬ ‫تقول �أم حممد ب���أن حمل البقالة ال�صغري ال��ذي متلكه يف‬ ‫�شاتيال مع زوجها عليه ديونا بقيمة ‪ 3000‬دوالر �أمريكي تقريبا‪.‬‬ ‫وهي ت�شكون من �أنها غري قادرة على �شراء ب�ضائع جديدة وانها‬ ‫�سوف توقف عن بيع الالجئني ال�سوريني بالدين‪.‬‬ ‫وت�ضيف‪ ":‬عندما ي�صل احلد �إىل ‪� 100‬أو ‪ 150‬دوالر ف�إنني‬ ‫�أتوقف‬ ‫" وتقول وهي تعر�ض دفرتا ت�سجل فيه الديون امل�ستحقة‬ ‫‪ ":‬كيف �أعرف �أنهم لن يغادروا دون �أن يدفعوا يل املال؟"‪.‬‬ ‫هناك ما يقرب من مليون الجئ �سوري يف لبنان‪ ,‬وهي البلد‬ ‫املتو�سطي ال�صغري الذي يبلغ عدد �سكانه ‪ 4‬مليون ن�سمة والتي‬ ‫تق�سمها اخلالفات الدينية العميقة التي تتعمق �شيئا ف�شيئا ب�سبب‬ ‫احلرب املجاورة‪.‬‬ ‫يقول نينيتي كيلي‪ ,‬املمثل الأعلى ملفو�ضية الالجئني التابعة‬ ‫للأمم املتحدة يف لبنان ‪":‬هذا �أمر مقلق للغاية"‪.‬‬ ‫الالجئون يف لبنان يواجهون م�صاعب �أخرى تتمثل يف عدم‬ ‫�إمكانية احل�صول على امل�ساعدات لأن لبنان ال ت�سمح لوكاالت‬ ‫الأمم املتحدة ب�إقامة خميم لالجئني كمخيم الزعرتي املوجود يف‬ ‫الأردن‪ .‬الالجئون يف لبنان منت�شرون يف جميع انحاء البالد‪ ,‬يف‬ ‫املدن والقرى‪ ,‬ويف م�ستوطنات غري ر�سمية يف املناطق النائية‪ ,‬ويف‬ ‫اماكن ال ت�صلح للعي�ش مثل املحال التجارية املهجورة‪.‬‬ ‫ووفقا لل�سيد كيلي ف�إن �أكرث من ‪ %70‬من الالجئني ال�سوريني يف‬ ‫لبنان يعتمدون ب�صورة كلية على امل�ساعدات الدولية‪.‬‬

‫من بني ه���ؤالء الالجئني نعمة غ��ازي راج��ي‪ ,‬التي تعي�ش يف‬ ‫�شقة مكونة من غرفة واح��دة يف �شاتيال مع اطفالها ال�ستة‪.‬‬ ‫منظمة حملية ا�سمها النجدة تتكفل الآن بدفع �أج��رة ال�شقة‬ ‫وهي تعتمد على ‪ 220‬دوالر �أمريكي تتلقاها كم�ساعدة من الأمم‬ ‫املتحدة لتدبري �أمور حياتها‪.‬‬ ‫تقول ال�سيدة راجي التي ترك زوجها الأ�سرة منذ ‪� 7‬أ�شهر‬ ‫‪":‬كل �شهر �أ�ستدين ما يقرب من ‪ 150‬دوالر وال �أعرف كيف ميكن‬ ‫�أن �أعيد هذا املبلغ"‪.‬‬ ‫�إذا ا�ستطاعت الو�صول �إىل �أ�سرتها يف �سوريا‪ ,‬كما تقول‪ ,‬ف�إنها‬ ‫�سوف تنظر يف العودة �إىل درعا‪ ,‬على الرغم من العنف املتوا�صل‬ ‫هناك‪.‬‬ ‫يقول علي ال�شيخ حيدر‪ ,‬من�سق منظمة جندة ‪":‬هناك نق�ص‬ ‫يف التمويل‪ .‬لدينا حاجات متزايدة وحجم التمويل يت�ضاءل �شيئا‬ ‫ف�شيئا‪ .‬للأ�سف‪ ,‬ال �أعتقد �أن املمولني �سوف ي�ستمرون يف االهتمام‬ ‫باملوقف امل�ستمر منذ �أكرث من عامني"‪.‬‬ ‫لقد كان هناك زيادة كبرية يف حجم الالجئني الذين يعربون‬ ‫احلدود �إىل لبنان وحتديدا �إىل مدينة عر�سال احلدودية الأ�سبوع‬ ‫املا�ضي‪� .‬أكرث من ‪ 2200‬عائلة دخلت من النقاط احلدودية منذ‬ ‫ا�شتداد القتال يف القلمون يف و�سط �سوريا‪ .‬ه���ؤالء الالجئون‬ ‫اجل��دد معر�ضون للخطر لأن العديد منهم يفتقر �إىل املالب�س‬ ‫ال�شتائية واالالف منهم لي�س لديهم مالجئ تقيهم ال�شتاء‪.‬‬ ‫يقول كيلي ‪":‬هذا دليل على �أنهم تفاج�ؤوا مما ح�صل لأنهم‬ ‫جا�ؤوا ال يحملون �شيئا معهم"‪.‬‬

‫تتمة‪� :‬إلتبا�سات معارك حميط دم�شق‬

‫يقول حممد �أبو الي�سر �أحد االعالميني امل�شاركني يف تغطية هذه املعارك‪" :‬جرى حت�ضري‬ ‫كبري لهذه املعركة‪ ،‬وذل��ك مب�شاركة �أك�بر الت�شكيالت الع�سكرية مبن فيها جي�ش اال�سالم‪،‬‬ ‫واعتمد �سيا�سة التكتم على هذه املعارك ومنع الت�صوير والتدويل االعالمي‪ ،‬لذا مل ي�سمع‬ ‫ال�سوريني �إال وقد �سقطت بلدات البحارية والقي�سا وغريها بيد قوات املعار�ضة‪ ،‬ويجري‬ ‫اليوم التح�ضري ال�ستعادة بلدة العتيبة اال�سرتاتيجية"‪ .‬وعلى الرغم من هذا التقدم الذي‬ ‫ت�شري �إليه املعار�ضة وما يرافقه من حديث حول فك احل�صار عن الغوطة ال�شرقية �إال �أن‬ ‫ال�سيد �أبو حمزة �أحد املقاتلني يف �إحدى البلدات القريبة من منطقة اال�شتباكات يف الغوطة‬ ‫ال�شرقية يقول‪" :‬يف احلقيقة �أغلب هذه البلدات كالبحارية ودير �سلمان والقي�سا وغريها‬ ‫كانت �شبه خالية من وجود �أي قوات ع�سكرية لكال الطرفني �إذ اكتفت قوات اال�سد بالتمركز‬ ‫يف بلدة العتيبة وحميطها‪ ،‬وبالقرب من حمطة ت�شرين احلرارية‪ ،‬وب�سبب طبيعة املنطقة‬ ‫ال�صحراوية متكنت ق��وات الأ�سد من ال�سيطرة على املنطقة من دون ح�شد لقوات كبرية‬ ‫لها‪ ،‬حيث اكتفت بقن�ص املنطقة بالأ�سلحة املتو�سطة والثقيلة ومنعت �أي حترك لقوات‬ ‫املعار�ضة"‪ .‬ويتابع بالقول‪� :‬إن �أي تقدم ال ي�ؤدي �إىل �إعادة ال�سيطرة على بلدة العتيبة فلن‬ ‫يكون ذي مغزى مهم باملعنى الع�سكري واللوج�ستي"‪ .‬يف احلقيقة ميكننا �أن ن�ضيف هنا �أن �أي‬

‫تقدم على حمور الغوطة ال�شرقية وال يرتافق مع تقدم على جبهة القلمون لن ي�ستحق ا�سمه‪،‬‬ ‫كما �أنه لن ي�ساهم بفك احل�صار عن الغوطة ال�شرقية وهو الهدف اال�سا�سي من هذه العمليات‪،‬‬ ‫�إذ ماذا يتبقى من �أهمية لبلدة العتيبة عندما ت�سقط �أجزاء من طريق القوافل واملمتدة هنا‬ ‫يف منطقة القلمون‪ ،‬بيد قوات الأ�سد؟‬ ‫�إن ما يثري اللب�س يف جمريات الأح��داث ال�سيا�سية والع�سكرية يف حميط دم�شق‪ ،‬هو‬ ‫املداومة على اعالن جتمعات ع�سكرية كربى كجي�ش اال�سالم يف االم�س واجلبهة اال�سالمية‬ ‫اليوم‪ ،‬مع ما يرافقها –وهنا املفارقة‪ -‬من غياب لفعالية هذه الت�شكيالت على االر�ض؛ فمنذ‬ ‫ت�شكيل جي�ش اال�سالم خ�سرت قوات املعار�ضة الكثري من البلدات التي تعد ا�سرتاتيجية‬ ‫كاحلجرية و�سبينة يف اجلنوب والبلدات املتاخمة لطريق مطار دم�شق الدويل يف ال�شرق‪ .‬فهل‬ ‫تكون معركة جند املالحم التي رافقها االعالن عن ت�شكيل اجلبهة اال�سالمية �شيئ ًا خمتلف ًا‬ ‫عما اعتدناه من االكتفاء بالتدويل االعالمي واالكتفاء بتح�صيل مكت�سبات �سيا�سية ومادية‬ ‫مبعزل عما يجري على �أر�ض املعارك؟ يف احلقيقة �إن �إعادة �سيطرة املعار�ضة على بلدة العتيبة‬ ‫من املمكن �أن ت�ضع حد ًا لهذه الت�سا�ؤالت‪ ،‬وهو ما ينتظره �سكان الغوطة ال�شرقية بفارغ ال�صرب‪.‬‬


‫العدد ‪94‬‬

‫اميل خوري‬

‫ال�س�ؤال الذي ينتظر اجلواب يف جنيف‬

‫ال�س�ؤال الذي تختلف الأجوبة عنه وال بد من �أن ي�أتي‬ ‫اجلواب القاطع عليه يف جنيف – ‪ 2‬هو‪ :‬هل يبقى الرئي�س‬ ‫ب�شار الأ�سد �أو ال يبقى يف �أي حل للأزمة ال�سورية؟ الوفد‬ ‫الر�سمي ال�سوري يكرر القول قبل �أن يذهب اىل جنيف – ‪2‬‬ ‫"�إن النظام ال يذهب �إىل امل�ؤمتر لت�سليم ال�سلطة �أو ت�شكيل‬ ‫هيئة حكم انتقالية‪ ،‬ولو كان الأم��ر كذلك ل�سلمناها يف‬ ‫دم�شق ووفرنا اجلهود وال�شعب وثمن تذاكر الطائرة"‪...‬‬ ‫�أم��ا املعار�ضة ال�سورية التي ميثلها االئ��ت�لاف فرتف�ض‬ ‫الذهاب اىل جنيف ما مل يكن ينطلق من �شروط املعار�ضة‬ ‫وهي و�ضع جدول زمني لرحيل الأ�سد وعدم ح�ضور �إيران‪.‬‬ ‫لكن ال�شروط امل�سبقة املتبادلة مل حتل دون املوافقة‬ ‫على احل�ضور وانتظار ما �سوف تقرره الدول امل�شاركة يف‬ ‫امل�ؤمتر وال�سيما �أمريكا ورو�سيا‪ ،‬وجترى ات�صاالت ل�ضم‬ ‫ايران وال�سعودية ودول �أخرى معنية بالأزمة ال�سورية من‬ ‫دون �شروط م�سبقة �أي�ض ًا لأن ح�ضورها ي�ساهم يف تذليل‬ ‫العقبات والتقريب يف وجهات النظر بني وف��د النظام‬ ‫ال�سوري ووفد املعار�ضة‪.‬‬ ‫ويف املعلومات �أن الرئي�س الأ�سد �سوف يبقى يف ال�سلطة‬ ‫حتى انتهاء واليته وه��و ما ح�صل مع ر�ؤ���س��اء يف لبنان‬ ‫واجهوا ا�ضطرابات �أمنية و�أزم��ات �سيا�سية ومل يرحلوا‬ ‫قبل نهاية واليتهم مثل الرئي�س كميل �شمعون والرئي�س‬ ‫اميل حلود‪ .‬واالت�صاالت جارية بني الدول املعنية حول‬ ‫تغيري النظام ال�سيا�سي يف �سوريا‪� ،‬إذ �إن املطلوب هو �أن تكون‬ ‫كامل ال�صالحيات التي متار�سها احلكومة وكذلك الرئي�س‬ ‫الأ�سد قد انتقلت �إىل احلكومة االنتقالية وهو ما ال يجوز‬ ‫لرو�سيا معار�ضته لأن بيان جنيف – ‪ 1‬ن�ص �صراحة على‬ ‫نقل ال�صالحيات‪� ،‬إال �إذا ك��ان لها ق��راءة خمتلفة لهذا‬ ‫الن�ص وهو �أن املق�صود بال�صالحيات الكاملة �صالحيات‬ ‫احلكومة ال�سورية ولي�س �صالحيات الرئي�س الأ�سد التي‬ ‫تنتهي حكم ًا مع ت�شكيل احلكومة االنتقالية كما ترى ذلك‬ ‫�أمريكا ودول غربية‪.‬‬ ‫ويذهب كل موافق على امل�شاركة يف م�ؤمتر جنيف –‬ ‫‪� 2‬إىل الأخ��ذ ب�شروطه �أو على التو�صل �إىل ّ‬ ‫حل و�سط‬ ‫رجح ذلك قول نائب وزير‬ ‫ال غالب فيه وال مغلوب‪ ،‬وما ّ‬ ‫اخلارجية الرو�سي ميخائيل بوغدانوف يف حديث �صحايف‬ ‫"�إن �صيغة ال غالب وال مغلوب اللبنانية ت�صلح للحل‬ ‫ال�سيا�سي يف �سوريا"‪.‬‬ ‫ويعتمد الوفد الر�سمي ال�سوري لبلوغ ما يريد على‬ ‫الآتي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫�أوال‪� :‬أن يطول التو�صل �إىل ات��ف��اق على ت�شكيل‬

‫د‪ .‬طيب تيزيني‬

‫‪2013-12-1‬‬

‫احلكومة االنتقالية وبالتايل اىل تف�سري الغمو�ض يف‬ ‫ما يتعلق بنوع ال�صالحيات الكاملة ودور الرئي�س الأ�سد‬ ‫بحيث يكون موعد انتهاء واليته قد اقرتب وال يكون قد‬ ‫مت التو�صل اىل �أي اتفاق �إال �إذا �سبق عقد امل�ؤمتر ات�صاالت‬ ‫جتعل التفاهم على احلل ي�سبق امل�ؤمتر‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪� :‬أن يغري الو�ضع امليداين على الأر���ض املواقف‬ ‫�إذا ما ا�ستمر تقدم اجلي�ش النظامي وا�ستعادته مزيد ًا من‬ ‫املدن والبلدات اخلا�ضعة ل�سيطرة املعار�ضة امل�سلحة‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪� :‬أ ّال يكون لدى املعار�ضة املتفرقة ت�صور واحد‬ ‫بالن�شبة �إىل �شكل احلكومة االنتقالية ومَنْ منها يجب �أن‬ ‫يكون متمث ًال فيها‪ ،‬وغري متفقة اال على رحيل الأ�سد ولي�س‬ ‫على من يخلفه‪.‬‬ ‫ويف املعلومات �أي�ض ًا‪� ،‬أن الواليات املتحدة االمريكية‬ ‫ورو�سيا بالتن�سيق والتفاهم مع الدول املعنية وال�سيما مع‬ ‫تو�صل الوفدين ال�سوريني‬ ‫ايران وال�سعودية‪ ،‬لن تنتظر ّ‬ ‫�إىل اتفاق على كل النقاط الواردة يف بيان جنيف – ‪� 1‬إمنا‬ ‫�سوف يتم االتفاق بني هذه الدول على ذلك كما اتفقت‬ ‫على �إنهاء احلرب يف لبنان على بنود اتفاق الطائف ومل‬ ‫تنتظر موافقة االط��راف اللبنانيني عليه وهو اتفاق لو‬ ‫ُترك لهم وحدهم ملا اتفقوا‪.‬‬ ‫الواقع �أن تنفيذ هذه النقاط يحتاج �إىل تفاهم بني‬

‫الدول املعنية بالأزمة ال�سورية وال�سيما ايران وال�سعودية‪،‬‬ ‫ومن دون التو�صل �إىل ذلك‪ ،‬فان االزم��ة ال�سورية �سوف‬ ‫ت�ستمر ومعها املواجهات الع�سكرية ال�شر�سة املدعومة‬ ‫باملال وال�سالح من كل جهة خارجية معنية بحيث تكرب‬ ‫دائرة اخلراب والدمار لتبلغ العا�صمة دم�شق لي�صبح "حل‬ ‫التعب" هو احلل ال��ذي قد يفر�ض نف�سه او يعود احلل‬ ‫�إىل جمل�س الأم��ن دون "فيتو" بعد االتفاق الرو�سي –‬ ‫االمريكي‪.‬‬ ‫يقول ديبلوما�سي �أوروبي �إن ال حل لالزمة ال�سورية ما‬ ‫مل توافق عليه رو�سيا وايران لأنهما وحدهما ي�ستطيعان‬ ‫�أن يقوال للرئي�س الأ�سد �أن يتخلى عن ال�سلطة لأنه يعلم‬ ‫�أنه موجود بف�ضل دعمهما له‪ .‬وقد ال يقوالن له ذلك �إال‬ ‫اذا ت�شكلت احلكومة االنتقالية ب�صالحيات كاملة ويحظى‬ ‫ت�شكيلها مبوافقتهما‪ ،‬وتكون هذه احلكومة ق��ادرة على‬ ‫احلكم وعلى فر�ض الأم��ن والنظام يف كل �سوريا وقادرة‬ ‫خ�صو�ص ًا على حترير املناطق من �سيطرة االرهابيني‬ ‫والتكفرييني كي ال يحل ب�سوريا ما يحل يف عدد من الدول‬ ‫العربية يف ال�صراع‪ .‬وه��ذا ما ميكن التو�صل اليه �سواء‬ ‫ح�ضرت ايران م�ؤمتر جنيف – ‪� 2‬أو مل حت�ضر لأن يف يدها‬ ‫مفتاح احلل �سلم ًا او حرب ًا خ�صو�ص ًا بعدما حتقق التقارب‬ ‫بينها وبني �أمريكا‪.‬‬

‫�أطفال �سوريا‪ ...‬لن نن�ساكم!‬

‫منذ �أيام م ّر علينا يوم الطفل العاملي‪ ،‬كما م ّر علينا يف ال�سنتني ال�سابقتني‪ ،‬حزين ًا‪ ،‬جريح ًا‪،‬‬ ‫قتل و�إحراق �أطفال �سوريني وقبلها ت�شليع �أظافرهم‪،‬‬ ‫متوثب ًا نحو الفعل‪ ،‬لقد بد�أت امل�أ�ساة بجرائم ِ‬ ‫ولعل هذا التاريخ يتجاوز كل املجازر التي تعر�ضت لها �أرتال من �أطفال الب�شرية‪ ،‬التي �أعلنت عن‬ ‫نف�سها و�أف�صحت‪ ،‬ف�إذا كان م�ست�شرقون و�سوريون وعرب قد �أجمعوا على فرادة الثورة ال�سورية من‬ ‫حيث حواملها الثالثة الكربى‪ ،‬االجتماعي وال�سيا�سي والثقايف‪ ،‬فقد ظهرت هذه الفرادة‪ ،‬يف �إظهار‬ ‫الأطفال �أهداف ًا لكل �أمناط املوت‪ ،‬تقطيع ًا وحرق ًا وتهديدهم باملخدر وبانتزاع �أع�ضاء اجل�سد ع�ضو ًا‬ ‫ع�ضو ًا‪.‬‬ ‫و�إذا كنا حتدثنا عن تلك الأمناط من موت �أطفال �سوريا‪ ،‬فعلينا الإ�شارة �إىل �أن ذلك حدث منذ‬ ‫بواكري الثورة ال�سورية‪ ،‬كما يحدث الآن‪ ،‬كما هنالك مالحظة هي مبثابة "ت�سونامي العار" للقرن‬ ‫الواحد والع�شرين‪ ،‬ولكي نتبني معامل هذا "الت�سونامي"‪ ،‬علينا العودة �إىل بواكري‪� ،‬أو �إىل �إحدى‬ ‫بواكري التاريخ العاملي‪ ،‬التي جت�سدت بـ"الكائنات �آكلة حلوم الب�شر"‪ ،‬مل يكن "الإن�سان العاقل" قد‬ ‫ظهر واكتمل بعد‪ ،‬كما يُفهم من باحثي علم الأحياء‪.‬‬ ‫ونعود �إىل معطيات �أمام امل�ؤ�س�سات الدولية املعنية‪ :‬حيث ُقتل اثنا ع�شر �ألف ًا من الأطفال‪ ،‬منهم‬ ‫مئة طفل ماتوا حتت التعذيب‪ ،‬وثمة من الأطفال ت�سعة �آالف طفل مت اعتقالهم‪ ،‬وقد مات ع�شرة‬ ‫�أطفال �صغار حتت عبء اجلوع املبا�شر‪ ،‬ويف �سياق هذا وذلك‪ ،‬مت �إحراق ثالثمائة مدر�سة‪ ،‬ويف هذه‬

‫املنا�سبة نورد خطوط ًا عامة حلالة ات�سع رواجها واللجوء �إليها من ِقبل ال�شبيحة الذين تعاملوا‬ ‫مع �أطفال �صغار (بني ‪ 3‬و‪� 5‬سنني) كانوا مع �أمهاتهم �أثناء �أخذهم بهدف االغت�صاب واال�ستباحة‪.‬‬ ‫وتتلخ�ص هذه احلالة ب�إعطاء الأطفال خمدر ًا‪ ،‬كي يغيبوا عن النظر والوعي فيتاح للمغت�صبني‬ ‫�أن يتفرغوا لإجرامهم‪ ،‬دومنا �إزعاج لهم من ه�ؤالء الأطفال‪ ،‬وقد جاء ال�سالح الكيمياوي ليلخ�ص‬ ‫الكارثة اجلرمية‪ ،‬فقد ح�صد هذا ال�سالح املحظور دولي ًا وقانوني ًا و�أخالقي ًا و�إن�ساني ًا ع��دد ًا من‬ ‫الأطفال و�آخرين ناهز عدد الألف واخلم�سمائة‪.‬‬ ‫ا�ستخدم النظام العراقي الأ�سلحة املحظورة يف حربه �ضد الأكراد‪ ،‬فقتل بها خم�سة �آالف �إن�سان‬ ‫يف حلبجة‪ ،‬وكان الأمريكيون �سابق ًا و�أواخ��ر احلرب العاملية الثانية قد ق�صفوا بالقنبلة الذرية‬ ‫مدينة هريو�شيما‪ ،‬ويُقال �إن العاهات التي خلفها الق�صف الذري مازالت �آثارها قائمة لدى �أفراد‬ ‫كثريين �أو قليلني من �شعب املدينة املنكوبة‪� ..‬إن النظام العاملي ما يزال يتخاذل عن معاقبة النا�شطني‬ ‫من قتلة ال�شعوب بوا�سطة �أ�سلحة حمظورة‪ ،‬ومن ثم ف�إن �شعوب العامل �أمامها حتى الآن ا�ستحقاق‬ ‫تطهري املعمورة الب�شرية من املغامرين‪ ،‬الذين يرون يف ال�شعوب حقول جتريب لكل الأ�سلحة دون‬ ‫ا�ستثناء‪.‬‬ ‫�إن "يوم الطفل العاملي" الذي متر به �سوريا هو تذكار وتذكري‪ ،‬تذكار بحدث جتاوز كل املحظورات‬ ‫الب�شرية‪ ،‬فقاد �إىل الدعوة الكونية جللب املجرمني �إىل حمكمة الهاي العظمى‪.‬‬


‫العدد ‪94‬‬

‫‪2013-12-1‬‬

‫الريفي واملدين يف الثورة ال�سورية‬

‫م��ا زال���ت ال��ث��ورة ال�����س��وري��ة تثري الأ�سئلة‬ ‫وتطرح الق�ضايا وتو ّلد التناق�ضات واالن�شقاقات‬ ‫وتك�شف املداخالت اخلارجية التي غدت مبثابة‬ ‫العب رئي�س‪ ،‬يف �أو�ضاع ال�سوريني‪ .‬هكذا حظيت‬ ‫باهتمام الكتاب والباحثني بتغطية �أ�سبابها‬ ‫وم�شكالتها وحتدياتها‪ .‬لكن امل�شكلة ظلت تكمن‬ ‫يف نق�ص «ال��درا���س��ات االجتماعية للرتكيبة‬ ‫الأهلية ال�سورية»‪ ،‬وهي مالحظة مهمة �أبداها‬ ‫ال��زم��ي��ل ح�����س��ام ع��ي��ت��اين يف م��ادت��ه «داع�����ش‬ ‫والع�شائر يف �أ���ص��ل ال��ظ��اه��رة»‪ .‬وم��ع �أن امل��ادة‬ ‫املذكورة حتدثت عن «داع�ش»‪ ،‬وعالقتها بالبنية‬ ‫القبلية يف ال�شمال ال�سوري‪� ،‬إال �أنها طرحت‪،‬‬ ‫�أي�ض ًا‪ ،‬م�شكلة «النق�ص يف املعطيات االجتماعية‬ ‫وال�سكانية للواقع ال�سوري‪ ،‬يف الأعوام الع�شرين‬ ‫تف�سر «�أ�سباب اال�ستع�صاء‪...‬‬ ‫املا�ضية»‪ ،‬والتي قد ّ‬ ‫و�صعود االنتماءات والهويات اجلزئية»‪ .‬وملا كنت‬ ‫يف مادتي ال�سابقة (حماولة يف تف�سري �صعود‬ ‫«الن�صرة» و»داع�ش») قدّ مت بع�ض ًا من الإجابة‬ ‫عن ال�س�ؤال املتعلق بهذه الظاهرة‪ ،‬فهذا احلديث‬ ‫�سري ّكز على احلا�ضنة ال�شعبية‪� ،‬أو ثنائية‬ ‫الريفي واملدين‪ ،‬يف الثورة‪.‬‬ ‫معلوم �أن االخ��ت�لاف ح��ول ال��ث��ورة �شمل‬ ‫حتديد طابعها االجتماعي‪ ،‬فكما برزت وجهات‬ ‫نظر تعتربها جمرد م�ؤامرة خارجية‪� ،‬أو �صراع‬ ‫طوائف‪ ،‬ثمة وجهة نظر ر�أت فيها جمرد مترد‬

‫فادي �سعد‬

‫�أرياف �ضد مدن‪ ،‬وريفيني �ضد مدينيني‪ ،‬ال ثورة‬ ‫�سيا�سية �ضد نظام ا�ستبدادي‪ ،‬وه��و تو�صيف‬ ‫ينطوي على ت�س ّرع وتب�سيط‪ ،‬وع��ل��ى �شبهات‬ ‫�سيا�سية‪� ،‬ضمنها الت�شكيك مب�شروعية متثيل‬ ‫الثورة جممل ال�سوريني‪ ،‬بح�صرها يف الأري��اف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫واحلط من مكانتها وقيمتها‪ ،‬ب�إنكار تعبريها عن‬ ‫�أزمة وطنية عامة‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫�شك يف �أن درا�سة املجتمع ال�سوري حتتاج‬ ‫مو�سعة‪ ،‬مع ذلك يجدر التنويه‬ ‫علمية‬ ‫بحوث‬ ‫�إىل‬ ‫ّ‬ ‫هنا بب�ضع حقائق‪� ،‬ضمنها �أن غالبية ال�سوريني‬ ‫ترتكز يف املدن‪ ،‬و�أن ن�سبة العاملني يف الزراعة‬ ‫تبلغ ح��واىل ‪ 20‬يف املئة فقط (وف��ق التقرير‬ ‫االقت�صادي العربي املوحد لعام ‪ .)2011‬وحتى‬ ‫هذه الن�سبة قد تكون �أقل‪ ،‬لأن جزء ًا من ه�ؤالء‬ ‫ال يتف ّرغون للأعمال الزراعية �إال يف املوا�سم‪،‬‬ ‫كونهم ي�شتغلون يف املدن‪ ،‬وهذه ظاهرة معروفة‬ ‫يف �سورية‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أننا نتحدث عن بلد م�ساحته‬ ‫���ص��غ�يرة‪ ،‬وي��ع ّ��ج ب��امل��دن والأري�����اف املتمد ِينة‪،‬‬ ‫�إذا جت��اوزن��ا املنطقة ال�شرقية وه��ي منطقة‬ ‫�صحراوية غالب ًا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وي��ج��در ل��ف��ت االن��ت��ب��اه حت���دي���دا �إىل �أن‬ ‫املجتمع ال�سوري تع ّر�ض لتغيرّ ات نوعية كبرية‪،‬‬ ‫�أملتها طبيعة ال�سلطة احلاكمة و�سيا�ساتها‪،‬‬ ‫�أي �أنها مل حت�صل بطريقة عفوية وطبيعية‬ ‫وتدريجية‪ .‬فخالل �أكرث من �أربعة عقود ا�شتغل‬

‫النظام على تغيري �سورية‪ ،‬وهـو مل يفعل ذلك‬ ‫فقط بتغيري الرتكيبة االجتماعية للجي�ش‪،‬‬ ‫واملفا�صل الأ�سا�سية لأج��ه��زة ال��دول��ة‪ ،‬و�إمن��ا‪،‬‬ ‫�أي�ض ًا‪ ،‬بتغيري الطابع الطبقي للمجتمع‪ ،‬عرب‬ ‫�سيا�سات الت�أميم‪ ،‬وم�صادرة الأرا�ضي‪ ،‬وتوزيـع‬ ‫النـــفوذ و�شراء ال��والءات؛ بحيث باتت املكانة‬ ‫الطبقية م�شروطة بالقرب من النظام‪ .‬هكذا‬ ‫مل تعـــد الربجــوازية‪ ،‬وال الطبقة الو�سطى‪،‬‬ ‫هي ذاتها التي كانت يف الأربعينات واخلم�سينات‬ ‫وال�ستينات‪ .‬وهذا ينطبق على مالك الأرا�ضي‪،‬‬ ‫يف و�ضع بات فيه معظمها ذو القيمة العقارية‬ ‫العالية‪ ،‬ال �سيما يف جوار املدن‪ ،‬يف �أيدي رجاالت‬ ‫النظام �أو �أتباعه‪.‬‬ ‫وف��وق ذل��ك‪ ،‬ق��ام النظام ب���إح��داث تغيري‬ ‫و�إزاحة دميوغرافيني يف املدن الرئي�سة‪ ،‬ال �سيما‬ ‫دم�شق وجوارها‪ ،‬لزوم ّ‬ ‫ت�ضخم وتغ ّول الأجهزة‬ ‫الأمنية (اجلي�ش و�أج��ه��زة املخابرات)‪ ،‬وفقاً‬ ‫ل�سيا�ساته ال�سلطوية ذات املنحى الطائفي‪.‬‬ ‫ون�����ش���أت ع���ن ذل���ك م���دن ع�����ش��وائ��ي��ة مغلقة‪،‬‬ ‫و»م�س ّورة»‪ ،‬ذات طابع خا�ص‪ ،‬على �أطراف دم�شق‬ ‫ويف قلبها‪ ،‬يف ال�سومرية وحي ن�سرين و�ضاحية‬ ‫الأ���س��د‪ ،‬ويف مرتفعات امل���زة ود ّم���ر وقا�سيون‬ ‫وبرزة وغريها‪ .‬يف مقابل ذلك ا�ضط ّرت قطاعات‬ ‫مدينية وا�سعة للنزوح �إىل ال�ضواحي‪ ،‬لأ�سباب‬ ‫م��ت��ع��ددة‪ ،‬منها ارت��ف��اع ثمن ال��ع��ق��ارات داخ��ل‬ ‫املدينة‪ ،‬بعد �أن باتت �سكن ًا لأ�صحاب ال�سلطة‪� ،‬أو‬ ‫للن�أي ب�أنف�سهم عن مقار الأجهزة الأمنية التي‬ ‫ع�شع�شت يف تلك الأحياء‪.‬‬ ‫�إذ ًا ال ميكن احت�ساب �سكان ال�ضواحي‬ ‫�أو �أط���راف امل��دن على ال��ري��ف‪ ،‬لأنهم نازحون‬ ‫م��ن �أح��ي��اء املدينة‪ .‬ف�ض ًال ع��ن ذل��ك‪ ،‬فمعظم‬ ‫الريف ال�سوري متدّ ن‪ ،‬بواقع هيمنة العالقات‬ ‫ال��ر�أ���س��م��ال��ي��ة ف��ي��ه‪ ،‬وبحكم ق��رب��ه م��ن امل��دن‪،‬‬ ‫وتفاعله مع احلياة املدينية‪ .‬هكذا‪� ،‬إذا كانت‬ ‫مقولة تر ّيف املدن ال�سورية �صحيحة‪ ،‬فاحلديث‬ ‫عن متدّ ن الريف يغدو �صحيح ًا‪ ،‬باملقدار ذاته‪،‬‬ ‫ففي احلالتني �أزم��ة يف التمدين واحلداثة يف‬ ‫�سورية‪ ،‬يف ّ‬ ‫ظل النظام ال�سيا�سي واالقت�صادي‬ ‫والثقايف املت� ّأ�س�س على اال�ستبداد‪.‬‬ ‫ل��ذل��ك ال ميكن اع��ت��ب��ار ال��زب��داين ودوم��ا‬ ‫(تبعدان نحو ‪ 50‬كلم عن دم�شق)‪ ،‬ومدن الر�سنت‬ ‫وامل��ع��رة و�إدل���ب وبانيا�س وتلبي�سة‪ ،‬وكلها من‬

‫ماجد كيايل‬

‫املناطق ال�ساخنة‪ ،‬جمرد �أري��اف‪� ،‬إذ �إن معظم‬ ‫الأن�شطة االقت�صادية فيها يقوم على ال�سياحة‬ ‫والتجارة واخلدمات والبناء‪� .‬أي�ض ًا‪ ،‬ال ميكن‬ ‫اعتبار مدينة درعا التي �أ�شعلت الثورة‪ ،‬جمرد‬ ‫بلدة ريفية‪ ،‬وال التظاهرات واالعت�صامات‬ ‫العارمة والتي جذبت مئات الألوف يف مدينتي‬ ‫ح��م��اه وحم�ص يف الأ���ش��ه��ر الأوىل‪ ،‬ح��راك��ات‬ ‫ريفية‪.‬‬ ‫�أم����ا يف دم�����ش��ق‪ ،‬ف��ي��ـ��ـ��ج��ـ��در الــتــذكيــر‬ ‫بالـتظاهـرات الـتــي كانت تعم �أحياء امليدان‬ ‫وب���رزة وامل���زة وداري���ا وكفر �سو�سة والقابون‬ ‫وج���وب���ر ودوم�����ا وال����زب����داين‪ ،‬ويف الأح���ي���اء‬ ‫ال��ع�����ش��وائ��ي��ة يف احل��ج��ر الأ����س���ود وال��ت��ق��دم‬ ‫والت�ضامن‪.‬‬ ‫هذا ال يقلل من �أهمية م�شاركة الأرياف يف‬ ‫الثورة لكنه ي�ؤ ّكد طابعها العمومي‪ ،‬مع ت�أكيد‬ ‫وج��ود فئات �أو جماعات مل ت�شارك فيها‪� ،‬أو‬ ‫تخوفت منها‪ .‬ومع االعرتاف مب�س�ؤولية الثورة‬ ‫عن هذا وذاك‪ ،‬ب�سبب عفويتها وم�شكالتها وعدم‬ ‫تو�ضيحها لذاتها‪ ،‬ف�إن هذين‪� ،‬أي عدم امل�شاركة‬ ‫والتخ ّوف‪ ،‬ينبعان من ال�سيا�سات التي انتهجها‬ ‫النظام طوال العقود ال�سابقة‪ ،‬ال �سيما جلهة‬ ‫تطييفه املجتمع‪ ،‬وو�ضعه جماعاته يف مواجهة‬ ‫بع�ضها‪ ،‬مع حترميه الن�شاط ال�سيا�سي‪ ،‬و�إ�شاعته‬ ‫اخلوف‪.‬‬ ‫وبديهي �أن كل ذل��ك تفاقم‪ ،‬بعد الثورة‪،‬‬ ‫مع خ�شية بع�ض اجلماعات من ر ّد فعل النظام‪،‬‬ ‫القائم على القتل والتدمري‪ .‬هكذا ا�شتغل النظام‬ ‫هنا‪� ،‬أي�ض ًا‪ ،‬بد�أب على �إزاحة الثورة ودفعها «من‬ ‫املدينة �إىل الأرياف‪ ...‬ومن املجتمع املدين �إىل‬ ‫املجتمع الأه��ل��ي»‪ ،‬على ما الح��ظ يو�سف فخر‬ ‫الدين يف مادته «اجلي�ش احل��ر» بني الريفية‬ ‫والتمديُن («احل��ي��اة»‪ ،)2013/1/7 ،‬والتي‬ ‫حتدث فيها عن �إ�شكاليات تغليب الطابع الريفي‬ ‫للثورة على طابعها املدين‪.‬‬ ‫والق�صد �أن ه��ذه ث��ورة العموم‪ ،‬رغ��م كل‬ ‫م�شكالتها‪ ،‬كونها ث��ورة �ضد اال���س��ت��ب��داد‪� .‬أم��ا‬ ‫امل�شاركة املتفاوتة لهذه القرية �أو تلك‪ ،‬وهذه‬ ‫املدينة �أو تلك‪ ،‬ف�أ�سبابها تنبع من م�شكالت‬ ‫�أخ��رى عديدة ومتباينة‪� ،‬ضمنها �سعي النظام‬ ‫�إىل عزل الثورة و�إ�ضعافها و�إبعادها عن مراكز‬ ‫قوته يف املدن‪.‬‬

‫كيف اغتالت املخابرات ال�سورية الثورة من الداخل؟‬

‫�سنة ‪ 2011‬اطلقت املخابرات ال�سورية ‪ 46‬قياديا ا�سالميا‬ ‫“جهاديا” من ال�سجون والفروع االمنية يف دم�شق‪� ،‬إ�ضافة ملا يقرب من‬ ‫‪ ١٠٠٠‬معتقل ا�سالمي! كان هناك قناعة عند كبار �ضباط املخابرات‬ ‫امل�شرفني على ملف اجلهاديني ال�سوريني ان فوائد اال�سالميني ال�سيما‬ ‫جبهة الن�صرة اكرب بكثري من ا�ضرارها بالن�سبة للنظام‪ ،‬وهو ما ثيت‬ ‫�صحته حتى الآن‪,‬‬ ‫هكذا اطلقت القيادات اجلهادية من ال�سجون ال�سورية مع معرفة‬ ‫اكيدة من �ضباط املخابرات والنظام انها �ستقوم ب�إقامة دويالت و�إمارات‬ ‫ا�سالمية م�ستقلة! مل يح�صل ات�صال مبا�شر بني هذه القيادات واالجهزة‬ ‫االمنية‪ ،‬ب��ر�أي خبري عراقي يف احلركات اال�سالمية‪ .‬فلم يكن هناك‬ ‫اي حاجة ملثل هذا االت�صال‪ .‬فه�ؤالء اجلهاديون يعرفون الدر�س كام ًال‬ ‫وهو الدر�س الذي يحتاجه النظام اال�سدي بال�ضبط الغتيال الثورة من‬ ‫الداخل‪ ،‬بعدما عجز عن اغتيالها بطريقة املواجهة املبا�شرة‪.‬‬

‫مل ينتظر النظام اكرث من �سنة ون�صف حتى قب�ض الثمن‪:‬‬ ‫‪ -1‬ق��رار دويل ما زال �ساري ًا حتى الآن رغم كل حديث معاك�س‪،‬‬ ‫بعدم ت�سليح املعار�ضة ال�سورية بحجة �إمكانية و�صول ال�سالح اىل جبهة‬ ‫الن�صرة‪.‬‬ ‫‪ -2‬قناعة �شعبية �سورية لدى االقليات خ�صو�صا والربجوازية‬ ‫احللبية الدم�شقية والربجوازية ال�سورية املهاجرة ان اال�سالميني‬ ‫من القاعدة وجبهة الن�صرة هم من �سيحكمون �سورية يف حال �سقط‬ ‫نظام اال�سد! وهنا ابدع اعالم النظام يف ح�شد الدالئل اليومية على‬ ‫ارتكابات القاعدة وجبهة الن�صرة‪ ،‬ليقنع العلويني وامل�سيحيني والدروز‬ ‫ان من �سيحكمهم من بعده هم ه�ؤالء اال�سالميني قاطعي الر�ؤ�ؤ�س! وهو‬ ‫االمر الوحيد الذي يجعل االقلية العلوية تف�ضل املوت عن بكرة ابيها‬ ‫مباليينها‪ ،‬على ان تخ�ضع حلكم القاعدة وجبهة الن�صرة‪.،‬‬ ‫‪ -3‬قناعة الكثري من ابناء الثورة ان الثورة انحرفت عن طريقها‬

‫بت�سليم قرارها الع�سكري الداخلي على االر�ض للجهاديني‪ ،‬وفتح باب‬ ‫اجلهاد من قبل م�ؤ�س�سات افتاء عربية خليجية وت�صديرها اعالمي ًا على‬ ‫انها ثورة �سنية �ضد االقلية العلوية‪.‬‬ ‫‪ -4‬خروج جبهة الن�صرة من مقاتلة النظام بعد ا�ستيالئها على‬ ‫مناطق وا�سعة من �سورية املحررة‪ ،‬لتقوم ب�إن�شاء �إمارات ا�سالمية عليها‬ ‫وتتفرغ ل�سرقة البرتول الذي بد�أت ببيعه للنظام بناء على اتفاقيات‬ ‫بني الطرفني‪.‬‬ ‫‪� -5‬صمت جبهة الن�صرة والقاعدة واجلهاديني مع بع�ض املعار�ضة‬ ‫ال�سيا�سية يف اخل���ارج ع��ن م�ساعي النظام ال�سيا�سيةاالعالمية او‬ ‫ال�سيا�سية الع�سكرية اجل��ادة يف تعزيز مناطق وج��وده يف ال�ساحل‪،‬‬ ‫وان�سحاب اجلبهة عن القتال يف حم�ص وطرطو�س… واكتفاء الكتائب‬ ‫اال�سالمية يف جبال الالذقية باالنتظار مع دعمها امل�شبوه‪ ،‬فيما يوحي‬ ‫�أنهم موافقون على �إقامة دويلة علوية!‬


‫العدد ‪94‬‬

‫و�سائل الإعالم بكل تلوناتها و�أجنا�سها املرئية‬ ‫منها وامل�سموعة واملقروءة على قدم امل�ساواة‪ ,‬جتدها‬ ‫حا�ضرة يف �أي حدث ي�شد النا�س‪ ,‬ولكن ت�صنيفات ما‬ ‫يحدث يخ�ضع لأجندة و�سيا�سيات كل منها‪ ,‬والثورة‬ ‫ال�سورية لي�ست ا�ستثناء على املذكورالطرح �آنف ًا‪,‬‬ ‫حيث جتد �أن بع�ض و�سائل الإعالم ت�صف مايجري‬ ‫باحلرب الأهلية والبع�ض الآخر يتحدث على �أنها‬ ‫كتل جهادية حتارب النظام و"هلم ج ّر" ‪ ,‬ويبقى‬ ‫ال�س�ؤال احلا�ضر و�سط تناق�ضات و�سال الإع�لام‬ ‫هي‪ ,‬هل و�سائل الإعالم �أنتجت م�شهد �إعالمي ميثل‬ ‫الثورة �أم ميثل �سيا�ساتها و�أجندتها وم�صاحلها؟‪,‬‬ ‫وم���اذا فعل الإع��ل�ام ال��ث��ورة ب�شقيه النموذجي‬ ‫والبديل لإنتاج م�شهد ميثل الثورة؟‪ ,‬ويبقى ال�س�ؤال‬ ‫الأهم هل لدينا �إعالم ثوري؟‪..‬‬ ‫هذه الأ�سئلة �ستكون حمور للنقا�ش يف ال�سطور‬ ‫القادمة من خالل طرحها على نخبة من امل�شتغلني‬ ‫يف حقل ال�صحافة ال�سورية‪ ,‬واملقيمني يف العا�صمة‬ ‫الفرن�سية باري�س‪.‬‬ ‫* معجزات �إعالمية‬ ‫"حني يقال �إعالم الثورة ال�سورية يخطر يف‬ ‫ب��ايل على الفور ما اجرتحه النا�س على الأر���ض‬ ‫من معجزات �إعالمية‪ ،‬كانت بالن�سبة للنظام هي‬ ‫العدو‪ ،‬واملطلوب رقم واحد‪ ،‬لنتذكر كيف كان رجال‬ ‫الأمن يرتكون التظاهرة ويالحقون كامريا املوبايل‬ ‫"هكذا يبد�أ ال�صحايف والناقد ال�سوري املعروف‪,‬‬ ‫را�شد عي�سى‪ ,‬حديثه ل�صحيفة"�أورينت نت"‪..‬‬ ‫ويكمل‪,‬العي�سى‪" :‬هكذا ولد املواطن ال�صحفي‪ ،‬الذي‬ ‫�أخذ �أوىل درو�سه يف علوم ال�صحافة وامليديا على‬ ‫الأر�ض‪ .‬ماكينة النظام الهائلة التي تزور كل �شيء‬ ‫دفعته �إىل اخرتاع �أ�ساليبه اخلا�صة بحيث حتولت‬ ‫ال�صورة‪ ،‬الفيديو‪ ،‬الالفتة �إىل وثيقة دامغة تثقب‬ ‫عني النظام‪ .‬لنتذكر �أي�ض ًا ال�صحفي املواطن �أحمد‬ ‫البيا�سي الذي ظهر يف فيديو من بانيا�س من املكان‬ ‫نف�سه الذي ظهر فيه فيديو ي�صور رجال �أمن النظام‬

‫روزا يا�سني‬

‫�صورة الإعالم الثوري‬

‫وهم يدو�سون النا�س‪ ،‬حني �أنكرت �أب��واق النظام‬ ‫الأمر ظهر البيا�سي ليدح�ض ال�صورة بال�صورة"‪.‬‬ ‫ويكمل العي�سى ت�شريحه لإع�لام الثورة‪":‬‬ ‫بالن�سبة يل �إع�لام الثورة ال�سورية هو �صحافة‬ ‫امل��واط��ن‪،‬ال��ن��ا���ش��ط‪،‬ك��ام�يرا امل��وب��اي��ل‪ ،‬ال�لاف��ت��ة‪،‬‬ ‫الغرافيتي‪� .‬أم��ا ما �صدر فيما بعد من �صحف‪� ،‬أو‬ ‫�أطلق من قنوات ف�ضائية‪ ،‬رغم احتفالنا بها �أول‬ ‫الأم��ر باعتبارها ن��واة �إع�لام بديل‪،‬فلم تكن رغم‬ ‫م��رور ث�لاث �سنوات �إال جت��ارب مل تتمكن من �أن‬ ‫ت��واك��ب ال��ث��ورة وت��ك��ون �صوت ًا ل��ل��ث��ورة‪،‬جت��ارب مل‬ ‫تتمكن �أن تقارب االحرتاف‪� ،‬صحف الأحزاب منها‬ ‫�ستظل �صحافة �أبواق �أما ال�صحف التي قام عليها‬ ‫نا�شطون متحم�سون فلم تتمكن ‪-‬مع االحرتام لنبل‬ ‫تلك املحاوالت‪ -‬حتى ال�ساعة من �أن تكون مرجع ًا‬ ‫للنا�س يف املعلومة املوثوقة وال ال�صورة اخلا�صة‬ ‫�أو املقال‪� .‬إذا كان هذا هو �إعالم الثورة فهو خميب‬ ‫لأبعد احلدود‪،‬كيف ال وقد راح يعتمد �أخري ًا على‬ ‫�أرد�أ الكفاءات‪ ،‬الكفاءات نف�سها كانت معتمدة يف‬ ‫�صحف النظام"‪.‬‬ ‫�صورة متناثرة‪..‬‬ ‫ال�صحايف ال�����س��وري �إي���اد عي�سى يقول‪":‬من‬ ‫الطبيعي �أن حت��اول ال��ق��وى املتدخلة يف �سورية‬ ‫ر�سم �صورة للثورة تنا�سب م�صاحلها و�أجنداتها‪،‬‬ ‫�صورة الثورة يف املنار وقناة العامل تكاد تتطابق‬ ‫مع �صورتها يف �إعالم الأ�سد‪� ,‬إن مل تكن �أكرث ت�شويه ًا‬ ‫يف ح�ين تطل علينا ���ص��ورة مناق�ضة يف العربية‬ ‫واجلزيرة‪� ،‬صورة ثالثة يف البي بي �سي‪ ،‬و�صورة‬ ‫خمتلفة �إىل حد ما يف فران�س ‪ ،24‬و�صور مت�ضاربة‬ ‫يف الإع��ل�ام الأم��ري��ك��ي‪ ،‬ح�سب ال�����س��وق ورغ��ب��ات‬ ‫الزبون و�إيحاءات مركز ال�ضغط و�صناع ال�سيا�سة‪..‬‬ ‫�صور تتقلب من �شعب خ��رج مطالب ًا بحريته �إىل‬ ‫جمموعات من املت�شددين واملتطرفني"‪.‬‬ ‫ويكمل قائ ًال‪":‬الواقع �أن ت�ضارب امل�صالح بني‬ ‫حلفاء الثورة �أنف�سهم‪ ،‬خلق �صور ًا �إ�ضافية‪ ،‬كل‬

‫بح�سب التمويل و امليول ال�سيا�سية" هكذا ي�شرح‬ ‫العي�سى‪ ,‬ر�ؤيته مبا يخ�ص تناول و�سائل الإعالم‬ ‫مل�شهد الثورة ال�سورية �إعالمي ُا‪.‬‬ ‫وحول �إنتاج الثورة مل�شهدها الإعالمي اخلا�ص‪,‬‬ ‫ف�يرى العي�سى‪" :‬غالب ًا مل يكن املنتج الإع�لام��ي‬ ‫ب�أف�ضل ح��االت��ه‪ ،‬ان�ساق خلف لعبة التحري�ض‬ ‫الثوري متنا�سي ًا‪� ,‬أن ما كان جائز ًا يف البدايات‪،‬‬ ‫�أ�صبح مدمرا ال ًآن‪ ،‬جتاهل �ضرورة الو�صول �إىل عقل‬ ‫وقلب اجلمهور الآخر‪ ،‬مل ينتبه �إىل تغريات ال�صورة‬ ‫وحتوالتها الإقليمية والدولية‪ ،‬بقي باجتاه واحد‪،‬‬ ‫�أ�سو�أ ما فعله �أنه ابتعد عن �صورة الإن�سان العادي‬ ‫وم�آ�سيه ل�صالح �صورة املقاتل"‪.‬‬ ‫وي�ضيف‪" :‬بع�ض القنوات التي دخلت الف�ضاء‬ ‫من بوابة الثورة تعمدت التحري�ض املذهبي‪ ،‬هذه‬ ‫جرمية �أخالقية ارتكبت بحق ال��ث��ورة و�سوريا‬ ‫كلهها"‪.‬‬ ‫ومبا يخ�ص ت�سا�ؤل‪ ,‬هل هنالك �إع�لام للثورة‬

‫‪2013-12-1‬‬

‫�أحمد �صالل‬

‫ال�سورية؟ يرد العي�سى‪" :‬الإعالم الذي ت�ستحقه‬ ‫ال��ث��ورة غري موجود كم�ؤ�س�سة‪ ،‬ال�صورة متنانرة‬ ‫و�إن بن�سب خمتلفة بني جميع ال�شا�شات والو�سائل‬ ‫الأخ���رى‪ ،‬ال يخطئها عقل امل�شاهد وعواطفه لو‬ ‫امتلك الرغبة بالطبع"‪.‬‬ ‫وتبقى الأ�سلة �سابقة الطرح مفتوحة على‬ ‫ف�ضاءات من الت�أويالت يف �سياقات ذاتية و �أخرى‬ ‫ً‬ ‫وخا�صة �أن �سريورة امل�شهد الإعالمي يف‬ ‫مو�ضوعية‪,‬‬ ‫�سوريا مل تخذ بعد �صريورة وا�ضحة‪ ,‬نظر ًا ل�سرعة‬ ‫الأح��داث التي ال ميكن جماراتها �إعالمي ًا‪ ,‬ويبقى‬ ‫الأم���ل يف �إن��ت��اج ���ص��ورة وكلمة تعرب ع��ن م�ضامني‬ ‫و�أجندتنا الوطنية بعيد ًا عن و�سائل الإعالم غري‬ ‫ال�سورية التي حتاول �أن تر�سم امل�شهد الإعالمي مبا‬ ‫يتما�شى مع �أهدافها و�أجندتها هي‪ ,‬والذي يتناق�ض‬ ‫مع احلقيقة التي يحاول نا�شطوا الإعالم البديل‬ ‫وك��وادر �إع�لام الثورة �إنتاجها وطني ًا وب�إمكانيات‬ ‫متوا�ضعة وب�سيطة‪.‬‬

‫يف مقربة البحر املتو�سط‬

‫قبل �أيام‪ ،‬ويف املحطة الرئي�سية للقطارات يف مدينة "هامبورغ" الأملانية‪� ،‬سمعنا �أ�صوات ًا مرتبكة‬ ‫وم�ضطربة ملجموعة من ال�شبان كانوا يتحدّ ثون اللغة العربية‪ ،‬واللهجة ال�سورية بالذات‪ ،‬تلك التي‬ ‫لن �أخطئها ما حييت‪� .‬ستة �شبان ال يتجاوز �أكربهم اخلام�سة والع�شرين من عمره‪ ،‬هاربون من مع�سكر‬ ‫اللجوء يف "المبيودزا" ب�إيطاليا‪ ،‬مي ّرون يف �أملانيا ب�شكل غري �شرعي يف رحلتهم �إىل ال�سويد‪� :‬أر�ض‬ ‫الأحالم امل�أمولة! جميعهم كانوا ناجني من املوت يف ال�سفينة التي غرقت يف منت�صف �أكتوبر املا�ضي‬ ‫قبالة ال�شواطئ الإيطالية‪ ،‬والتي كانت حتمل مهاجرين غري �شرعيني متنوعني معظمهم من ال�سوريني‬ ‫والأفارقة!‬ ‫ابني عمه غرقاً‬ ‫ً‬ ‫واحد من �أولئك ال�شباب من �إدلب خ�سر �شقيقه غرقا‪ ،‬و�آخر من حلب خ�سر ّ‬ ‫كذلك‪:‬‬ ‫ "�أما �أنا ف�أنقذين حر�س احلدود الإيطايل‪"..‬‬‫هم�س �أحدهم بعد �أن اطم�أن لنا‪.‬‬ ‫ "كيف غرق القارب؟ ب�سبب احلمل الزائد �ألي�س كذلك؟"‬‫ "لي�س فقط‪ ،‬بل ب�سبب �أن حر�س ال�سواحل الليبي �أطلق الر�صا�ص على القارب‪ ،‬الذي �أعاده خفر‬‫ال�سواحل الإيطايل‪ ،‬فبد�أ بالغرق!!"‬ ‫ "نعم حر�س ال�شواطئ الليبي ال ت�ستغربوا!! مل يدفع لهم املهربون املبلغ املتفق عليه‪ ،‬فلحقونا‬‫و�أطلقوا الر�صا�ص ثم عادوا �أدراجهم ليرتكونا مل�صرينا!!"‬ ‫ "كانت النا�س تناديني �أن �أنقذها وهي تنزل يف املاء‪ ..‬ومل �أ�ستطع �أن �أنقذ �أحد ًا!!!"‬‫ثم وارى وجهه ع ّنا‪.‬‬ ‫بعد �ساعات عرثت عليهم الهيلوكبرتات الإيطالية واملالطية‪ ،‬و�أنقذت من ميكن �إنقاذه‪ ،‬قبل �أن‬ ‫ترتكهم ثالثة �أيام م�شلوحني يف بارجة را�سية يف املياه الإقليمية‪ .‬نقلوهم من ثم �إىل مع�سكر اللجوء‪،‬‬ ‫و�أجربوهم على �إعطاء ب�صمات �أ�صابعهم‪ ،‬ثم قالوا لهم اذهبوا �إىل املكان الذي تريدونه يف �أوروبا‪،‬‬ ‫فنحن ال ميكننا �أن نتح ّمل م�س�ؤوليتكم �أو م�صاريفكم!!‬ ‫مل يكن تعامل الأوروبيني معهم �أف�ضل من تعامل العرب!! اكت�شاف م�ؤمل يواجهه املهاجرون‬

‫ال�سوريني كل يوم!‬ ‫من هناك بد�أت رحلة �أخرى من العذاب‪ ،‬هاربون من بلد �أوروبي �إىل �آخر‪ ،‬خمتب�ؤون يف القطارات‪،‬‬ ‫مهرولون على الطرقات‪ ،‬ينامون يف �شاحنات النقل ويف امل�ستودعات املهجورة‪ .‬فالأر�ض احللم‪:‬‬ ‫ال�سويد‪ ،‬كانت تتالمع �أمام عيونهم‪.‬‬ ‫يف ذلك اليوم يف حمطة القطار الرئي�سية يف "هامبورغ" ودّعناهم يف القطار الذاهب �إىل "مالبورن"‬ ‫يف ال�سويد‪ ،‬حيث خميم الالجئني الذي �سيطلبون اللجوء فيه‪ ،‬بعد �أن �أعطيناهم �أرقامنا وعناويننا‪.‬‬ ‫�صديقة �أملانية هي التي �ساعدتنا يف حجز التذاكر لهم �إىل "مالبورن"‪� ،‬سيدة �أملانية غامرت بقطع‬ ‫تذاكر ملهاجرين غري �شرعيني‪ ،‬خمالفة القانون يف بلد يكاد للقانون فيه قد�سية الدين!!‬ ‫علي ق�صة رجل �سوري غرق �أطفاله الثالثة‬ ‫قبل �أن ينطلق القطار مل َ‬ ‫ين�س ال�شاب ذاته �أن ّ‬ ‫يق�ص ّ‬ ‫وزوجته يف ذلك اليوم امل�ش�ؤوم وجنا وحده‪ ،‬لكنه حينما و�صل خميم اللجوء كان قد فقد عقله متام ًا!!‬ ‫ "لن مي ّر وقت طويل حتى يفقد معظمنا عقله!!"‬‫ودّعنا �ضاحك ًا‪ .‬كان قادر ًا على ال�ضحك!!‬ ‫قبل يومني ات�صل بي وقال‪ :‬لقد رف�ضوا جلوءنا!! قالوا لنا عودوا �إىل �إيطاليا التي ب�صمتهم فيها‪،‬‬ ‫فقوانني االحتاد الأوروبي تقت�ضي طلب اللجوء يف البلد الذي دخلتم منه �إىل �أوروبا‪" .‬و�إذا مل ترد‬ ‫�إيطاليا �إعطاءنا اللجوء‪ ،‬فماذا �سنفعل؟!!" �صاح مفجوع ًا من بعيد!‬ ‫حالة ه�ؤالء ال�شباب عينة �صغرية من جتربة �آالف ال�سوريني اليوم الهاربني من جحيم بالدهم‬ ‫�إىل �أوروب��ا‪ ،‬يناديهم حلم الأمان والعي�ش بكرامة يف �أح�ضان �أوروب��ا‪ ،‬فرتكلهم مدينة وراء �أخرى‬ ‫لتعيدهم �إىل �شاطئ املوت يف �إيطاليا‪" :‬مقربة البحر املتو�سط"‪ ،‬الت�سمية التي �أطلقها رئي�س وزراء‬ ‫مالطة على ما يحدث بحق املهاجرين غري ال�شرعيني على ال�شواطئ الإيطالية واملالطية‪ .‬ولكن هل‬ ‫ُكتب على ال�سوريني �أن تالحقهم املقابر �أينما ذهبوا؟! وهل �أعميت عيون الإن�سانية ع ّما يحدث لهم؟!‬ ‫و�إن كانت �إيطاليا غري قادرة على ا�ستقبالهم فماذا يفعل الإحتاد الأوروبي؟! �أم �أن اجلميع يف ّكر يف‬ ‫م�صالح ال�سيا�سة نا�سني‪� ،‬أو متنا�سني‪� ،‬آالم ال�شعب الذي ال ناقة له يف �ألعاب ال�سيا�سة وال جمل؟!!‬


‫العدد ‪94‬‬

‫العدد ‪83‬‬

‫‪2013-12-1‬‬

‫معاناة ال�سوريني متعددة اجلوانب‬

‫لي�س عنف ال�سلطة‪ ،‬وعبثية التدمري‪ ،‬والتهجري‪ ،‬والقتل‪،‬‬ ‫واالع��ت��ق��ال‪ ،‬والت�شرد وال��غ�لاء‪ ،‬واجل���وع‪ ،‬وامل��ر���ض‪ ،‬ه��ي وحدها‪،‬‬ ‫التي ابتلي بها ال�سوريون‪ ،‬ت�سومهم �سوء العذاب‪ ،‬وتهدد حياتهم‪،‬‬ ‫و�أمالكهم‪ ،‬وحا�ضرهم وم�ستقبلهم‪� ،‬إمنا يعانون �أي�ض ًا انت�شار الفو�ضى‪،‬‬ ‫وانعدام الأمن‪ ،‬والتعر�ض لل�سرقة‪ ،‬واالبتزاز‪ ،‬واخلطف‪ ،‬واالختفاء‪،‬‬ ‫وللث�أر الهمجي‪ ،‬و�إطالق العنان للغرائز على خمتلف �أنواعها‪.‬‬ ‫لقد انت�شر ما ي�سمى باحلواجز الأمنية يف �شوارع البلدات‬ ‫وامل��دن‪ ،‬وعلى الطرقات بينها‪ ،‬حيث يقيم يف احلاجز ع��ادة‪ ،‬عدة‬ ‫جنود ال يقل عددهم عن ع�شرة‪ ،‬ويزيد �أحيان ًا على خم�سني مزودين‬ ‫بال�سالح‪.‬‬ ‫وال �أح��د يعرف بدقة مهمة ه��ذه احل��واج��ز‪ ،‬فبع�ضها يطلب‬ ‫التدقيق يف البطاقات ال�شخ�صية لركاب ال�سيارات‪ ،‬وبع�ضها الآخر‬ ‫يفت�ش هذه ال�سيارات وما حتتوي‪ ،‬والبع�ض الثالث ال يعمل �شيئ ًا‬ ‫�سوى ت�ضييق ال�شارع‪ ،‬ليمرر �سيارة واحدة فقط‪ ،‬من دون �أن ي�س�أل‬ ‫هذه ال�سيارة‪� ،‬أو ركابها عن �أي �شيء‪ ،‬ويقوم بع�ض اجلنود مب�صادرة‬ ‫بع�ض مقتنيات ركاب ال�سيارات من دون �سبب‪.‬‬ ‫وخا�صة ال�سيارات ال�شاحنة‪ ،‬التي حتمل ال�سلع الغذائية‪،‬‬ ‫في�صادر بع�ض حمتوياتها‪ ،‬وال ي��ج��ر�ؤ �سائق ال�سيارة‪� ،‬أو مالك‬

‫ريزان حدو‬ ‫الأداء حوراين و الكوول لروحاين‬ ‫ابتد�أت الق�صة من حوران فحم�ص ثم عامودا‬ ‫و داريا ودوما و ج�سر ال�شغور و حماة و ‪ ....‬و‪....‬‬ ‫ال�شعب ال�سوري يعاين‬ ‫و بعد عدة �أ�شهر ‪...................‬‬ ‫قوات النظام تهجم و املعار�ضة ترتاجع‬ ‫املعار�ضة تهجم و قوات النظام ترتاجع‬ ‫وال�شعب ال�سوري يعاين‬ ‫الدابي يراقب‬ ‫كويف �أنان ي�ستطلع و يحاور ثم يرحل‬ ‫و ال�شعب ال�سوري يعاين‬ ‫�أم�ير قطر حمد يدعم و يتوعد النظام‬ ‫ويطالبه بالرحيل‬ ‫ارحل _ ارحل _ ارحل‬ ‫ما رح ترحل‬ ‫�أنا رح �أرحل‬ ‫حمد يرحل و متيم �أمري ًا لقطر‬ ‫و ال�شعب ال�سوري يعاين‬ ‫حممد مر�سي رئي�س ًا مل�صر‬ ‫حممد مر�سي �سنقطع العالقات مع النظام‬ ‫ال�سوري و لن �أتوا�صل مع النظام ال�سوري بعد الآن‬ ‫�إال �إذا ‪� .......‬إال �إذا ‪......‬‬ ‫�إال �إذا كان يف تغطية ( �شبكة) يف �سجن طرة‬ ‫و ال�شعب ال�سوري يعاين‬

‫الب�ضاعة ال على االحتجاج وال على ال�شكوى‪ ،‬وهكذا فقد مير على‬ ‫عدة حواجز‪ ،‬فينق�ص بذلك ق�سم كبري من الب�ضائع التي يريد‬ ‫توزيعها على جت��ار املفرق‪ ،‬فرتتفع �أ�سعارها للتعوي�ض‪ ،‬و�أحيان ًا‬ ‫يخطئ راكب �سيارة خا�صة‪� ،‬أو يتلفظ بكلمة نقد ما‪ ،‬وعندها توقف‬ ‫�سيارته جانب ًا‪ ،‬ويهان‪� ،‬أو ي�ضرب‪� ،‬أو يعتقل‪� ،‬أو تطلب منه ر�شوة‪ ،‬من‬ ‫دون �أن ي�ستطيع الرف�ض �أو االحتجاج‪.‬‬ ‫انت�شرت ال�سرقات يف املدن ال�سورية‪ ،‬حيث يدخل الل�صو�ص‬ ‫�أو عنا�صر الأمن جهار ًا نهار ًا �أي بيت‪ ،‬ويبلغون �سكانه �أنهم من �أمن‬ ‫الدولة‪ ،‬ويفت�شون البيت وي�سرقون ما يحلو لهم ويخرجون‪ ،‬وبعد‬ ‫خروجهم ال ي�ستطيع �صاحب البيت تقدمي ال�شكوى‪ ،‬لأن خمافر‬ ‫ال�شرطة املخت�صة ترف�ض تلقي �أية �شكوى‪ ،‬ب�سبب خوفها من �أمن‬ ‫الدولة‪ ،‬و�أحيان ًا كثرية‪ ،‬يكون الل�صو�ص �أع�ضاء ع�صابات �سرقة‬ ‫و�سطو‪ ،‬ولي�سوا من �أم��ن ال��دول��ة‪� ،‬إال �أن جم��رد زعمهم باالنتماء‬ ‫لهذا اجلهاز‪ ،‬يوقع الرعب ب�صاحب البيت‪ ،‬الذي يخ�شى �أن يقتلوه‪،‬‬ ‫�أو يعتقلوه‪ ،‬فكيف يعرف �أنهم لي�سوا من �أمن الدولة؟ فهم م�سلحون‬ ‫ويت�صرفون بالعنجهية والع�سف‪ ،‬الذي يت�صرف به عنا�صر الأمن‪.‬‬ ‫جند النظام ما �سماه "اللجان ال�شعبية"‪ ،‬وهم مدنيون عاطلون‬ ‫عن العمل و�شباب يف الع�شرينيات‪ ،‬يعطيهم رواتب جمزية‪ ،‬وي�سلمهم‬

‫خواطر �سورية‬

‫�أردوغ��ان ‪ :‬النظام ال�سوري نظام قمعي و‬ ‫يجب عليه الرحيل‬ ‫مظاهرات يف �ساحة تق�سيم �ضد �أردوغان‬ ‫اخل��ارج��ي��ة ال�سورية ‪ :‬نطالب �أردوغ���ان‬ ‫باحرتام احلريات و حق ال�شعب بالتظاهر !!!!!!!!‬ ‫و ال�شعب ال�سوري يعاين‬ ‫قدري جميل معار�ض‬ ‫قدري جميل على قناة الدنيا‬ ‫قدري جميل ع�ضو جمل�س ال�شعب‬ ‫قدري جميل نائب رئي�س احلكومة‬ ‫ق��دري جميل �سنوفر ال��غ��از و البنزين و‬ ‫الطحني و املواد الغذائية‬ ‫ما يف غاز‬ ‫ما يف بنزين‬ ‫ما يف طحني‬ ‫ما يف مواد‬ ‫ما يف غذائية‬ ‫ما يف قدري جميل باحلكومة‬ ‫قدري جميل على قناة اجلزيرة‬ ‫قدري جميل معار�ض‬ ‫و ال�شعب ال�سوري يعاين‬ ‫كيماوي‬ ‫ما يف كيماوي‬ ‫الء يف كيماوي‬

‫‪2013-9-15‬‬

‫ح�سني العودات‬

‫بندقية ر�شا�شة (كال�شينكوف)‪ ،‬للدفاع عن النظام‪ ،‬باعتبارهم يخدمون غالب ًا يف‬ ‫مناطق �سكناهم‪ ،‬ويعرفون النا�س وميولهم‪ ،‬وقد �أطلق ه���ؤالء لغرائزهم العمل بال‬ ‫حدود‪ ،‬في�سرقون‪ ،‬وي�صادرون‪ ،‬ويخطفون طلب ًا للفدية‪ ،‬ويعتقلون من ال يحبونهم بتهم‬ ‫ملفقة‪ ،‬ويث�أرون من �أ�ضدادهم �أو �أعدائهم‪� ،‬أو ممن كانوا يح�سدونهم على جناحهم‪ ،‬من‬ ‫دون �أن ي�ستطيع �أحد ال�شكوى‪� ،‬أو ردهم عن ع�سفهم‪ ،‬و�سرقاتهم‪ ،‬وحماقاتهم‪ ،‬و�أحيان ًا‬ ‫ارتكابهم اجلرائم‪.‬‬ ‫ويف املناطق التي ت�سيطر عليها املعار�ضة امل�سلحة‪ ،‬تنت�شر الظاهرة نف�سها‪� ،‬أعني‬ ‫ظاهرة ال�سرقة واخلطف‪ ،‬واالتهام واالعتقال‪ ،‬و�أحيان ًا القتل‪ ،‬ويزعم من يقوم بها‬ ‫�أنه من ف�صائل املعار�ضة امل�سلحة‪� ،‬أو من اجلي�ش احلر‪� ،‬أو حتى من قوى الأم��ن‪ ،‬ويف‬ ‫اخلال�صة‪ ،‬تتعر�ض حياة املواطن و�أمالكه وكرامته للخطر‪ ،‬من دون �أن يعرف من �أوقع‬ ‫به هذا الأذى‪.‬‬ ‫�إن تغول قوى الأمن والقوات الع�سكرية على املواطنني‪ ،‬مل يبد�أ يف الواقع مع‬ ‫الثورة‪� ،‬أو مع ال�صراع الع�سكري‪� ،‬أو انت�شار العنف‪� ،‬إمنا بد�أ قبل ع�شرات ال�سنني‪ ،‬حيث‬ ‫�أ�صدر الرئي�س الراحل حافظ الأ�سد قانون ًا‪ ،‬منع فيه حماكمة "رجل الأمن" عند‬ ‫ارتكابه �أية جرمية‪� ،‬إال مبوافقة وزير الدفاع‪.‬‬ ‫ومل يعر�ض خالل ثالثة عقود على وزير الدفاع طلب املوافقة على حماكمة �أي‬ ‫مرتكب‪� ،‬إذ ال بد من �أن يبد�أ الرئي�س املبا�شر ملرتكب اجلرمية بطلب الإحالة �إىل‬ ‫املحاكمة‪ ،‬وهذا يكون غالب ًا �شريك ًا يف اجلرمية‪� ،‬أو �أنه يرف�ض حماكمة مر�ؤو�سه مهما‬ ‫كان خط�ؤه‪ ،‬وهذا ما �أدى ب�أجهزة الأمن الرتكاب خمتلف �أنواع اجلرائم‪ ،‬واالبتزاز‪،‬‬ ‫والتهديد‪ ،‬وامل�صادرة بغري حق‪ ،‬منذ ع�شرات ال�سنني‪ ،‬حتت �شعار �أمن الدولة‪ ،‬ومنذ‬ ‫تدخل اجلي�ش �ضد االنتفا�ضة‪ ،‬وبعدها �ضد الثورة‪ ،‬انتقلت ال�صالحية جلنوده‪ ،‬الذين‬ ‫لكل منهم "احلق" يف عمل ما ي�شاء جتاه �أبناء ال�شعب‪.‬‬ ‫ت�ستباح �أم��وال ال�شعب يف �سوريا الآن‪ ،‬و�أمالكه ومدخراته‪ ،‬من قبل احلواجز‬ ‫الأمنية‪ ،‬و�أجهزة الأمن‪ ،‬و"اللجان ال�شعبية"‪ ،‬ومن امل�سلحني‪ ،‬كما ي�سفك دمه وتنهب‬ ‫م�ساكنه ومقتنياته‪ ،‬وق��د تعطلت حياته االقت�صادية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬وال�سيا�سية‪،‬‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬حيث "ال �أحد يزور �أحد ًا م�ساءً"‪ ،‬ومنعت �إقامة الأفراح والتعازي لي ًال‪،‬‬ ‫وينبغي �أن تنتهي قبل امل�ساء‪ ،‬ونفدت مدخرات ال�سوريني‪ ،‬و�ألغى معظمهم كل ما هو‬ ‫ممتع يف حياتهم‪( ،‬فال حفالت وال �سهرات وال والئم وال مطاعم)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫�إ�ضافة �إىل ن�شوء قيم رديئة جديدة‪ ،‬كانوا ي�ستنكرونها‪ ،‬ويعتربونها عارا ما بعده‬ ‫عار‪ ،‬كاال�ستهانة بهتك الأعرا�ض (اختيار ًا �أو اغت�صاب ًا)‪ ،‬والت�سول‪ ،‬واالحتيال‪ ،‬و�أكل‬ ‫مال الغري وقبول الإهانة‪ ،‬وجتاهل االنت�صارات والهزائم القومية‪�،‬أو املتعلقة بالبلدان‬ ‫العربية الأخرى‪.‬‬ ‫لقد تغريت مفاهيم الهوية‪ ،‬واالنتماء الوطني‪ ،‬وامل�شاعر القومية‪ ،‬ومفاهيم‬ ‫ال�سيادة‪ ،‬التي يت�شدق بها �أهل النظام (عالطالع والنازل)‪� ،‬إنها م�أ�ساة ال�سوريني‪.‬‬

‫بدك كيماوي‬ ‫خود الكيماوي‬ ‫و ال�شعب ال�سوري يعاين‬ ‫الأخ�ضر االبراهيمي يح�ضر ل جنيف ‪2‬‬ ‫النظام يرف�ض ا�ستقبال االبراهيمي‬ ‫املعار�ضة ترحب باالبراهيمي‬ ‫االبراهيمي يف دم�شق مربر ًا و �شارحاً‬ ‫النظام يثني على باالبراهيمي‬ ‫املعار�ضة تطالب برحيل االبراهيمي‬ ‫و ال�شعب ال�سوري يعاين‬ ‫النظام �سي�شارك يف جنيف ‪ 2‬للتفاو�ض‬ ‫ولي�س لت�سليم ال�سلطة‬ ‫املعار�ضة التفاو�ض لت�سليم ال�سلطة‬ ‫املجل�س الوطني يرف�ض امل�شاركة يف جنيف ‪2‬‬ ‫الكتائب املقاتلة تخون من ي�شارك يف جنيف‬ ‫‪2‬‬ ‫االئتالف يجتمع ليقرر‬ ‫دولة الإ�سالم يف ال�شام والعراق �ستقطع ر�أ�س‬ ‫�أع�ضاء االئتالف و كل من ي�ؤيدهم‬ ‫االئتالف ما زال جمتمع ًا‬ ‫ل�ؤي املقداد ي�صرخ‬ ‫�أحمد اجلربا ي�صفع ل�ؤي املقداد بطريقة‬ ‫و ال �أحلى‬ ‫العكيدي ي�ستقيل‬

‫عبد القادر ال�صالح اغتيل‬ ‫و ال�شعب ال�سوري يعاين‬ ‫جنيف ‪ 2‬يف حزيران‬ ‫ما يف جنيف ‪ 2‬يف حزيران‬ ‫جنيف ‪ 2‬يف �أيلول‬ ‫ما يف جنيف ‪ 2‬يف �أيلول‬ ‫جنيف ‪ 2‬يف ت�شرين الثاين‬ ‫ما يف جنيف ‪ 2‬يف ت�شرين الثاين‬ ‫جنيف ‪ 2‬يف كانون الأول‬ ‫جنيف ‪ 2‬على �أ�سا�س مقررات جنيف ‪1‬‬ ‫جنيف ‪ 2‬ما لو عالقة ب جنيف ‪1‬‬ ‫جنيف ‪ 1‬ميرر ل جنيف ‪2‬‬ ‫جنيف ‪ 2‬يراوغ جنيف ‪1‬‬ ‫روعة يا جنيف ‪2‬‬ ‫جنيف ‪ 2‬جنيف ‪ 2‬جنيف ‪ 2‬جنيف ‪ 2‬جنيف‬ ‫‪ 2‬جنيف ‪ 2‬جنيف ‪2‬‬ ‫و كوووووووووووووووول‬ ‫كوووووووووول‬ ‫اهلل اهلل اهلل‬ ‫كوول ل روحاين‬ ‫اهلل يا ح�سن روحاين‬ ‫كوول نووي �إيراين‬ ‫و ّلع االقت�صاد الإيراين‬ ‫و ال�شعب ال�سوري ما زال يعاين‬


‫العدد ‪94‬‬

‫«هواوي» جديدة لل�سوريني‬

‫نائل حريري‬ ‫بعد �أن انت�شرت �إ�شاعة «قرار جتريد املعار�ضني‬ ‫للنظام ال�سوري من جنـ�سيـاتهم» انـت�شـار النـار يف‬ ‫اله�شيم‪ ،‬ات�ضح � ّأن الإ�شاعة مل تكن �إ�شاعة‪ .‬لقد‬ ‫كانت احلقيقة بعينها من حيث امل�ضمون‪ ،‬مع �ضمان‬ ‫بقاء ال�شكل �ضمن الإطار القانوين على الأقل‪ ،‬ومع‬ ‫�ضمان �سريان مفعول القرار ب�شكل �أوتوماتيكي‬ ‫يف ال��داخ��ل ال�����س��وري ق��ب��ل خ��ارج��ه‪ .‬فعلى رغ��م‬ ‫العبء الثقيل واالقت�صاد املنهار واملجتمع املتفكك‬ ‫وال�ضغوطات الدولية‪ ،‬يبدو � ّأن النظام غري م�ستع ّد‬

‫�أحمد با�شا‬

‫لإع��ادة ترتيب �أولوياته �أو تغيري اجتاه بو�صلته‬ ‫الأ�سا�سية الثابتة املرتبطة ببقاء الأ�سد يف ر�أ�س‬ ‫الهرم ال�سلطوي‪.‬‬ ‫فبينما يتناف�س املتناف�سون على مقاعدهم‬ ‫يف ط��اول��ة مباحثات «جنيف ‪ ،»2‬ي��غ�� ّرد النظام‬ ‫ال�سوري مطمئن ًا يف �سربه اخلا�ص حمدد ًا �أولوياته‬ ‫الأ�سا�سية مع قرب انتهاء الفرتة الرئا�سية الثانية‬ ‫للأ�سد‪.‬‬ ‫على ر�أ���س تلك الأول��وي��ات‪ ،‬كما يت�ضح الآن‪،‬‬

‫بطاقات �شخ�صيّة جديدة لل�سوريني‪ ،‬كما‬ ‫�إ���ص��دار‬ ‫ٍ‬ ‫ي ّت�ضح يف موازنة عام ‪ 2014‬الغريبة التي رفعتها‬ ‫وزارة الداخلية �إىل جمل�س ال�شعب‪ .‬امل�شروع الذي‬ ‫�سيك ّلف الدولة ما يزيد عن ‪ 28‬مليون ي��ورو يبدو‬ ‫مغري ًا ملجل�س ال�شعب ال�سوري �إىل درج��ة املوافقة‬ ‫على مربراته الواهية التي ن�شرها الإعالم الر�سمي‪،‬‬ ‫من قبيل �أن هذه البطاقات «�ستت�ضمن كل املعلومات‬ ‫ال�لازم��ة ال��ت��ي حتتاجها اجل��ه��ات ال��ع��ام��ة» و�أ ّن��ه��ا‬ ‫«�ستت�ضمن الب�صمة الإلكرتونية» و�أ ّنها «ت�أتي يف �إطار‬ ‫الإقالع مب�شروع احلكومة الإلكرتونية»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫�شر�سة يف عامها‬ ‫�إذ ًا‪ ،‬ث ّمة نظام يعي�ش حرب ًا‬ ‫الثاين‪ ،‬خ�سر فيها الكثري من اقت�صاده ومن تعداد‬ ‫ال�سوريني‪ ،‬لكنّ �أول��وي��ت��ه الآن ه��ي �إح��ي��اء م�شروع‬ ‫احلكومة الإلكرتونية الذي بقي مدفون ًا يف الأدراج‬ ‫منذ ‪ .2004‬ويجب االنتهاء منه �أو ًال بال ّ‬ ‫�شك وتزويد‬ ‫ال�سوريني ببطاقاتهم ال�شخ�صية اجل��دي��دة قبيل‬ ‫املوعد املرتقب لالنتخابات الرئا�سية يف العام املقبل‪،‬‬ ‫رقابة دولية‪.‬‬ ‫والتي لن ترتك بالت�أكيد من دون ٍ‬ ‫ً‬ ‫الهويات ال�شخ�صية اجلديدة ت�أتي �أوال ومن ثمّ‬ ‫حتديد موعد االنتخابات الرئا�سية‪ ،‬والتي يتو ّقع �أن‬ ‫يتمّ �إطالق املعتقلني ال�سيا�سيني قـبل موعدها بقليل‬ ‫جم ّردين من حقوقهم املدنية‪ ،‬ال ب�سند قانو ّ‬ ‫ين �أو‬ ‫تـ�شـريعـي و�إنـما مبوجب هويّات �شخ�صية قدمية ال‬ ‫قـيمة لـها يف الـنـظام اجلديد‪ ،‬مثلها كمثل الهويات‬ ‫ال�شخ�صية القدمية التي يحملها ال�سوريون املـقـيمون‬ ‫يف املنـاطـق اخلارجة عن �سيـطرة النـظام والذيـن‬ ‫بطاقات �شخ�صية‬ ‫يفـر�ض عليـهم �إم��ا البقاء بال‬ ‫ٍ‬ ‫ج��دي��دة‪� ،‬أو العبور م��ن خ�لال �سلـ�سلة املوافـقات‬ ‫الأمـنـية الـطـويـلة باتـجاه ا�سـرتجاع جـن�سيـتهم‬ ‫ببطاقة �شخ�صيّة جديدة‪.‬‬ ‫وحقوقهم االنتخابية‬ ‫ٍ‬ ‫رقابة‬ ‫م��ع ترحيبه وتعاونه ال�شديد م��ع �أي‬ ‫ٍ‬ ‫دولية على االنتخابات الرئا�سية‪ ،‬يعتمد النظام‬

‫‪2013-12-1‬‬

‫على �إق�صاء مناه�ضيه منذ الآن‪ ،‬والتخ ّل�ص من ماليني‬ ‫ع�� ّدة من الأ���ص��وات غري املرغوبة ممن يعي�شون يف‬ ‫مناطق خارجة عن �سيطرته داخل البالد‪� .‬أولئك‬ ‫�أ�صحاب البطاقات ال�شخ�صية القدمية التي لن تتيح‬ ‫لهم االنتخاب‪� ،‬أما املعتقلون املفرج عنهم فعليهم �أن‬ ‫ينتظروا �إ�صدار بطاقاتهم ال�شخ�صية بعد انتهاء‬ ‫العر�س االنتخابي‪ ،‬وبعد �إح�صاء الأ�صوات املتبقية‬ ‫من �أ�صل ‪ 24‬مليون �سوري لن يجد �أكرث من ن�صفهم‬ ‫طريق ًا �إىل ال�صندوق‪.‬‬ ‫قرار كهذا لن يثري �ضجّ ًة دولية كمثل قرار �سحب‬ ‫اجلن�سية علن ًا من مناه�ضي النظام ال�سوري‪ ،‬كما‬ ‫يحق للهيئات الدولية ّ‬ ‫�أ ّنه «�ش�أن داخلي» ال ّ‬ ‫التدخل‬ ‫فيه‪ ،‬وال ميكن فر�ض رقابة دوليّة عليه‪ّ .‬‬ ‫كل ذلك‬ ‫دولة �أ�ش ّد‬ ‫ي�سري وفق القوانني والأنظمة املرعيّة يف ٍ‬ ‫ما تفتقده الآن هو القانون الذي ال وقت لتكري�سه‬ ‫الآن يف زحمة املقاومة واملمانعة‪ ،‬لكنّ الأولوية الآن‬ ‫هي لتغيري الهويات ال�شخ�صية‪ ،‬و�إط�لاق احلكومة‬ ‫الإلكرتونية‪ ،‬ورمبا �إ�ضافة �أر�شيف احلم�ض النووي‬ ‫�أي�ض ًا‪.‬‬ ‫على رغ��م �أن ال�سوريني مل يعتادوا بعد �سماع‬ ‫م�صطلح «ه��ات��وا ال��ه��واوي» كما اع��ت��اده اللبنانيون‬ ‫الذين عا�صروا وجود اجلي�ش ال�سوري‪ ،‬فقد �أعادت‬ ‫الأزمة ال�سورية جلب ذلك املدلول القمعي التع�سفي‬ ‫�إىل الداخل ال�سوري‪ .‬حتوّلت «الهويات» من وثائق‬ ‫�شخ�صية �إجرائية �إىل جم�� ّرد �أدا ٍة بيد ال�سلطة‬ ‫للتح ّكم والت�س ّلط‪� .‬أ�صبح لل�سوريني «ه��واوي» الآن‪،‬‬ ‫واملت�س ّلط واحد يف �سورية ويف لبنان‪.‬‬

‫ال�شاهدات ر�أ�س ًا على عقب‪ :‬رواية عبثية يف زمن دا ٍم‬

‫رواية ال�شاهدات‬ ‫«املرء حني يبكي على ميت ما‪ ،‬حقيقة يبكي على الب�شرية التي مل يكن لها �ش�أن‬ ‫اخللود‪ ،‬والقاتل حني يقتل �ضحيته‪� ،‬إمنا يفعل ذلك لتمنحه ال�ضحية �شعور ًا طفيف ًا‬ ‫بفكرة اخللود الزائف‪ .‬الإدم��ان على القتل هو لتجرع ذلك ال�شعور بكميات �أكرب‪،‬‬ ‫و�أننا مولعون باملوتى‪ ،‬ال لأننا �أوفياء لهم‪ ،‬بل لأنهم منحونا ذلك ال�شعور دون �أن نكون‬ ‫متورطني مبوتهم‪ ،‬لذلك ن�ضع الورود على قبورهم‪ .‬كم ي�ؤمل الورد يقني املوتى!»‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬يذهب الكاتب ال�شاب راهيم ح�ساوي بعيد ًا يف تكثيف الأ�سئلة البديهية‪،‬‬ ‫معلن ًا رف�ضه التام لليقينات التي حتيل هذا العامل �إىل قرب �صغري‪« ،‬ال�شاهدات ر�أ�س ًا‬ ‫على عقب» �أداة �شجب روائي �صدرت حديث ًا للكاتب ال�سوري عن دار العني _ القاهرة‪.‬‬ ‫التجربة الروائية الأوىل حل�ساوي القادم من ع��امل الكتابة امل�سرحية تتناول‬ ‫مو�ضوعات متعددة‪ ،‬يقارب املوت فيما بينها فل�سفي ًا‪ ،‬دون �أن يفرقها مكاني ًا‪ .‬املقربة‬ ‫تتو�سط املدينة‪ ،‬كما تقع يف مركز الذاكرة �أي�ض ًا‪ ،‬لذلك‪ ،‬ف���إن الأح��داث اجلارية‬ ‫تتموت ذهني ًا‪ ،‬دون االكرتاث مب�آالت الواقع‪ .‬على هذا النحو‪ ،‬يت�آكل �سور املقربة خارج‬ ‫التاريخ‪ :‬املوت‪ ،‬الوحدة‪ ،‬يحكم اخلناق على كثري من الق�ص�ص والأ�سرار‪ .‬على حني‬ ‫تبدو �شواهد املقربة �شاحبة‪ ،‬تت�صف ب�إنفالتها من عقال اللحظة‪ .‬الذاكرة الفردية‪:‬‬ ‫عدمية‪� ،‬أحادية ب�صيغة اجلموع‪ ،‬عاجزة‪ ،‬لكنها ت�ؤدي وظيفتها الآنية؛ �شغل امل�ساحات‬ ‫بني ابناء املدينة‪ ،‬تك�سرالرتابة يف انتظام امل�سافات بني �شواهد املقربة‪.‬‬ ‫جابر الزامي‪ ،‬بطل الرواية‪� ،‬شاب يف اخلام�سة والع�شرين من عمره‪ ،‬ق�ضى معظم‬ ‫طفولته بني �أ�سوار املقربة‪ ،‬ف�أُثقل ذهنه بكثري من الأ�سئلة الفل�سفية حول موا�ضيع‬ ‫خالدة‪ :‬احلياة‪ ،‬املوت‪� ،‬سطوة الزمن‪ .‬على ل�سان جابر ت�أتي الرواية‪ ،‬فبعد �أن عادت‬ ‫وجمعته الأقدار ب�صديق طفولته ر�شاد ب�صدفة مطلقة يف �أحد �صالونات احلالقة‪،‬‬ ‫بد�أت تتك�شف خيوط احلكاية‪ :‬ر�شاد العائد من العا�صمة‪ ،‬رفيق درب جابر يف املقربة‪،‬‬ ‫ميوت ب�صعقة كهربائية‪ ،‬ال ترتك �أثر ًا يف نف�س �صديق طفولته �سوى مقت ًا �أكرب لعامل‬ ‫الأحياء‪.‬‬ ‫ت�شكل هواج�س جابر الغرائبية موقفه من ال��ع��امل‪ ،‬وت�سكن ه��ذه الهواج�س‬ ‫والت�صورات منت احلكاية الأ�سا�سية و�صوتها الوحيد والأوحد؛ فهو املم�سو�س بلوثة‬ ‫اليقينات‪ ،‬يبقى حبي�س �إحدى حوادث الطفولة‪ :‬تعذيبه منذ ع�شر �سنوات من قبل‬ ‫بديع الزاهر بطريقة وح�شية‪ ،‬لت�ساعده كنانة زوجة بديع يف الهروب حينها‪ .‬كنانة‬

‫التي متثل له اخلال�ص‪ ،‬التقى بها مرة واحدة بعدها يف املقربة‪ ،‬قبل �أن يفجع بنب�أ‬ ‫انتحارها يف اليوم التايل‪.‬‬ ‫انتحار كنانة‪ ،‬حدث �أ�سا�سي يرخي بظالله على مفا�صل العمل كام ًال‪ ،‬فهو ال�صوت‬ ‫الأنثوي الدافئ_املٌخل�ص_ القادم من ذاكرة العامل املنف�صم �أرادي ًا عن ذهن جابر‪.‬‬ ‫على هذا النحو‪ ،‬ي�ست�أثر جابر التوا�صل مع العامل اخلارجي‪ ،‬ويبقى ذكر وجه كنانة‬ ‫هاج�س ًا من هواج�س توا�صله مع كل مايحدث حوله‪ ،‬لذلك جنده يفنت مبنار (�صديق‬ ‫ر�شاد) منذ لقائه الأول به‪.‬‬ ‫جابر‪ ،‬ال�شخ�صية التي تبدو وك�أنها هاربة من م�سرح العبث‪ ،‬يحيا �صراع ًا دائم ًا مع‬ ‫فكرة الزمن‪ ،‬يزداد توج�سه من العامل يوم ًا بعد الآخر‪ ،‬خا�صة ب�سبب حظه العاثر‬ ‫الذي يجعل من بديع الزاهر �شبح ًا يالحقه يف كل الف�ضاءات التي يحاول اللجوء‬ ‫�إليها‪ ،‬ال �سيما منزل نينار يف العا�صمة‪ ،‬لي�ؤول به احلال يف النهاية على النحو التايل‪:‬‬ ‫على ج�سر قدمي عال يف العا�صمة‪ ،‬يقف جابر يت�أمل ال�سيارات امل�سرعة وحركة‬ ‫املارة‪ ،‬ي�ستند على احلديد‪ ،‬يفكر ب�شكل جثته بعد �أن ينتحر‪ ،‬ترتفع �أطراف قدميه‬ ‫�سنتيمرتات قليلة وتعود �إىل الأر�ض‪ ،‬هذه اللحظات تعطي له معنى ما‪ ،‬فعل ما؛ ي�ؤرق‬ ‫الزمن؛ يجربه على الإح�سا�س بدقات قلب جابر‪.‬‬ ‫يغيب بناء ال�شخ�صية يف عمل ح�ساوي ل�صالح ح�ضور الأ�سئلة والأف��ك��ار‪،‬‬ ‫فال�شخ�صيات هنا‪ ،‬تبدو مفككة‪ ،‬ه�شة‪ ،‬ت�شذ يف تكوينها عن البنية الأ�سا�سية للرواية‪:‬‬ ‫�شخ�ص مو�سو�س ينتقم من مدينته الهام�شية ب��ال��روي؛ احلكاية بالن�سبة له هي‬ ‫عامل �آخر‪ :‬حماولة خلق زمان جديد يف م�شهد �أكرث �سوريالية من ا�ستمناء الب�شر‬ ‫با�ستمرارية �صناعة الأطفال لأحالمهم �ضمن املقربة‪.‬‬ ‫�شخ�ص موبوءٍ بالأ�سئلة فقط‪،‬‬ ‫عن‬ ‫رواية «ال�شاهدات ر�أ�س ًا على عقب» لي�ست رواية‬ ‫ٍ‬ ‫بل هي رواية واقع يتحد مع املوت يف عبثيته‪ ،‬ويفرتق عنه كثري ًا يف �إيجاد متعة ما يف‬ ‫البحث عن تفا�صيل هام�شية ُتفزع احلياة من حياتها‪ .‬هكذا‪ ،‬يبدو امل�شهد اخلتامي ك�أنه‬ ‫على ج�سر_الثورة_ و�سط دم�شق‪ ،‬يقف عليه زائر من مدينة �سورية بعيدة‪ ،‬ي�شتهي‬ ‫االنتحار‪ ،‬دون �أن يعرف القارئ �إن كان قد فعله �أو ال‪ .‬رمبا‪ ،‬كان الأحرى بكل واحد منا‬ ‫�أن ي�س�أل الآخر‪ :‬ما حال ال�شاهدات اليوم؟!‬


‫العدد ‪94‬‬

‫‪2013-12-1‬‬

‫املركز ال�سوري لبحوث ال�سيا�سات‬

‫ر�ؤيا �سورية امل�ستقبل‬

‫متهيد مت �إعداد هذه الوثيقة مب�شاركة عدد كبري من املهتمني والباحثني ال�سوريني كم�سودة �أولية نحو ر�ؤية م�ستقبلية ل�سورية‪ ،‬و�سي�ستمر تطويرها بنا ًء على �إ�ضافات واقرتاحات �أو�سع �شريحة‬ ‫من املجتمع ال�سوري‪ ،‬ويتم ذلك يف �إطار م�شروع بدائل اخلروج من الأزمة احلالية ا�ستناد ًا �إىل املنهجيات العلمية املتعارف عليها‪.‬تركز هذه الر�ؤيا على القيم واملبادئ العليا التي يتفق عليها‬ ‫ال�سوريون ك�أ�سا�س مل�ستقبلهم املرغوب‪ ،‬وال تت�ضمن �شكل امل�ؤ�س�سات وا�سرتاتيجيات الو�صول لهذه الر�ؤية‪�.‬إن االتفاق على الر�ؤية مبفهومها القيمي والإن�ساين يقود �إىل ت�شكيل �أر�ضية لإطالق‬ ‫عملية بناء امل�ستقبل املرغوب‪ ،‬وت�شكل �أ�سا�س ًا متين ًا لتقييم اخلطوات الالحقة مبا فيها كيفية اخلروج من الأزمة احلالية‪ .‬ويف هذا الإطار نتمنى منكم جميع ًا امل�ساهمة يف تطوير هذه الوثيقة‪.‬‬

‫�أو ًال‪ :‬الر�ؤيا‬

‫�إن�����س��ان ���س��وري مم�� َك��ن م��ع��رف��ي�� ًا و�أخ�لاق��ي�� ًا‪،‬‬ ‫متحرر من اجلهل والفقر والغرائز واال�ستبداد‬ ‫واال�ستغالل‪� ،‬ضمن جمتمع حيوي �ضاري من�سجم‬ ‫حمرتم ًا �شخ�صية االن�سان وحمقق ًا كرامته‪ ،‬معزز ًا‬ ‫القيم الفكرية والأخ�لاق��ي��ة النبيلة يطورها‬ ‫با�ستمرار‪،‬‬ ‫متمتع ًا ب��ث��ق��اف��ة غنية خ�لاق��ة ذات بعد‬ ‫�إن�ساين‪ ،‬منفتح ًا على الآخر‪ ،‬م�ستفيد ًا من تراثه‬ ‫لتحقيق نه�ضته‪ ،‬م�ساهم ًا ب�شكل فعال يف احل�ضارة‬ ‫االن�سانية مادي ًا وفكري ًا‪ ،‬معزز ًا لالكت�ساب واالنتاج‬ ‫العلمي والتقني كم ًا وكيف ًا‪ ،‬ق���ادر ًا على تكوين‬ ‫وتنظيم م�ؤ�س�سات حرة و�شفافة وفعالة وت�شاركية‬ ‫وم�ساءلة و�ضامنة حلقوق املواطنة وواجباتها‬ ‫ول��ل��ع��دال��ة يف ب��ن��اء ال��ق��درات وال��ف��ر���ص‪ ،‬مطلق ًا‬ ‫حريات الفكر واالب��داع‪ ،‬م�ستثمر ًا المكانياته يف‬ ‫بناء اقت�صاد قادر على حمل ا�ستحقاقات الرفاه‬ ‫وال��ع��دال��ة والتنمية‪ ،‬حم��اف��ظ�� ًا على ا�ستدامة‬ ‫البيئة‪� ،‬ضامن ًا للحرية والعدالة االجتماعية‬ ‫وحقوق الأجيال القادمة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬منطلقات الر�ؤيا‬

‫�إن ثنائية العقل والأخ�لاق هي نواة �سورية‬ ‫امل�ستقبل‪ ،‬ويحتاج ذل��ك �إىل �إن�سان متحرر من‬ ‫التخلف واالق�صاء والتهمي�ش �ضمن جمتمع متنوَر‬ ‫وم�ؤ�س�سات فاعلة لتكون �أ�سا�س النه�ضة املرجوة‪،‬‬ ‫كما يحتاج �أي�ض ًا �إىل التحرر من التفاوت العاملي من‬ ‫خالل بناء حتالف ح�ضاري مع الدول التي ت�شارك‬ ‫املجتمع ال�سوري قيمه وحلمه بهدف ك�سر العالقات‬ ‫وال�سيا�سات الدولية اجلائرة واالنتهازية‪.‬‬

‫املنطلق الأول‪ :‬الإن�سان ال�سوري‬

‫جوهر امل�ستقبل احل�ضاري املن�شود هو الإن�سان‬ ‫من خالل اح�ترام �شخ�صيته وحقوقه وكرامته‬ ‫وحريته‪ ،‬ويكون االن�سان الغاية والو�سيلة يف‬ ‫�آن مع ًا‪ .‬و�شخ�صية الإن�سان التي متيزه مرتبطة‬ ‫بقدرته العقلية والروحية وثقافته �ضمن املجتمع‬ ‫الذي يعي�ش فيه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫يكون االن�سان يف �سورية ممكنا م��ن خالل‬ ‫ت��وف�ير ال�صحة والتعليم وم�ستويات املعي�شة‬ ‫املالءمة وتوفري احلريات ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫واالجتماعية مبا يف ذلك عدالة توفري الفر�ص‬ ‫مب��ا يعزز ك��رام��ة االن�����س��ان‪ .‬وال��ع��دال��ة املطلوبة‬ ‫تت�ضمن بعدين رئي�سيني‪ :‬الأول منا�صرة الفئات‬ ‫املحرومة واملهم�شة من خالل اال�ستثمار يف الإن�سان‬ ‫وخلق فر�ص ابداعية للتعلم والعمل واالندماج‬ ‫يف العالقات االجتماعية واالن��ت��اج احل�ضاري‪.‬‬ ‫�أم��ا البعد الثاين فيت�ضمن توفري �إمكانيات بناء‬ ‫القدرات وتوفري الفر�ص للجميع دون ا�ستثناء‪،‬‬ ‫وحماية حق اجلميع يف احلياة الكرمية وال�صحة‬ ‫امل��دي��دة والتنمية الت�ضمينية وف��ر���ص العمل‬ ‫ال�لائ��ق��ة‪ ،‬وت��ع��زي��ز ق��درت��ه��م على قيامهم فع ًال‬ ‫مبمار�سة هذه احلقوق من خالل الفر�ص املتاحة‪.‬‬

‫املنطلق الثاين‪ :‬املجتمع ال�سوري‬

‫يتج�سد هذا املنطلق يف قيمة احرتام الآخر‪،‬‬ ‫وهي �سمة �أخالقية رفيعة متثل اجلانب االن�ساين‬

‫الذي مي َكن من تفاعل ح�ضاري �ضمن التنوع الثقايف‬ ‫الغني للمجتمع فيخرج بثقافة متالقحة جديدة‬ ‫ابداعية تعك�س ن�سيج �سورية املعقد واملتداخل مبا‬ ‫يغني ر�أ���س املال االجتماعي ويي�سر عملية بناء‬ ‫العقد االجتماعي املطلوب للم�ستقبل‪ .‬ان احلوار‬ ‫املجتمعي املبني على احرتام الآخر يطور املجتمع‬ ‫ويعزز قيم احلرية واالبداع والعمل ويقل�ص فر�ص‬ ‫اال�ستبداد واجلهل‪ ،‬ويعرفنا ب�أنف�سنا وبهويتنا‪.‬‬ ‫�إن الأولوية هي للتفاعل احل�ضاري �ضمن املجتمع‬ ‫ال�سوري فبدونه �سي�صبح احل��وار مع املجتمعات‬ ‫الأخرى بدون جدوى‪.‬‬ ‫�ضمن املجتمع ال�سوري تعد العقالنية �أحد‬ ‫�أهم �أركان النهو�ض بعد عهود من التخلف و�ضحالة‬ ‫االنتاج املعريف وغيابنا عن امل�ساهمة احل�ضارية‬ ‫االن�سانية‪� .‬إن احرتام العقل وتنميته واال�ستثمار‬ ‫به يعد اخلطوة الأهم يف م�سرية حترير الإن�سان‬ ‫م��ن خ�ل�ال وظ��ي��ف��ت�ين رئ��ي�����س��ي��ت�ين‪ :‬الأوىل هي‬ ‫ال�سيطرة على الطبيعة وا�ستثمار م��وارده��ا مع‬ ‫املحافظة على ا�ستدامتهاـ وهذه �أحد نقاط متيز‬ ‫احل�ضارة املعا�صرة التي تقدمت �أ�شواط ًا كبرية‬ ‫يف جم��ال التحكم بالظروف املناخية وا�ستثمار‬ ‫امل��وارد الطبيعية والب�شرية يف عميات االنتاج‪،‬‬ ‫الأمر الذي راكم ثروات غري م�سبوقة تعد �أر�ضية‬ ‫رئي�سية لتمويل الن�شاط االن�ساين واالجتماعي‬ ‫وال��ث��ق��ايف امل��ط��ل��وب‪� .‬أم���ا الوظيفة الثانية فهي‬ ‫االن��ت��اج واالكت�ساب العلمي كم ًا ون��وع�� ًا فتمكني‬ ‫االن�سان علمي ًا ومعرفي ًا يعتمد على ا�ستخدام‬ ‫العقل و يكون م�صدر ًا رئي�سي ًا للتطور يف كافة‬ ‫املجاالت‪ ،‬وهذا يحتاج اىل نظم تربوية وتعليمية‬ ‫متقدمة وجامعات ومراكز بحوث احرتافية‪ .‬كما‬ ‫يتطلب توفري احلريات ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫واالجتماعية والثقافية‪ ،‬ومت َثل القيم الأخالقية‬ ‫ال�سامية‪.‬‬ ‫امل�ؤ�س�سات يف �سورية امل�ستقبل‪ ،‬التي حتدد‬ ‫القواعد الناظمة لأن�شطة الأف��راد واجلماعات‪،‬‬ ‫هي ال�ضامن مل�شروع النه�ضة‪ ،‬حيث تقوم امل�ؤ�س�سات‬ ‫على �أ�سا�س اتفاق م�شرتك على الر�ؤيا امل�ستقبلية‬ ‫و�أ�س�سها وعلى العقد االجتماعي‪ ،‬ويتم ذلك من‬ ‫خ�لال امل�ؤ�س�سات الر�سمية وغ�ير الر�سمية عرب‬ ‫ترجمة الر�ؤيا امل�شرتكة للمجتمع �إىل بيئة توفر‬ ‫االمكانات والفر�ص املرجوة‪ .‬وم�ؤ�س�سات �سورية‬ ‫امل�ستقبل تطلق الإم��ك��ان��ات امل��ادي��ة والب�شرية‬ ‫للمجتمع من خ�لال متتعها بالكفاءة يف معرفة‬ ‫احتياجات املجتمع و�أهدافه وحماولة حتقيقها‬ ‫ب�أف�ضل الو�سائل‪ ،‬كما تتمتع بال�شفافية وامل�ساءلة‬ ‫حتى ال تنحرف عن ال�صالح العام اىل امل�صالح‬ ‫ال�شخ�صية �أو الأداء املتدين‪ .‬ويتم �ضمن هذه‬ ‫امل�ؤ�س�سات و���ض��ع الأه����داف واخل��ط��ط وحتديد‬ ‫االح��ت��ي��اج��ات و�صناعة ال�سيا�سات والتنفيذ‬ ‫مب�شاركة اجلميع‪.‬‬ ‫�إن ال��دول��ة كم�ؤ�س�سة حم��وري��ة يف �سورية‬ ‫تتبنى التنمية الإن�سانية وتعلب دور ًا فاع ًال يف‬ ‫توفري املناخ الفكري واالبداعي واحلياة الكرمية‬ ‫والتمكني والعدالة االجتماعية واحلريات العامة‬

‫والرفاه امل��ادي والقيم الأخالقية ال�سامية‪� .‬إذ‬ ‫�أن التحدي احل�ضاري الكبري بحاجة �إىل تنظيم‬ ‫عال وم�ؤ�س�سات احرتافية يحكمها خدمة ال�صالح‬ ‫العام وقيم و�أهداف املجتمع والعقالنية يف ترجمة‬ ‫الطموحات �إىل خطط و�سيا�سات عملية قابلة‬ ‫للتنفيذ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يلعب املجتمع امل��دين دورا كبريا من خالل‬ ‫امل�شاركة الفعالة جلميع �أبناء املجتمع يف حتقيق‬ ‫الر�ؤيا من خالل تطوير احلوار املجتمعي والدفاع‬ ‫عن م�صالح الأف��راد واجلمعات وتعزيز التفاعل‬ ‫الثقايف املتنوع وقيم اح�ترام الآخ��ر والعقالنية‬ ‫واالنتاج املعريف‪ ،‬ومراكمة ر�أ�س املال االجتماعي‬ ‫من خ�لال م�ؤ�س�س�ساته امل�ستثمرة يف الثقة بني‬ ‫�أف��راد املجتمع ويف قيم الت�ضامن واالن�سجام بني‬ ‫اجلميع يف �سبيل خدمة ال�صالح العام‪ .‬واملجتمع‬ ‫املدين احليوي هو �ضمري النه�ضة وم�ساند ومتابع‬ ‫لل�سلطات التنفيذية والت�شريعية والق�ضائية‪،‬‬ ‫م�ساهم ًا يف ت�صحيح م�سارها‪ ،‬مركز ًا على �أهمية‬ ‫ال��ع��ق��ل وال��ف��ك��ر واح��ت��رام االن�����س��ان وال��ع��دال��ة‬ ‫االجتماعية والأخالق النبيلة يف كل الأوقات‪.‬‬ ‫التنمية املادية يف �سورية ت�ستثمر االمكانيات‬ ‫وتعظم الفائدة منها يف �سبيل خدمة االن�سان من‬ ‫خ�لال الرتكيز على املعرفة واالبتكار كم�صدر‬ ‫م�ستدام لها‪ ،‬مما يتطلب ا�ستثمار ًا يف ر�أ���س املال‬ ‫الب�شري واالجتماعي والثقايف‪ .‬ومب��ا �أن الفكر‬ ‫االن�ساين هو امل�صدر الرئي�سي ال�ستدامة التنمية‬ ‫مادي ًا و�إن�ساني ًا‪ ،‬يفرت�ض متكني و�إدماج كافة فئات‬ ‫املجتمع يف هذه العملية وا�ستبعاد التفاوت وعدم‬ ‫العدالة‪.‬‬

‫املنطلق الثالث‪� :‬سورية واحل�ضارة‬ ‫الإن�سانية‬

‫يتج�سد ه��ذا املنطلق يف م�ساهمة املجتمع‬ ‫ال�����س��وري يف احل�����ض��ارة ال��ع��امل��ي��ة‪ ،‬وي��رت��ك��ز على‬ ‫االنتاج املادي والعلمي والثقايف والتقني مبا يغني‬ ‫احل�ضارة االن�سانية‪� ،‬إن هذه امل�ساهمة حتتاج اىل‬ ‫منتجات احل�ضارة االن�سانية من خ�لال ق��راءة‬ ‫نقدية واعية للمخزون الهائل من املعارف الذي‬

‫مت انتاجه واال���س��ت��ف��ادة منها يف بناء املخزون‬ ‫العلمي واملعريف والتقني الالزم للتحول �إىل �شريك‬ ‫�أ�سا�سي يف احل�ضارة العاملية‪ .‬مع �ضرورة جتاوز‬ ‫م�أزق احل�ضارة االن�سانية ب�شكل عام واملتمثل يف‬ ‫التفاوت االجتماعي واالقت�صادي �ضمن الدول‬ ‫وبينها وان��ت�����ش��ار قيم اال���س��ت��غ�لال واال�ستئثار‬ ‫والرتويج للغرائز وتف�ضيل الأول��وي��ات الفردية‬ ‫على اجلمعية مم��ا ي�شكل خ��ط��ر ًا على م�ستقبل‬ ‫ح�ضارة الإن�سان‪.‬‬ ‫كما يتطلب اال���س��ه��ام يف احل�����ض��ارة العاملية‬ ‫التحرر من التحكم وال�سيطرة اجلائرة للدول‬ ‫الأك��ث�ر ن��ف��وذ ًا وال���دف���اع ع��ن ا���س��ت��ق�لال ال��وط��ن‬ ‫وحتريره من اال�ستغالل االقت�صادي واالجتماعي‬ ‫وال�سيا�سي والثقايف‪ .‬مما يتطلب امل�ساهمة يف بناء‬ ‫العقد االجتماعي االن�ساين الذي يطوره اجلميع‬ ‫لتمكني املجتمعات وتوفري الفر�ص العادلة للجميع‬ ‫يف التطور واالب���داع م��ع احل��ف��اظ على هوياتها‬ ‫و�شخ�صيتها امل��م��ي��زة‪� .‬إن التغيري يف العالقات‬ ‫االن�سانية على امل�ستوى الدويل هو مطلب ملح �إذ‬ ‫ال ميكن �أن يتحرر ان�سان قاطن يف بلد مرتهن‪.‬‬ ‫وال �شك يف �أن العالقات الدولية احلالية ‪-‬والتي‬ ‫تعد نتيجة خللل يف الثقافة احلديثة ال�سائدة يف‬ ‫املجتمعات املتقدمة‪ ،‬يف جماالت اال�ستئثار بالقوة‬ ‫وتعزيز اال�ستهالك وا�ستغالل ال��دول الأ�ضعف‬ ‫واملبالغة يف الرتكيز على الرفاه املادي‪� -‬ساهمت‬ ‫يف التفاوت الكبري بني املجتمعات ان�ساني ًا‪ ،‬ويقت�ضي‬ ‫قيام حتالفات دولية نحو متكني ال��دول املهم�شة‬ ‫واملق�صاة لت�شارك بفاعلية يف احل�ضارة االن�سانية‪.‬‬ ‫يف ذات الإطار �سورية امل�ستقبل دولة فاعلة‬ ‫يف �إقليمها اجل��غ��رايف والإن�����س��اين متفاعلة معه‬ ‫م�ؤثرة ومت�أثرة به‪ ،‬تلعب دور النموذج الثقايف‬ ‫وال��ف��ك��ري للمنطقة‪ ،‬رائ���دة يف جم��ال ا�ستثمار‬ ‫املعرفة وخمرجات العلم يف خدمة الإن�سان‪� .‬إن‬ ‫التفاعل الثقايف مع بقية دول العامل يعد حجر‬ ‫الزاوية يف بناء حتالف له ثقل ي�سعى �إىل عدالة‬ ‫�أكرث و�إن�سانية �أ�سمى يف النظام الدويل‪.‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.